مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٩ مارس ٢٠١٨
الغوطة وحكاية الثورة

تختصر الغوطة الشرقية لدمشق حكاية الثورة السورية في ذكراها السابعة. الجحيم الذي تعيشه الغوطة اليوم، قتلاً وتهجيراً، هو نفسه الذي عاشته مناطق سورية عديدة، في ظل صمت دولي لم يفلح سوى بالاستنكار علناً والتواطؤ ضمناً مع القتلة على الساحة السورية بأشكالهم كافة، فالقتل في سورية لم يكن يوماً حكراً على النظام وحلفائه، بل نبتت في بلاد الشام أيضاً فصائل استعارت من نظام الأسد قمعه وإجرامه، ومارست الطغيان على مساحات واسعة من الأراضي التي سيطرت عليها.

الغوطة بمعاناتها ترمز اليوم إلى الثورة المقتولة من النظام وحلفائه والمغدورة من بعض أبنائها. عناوين المعاناة متكرّرة منذ اليوم الأول للثورة. في البدء كان القتل، ولا يزال مستمراً، وإن تطورت أدواته، ودخلت أطراف عدة لتمارسه على الأرض السورية، وتجرّب ما طاب لها من الأسلحة في أجساد السوريين وممتلكاتهم. خلال السنوات السبع، لم تتراجع الوتيرة، بل زادت، ومعها زاد عدد الضحايا الذين لم يعد أحد قادراً على إحصائهم بشكل دقيق. الرقم لا يهم سوى دارسي الإحصاء وخبراء المقارنات، إلا أنه يختزن حكايات وأحلام عشرات الآلاف الذين باغتتهم براميل النظام وطائرات الروس وخلافات الفصائل المتصارعة. هذه حكاية من الثورة ومن الغوطة أيضاً بكل تفاصيلها.

للتهجير أيضاً السياق والإسقاط بين الغوطة والثورة. مشاهد الخارجين يومياً من الغوطة الشرقية تستعيد صوراً أخرى من مناطق سورية متعددة، ومن مخيمات لجوء لا تزال تستقبل هاربين من الموت اليومي. الشتات هو قصة أيضاً من الجحيم السوري، لا تزال فصولها تروى في أكثر من مكان. وأيضاً لا أرقام دقيقة لعدد الهاربين من الموت، أو المجبرين على مغادرة قراهم وبيوتهم وأراضيهم، لكن المؤكد أنهم تجاوزوا الخمسة ملايين بأقل تقدير. هي أرقام غير نهائية ومفتوحة على الزيادة، بلا أي أفق للحل، خصوصاً لأولئك الذين تقطعت بهم السبل ووجدوا أنفسهم محاصرين في مخيماتٍ لا يتمكنون من مغادرتها، أو العودة إلى بيوت كانت لهم.

التواطؤ العالمي، من القريب والبعيد، له أيضاً حصته من الثورة السورية ومن وضع الغوطة حالياً. قرارات دولية وتهديدات عدمية وتفاهم من تحت الطاولة. كلها عناوين للموقف الدولي والعربي مما حدث ويحدث في سورية. خلال الأسابيع الماضية، اقتصرت ردود الفعل تجاه المجزرة في الغوطة على الاستنكار والمطالبة بوقف القتل، مع التحذير من استخدام الأسلحة الكيماوية، والذي سيجلب رداً دولياً، على اعتبار أن القتل بالأسلحة التقليدية أمر مسموح. هي نفسها التصريحات والتهديدات التي أطلقت خلال السنوات الماضية، واستعادة كل العبارات، خصوصاً المتعلقة بالأسلحة الكيماوية. ومع ذلك، لم يتغير شيء، والقتل بالأسلحة الكيماوية والتقليدية استمر على مرأى العالم ومسمعه.

ولغدر الثورة من المحسوبين عليها قصص تروى. ولعل أحدثها يأتي من الغوطة التي شهدت اقتتال الفصائل، وتفاهمات ضمنية مع القتلة، لتحييد هذا الطرف أو ذاك. وهي الحكاية نفسها التي تكرّرت في أكثر من منطقة سورية، بعدما تحولت الفصائل إلى أطراف محسوبة على هذه الدولة أو تلك، هي تديرها وتأمرها وتحيدها لحسابات دولية، تماماً كما هو حادث اليوم في الجنوب السوري الخاضع لتفاهم عام يقضي بالهدوء، بغض النظر عما تشهده مناطق أخرى.

حكايات كثيرة تروى أيضاً عن الغوطة والثورة في ذكراها السابعة، وكلها تقود إلى أن الجرح السوري لا يزال غائراً، والتئامه ليس بقريب.

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٨
الرياض وواشنطن ومواجهة إيران

قبل أن يلتقي ولي العهد السعودي مع الرئيس الأميركي بعد غد، تتسارع الخطى داخل أوروبا للتوصل إلى صيغة ظاهرها تقييد إيران وباطنها وقف محاولة أميركا إجهاض الاتفاق النووي مع إيران. وصول الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، وسبقه بأسبوع خروج ريكس تيلرسون من وزارة الخارجية الأميركية، يعزز مخاوف الأوروبيين من عزم واشنطن على فرض عقوبات على إيران قد تؤدي في الأخير إلى أن يسقط الاتفاق.

واتفاق «JCPOA» الذي وُقِّع عام 2015، ويُعرف بمجموعة خمسة زائد واحد، الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، مع نظام إيران، هو السبب في الفوضى التي نراها اليوم. إيران مقابل تجميد نسبة من التخصيب النووي حصلت على رفع العقوبات عنها، ونتيجة لذلك زادت نشاطاتها العسكرية في المنطقة، واستفادت أيضاً بالعمل على تطوير منظومة صواريخها الباليستية المؤهلة لحمل وإطلاق سلاح نووي. ومنذ ذلك اليوم والجميع يشهد أن الاتفاق تسبب في المزيد من الفوضى والحروب، وزاد من جرأة النظام وتسلطه داخل إيران وخارجها، بخلاف تصور الغرب الذي قال إن طهران ستتخلى عن سياساتها العدوانية وستتحول نحو التنمية والسلام. بوصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وبروز الأمير محمد بن سلمان وإعلان الاثنين أنهما سيقفان ضد إيران إقليمياً، لم يعد للاتفاق تلك القدسية. بإمكان كل أوروبا أن تنحني للمرشد الأعلى في طهران وتكمل العمل معه، لكن واشنطن هي صاحبة القول الفيصل.

المشكلة ليست في الاتفاق بل في النظام الإيراني. وهذه هي الولايات المتحدة تصارع في العراق وسوريا بسبب التوغل الإيراني، والسعودية تحارب في اليمن دفاعاً عن نفسها وإنقاذاً لليمن من الانقلاب المدعوم إيرانياً.

وأوروبا، التي لا تريد المواجهات مهما كانت المخاطر، أخيراً اكتشفت أن ترمب وحلفاءه في المنطقة عازمون على ضرب الاتفاق، لذلك تحاول إرضاء الطرفين بتقديم مشروع جديد يقيّد تطوير إيران لصواريخها الباليستية ويضع حداً لنشاطها في العراق وسوريا واليمن.

مشروعها، الذي سُرِّب إلى وكالة «رويترز» الإخبارية، يتوعد بوضع عقوبات على الأسماء من المتورطين. يبدو هزيلاً ومسرحياً. كل المتورطين من قيادات الحرس الثوري والجيش والاستخبارات الإيرانية أصلاً لا يعيشون في الغرب ولا تؤثر عليهم العقوبات.

المطالب التي ترفضها أوروبا هي معاقبة النظام الإيراني و«حزب الله» اقتصادياً، ودعم القوى التي تواجههما على الأرض حتى تصبح كلفة التدخل والاحتلال باهظة الثمن. من دون خطوات جادة لمحاصرة النظام لن يتراجع. ولنتذكر أن السبب الذي جعله يقبل بالتفاوض والاتفاق في المرة السابقة أن العقوبات الاقتصادية حاصرته حتى واجه خطر الانهيار، واضطر إلى طلب التفاوض وعرض فكرة وقف مشروعه النووي بعد أن كان يقول إن الحديث عنه والتفاوض عليه مساس بسيادته. وفي الأخير قَبِل وجلس وفاوض ووقّع، لكن المفاوضين الغربيين توصلوا إلى مشروع مستعجل، وُلد مشوهاً. ترمب والأمير محمد بن سلمان يتوخيان إصلاح الاتفاق لا إسقاطه، لكي ينهي أربعين عاماً من زرع الفوضى وتمويل التنظيمات المسلحة في المنطقة، فيكون الاتفاق ليس محصوراً في التحكم في نسبة التخصيب بل وقف مشروعها بنشر العنف والفوضى وإنهاء حالة الاحتراب في المنطقة.

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٨
الثورة الكاشفة

في ذكرى الثورة السورية السابعة، يروق لي أن أصفها بـ"الثورة الكاشفة" لأنّها كشفت عن مستويات وأنواع من الصراع في منطقتنا أشدّ عمقًا وأكثر تاريخية وحضورًا في ذات الوقت من الصراع الذي يشار إليه على الدوام، ويُتّخذ مفسرًا للأحداث والمتغيرات في المنطقة في السبعين سنة الأخيرة، أي الصراع العربي الإسرائيلي.
 
في تصوري، فإنّ الثورة السورية قد كشفت عن ثلاثة مستويات من الصراع الأكثر تأثيرًا من الصراع العربي الإسرائيلي في منطقتنا. المستوى الأول من الصراع الذي كشفت عنه وأظهرته الثورة السورية هو الصراع الأممي. وسأستخدم هنا مصطلح "الأممي" بدلاً عن "القومي" لكون الأخيرة مُشبَعة بالتصور الحديث للقومية؛ في حين أنّ وجود واختلاف الأمم "المتخالفة" والمتقاتلة في منطقتنا أبعد تاريخيًّا وأعمق من التصور الحديث.  
 
في منطقتنا، يتجاور الفرس والترك والعرب والكرد، وكلٌّ منهم أمّة مستقلة لا يمكن أن تندمج في الأخرى، ولا يمكن أن تذوب إحداها في الأخرى. هكذا قال التاريخ، وهكذا يؤكد الواقع الذي نعيشه في هذه اللحظة عام 2018. هذه الأمم الأربعة تدين بدين الإسلام، ولكنّ التاريخ والواقع كذلك يؤكدان أنّ الدين لم يؤّدي إلى مزج هذه الأمم سويًّا. بل ظلّت على تمايزها، ونشب بينها وبين بعضها الصراع في أوقاتٍ كثيرة في التاريخ. وهو الأمر الذي يتكرر في هذه اللحظة.
 
بسبب عدم اهتمام الولايات المتحدة بسوريا واكتفائها بدعم فصائل الجيش الحر لفترة محدودة، فإنّ روسيا قد وجدت فرصة ذهبية لفرض سيادتها الجوية على سوريا ومدّ نفوذها غربًا لساحل البحر المتوسط

لقد كشفت الثورة السورية عمّا يمكن أن نسمّيه بالصراع العربي - الإيراني، والذي لا يدركه تمامًا كثيرٌ من العرب. وقد أشرت لهذا الصراع في تدوينة سابقة بعنوان "الثوة الإيرانية لا تزال مستمرة". لقد كانت إيران حاضرة بميليشياتها ونفوذها في سوريا منذ أوّل لحظة في الثورة، ولولا هذا النفوذ ما كان للثورة السورية أن تؤول لهذا المآل. وهذا النفوذ العسكري الإيراني هو ما حدا بالمملكة العربية السعودية تدعم الفصائل الثورية السورية لمجابهة هذا النفوذ.
 
كشفت الثورة السورية كذلك عن الصراع التركي - الكردي الذي يعود لعقود بطبيعة الحال، ولكن هذه المرة حضر إلى أراضينا وأثّر في مجريات الثورة السورية بعد محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا في منتصف يوليو 2016 وهو ما جعل تركيا تقرّر التدخل العسكري التركي في شمال سوريا لصالح دفع الأكراد السوريين إلى شرق الفرات ومنع اتصالهم بساحل البحر المتوسط.
 
أمّا المستوى الثاني من الصراع فهو الصراع المذهبي، والذي يوظّف في خدمة السياسي ببراعة. والمذهبان اللذان يتصارعان بوضوح في المنطقة هما التشيع في مقابل السلفية أو الوهابية. وعلى رغم معقولية الادعاء أنّ الصراع المذهبي ليس الأساس، فلا يمكن إنكار كيف ساعد هذا الخلاف المذهبي الذي وصل حدّ الاقتتال في تأجيج الصراع عند الأتباع الشيعة الأقل حظًا من العلم والذين يشكلون وقود الحرب البرية في سوريا وخاصّة في محيط دمشق.
 
المستوى الثالث من الصراع الذي كشفت عنه الثورة السورية هو الصراع الدولي والذي استدعى التدخّل الروسي لصالح نظام الأسد في سبتمبر عام 2015. وبسبب عدم اهتمام الولايات المتحدة بسوريا واكتفائها بدعم فصائل الجيش الحر لفترة محدودة، فإنّ روسيا قد وجدت فرصة ذهبية لفرض سيادتها الجوية على سوريا ومدّ نفوذها غربًا لساحل البحر المتوسط، وهو ما يعني حضورها بقوة في أيّ مشروعات مستقبلية تخصّ منطقة الشرق الأوسط، خاصّة إذا تعلّق الأمر بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وعلى الأخص دولة إسرائيل. فلن نستغرب إذن إن أصبح للروس دور وتأثير في مستقبل القضية الفلسطينية.
 
هكذا، فبالكشف عن مستويات ومحاور أخرى للصراع بخلاف الصراع العربي الإسرائيلي، فإن الثورة السورية قد غيرت وجه مشرقنا العربي لعقود قادمة من الزمن، وهي لذلك تستحق لقب "الثورة الكاشفة".

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠١٨
عن غياب المشروع الوطني السوري.. والمال السياسي

تكاد لا تخلو جلسة سورية بين مثقفين معارضين، أو حتى رماديين، من الحديث عن غياب المشروع الوطني السوري. وجوهر الأمر شعور بالعجز عن صناعة ما هو أفضل من واقع قائم اليوم، ويمكن تسميته بالكارثي، وحتما البحث عن صناعة مستقبلٍ، يقطع مع الماضي الذي سبق ثورة السوريين التي تعبر إلى عامها الثامن، في ظل حربٍ كارثيةٍ يشنها النظام وحليفتاه إيران وروسيا في مناطق متفرقة من البلاد، من جنوبها وغوطتيها  الشرقية والغربية، ومن وسطها وشمالها في إدلب، والغريب انضمام تركيا إلى حرب توافقية مع كل من روسيا وإيران في عفرين، لفتح الطريق أيضاً إلى منبج، ما يعني أننا أمام الرعاة الثلاثة لاتفاقات أستانة التي أعلنت أنها بهدف خفض التصعيد، وصولاً إلى وقف كامل لإطلاق النار في سورية، والذهاب إلى مفاوضات سياسية تهيئ لحل المأساة السورية التي تدخل عامها الثامن.

وعلى الرغم من الغوص في كل لقاء يجمع بين سوريين، بحثاً عن أخطاء مؤسسات المعارضة وتفنيدها، وانتزاع الدروس التي كلفت الشعب السوري ضحايا كثيرين، إلا أننا في كل وقت نقف عند حدود تلك الانتقادات، في محاكاة لتجربة رجم الشيطان، أو تقديم الاعترافات، من دون الولوج إلى جوهر الطقوس، بما تعنيه القطع مع تلك الأخطاء والخطايا تحت بند التوبة، ما يؤسس من جديد لتجارب لا تبتعد في مساراتها عن الحفر المعلن عنها خلال التشريح الواقعي لعمل تلك المؤسسات، ما يجعل من خطاب النقد المتتالي مجرّد شعارٍ، يضاف إلى جملة من شعارات المرحلة الغارقة بفشلها سورياً، سواء على صعيد العمل السياسي أو العمل المسلح بشقيه، العفوي والمؤدلج.

ومن هنا تأتي أهمية استنباط آليات جديدة في صناعة فعل سوري يمكنه أن ينتج جسراً يعبر فوق الواقع، مستفيدا من حوامله الوطنية، ومتجاوزاً التدخلات الإقليمية والدولية، ومتكئاً على رغبة السوريين في إيجاد مشروع وطني، يكون هو التعبير الحقيقي عن هدف الثورة ضد نظام الاستبداد وحكم المؤسسة الأمنية. ولكن كيف يمكن الوصول إلى ذلك المشروع؟ وما آليات العمل عليه؟ ومن أين يمكن لحظ ضروراته الوطنية؟ ومن هي الجهة القادرة على جمع لم السوريين على صورة وطن المستقبل؟ وهل بقي بين المعارضين أفراد أو مجموعات من يستطيع فعلياً تجاوز "الأنا" الفردية مقابل ال "جميع"؟

قد نظلم قلة من الشخصيات الوطنية المعارضة عند الحديث عن طغيان المصالح الشخصية، وحروب أعداء الكار، التي تطفو على بحرٍ من كراهية الآخر، والتقليل من شأنه، واعتبار وجود "الآخر الشريك" تعتيما على وجوده، ما يجعل من العمل الجماعي المؤسساتي، في ظل هذه الأجواء، غير ممكن، إلا في ظل الخضوع لمعادلة السيد والتابع، وفقاً للقدرات في تأمين الدعم المالي فقط، ولهذه مواصفاتٌ لا يمتلكها كثيرون، بل يمكن القول 99 بالمائة من الشخصيات الوطنية الحقيقية، حيث لا تدخل من ضمن ما تسمى "كاريزما" الأسماء التي يحترمها الشارع السوري، أي أن من يستطيع تحويل التطلعات من نظريةٍ إلى المشروع الوطني القابل لأن يكون بديلاً لكل ما يطرح من مشاريع، تأخذ السوريين خارج الحل المستقبلي لسورية، سيكون "متهماً" فوراً أنه من صنف غير الشخصيات المراهن عليها وطنياً، وسيأخذ، بطريقة أو بأخرى، المشروع لتعويمه مع مموله، أي لن يكون هناك أي دور للقدرات القيادية والثقافية والتجربة والخبرة ومنطق العمل الوطني.

وبمصارحة مؤلمة لمن يكتبها ويقرأها، فإن المال السياسي هو الذي بات يعول عليه تقديم الحلول، إما بطريقة مباشرة، من خلال الرعاية العلنية لأي نشاط يستهدف نخبة المجتمع، أو بطريقة غير مباشرة، عبر غطاء من جهة، أو شخصية سورية، صنعها أصلاً ذاك المال السياسي ذاته، ما يعني أن أي حديثٍ عن جهد وطني خالص لإيجاد حالة وطنية جديدة، محكوم باختراقه وتعطيله، وتوجيه دفته باتجاه أجندة مموله، سواء الظاهرة أو الخفية.

وضمن هذا الواقع المأساوي الذي أفرزته السنوات السبع من حرب الاستنزاف التي شنها النظام على الشعب السوري، الذي واجهه بمطالبه الإصلاحية، للخلاص من نظام أمني استبدادي، وبناء منظومة حكم تحقق له حريته وأمانه وكرامته وحقوقه المواطنية، يبرز السؤال الملح الذي لا يمكن تجاهله، سواء مر عام أو سبعة أعوام، ففي كل وقتٍ لا بد من إحياء هذا السؤال، بهدف العمل على إحداث الخرق الممكن في مواجهة حالة انسداد الأفق في وجه السوريين:

هل على النخبة السياسية والثقافية الاستسلام لاختطاف القرار الوطني، والانخراط بالاصطفافات السياسية الخارجية لمستثمري المال السياسي في الصراع السوري، بكل أوجه الاستثمار من العسكري إلى الإعلامي والثقافي، وحتى الفني، أم أن القدرة على ولادة ذلك التوجه الوطني لا تزال متوفرة، حتى عندما تبدأ من أسفل سلم التوافقات بين سوريين ليسوا ضمن المحسوبين على الممولين الدوليين، ولا يسعون، من خلال انخراطهم بمشروع وطني، إلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دور للسوريين في اختيار أجندة مستقبلهم، وسبل العيش بينهم، وآليات إنهاء مأساتهم وفق الممكن والمتاح، وبما لا يهدر التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري فداء لحريته؟

هذا السؤال برسم مجموعة من المثقفين والسياسيين اجتمعوا أخيرا، حضرت معهم جانبا من اجتماعاتهم، كواحدة من مجموعة العمل التي شاركت في كتابة النداءات، مع آخرين انضموا إليهم ومنهم: ميشيل كيلو، موفق نيربية، ماجد كيالي، وزكريا صقال، وأنور بدر، ومنى أسعد، وكان من ضمن من شاركهم في النداء الأول فايز سارة ونغم الغادري، وهي المجموعة التي وجهت نداءاتها إلى الشعب السوري منذ ما يزيد من عام، ووافقها مئات من السوريين رؤيتها ووقعوا على تلك النداءات، للقطع مع الرهانات الخاطئة للمعارضة السورية، والاعتراف بأن الارتهان للدول، وعسكرة الثورة، وأدلجة الفصائل، وضياع الخطاب الوطني وتشتته بين الخطابات الإيدولوجية والطائفية والمذهبية، كلها أسباب أدت إلى تراجع مكانة الثورة داخلياً وخارجياً، والسعي من خلال تجمعات سورية - سورية إلى اجتراح الحل السوري، ولو على صعيد الخطاب الوطني، قبل الحديث عن العمل الفعلي.

كان مثمراً أن تستعيد بعض النخب دورها، من خلال أقلامها، في تحريض الشارع السوري على العمل، ولو عبر مجموعاتٍ صغيرة، فربما تنتج تقاطعاتها المشتركة لاحقاً، وما يمكن أن يبشر لفعل إيجابي، فيما لو نجت هذه الاجتماعات من مصائر سابقاتها، كاختطافها وتحويلها إلى "رخصة سياسية"، أو كما يسميها الشارع السوري "دكاكين"، تشارك في زيادة شتات المعارضة، وتعميق خلافاتها وتأجيج نزاعاتها. حيث يغرق المشروع الوطني، ولا يصبح بالإمكان البناء فيه أو عليه.

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠١٨
هل توجه واشنطن ضربة للنظام السوري؟

تشهد العلاقات الأمريكية الروسية في الآونة الأخيرة تصعيدا كبيرا عنوانه الغوطة الشرقية، ووصل الأمر إلى حد إعلان المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي أن "الولايات المتحدة مستعدة للتحرك في سوريا إذا تعين ذلك"، وأنه "عندما يتقاعس مجلس الأمن عن التحرك فهناك أوقات تضطر فيها الدول للتحرك بنفسها".

ولا شك بأن تصريحا من هذا النوع يأتي من نيويورك وليس من واشنطن، يحمل دلالات سياسية، وهي أن الإدارة الأمريكية ليست عازمة فعلا على شن ضربة عسكرية ضد النظام السوري، وإنما محاولة ضغط سياسية على موسكو لعدم استخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشروعي القرار الأمريكيين حيال سوريا، أحدهما متعلق بالغوطة، والآخر بالسلاح الكيماوي.

الرد الروسي جاء على مستويين: الأول من وزير الخارجية سيرجي لافروف الذي حذر من عواقب وخيمة قد تترتب لأي ضربة يُحتمل أن توجهها الولايات المتحدة ضد قوات النظام السوري.

والثاني جاء من لافروف نفسه، حين رد على المندوبة الأمريكية بالقول: "على هايلي أن تدرك أن استخدام الميكروفون في مجلس الأمن بشكل غير مسؤول شيء، وما يحدث بين العسكريين الروس والأمريكيين شيء آخر".

التصريح الثاني يؤكد استمرار التنسيق والاتصالات بين موسكو وواشنطن، وأن هذه الاتصالات لم تصل إلى حائط مسدود، والخلاف بين الجانبين لا يتعلق بالكارثة الإنسانية التي تحل بالغوطة، فمثل هذه القضايا لا تفجر أزمات دولية ذات صبغة سياسية، كما حصل بين لندن وموسكو على خلفية محاولة قتل الجاسوس الروسي المزدوج الذي وجد مسموما جنوبي غرب بريطانيا.

على الأغلب لن تُقدم واشنطن على توجيه ضربة عسكرية لاعتبارات إنسانية، ولم ترفع واشنطن مستوى التحدي العسكري والسياسي إلا في أربع مناسبات، جميعها مرتبطة بالسلاح الكيماوي السوري:

الأولى عندما هددت عام 2013 بتوجيه ضربة للنظام السوري بسبب استخدامه السلاح الكيماوي، وكان من نتيجة ذلك أن تدخل الروس وقرروا إزالة جميع الأسلحة الكيماوية في سوريا، وترتب على ذلك (المناسبة الثانية) صدور القرار الدولي 2118 الخاص بتفكيك برنامج سوريا للأسلحة الكيميائية.

وجاءت المناسبة الثالثة في آذار/ مارس 2015 بصدور القرار الدولي 2209 الذي هدد باللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا لم يطبق النظام منطوق القرار 2118.

وجاءت المناسبة الرابعة في نيسان/ إبريل 2017 حين ضربت الولايات المتحدة مطار الشعيرات الذي خرجت منه طائرات قصفت خان العسل بالسلاح الكيماوي، وكانت الضربة رمزية ذات رسائل سياسية أكثر منها عسكرية، لأن النظام تجاوز الخط الأحمر الذي وضعته إدارة ترامب.

ولعل تصريح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس "سيكون من الحمق الشديد أن يستخدموا الغاز سلاحا في وقت أوضح الرئيس دونالد ترامب ذلك بشدة في بدايات حكمه"، يعني أن واشنطن تربط الضربة في حال استخدم النظام السوري أسلحة كيماوية، وتأكدت واشنطن بالأدلة القاطعة أنه فعل ذلك.

في الواقع يرتبط التهديد الأمريكي بمسائل استراتيجية فوق إنسانية، فواشنطن سمحت وفق القرار الدولي الأخير 2401 قيام المحور الروسي بشن عملية عسكرية لإسقاط الغوطة من معادلة الصراع في سوريا، وهي منطقة ليست ذات قيمة بالنسبة لواشنطن، ولا تدخل ضمن حساباتها، لكنها مهمة لحلفائها في الإقليم.

وإذا كانت الإدارة الأمريكية موافقة على تمزيق الغوطة إلى كانتونات جغرافية منعزلة ومنفصلة عن بعضها البعض، بحيث تسمح للنظام فيما بعد بحسم المسألة، إلا أنها لن تسمح بالقضاء نهائيا على كامل الغوطة وكل الفصائل.

ويبدو منذ نحو عشرة أيام أن محاولة إبعاد "جيش الإسلام" من العملية العسكرية بدت واضحة مع دخول القاهرة على الخط أولا، وإفراج "جيش الإسلام" عن معتقلي النصرة لإخراجهم من الغوطة ثانيا، والسماح للمصابين بالخروج من الغوطة مقابل الإفراج عن عناصر للنظام في سجون "جيش الإسلام" ثالثا.

المعادلة واضحة، يجب الحفاظ على الدور السعودي في الساحة السورية، وإن كان إلى حين، وهذا مطلب يتوافق مع المصالح الأمريكية والروسية والمصرية كل لأهدافه.

بالنسبة لواشنطن، فهي تدعم حليفتها وتؤكد أنها لم تتخل عنها نهائيا في الملف السوري، وبالنسبة للروس، فهم بحاجة ماسة للدور السعودي، خصوصا بعيد التقارب الجزئي الحاصل بينهما الذي انعكس على مستوى إنتاج النفط، وعلى مستوى الملف السوري، خصوصا في مؤتمر "الرياض 2" للمعارضة السورية.

وبالنسبة لمصر الراعية لاتفاق تموز/ يوليو الماضي بين النظام السوري و"جيش الإسلام"، فهي بحاجة لدور ما يعيد إليها حضورها الإقليمي، مهما كان هذا الدور، ناهيك عن حساباتها الإقليمية الأخرى المرتبطة بالسعودية وقطر.

ووفقا لذلك، تتجه واشنطن إلى إصدار قرار من مجلس الأمن يوقف القتال على أن تجري بعده مفاوضات ثنائية مع روسيا لترتيب الوضع في الغوطة، دون المساس على ما يبدو بالبنية العسكرية الناظمة لـ "فيلق الرحمن" و"أحرار الشام" و"جيش الإسلام"، كونها أوراق لا تحبذ واشنطن تدميرها قبيل حدوث التسوية الكبرى.

وربما هذا ما دفع الروس للإعلان بأن واشنطن تحاول من مشروع قراراتها في مجلس الأمن حماية ما سموه بـ"الإرهابيين".

لكن الروس لن يفوتوا فرصة الاستحواذ على معظم الغوطة في ذروة التنافس مع واشنطن وذرة التفاهم مع طهران وأنقرة، وتبدو الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح مسار الصراع وما سيترتب عليه من تفاهمات في مناطق معينة وانفلات عسكري في مناطق أخرى، ضمن مرحلة ما بعد تثبيت مناطق النفوذ.

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠١٨
كفّوا عن البكاء

بعد سبعة أعوام من تجاهل عالمي ملحوظ ومتزايد لما يرتكب في بلادنا (سورية) من جرائم  روسية/ إيرانية / أسدية ضد شعبنا، لم تخرج معظم ردود أفعالنا إلى اليوم عن الميل إلى تحميل الآخرين المسؤولية عما يجري لنا، وغمرهم بالشتائم. لم تكن هذه السنوات السبع كافية لأن نفكر بأن علينا، نحن أنفسنا، مسؤولية ما عن هذا الذي وصلنا إليه.

إذا كان العالم لا يريد مساعدتنا أو تفهم قضيتنا العادلة، ألا نريد نحن مساعدة أنفسنا والانتصار لقضيتنا، أم أن دورنا يجب أن يقتصر على شتم الآخرين، والامتناع، في الوقت نفسه، عن القيام بواجبنا تجاه أنفسنا، باعتبارنا شعبا مرشحا للإبادة، أم أن موقفنا يجب أن يكون الوجه الآخر لموقف العالم منا؟ أليس من الأجدى التوقف عن شتم عالمٍ لا ينصفنا، والبدء بإنقاذ أنفسنا من محنة من الواضح أن ما اعتمدناه إلى اليوم من سياسات ومواقف لن يستطيع إخراجنا منها.

من المفهوم أن يتسلل اليأس إلى نفوسنا، بسبب موقف العالم منا، لكنه ليس مفهوما أن نسهم بتقصيرنا في تعميق يأسنا، وتحويله إلى إحباطٍ يسبق عادة العجز فالهزيمة، وما يترتب عليهما من تحول صراعنا ضد النظام إلى صراعاتٍ تدميرية بيننا، وفي صفوف شعبنا، تمعن في تمزيقنا أكثر مما نحن ممزقون، وتغرقنا في حالٍ من التخبط، لطالما قادت ثوراتٍ كبيرة كثورتنا إلى الفشل.

بدل الشكوى الدائمة من ظلم العالم وانحيازه إلى موتنا، أليس من واجبنا أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار في حساباتنا، ومواجهتها بخطط مدروسة نبلورهاونطبقها أخيرا، سعيا إلى ترميم أوضاعنا ثم إصلاحها، ليس فقط لأن لها دورا لا يستهان به في ابتعاد العالم عنا، وإنما أيضا، وقبل كل شيء، لأن صمودنا اليوم وانتصارنا غدا رهنٌ بمبارحة واقعنا المريض، وإصلاح واقعنا بما يعيننا على إقناع الدول بأن مصالحها لن تكون محفوظة عندنا، إلا بقدر ما تكون حقوقنا مصونة عندها، وأن دورنا سيكون مقرّرا بالنسبة لتحديد هوية الفائزين والخاسرين في صراعٍ تتخطى نتائجه سورية والدول العربية والإقليمية إلى الدول الكبرى والعظمى، سيتوقف مستقبل العالم ومآل قواه على مخرجاته.

بعد سبعة أعوام من إدانة العالم، حان الوقت كي ندير ظهرنا لهذا النهج العبثي، ونلتفت إلى ما أهملناه دوما: وضعنا نحن: وضع قوانا السياسية والعسكرية، ووضع شعبنا في الداخل والخارج، ونمط ما اتخذناه من مواقف وبلورناه من رؤى وبرامج، لمواجهة ما مررنا ونمر به من تحديات، ووضع ممارساتنا والأساليب التي استخدمناها في معركتنا الشاقة من أجل حريتنا، وما قمنا به من تدابير، لكي لا يتقدم أعداؤنا علينا، ونجد أنفسنا محكومين بردود أفعال تترك لهم المبادرة والأعمال الاستباقية، وتجبرنا على انتهاج سياساتٍ لا يمكن أن يحترمها أحد، مفككة ولحاقية وجزئية، وتفتقر إلى الواقعية والانسجام، كما هو حال سياساتنا خلال سبعة أعوام مضت، لم نتعلم خلالها الكثير حول مسؤوليتنا نحن عن مصيرنا.

إذا كانت الدول تتخذ موقفا ظالما منا، فهل هذا سبب كافٍ لأن نتخذ نحن أيضا الموقف الظالم نفسه من شعبنا وثورتنا، ونظل أسرى علاقات مركزها الآخر وليس نحن، على الرغم من أننا نحن أصحاب قضيتنا، وليس هو أو أي أحد سوانا.

منذ نيف وستة أعوام، ونحن نندب حظنا، وندين ظلم العالم وتجاهله لنا. أما حان الوقت لكي نخرج من هذا المرض الذي جعل منا ندّابين بكائين، لا خير فيهم لقضيتهم العادلة التي تتعرّض على أيديهم هم بالذات لأفدح ظلم وتجاهل ينزل بها.

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠١٨
سبع سنوات من المؤامرات الأسدية على سوريا

بعد سبع سنوات على الثورة السورية، سأتفق بشكل كامل دون أي تردد مع النظام السوري ووسائل إعلامه وكل القوى المتحالفة معه بأن سوريا تعرضت لمؤامرة شيطانية كان هدفها تدمير سوريا، وتشريد شعبها والقضاء على دورها الاستراتيجي التاريخي في المنطقة. سأتفق أن المؤامرة استهدفت «قلب العروبة النابض» وخنق آخر رمق عروبي قومي في المنطقة العربية. لن أختلف معكم. أتفق معكم أن المطلوب هو الإجهاز على كل من يرفع شعاراً عروبياً يذكـّر العرب بهويتهم، ويريد أن يجمع شملهم تحت راية عربية واحدة. ماشي. سأتفق معكم أن المطلوب تدمير أي نظام عربي يحلم بأن يكون لديه قرار وطني مستقل حقيقي. ولن أختلف مع الرئيس السوري عندما قال في لقاء مع مسؤول كوري شمالي إن سوريا وكوريا الشمالية مستهدفتان من أمريكا لأنهما صاحبتا قرار وطني مستقل، وترفضان الهيمنة الامبريالية والصهيونية على العالم. ماشي يا سيادة الرئيس.

سأتفق مع حلف الممانعة والمقاومة، وسأبصم له بالعشرة أن رأس سوريا مطلوب لأنها العمود الرئيسي في حلف الصمود والتصدي لقوى الهيمنة والاستكبار العالمي. ماشي. سأتفق معكم مئة في المئة أن المطلوب من المؤامرة على سوريا ضرب الجيش السوري في الصميم وتفكيكه كونه أحد الجيوش العربية القليلة الباقية شوكة في خاصرة العدو الصهيوني إسرائيل. سأتفق معكم أنهم قضوا على الجيش العراقي، وقد جاء دور القضاء على الجيش السوري الباسل. ماشي.

لن أناقشكم بأن سوريا هي البلد العربي الوحيد الذي استطاع تأمين الأمن الغذائي والدوائي، فأمّن مخزوناً استراتيجياً من القمح لعشرات السنين، كما بنى مصانع أدوية عظيمة أمنت للسوريين الدواء، لا بل كانت تقوم بتصدير الفائض إلى الخارج. لن أختلف معكم في أن المطلوب كان القضاء على البنية الصناعية في سوريا، وخاصة في حلب التي كانت تحتض أهم المعامل في سوريا، وتنتج أعظم السلع والبضائع. لن أختلف أيضاً معكم بأن المؤامرة استهدفت الاقتصاد السوري الذي بدأ يتعافى بشكل رائع في العقد الأول من هذا القرن. إن قلتم إن سوريا تعرضت لمؤامرة، سأقول لكم، لا بل تعرضت لأبشع مؤامرة عرفها العرب خلال تاريخهم الحديث. ماذا تريدون أكثر من ذلك. نحن متفقون.

لكن دعوني الآن أسألكم: من الذي نفذ تلك المؤامرة الحقيرة على سوريا، ومن الذي وفر لها كل أسباب النجاح؟ من الذي قضى على دور سوريا في المنطقة، وحوّلها من لاعب إلى ملعب، أو حتى إلى ملعوب به؟ من الذي حوّل سوريا من فاعل إلى مفعول به؟ أليس الذي ورطها في صراع داخلي، وفتح كل الأبواب للقاصي والداني كي يدخل ويعبث بأمن سوريا، ويجعلها ساحة لتصفية حسابات دولية وإقليمية وعربية؟ البادئ دائماً أظلم. ومن بدأ اللعبة الخطيرة؟ إنه النظام الذي يشتكي الآن من المؤامرة.

من الذي جعل سوريا تابعاً ذليلاً الآن لقوى إقليمية كإيران ودولية كروسيا؟ من الذي جعل الجنرال الإيراني قاسم سليماني يظهر في الإعلام على أنه القائد الحقيقي لسوريا عسكرياً وسياسياً؟ من الذي جعل كل القرارات المصيرية بشأن سوريا تصدر من موسكو؟ من الذي جعل أصغر مسؤول إيراني يصرح بأن دمشق هي مربط خيلهم؟ من الذي جعل الإيرانيين والروس يتشدقون ليل نهار بأنه لولاهم لما صمد بشار الأسد ساعة واحدة؟ هل كنتم ستسمحون لإيران وروسيا بأن تتصرفا بهذه الطريقة لو كان لديكم فعلاً قرار وطني مستقل يا سيادة الرئيس؟ ستقولون الآن إن المؤامرة هي التي جعلت النظام يسلم مقاليد الأمور لإيران وروسيا. وطبعاً هذا كلام فارغ، فلو أنكم تصرفتم بحكمة في بداية الثورة، ولم يضحك عليكم الإيرانيون والروس ويدفعوا بكم لمواجهة الشعب بالحديد والنار لما أصبحتم الآن مجرد ألعوبة في أيدي بوتين وخامنئي. لماذا لم تقولوا لإيران التي قالت لكم إنها قادرة على القضاء على الثورة السورية كما قضت على الثورة الخضراء، لماذا لم تقولوا لها إننا لا نريد أن نفتح أبواب جهنم على سوريا؟ لماذا قبلتم معها بسحق الثورة بدل النزول عند مطالب الناس؟ هل كنتم ستجدون أنفسكم الآن لعبة في أيدي إيران لو أنكم لم تتركوا الأمور تنفلت من أيديكم بسبب حساباتكم الحمقاء؟ هل كنتم ستفقدون السيطرة على قراركم الوطني المستقل؟

رأس العروبة مطلوب في دمشق. صحيح. لكن من الذي جعل السوريين يكفرون بعروبتهم؟ أليس الذي لم يترك سلاحاً إلا واستخدمه ضدهم لمجرد أنهم طالبوا بقليل من أوكسجين الحرية؟ كيف تريدون من السوريين أن يفتخروا بهويتهم إذا سلطتم عليهم أبشع أنواع الوحوش العسكرية والأمنية؟ هل كان العالم ليعزلكم ويحاصركم ويطردكم من المنظمات العربية والدولية، ويحرم السوريين من أبسط المواد لو أنكم لم تجرموا بحق السوريين؟ هل كان الشعب السوري سيجد نفسه في بطون الحيتان والأسماك في عرض البحار لو أنكم لم تفضلوا الحل العسكري الأمني الإجرامي على الحل المدني منذ الأيام الأولى للثورة؟

لن نختلف معكم بأن سوريا كانت حاضنة لكل حركات المقاومة في المنطقة. ماشي. لكن من الذي دمر هذه الحاضنة الآن سوى طيشكم وعنجهيتكم؟

هل كنتم لتستعينوا بكل الميليشيات المرتزقة لو أن جيشكم مازال قادراً على مواجهة المؤامرة؟ من الذي أوصل الجيش السوري إلى هذا الحال البائس؟ المؤامرة أم سياستكم الرعناء؟ ترمون بجيشكم في قلب جهنم ثم تشتكون من المؤامرة. نعم فإن أعداء سوريا يريدون القضاء على الجيش السوري، لكن بربكم من يقود الجيش؟ ليس بإمكانكم أن تتهموا أمريكا وإسرائيل مباشرة هنا، فأمريكا لم تطلق ولا حتى وردة على جيشكم، لا بل هبت بطائراتها لنجدتكم في شرق وشمال سوريا عندما بدأت تهددكم داعش فعلياً. إذاً: لا تقولوا لنا إن أمريكا دمرت جيشكم كما فعلت في العراق.

لنتحدث أخيراً عن الدمار الهائل الذي جعل سوريا تبدو كمدن الحرب العالمية الثانية وربما أبشع. لقد تحولت المصانع والصوامع إلى حطام. لكن كل ذلك بفضل همجيتكم. لم تتركوا مصنعاً ولا مدرسة ولا جامعاً ولا صومعة إلا وأحرقتموها بحجة دخول الإرهابيين إليها. ثم تشتكون من تدمير سوريا ونهضتها واقتصادها. لن أختلف معكم أن العصابات المسلحة ساهمت في التدمير والتهجير. لكن هذا الدمار الهائل يحتاج إلى طائرات، وصواريخ عابرة للمدن، وجحافل دبابات، ومدرعات، ومدفعية ثقيلة جداً، وراجمات صواريخ، وسلاح كيماوي. وكل ذلك ليس متوفراً لدى الجماعات الإرهابية. ولو توفر بعضه، فبالتأكيد لن يكون قادراً على إحداث كل هذا الدمار الرهيب. ربما دمرت الجماعات الإرهابية عشرين في المئة، لكنكم أنتم دمرتم ثمانين في المئة من سوريا بهمجيتكم وسياسة الأرض المحروقة التي وضعتها لكم روسيا، لأن جيشكم هو الوحيد الذي يملك القوة التدميرية العسكرية الحقيقية. إذاً من المتآمر على تدمير سوريا؟ بالتأكيد أنتم وجيشكم. أو كي لا تزعلوا: من الذي نفذ المؤامرة الحقيرة؟ أنتم بالتأكيد يا من تشتكون ليل نهار من المؤامرة الكونية.

وأخيراً، حتى لو نجحت العصابات الإرهابية فعلاً في تهجير خمسة عشر مليون سوري وتدمير ثلاثة أرباع سوريا، فهذه وصمة عار في جبينكم وجبين جيشكم يا سيادة الرئيس، لأنها تعني شيئاً واحداً: أن النظام الذي يحكم سوريا نظام بائس تعيس فاشل لم ينجح في حماية سوريا وشعبها من هؤلاء الإرهابيين. وبالتالي هو المسؤول عن نجاح المؤامرة.

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
«أفغنة» الحرب السورية لمدة 40 سنة

بعد إعلان استسلام ألمانيا النازية، عُقِد في «بوتسدام» أول مؤتمر للبحث في مستقبل الدولة المهزومة بحضور هاري ترومان وجوزيف ستالين وونستون تشرشل (17 تموز- يوليو - 1945).

اقتصر الوفدان، الأميركي والبريطاني، على الخبراء العسكريين فقط، في حين زاد ستالين على وفده المرافق أربعة موسيقيين ممن اشتهروا في أداء الموسيقى الكلاسيكية على البيانو. وقد تناوب الأربعة على تقديم مقطوعات متنوعة صفق لها أعضاء الوفود خلال فترات الاستراحة. وتبيّن لرئيس الحكومة البريطانية أن الزعيم السوفياتي يتعمّد الظهور بمظهر القائد الإنساني المرهف الحس، بهدف محو الصورة القبيحة التي رسمها الغرب عنه. أي صورة الرجل الظالم الذي قضى على الملايين من أبناء شعبه، خصوصاً خلال مرحلة تصفية الملاكين، والتخلص ممن سمّاهم «أعداء البروليتاريا.»

بعد مرور ثلاثة أيام، استغل تشرشل الفرصة لطرح سؤال محرج على ستالين، قائلاً: هل صحيح أنك أمرت بتصفية عشرة ملايين روسي؟ وتحاشى ستالين الجواب أمام أعضاء الوفود الأخرى، ولكنه بسط أصابع يده اليمنى وهزها في الهواء مرتين، ثم أتبع ذلك بالإشارة الى زيادة مليون بواسطة سبابته. ورفع تشرشل صوته، وقد أذهله الرقم الإضافي، فقال: أحد عشر مليون ضحية... هذا أمر فظيع! بعد العشاء طلب ستالين من المترجم نقل تعليقه على استغراب تشرشل، فقال: يا عزيزي ونستون، إذا قتل شخص شخصاً آخر، فالقانون يعتبر هذا العمل جريمة... أما في حال قتل الألوف والملايين، فالمؤرخون يُدخلون هذه الأرقام في علم الإحصائيات... ستاتيستيك!

ومن المؤكد أن وريث ستالين فلاديمير بوتين قد طبّق النظرية ذاتها في الشيشان، أثناء إبادة خصومه بواسطة البراميل المتفجرة! الأسبوع الماضي، صدرت مجلة «تايم» بغلاف أسود يتوسطه نور خافت منبعث من فجوة جدار اخترقته قنبلة، وقد كتبت تحت العنوان العبارة التالية: أصوات... من تحت الركام. ويُستخلَص من رمزية هذه الصورة أن أصوات ضحايا الغوطة الشرقية قد دخلت في قائمة إحصائيات الأمم المتحدة، وأن النظام السوري سيطبّق عليهم نظرية ستالين وبوتين!

كل هذا يحدث في ظل ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين الى ألف قتيل، بينهم 180 طفلاً على أقل تقدير، خلال أسبوعين في الغوطة الشرقية. ويؤكد أحد أطباء الجبهة أن الطفولة مستثناة في كل الحروب، ما عدا طفولة سورية. وهي تشكل ما نسبته واحد من كل أربع ضحايا... وأن اختلاط الدم بالغبار على وجوه البراءة هو السمة البارزة التي تثير حفيظة المؤسسات الإنسانية في العالم.

إضافة الى هذه المآسي، ظهرت قبل أسبوع عوارض اختناق وضيق تنفس على أكثر من سبعين مدنياً في بلدتي سقبا وحمورية في الغوطة، إثر قصف استهدفهما من قوات النظام وروسيا. ووفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن القوات المهاجمة استخدمت غاز الكلور المحرَّم.

منذ منتصف شباط (فبراير) الماضي، تشن قوات النظام السوري حملة عنيفة على مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في الغوطة حيث يعيش قرابة 400 ألف مدني. وبما أن القصف الجوي والصاروخي والمدفعي قد منعهم من التجوّل من أجل تأمين حاجاتهم من غذاء ودواء، لذلك ارتضت غالبيتهم الفرار بالسيارات التي تُشاهَد على الطرقات وهي تحترق بمَن في داخلها.

يصف المراسلون الأجانب الوضع الأمني في سورية بأنه شبيه بالوضع الأمني الذي تعرضت له أفغانستان، عقب الانقلاب العسكري الذي قام به «الحزب الشعبي الديموقراطي» في ربيع 1978. وفي كانون الأول (ديسمبر) 1979، تدخل السوفيات في أفغانستان بهدف الاستيلاء على السلطة المحلية ومنع تمدد حركة «المجاهدين»، أي الحركة التي آزرتها قوى خارجية بينها: الولايات المتحدة والاستخبارات الباكستانية والمملكة العربية السعودية.

وبعد نزاع مرير، اضطرت القوات السوفياتية الى الانسحاب سنة 1989، قبل أن تجير السلطة الى الحزب الشيوعي الذي حكم ثلاث سنوات ثم انكفأ سنة 1992 عقب سقوط كابول.

على أثر ذلك الانسحاب، دعيت الأحزاب الأفغانية الى مؤتمر عُقد في مدينة «بيشاور» الباكستانية لتحديد هوية النظام الجديد. وأعلن المجتمعون ولادة «الدولة الإسلامية الأفغانية»، مع تشكيل حكومة انتقالية. ولقد اعترض على ذلك الإجراء الزعيم قلب الدين حكمتيار، الذي طلب من جماعته استئناف القتال. وكانت تلك الخطوة بمثابة تشجيع لقوى مناهضة لحكمتيار بينها: إيران والسعودية والهند وأوزبكستان.

بعد فترة سنتين، ظهر على الساحة وزير الدفاع أحمد شاه مسعود، ليرسخ النظام ويمنع الفوضى ويعيد الأمن الى كابول. والثابت أن قيادة الاستخبارات الباكستانية كانت تراهن على قوة أخرى ظهرت في مدينة قندهار، هي قوة «طالبان.»

ولقد قدِّر لها أن تحكم فترة قصيرة من الزمن كانت كافية لإقناع شعوب تلك المنطقة بأنها النسخة الأولى عن تخلف «داعش» ووحشية حكمه.

في نهاية الأمر، فإن مرحلة الفلتان الأمني والنزاعات العشائرية استمرت أربعين سنة قبل أن يهدأ الوضع في أفغانستان نسبياً، وتعود الى كابول سلطة تنقصها قوة السيادة لبسط نفوذها على كامل الأرض.

عودة الى وصف المراسلين الأجانب الذين يحسبون أن طريق سورية الى الاستقرار واستقلال القرار يحتاج الى فترة طويلة لا تقل عن أربعين سنة. كل هذا بسبب حاجة مشاريع إعادة الإعمار الى شبه خطة «مارشال» يزيد تمويلها الأساسي على مئتي بليون دولار. كما تحتاج أيضاً الى سبع سنوات في حال تأمن المبلغ من جهات استثمارية محلية كانت أم خارجية.

وتبرز صورة التماثل بين أفغانستان وسورية بوفرة عدد الدول المتورطة في النزاع داخل المدن السورية، مثل ايران وروسيا والولايات المتحدة. إضافة الى أكثر من مئتي ميليشيا محسوبة على المعارضة والنظام، ظلت لمدة سبع سنوات تبحث عن الحل في اسطنبول وجنيف وآستانة، فلم تنجح.

والسبب أن الرئيس فلاديمير بوتين يوظف منجزاته العسكرية في سورية من أجل ربح ولاية رابعة بسهولة وسلاسة. كذلك يحاول النظام الايراني تحسين وضعه الداخلي من طريق إعادة سيطرته على عمليات نقل الصواريخ الى «حزب الله»، متحدياً بذلك الضمانات التي قدمها بوتين الى بنيامين نتانياهو.

وفي الوقت ذاته، يقوم الجيش التركي بالتوغل داخل الحدود الشمالية لسورية بحجة طرد تنظيم «وحدات حماية الشعب» الكردي الذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وهو حزب يخوض تمرداً ضدها منذ عقود. وفي العشرين من كانون الثاني (يناير)، أطلقت تركيا عملية «غصن الزيتون» بدعم من مقاتلين ينتمون الى فصائل معارضة سورية. وذُكِر في هذا السياق أن قوات موالية للأسد استغلت هذا الوضع لمناصرة الأكراد في منطقة عفرين، الأمر الذي اعتبره رجب طيب اردوغان تأييداً صريحاً لموقف الأكراد من تركيا.

غداً الأحد، ينتخب الروس فلاديمير بوتين لولاية رابعة تدوم ست سنوات وتنتهي سنة 2024. ومع أنه أعلن قبل أسبوع لمحطة «ان بي سي» الأميركية رفضه تقليد نظيره الرئيس الصيني في السعي الى رئاسة مدى الحياة، إلا أن إعلانات حملته الانتخابية تشير الى عكس ذلك. فهي تظهره جالساً فوق عرش القيصر، يحمل الصولجان بيمينه ويعتمر التاج المرصّع بالأحجار الكريمة.

ويرى المراقبون أن ممارساته الأخيرة توحي بالتغيير الذي طرأ على نهجه قبل أن يبدأ ولايته الرابعة. ذلك أنه ركز اهتمامه على مصير شبه جزيرة القرم، متجاهلاً قرارات الأمم المتحدة. تماماً مثلما تجاهل اتهامات رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي حول عملية تسميم العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال.

مقابل هذا التحوّل في تعاطي بوتين مع خصومه، حذر المعلقون الأوروبيون من خطورة إعفاء وزير خارجية اميركا ريكس تيلرسون من منصبه. خصوصاً أن ترامب برَّر هذا القرار بالقول إنه كان يختلف معه في الكثير من القضايا، وبينها موقفه المهادن من الملف النووي الإيراني.

ويُستَدَل من هذا التبرير أن ترامب عازم على إلغاء اتفاق الملف النووي. وفي حال نفذ تهديده، فإن المنطقة مقبلة على مواجهة عسكرية على طول الحدود مع إسرائيل!

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
شراء الضمير.. لعبة الطغاة لتضليل الشعوب!

من المتعارف عليه في علم التجارة أن التسويق والإعلان أي "التلميع": هو من أهم مقومات نجاح المنتج، حتى لو كان بالي وفاسد وعديم القيمة، مثل إعلانات السيجار وبعض أنواع المشروبات الكحولية، وهذه المنتجات لا تختلف عن الطغاة العرب إلا ببطئها في الفتك والقتل، فمن أهم مقومات صمود الطغاة على مدى سنين طويلة: هو شرائهم لضمير الآلاف من الكتاب والإعلاميين والفنانين، فقد كسروا قلم الكاتب وثبطوا تفكيره، وسرقوا ريشة الرسام وقيدوا تعبيره، وهيمنوا على حرية الإعلام وأوقفوا هديره، ولعل أفضل مثال عن هذا هو عائلة الأسد بطاغيتيها الأب والابن، الذين حكما سورية على مدى 50 عام.

كان العام 1973 البداية الفعلية لتهافت "الملمعين" و"المطبلين" كما يسميهم السوريون لرضى الأسد الأب، خاصة بعد حرب تشرين "أكتوبر" التي خرج منها مطأطأ الرأس خالي الوفاض، فقد حوّلوا هزيمته نصراً وذله عزاً، ونقش النقّاشون صوره في كل زاوية، وخلّد المؤرخون أقواله المأثورة في صفحات التاريخ السوري كأنها قرآن منزل ودرّس المعلمون بطولاته وإنجازاته الوهمية للأجيال، ولحن وغنّى الفنانون أناشيده الإقصائية، وصاغ الشعراء أبيات شعرهم من بريق عينه الكاذب.

لقد كان كتاب الصحفي البريطاني "باتريك سيل" الصراع على الشرق الأوسط، أهم حملة تسويق غربية لعائلة الأسد، بعد أن دفع حافظ الأسد مبلغ 300 ألف دولار أمريكي لقاء هذا الكتاب ذو الصورة الوردية، الذي لم يترك تفصيلة حميدة إلا وذكرها عنه، فقد تحدث بقسميه الإثنين: عن طفولة الأسد الأب وشبابه، وعن تنقله في الرتب العسكرية ووصوله للحكم وحركته التصحيحية المزعومة، وتحدث مطولاً على أن الطائفة العلوية لم تستغل منصب الأسد الأب أبداً، بل أن شبابها جدوا وكدوا وتمسكوا بحقهم في التعليم، حتى وصلوا إلى أعلى مناصب الدولة حسب تعبير الكاتب باتريك سيل، الذي رسم بذلك صوراً بيضاء بالدم، ونحت هياكل الكبرياء بالوهم، وترك في طيات صفحات كتابه، بطلاً هلامياً شرى ماضيه ومستقبله بدماء السوريين .


حقبة الأسد الابن "بشار"
لم يخرج الطفل المدلل عن نص أبيه في هذا المجال بل على العكس تماما، فقد طوّر كثيراً من الأساليب وواكب الحداثة وأضاف طرق جديدة، واستعان بالمنجمين، الذين أوهموا الشعب السوري بأن القائد المفدى خليل النصر الدائم، ذو التاج المكلل بالنجاح باقٍ إلى الأبد، لن تزحزحه نسمة عابرة من مجلس الأمن، ولا نفحة هواء من المجتمع الدولي؛ وحارب أيضا منابر الإعلام الحر كـقناة الجزيرة وغيرها، وجيّش جيشه الإلكتروني لتلفيق التهم ولنشر الإشاعات ضد كل من يخالفه الرأي، وحديثا كان استخدامه لضمير الرياضيين في المنتخب السوري لكرة القدم، لتوطيد شرعيته وتأكيد مكانته افضل مثال حي يذكر.

لقد استغل الأسد الابن نجاح الدراما السورية استغلالا باهراً، فقبل الثورة السورية جعلها تصرف النظر عن الأوضاع الداخلية المزرية إلى مؤامرته الكونية، وإلى نضاله القومي الفلسطيني المزعزوم، ومع بداية الثورة كانت الدراما السورية سلاحه الفتاك، الذي صوّر فيه نسف المدن فوق رؤوس ساكنيها بالنصر، واغتصاب نساءها بالعزة، وإذلال كبارها بالانتقام، وسعى جاهداً مع مخرجه الوفي نجدت أنزور، لصرف نظر الناس عن الكلب المسعور وعن الغصن المبتور، إلى ذبابة داعش وإلى الفصائل الإسلامية المتشرذمة، وأنشأ أيضا القنوات الإخبارية لمواكبة أحداث حربه وأخبار ميليشياته، واستكتبَ الشعراءَ والكتابَ عن بطولات جيشه وعن صموده الطويل، فتحولت سوريا بعد العام 2011 إلى مزرعة مغلقة، كل أحداثها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطاغيتها الأسد، وقد وصف الكبير الدمشقي نزار قباني هذه المزرعة وصفاً معبراً جداً في قصيدته المحظورة "عنترة" حين قال:
هذي بلادٌ يمنح المثقفون -فيها- صوتهم، لسـيد المثقفين عنترة...
يجملون قـبحه، يؤرخون عصره، وينشرون فكره...
و يقـرعون الطبـل فـي حـروبـه المظـفرة ..
لا نجـم - في شـاشـة التلفـاز - إلا عــنترة..
بقـده الميـاس ، أو ضحكـته المعبـرة ..
يـوماً بزي الدوق والأمير ... يـوماً بزي الكادحٍ الفـقير...
يوماً على دبابة روسيـةٍ ... يـوماً عـلى مجـنزرة..
يـوماً عـلى أضـلاعنـا المكسـرة..

ما أقبح من يبيع ضميره ومهنته! وما أسوأ من يطعم أطفاله طعاما قد جبل بدماء الشعوب! وما من رزيةٍ أشدُ وطأةً من رزيةِ وطنٍ مطعونٍ بسكينِ خذلانِ ولدهِ، الذي رباه وكساه وآواه وأعطاه شيب سنينه فما شفعَ لهُ وما نجاه.

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
الغوطة.. صرخة ألم تدمي القلوب

لحم سوري للبيع، صرخة ألم، صرخةٌ تختلف عن كل الصرخات؛ فلها وقعٌ خاص في الوجدان والضمير وتركت أثراً عميقاً في القلوب والعقول، صرخةٌ تدمي القلوب، وتجيشُ لها المشاعر، وتجري لها المآقي. لكن إذا كان الضمير ميت والوجدان غائب والمشاعرُ متبلدة والمآقي لا تجري إلا على من تشتهي فالوضع خطير ومقلق والبشرية وبقاؤها في خطر كبير.

لحم سوري للبيع، صرخاتٍ أطلقها ذاك الشاب السوري الملكوم على أملِ أن تقع في سمع من بقي لديه شيء يسير من ضمير وقليل من إنسانية في عالمٍ أصبح الإجرامُ والإرهابُ ديدنٌ لمن يحكمه ويُسَيِرَهُ في السر والعلن.

عن الصرخة أحدثكم، لكنها ليست الصرخة تلك مجموعة الأعمال للوحاتٍ تعبيرية التي قام بإنجازها الرسام النرويجي إدفارت مونك لتصوير شخصية معذبه أمام سماء حمراء قانية بلون الدم، كما أنها ليست فيلم الصرخة الشهير للكاتب كيفن ويليامسون الذي أخرجه ويس كرافن وقامه بدور بطولته نيف كامبل، كورتني كوكس أركيت وديفيد حيث تدور أحداثه حول قاتل يرتدي قناع مخيف يشبه الصرخة يقوم بقتل أصدقائه بالسكين وبدون رحمة وبأبشع الطرق.

يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بدعوى محاربة الإرهاب! أي إرهاب هذا الذي يمارسه طفل أعزل لا يقوى إلا على حمل حقيبته المدرسية؟!

إنها صرخة من نوع اّخر، صرخة لم يشهد لها العالم مثيل، لا بل ولم نسمع بها من السلف ولا عبر مر السنين العابرة. صرخةُ ألم ألغت كل الصرخات حذفت كل البشاعات، مسحت من التاريخ أفظع الجرائم وقلة الإنسانية والحقد الأسود والكره الدفين، صرخةٌ تربعت على عرش الصرخات.

صرخة رجال الغوطة، صرخة أطفالهم ونساءهم وعويل شيوخهم، صرخة أطفالهم المسحوقين الملكومين التي لم تستطع الكاميرات رصدها ولا الكلمات وصفها ولم يستطع مونك رسمها ولا حتى ويس كرافن من تصويرها وإخراجها، صرخةٌ دونت على صفحات جدران منازلهم، مساجدهم، عانقت أبراج السماء ولم يرجعُ لها صدى؛ لربما ابتلعته شياطين الظلام.

صرخة كتبها حقد من لا يملك الحد الأدنى من الإنسانية على أطفال الغوطة ونسائهم ورجالهم وعلى أشجارهم وأحجارهم، صرخة أخرجها ورسمها نظام تحدى العالم أجمع بجميع مؤسساته ومنظماته وهيئاته ضارباً بعرض الحائط كل المواثيق والمعايير والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والانسانية. نظام يقتل شعبه بدم بارد وكأنه يذبح شاة أو دجاجة! ولا من منقذ ولا من مجيب وكأن الشعب السوري ليس من هذا الكوكب.

والغريب أن جميع المؤسسات العالمة التي تعنى بالإنسان بجميع جوانبه آثروا الصمت على تلك الجرائم البشعة، واكتفوا بعبارات الاستنكار الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع التي يطلقونها على استحياء من قاعات مؤتمراتهم الفخمة أو من الأفضل القول قاعات مؤامراتهم القذرة على الشعوب التي لم تر منهم خيراً، وكأن الإنسان إذا كان عربياً لا يعنيهم، فالطفل العربي دمه مباح، والمرأةُ العربية لا حقوق لها ولربما لو أن المقتول كان كلباً لقامت الدنيا وما قعدت.

صرخة قام بدور البطولة فيها جيوش الشرك وفرسان الظلام، صرخة كان يستجدي ضحاياها جلاديهم بأن يقتلوهم بلطف حتى يموتوا بأقل تكلفةٍ من الألم. يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بدعوى محاربة الإرهاب! أي إرهاب هذا الذي يمارسه طفل أعزل لا يقوى إلا على حمل حقيبته المدرسية؟! أي إرهاب هذا الذي تمارسه نساء لا حول لهن ولا قوة؟! وأي إرهاب هذا الذي يمارسه شيوخٌ لا يقوون على حمل رغيف الخبز؟!

يا الله أكاد أسمع صرخات الأطفال المذبوحين تطرق وجداني، تهز ضميري، فلقد استنجدوا فلم يجدوا مجيب، ولقد هزموا فلم يجدو نصير، إلا وجوه جلاديهم البشعة القبيحة مرتدية قناع الحقد الذي تراكم علية غبار الكراهية، وتكدست عليه فتاوي المرجعيات بقتلهم، لا نقول إلا عذراً أطفال الغوطة، أطفال سوريا، عذراً حرائر الغوطة، عذراً عذراً، فعندما صرختم كنا نائمون!!

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
منطقة الجنوب السوري تحت النار من جديد

في الوقت الذي ما زال النظام الكيميائي فيه يشن حربه الدموية على الغوطة الشرقية بغية القضاء على آخر معاقل الثورة المسلحة لصق العاصمة دمشق، وإفراغ مدنها وبلداتها من السكان، بدأ فجأةً سلسلة من الغارات الجوية والقصف المدفعي على مدن وبلدات محافظة درعا المشمولة في إطار منطقة «خفض تصعيد» بضمانة روسية ـ أمريكية ـ أردنية.

فما معنى ذلك؟
لا يمكن تفسير الأمر ببعض الدعوات التي أطلقت لتحريك الجبهة الجنوبية، لتخفيف الضغط عن الغوطة الشرقية. فعلى رغم النوايا الطيبة لهذه الدعوات، فهي تغفل أن تلك الجبهة هي الأكثر انضباطاً بما يملى عليها من غرفة العمليات المعروفة باسم «موك». وحتى بعد بداية غارات النظام على المنطقة، دعا الأمريكيون الفصائل هناك إلى «ضبط النفس»، بالتوازي مع الدعوة إلى اجتماع عاجل في عمان لدراسة الوضع المستجد.

إذن النظام بدأ حربه الجديدة في الجنوب بمحض اختياره، ولم يصدر عن ردة فعل على هجمات من الثوار، أو عن ضرورات عسكرية متعلقة بحربه على الغوطة. ومن وجهة نظر روسيا ـ صاحبة القرار العسكري الفعلي على الأراضي السورية ـ لم يكن الأمر نتيجة انتهاء صلاحية تفاهماتها مع واشنطن حول منطقة وقف التصعيد في الجنوب. بل من الواضح أن الأمريكيين فوجئوا بتسخين هذه الجبهة، فنصحوا الفصائل بضبط النفس، لتفويت الفرصة على روسيا على تخريب التفاهمات المذكورة.

يتعلق الأمر إذن بضغط روسي على واشنطن بحثاً عن صفقة شاملة تضع نهاية للصراع وفقاً للتصور الروسي. فقد طلب الأمريكيون من الروس التفاهم على تعميم النموذج «الناجح» لمنطقة خفض التصعيد في الجنوب على المناطق الأخرى في سوريا، أساساً لحل سياسي مستدام. في حين حاول الروس أن يغيروا موازين القوى القائمة بهجومهم الفاشل قرب دير الزور.

من ناحية أخرى، أطلقت موسكو يد تركيا في منطقة عفرين ضد وحدات حماية الشعب المتحالفة مع الأمريكيين، كنوع من الضغط المعنوي الإضافي على واشنطن، من خلال إظهارها بمظهر المتخلي عن حليفه الكردي، العاجز عن حمايته. وهو ما أربك الأمريكيين فعلاً، ووضعهم مجدداً أمام الاختيار الصعب بين تركيا والكرد، في حين أنهم لا يريدون التخلي عن علاقتهم مع أي منهما.

روسيا بوتين تملك، إذن، الكثير من الأوراق لإرباك غريمتها الأمريكية في سوريا، حتى بعدما أعلنت واشنطن، قبل أشهر، استراتيجيتها بشأن الصراع في سوريا، وفي القلب منها إعلانها عن تمديد بقاء قواتها شرقي نهر الفرات وفي الجنوب إلى أجل غير مسمى. وإذا كانت موسكو قد قبلت هذا الوضع على مضض، فهي تريد مقابل ذلك تسهيلاً أمريكياً لاستراتيجية خروج من الصراع السوري، ما زالت واشنطن تضن به عليها. وقد رأينا كيف تعاملت موسكو مع قرار مجلس الأمن 2401 بشأن هدنة إنسانية لمدة ثلاثين يوماً على كافة الأراضي السورية. فكما لم تلتزم هي نفسها ـ ومعها تابعها السوري ـ بمتطلبات هذا القرار، فزادت من كثافة نيرانها القاتلة على الغوطة الشرقية، ولم تسمح بإدخال المساعدات الطبية، وعطلت التنفيذ حين سمحت بعبور بعض الشاحنات، كذلك أعطت الضوء الأخضر لتركيا كي لا تعتبر نفسها معنية بالهدنة وفقاً لقرار مجلس الأمن المذكور، فتواصل شن هجماتها على منطقة عفرين وصولاً إلى تطويق المدينة وفرض حصار تام عليها.

كان بإمكان روسيا أن تستخدم، كعادتها، حق النقض في مجلس الأمن، لإفشال مشروع القرار. لكنها امتنعت عن ذلك، فسمحت بتمرير القرار، لتقوم بخرقه فتلقي بقفاز التحدي في وجه الأمريكيين والعالم بأسره. وها هي، بعد كل التحرشات المذكورة، تصعّد في الجنوب الذي يعتبره الأمريكيون إنجازاً لهم يطمحون إلى تعميم نموذجه.

لن يهدأ بوتين قبل إرغام واشنطن على العودة إلى تفاهمات، بشأن الصراع في سوريا، تشبه التفاهمات التي كانت قائمة في ظل إدارة أوباما. وهو ما يبدو أن إدارة ترامب التي يوجهها البنتاغون إلى حد كبير، لن توافق عليه.

في هذا الوقت جاءت إقالة وزير الخارجية تليرسون لتطلق تكهنات كثيرة بشأن أسبابها. لكن خليفته بومبيو، المدير السابق للاستخبارات المركزية الأمريكية، معروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران. وينسجم تعيينه مع الاستراتيجية الأمريكية المعلنة بصدد مواجهة النفوذ الإقليمي لإيران.

لا يمكن التكهن بما يمكن للإدارة الأمريكية أن تطور من مفردات الرد على التحرشات والإرباكات الروسية، سواء في مجلس الأمن حيث قدمت مشروع قرار جديد بشأن الهدنة التي لم تحترمها روسيا وفقاً للقرار السابق، أو في عفرين حيث لجمت روسيا حليفها الكيميائي من التدخل، أو في المنطقة الجنوبية رداً على خرق موسكو لاتفاق خفض التصعيد. قد تشهد الأيام القادمة تطورات مفاجئة في الصراع الروسي ـ الأمريكي على سوريا، بعد كل هذه التحرشات الروسية، سواء باتجاه مزيد من التصعيد أو باتجاه تفاهمات موضعية تنتج عنها تهدئة مؤقتة في الجنوب على الأقل.

ما هو مؤكد بالنسبة لنا هو أن النزيف السوري مستمر، قتلاً وتهجيراً وتغييراً ديموغرافياً مطرداً.

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٨
ما الذي ينتظر محافظة درعا بعد الغوطة

في الوقت الذي تعيش فيه الغوطة الشرقية أصعب أيامها منذ بداية الثورة السورية منذ سبع سنوات، تقف حوران ورجالها أمام ما يجري في الغوطة في ظل تخبط بالموقف وضياع للأفق، يساعده تراجع النفس الثوري بين الأهالي نتيجة ما مرت به المنطقة من اتفاقيات خلال الفترة الماضية وما حملته من هدوء.


لا يختلف المتابعين للوضع في الجنوب السوري أن ما ينتظره الجنوب لن يكون مختلف كثيرا عما يجري في الغوطة الشرقية الآن، او ما تعرضت له مدن وبلدات الريف الشرقي في محافظة إدلب منذ أسابيع، مما يضع الفصائل العسكرية الثورية في حوران على وجه الخصوص، وعموما أهالي حوران أمام خيارين لا ثالث لهما وهي أما المراقبة وانتظار المصير المحتوم، وأما التحرك السريع لتدراك الموقف واستغلال انشغال النظام وقواته بمعاركه في الغوطة الشرقية، التي حشد لها قواته وميليشياته من كافة الاراضي السورية، وحتى من درعا.

وهنا يظهر للعيان أن الفصائل العسكرية في حوران لا تزال تملك الفرصة لإعادة خلط الأوراق في المنطقة الجنوبية من خلال استغلالها لنقاط ضعف النظام وانشغاله في جبهات ثانية مما يسمح لها بالتقدم في أحد مفاصل النظام على الاستراد الدولي دمشق درعا، كالسيطرة على مدينة أزرع أو بلدة خربة غزالة، أو حتى العمل للتقدم في عمق النظام باتجاه شمالي المحافظة، والوصول إلى أطراف ريف دمشق من خلال هجمات مباغتة ومنظمة تتمكن الفصائل من خلالها من إعادة أحياء الثورة ودفع عجلتها المتوقفة منذ شهور.

ولكن هل تمتلك الفصائل العسكرية استقلالية القرار لفتح هكذا معارك، هنا يمكننا استحضار ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية من غارات من الطيران التابع للأسد وروسيا بشن عدة غارات على ريف درعا الشرقي في خرق واضح لاتفاق خفض التصعيد، حيث سارعت الولايات المتحدة لعقد اجتماعات مع فصائل الجنوب في العاصمة الأردنية عمان سعت من خلالها لكبح جماح الفصائل ومنعها من تنفيذ أي عمل عسكري ضد قوات الأسد وميليشياته ومنعها من تنفيذ غارات للطيران الحربي على بلدات حوران، حيث أكدت على أن الاسد وروسيا قاموا بخرق غير مقبول لاتفاق خفض التصعيد حيث نقلت عربي 21 نص رسالة امريكية لفصائل الجنوب جاء فيها "وعليه إننا نحثكم على ضبط الأعصاب، والتفكير ملياً في أهلكم من المدنيين، وعدم إعطاء الذرائع للنظام لقصفهم والقضاء على آخر معقل للمعارضة المعتدلة في سوريا"، في اشارة لعملها لمنع أي عمل عسكري ضد قوات الأسد جنوب البلاد.

وأمام ما تمر به الفصائل من مفارقات الانتصار للوضع في الغوطة الشرقية ومنع الجنوب من الوقوع فريسة سهلة في قبضة الأسد وروسيا والاستماع لصوت الشارع من جهة، أو الرضوخ للإملاءات الخارجية والاستماع لطلبات الولايات المتحدة التي لم تتمكن من منع روسيا والأسد من حرق أكثر من 60 مدني في كفربطنا أمس في الغوطة الشرقية دفعة واحدة غالبيتهم من النساء والأطفال، ووقوفها موقف المتفرج أمام تجاوز الأسد لخطوطها الحمراء باستخدامه للسلاح الكيماوي ضد المدنيين العزل الذي لم يكن ذنبهم ألا مطالبتهم بالحرية والكرامة.

في ظل ما سبق تقف المعارضة السورية في الجنوب السوري وعلى رأسها الفصائل العسكرية وقياداتها موقف تاريخي لا يمكن أن يتكرر، لأنه لو تكرر ما كان أمام ألا خيار المواجهة والدفاع عن أنفسهم لأنه سيكون في مناطق وعلى بيوتهم وعلى نسائهم وأطفالهم وأهلهم، ولم تتمكن الفصائل عندها من تبرير مواقفها وخسارة مناطق الثوار ألا بالاستماع للإملاءات الخارجية التي لم تسمن أو تغني من جوع.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال