مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣ أبريل ٢٠١٨
بعد تحريرها في "غصن الزيتون".. من سيحكم عفرين؟

تحررت عفرين من إرهاب "بي كي كي"، وجاء الدور الآن على مسألة حكم المدينة. القوة الوحيدة التي تكافح الإرهاب بالمعنى الحقيقي في سوريا هي تركيا، ومن خلال تسليمها الأراضي التي تحررها إلى أصحابها الحقيقيين فهي تقدم من جديد على خطوات هي الأولى من نوعها.

حررت تركيا خلال عملية درع الفرات عام 2016 مناطق اعزاز وجرابلس والباب من تنظيم داعش، وحالت دون دخول "بي كي كي" إليها.

وبعد ذلك سلمت حكم تلك المناطق إلى السكان المحليين. منذ أكثر من عام يحكم اعزاز وجرابلس والباب أصحابها الحقيقيون، أي السوريون.

الأمر نفسه ينطبق الآن على عفرين. مع تطهير مركز المدينة وقراها وبلداتها تمامًا من الإرهاب، تسعى تركيا لكي يحكم أهالي عفرين منطقتهم بأنفسهم.

وفي هذا السياق، عقدت اجتماعًا ضم ممثلين عن السكان المحليين، في مدينة عنتاب، وتم تشكيل لجنة مهمتها تأسيس إدارة محلية لعفرين خلال 10 أيام.

تم ترشيح 230 اسمًا لعضوية الإدارة، سيُنتخب منهم 115. ستتشكل هذه الإدارة من السكان المحليين لعفرين، وسيجد العرب والأكراد والتركمان ممثلين لهم في هذه الإدارة.

منذ خمس سنوات والنظام الإرهابي لتنظيم "بي واي دي" فرع "بي كي كي" في سوريا، يسيطر على عفرين. لكن من الآن فصاعدًا سيدير العفرينيون وحدهم شؤون منطقتهم، كما هو الحال في اعزاز وجرابلس.

بينما تكافح تركيا الإرهاب في سوريا، تترك إدارة شؤون الأراضي التي تحررها إلى أصحابها الحقيقيين.

وتعلن تركيا من جديد، عبر هذا النموذج الأخير في عفرين، أنها ليست قوة احتلال واستعمار.

نهب الغرب المناطق التي احتلها في أفريقيا، وفي سوريا والعراق، واستولى على ثروات هذه المناطق، وما زال يفعل حتى اليوم. لم تنسحب الولايات المتحدة من العراق، الذي تحتله منذ 15 عامًا.

وفي أفريقيا، هناك النموذج الفرنسي. فعلى الرغم من مرور أكثر من ستين عامًا إلا أن فرنسا ما تزال تستعمر 14 بلدًا في أفريقيا.

ومع أن الساسة الفرنسيون يدعون أن بلادهم انسحبت من البلدان المذكورة، إلا أنهم أسسوا نظامًا في البلدان التي منحوها استقلالًا مزيفًا.

وبفضل هذا النظام تجبي فرنسا تحت مسمى "ضريبة الاستعمار" إتاوة يقرب مقدارها من 500 مليار دولار سنويًّا، من 14 بلدًا أفريقيًّا.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٨
حزب سوريا المستقبل.. دلالات وأسئلة

كان لافتا الإعلان في مدينة الرقة السورية عن تأسيس حزب جديد باسم حزب سورية المستقبل قبل أيام، جاء إعلانا حمل معه جملة من الدلالات، لجهة التوقيت والمكان والرسائل والمأمول والأسئلة. مع أن ظاهرة انتشار الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية والعسكرية في الساحة السورية باتت من أهم مظاهر الأزمة السورية، إلا أن تأسيس حزب سورية المستقبل على أنقاض مدينة الرقة المدمرة، وبحضور نحو ألف شخص، يمثلون معظم مكونات الشعب السوري، أمر مثير، لا سيما لجهة الأسئلة، فالساحة التي عقد فيها المؤتمر هي نفسها التي رفعت فيها صور الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، عقب طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منها، والمدينة، الرقة، تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل وحدات حماية الشعب عمادها الأساسي. وعلى الرغم من الحضور الكردي النوعي والكثيف في المؤتمر، إلا أن القاعة التي عقدت فيها الجلسات خلت من أي علم أو شعار أو لغة أو إشارة إلى الكرد ولغتهم، بل ومطالبهم التي رفعوها طوال الفترة الماضية! مع أن ثمة قناعة راسخة لدى الأوساط المطلعة بأن الطرف الكردي، وتحديدا حزب العمال الكردستاني، هو من يقف وراء تأسيس هذا الحزب.

في الأوساط الكردية، ثمّة من يعتقد أن تأسيس هذا الحزب جاء وفقا لرغبة أميركية، لها علاقة بتأسيس تنظيم يحظى بقبول من جميع الأطراف السورية، ولا يثير التوتر مع الدول الإقليمية، وتحديدا تركيا التي دخلت في مواجهة مفتوحة مع المشروع الكردي في شمال شرق سورية. ويضيف بعضهم أن هذا الحزب جاء ليكون بديلا عن حزب الاتحاد الديمقراطي، استجابة لظروف المرحلة الجديدة. ولعل هذا ما يوحي به ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر الحزب، إذ خلافا لخطاب حزب الاتحاد الديمقراطي، حمّل البيان النظام السوري وحده مسؤولية الأزمة السورية، لاستمراره في نهج العسكرة. وحصر الإرهاب بتنظيمي داعش وجبهة النصرة من دون الإشارة إلى فصائل أخرى، كانت تصنف إرهابية وفق "الاتحاد الديمقراطي" وحركة المجتمع الديمقراطي. ونبه البيان إلى ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع الجوار الجغرافي، وحدّد تركيا بالاسم خلافا للخطاب العدائي الحاصل بين تركيا والكرد، لم يشر البيان لا من قريب ولا من بعيد إلى الإدارة الذاتية الكردية أو فيدرالية شمال سورية أو إقليم روج آفا أو الكانتونات والمقاطعات... وغيرها من المصطلحات السياسية التي سادت الخطاب الكردي في السنوات الأخيرة، بل حرص البيان مرارا على الإشارة إلى وحدة الدولة السورية دولة ديمقراطية، لا مركزية، تعدّدية، تقوم على المواطنة والحقوق والواجبات، وذلك كله من خلال التغيير السلمي ومؤتمر جنيف وفقا للقرار الدولي 2254 ودستور جديد.

تجديد الخطاب الكردي مطلوب، بل وضروري، ولا سيما في هذه المرحلة حيث تظهر بوادر انشقاق كردي – عربي. لكن يبقى الأهم كرديا وسوريا كيفية تحويل هذا الخطاب إلى مرجعية سياسية وممارسة عملية، ومفاهيم ثقافية، تصب جميعها في الحالة الوطنية، من دون إنكار الهوية الكردية.

وعليه، يضع طمس الهوية الكردية، في مؤتمر انعقد وسط السيطرة الكردية، ما صدر عن المؤتمر في امتحان الاختبار، لا على المدى اللحظي القريب، بل في إطار استراتيجية بعيدة المدى، من خلال جعل هذا الخطاب مسارا فعليا للشعارات التي رفعت، ولعل المسؤولية عن ذلك تتجاوز حزبا بعينه إلى كل الأحزاب والقوى التي ترى نفسها معنيةً بمستقبل سورية.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٨
الرئيس الفرنسي.. واعترافه بدعم الإرهاب ضد تركيا

عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الواجهة من جديد مع إدلائه بتصريحات استهدف فيها تركيا.

استقبل ماكرون وفدًا مكونًا من عناصر تنظيم وحدات حماية الشعب الإرهابي في قصر الإليزيه، وقال: "قدمنا ضمانات بدعم وحدات حماية الشعب. نريد أن نقوم بالوساطة بين تركيا ووحدات حماية الشعب".

وكان الرئيس الفرنسي قد أدلى مؤخرًا بتصريح على خلفية سقوط مركز عفرين بيد قوات عملية "غصن الزيتون"، قال فيه إن سيطرة تركيا على عفرين |"يجب أن لا تتحول إلى احتلال".

مما لا شك فيه أن تصريح ماكرون لم يصدر بمعزل عن الولايات المتحدة, فالبلدان يريدان عزل تركيا وقطع الطريق أمام تنفيذها عمليات عسكرية محتملة في منبج وشرق الفرات.

تستعد الولايات المتحدة إلى دفع أوروبا، عن طريق فرنسا، للوقوف في وجه تركيا. فقد تبين للإدارة الأمريكية أن البنتاغون وحدها غير قادرة على عزل تركيا.

فالتنظيم الذي تحميه وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) فقد أكثر من 3500 من مسلحيه خلال عملية عفرين، وهذه الخسائر الثقيلة وجهت ضربة كبيرة لسياسات الولايات المتحدة في سوريا.

وتسعى وزارة الدفاع الأمريكية إلى توسيع الجبهة في سوريا ضد تركيا، بهدف إنقاذ وحدات حماية الشعب.

لكن مهما وسعت الجبهة لن يكون من الممكن للبنتاغون أن ترغم أنقرة على التراجع. فتركيا تحررت من الأغلال التي كانت توثقها، ومع تحييد تنظيم "فتح الله غولن" وحزب العمال الكردستاني، انتقلت إلى مرحلة المواجهة مع الأصحاب الحقيقيين لهذين التظيمين.

أما تصريح ماكرون بأنه قدم ضمانات بدعم وحدات حماية الشعب فهو اعتراف صريح بتعاون فرنسا مع الإرهاب، ويكشف بوضوح حقيقة بلدان تقف إلى جانب الإرهاب الذي يضرب تركيا منذ 40 عامًا.

اعتراف الرئيس الفرنسي جاء ليؤكد من جديد عبارة "مشروع تنظيم إرهابي" الواردة في بيان مجلس الأمن القومي التركي بخصوص تنظيمات غولن وداعش وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٨
ترمب وسوريا... الواقع والخيال

تصريح صادم أدلى به الرئيس الأميركي ترمب بتجمع حاشد في أوهايو، خلاصته نيته الانسحاب من سوريا، وأنه قد انتصر على داعش وأنجز المهمة.

هل هذا مجرد دغدغة سياسية «شعبوية» لطبيعة الجمهور الذي كان يخاطبه، وهو جمهور جاهل بالسياسة الخارجية ومقتضيات الأمن القومي «الأميركي»؟

ربما... لكن الحال أن هذا الكلام «يتناقض» مع عزم ترمب على مواجهة إيران والقضاء على «أنشطتها الخبيثة» بالمنطقة، كما يتناقض مع المزاج الأميركي الساخن هذه الأيام ضد الصولة الروسية على الغرب، كما يتنافى مع الحنق الأميركي من الدور التركي بالشمال السوري، عفرين، حيث يعتقد صناع القرار بواشنطن أن أنقرة «تشتت» المعركة الحقيقية وتحرف البوصلة، من خلال عدم التركيز على «داعش» حسب المقاربة الغربية لسوريا.

بالمناسبة، أعداء الحضور الأميركي بسوريا، هم الثلاثي: روسيا، إيران، تركيا، وهم من سيجتمع الأربعاء المقبل، بأنقرة، لتنسيق الجهود السورية، وروسيا مع إيران على وشك تحقيق الغاية في «جريمة» الغوطة الشرقية، استكمالا لمسلسل التهجير الطائفي المستمر بمحطات شهيرة مثل مضايا والزبداني والقصير، وغيرها.

كما أن هذا الإعلان الترمبي، يتناقض مع دلالات تعيين شخص مثل جون بولتون، مستشاراً جديداً للأمن القومي، والأخير داعية صريح لإنهاء حياة النظام الخميني الإيراني، وأيضا يتناقض هذا التصريح مع دلالة تعيين مايك بومبيو، وزيراً للخارجية، وهو عدو لدود للنفوذ الإيراني.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورغم حديثه «الواقعي» عن سوريا حالياً، إلا أنه، وانطلاقاً من هذه الواقعية تحديداً، قال لمجلة (تايم Time) الأميركية: «الوجود الأميركي بسوريا هو السبيل الوحيد لإيقاف تمدد النفوذ الإيراني بالمنطقة بمساعدة حلفائها».

صحيفة الواشنطن بوست، غير الودودة مع ترمب عادة، نشرت مقالة، لـ«جوش روغين» تعليقا على تصريح ترمب، جاء فيها: «ترمب ربما يتراجع عن خطوته هذه فمن أبرز أسباب الوجود الأميركي بسوريا، احتواء النفوذ الإيراني، ومنع أزمة لاجئين جديدة، ومحاربة التطرف، ومنع روسيا من مواصلة بسط نفوذها في المنطقة».

دعك من هؤلاء، النظام الخميني نفسه تلقى رسالة ترمب الأصلية، من خلال تعيين جون بولتون للأمن القومي، بوضوح، فالمعاون السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حسين موسويان، قال بمقابلة مع وكالة «إيسنا» الطلابية الإيرانية، إن: «ما عدا حقبة أوباما - أسفاه عليك يا باراك! - كان العداء موجوداً دائماً بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، لكن سياسة تغيير النظام الإيراني في حكومة ترمب أصبحت علنية».

كل ما يفعله وفعله ترمب خلال السنة وبضعة أشهر من ولايته، لا صلة له البتة، بتصريح أوهايو.

اقرأ المزيد
٢ أبريل ٢٠١٨
خروج الأميركيين وبقاء الإيرانيين

عدا عن القضاء على تنظيم داعش، لم يكن لوجود القوات الأميركية دور حاسم في الحرب السورية. مع هذا فإن انسحابها سيسهل على النظام الإيراني إكمال الفصل الختامي بالاستيلاء الكامل على سوريا، والسيطرة على العراق ولبنان.

الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، فاجأ الجمع المحتشد في أوهايو بقوله «سنسحب قواتنا من سوريا»، وأبلغ مستشاريه «سنغادر إذا قضينا على جيوب (داعش)» المتبقية. وفي نفس الوقت، الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، قيّم الوضع في سوريا، موضحاً أنه، وإن يبدو بشار الأسد باقياً رئيساً فإن عليه ألا يظل تحت سيطرة الإيرانيين وعليه إخراجهم. وأن الوجود الأميركي يوقف مشروع الطريق السريع من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا.

الوضع اليوم في سوريا مثل ثوب ممزق؛ روسيا لها قواعد في مناطق نفوذ النظام. والولايات المتحدة اختصرت وجودها في سوريا في مقاتلة «داعش»، وأنها لن تتدخل في حرب السوريين بعضهم بين بعض. وإسرائيل معنية في «ما قد يهدد أمنها» من الإيراني وميليشياته. وتركيا، هي الأخرى، اهتمامها في مطاردة الأكراد إلى ما وراء حدودها داخل سوريا. ورغم الخسائر التي أصابت الجيش السوري الحر بقيت بعض فصائله صامدة في مناطقها، وقد خيّبت توقعات الكثيرين الذين أعلنوا وفاتها. أما التنظيمات الإرهابية، مثل «جبهة النصرة»، فقد هُزمت، وشُتت، لكن لم يُقضَ عليها تماماً. وظل الأسد واقفاً مستنداً إلى قوتين؛ قوات أرضية إيرانية، وقوة جوية روسية.

ويصعب على أغلبية الناس في العالم العربي، وعلى وجدانها، أن تتقبل فكرة بقاء بشار الأسد حاكماً بعد كل ما فعله. الأمير محمد في حديثه لمجلة «تايم» كان يتحدث عن الوضع كما هو، وهو أن وجود الأسد حقيقة، داعياً إلى ألا يكون واجهة لإيران وميليشياتها.

فوراً، يخطر على البال سؤالان جوهريان: هل بمقدور الأسد طرد الإيرانيين من سوريا؟ والثاني: لو فعل، وخرجوا، هل يستطيع البقاء من دون عونهم؟

في سبيل السيطرة على سوريا خسرت إيران آلافاً من مقاتليها ومقاتلي ميليشياتها التابعة لها، وأهدرت مليارات الدولارات. ولو تم إخراج قاسم سليماني، وقواته الإيرانية وميليشياته من سوريا، فهذا سيعني أيضاً إضعافهم في لبنان والعراق.

وإخراجهم من سوريا سيكون له تداعيات على الداخل في إيران، فمنذ أربع سنوات والنظام يقول إن حربه ضرورة لحماية النظام الإيراني نفسه، وإنها مسألة بقاء له. وقد لا يكون ذلك بعيداً عن الحقيقة، خصوصاً في ظل تكرر الانتفاضات الشعبية في شوارع المدن الرئيسيّة في إيران.

الاختبار الثاني: ماذا لو أن الأسد أمر الحرس الثوري الإيراني، وميليشياته اللبنانية والعراقية والأفغانية وغيرها، بمغادرة أراضي سوريا، واحتمى بالأمم المتحدة والقوى الكبرى لتنفيذ قراره، هل يستطيع النظام السوري المتهالك البقاء من دونهم؟ أشك في ذلك.

فمعظم الذين قاتلوا المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية، وهي من ضواحي دمشق، كانوا من إيران و«حزب الله» اللبناني والعراقي، والروس يقومون بالهجوم الجوي. فإذا كانت قوات الأسد عاجزة عن إدارة وتنفيذ معركة في أطراف العاصمة، فكيف ستدير وتحرس دولة بحجم سوريا ورثت عداوات وثارات من حرب السنوات السبع الماضية؟ ولا ننسى أن معظم قوات النظام الأمنية والمسلحة الأخرى اندثرت في الحرب، نتيجة انشقاقات واسعة، وخسائر بشرية، وهروب العديد إلى الخارج ممن بلغوا سن الخدمة العسكرية.حتى لو أراد الأسد بدء صفحة جديدة، ووافق الجميع على إنهاء النزيف، فإنه لا أحد سيصدق أيَّ وعد بخروج قوات نظام طهران التي ستماطل، وقد حفرت لنفسها خنادق وقواعد تشير إلى أنها تنوي الإقامة في سوريا. كبداية، قد يتطلب الأمر حلاً دولياً يعتبر وجود القوات الإيرانية قوة احتلال ويأمرها بالخروج.

اقرأ المزيد
٢ أبريل ٢٠١٨
وداعاً يا غوطتي.. سنلتقي قريباً

وكأنني جسدٌ غريقٌ في بحر الذكريات، يحاول التشبث بقطعة خشب من ذاك الزورق الذي خانته الرياح، وفرّقت ركابه، قبل أن يصل إلى شاطئ النجاة..

وكأنني طفلةٌ ضائعةٌ في طريقٍٍ مجهول، تبحث عن يد أمها التي تركتها دون قصد، وتسمع صوتَ والدها ينادي اسمها بصوتٍ عالٍ، تحاول البحثَ عنه، لكن لصَّاً متخفياً، يغلقُ فمها ويمنعها من الوصول إليه..

وكأنني حلمٌ لم يكتمل.. قتله الواقعُ الأليم في منتصف الطريق، وسلب منه إصراره على الصمود، ليرميه ميتاً، دون أن يراهُ أحد. وكأنني جسدٌ بلا روح.. لم أكن أستوعبُ هذا الوصف حتى عشته، فكيف لجسدٍ أن يعيش بلا روح؟!

أنا الآن أعيشُ في منأى عن بلدتي، حارتي، منزلي، وحتى أهلي، لن أراهم بعد اليوم.. كانت تفصلني عنهم أمتارٌ قليلة، واليومَ تفصلني عنهم عدةُ بلداتٍ وحواجزُ للنظام بعد تسليم بلدتي..

ودعتهم قبل أيام، وشعورُ "العجز" كان يسيطر على لحظاتِ الوداع.. أنا عاجزةٌ عن البقاء لأن إنسانيتي لا تسمح لي بالعيش مع سفاحين ومجرمين، لم يتركوا سلاحاً إلا وجربوه علينا وعلى أطفالنا.. وأهلي عاجزون عن الخروجِ من أرضهم، ونفيهم خارج حدودِ تلك البلاد.. كانت المرةُ الأولى التي أرى فيها والدي منهاراً لهذه الدرجة، وكأنه عاجزٌ عن حمايتي من مجهولٍ ينتظرني.. ودعتهم، لكنّ روحي أبَت أن تودعهم.. أشعرُ بروحهم معي في كلّ لحظة..

دعواتُ أمي وأبي تحيطُ بي وترعاني، أشعرُ بنسماتِ دعواتهم تمنحني الراحةَ والقوةَ والصبر.. "الله يبعتلك حناين" هذا آخرُ دعاءٍٍ سمعته من أمي، والحمد لله، مواقفُ عدة تشعرني باستجابة الله لهذا الدعاء، وتأثيره واضحٌ على حياتي اليومية في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها..

أكثرُ ما يريحني هذه الأيام، شعوري أن "الله يحبني". ليس سهلاً ما نعانيه، ومن الصعب التأقلمُ عليه، لكنني على يقين أنه "ابتلاء وامتحان من الله"، وأن الله إذا أحبَّٖ عبداً ابتلاه.. يريحُني أن الله يغفر لي ذنوبي مع كل ساعةِ صبرٍ واشتياقٍ وألم، ومع كل دمعة لذكريات ذهبت ولن تعود.. "غرقتْ مع ذاك الزورق الذي خانته الرياح"..

ولربما تصبحُ هذه الأيام المؤلمة، "ذكرى"، نخبرُها لأطفالنا وأحفادنا يوماً، ونحمدُ الله أننا نجونا منها بأعجوبة.. شكراً يا الله لأنك معنا..

اقرأ المزيد
٢ أبريل ٢٠١٨
الإبادة السورية المسماة إدارة أزمة

وحتى إذا بقيت الغوطة قرب دمشق خارج سيطرة النظام، فذلك لن يغير شيئا في المعادلة السورية، مثلما أن سيطرة نظام الأسد على غالبية سورية لن يغير شيئا، والمعارضة، ومنذ سنوات خرجت من كونها مصدر خطر على النظام، بعد أن تحوّلت المسألة السورية برمتها إلى شأن إقليمي دولي.

قبل سنوات من عملية اجتياح الغوطة، جرى إخراج المعارضة السورية من معادلة الصراع في سورية، بتوافقٍ ضمني بين عواصم القرار الدولي، وتم تجميد وضعها السياسي، ولم يصر إلى تطويره إلى درجة اعتمادها ممثلاً نهائيا للشعب السوري، وبالتالي التنسيق معها لترتيب السياقات ولزوميات إدارة المراحل المقبلة.

وبالتزامن، جرى تجميد وضعها العسكري، وتحديد سقف فعاليتها، بحيث لا يتجاوز عملها إطار المناوشة في سياق تراجعي، بدأ في حمص ولم ينتهِ بعد، وتحوّلت مع الزمن إلى مجموعات حراسةٍ لمناطق مشتتة من دون رؤية إستراتيجية.

ليس ما جرى مؤامرةً دولية، على ما يحلو لبعضهم تصويره، لكنه تطبيق لتقديرات دوائر القرار في مراكز القرار الدولية بضرورة إيجاد توازن معين في بيئةٍ يملك عنها أصحاب تلك التقديرات تصوراتٍ نمطية وقوالب معرفية جاهزة، بعضها تشكّل من مرحلة الاستعمار وبعضها الآخر من تجارب قريبة في المنطقة.

هي في الأغلب خلطةٌ من الخوف من سيطرة الإسلامويين على السلطة والقلق بشأن مصير الأقليات والرعب على مصير إسرائيل وسواها، وحصل أن الثورة، وبالمعطيات التي صدرتها، عملت على ترسيخ تلك الرؤى والتصورات، وإزاحة كل ما من شأنه ترجيح بدائل تصورية عنها.
هذا الكلام أصبح الآن من تاريخ الحدث السوري، بيد أنه لم يجد في الوسط أطرافا قادرة على وعيه. والغالب أن الأمور كانت قد خرجت عن قدرة أي طرفٍ على تعديله، وخصوصا أنه لم يتأخر الوقت طويلا قبل أن يجد اللاعبون أنفسهم يدورون في فلك قوى إقليمية ودولية، سيطرت على الملعب، وبدأت بتصميم اللعبة بما يتطابق ومصالحها.

على ذلك، يصح بدرجة كبيرة ربط اللعبة بإدارة دولية، والتوازن المشار إليه هنا ليس سوى توازنٍ بين هذه القوى، لأن اللاعبين المحليين استنزفوا ولم يعد بإمكان أي منهما، لا من حيث القدرة ولا من حيث الموارد، على إدارة البلاد السورية.

بيد أن ذلك وضع سورية في مأزق خطير، ذلك أن الأطراف الدولية، لا اليوم ولا في المستقبل القريب، كان، أو سيكون، لديها مقاربة موحّدة لإخراج سورية من الأزمة، وبدلاً من إدارة الأزمة، وصولاً إلى إنتاج تسويات تضع حداً للصراع، دخلت أطراف اللعبة جميعها في صراعاتٍ مع اللاعبين المحليين، كناية عن الصراع فيما بينها، كما ترجمت صراعاتها على شكل نزاعاتٍ على مناطق جغرافية، بعينها لأغراض إستراتيجية او اقتصادية.

وهذا ما يجعل الإدارة الدولية والإقليمية لسورية مختلفة عن أي تجربةٍ سابقةٍ شبيهة بهذه الحالة، سواء في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، أو في الجزيرة الكورية، منتصف خمسينيات القرن الماضي، حيث إن إدارة هاتين المنطقتين خضعت لتوافقات وتفاهمات حدّدت من خلالها أطراف اللعبة، أميركا والاتحاد السوفييتي، مجال سيطرة كل طرف وحدودها، وكان جدار برلين شاهداً على هذا التوافق.

في سورية، لا تزال المسألة قيد التشكّل، ولم يجر بعد توضيح المجالات، وثمّة تداخلات تبرز المشكلات بشأنها بين حين وآخر، وقد تحوّلت إلى عناوين لصراعات محتملة، مثل مناطق شرق الفرات، وبعضها دخل في طور ترتيبات الحرب، كما في جنوب سورية، حيث تنذر هذه المنطقة بإمكانية حصول تطورات خطيرة على مستوى حرب إقليمية.

يعني ذلك أن الأزمة السورية تنتظرها جولات من الصراع، لتحديد مواقع أطراف اللعبة وحدودها، وتنطوي كل جولة من هذه الصراعات على إمكانية تحويل مواقع جديدة "مدن وأرياف" إلى قائمة الدمار المفتوحة. وأن سورية تحولت إلى ساحة حروب مفتوحة، وكل منطقة مؤهلة لنوع من الصراعات ولاعبين مختلفين، فصراع الجنوب ليس بالضرورة أن يؤثر في صراع الشمال، والعكس صحيح.

صحيح أن الصراع المباشر بين روسيا وأميركا ممنوع، أو أنه تحت السيطرة، غير أن ذلك لا يمكن الارتكاز عليه منطلقا لصناعة التسوية في سورية. وبالعكس، فإن ترجمات التوافق على عدم الصراع بين اللاعبين الكبار نجدها في حروب الإبادة التي تشنها روسيا في الغوطة الشرقية وفي إدلب وأرياف حماة، على اعتبار أن هذه المناطق تدخل في حيز حصتها السورية حيث لا توجد قواعد لعبة تحدّد طبيعة السلوك الروسي سوى ما تحدّده روسيا نفسها.

لن تغير سيطرة منظومة الأسد شيئاً مهماً في وضع سورية، لأن الأسد ومنظومته ليسا أكثر من واجهة، تستثمر روسيا وإيران دموية هذه المنظومة، لمواجهة خصومهما الدوليين والإقليميين، في عملية ليست أكثر من عملية إبادة، يطلقون عليها مسمياتٍ من نوع صراع أو إدارة أزمة!
وليس مصادفةً ولا مبالغةً اعتبار مندوبي مجلس الأمن أن سورية باتت عاراً على المجلس، ليس لما تشكّله من إخفاق في عمله والمؤسسات الدولية، وإنما للانحطاط الذي وصل إليه العقل السياسي المعاصر، حينما قبِل أن يتحوّل شعبٌ برمته إلى مجرد مجال لاختبار فعالية الأسلحة وقياس قدرة النظام الدولي على استيعاب السياسات المارقة لأعضائه، وتصوير ذلك على أنه إدارة عمليات التوازن في هذا النظام.

اقرأ المزيد
٢ أبريل ٢٠١٨
من سيملأ الفراغ إذا انسحب الأمريكيون من شمال سوريا؟

لا شك أن الأكراد هم أكثر الأطراف قلقا وتحسبا لما يمكن أن يقدم عليه الأمريكييون من خطوات قد تفضي لانسحاب قواتهم من المناطق الكردية شمال سوريا، فهم في هذه الحالة سيصبحون مضطرين للتنازل عن قدر كبير من استقلالية حكمهم الذاتي وطموحهم الانفصالي، لصالح الطرف الإقليمي الأقوى الذي سيستفيد من الغياب الأمريكي.

البعض يتحدث عن أن هذا الانسحاب الأمريكي، إن تم، سيكون لمصلحة تركيا، البعض الآخر يقول إنه هدف لروسيا وإيران. وإذا أردنا استعراض فرص وحظوظ الطرفين فعلينا بداية أن نستعيد الحالة الأكثر مماثلة في تقاسم النفوذ بين أطراف الصراع في الجغرافيا الأقرب، العراق، فالعراق شهد انسحابا للقوات الأمريكية منذ نحو ستة أعوام، وبلا شك أن القوى التي ظلت تهيمن على السلطة هناك، هي القوى الشيعية الموالية لإيران في المناطق العربية، والقوى الكردية القومية في كردستان العراق، وظل التأثير الإيراني هو الأقوى في العراق بعد الانسحاب الأمريكي، دون أن ينافسها أحد من الدول العربية المجاورة والإقليمية، وإذا وصلنا للحالة الأكثر تشابها والأقرب زمنيا، وهي النزاع الذي احتدم حول كركوك قبل أشهر، فإنها تماثل إلى حد كبير الوضع في شمال سوريا، فالأطراف المتنازعة حول كركوك هي نفسها، قوى كردية، قوات شيعية وحكومية موالية لإيران في بغداد، وجود تركي خجول في معسكر بعشيقة، وقوات أمريكية محدودة، وتنظيم «الدولة» الذي أبعد وهمش في جيوب صحراوية بأطراف كركوك وجبال حمرين، وعرب سنة في كركوك وجارتها الحويجة تتقاذفهم الأطراف كلها. أما النتيجة فكانت لصالح قوات الحكومة والمندوب السامي لإيران في العراق، قاسم سليماني. ولاحظنا التواطؤ والتعاون بين إيران وحكومة بغداد من جهة، وبين الطرف الكردي الذي سحبته طهران لجانبها وهو حزب الطالباني.

صحيح أن الأمريكيين لم يكن تواجدهم في كردستان بالثقل العسكري ذاته كما هو عليه الحال في شمال سوريا، لكنهم أيضا انسحبوا سياسيا من أزمة كركرك بدون القدرة على التأثير فيها، وهو مشهد مماثل لما يمكن أن يؤول إليه التأثير الأمريكي شمال سوريا في اللحظة التي سينسحبون فيها عسكريا من المناطق الكردية.

إذا أتينا للوضع في شمال سوريا فقد يكون الحزب الكردي الجديد الذي أثيرت أنباء عن تشكيله في شمال سوريا والذي يقال إنه يحض على التعاون مع العراق دون توضيحات بالقصد من ذلك، ما هو إلا خطوة تمهيدية أمريكية، لإرساء وضع ما في شمال سوريا، بعيدا عن النظام السوري، وهي محاولة لا يبدو أنها تقف على قدمين، تذكرنا بمحاولات واشنطن تدعيم سلطة حليفيها اياد علاوي وأحمد الجلبي في العراق مقابل نظرائهم الشيعة الموالين لإيران، قبل أن تبعدهم إيران إلى الهامش، فالنظام السوري، ما زال يحتفظ حتى الآن بمربع أمني في عاصمة الأكراد القامشلي، وإيران وكذلك النظام، لديهم علاقات قديمة بعدة أجنحة كردية شمال سوريا، كالمقربة من طالباني خصوصا. ولا ننسى أن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان لجأ لنظام الأسد قبل أن يضطر الأخير لإبعاده خوفا من تهديدات أنقرة.

لذلك فإن النظام وإيران قد يكررون ما فعلوه في كركوك، باجتذاب تلك الأطراف الكردية لجانبهم، وعقد تسوية تقضي ببسط سيطرة دمشق على المناطق الكردية شمال سوريا، وقبلها بالطبع انسحاب كردي لصالح النظام من دير الزور والرقة العربيتين. ولا تبدو وحدات حماية الشعب الكردية ومن ورائها الـ «بي كي كي» تمانع بشدة هذا المصير إذا اضطرت له وخيرت بشأنه، بين سيطرة دمشق أو سيطرة من أنقرة! وهذا الموقف هو ما صرحت به وحدات حماية الشعب الكردية أكثر من مره، خصوصا عندما يجدون أنهم بين نارين، دمشق أو أنقرة، فيصرحون بأنهم جزء من «الدولة السورية» ويدعون قوات النظام للدخول. كل هذه الحسابات المحلية والإقليمية التي ذكرناها، تتسق مع سياسة القطب الدولي روسيا، التي ترغب أولا بإبعاد الأمريكيين، وثانيا بأن يكون البديل هو النظام السوري، وهو الطرف الأقرب لها بلا شك من تركيا.

ومن هنا فإن حظوظ تركيا تبدو ضعيفة في الاستفادة من الخروج الأمريكي، إن تم قريبا، فلا ننسى أن تركيا تدخلت في شمال سوريا مرتين، واحدة بتوافق أمريكي في درع الفرات ووفرت أمريكا حينها غطاء جويا لهذه العملية، وثانية في عفرين بغطاء روسي. وإذا انسحب الأمريكيون فمن المستبعد أن يمهدوا الطريق لتركيا محلهم لأن هذا ببساطة ضد رغبة حلفائهم الأكراد، وتبدو منبج التي تتحدث انقرة عن ضرورة استعادتها منذ عامين، المثال الأبسط على الرفض الأمريكي لدخول تركي في مناطق تهيمن عليها القوى الكردية. صحيح أن الأتراك سيديرون ظهورهم للأمريكيين ويستغلون انسحابهم ويقبلون على التنسيق مع موسكو على اعتبار أنها قد تؤمن مصالحهم بإبعاد الأكراد وهذا صحيح، ولكنها قد لا تمنحهم موطىء قدم في الفراغ الأمريكي شمال سوريا، فقد يصدمون مجددا، بأن الروس سيفضلون دمشق عليهم، وقد لا تعارض أنقرة هذا الخيار لأنه يحقق مصلحتها أيضا في تهميش السلطة الكردية وتهشيم الطموح الانفصالي الكردي على الحدود التركية الجنوبية.

اقرأ المزيد
١ أبريل ٢٠١٨
هل حلت روسيا محل الاتحاد السوفياتي كعدو جديد للغرب؟

العدو الخارجي ضرورة استراتيجية أقرّها ماكيافيلي في كتابه الشهير «الأمير»، وقد نصح فيه أحد الحكام الإيطاليين المحليين وقتها بأن يصنع عدواً خارجياً، إذا لم يكن لديه عدو، لأنه لا يمكن توحيد الشعب إلا في ظل وجود خطر خارجي. ومنذ ذلك الحين، والدول تصنع أعداءها أو سعيدة بخصومها، إما كي تعمل على توحيد شعوبها داخلياً، أو كي تبتز الشعوب التي تحكمها وتوجه أنظارها إلى الخارج، خاصة عندما تكون تلك الأنظمة الحاكمة تعاني من مشاكل وأزمات داخلية تهدد حكمها. وكلنا يتذكر العبارة العربية الشهيرة التي أطلقها نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر: «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». وكان يقصد طبعاً المعركة مع إسرائيل. وبموجب ذلك الشعار القذر، تمت مصادرة الحريات وترسيخ حكم الاستخبارات والمكتب الثاني، وتركيع الشعب بحجة أن البلد يواجه حرباً وعدواً خارجياً لا بد من تسخير كل شيء لمواجهته. وقد استخدم الكثير من الأنظمة العربية ذلك الشعار، فيما بعد للأهداف نفسها، فقد فرض النظام السوري قوانين الطوارئ منذ ستينيات القرن الماضي بحجة وجود عدو خارجي يتطلب تعطيل كل القوانين العادية والحكم بموجب قوانين استثنائية.

وقد سخر الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم من شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» لكثرة ما استخدمته الأنظمة العسكرية زوراً وبهتاناً عندما قال: «ألو ألو يا همبكة، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، هرشت مخي، هيّا فين المعركة».

طبعاً لا أحد هنا ينكر أن إسرائيل كانت ومازالت تشكل خطراً على جيرانها العرب، ولا بد من تذكير الشعوب بذلك العدو، لكن الأنظمة العربية الديكتاتورية بالغت في استغلال العدو الخارجي لأغراض لا علاقة لها أبداً بالعدو. ولا يمكن أن ننسى أن الأنظمة الغربية ممثلة بأمريكا وأوروبا أيضاً استغلت الخطر السوفياتي الشيوعي لعقود وعقود على مدى سنوات الحرب الباردة التي استمرت حتى سقوط الكتلة الشيوعية في بداية ثمانينيات القرن الماضي.

ونجح الإعلام الغربي الأسطوري في شيطنة الشيوعية وتصويرها على أنها عدو يجب على كل الشعوب الغربية أن تقف صفاً واحداً ضده. وفعلاً ظلت الشعوب الغربية متحدة في وجه الاتحاد السوفياتي والخطر الأحمر حتى انهار الاتحاد.

ماذا تفعل الأنظمة الغربية عندما انهار الاتحاد السوفياتي وزال الخطر الشيوعي الذي كان بمثابة بعبع بالنسبة للبلدان الغربية على مدى عقود وعقود؟ وجدتها، وجدتها، بدأ الإعلام الغربي يضخّم الخطر الأخضر، ألا وهو الخطر الإسلامي، وشاهدنا كيف أصبح تنظيم القاعدة الشغل الشاغل للإعلام الغربي على مدى أكثر من عقدين من الزمن. وصارت الشعوب الغربية تنظر إلى الإسلاميين على أنهم الخطر الجديد الذي حل محل الخطر الشيوعي. وعلى الرغم من ظهور داعش واستغلاله كبعبع جديد لفترة من الزمن، إلا أن الخطر الداعشي بدأ يتلاشى من الإعلام الغربي شيئاً فشيئاً، إلا إذا احتاجوه لاحقاً وأحيوه لتمرير بعض المخططات الجديدة. ماذا يفعل الغرب بعد أن أصبح الخطر الإسلامي ضعيفاً، لا بد من تصنيع أو إيجاد عدو خارجي جديد على الطريقة الماكيافيلية. وبما أن روسيا بقيادة بوتين بدأت تظهر على الساحة الدولية وتنافس الغرب في أكثر من ساحة، فقد وجدت المؤسسات الحاكمة في روسيا الجديدة خطراً قد يرقى إلى عدو خارجي يجب تحشيد الشعوب ضده من جديد. بالأمس كان الاتحاد السوفياتي، واليوم الاتحاد الروسي، ولا تتفاجأوا إذا ما بدأت شيطنة الصين لاحقاً بعد أن أصبحت تنافس أمريكا ذاتها في إجمالي الناتج المحلي.

لا أحد ينكر أن روسيا الجديدة أقرب إلى الدولة المارقة منها إلى الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان فعلاً يشكل تهديداً وجودياً للغرب، إلا أن قوتها بدأت دون أدنى شك تتصاعد شيئاً فشيئاً، ولا بد من الاحتراس منها مبكراً، لهذا بدأ الغرب يعمل على شيطنتها وتخويف الشعوب من خطرها. ولا ننسى أن مؤسسة الأمن القومي القريبة جداً من الدولة العميقة في أمريكا ما زالت تنظر إلى روسيا نفس النظرة التي كانت تنظرها إلى الاتحاد السوفياتي السابق رغم انهيار الاتحاد وزوال خطره. ولو سألت كبار المستشارين والمسؤولين في الأمن القومي الأمريكي لقالوا لك إن روسيا البوتينية نسخة شيطانية جديدة عن الاتحاد السوفياتي، ولا بد من مواجهتها، بينما نرى أن البيت الأبيض يرى أن العدو الجديد لأمريكا الذي يجب البدء بالتركيز عليه هي الصين. وبغض النظر من هو العدو الأكثر خطورة على أمريكا، فإن الخلاف بين البيت الأبيض والأمن القومي على ماهية ذلك العدو يؤكد على أن أمريكا لا تستطيع العيش بدون عدو خارجي حتى لو صنعته بنفسها كما فعلت مع الجماعات الإسلامية. ولا ننسى أيضاً أن الروس أنفسهم عادوا للعزف على الاسطوانة القديمة ذاتها في عقيدتهم العسكرية الجديدة التي وقعها بوتين قبل سنتين، فقد اعتبرت الوثيقة الجديدة أن العدو الرئيسي لروسيا هي أمريكا. بعبارة أخرى، فإن روسيا بدورها بدأت تشيطن العدو الغربي من جديد لتوحيد الروس داخلياً ضد عدو خارجي.

هل يمكن إذاً أن نعتبر هذا العقاب الأمريكي الأوروبي الجماعي لروسيا وطرد أكثر من مائة وأربعين دبلوماسياً روسياً من أكثر من ستة عشر بلداً تأديباً لروسيا على محاولتها تسميم جاسوس روسي في بريطانيا، هل يمكن أن نعتبره صافرة البداية لإعلان روسيا عدواً جديداً للغرب؟ الروس أنفسهم يخشون من عودة الحرب الباردة بثوب آخر. هل تكون روسيا العدو الجديد للغرب لعقود قادمة؟ لننتظر ونر.

اقرأ المزيد
١ أبريل ٢٠١٨
استعمار مذهبي يكره البشر

ما أن أعلن المرشد الإيراني، علي خامنئي، أن بلاده "لن تسمح بأي تدخل أجنبي في سورية"، حتى أكد الرئيس، حسن روحاني، تمسكها بما أسماه "الأمن الإقليمي"، القائم في نظره على: اعتبار سورية  جزءا من إيران، تهدد ثورته الأمن الإقليمي، وبالتالي الدولي الذي يعادل، في هذا الفهم، انفراد نظامه بسورية، واعتبار أي وضع آخر تدخلا أجنبيا لن تقبله. هل يشمل الرفض روسيا التي غزت سورية عسكريا، وتعمل للانفراد بالسيطرة عليها؟ وتركيا التي تنشر جيشها شمالها؟ وأميركا التي تحتل 28% من مساحتها؟ ما الذي سيبقى من سورية، إن كانت إيران تريد حقا الانفراد بها، وطرد هذه القوى منها، أو العكس، إن كانت هي تريد إخراج إيران منها؟

يبدو أن "الأمن الإقليمي" لا يتحقق من دون انتشار إيران خارج حدودها، ووضع يدها على جوارها، باعتباره خدمة للأمن والسلام الدوليين، تتفق مع القانون الدولي، وتحصن البلدان التي تحتلها إيران  ضد الصراعات الدولية، وإن حولتها إلى مستعمرات إيرانية، وأفقدت شعوبها الحق في الحرية والاستقلال، فإن قاومت هددت مقاومتها "الأمن الإقليمي"، وغدت شعوبا إرهابية كشعب سورية الذي ينتهك القانون الدولي، ويمارس الإرهاب بثورته، الخارجة عن مألوف الثورات، ولا بد أن تتحمل المسؤولية عن انخراط قوى عديدة في الصراعات التي ترتبت عليها، واضطرت الحرس الثوري وجيش طهران إلى غزوها، لحمايتها ومنع انفراد الأجانب بها، وليس لأي سبب آخر.

ليس التدخل العسكري الإيراني المباشر في العراق وسورية ولبنان واليمن، وغير المباشر في بلدان عربية أخرى، عدواناً استعمارياً تقوم به دولة أجنبية، بل هو تحرك داخل مجال إيران السيادي، هدفه حماية الأمن الإقليمي. لذلك، تنتظر طهران أن يدعم العالم دورها في اليمن، ويساند فتوى المرشد حول إلزام حزب الله بالقتال ضد شعب سورية التكفيري، ومبادرة حسن نصر الله بشأن إيصال "دواعش" عرسال اللبنانية بحافلات مكيفة، ترفرف عليها أعلام حزبه الصفراء إلى مدينة دير الزور في أقصى الشرق السوري، ويرحب بجهود قناصة الحرس الثوري الذين أرسلوا إلى دمشق قبل أسابيع من ثورتها، وقتلوا عشرات الآلاف من مواطنيها المطالبين بالحرية والإصلاح، ويحيي تضحيات حرس طهران، وهم يدافعون عن مرقد زينب في ضاحية دمشق الجنوبية التي كانت ستسبى طوال نيف وألف وأربعة عام، لو لم يبادر حزب الله إلى احتلال المكان. ويساند تطييف نظام العراق السياسي، وتغيير بنيته السكانية ودمجه في نظام فارس الأمني، وسيطرة حزب الله على دولة لبنان ومجتمعه. في أوضاع عبثية، هذه ملامحها، يتعهد روحاني بحرمان هذه البلدان مما سطت إيران عليه: استقلالها وسيادتها، ويعلن تصميمه على مقاتلة شعوبها والقضاء عليها، وطردها من أوطانها، بالتعاون مع حاكم محلي هنا، أو أقلية داخلية متعاونة هناك.

لا ينتهك ملالي إيران سيادة الدول باحتلالها، ولا يدوسون حقوق مواطنيها بقتلهم، ولا يتناقض قيامهم باستعمار شعب آخر مع تنصيب أنفسهم ناطقين باسمه ومدافعين عنه. ومن يستمع إلى تصريحات خامنئي وروحاني يعتقد أنهما مفوضان ساميان، كلفتهما الأمم المتحدة بتولي شؤون السوريين وإدارتها بالنيابة عنهم.

هذا زمن عودة إلى نوعٍ من أحط أنواع الاستعمار وأشرسها، يتولاه ملالي يعتبرون كل ما يصدر عنهم إلهيا، على الرغم من أن ممارساتهم تجافي كل ما هو إنساني وحر في تراث الإنسانية وتاريخها، وتناهض يقظة تاريخية تعيشها شعوب منطقتنا، مدارها حرية إنسانها وحقوق مواطنها. هذا النمط من الاستعمار المذهبي سيقضي على منطقتنا وشعوبها، إذا لم يتحد العالم، ويبادر للقضاء عليه.

اقرأ المزيد
١ أبريل ٢٠١٨
في عوامل الحرب الأخيرة على الغوطة

يخطئ كل من يتصور، أنه كان بالإمكان، أن تنتصر الغوطة الشرقية في الحرب، التي شنت عليها في الأسابيع الأخيرة. فثمة معطيات واقعية، تؤشر إلى ما صار إليه وضع الغوطة، التي لم يبقَ منها إلا جزر، تقاوم الهجوم الكاسح الذي تنفذه قوة واسعة من نظام الأسد وإيران مدعومة بالطيران الحربي الروسي.

الأساس العسكري للحرب الأخيرة، هو اختلال ميزان القوى لصالح النظام وحلفائه الذي يسجل تفوقاً كاسحاً للحلف بين أبرز تجلياته اختلال يتعلق بالعدد والتسليح والذخائر والإمكانات الاحتياطية ومنها الإمداد بالموارد البشرية والمادية، بل إن اختلال موازين القوى، يدعمه اختلال سياسي في البيئة المحيطة بطرفي الصراع، والذي يبين أن التشكيلات المسلحة في الغوطة، كانت وحيدة، ليس من سند لها في المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، فيما كان تحالف نظام الأسد المحلي/ الإقليمي والدولي مدعوماً من أنصار له علناً وسراً من جهة، ومن جهة أخرى مسكوت عن أهدافه وجرائمه من أغلبية الدول ومن منظمات دولية وإقليمية ومن الرأي العام الذي لم يفعل شيئاً إزاء حرب إبادة الغوطة ببشرها وبكل مظاهر الحياة فيها.

للأسباب السابقة، يبدو ما حصل في الغوطة أمراً متوقعاً، ومرتقباً حدوثه، خاصة أن الغوطة محاصرة من خمس سنوات، وذات مساحة محدودة، وفيها عدد قليل من مقاتلين لديهم قدرات تسليحية قليلة في السلاح والذخيرة، وتكاد خطوط إمدادهم البشري والمادي تكون مغلقة، ولا حلفاء وداعمين حقيقيين لهم، فيما المجتمع الدولي والرأي العام مشغولان بهاجس «محاربة الإرهاب».

وإذا كانت كل المعطيات السابقة ليست جديدة، فإن الحرب على الغوطة بنتائجها الحالية، كان يمكن أن تنفذ في وقت سابق، لكنها لم تتم، وجرى اختيار الوقت الحالي لتنفيذها، وهذا هو الأمر الجوهري الذي يفترض أن نتوقف عنده للاستفادة منه في حروب مقبلة، سيشنها تحالف النظام في وقت قريب في أرياف حمص وحماة وصولاً إلى حرب في إدلب، لا تبدو بعيدة زمنياً.

إن الأهم في حرب النظام وحلفائه على الغوطة، يكمن في ثلاثة عوامل؛ أولها الحاجة إلى حسم الصراع في محيط دمشق الأقرب، واسترجاع سلطة النظام على منطقة الأقرب فيها لا يتجاوز بعده عن قلب دمشق ثلاثة كيلومترات، وأعني حي جوبر الدمشقي، وأبعدها عشرون كيلومتراً في الهيجانة على تخوم البادية، الأمر الذي سيحسم سيطرة نظام الأسد وحلفائه على دمشق ومحيطها، وجعله في مكانة أفضل في مؤشرات استقرار النظام وقوته.

والعامل الثاني الاستفادة من التداعيات السلبية، التي رسمتها تجربة سيطرة التشكيلات المسلحة على مناطق الغوطة من جهة وعلى دمشق من جهة أخرى، حيث أثبتت في هذه التجربة عجزها عن إدارة موحدة ومتماسكة، تلبي حتى الحدود الدنيا من حاجة السكان، بل الأمر كان أسوأ وخصوصاً لجهة غياب أي برنامج عمل موحد تنموي/ نهضوي، واستبدال عملية إحكام القبضة على المجتمع وفعالياته المدنية والثورية به وسط ميل نحو التطرف والتشدد، والانخراط في تنافس وتقاتل بين التشكيلات المسلحة وداخلها، وكله يضاف إلى فكرة قصف أحياء العاصمة دمشق، التي التقطها النظام، وأخذ يمارسها بوحشية شديدة، كما دعت حاجته لتأليب الدمشقيين والرأي العام ضد الغوطة وتشكيلاتها ممهداً للحرب على الغوطة وتدميرها وقتل وترحيل الباقين من سكانها.

العامل الثالث، هو اختبار موقف المجتمع الدولي والرأي العام العالمي من حرب إجرامية محدودة، تستخدم فيها كل الأسلحة والذخائر الممنوعة بما فيها الأسلحة الكيماوية والنابالم، وارتكاب جرائم الإبادة والمجازر الجماعية، وصولاً إلى تهجير الناجين من الحرب إلى مناطق ستكون هدفاً لاحقاً لحروب أكثر اتساعاً ودموية على نحو ما يتوقع أن تكون عليه الحرب في أرياف حمص وحماة، وفي إدلب.

وكما هو واضح، فإن الحرب على الغوطة، ليست مجرد حرب، بل هي تجربة للنظام وحلفائه، وهي أيضاً نهاية تجربة في منطقة من أهم المناطق التي خرجت مبكراً عن سيطرة النظام، وفي كل الحالات، فإنها ينبغي أن توضع على طاولة قراءة وتدقيق واستخلاص من جانب المعارضة السورية، وخصوصاً التشكيلات المسلحة الموجودة في المناطق التي ما زالت خارج سيطرة النظام سواء في الجنوب أو في الوسط والشمال.

اقرأ المزيد
٣١ مارس ٢٠١٨
الأخطار الإيرانية على سوريا والعراق ولبنان

تمر البلدان العربية الثلاثة: سوريا والعراق ولبنان، بمرحلة انتقالية خطيرة تتزايد خلالها الأخطار على وحدتها وهويتها ومستقبلها بمقادير تفوق الأهوال التي تعرضت لها في السنوات الست الماضية.

فسوريا في نزاعها الداخلي الطويل بين النظام وخصومه المتعددين، تصل إلى وضع تقاسم وتقسيم بين إيران وتركيا وقوات النظام وميليشياته، والقسم المنفصل في شرق الفرات، والذي يسيطر فيه الأكراد وتشرف عليه وتحميه القوات الأمريكية؛ بينما يشرف على الأقسام الثلاثة الأُولى الروس بقواعدهم وطيرانهم وميليشياتهم أيضا. وتبقى منطقتان، منطقة إدلب وجوارها، والتي تسود فيها التنظيمات المسلَّحة، ولا يزال المهجَّرون يتدفقون عليها، وتضغط عليها قوات النظام والإيرانيون والروس، ومنطقة جنوب دمشق والممتدة إلى الحدود الأردنية والعراقية والأُخرى الإسرائيلية، والإدارة فيها خليطٌ من التنظيمات المسلَّحة، والجهات المتهادنة مع الأردن أو النظام أو إسرائيل. وبعد الانتهاء من الغوطة الشرقية بالحصار والقتل والتهجير، يُنتظر أن تصبح منطقتا إدلب وجنوب دمشق، هما الهدفين للنظام وميليشياته وللإيرانيين وميليشياتهم. ففي إدلب التي تضاعف عدد سكانها ثلاثة أضعاف بالتهجير المنتهج إليها، ستكون الحجة للهجوم عليها أنّ فيها تنظيمات متطرفة. أما في الجنوب فستكونُ الحجة إضافة إلى وجود المتطرفين، إرادة مضايقة إسرائيل من جهة، وأمريكا في الجهات المحاذية للحدود العراقية على أطراف البادية وفيها قواعد أمريكية في امتدادها نحو شرق الفرات من الجهة الأُخرى.

ما مآلاتُ الوضع في سوريا في الشهور القادمة من عام 2018؟ مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا في كل مكان وبخاصة في سوريا؛ فإنه من المنتظر أن يزدادَ التحالُف الروسي مع إيران وتركيا في سوريا بالذات. ولذلك يكون من المتوقَّع أولا أن تتهدَّد إدلب والمناطق المجاورة لها لجهتي حلب وحمص. وسيُعهد إلى تركيا التحرش بمناطق الحماية الأمريكية؛ في حين يمضي النظام والإيرانيون يحميهم الطيران الروسي باتجاه دواخل إدلب بعد أطرافها. والمعروف أنه في كل منطقة تتقدم نحوها قوات النظام؛ فإنّ الإيرانيين يكونون هم الموجودين فيها مع ميليشياتهم المعروفة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، كما يحدث الآن في الغوطة، وسيحدث في إدلب وما وراءها باتجاه الحدود العراقية.

وإذا كان المشهد الذي يتطور إلى هذه الآفاق المسدودة لسوريا وعلى سوريا؛ فإنه أفظع وقد يكون أخطَر على العراق ولبنان. فالسلطات فيهما، وقد سادهما استقرارٌ هشّ، خاضعة، من خلال التسويات شبه السياسية، لإيران والميليشيات الموالية لها أو الخاضعة في البلدين. وهناك مرحلة انتقالية جديدة للبلدين وفي البلدين الآن من خلال الانتخابات البرلمانية التي تجري فيهما في شهر مايو (أيار) القادم. إذ تأملُ إيران أن ينجح فيها حلفاؤها العراقيون، فلا يعود لمعارضيها الشيعة والسنة صوتٌ يمكن رفْعُه. السنة ازدادوا ضعفا وتهجَّر ثلثهم بالحروب على «داعش» وعليهم، والأكراد ما عادوا قوة خارج مناطقهم. أما في مناطقهم فهم منقسمون إلى طالبانيين موالين لإيران، وبارزانيين ما عاد لهم حلفاء بعد أن تخلّى عنهم الأمريكيون وتخلّى عنهم أردوغان. وصحيح أنّ هناك انقساما في الدواخل الشيعية، لكنّ الإيرانيين شديدو التغلغُل في كل النواحي والجهات والأوساط. هناك ضغوطٌ الآن لإخراج الأمريكيين من العراق، ودعواتٌ لكي تحكم العراقَ من جديد الأكثريةُ الشيعية. وفي حين يصمتُ العبادي عن الوجود الأمريكي، اضطُرّ إلى رفع الصوت ضد فكرة الأكثرية، ولصالح التوافُق، إذ إنّ العراق لا يمكن حكمه إلاّ بالتوافق، الذي يكون للجميع مصلحة فيه، وليس لفريق دون فريق. إنما وكما سبق القول؛ فإنه ما استطاع استعادة نوع من التوازن مع الأكراد، والقوة الانتخابية للسنة ازدادت ضعفا وزُهدا في التصويت، بحيث لا تستطيع دعمه بحقّ رغم توافقيته المعلنة. وعلى سبيل المثال؛ فإنه وبعد المذابح والتهجير والتخريب والنهب في المناطق السنية، عمد القضاءُ العراقي الآن وقبل الانتخابات إلى مصادرة أملاك عدة آلاف من العراقيين بحجة تطبيق قانون اجتثاث «البعث»؛ علما بأنّ نصف تلك الملكيات وقعت بين عامي 2003 و2005 بأيدي مسؤولين وجماعات وميليشيات شيعية، ولا تستطيع الحكومة بالفعل أن تستعيد تلك الأملاك ممن سيطروا عليها، فما الحاجة إلى إثارة هذه المسألة الآن، إلاّ إذا كانت تزهيد السنة في التصويت والتبكيت!

ورغم ذلك كلِّه؛ فإنّ الآمالَ المعقودة على إحداث توازُن من نوع ما في المشهد العراقي، بعكس حالة لبنان الذي يمضي بعيدا باتجاه المحور الإيراني. فعلى الأقلّ هناك قانون انتخابات في العراق يتّسم ببعض الطبيعية والمسؤولية، والأمر على العكس من ذلك تماما في لبنان. فقبل عدة أشهر اصطنع البرلمان اللبناني قانونا عجيبا غريبا خضع لمصالح فريقين رئيسيين في التسوية السياسية التي قام عليها العهد والحكومة الحالية هما التيار الوطني الحر و«حزب الله». تمثلت مصلحة التيار الوطني الحر (برئاسة الوزير جبران باسيل، صهر رئيس البلاد) في فصل المسيحيين عن المسلمين في معظم المناطق اللبنانية في طريقة تشكيل الدوائر. وتمثلت مصلحة «حزب الله» و«حركة أمل» في حصر التمثيل الشيعي بهما، وضمّ الأقليات المسيحية والسنية في مناطق سطوتهم إلى لوائحهم؛ بحيث يطمحون لأن يكون لديهم إضافة للـ27 شيعيا، نحو 20 مسيحيا وسنيا، فيصبحون وحدهم مع التابعين لهم مباشرة نحو ثلث مجلس النواب (عدد أعضائه 128). وأُضيفت إلى القانون العتيد: النسْبية والصوت التفضيلي، ليزداد خصوم الفريق الشيعي ومنافسوه تَشرذُما بكثرة اللوائح من الشبان الطامحين والمهمشين، بحيث لا يعود هناك فريقٌ رئيسٌ لدى السنة الذين لا يشبه تيارهم الرئيس (تيار المستقبل) الأحزاب الصارمة المسيطرة على محازبيها، شأنَ الآخرين في اللعبة الانتخابية، وبحيث يصبح التنافس ليس بين اللوائح المختلفة، بل داخل كل لائحة (بسبب الصوت التفضيلي بالذات!).

«حزب الله» وحلفاؤه مسيطرون على المرفأ والمطار ومؤسسات الدولة والجيش من سنوات. وللتيار الوطني الحر (الفريق الرئيسي عند المسيحيين) سيطرة تالية لسيطرة الحزب، دعمها في عهد الحكومة الحالية بحجة استرجاع حقوق المسيحيين من السُّنة بالذات. وحجة رئيس الحكومة في تقبل ذلك كلّه، حفظ الاستقرار، ومحاباة حليفه الرئيس عون، وأنّ هذه الحكومة هي في النهاية حكومة تسوية، والتسوية تتطلب تنازُلات، لكنها حتى الآن من طرف واحد. إنما لماذا وافق رئيس الحكومة إضافة إلى ذلك كلّه على قانون الإضعاف الانتخابي هذا؟

إنّ أهداف التيار الوطني الحر محلّية وترمي لاستعادة العصبية المسيحية. أما أهداف «حزب الله» وحلفائه، فتقصد إلى أن يحصلوا مع حلفائهم على أكثرية في مجلس النواب، تدعم «شرعية» سلاح الحزب، وتتيح إصدار قوانين قد تُحوِّل هوية لبنان ونظامه. وقبل أيام قال أمين عام الحزب لوفد إيراني إنّ لبنان في الأصل فيه كثرة شيعية، وإنما تحول كثيرون منهم بسبب الاستضعاف في الماضي فصاروا مسيحيين أو سنة. أما الآن فالشيعة في ذروة قوتهم في لبنان والمنطقة، بسبب السياسات المباركة للولي الفقيه! والمعروف أنه بسبب التضييق الدولي والعربي على الحزب واعتباره تنظيما إرهابيا؛ فإن تمثيله في البرلمان والحكومة لا يعكس في نظره قوته الحقيقية، أما الآن فقد بدأت أصواتٌ ترتفع بأنه لن يقبل في حكومة ما بعد الانتخاب إلاّ وزارات رئيسية؛ فكيف ستتعامل الدول مع وزير للخارجية أو المالية أو الداخلية أو الدفاع من الحزب؟

سوريا العربية مهدَّدة في انتمائها وديموغرافيتها ووحدتها. والعراق مهدَّدٌ في انتمائه وديموغرافيته واستمرار وتنامي التوتر والتطرف فيه. ولبنان الطائفي أصلا مهدَّدٌ بسبب اصطناع غلبتين أو عصبيتين شيعية ومسيحية؛ تُستنسَخ فيه بقوة الغلبة قوانين انتخابية تزوّر إرادة الناخبين لإنتاج نظام لا يُشبههُ ولا يمثّله أبدا! فيا للعرب!

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل