مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٠ ديسمبر ٢٠١٧
بوتين بين حميميم والقاهرة

في يوم واحد قام الرئيس الروسي بوتين بزيارتين عربيتين متتاليتين؛ كانت أولاهما إلى قاعدة حميميم الروسية في سوريا والثانية للعاصمة المصرية القاهرة. غير أن ما أحاط بالزيارتين من تفاصيل ومحتويات، أكد اختلافاً عميقاً للأولى عن الثانية، وبين أنهما لم تكونا متماثلتين ولا متقاربتين لا في الشكل ولا في المحتوى ولا في النتائج أيضاً، وهذا ما أبرزته الأخبار وتسريبات الفيديو، التي قدمتها المصادر الإعلامية الروسية عن زيارتي الرئيس الروسي ولقائه مع بشار الأسد الذي تعتبره روسيا رئيساً شرعياً لسوريا، بصورة مماثلة لنظرتها إلى لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومكانته عندها.

ففي زيارة الرئيس بوتين الأولى، كانت قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا، المكان الذي قصده بوتين بدلاً من أن يقصد دمشق التي تعتبرها موسكو عاصمة نظام الأسد، وبهذا المعنى فقد اختار بوتين من سوريا المكان الذي يقع تحت السيطرة المطلقة للقوات الروسية على الأراضي السورية، مما يعني أن بوتين، لا يرى سوريا إلا من خلال وجود قواته وقاعدته، التي شكل وجودها محور التطورات السياسية والميدانية في القضية السورية منذ التدخل الروسي الواسع أواخر عام 2015.

والنقطة الثانية في وقائع زيارة بوتين السورية، هي استدعاء بشار الأسد ليكون في استقبال بوتين في القاعدة الروسية، وقد ظهر الأسد وحيداً دون أن يرافقه أي من السوريين سواء كبار المسؤولين أو القادة العسكريين والأمنيين، بل ودون مرافقة شخصية كما درجت العادة، بخلاف ما كان عليه بوتين المحاط بجنوده وجنرالاته وحرسه الشخصي، كما أن وجود الأسد في القاعدة بدا محكوماً بالسيطرة الروسية، حيث منع جنود روس الأسد من السير إلى جانب بوتين الذي ترك الأول، وكأنه أسير الجنود الروس.

وبخلاف ما ظهر في وقائع زيارة حميميم، فإن محتوى محادثات بوتين - الأسد، لم تتعدَ محتوى السياسة الروسية في سوريا، وأبرز نتائجها إصدار بوتين قراره بإعادة القوات الروسية الموجودة في سوريا إلى قوات تمركزها الأساسية في بلادها بعد ما وصفه الروس بدورها في الحرب على «داعش» وما تحقق من «انتصار» في نتائجها.

ومما لا شك فيه، أن ما ظهرت عليه زيارة بوتين للقاهرة في اليوم ذاته، تضيف أبعاداً أخرى لمحتوى زيارة حميميم السورية ولقائه مع الأسد فيها، وبالتالي فإنها توضح أكثر النظرة الروسية إلى سوريا وشكل التعامل معها ونظرتها إلى رئيس النظام الحاكم في دمشق.

ففي زيارته لمصر نزل بوتين في مطار القاهرة، واستقبله بصورة طبيعية الرئيس المصري محاطاً بكبار المسؤولين المصريين، وتوجه الرئيس الضيف بصحبة مضيفه إلى قصر الاتحادية لعقد المباحثات الروسية - المصرية سواء في لقاءات الوفدين، أو في اجتماعات الرئيسين المغلقة. وطبقاً للمعلومات، فإنه تم بحث العلاقات الثنائية بين الطرفين وخصوصاً في ميدان التعاون النووي والطيران والعلاقات التجارية، إضافة إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك ومنها صراعات المنطقة وسبل حلها بالطرق السلمية، وبحث الوضع في سوريا والحرب على الإرهاب، وهي الموضوعات التي تناولها الرئيسان المصري والروسي في المؤتمر الصحافي الذي عقداه عند انتهاء الزيارة.

لقد أجملت زيارة بوتين ومجرياتها في حميميم، حقيقة النظرة الروسية للوضع في سوريا باعتباره بلداً تحت السيطرة الروسية، وأن رئيس النظام مجرد شخصية ضعيفة وتابعة، وقد أضافت مجريات زيارة بوتين للقاهرة ونتائجها بالمقارنة مع ما جرى في حميميم أبعاداً أخرى، لتوضح في الوقت نفسه الفارق بين تعامل روسيا مع النظام مع البلدين، حيث تنظر روسيا إلى مصر باعتبارها دولة ذات سيادة، تجري العلاقات معها بصورة طبيعية وفق مسار العلاقات الدولية القائمة.

خلاصة القول، فيما رسمته زيارتا بوتين إلى حميميم والقاهرة، أنها أوضحت نظرة الرئيس الروسي إلى سوريا باعتبارها بلداً تحت السيطرة الروسية، التي كثيراً ما يقول الروس إنهم يعتبرونها بلداً مستقلاً، ينبغي الحفاظ عليه واحترام سيادته، ونظرته إلى رئيس النظام القائم في دمشق بشار الأسد الذي يعتبر الروس أنه رئيس «شرعي ومنتخب»، ويبذلون كل جهودهم على كل المستويات من أجل الحفاظ عليه وعلى نظامه في إطار التسوية المقبلة للقضية السورية.

ولعل الأهم في هذه الخلاصة، أنها ترسم حدود ما يمكن أن يكون عليه الموقف الروسي في المفاوضات الجارية سواء في جنيف 8 أو في آستانة الوشيكة الانعقاد، أو في مؤتمر سوتشي، الذي تسعى إليه موسكو لحل القضية السورية، وكله يؤكد أن أفق العملية السياسية في سوريا وحولها يكاد يكون مغلقاً ما لم يحصل تغيير جوهري في النظرة الروسية، وخصوصاً في الموقف من النظام القائم ورئيس النظام بشار الأسد.

اقرأ المزيد
٢٠ ديسمبر ٢٠١٧
هل انسحاب بوتين تمدد لإيران؟

خمسة أيام فقط فصلت بين إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ترشحه للانتخابات الرئاسية في مارس (آذار) المقبل، وبين زيارته إلى سوريا كأول رئيس أجنبي يزورها منذ نحو سبع سنوات، وإعلانه من قاعدة حميميم سحب قطاعات كبيرة من جيشه من الحرب السورية بعد «القضاء على (داعش)».

نجاح بوتين مضمون في الربيع المقبل، مع ذلك اختار الرئيس الروسي المسرح الاستراتيجي ليطل من خلاله كمرشح لولاية رئاسية رابعة تنتهي في عام 2024، تضاف إلى ولاية رئاسة الوزراء بين العامين 2008 و2012.

ففي حميميم، بدا بوتين وكأنه يقول للعالم: ها هي روسيا العظمى عادت، وها هو بشار الأسد رئيس رغماً عن العالم (أميركا وأوروبا تحديداً)، نتيجة تدخلي العسكري في هذه الأزمة. وها أنا أعلن تفوقي، وأقدم نموذجاً تدخلياً مختلفاً عن النموذج الكارثي الأميركي في العراق، أو الأوروبي في ليبيا.

لقد حول بوتين السياسة إلى تلفزيون واقع يومي، وعرض متواصل «للرجولة السياسية» على المسرح الدولي، وتحولت نشرات الأخبار والبرامج السياسية إلى دراما تلفزيونية يعيش من خلالها المواطن الروسي فخراً وعزاً يفتقران إلى أي سند داخلي واقعي يتصل بالعيش الكريم أو الرفاه أو الأمن في البلد الأم.

لكن بوتين يعرف أن استعراضات الأدوار الخارجية لروسيا، أكانت سياسية أم عسكرية، باتت ترتب على الروس أكلافاً هائلة، في ظل متغيرين كبيرين؛ هما: خسارة النفط، المورد الروسي الأساسي، أكثر من 60 في المائة من قيمته السوقية، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا منذ عام 2012. فهذه الأدوار الخارجية فقدت قدرتها على إثارة الناخب الروسي، لا سيما الشاب، الذي وجه ضربة لمرتكزات الشرعية للنظام الروسي حين عزف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية 2016، معبراً عن أدنى نسبة مشاركة في تاريخ روسيا الحديث؛ لم تتجاوز 47 في المائة في العموم، و28 في المائة في مدينة مثل موسكو.

وعليه، يحتاج بوتين للخروج من دور عسكري مباشر طويل الأمد في سوريا، بقدر ما احتاج المسرح السوري ليؤكد عودة مكانة بلاده، وقدرتها على فرض إرادتها ورؤيتها.

هذا التناقض بين الحاجتين يوفر فرصة كبرى لإيران لأن تتقدم بأدوارها ومواقعها على الساحة السورية وعبرها.

فالطيران الروسي لن يستطيع أن يحمي الحكم المتهالك لبشار الأسد إلى الأبد، ما لم يقحم أكثر نفسه في الدفع بجنود على الأرض، كما يلاحظ السياسي والباحث الأميركي فرد هوف. ولئن كانت موسكو حريصة كل الحرص على عدم تكرار تجربة أفغانستان، التي كلفتها 15 ألف روسي على الأقل خلال عشر سنوات، فهي تستند إلى القوات البرية التي تشكلها المرتزقة الإيرانية، من لبنانيين وعراقيين وأفغان وباكستانيين وغيرهم، وهو ما يوفر لإيران فرصة انتزاع دور كبير في سوريا، ومن خلالها في عموم المنطقة، وبأكلاف قليلة نسبياً، بالمقارنة مع أكلاف موسكو.
ليس واضحاً كيف ستدير موسكو حاجتها هذه لإيران، وما مدى الدور الذي ستضطر لمنحه لها، في ظل رهانات أن بوتين سيعمل على تقليص دور نظام الملالي في سوريا.

ثمة من يرى أن إيران ستستفيد من حاجة روسيا إليها لتعميق حضورها في سوريا، سيما أنها أقدر على اختراق البنية الاجتماعية السورية، بحكم قوانين لعبة المذاهب والأقليات.

كما أن إيران أكثر عقائدية في حساباتها ورهاناتها في سوريا، على عكس موسكو التي تعتبر أن تدخلاتها أدت الغرض، وأعادت ترميم مكانة روسيا الدولية، وهو ما أراده بوتين منذ البداية، بينما يبدو نظره مشدوداً الآن لبناء علاقات اقتصادية تعيد النمو إلى بلاده التي تعاني من عقوبات قاسية، وتراجع في قيمة العملة. فمن سوريا حيث الاستثمار في المكانة، انتقل بوتين إلى أنقرة حيث بحث في صفقة صواريخ «إس - 400»، ومصر حيث بحث في استثمارات في الطاقة النووية بحجم 30 مليار دولار.

قبل ذلك، كان بوتين قد استقبل الرئيس السوداني عمر البشير، ووقعت حكومتا البلدين اتفاقيات مهمة للتعاون في مجال تنقيب واستخراج الذهب والنفط، ومنح شركات روسية تراخيص للاستكشاف الجيولوجي، والاستخدام السلمي للطاقة النووية. وللتدليل على عمق العلاقة مع السودان، الذي وصفه بوتين بالشريك الاستراتيجي في أفريقيا، بات السودان أول دولة عربية تتسلم المقاتلة الروسية سوخوي التي يبلغ ثمن الطائرة الواحدة منها نحو 35 مليون دولار.

أكثر فأكثر، سيحتل الهم الاقتصادي أولويات بوتين في رئاسته الرابعة والمصيرية لأنها ستفتح مسألتي: إما وريثه، وإما إمكانيات تعديل الدستور بما يضمن استمراره، وهو ما لن يكون يسيراً بغير إنجازات داخلية حقيقية. وأكثر فأكثر، ستنفتح فرص الاستثمار أمام الدور الإيراني.

ليس من باب الصدفة، أمام هذه الوقائع، أن يعيد العالم تزخيم جهوده لتقليم أظافر إيران، بعد طول استرخاء، كما ظهر في مؤتمر مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، في باريس، والعودة إلى ما يكفل محاصرتها وأدواتها عبر القرارات الدولية والعقوبات وغيرها. أضف إلى ذلك الاستنفار الإسرائيلي غير المعهود تجاه إيران و«حزب الله»، والتحفز العربي الذي يدرك أن مخاطر تحول التدخل الروسي إلى انتصار سهل لإيران، هو سيناريو كارثي لا يجب إسقاطه من الحسابات.

اقرأ المزيد
٢٠ ديسمبر ٢٠١٧
بوتين.. الذي باتت سوريا خلف ظهره

بات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطل على منطقة الشرق الأوسط بصفته الرقم الصعب الذي لا بد منه. تجاوز الرجل مرحلة السعي لإحداث اختراق داخل ما كان يعتبر جزءا من الفضاء الاستراتيجي الأميركي. أضحت روسيا حاضرة بقوة وأضحى العالم بأجمعه، بما في ذلك الولايات المتحدة، مُسلّما بالنفوذ الروسي في المنطقة، مستسلما خصوصا للوظيفة الروسية في مقاربة المسألة السورية. تلخص رحلة اليوم الواحد التي قادت فلاديمير بوتين الاثنين الماضي إلى سوريا ومصر وتركيا المشهد برمته.

عادت روسيا بقوة إلى مصر بعد عقود على "إهانة" طرد الخبراء السوفيات من قبل الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1972. باتت موسكو شريكة للقاهرة في القطاع النووي (مفاعل الضبعة)، كما باتت مصر أرضا ودودة تستقبل قواعدها العسكرية الطائرات العسكرية الروسية، وبالتالي صارت لموسكو إطلالات متعددة على خرائط العالم.

لكن التفصيل الروسي في مصر يكشف منحى لدى القاهرة نفسها بقطع مع رتابة شابت علاقاتها الدولية لجهة التعويل، ربما الوحيد، على صلابة العلاقة التي تربطها بواشنطن.

كان الرئيس السادات يعتبر أن 99 بالمئة من أوراق الشرق الأوسط في يد واشنطن، فيما بدا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يكتشف في السنوات الأخيرة كم فقدت الولايات المتحدة من هذه الأوراق. وسيسهل على المراقب ملاحظة أن مصر في استقبالها للخيارات الروسية المتاحة، إنما تعود للتّدثر بعباءة روسية جرى إهمالها خلال العقود الماضية.

يكشف الحدث حدّة التحوّل الذي طرأ على استراتيجيات تركيا في العالم. بات البيض التركي يتكاثر في السلة الروسية، بينما يتسرب من سلال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تميلُ تركيا بشكل مطرد صوب الفضاءات الأوراسية، بحيث أن التباين التركي الروسي بات فرعا ينمو على هامش الأصل في استراتيجية العلاقة المتنامية بين البلدين.

بدا أن ما يجمع روسيا وتركيا يتجاوز هواجس الأمن (منظومة الدفاع الجوي الصاروخي إس- 400 الروسية لتركيا) والتي ستطيح يوما بأطلسية تركيا، ويروح بالاتجاه إلى تأسيس مصير مشترك تحدده خطط التعاون الاقتصادي لا سيما في مجال الطاقة (وفق مشروع “تورك ستريم” الاستراتيجي اللافت).

لا يمكن فهم قرار بوتين سحب قسم كبير من قواته من سوريا، إلا علامة من علامات القوة، وليس عارضا من عوارض الحرد التي كان يحلو له ممارستها بسادية يهوّل بها على حلفائه كما على الخصوم. بدا الرجل في زيارته المفاجئة إلى القاعدة العسكرية في حميميم متفقدا حسن سير إدارة من الإدارات الروسية، وبدا من خلال استدعائه الجديد لبشار الأسد متفحصا حسن سلوك الرجل داخل دفتر الشروط الذي تحدّثه موسكو يوميا في شأن مآلات المسألة السورية.

يسحب رجل الكرملين قسما من القوات الروسية في سوريا بما يتسق تماما مع إعلانه السابق عن انتهاء تنظيم داعش داخل هذا البلد. لكنه في الإعلان عن الاستغناء عن الحضور العسكري الثقيل ما يشي بأن بوتين بات ممسكا بقرار سوريا دون الحاجة إلى صيانة ذلك عبر القوة النارية للدولة العظمى.

والظاهر أن بوتين الذي لا شك يستخدم إعلان الانسحاب كأداة من أدوات حملته الرئاسية المقبلة، أصبح يدرك، بعد ورشه في أستانة وتلك السابقة واللاحقة قيد الإعداد في سوتشي، أن أنقرة وطهران لا يملكان خيارات أخرى في الشأن السوري غير تلك التي يعرضها سيد الكرملين. أمر فهمه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حين علّق أن “خلق انطباع بأن روسيا تنسحب من سوريا غير واقعي”.

وفيما يخيل أن تعفف بوتين العسكري قد يحرر نظام دمشق كما نظام الولي الفقيه في طهران من القيود التي تفرضها الأجندة الروسية في سوريا، تفصح عنجهية بوتين عن ثقة مفرطة في عدم قدرة كافة الأطراف الإقليمية، كما الدولية، على الانخراط في السياق السوري دون المرور من البوابات الروسية.

وفيما يتدلل نظام دمشق في التعاطي مع مفاوضات جنيف بقيادة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، يعلن هذا الأخير ولو من خلال إبلاغه لوفد المعارضة، أن بديل جنيف هو سوتشي وهو أمر تلاحظ موسكو أن دمشق لا تستسيغه أبدا.

تتسرب في الأيام الأخيرة تقارير تتحدث عن ريبة تشعر بها طهران مما يحيكه بوتين مع العواصم الأخرى بشأن سوريا. يعلن بوتين أن تنسيقا سيجري مع مصر في شأن الورشة السورية، فيما يبدو أن اللقاءات الثنائية والثلاثية التي أجراها الرئيس الروسي مع الرئيسين الإيراني والتركي نجحت في تدجين إيران وتركيا والضغط على طموحاتهما داخل الميدان السوري.

يتحرك بوتين داخل بلدان المنطقة وكأنه يصادر ما تحركت به طهران منذ عقود داخل بلدان نفس المنطقة. تجاري السعودية صعود روسيا في الشرق الأوسط وترفد مسعاها في سوريا.

تنتقل العلاقات بين موسكو والرياض من المغامرات التجريبية إلى مراحل الثبات الدائم، ويدرك رجل الكرملين أن زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأخيرة ترتقي بالعلاقات بين البلدين من إطار رد الفعل ضد واشنطن إلى إطار الفعل مع موسكو.

تلحظ طهران بقلق هذا التحوّل المريب في دور روسيا في الشرق الأوسط. ويستنتج النظام الإيراني غياب أدواته الدفاعية ضد موسكو كتلك التي يستخدمها ضد الرياض أو واشنطن.

لم يصدر عن أي مفوّه في إيران ما ينتقد هذا التواطؤ العلني الروسي في الضربات التي تشنّها إسرائيل منذ سنوات على أهداف تطال قواتها وميليشياتها التابعة داخل سوريا. ولم تملك الأدوات الإيرانية في سوريا إلا هامشا تخريبيا محدودا أمام التفاهمات التي أقامت مناطق خفض التصعيد داخل هذا البلد.

وفيما يمعن بوتين في تكرار إشارات الإذلال التي يمارسها بحقّ بشار الأسد عند كل لقاء يجمعه به، تبدو طهران، كما دمشق للمفارقة، مستسلمة لحقيقة أن مصير رجل دمشق هو رهن ما يقرره الكرملين وسيّده يوما ما.

بدا بوتين في جولة اليوم الواحد، الاثنين الماضي، إلى ثلاث من دول المنطقة، بأنه بات يعتبر الشأن السوري تفصيلا داخل الخارطة التي يطمح إليها في الشرق الأوسط.

وحتى ردّ الفعل الأميركي الذي اعتبر أن قرار الانسحاب العسكري الروسي الجزئي من سوريا لن يؤثّر على عمل القوات الأميركية في هذا البلد، أظهر السعي الأميركي في سوريا بصفته جزءا من فضاء العمليات الروسية هناك، وليس مستقلا أو عصيا على قواعده.

وعليه لا يسير بوتين داخل الشرق الأوسط داخل حقل ألغام أميركي، بل يتجوّل داخل ميدان أزالت واشنطن فخاخه منذ أن ظهر أن نزوع الرئيس السابق باراك أوباما للانسحاب النسبي من المنطقة ما زال معتمدا لدى إدارة دونالد ترامب الحالية، وإن اختلفت مقاربة الأمر وتوضيب أولوياته.

اقرأ المزيد
٢٠ ديسمبر ٢٠١٧
حرية لبنان في قفص حزب الله

قيس الخزعلي وهو أحد صبيان مقتدى الصدر السابقين شوهد في جنوب لبنان. اختلف المحللون السياسيون في الجهة التي تود إيران إرسال رسالتها إليها من خلال تلك الواقعة التي أشرف على مسرحتها حزب الله.

البعض قال إنها موجهة إلى إسرائيل لمناسبة أي حرب مقبلة، فيما التفت آخرون إلى المملكة العربية السعودية بسبب استقالة سعد الحريري وتراجعه عنها. وهما رأيان على قدر من الفكاهة الساذجة، غير أن الرأي الأكثر ظرفا هو الذي أكد من خلاله قائلوه أن تلك الرسالة كانت موجهة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شخصيا، بمناسبة قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية.

لقد اهتمت وسائل الإعلام العربي بتلك الزيارة وهو ما أضفى عليها دلالات لا تتحملها ولا تنطوي عليها. فالرجل الذي يقود في العراق ميليشيا طائفية اسمها “عصائب أهل الحق” وإن عُرف بولائه الإيراني لا يمثل في المعادلة السياسية العراقية شيئا يُذكر، إضافة إلى أنه مطلوب دوليا لارتباطه بعمليات إرهابية، كانت القوات الأميركية قد رصدتها قبل سنوات.

هو واحد من سفاحي الخط الطائفي الثاني. ولا أعتقد أن تسليط الضوء على تحركاته ينفع في شيء. لا نفيا ولا إثباتا. فهو مجرد أداة لا صانع قرار بالرغم من أن وجوده ضمن قادة الحشد الشعبي قد وهبه نوعا من الغطاء في ظل مسعى الأحزاب الشيعية لمنح ذلك الحشد صفة قانونية.

غير أن قيس الخزعلي مثل سواه من قادة الحشد يظل في مكانه الحقيقي الذي لن يتمكن من مغادرته، رجل عصابات خارجا على القانون.

تاريخ الرجل يضعه في صف طويل من القتلة والإرهابيين والمرتزقة وقطاع الطرق ورجال المافيا التي تمتهن الخطف تنفيذا لمشروع إيران في نشر قيم الفوضى في العالم العربي.

هؤلاء الذين يستقبلهم حزب الله من غير موافقة أو معرفة الجهات اللبنانية المختصة، يشكلون دليلا دامغا على ارتباط ذلك الحزب بمنظومة قوى الإرهاب التي تديرها وتمولها إيران عالميا.

وإذا ما عـدنا إلى المنطق السياسي السليم فإن حماسة حزب الله لظهور قيس الخزعلي جنوب لبنان كانت خطوة غير موفقة أراد من خلالها حسن نصرالله استفزاز شركائه في الحكم الذين أبدوا ميلا كبيرا للتهدئة في ظل وضع إقليمي تسيطر عليه التجاذبات التي تظل في غاية الغموض من جهة ما يمكن أن تؤدي إليه من نتائج، قد تفتح الباب على المزيد من التدهور في العلاقات بين الدول.

ليس من مصلحة حزب الله أن تشتد أزمات لبنان الداخلية بعد أن أقدم رئيس الوزراء على الاستقالة اعترافا منه بعجزه عن إدارة مؤسسات دولة وضعها الحزب المذكور في سلته.

غير أن حزب الله بالرغم من تغوله السياسي هو في حقيقته مشروع حرب دائمة، إضافة إلى أنه لا يملك مشروعا وطنيا يجعله في منأى عن المشاركة السلبية في أزمات المنطقة تنفيذا لمبدأ النأي بالنفس الذي هو مجرد شعار يرفعه وزير خارجية لبنان الموالي لحزب الله كلما وجد نفسه محرجا في اتخاذ موقف واضح.

لذلك فإن من المؤكد أن حزب الله لا يملك أن يقدم للبنان سوى استعراضات رثة وعلى قدر كبير من العبثية مثل ذلك المشهد الذي ظهر فيه مجرم هو قيس الخزعلي في الجنوب اللبناني وهو البقعة التي ينظر إليها العرب بشيء كبير من الاعتزاز، كونها أرضا عربية محررة.

لا يستضيف حزب الله على أرض لبنان سوى القتلة. هل هناك شك في ذلك؟

بالنسبة لجماعة طائفية لا تؤمن بالقيم الوطنية ولا بحق لبنان في أن يكون سيدا على أرضه مستقلا بقراره، فإن القتلة هم رموز المقاومة التي تحولت للأسف إلى أن تكون عنوانا للمشروع الإيراني في المنطقة.

لذلك فإن حزب الله لا يشعر بالخزي لأنه يستقبل مجرما على أرض يُفترض أنها اكتسبت نوعا من الرمزية الوطنية والإنسانية بسبب ارتباطها بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

فإذا ما كان مجرم مثل قيس الخزعلي قد دنس أرض الجنوب، فإن الحرية هي أول المتضررين. حرية لبنان التي وضعها خادم الولي الفقيه في قفص.

اقرأ المزيد
١٩ ديسمبر ٢٠١٧
بوتين وإيران يجنيان ثمار قرار ترامب بشأن القدس

لم يكن قرار ترامب بخصوص الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، قراراً ارتجالياً للرئيس الأمريكي المشكوك بصلاحيته لمنصبه. فقبل كل شيء هناك قانون أصدره الكونغرس، منذ نحو عقدين من السنوات، لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، تم تجميده على مدى ولايات الرؤساء السابقين، من أجل عدم خسارة الحلفاء العرب للولايات المتحدة. كان تحويل هذا القانون إلى واقع مطبق يتطلب حصول تقدم في عملية التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، بما يتيح للولايات المتحدة نقل السفارة في شروط ملائمة.

لم تتحقق هذه الشروط الملائمة، ولا يبدو أنها في سبيلها إلى التحقق، في إطار التسوية المذكورة، لكنها تحققت في إطار آخر لم يكن يخطر على بال أحد إلى ما قبل سنوات قليلة. ويمكن تلخيصه في النتائج الكارثية التي انتهت إليها ثورات الربيع العربي بسبب التدخل الإيراني الفظ من جهة، وصعود السلفية الجهادية في بيئة الخراب الذي حققته أنظمة دموية تمسكت بالحكم رغم أنف شعوبها، ومثالها الأبرز نظام بشار الكيماوي في دمشق، من جهة أخرى. وساهم ما يسمى بالمجتمع الدولي بقسط كبير في تحقق هذا الخراب، بقبوله الضمني أو المعلن بالحروب التي أطلقتها تلك الأنظمة ضد شعوبها، كما بالتدخلات الإيرانية في جوارها الإقليمي.

وقد أدت مجموع الديناميات المذكورة إلى بروز صراع إقليمي ذي مظهر مذهبي سني ـ شيعي، على حساب الصراع الافتراضي العربي ـ الإسرائيلي. وأدى خراب بلدان كسوريا والعراق واليمن وليبيا، ومصر بطريقة مختلفة، إلى إضعاف كامل الطوق العربي المحيط بإسرائيل، بصورة متوازية مع الضعف الفلسطيني الذاتي بسبب انقساماته الداخلية والنفوذ الإيراني في بعض مكوناته السياسية.. ليوفر مجموع هذه التطورات البيئة المثالية لتحويل قرار الكونغرس المجمد بشأن القدس إلى واقع متحقق بتوقيع رئيس للولايات المتحدة عوّد الرأي العام على قرارات صادمة وفضائحية ما كان لأي رئيس أمريكي آخر أن يتخذها بجرة قلم كما فعل ترامب.

ولكن، برغم كل الشروط «الملائمة» المذكورة أعلاه، يبقى أن لقرار ترامب تداعيات لا يمكن اعتبارها تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وإن كانت تصب في مصلحة إسرائيل بصورة تامة. من المحتمل أن الجولة «الرشيقة» التي قادت الرئيس الروسي، في يوم واحد، إلى سوريا ومصر وتركيا، ما كان لها أن تتمتع ببريق النجاح لولا أنها جاءت بعد قرار ترامب بشأن القدس بأيام قليلة. ففي القاعدة الجوية الروسية في حميميم استقبل «ضيفه» الكيماوي بطريقة مذلة لهذا الأخير، وأعلن عن قراره بسحب قسم من قواته الجوية والبرية من سوريا، مع الإبقاء على القاعدتين العسكريتين في طرطوس وحميميم. وذلك تتويجاً لـ»النصر» الذي سبق وأعلن عن تحقيقه «على الإرهاب» في سوريا بعد سيطرة قوات تابعه السوري على البوكمال قرب الحدود العراقية.

فإذا أضفنا هذه الزيارة المفاجئة إلى ما يجري في جنيف من مفاوضات بلا مفاوضات، مع تهديد الممثل الأممي ستيفان دي مستورا لوفد المعارضة باستبدال مسار سوتشي الروسي بمسار جنيف الأممي، أمكن القول أن بوتين المسلح بتفاهماته مع إدارة ترامب بشأن الصراع السوري، قد أمسك بمصير سوريا بصورة متفردة، بما يجعل روسيا نداً للولايات المتحدة كما كان يحلم بوتين منذ صعوده إلى السلطة في روسيا.

وما يعزز من صورة هذه الندية المشتهاة، العلاقات الطيبة التي باتت تربط روسيا بجميع دول المنطقة تقريباً، من إسرائيل إلى دول الخليج ومصر، إضافة إلى تركيا وإيران. مع تركيا وإيران بصورة خاصة، أنشأ بوتين تعاوناً ثلاثياً بشأن سوريا في مسار آستانة، ويستعد لنقل محادثات السلام المفترضة في جنيف، تحت إشراف الأمم المتحدة، إلى سوتشي بإشراف الثلاثي الروسي ـ الإيراني ـ التركي. أما في مصر فقد اتفق مع حكومة السيسي على إنشاء مفاعل نووي، إضافة إلى عقود تسلح. وفي أنقرة يسعى بوتين إلى تذليل آخر العقبات أمام التئام «مؤتمر الحوار الوطني» (الشعوب السورية سابقاً) وذلك بتفهم هواجس القيادة التركية بشأن تمثيل كرد سوريا في المؤتمر. إضافة إلى صفقة صواريخ إس 400 الروسية التي باتت أقرب إلى التوقيع النهائي بشأنها.

هذه بعض وجوه «قصة نجاح» بوتين التي برزت في جولته الثلاثية السريعة وشملت كلاً من حميميم والقاهرة وأنقرة. لكن وجهاً آخر لهذه الجولة يتمثل في الموقف الروسي من قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يسعى إلى تسويقه انطلاقاً من تركيا التي سيجتمع فيها قادة الدول الإسلامية، الأربعاء، للتباحث حول موضوع القدس. وهكذا أتيح لبوتين أن يقدم روسيا بوصفها أقرب إلى تطلعات الدول العربية والإسلامية بخصوص القضية الفلسطينية، بالمقارنة مع الموقف الأمريكي الذي طوى بالقرار الأخير حول القدس، عملياً، أي إمكانية للاستمرار كوسيط في عملية السلام المفترضة.

ما هي الجهات الأخرى التي استفادت من قرار ترامب بشأن القدس، إضافة إلى روسيا؟

التيار السلفي الجهادي الذي من المحتمل أن يكسب المزيد من الأنصار لدعاواه العدمية، و»محور الممانعة» المزعومة بقيادة نظام ولي الفقيه في إيران. فهذا المحور الذي فقد الكثير من مبررات ممانعته المفترضة، بعد خوضه في وحول الصراعات المذهبية في العراق وسوريا واليمن، سيسعى الآن إلى استعادة شيء من دعاواه بمناسبة حدث القدس. ولكن إذا نظرنا إلى ردة فعل حسن نصر الله، أبرز الأصوات الملعلعة لهذا المحور، سيظهر أن استعادة زخم الخطاب الممانع لن يكون بهذه البساطة. فهو يدعو إلى مواجهة القرار الأمريكي بالجهاد الافتراضي عبر تويتر وفيسبوك!

اقرأ المزيد
١٩ ديسمبر ٢٠١٧
روسيا في سورية بين الحرب والدبلوماسية

أعلنت روسيا، منذ البداية، أن تدخلها العسكري في سورية سيكون محدوداً، ولمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة شهور، وبعد مضي أكثر من عامين على هذا التدخل، ظهر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في زيارته القصيرة للقاعدة الجوية الروسية في سورية، وقال، مرةً أخرى، إن الجيش الروسي أنجز مهمته، وسيعود إلى بلاده. وصحيح أن هذا الأمر كان قد تعهَّد به مراراً في السابق، إلا أن التوقيت والدلالات مختلفة هذه المرة.

ترك بوتين لنفسه مساحةً كبيرةً للمناورة بقوله إن "جزءاً كبيراً" من القوات سيعود إلى البلاد، وإفادته بأن روسيا أسَّسَت وجوداً دائماً في سورية من خلال قاعدة حميميم وقاعدة طرطوس البحرية المُوسَّعة. وكان ديمتري بيسكوف، المُتحدِّث باسم بوتين، أكثر غموضاً، حين أشار إلى إنه لا يوجد جدولٌ زمني مُحدَّد للانسحاب، وقال: "من الواضح أنها مسألة لا تنتهي بين ليلةٍ وضُحاها". ولا بد من التساؤل عن جدوى الحملة العسكرية التي قامت بها روسيا على مدار عامين؟ وعما يريد بوتين؟ وهل حقق ما يصبو إليه؟

كان الهدف الرئيس من التدخل العسكري الروسي إنقاذ نظام الأسد من السقوط، وإضعاف أعدائه، كما أرادت روسيا ضمان مصالحها، وعرض قواتها العسكرية، واختبارها، إضافة إلى استهداف التنظيمات المتطرّفة، بسبب مشاركة المواطنين الروس في نشاطها، كما حاول بوتين ربط تحركاته في سورية بملفات أخرى، مثل نزاع أوكرانيا، والخلافات مع الاتحاد الأوروبي، والعقوبات الغربية على روسيا. وينظر بعضهم إلى أن التدخل الروسي ساهم، نوعاً ما، في تحجيم الدور الإيراني الذي استفرد بالقرار السوري، منذ نهايات عام 2012، حيث انعكس الانزعاج الإيراني من التهميش الروسي، بتقارب إيراني مع تركيا، إضافة إلى تصريحاتٍ سابقة للرئيس الإيراني، حسن روحاني، تفيد بعدم رضا إيران عن جميع القرارات التي تتخذها روسيا في سورية، إلا أن ذلك كله لا يرتقي إلى مستوى خلاف روسي - إيراني على أهدافهما القريبة في سورية.

أوجد التدخل الروسي نوعاً من التوازن العسكري في ميزان القوى بين جميع الأطراف، بحيث لا يسمح لأي منها بتحقيق أي انتصارٍ يمكن أن يقلب المعادلة على الأرض السورية، واستطاعت روسيا إعادة مناطق كثيرة في سورية إلى يد النظام، باستثناء بعض المناطق في شمال شرقي البلاد. وعلى الرغم من أنه من الممكن أن تعيد الجماعات المتطرّفة بناء نفسها مرة أخرى، إلا أن تحذير بوتين شديد اللهجة لهم، يترك باب الاحتمالات مفتوحاً.

وقد استفادت روسيا استفادةً كبرى من عدم رغبة الولايات المتحدة في التدخُّل في صراعاتٍ مختلفة في الشرق الأوسط وغياب دور واضح لها في أزماتٍ كثيرة، وخصوصا سورية، لتُعيد بناء علاقاتها مع عواصم مختلفة في المنطقة، سيما الخليجية منها. وقد عملت روسيا بتدخلها العسكري في سورية على تحقيق أهداف جيو - استراتيجية، ونجحت، إلى حد كبير فيها، على الرغم من فشلها في تحقيق بعض تلك الأهداف، وجاء قرار إعلان الانسحاب مع اقتراب موعد مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري، فموسكو ينتظرها دور سياسي مهم، حين يعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي سيضم ممثلين عن المعارضة السورية. ووفقا للرؤية الروسية، فإن الحل الوحيد للأزمة السورية يتمثل في تشكيل حكومة جديدة، لإعادة الهدوء إلى البلاد، إلا أن موقع "المونيتور" الأميركي يعتبر تنفيذ تلك الرؤية مع رئيس مثل الأسد أمرا صعبا للغاية. وهنا يجب أن تظهر قدرات موسكو الدبلوماسية في تطبيق رؤيتها.

ويرى مراقبون أن إعلان روسيا الانسحاب، بالتزامن مع مفاوضات جنيف بجولتها الثامنة، واقتراب الجولة الثامنة من محادثات أستانة، والاستعداد لمؤتمر سوتشي، رسالة إلى الأطراف الإقليمية بالدرجة الأولى التي اعتبرت أن روسيا، بتدخلها العسكري، أبعدت الحل السياسي، وعقّدت الوضع السوري المعقد أصلاً.

وعلى الرغم من التدخل العسكري الروسي القوي في سورية طوال عامين، إلا أن روسيا ما زالت تفتقر إلى تفعيل دور سياسي قوي، خصوصا بعد إعلان الانسحاب، وباتت تواجه تحدياً من نوع آخر هذه المرة، سياسي وليس عسكريا.

ومن هذه الزاوية، تعاونت موسكو سياسيا وعسكريا مع دول إقليمية في المنطقة، بهدف دعم موقفها السياسي الضعيف. وكان ذلك خلال محادثات أستانا، الذي نظمته موسكو بالتعاون مع طهران وأنقرة، حيث استطاعت الدول الثلاث تهدئة الوضع في سورية، بالإضافة إلى إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد.

ولا يمكن تجاهل موقف دول كبرى عديدة، والإقليمية الرافضة للنفوذ الإيراني في سورية والمنطقة، وهو ما يجعل روسيا في موقفٍ لا تحسد عليه، فهي تخشى على علاقاتها السياسية والاقتصادية القوية مع تلك الدول، التي يثير التقارب الروسي الإيراني استياءها.

ويبقى القول إن لجولة بوتين أخيرًا من حميميم إلى أنقرة مروراً بالقاهرة رسائل داخلية أيضاً، إذ تستعرض دوره زعيماً أعاد لروسيا هيبتها التي فقدتها في السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي، في وقتٍ يشرع فيه بحملته للفترة الرئاسية الخامسة. وعلى الرغم من ثقته من انتصاره في الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار من العام المقبل، إلا أنه يسعى للحصول على مستوى عال من الدعم، وإقبال قياسي في عملية الاقتراع.

اقرأ المزيد
١٩ ديسمبر ٢٠١٧
«السوريون شبعوا من الديموقراطية»!

الرسائل التي تعمد الرئيس فلاديمير بوتين توجيهها خلال زيارته الخاطفة قاعدة حميميم لم تقتصر على البعدين الإقليمي والدولي، إذ كانت الرسالة الأكثر دلالة موجهة إلى الداخل الروسي.

كان في مقدور بوتين أن يعلن من موسكو انتهاء العمليات العسكرية، وبدء الانسحاب الجزئي. لكن وجوده في القاعدة الروسية محاطاً بجنرالاته، ومستعرضاً معهم مسار «الانتصار الكبير» وملامح المرحلة المقبلة. يضاف إلى المشهد الذي رسمت تفاصيله بدقة للرئيس السوري بشار الأسد واقفاً على بعد خطوة واحدة... خلفه. وكل ما رافق الزيارة من تفاصيل هدف إلى تكريس الفكرة التي طرحتها وزارة الدفاع الروسية مبكراً، منذ الأيام الأولى للتدخل الروسي المباشر في سورية: الرئيس الروسي هو صاحب قرار الحرب والسلام.

تجاهل بوتين مسار جنيف وهو يحدد الخطوات المقبلة. وثبت تحالفه مع إيران وتركيا كشريكين في صناعة التسوية السياسية. محدداً بذلك خياراته الإقليمية لاحقاً، مع إبداء الحرص على إقامة ركيزة ثالثة للسياسة الروسية في الشرق الأوسط من البوابة المصرية.

داخلياً، ثمة أهمية خاصة لتوقيت إعلاني «الانتصار» و «الانسحاب»، مرتبطة بانطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية في روسيا. وعلى رغم أن بوتين يحظى بشعبية مريحة، ستحمله بثقة إلى كرسي الرئاسة لولاية رابعة في الربيع المقبل، لكن لا يمكن الكرملين تجاهل تزايد القلق لدى شرائح واسعة في المجتمع الروسي بسبب الحرب في سورية. وخلال عامين تزايدت المخاوف من انزلاق روسيا إلى «أفغانستان جديدة»، ومن شبح اتساع المواجهة مع الولايات المتحدة. عموماً، ساد نوع من «عدم فهم» أسباب التدخل، و «لماذا نرسل أبناءنا إلى بلد بعيد لا تربطنا معه مصالح كبيرة»، وفقاً لنتيجة استطلاع أجراه مركز دراسات الرأي العام في العام الماضي. وكان لافتاً أن أكثر من 50 في المئة من الروس قالوا أنهم يرغبون في انسحاب «فوري» للقوات الروسية من سورية في استطلاع أجراه مركز ليفادا المستقل قبل نحو شهرين.

في هذه الأجواء، اكتسب التركيز على «الانتصار العسكري الكبير» و «إنجاز المهمة» أهمية كبرى، خصوصاً عندما يتم ربط ذلك مع تكرار أن روسيا «نفذت عملية نظيفة» لجهة أن «الخسائر الروسية في حدود متدنية جداً».

وعكس خطاب الإعلام الرسمي جدية المخاوف من «محاولات غربية» للتدخل في مسار الانتخابات أو السعي إلى زعزعة الأوضاع الداخلية أثناء الحملة الانتخابية أو بعدها. وهنا، خدم المثل السوري هدف الترويج لضرورة «حماية روسيا من التداعيات الخطرة للتدخل الأجنبي».

لتحقيق ذلك استخدمت البروباغاندا الداخلية الروسية خطاباً مزدوجاً، فهي إلى جانب التركيز على التهديد الذي يمثله الإرهاب «العائد» إلى المدن والشوارع الروسية، والذي ذهبت روسيا لتحاربه في «معقله»، سعت إلى إيقاظ ذاكرة الروس الذين لم ينسوا بعد أهوال الحرب القوقازية، عبر عقد مقارنات لا تنطبق غالباً على الواقع السياسي أو حتى التضاريس الجغرافية. مثل الإشارة إلى أن «من تبقى من مجموعات إرهابية منفصلة في سورية يتحصن في الجبال الوعرة والغابات الكثيفة». وهي عبارة مستعارة من بيانات العسكريين الروس نهاية تسعينات القرن الماضي.

لكن الأكثر دلالة هي المقاربة التي تضع جانباً هدف «مكافحة الإرهاب» وتركز على أن المهمة التي تم إنجازها في سورية هي «النجاح في سحق الطابور الخامس الذي وظفته واشنطن لزعزعة الأوضاع في البلاد» وأن مهمة الغرب في حشد قوى موالية ستكون أصعب خلال المرحلة المقبلة.

كتب أحد المعلقين السياسيين البارزين أن السوريين «شبعوا من شعارات الديموقراطية، وباتت لديهم مناعة ضد الليبرالية». بمقدار ما تحمل العبارة إسقاطات داخلية، فهي تختصر في الوقت ذاته مغزى «الانتصار الروسي» في سورية.

اقرأ المزيد
١٩ ديسمبر ٢٠١٧
الأسد لخدمة بوتين

زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سورية يوم الإثنين، للاحتفال مع بشار الأسد أولاً ببسط نفوذه في المتوسط من قاعدة بحرية باقية إلى أجل غير مسمى في طرطوس، وثانياً لمنع امتداد أي نفوذ أميركي وغربي. فبوتين أنقذ بشار الأسد الذي بدأ حرب أهلية على شعبه قتلت أكثر من ٤٥٠ ألف مواطن وشردت الملايين. وأدت إلى أكبر موجة من اللاجئين في التاريخ. لولا القوة الجوية العسكرية الروسية ومقاتلو «حزب الله» ومرتزقة إيران على الأرض، لما استطاع بشار الأسد استعادة السيطرة على معظم المدن مثل دمشق وحماة وحمص واللاذقية وحلب بعد تدميرها. وجاء بوتين الإثنين ليطمئن الأسد في بلد أصبح تحت وصايته المشتركة مع إيران أنه باق تحت مظلته. فبوتين كما الأسد، يطمح إلى إعادة ترشيح نفسه في انتخابات على نمط انتخابات سورية المفبركة. وانتصار روسيا بوتين جعل معظم الدول العربية تسرع إلى التحاور معه، لأنه حول مركز النفوذ العالمي في المنطقة إليه. وأصبحت روسيا القوة المهيمنة في هذا الشرق الأوسط المأساوي، بعد أن تخلت الولايات المتحدة في عهدي الرئيسين أوباما وترامب عن الاهتمام بمصير سورية. وقد انطلقت مرة أخرى، مفاوضات عقيمة في جنيف بين معارضة سورية تنهال عليها الانتقادات الدولية حتى من المبعوث الأممي، فيما يستفيد النظام من حماية روسيا وإيران والعالم أصبح يتجنب إدانة جرائم الأسد.

إن السياسة الأميركية كارثة في منطقة الشرق الأوسط. فمسألة نقل الرئيس دونالد ترامب سفارة بلده إلى القدس هي من بين مآسي تداعيات السياسات الأميركية المستمرة للرؤساء المتعاقبين. ولو أنها بأسلوب مختلف عن ترامب ولكن المضمون ذاته. فأوباما امتنع عن ضرب قواعد بشار الأسد في السنوات الأولى من الحرب بحجة أنه اتفق مع الروس على عدم تجاوز الأسد الخط الأحمر باستخدام السلاح الكيمياوي. لكن الخط الأحمر تم تجاوزه وظهر «داعش» وتركت سورية لـ «حزب الله» وإيران وروسيا منذ أوباما. جاء بعد ذلك ترامب يحاول التغيير عن سلفه، ويضرب صاروخاً على أسلحة كيمياوية سورية في بلدة خان شيخون ويدين الأسد، قائلاً أن كل محاولات تغيير نهجه فشلت وإنه يُعدّ العالم بإنهاء الإرهاب والقتل بكل أشكاله في سورية. إلا أنه يبدو كأنه تراجع في ذلك، إذ أن كل المؤشرات تدل على أن ترامب لا يبالي بمصير سورية، وأنه وافق لبوتين أن يبقى الأسد حتى عام ٢٠٢٠. إن معظم الدول والمسؤولين انهالوا بانتقادات على المعارضة السورية بأنها منقسمة ومخترقة وضعيفة، وأن ليست هناك شخصية بارزة يمكنها أن تكون في القيادة. لكن يجدر السؤال هل أن الأسد هو الأكفأ بالتدمير والقتل والتخويف. وأي شرعية لحكمه سوى الوراثة من أب استولى على الحكم بالقوة والتخويف. فسهل القول إن ليس هناك معارضة سورية وتوجيه اللوم إليها وكأن الأسد ضرورة لبلد دمره بالعناد والإرهاب والوحشية. وبوتين متمسك ببطله السوري الذي جعل منه القوة العظمى في المنطقة حتى إشعار آخر. وكلما قيل له عن ضرورة رحيل الأسد يرد قائلاً إنه لن يجد شخصية أخرى بارزة بديلة.

طبعاً، من سيكون أفضل من الأسد لخدمة مصالح روسيا وإيران على حساب بلده ودم أبنائه؟ إن المأساة أن الولايات المتحدة سلمت مصير سورية لروسيا، بسبب تراجعها وبسبب عدم السماح لقوة مثل فرنسا أن تلعب دوراً في مثل هذه المفاوضات من أجل حل حقيقي وديموقراطي لبلد أصبح قراره في موسكو وطهران والضاحية الجنوبية لبيروت. وإعلان بوتين سحب بعض قواته من سورية هو الثالث خلال سنة ونصف السنة، وهو بعيد عن الحقيقة. فروسيا باقية ومتمركزة في طرطوس وفي قاعدتها الجوية في اللاذقية لحماية مصالحها ونفوذها أولاً وآخراً، وليس حباً بالأسد، بل لأنه يجسد لها خدمة هذه المصالح على حساب شعبه. فكيف بعد ذلك يتخلى بوتين عن الأسد؟ لكن السؤال على المدى الطويل هو: هل يدوم التحالف الروسي- الإيراني في سورية أم أنه يتحول تنافساً وصراعاً على الهيمنة؟ وهذا أمر من السابق لأوانه التطرق إليه، لأن الحرب في سورية لم تنته بعد على رغم كل ما يقال، والحلف الروسي- الإيراني ضرورة آنية للإثنين.

اقرأ المزيد
١٨ ديسمبر ٢٠١٧
ماذا لو خرج الروس من سوريا؟

على افتراض أن ما صدر من موسكو عن عزمها سحب معظم قواتها من سوريا بالفعل صحيح، فإن ذلك سيخلط الأوراق من جديد في هذا البلد الذي يبدو على طريق الخروج من الحرب.

المفارقة أن دخول الروس كان له دور سلبي مكّن كلاً من نظام الأسد وإيران من السيطرة، بعد أن فشلا قبل ذلك في الانتصار على قوى الثورة ومع الجماعات الإرهابية. والآن للروس دور «إيجابي» في تحقيق التوازن بين القوى، وتحديداً تقييد نشاط إيران وميليشياتها على الأرض.

ووفق وكالة الأنباء الروسية، فإن الرئيس فلاديمير بوتين تحدث بوضوح قائلاً: «لقد اتخذت قراراً بسحب جزء كبير من الفرقة الروسية الموجودة في سوريا، وعودتها إلى موطنها في روسيا».

وسواء خرج الروس، أو قلّصوا وجودهم، سيتقلّص معه نفوذهم، وهنا فإن الاحتمال الأكثر حدوثاً، أن ذلك سيكون لصالح الإيرانيين. نظام خامنئي يقاتل من أجل السيطرة شبه الكاملة على سوريا، باستثناء مناطق كردية أو مجاورة لتركيا. انتشاره يمكن تتبعه من مراكز ميليشياته، من الحدود السورية مع العراق ولبنان والأردن، وبالطبع في دمشق.

ليس واضحاً دوافع روسيا للإعلان عن الانسحاب الجزئي، هل هو نتيجة خلافات مع الإيرانيين على السيطرة وإدارة الوضع على الأرض، أم أنه جزء من التهدئة مع الولايات المتحدة الموجودة بقوات أصغر حجماً في سوريا أيضاً؟

من الطبيعي أن يختلف حلفاء الأسد فيما بينهم على ما بعد الحرب، فالإيرانيون يريدون السيطرة للهيمنة، وضمن تحديهم للولايات المتحدة والضغط عليها. أما بالنسبة للروس، فهم يريدون خلق توازن أيضاً مع الولايات المتحدة في عدد من مناطق النزاع في العالم. وهي حسابات لا يمكن أن تتطابق بين الروس والإيرانيين إلا بشكل مؤقت، كما كان الحال عليه خلال الحرب. كلا البلدين دخل سوريا بدعوى محاربة الإرهاب؛ لكن المعارك التي خاضتها قواتهما كانت موجهة للمعارضة السورية المسلحة. التحالف الذي قادته الولايات المتحدة وحده من ركز على محاربة «داعش».

ليس لموسكو مصلحة في أن تقوم بحماية ودعم القوات الإيرانية، التي تتشكل من عشرات الآلاف من أفراد ميليشيات من جنسيات متعددة جلبتهم إيران من دول مختلفة. ما المقابل الذي تعطيه إيران للروس لقاء هذه الخدمة العسكرية؟ فعلياً لا يوجد.

ولكن تقليص وجود روسيا عسكرياً سيضعف النظام السوري والميليشيات الإيرانية، فهل الكرملين يرغب في التخلي عن حليفه السوري والتضحية بكل ما فعله من أجله؟

كل ذلك سيعتمد على خطة إقليمية وأميركية، إن وجدت، في مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا نفسها. إن كان هناك شعور بالخطر من التمدد الإيراني، ورغبة في مواجهته، فإن سوريا هي التربة المتحركة المناسبة لتحويلها إلى مصيدة للحرس الثوري الإيراني. لن تستطيع ميليشيات إيران أن تستقر في بيئة معادية، خاصة إن لم تنجح مفاوضات السلام، فالمفاوضات لن تنجح طالما أن الأسد ومعه إيران يعرقلان أي حل يجمع النظام مع المعارضة في حكومة.

انسحاب الروس جزئياً، وفشل المفاوضات الأخيرة في جنيف، يمكن تطويرهما ليصبحا عاملين ضاغطين على نظام الأسد وإيران؛ لإعادة التفكير وتقديم تنازلات واقعية.

اقرأ المزيد
١٨ ديسمبر ٢٠١٧
الاستراتيجيات الروسية في الأزمة السورية وتركيا

على الرغم من أن الأجندة اليومية مشغولة بالقدس، إلا أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنقرة أمس الأول كانت هامة للغاية. فالعلاقات التركية الروسية تتعزز مع مرور كل يوم، بدءًا من الطاقة وبناء المفاعل النووي في تركيا إلى شراء منظومة الدفاع الجوي إس-400، وحتى أزمتي سوريا والقدس.

ولن يكون من المبالغة القول إن الملف السوري أكثر القضايا تعقيدًا في القائمة. فهو يتقاطع مع العديد من المشاكل بدءًا من مستقبل العلاقات التركية الأمريكية، مرورًا بمشكلة حزب العمال الكردستاني، والعلاقات مع الأسد وروسيا وإيران، وانتهاءً بالأوضاع في العالم العربي.

تخضع أطراف المشاكل المذكورة لضغط الوقت، ولهذا هناك أمور يتوجب حلها بشكل عاجل، وعلى الأخص قبل مفاوضات تحديد مستقبل سوريا.

ومع ذلك، فإن المشهد يبدو أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه. رغم أن تركيا تختلف مع الولايات المتحدة بشأن سوريا وحزب العمال الكردستاني، لكن هذا لا يعني أنها تتفق في جميع القضايا مع روسيا.

على سبيل المثال، تقول تركيا في جميع المحافل إن حزب العمال الكردستاني يمثل مشكلة "وجود" بالنسبة لها. في حين لا تعتبر روسيا ذراع الحزب السوري حزب الاتحاد الديمقراطي تهديدًا بالنسبة لاستراتيجيتها في سوريا، بل إنها لا تشعر بالحاجة حتى لإخفاء علاقاتها معه.

قال بوتين في وقت سابق إن 92% من الأراضي السورية تطهرت من الإرهابيين، وأعلن أمس الأول انتهاء الحرب وأصدر تعليماته بسحب جزئي لقوات بلاده.

هذه الخطوة تكشف أنه لا يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي تنظيمًا إرهابيًّا. وخير دليل على ذلك وجود مكتب للحزب في موسكو، وعدم إدراج روسيا حزب العمال الكردستاني في قائمة المنظمات الإرهابية، ووجود القوات الروسية في عفرين، وتنفيذ حزب الاتحاد الديمقراطي في الآونة الأخيرة عمليات عسكرية في شرق الفرات بدعم جوي روسي.

المشكلة التكتيكية اليوم بالنسبة لروسيا في سوريا تتمثل في تمركز جماعات "راديكالية" بإدلب. ومن الملاحظ أنه لم يتم تحقيق تقدم في عملية تحويل إيديولوجيات وأدوار الجماعات المذكورة، أو تحييدها تمامًا.

وفوق ذلك، يتضح من الأنباء الواردة عن شروع تنظيم داعش في إقامة نقطة عبور في إدلب أن المشكلة ستكتسب أبعادًا جديدة.

تعمل تركيا على إظهار حزمها في مسألة حزب الاتحاد الديمقراطي، على الصعيدين الداخلي والخارجي. وفي الوقت ذاته تسعى إلى الحيلولة دون تسلل إرهابيي حزب العمال الكردستاني، الذين يستخدمون عفرين كقاعدة خلفية، إلى محافظة هاطاي. ولهذا تحاصر عفرين وتستمر في حشد القوات قرب الحدود.

ويثور الفضول حول ما إذا كانت روسيا ستسمح لتركيا بالقيام بحملة ضد عفرين، أو كيفية تصرفها حيال ذلك. يمكننا الحديث عن أربعة احتمالات بالنظر إلى التطورات. أولًا قد تتغاضى روسيا عن حملة تركيا إزاء عفرين، وعندها تدخل الأخيرة المنطقة، وتركز أنقرة وموسكو على القضايا الأخرى. ثانيًّا، ربما تعترض روسيا على عملية تركية ضد عفرين. ثالثًا، ربما تقترح حلًّا وسطًا بنشر جيش الأسد في عفرين. وأخيرًا قد يغادر عناصر حزب العمال الكردستاني عفرين على حين غرة. وأعتقد أننا سنرى قريبًا أي الاحتمالات  المذكورة سوف يُطبق.

اقرأ المزيد
١٨ ديسمبر ٢٠١٧
لماذا أهان بوتين وجيشه بشار الأسد علنا ؟!

المشهد الأكثر تداولا وإثارة أمس عبر مواقع الأخبار والوكالات الدولية وصفحات التواصل الاجتماعي هو مشهد الإهانة المذلة التي تلقاها رئيس النظام السوري بشار الأسد في مطار "حميميم" في اللاذقية على ساحل البحر المتوسط ، والمشهد وما سبقه يمثل كتلة من الهوان الذي لحق برئيس تكبر على شعبه ورفض أن يستجيب لنداءات الحرية والكرامة والعدالة ، ورفض أن يقبل بتداول سلمي للسلطة ، فحرك دباباته لقمع شعبه فكان أن فتح أبواب الجحيم وحول سوريا إلى غابة يسكنها كل ضباع الأرض من كل جنس وملة وقومية ، دولا وميليشيات وجيوشا وعصابات .

بوتين عندما قرر زيارة سوريا لم يذ هب بطائرته إلى دمشق العاصمة ، وقد كان قادرا على ذلك ، بل قرر أن ينزل في قاعدة جيشه على ساحل المتوسط ، ثم استدعى بشار الأسد من دمشق لكي يكون في استقباله تحت الطائرة هناك ، ولبشار قصره الرئاسي في اللاذقية إلا أن بوتين لم يذهب واكتفى بمقابلته في القاعدة العسكرية ، وعندما هبطت الطائرة لم يتقدم بشار الأسد بحكم أنه الرئيس المفترض للدولة التي تقع هذه الأرض في سيادتها ، وإنما تقدم لبوتين ضابط كبير في الجيش الروسي وأعطاه التحية وتحدث معه ، ثم بعد ذلك سلم على بشار الذي ارتمى في حضنه من جديد كما يأوي الطفل إلى صدر أمه ، وبعدها صافح بوتين قادة جيشه هناك ، ثم سار معهم عدة خطوات وبشار الأسد يسير في الطابور الثاني ، خلف بوتين والقادة العسكرين ، وهو مشهد مهين للغاية لرئيس دولة مفترض ، ثم بعد ذلك انطلق بوتين بخطى مسرعة إلى منصة لكي يحيي علم بلاده ويلقي كلمة فأسرع بشار الأسد لكي يلحق به ويسير معه ، فإذا بأحد الضباط الروس يمسكه من ذراعه ويجره للخلف ويمنعه من الاقتراب من بوتين فاستجاب له بشار بإذعان واضح وابتسامة تعبر عن ارتباكه ووقف في مكانه ، وهي اللقطة التي توقف عندها الملايين أمس غير مصدقين لها من فرط الإذلال فيها .

هذا المشهد كله يوضح للجميع المآل الذي انتهى إليه بشار الأسد ، مجرد خادم ذليل تافه يتلاعب به الروس ، يخدمهم ويحتقرونه ، رغم أنه يعطيهم كل شيء ويسلم لهم بكل شيء ومنحهم قواعد في سوريا لمدة مائة عام مقبلة ، باع نفسه للروس ، لكنه تكبر على أن يستجيب لنداءات شعبه من أجل الحرية أو حتى الحوار السلمي حول المطالب التي كان المتظاهرون في الربيع العربي السوري ينادون بها أسوة بأشقائهم في مصر وتونس واليمن وليبيا ، وصدقت فيه الكلمة التي تنسب إلى الزعيم النازي هتلر عندما سألوه عن أحقر الناس الذين قابلهم في حياته .. أجاب: أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم ! ، وهكذا هم الطغاة ، أذلاء صغار أمام الأجنبي أشداء قساة على شعوبهم ، يقدمون أسوأ التنازلات للقوى الأجنبية من أجل تثبيت ملكهم أو تعزيز بقائهم على كراسيهم ، ولكنهم لا يقدمون أي تنازل مهما كان صغيرا لشعوبهم ويستأسدون عليهم ، لذلك يبقى دائما مثل هؤلاء الديكتاتوريين التافهين أكبر خطر على أمن أوطانهم القومي ، فضعفهم في الداخل وفقدانهم للشرعية الحقيقية المستمدة من شعوبهم يجعلهم خاضعين للابتزاز الخارجي ، ومستعدين لتقديم أي شيء وبيع أي شيء من أجل حمايتهم من السقوط أمام شعوبهم ، لأنهم يعرفون مصيرهم إذا سقطوا من كراسيهم ، فتراث القمع والسحق والدم والإذلال والمعتقلات والسجون الذي خاضوا فيه أكثر مرارة من أن ينساه أحد .

لا يمكن لطاغية مجرم مثل بشار الأسد ، ارتكب كل هذه الجرائم في حق شعبه ، وقتل نصف مليون تقريبا نصفهم من الأطفال والنساء ، وهدم عشرات المدن على رؤوس سكانها ، وهجر حوالي ثمانية ملايين سوري خارج بلاده ، فضلا عن الآلاف الذين قتلهم تعذيبا في السجون وشاهد العالم ملفاتهم بالصور الموثقة ، وباع سوريا ورهنها للروس والإيرانيين ، لا يمكن أن يكون له مستقبل في حكم سوريا ، وهذه بديهية سياسية ليست بحاجة إلى تأكيد أمريكي ولا نفي روسي ، ولكن المشهد الذي جرى أمس كشف عن أن الروس بدأوا العمل الآن وفق تصور واضح أن بشار ليس في صورة مشهد سوريا الجديدة ، وأن بقاءه هو مجرد ستار أو "خيال مآته" مؤقت لحين ترتيب الأوضاع في دمشق والتوصل إلى تسوية شاملة للأزمة التي طالت فصولها وتعقدت مساراتها الوطنية والإقليمية والدولية .

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٧
السوبرمان بوتين يتفقد غنائم موسكو في الشرق الأوسط

في قاعدة حميميم العسكرية كانت ثلاث ساعات هي كل ما احتاجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيصال ما سعى إلى تثبيته من رسائل إلى ثلاث جهات على الأقل. فقد أبلغ مواطنيه الروس أولاً أنه، وقد أعلن ترشيح نفسه لدورة رئاسية رابعة تطيل حقبة هيمنته في روسيا إلى 24 سنة، الأجدر بقيادة البلد، بدليل مغانم موسكو في سوريا، وتحقيق حلم القياصرة القديم في الوصول إلى شطآن المتوسط الدافئة. صحيح أنه ذرّ بعض الرماد في العيون حين أعلن بدء التحضير لسحب «معظم» القوات الروسية المنتشرة في سوريا، كما سبق له أن فعل في ربيع 2016، إلا أنه حرص على التذكير بأن موسكو باقية في قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية.

الرسالة الثانية تتوجه إلى العالم خارج روسيا، وإلى الولايات المتحدة بصفة خاصة، وإلى القوى العالمية والإقليمية الأخرى المعنية بالملف السوري، ابتداء من إيران وميليشياتها المختلفة، وليس انتهاء بالمملكة العربية السعودية واستثماراتها في صفوف فصائل المعارضة المسلحة. والرسالة بسيطة وقاطعة في آن معاً، مفادها أن روسيا باتت سيدة المشهد هنا، وهي التي تضع قواعد اللعبة السياسية بعد أن أرست قواعد الشطر العسكري من اللعبة و»أنجزت المهمة».

الرسالة الثالثة تخاطب الداخل السوري، معارضة وموالاة على حدّ سواء، وهي هنا أيضاً بسيطة وصريحة، مفادها أن موسكو وقد أنقذت النظام من السقوط عن طريق تدخل عسكري واسع النطاق يتواصل منذ 27 شهراً، فإنها فعلت ذلك لكي تضمن سقوطه تحت إمرة القيصر الروسي في المقام الأول. وهذه رسالة حملت طرائق إبلاغها مقداراً لافتاً من الجلافة والإذلال، فاستدعي رأس النظام إلى موسكو أو سوتشي أو حميميم عندما شاء سيد الكرملين، وأمكن لضابط مراسيم روسي عادي أن يهين بشار الأسد علانية وفي عقر داره وأمام أنصاره.

وحين تفاخر بوتين بدور الجيش الروسي في «هزيمة الإرهابيين»، فإنه تعامى عامداً عن حقيقة الدور الاهمّ الذي أنيط بالطائرات الحربية الروسية، أي قصف مواقع فصائل المعارضة المسلحة، وما أسفر عنه من مجازر دامية في صفوف المدنيين، واستهداف التجمعات السكانية والمشافي والأسواق الشعبية. كذلك توجب أن يغفل بوتين الإشارة إلى وجود آلاف المقاتلين الروس المتعاقدين مع أجهزة النظام المختلفة، خارج وزارة الدفاع الروسية وعبر شركة «فاغنر» التي تعتبر النظير الروسي للشركة الأمريكية «بلاك ووتر».

وبعد ساعات الصباح في حميميم، سافر بوتين إلى القاهرة ليقضي الظهيرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فكان جمع غنائم موسكو الاقتصادية، وتوقيع اتفاقية المحطة النووية في مصر التي ستتولى تنفيذها مؤسسة «روس أتوم» الروسية، على رأس جدول الأعمال. وأما في فترة المساء فقد توجه بوتين، وقد صار أشبه بالسوبرمان الطائر، إلى أنقرة فالتقى بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان لإعادة التأكيد على دور أنقرة لتسهيل ما يسمى بـ»مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي. وهنا أيضاً تضمنت المغانم صفقة صواريخ إس ـ 400 وبناء محطة نووية واتفاقات ائتمان لصناعة الدفاع مع تركيا.

والأرجح بذلك أن مرشحي رئاسات العالم، أجمعين، يحسدون بوتين على هذا الطراز الاستثنائي من افتتاح الحملات الانتخابية!

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)