مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٧ مايو ٢٠١٨
نظام طهران في دائرة النار

عندما بدأت موجة كتابات في الصحافة الغربية والعربية عن احتمالات مواجهة عسكرية إسرائيلية - إيرانية في سوريا، في أعقاب سقوط طائرتين لهما في سوريا، في أبريل (نيسان) الماضي، أكدت بعض الكتابات أن فكرة حرب إسرائيل وإيران مجرد تكهُّن لا معنى له، وأن روسيا، حليف الطرفين وصديقتهما، ستسعى إلى تبريد الاحتدام الإسرائيلي - الإيراني، مما سيمنع اندلاع الحرب بينهما، رغم التهديدات المتبادلة التي يطلقها كبار المسؤولين الإيرانيين والإسرائيليين.

لكن التطورات التالية باتت تؤشر إلى حتمية حرب إسرائيلية - إيرانية، وتؤشر إلى تقديرات حرب تتجاوز مسرح الاحتدام المباشر في منطقة التماس السوري وصولاً إلى لبنان الذي هو مسرح آخر للتماس، وقد يصير مسرحها أراضي الطرفين، بمعنى تحولها إلى حرب إقليمية بعد أن كانت احتمالاتها محصورة في سوريا، وغالباً في منطقة الجنوب السوري قرب مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، التي صار الإيرانيون وحلفاؤهم من ميليشيات «حزب الله» قربها.

إن الأبرز في التطورات المحيطة باحتمالات الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، يمكن إجماله في ثلاث نقاط. أولى النقاط تصعيد إسرائيلي ضد إيران في سوريا، كان الأهم في فصوله الهجوم على قاعدة تيفور الجوية، وقتل وإصابة عشرات العسكريين الإيرانيين هناك، الأمر الذي يمثل تحدياً مباشراً للقوة الإيرانية لا يمكن تجاهله، مما جعل إيران تردّ بطريقة نظام الأسد، في اختيار زمان الرد ومكانه على العملية الإسرائيلية، وهو ردّ شجع الكنيست الإسرائيلي على اتخاذ قرار فوض بموجبه نتنياهو ووزير دفاعه بالدخول في حرب دون الرجوع إلى مجلس الوزراء المصغَّر، على نحو ما درجت العادة، وسط تصعيد إسرائيلي سياسي وأمني كبيرين ضد إيران، عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن عملية استخباراتية إسرائيلية، اخترقت خزائن الأسرار النووية في إيران، وحصلت على وثائق تكشف الكذب في ملف إيران النووي بما يناقض اتفاق «5 + 1» الخاص بالملف النووي الإيراني.

خلاصة التصعيد الإسرائيلي الحالي ضد إيران تجاوزت فكرة الاعتراض على وجود إيران وميليشياتها وأسلحتها واقترابها من خط وقف إطلاق النار السوري - الإسرائيلي إلى ضرب قواتها في العمق السوري، واستعداء أطراف الاتفاق النووي مع إيران على الأخيرة، وهو تطور غير مسبوق، يدفع إيران إلى رد مباشر تبدو غير راغبة فيه في سوريا، لكنها لا تستطيع تجاهله.

النقطة الثانية في التطورات المحيطة باحتمالات الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، يمثلها الموقف الأميركي من الاتفاق النووي، وقد بات أمر إلغائه من جانب إدارة ترمب مسألة وقت ليس إلا، بل إن الإدارة الأميركية تؤشِّر إلى احتمال الذهاب إلى الأبعد في الموضوع الإيراني لحد السكوت المتضمن الموافقة على التصعيد الإسرائيلي العسكري ضد إيران وأدواتها في سوريا، وهو ما يمكن قراءته باعتباره مؤشراً لموافقة أميركية على سياسة حرب إسرائيلية، واستعداداً لمساعدة إسرائيل في حربها المحتملة ضد إيران، وسط أجواء التصعيد الأميركي ضد الأخيرة وأدواتها، خصوصاً «حزب الله» اللبناني.

النقطة الثالثة مما يحيط باحتمالات الحرب على إيران، تتصل بأجواء التصعيد الإقليمي العربي ضد إيران، والخطوات في هذا الجانب تتجاوز التصعيد الإعلامي والسياسي الجاري لدى عدد كبير من البلدان العربية، خصوصاً في الخليج، ضد سياسة إيران في المنطقة من اليمن إلى سوريا والعراق ولبنان وصولاً إلى المغرب. ففي لبنان، تتواصل مواجهة «حزب الله» وحلفائه، في ظل الانتخابات النيابية، على غرار ما يحصل في العراق، فيما تتواصل فصول أزمة عميقة بين المغرب وإيران على خلفية دعم «حزب الله» اللبناني بمشاركة إيرانية لجبهة «بوليساريو»، التي يصنفها المغرب حركة انفصالية مسلحة.

وتمثل النقاط الثلاث مؤشراً لبيئة مواجهة معادية لإيران في المستويين الإقليمي والدولي. بل إن هذه البيئة مرشحة للتصاعد في ظل استمرار سياسات طهران في مسارها الراهن، الذي من غير المتوقع إحداث أي تبدلات فيه يمكن أن تضر باستراتيجية التمدد والقوة الإيرانية القائمة على التدخل (بما فيه المسلح) في البلدان الأخرى، والمضي قدماً في مشروعها النووي، بل إن دولاً تقيم شراكة مع إيران على نحو ما هو عليه حال تركيا وروسيا في موقفهما بسوريا، قد تغادر تلك الشراكة في حال دخول إيران بوابة حرب بين أهدافها الوجود الإيراني في سوريا.
لقد وضع نظام الملالي نفسه في دائرة النار، وصار من الصعب أن يخرج منها سليماً، بل إنه لن يستطيع الخروج بأقل الخسائر.

اقرأ المزيد
٧ مايو ٢٠١٨
هل كانت إيران ضرورة أمريكية وتحولت إلى كابوس؟

المؤمنون بنظرية التحالف الأمريكي الإسرائيلي الإيراني يقولون لنا: لا تصدقوا كل هذا التهويل والعويل الإعلامي الأمريكي والإسرائيلي حول إيران، فما يجمع المشروع الأمريكي الإسرائيلي مع المشروع الإيراني في المنطقة أقوى بكثير مما يفرقهما. ويضيفون: دعكم أيضاً من العنتريات والشعارات الإيرانية ضد الصهيونية والامبريالية، فما قتلت يوماً ذبابة أمريكية أو إسرائيلية. وفي كل الأحيان نسمع شعارات إيرانية ضد الصهاينة، بينما يكون القتل والتشريد من نصيب العرب على أيدي الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا واليمن ولبنان. ولا تنسوا أن الطائرات الأمريكية بتوع «الشيطان الأكبر» كانت تحمي الميليشيات الإيرانية وهي تدخل الموصل والأنبار في العراق. هذا رأي خصوم إيران.

ويستشهد أصحاب نظرية المؤامرة بأن الخبير الأمريكي الاستراتيجي جورج فريدمان تحدث في بداية هذا القرن عن أن أهم تحالف في بداية القرن الحادي والعشرين هو التحالف الأمريكي الإيراني، وأن في السياسة لا تنظر إلى التصريحات والبهلوانيات الإعلامية، بل إلى الأفعال على الأرض. من سلم العراق لإيران على طبق من ذهب؟ أليس أمريكا؟ يتساءل خصوم إيران، من الذي غض الطرف عن اجتياح الميليشيات الإيرانية وهي بالعشرات للأراضي السورية لاحتلال الشام وحماية بشار الأسد؟ أليست أمريكا وإسرائيل؟

كيف تشتكي إسرائيل ليل نهار من حزب الله اللبناني ثم تسمح لمائة حزب الله إيراني جديد بدخول سوريا والوصول إلى حدود إسرائيل؟ ألا يتفاخر بتوع المماتعة والمقاولة بأن قاسم سليماني يكحل عينيه كل صباح بمنظر بحيرة طبريا على بعد ضربة حجر من مقراته في القنيطرة ودرعا السوريتين؟ في العادة، يضيف المشككون، تخشى إسرائيل على أمنها من النسيم العليل، وإذا شعرت بتهديد جدي على بعد ألوف الكيلومترات في أفريقيا تذهب إلى هناك وتقضي على مصادر الخطر. وكلنا يعرف كيف دمرت المفاعل النووي العراقي وهو قيد الإنشاء، بينما تركت إيران تبني مشروعها النووي على مدى سنوات، ثم بدأت تحتج عليه إعلامياً فقط؟ من يخشى من المشروع النووي الإيراني كان يجب أن يدمره كما دمر المفاعل العراقي في بداياته ولا يتركه حتى يصبح قاب قوسين أو أدنى من تصنيع القنابل النووية. هل يعقل أن إسرائيل التي تقوم بضربات استباقية لأي تهديد خارجي قبل سنوات وسنوات أن تسمح لألوف العناصر الشيعية بالوصول إلى حدودها في سوريا بهذه الخفة والبساطة، يتساءلون؟ هل كانت الكهرباء مقطوعة في تل أبيب يا ترى عندما تدفقت الميليشيات الإيرانية على سوريا ووصلت إلى مشارف إسرائيل، يتساءل المؤمنون بوجود تحالف أمريكي إسرائيلي إيراني؟ هل أساءت إسرائيل التقدير وكان هدفها فعلاً توريط إيران في سوريا، لكن التدخل الروسي جعل الأمور تذهب لصالح إيران؟ هل يعقل أن إسرائيل لم تضع احتمالاً واحداً بالمائة أن إيران إذا دخلت سوريا لن تخرج منها بسهولة؟

ويضيف المؤمنون بنظرية التحالف الإيراني الإسرائيلي الأمريكي: أين الأقمار الصناعية الأمريكية من الصواريخ الإيرانية التي وصلت إلى الحوثيين في اليمن الحديقة الخلفية للسعودية المفترض أنها حليفة للعم سام؟ هل كانت الكهرباء أيضاً مقطوعة في طائرات المراقبة الأمريكية التي تراقب دبيب النمل في السعودية واليمن ومحيطهما؟ ألا ترى الاستخبارات الأمريكية أن اللوبي الإيراني الذي يدافع عن مصالح إيران في أمريكا أصبح في موقع متقدم جداً بعد اللوبي الإسرائيلي؟ لاحظوا أن جماعة الضغط الإيرانية في واشنطن أقوى من جماعات الضغط الخليجية المفترض أنها حليفة لأمريكا. بعبارة أخرى، فإن أمريكا تمارس المتعة مع العرب، بينما بينها وبين إيران زواج كاثوليكي، حسب كاتب يروج لنظرية التحالف الأمريكي الإيراني.

ويعتقد أصحاب نظرية المؤامرة الأمريكية الإيرانية أيضاً أن ما يجري على الأرض أصدق بكثير من التهديدات الإيرانية والأمريكية الإسرائيلية المتبادلة. وقد أصبح واضحاً أن الإسرائيليين متفقون على تقاسم العداء مع العرب، فقد فكرت إسرائيل طويلاً كيف يمكن أن تخفف العداء العربي لها، فوجدت في إيران ضالتها المنشودة. بدأت أمريكا وإسرائيل بالسماح لإيران بالتغلغل في المنطقة بحرية كي يبدأ العرب بالشعور بالخطر الإيراني. و كما استعان النظام السوري وأمثاله بالدواعش والظلاميين الهمجيين لتبييض صفحته وإظهار نفسه على أنه أفضل من الدواعش، استعانت إسرائيل بإيران لتبييض صفحتها مع العرب ولتقول للشعوب العربية: «ما بتعرفوا خيرو لتجربوا غيرو». ويضيف المشككون: لاحظوا الآن أن الخطة الإسرائيلية باستخدام البعبع الإيراني ضد العرب قد نجحت تماماً، فقد بات العرب يترحمون على العدو الصهيوني بعد أن شاهدوا ما فعله بهم العدو الصفيوني في العراق واليمن وسوريا ولبنان.

ويرى خصوم إيران أن أكبر خدمة تقدمها إيران لمشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي التدميري، برأيهم، أنها رأس الحربة في الصراع الشيعي السني، وهذا الصراع لا يمكن أن يندلع ويتسع من دون النظام الإيراني الذي بدأ يزعزع استقرار المنطقة منذ وصول الخميني إلى السلطة عام 1979، وكأن أمريكا طردت الشاه وأوصلت الخميني إلى الحكم خصيصاً لهذا الغرض. لاحظوا الآن كيف تغلي المنطقة من المحيط إلى الخليج بسبب الغزو الإيراني وحملات التشييع الإيرانية التي وصلت إلى المغرب والجزائر. من المحيط إلى الخليج بات العرب يواجهون الغزو الإيراني. ماذا تريد أمريكا وإسرائيل أفضل من هذا الدور الإيراني لتحقيق الفوضى الخلاقة؟ هل تعتقدون أن إسرائيل ستحارب إيران وهي ترى الإيرانيين يفعلون الأفاعيل بعاصمة بني أمية دمشق…لا أبداً، بل سترفع القبعة لهم لأنهم يقومون بالمهمة على أكمل وجه.

ويضيف أعداء إيران: كم باعت أمريكا من السلاح لدول الخليج بحجة البعبع الإيراني؟ كم ابتز الغرب العرب بالخطر الإيراني؟ إيران بالنسبة لأمريكا هي كالأوزة التي تبيض ذهباً، ومن الغباء الشديد أن تقضي على المنجم الذي يدر على شركات السلاح الغربية مليارات الدولارات سنوياً.

ونحن بعد كل الذي أوردناه على لسان خصوم إيران أعلاه نتساءل: لماذا لا نقول إن إيران ربما كانت ضرورة أمريكية إسرائيلية لتحقيق المشاريع الأمريكية في المنطقة لفترة من الزمن، لكنها الآن أصبحت كابوساً يقض مضاجع أمريكا وإسرائيل في المنطقة، وأنها كانت أذكى من الإسرائيليين والأمريكيين، وأن مشروعها بات يهدد الإسرائيليين عن قرب، وخاصة في سوريا. بعبارة أخرى، فإن كل النظريات حول التحالف الأمريكي الإسرائيلي الإيراني تبقى مجرد تكهنات، وكثير من الأمور ستتوضح في الفترة القادمة على ضوء ما سيحصل بين الإيرانيين والإسرائيليين. لننتظر ونر إذا كانت إيران ضرورة استراتيجية وحليفاً لأمريكا وإسرائيل في المنطقة، أم إنها باتت تشكل خطراً كبيراً على الأمريكيين والإسرائيليين، وأنهم بدأوا يحضرون لمواجهتها.

اقرأ المزيد
٧ مايو ٢٠١٨
المواجهة بين ايران وإسرائيل .. حرب في الإعلام تناغم في الميدان

لجأت إيران لفرض سيطرتها في المنطقة وللحروب بـ"الوكالة"، بعيداً عن أرضها، لترتفع أصوات الرئيس الإيراني، "حسن روحاني"، والحرس الثوري الإيراني الذي يشكل الجيش العقائدي للمرشد الأعلى، "علي خامنئي"، لتتحدى إسرائيل خارج البقعة الجغرافية الإيرانية، من خلال نشر ميليشياتها التي تحمل جنسيات مختلفة والتي تمولها، تحت مسمى "محور المقاومة" على الأراضي السورية.

وبعد دخول أكثر من 45 ميليشيا إلى سوريا تحت مظلة "فيلق القدس"، الذي يشكل الفرع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، بقيادة " قاسم سليماني"، لم يعد لدى ايران أدنى خوف من التمدد في سوريا، فالحرب بالنسبة لها بميليشيات متعددة الجنسيات وبعيداً عن الجيش النظامي للبلاد، ليس فيها خسائر تذكر، حتى الأموال التي تضعها في تلك الحرب ستعود لها من خلال مشاريع الإعمار التي ستفرضها على نظام الأسد إن لم يعطيها لها بمحض إرادته.

وما يثير السخرية، تلك التصريحات الإسرائيلية التي رصدت مؤخراً تحضيرات إيرانية لشن هجوم صاروخي عليها عقب الانتخابات اللبنانية، وبالرغم من أن الحكومة الأمنية لإسرائيل عقدت جلسة يوم الأحد الموافق 6 أيار، وتهيأت على حد قولها لأي هجوم صاروخي من قبل ايران، إلا أنها لاتزال تقف تنتظر الصواريخ "الخزعبلية"، بأعصاب باردة وبروباغندا إعلامية فحسب.

وفي ظل هذه الحرب بالوكالة التي تتبعها ايران، لم تتمكن إسرائيل من توجيه حتى ضربة موجعة لقواعدها في سوريا، واقتصرت ضرباتها على توجيه طيارات مجهولة المصدر، دون الاعتراف بمسؤوليتها عن تلك الضربات، تلك الضربات اقتصرت على مواقع قد تتواجد فيها ميليشيات شيعية تابعة لإيران، مدفوعة الأجر بشكل مسبق، ولا قيمة لحياتهم فمعظمهم من المرتزقة الأفغان والباكستان، والتي كان آخرها ضرب مطار التيفور العسكري في ريف حمص، في 9 من نيسان، ما أدى إلى مقتل سبعة إيرانيين، لتجسد "تراجيديا" أمام الشعب السوري أن "عدو عدوي صديقي".

ومن جديد عادت الطائرات المجهولة المصدر وضربت في 30 من نيسان/أبريل الماضي، والتي يرجح أنها إسرائيلية، على اللواء 47" قرب حماة، الذي يعرف بأنه مركز تجنيد لمقاتلين مدعومين من إيران، إضافة إلى استهداف منطقة المالكية على مقربة من قاعدة النيرب الجوية ومطار حلب الدولي، والتي راح ضحيتها 18 مستشار إيراني، دون أي تصريحات من قبل الجانب الإيراني أو الإسرائيلي عن وجود خسائر مادية في تلك المناطق.

كشف تل أبيب عن معلومات تؤكد وجود تموضع عسكري إيراني بسوريا موجود في 5 مطارات سورية، تحولت إلى قواعد جوية إيرانية ومخازن صواريخ وذخيرة، جعلت من إسرائيل تتبع أسلوب تنبيهي متكرر كما في قصة "ليلى والذئب"،  وكجدة "ليلى"  حذرت تل أبيب مراراً من الطريق الطويل، وبالرغم في أنها تدرك تماماً أن الذئب الإيراني سيخرج في طريقها، لم تتخذ أي قرار بقصف تلك المطارات التي حددتها على الرغم من أن قرارها للضربات لا يستغرق أكثر من ساعات، ولازالت إسرائيل تقول مخاطبة ليلى الذي يمثل الشعب السوري "اتبعي الطريق القصير، ولا تتبعي الطريق الطويل"، حتى يتمكن الذئب من أكل ليلى (الشعب السوري والأرض السورية)، ولكن ستكون الجدة البطلة هي من يخرج ليلى من بطن الذئب.

وبالرغم من أن الطائفة الشيعية في سوريا لا تتجاوز 1% من الشعب السوري، اضطلعت الميليشيات الشيعة في الصراع السوري، ليبلغ عددهم بين مقاتلي حزب الله اللبناني ومقاتلين  أفغانستان وباكستان والعراق، ليصل إلى 20-40 ألاف مقاتل يقاتلون إلى جانب الأسد، وتحت أمرة ايران، وسط احتضان إسرائيلي مبارك.

وما يؤكد التناغم "الإيراني -الإسرائيلي"، هو انتشار الميليشيات الإيرانية بالقرب من القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة على طول المنطقة الشمالية الشرقية لسوريا، وعلى مقربة من الحدود الإسرائيلية لحمايتها واستكمال الأفلام الهوليودية في السينما العربية، بينما يزج النظام السوري بمقاتليه (السوريين) في المعارك الطاحنة التي يخوضها ضد المعارضة السورية، فيما يقتصر دور الميليشيات الشيعية على الدور الاستشاري، وبدا ذلك واضحاً في المعركة الأخيرة في الغوطة الشرقية.

اقرأ المزيد
٦ مايو ٢٠١٨
إيران... الأسوأ لم يأتِ بعد

لا يمكن أن تخطئ عين المراقب للأحداث أن إيران لا تعيش أحسن أيامها في هذه المرحلة التاريخية المهمة من عمر المنطقة والعالم، وما لا يستطيع صانع القرار الإيراني فهمه أو استيعابه أن كل ما يجري اليوم داخلياً وإقليمياً ودولياً ضد إيران ليس مؤامرة أو تآمراً، ولكنه بكل بساطة نتائج طبيعية لسياسات واستراتيجية النظام الممتدة لأربعة عقود.

داخلياً، ومع كل وسائل القمع وأجهزة الديكتاتورية التي تضخمت وتعددت وتحديداً بعد الحركة الخضراء 2009، فإن حركة الاحتجاجات والانتفاضات من الشعب الإيراني تعلو وتخبو، ولكنها مستمرة وتنتشر جغرافياً ولا تتقلص وتترسخ يوما إثر آخر، بمعنى أن الشعب وصل إلى لحظة استوعب فيها ألا أمل يرجى من نظام الولي الفقيه الذي لم يترك للشعب أي بصيص أملٍ في إمكانية إصلاحه أو تعديله.

وإقليمياً، ومع كل التحفظ على تدخل رجال الدين في السياسية، إلا أننا نستطيع رصد ثلاث حالاتٍ جديرة بالاهتمام، في الدول العربية التي افتخر رموز النظام بالسيطرة على قرارها، في العراق، أصدر المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني فتوى يحذر فيها من الفاسدين والفاشلين من الطبقة السياسية التي أوصلت الدولة العراقية والشعب العراقي إلى الحضيض، وسمحت بانتشار الطائفية والإرهاب ونهبت كل ثروات العراق، ولها اتصالٌ مباشرٌ مع ما سماه الدول الأجنبية، والمقصود هنا حصراً هو النظام الإيراني الذي ينتهك السيادة العراقية ويختطف القرار السياسي بشكلٍ معلنٍ، ومعلومٌ حجم الخلاف الكبير بين ما يمثله السيد السيستاني من مرجعية تقليدية تحتفظ بروح المذهب الشيعي في مقابلة ما يمثله نظام الولي الفقيه من نسخة للإسلام السياسي ضمن المذهب الشيعي، ليست لها أي جذورٍ دينية حقيقية في فقه المذهب نفسه وأدبياته.

في لبنان، ثمة تذمرٌ كبيرٌ من قبل كثير من المواطنين اللبنانيين تجاه العملية السياسية برمّتها، ومن ذلك خروج مجموعة من المرشحين المستقلين الذين ينتسبون للمذهب الشيعي، ولكنهم يرفضون اختطاف «حزب الله» للطائفة والدولة، واحتكاره لتمثيل الشيعة بالقوة والعنف والتهديد بهما لحصر خيارات المواطن اللبناني الشيعي في الحزب، مع تغييرات في موقفه من حركة أمل، هذا مع كل ما جرّه الحزب على شيعة لبنان من دمارٍ وقتلٍ ومغامراتٍ غير محسوبة، وإرسال أبناء المواطنين ليقتلوا في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، في سوريا واليمن، وإدخالهم في جرائم دولية تتعلق بالإرهاب وتجارة المخدرات وغيرها، فمحاولة كسر احتكار الحزب لتمثيل الطائفة لها رمزية مهمة في هذه المرحلة.

في اليمن، أصبح مصير الحوثي شبه محسومٍ على المدى القصير، أما على المدى الطويل فهو محسومٌ دون شكٍ، وأصبح العالم يتحدث بكثيرٍ من التفصيل عن جرائم الميليشيا هناك ووحشيتها ودمويتها وعنادها الآيديولوجي الذي جعلها مستمرة في الفشل السياسي والعجز في الانخراط في أي عملية تسوية سياسية، فسقوط النموذج الحوثي في اليمن بات قاب قوسين أو أدنى، والمسألة مسألة وقتٍ فقط.

أمران آخران في الوضع الإقليمي، أولهما قطع المغرب لعلاقاته بإيران مع التأييد العريض الذي حصل عليه من السعودية وغيرها من الدول العربية، وهو نتيجة طبيعية لتصرفات النظام الإيراني ودعمه العسكري لجبهة البوليساريو الانفصالية، ومع الوعي السياسي في المغرب بعمليات التشييع السياسي والثقافي وليس المذهبي التي تديرها إيران في المغرب، إلا أنه وصل إلى نقطة حاسمة بوصوله للدعم العسكري المباشر، وهو نجاحٌ للدول العربية الرافضة للمشروع الإيراني في المنطقة يضاف لنجاحاتٍ سابقة كثيرة.

والثاني هو ما أعلن عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من حصول إسرائيل على وثائق تثبت استمرار إيران في تطوير مشروعها النووي، على الرغم من الاتفاق النووي الذي وقعت عليه مع دول «الخمسة زائد واحد»، وهو أمرٌ في حال ثبوته ينسف الاتفاق النووي من أساسه، ذلك الاتفاق السيئ الذي أبرمته إدارة أوباما مع النظام الإيراني، وسمحت له بالتوسع وبسط النفوذ واللعب بالصواريخ الباليستية، وتهديد استقرار الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وإذا صحّت هذه الوثائق فستكون أكبر داعمٍ لرؤية إدارة الرئيس ترمب تجاه الأدوار الشريرة لهذا النظام في المنطقة والعالم وتهديده لمستقبل العالم.

ودولياً، يتجه العالم لإدانة النظام الإيراني ومواجهته بكل القوة اللازمة على انتهاكاته الصارخة للقوانين الدولية وسياساته الداعمة لاستقرار الفوضى والتطرف والإرهاب، ففي مرحلة تاريخية مهمة على مستوى الصراعات الدولية تتجه كوريا الشمالية نحو انفتاحٍ على جارتها الجنوبية ومحاولاتٍ للتواصل مع العالم وإنهاء عقودٍ من الزمن كانت تمثل فيها عنصراً لعدم الاستقرار في شرق آسيا والعالم، وبعد كرٍ وفرٍ وتهديداتٍ خطيرة بالتصعيد العسكري بين أميركا وكوريا الشمالية تبدو كوريا في مرحلة استجابة للضغوط وفتح صفحة جديدة، ويتم الترتيب للقاء بين الرئيس الأميركي والرئيس الكوري الشمالي في الأسابيع القادمة.

بعد التخفيف من أزمة كوريا الشمالية ودورها الدولي، وبعد توحيد ترمب لعناصر إدارته باتجاه مزيدٍ من التجانس والاتفاق تجاه النظام الإيراني، من وزير الخارجية مايك بومبيو إلى مستشار الأمن القومي جون بولتون تبدو إيران في أسوأ أيامها، ومع تنازل الممانعة الأوروبية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى درجة أقل واعترافاتها بالخلل الذي يعتور الاتفاق النووي الإيراني أو قصوره أو ضرورة تطويره، بضغط وصرامة من إدارة ترمب، وبضغط من السعودية ودول الخليج، فإن تلك الأيام تتجه لمزيدٍ من السوء على نظامٍ أدمن احتقار القوانين الدولية وتهديد جيرانه والتدخل في الشؤون الداخلية لكثير من الدول في المنطقة والعالم.

في 12 مايو (أيار) الحالي سيعلن الرئيس ترمب موقفه النهائي من الاتفاق النووي مع إيران، ذلك الاتفاق الذي وصفه ولم يزل يصفه بالاتفاق الأسوأ في التاريخ، وسيجد النظام الإيراني نفسه وحيداً أمام عالم يتحد ضده وضد سياساته، وأن الأسوأ لم يأت بعد.

عملت السعودية الجديدة بجهدٍ وتصميمٍ على فضح خطورة النظام الإيراني، وسعت لمحاصرة أنشطته التدميرية بكل الاحترافية السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي جمعت بين القوة الناعمة والخشنة، وقد حصدت مكاسب كبرى تتعزز وتزداد مع مرور الوقت مع كل ما يتطلبه هذا الجهد من الحزم المقرون بالحكمة والصبر المطلوب للإنجاز.

اقرأ المزيد
٦ مايو ٢٠١٨
سنوات عجاف تنتظر الإيرانيين

هل ستنسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية بين الدول الست العظمى وبين إيران؟.. هذا هو السؤال الذي يشعل الدنيا، وتتداوله وسائل الإعلام. الذي يظهر لي أنه بات في حكم الأمر المؤكد أن تجديد الاتفاقية كما هي عليه شبه مستحيل إذا لم يكن مستحيلاً بالفعل؛ فالرئيس ترامب يصر ليس على إلغاء الاتفاقبة برمتها، وإنما على إضافة شروط جديدة تقتضي ثلاثة أمور جوهرية، الأمر الأول: أن تكون دائمة ولا تنتهي في (2025) كما جاء في الاتفاقية الأساسية. الأمر الثاني: أن تشمل وقف تصنيع الصواريخ البالستية. الأمر الثالث: إن توقف إيران توسعاتها وتدخلاتها في المنطقة. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وكذلك المستشارة الألمانية السيدة ميركل حاولا ثني الرئيس الأمريكي عن الانسحاب غير أنهما باءا بالفشل، وعادا من واشنطن بخفي حنين. رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كشف في مؤتمر صحفي أقامه في إسرائيل عن دلائل ووثائق على أن إيران تكذب، وخدعت الموقعين معها وأنها استمرت، وبشكل سري، على إجراء الأبحاث التي تهدف إلى تصنيع خمس قنابل نووية، قوتها التدميرية خمس أضعاف قنبلة هيروشيما، وأن لديه أكثر من 100 ألف وثيقة على أقراص مدمجة تثبت ما يقول، الأمر الذي أضعف موقف الأوروبيين، وقوّى موقف الرئيس ترامب؛ كما أكَّد وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو فيما بعد صدقية تلك الوثائق، وأشار إلى أنها تثبت أن موقف الرئيس الأمريكي ترامب من الاتفاقيةكان موقفًا صحيحًا. وكانت إسرائيل قد شنت غارتين على كتائب إيرانية في سوريا، وفي تقديري أن الغارتين كانتا هدفهما قياس ردة فعل إيران، وكذلك إرسال رسالة قوية للملالي أن كلفة الاستمرار في تحدي العالم والتحايل عليه وعدم الرضوخ للشروط الأمريكية الجديدة ستكون عالية، وخصوصًا أن الضربتين، وتحديدًا الضربة الثانية كانت موجعة، ولا سيما أن الطائرات كانت تحمل صواريخ، أو لعلها قنابل مجنحة دقيقة التصويب وذات قدرات تدميرية هائلة، واكتفي الإيرانيون بالتهديد، وأنهم سيردون على هذه الغارات في الزمن والمكان المناسبين.

والسؤال في حال انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية: هل سيجرؤ الإيرانيون إلى العودة لتخصيب اليورانيوم؟.. في رأيي لن يتجرؤوا، وخصوصًا أن إيران تعرف يقينًا أن تَفجُر نزاع مسلح بين أمريكا أو إسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، سيستدعي ضربات عسكرية بأسلحة متطورة ليس في وسع إيران أن تتحملها، وهذا من شأنه أن يقضي على دولة الملالي ويحيلها من الجغرافيا إلى التاريخ. صحيح أن الرئيس ترامب يتحاشى الدخول في حروب جديدة، غير أن ظروف ردة الفعل الإيرانية على الانسحاب من الاتفاقية، هي التي تحدد ردة الفعل، فقد يجد الرئيس ترامب نفسه مضطرًا للذهاب إلى حرب مع إيران مهما كانت الخسائر. إضافة إلى أن إيران، منذ هزيمتها في حربها مع العراق، لا تواجه أعداءها بنفسها، وإنما من خلال وكلاء، مستعينة بحليف كروسيا، إلا أن الروس لن يدخلوا في مواجهة مع الأمريكيين والإسرائيليين، لأن الإيرانيين حلفاء مؤقتون في الحرب السورية، وليس أبعد من ذلك، إضافة إلى أن لهم تحفظات كثيرة على نهج الإيرانيين وأجنداتهم الكهنوتية، ما يجعل إيران تجد نفسها في هذه الحالة وحيدة أمام الأمريكيين وقوتهم التدميرية الهائلة.

إلى اللقاء

اقرأ المزيد
٦ مايو ٢٠١٨
لماذا التهجير إلى إدلب؟

يثير إصرار روسيا والنظام على التهجير القسري إلى إدلب كثيراً من التساؤلات، أهو تنفيذ خطة سرية لجمع المعارضين العُتاة الذين تمسكوا بمطالبهم سبع سنين وصمدوا أمام الحصار والقتل والقذائف والبراميل المتفجرة التي انهمرت فوقهم طوال سنوات الجمر، ثم اضطروا للإذعان أمام عجز دولي عن حل سياسي عادي انتظروه طويلاً، وأمام إشفاقهم على أهلهم المدنيين الذين أمعن النظام وروسيا في قتلهم ليجبر أبناءهم المسلحين على القبول بما يعرض الروس عليهم في مفاوضات قهرية جاءت بعد خدعة سميت اتفاقيات خفض التصعيد، وتبين أنها تصعيد التصعيد، وانتهت إلى طرح روسيا خيارين أمام المقاتلين المصرين على تحقيق هدفهم في الحرية والكرامة، هما استمرار تدمير مدنهم وقتل سكانهما حتى الإبادة أو القبول بالتهجير، وللإنصاف، ثمة خيار ثالث هو الاستسلام الكامل لمن يريد البقاء، على أن ينضم إلى جيش النظام، ويحارب أهله.

كان مشهد تهجير أهل «مضايا» و«المعضمية» و«داريا» قد استفز الضمير العالمي، وكان موضوع استخدام الكيماوي ضد أهل «دوما» لإجبارهم على الرحيل، أو الاستسلام قد حفز بعض الدول لتوجيه ضربات رمزية محدودة للنظام، ولكن المجتمع الدولي تغافل عن مشهد تهجير أكثر من مئة ألف مواطن أجبروا على أن يتركوا منازلهم، وأن يبدؤوا رحلة التشرد، وقد توجهت جل الحافلات الخضر إلى إدلب، وربما يبدأ غداً السبت مشهد تراجيدي آخر بتهجير قسري لنحو مئة وخمسين ألفاً من سكان أرياف حمص وحماه إلى إدلب أيضاً، فثمة 350 ألف مواطن محاصر في هذه المناطق.

والمفجع في الأمر أن مئات الآلاف من الذين هجروا قسراً تركوا في الخواء، فلا توجد أية ترتيبات لاستقبالهم، وقد بات كثير من المهجرين في المساجد وفي الأبنية المهدمة، واتنشر كير منهم في الحقول والبساتين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، مع تراجع مريب لمنظمات الإغاثة الدولية، ولايملك سكان إدلب التي توقفت فيها الحياة الاقتصادية منذ أن قامت الثورة سبل العيش، وباتت الحياة في إدلب مغامرة مع الموت المتوقع إثر أي انفجار أو اغتيال.

وهاهو تنظيم «داعش» يظهر من جديد في ريف دمشق لتبرير قتل الناس وتشرديهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وتفريغ محيط دمشق من أهل السُنة تحديداً ليمنحه النظام لإيران، ولتنشأ ضاحية جنوبية يسيطر عليها الفرس، كما هو الأمر في الضاحية الجنوبية في لبنان. وعلى الرغم من كل النصائح التي قدمت لتنظيم «النصرة» لحل نفسها والخروج الآمن من إدلب ومن أماكن أخرى، نراها تصر على البقاء في إدلب وراء وهمها الهلامي في إنشاء دولة دينية، وهو كما قلت مجرد ذريعة، فنحن لاننسى أن «النصرة توأم داعش، وهذه التنظيمات المصطنعة هي التي غطت إعلامياً على نقاء مطالب الثورة.

وأهل إدلب وسكانها يتساءلون اليوم، هل يتم جمع كل هؤلاء الثوار في إدلب ليكونوا هدفاً لمكافحة الإرهاب فتتم إبادة جماعية (لاسمح الله) لاينجو منها غير الجولاني، وثلته كما نجا البغدادي وفريقه؟ أم هل ما يحدث من تهجير إلى إدلب هو تنفيذ مخطط دولي بالتقسيم؟

ولماذاسيتم تهجير أهل الفوعة وكفريا إلى خارج إدلب، وكثير منهم يريدون البقاء في بيوتهم، صحيح أن «حزب الله» جعل منهم معسكراً ضد إخوانهم في إدلب، لكنهم أبناؤها وقد عاشوا قروناً مع أهل «السُنة» دون أية مشكلة؟

أسئلة كثيرة واحتمالات مثيرة تنتظر إدلب التي يبلغ عدد المهددين فيها أربعة ملايين نسمة، والسؤال الأهم: إذا دخل الروس والنظام منتصرين إلى إدلب إلى أين سيهجّر أهل إدلب؟ وإلى أي اتجاه ستمضي الباصات الخضر، ولاسبيل أمامهم سوى تركيا التي تريد تخفيف العبء عنها، وتسعى إلى إعادة السوريين اللاجئين فيها إلى منطقة آمنة في الشمال. وما أثق به أن أهل إدلب سيقاومون وسيطردون المتطرفين جميعاً، وسيحملون مشعل الثورة حتى تنتصر بإذن الله.

اقرأ المزيد
٥ مايو ٢٠١٨
انحسار الدور الخليجي في سوريا

لم يكن أمرهم فوضى بينهم، حين انطلقت شرارة الثورة السورية2011م، لكن أمر الخليجيين لم يكن شورى بينهم أيضاً، ومع ذلك شكّلت المبادرات الخليجية المحرك الرئيسي لتحرك الجامعة العربية الأول لطرد الأسد من الجامعة،وأمام المجتمع الدولي، لقد كان الدعم الخليجي للمعارضة السورية إقليمياً ودولياً سخياً حكومياً وشعبياً، سياسياً ولوجيستياً ومعنوياً.

ثم توقف كل شيء، أو وصل مداه، لعجز الأطراف المناوئة للأسد عن استثمار الفوز كما في مبادئ الحرب، لكن ذلك لا يعفي دول الخليج من التقصير في إنجاز إزاحة الطاغية الأسد، كما فعلت مع القذافي حين كانت تدير مطبخ الجامعة العربية، فقد انكسر العزم الخليجي وهو يقترب من الإنزال في دمشق، على صخور عدة، بعضها حاد وقاهر، وبعضها كان بالإمكان تجاوزه، فقد كان هناك تخبط أميركي وخطوط حمراء وضعها أوباما، وبدل أن تشجع الثوار والخليجيين على المضي قدماً، تحول المسار إلى تنازع بين الحلفاء وخلفهم الداعمون لهم، كما عرقل التحرك الخليجي، وحشية وعنفوان التدخل الروسي، وما فرضه من معادلات ميدانية وبيئة تفاوض سياسية جديدة، ولم تكن طهران بعيدة عن المشهد، لتختتم التراجيديا السورية بمأساة الأزمة الخليجية، التي خلقت خلافاً داخل الاتفاق على ما يجب أن يتم في سوريا.

ليس كما بدأ، لكن الصراع ما زال مستمراً، بعد أن تحول إلى حرب أهلية كلاسيكية ومتعددة الأطراف، وتخاض بالدرجة الأولى بين حكومة الأسد وحلفائه، ومختلف القوى المعارضة للحكومة السورية، ووفقاً للخارطة التي يصدرها مركز جسور للدراسات بشكل شهري، ولإشراك القارئ في شيء من الخلفيات، فإنّ الوضع على الأرض السورية حتى 1 مايو 2018 كالتالي: سيطر الأسد على «55.13 %» من سوريا، بعد أن كانت سيطرته «54.63 %» في الشهر الماضي، وتقلصت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية لتصبح «24.86 %»، مقارنة مع «24.93 %» في شهر مارس، أما فصائل المعارضة المسلحة -التي كانت دول الخليج تدعم أغلبها- فقد بلغت سيطرتها «12.21 %» من سوريا، مقارنة مع «12.64 %» في الشهر الماضي، لكن ما يستحق الملاحظة أنه رغم المعارك الضروسة مع كل الأطراف، ورغم الهزائم في العراق، ورغم شيطنته إقليمياً ودولياً، فقد حافظ تنظيم «داعش الإرهابي» تقريباً على نسبة سيطرته مقارنة مع الشهر الماضي، وهي «7.80 %».

وتذهب المتوالية التبريرية الخليجية إلى أن سيطرة الأسد على نصف سوريا ترجع إلى ما في محزمه من رجال حزب الله والحشد الشعبي وفاطميين وزينبيين وسرايا طليعة الخراساني، أما الأميركان فرجالهم من وحدات حماية الشعب الكردية وغيرهم من ميليشيات، خططت واشنطن لإنشاء قوة حدودية منهم، كما أن لتركيا حلفاءها من ميليشيات المعارضة السورية المسلحة.

بالعجمي الفصيح
بسؤال أعلى من السخرية وأقل من الجدية: من بقي لنا من ميليشيات في المشهد السوري -والتي هي بمثابة صناديق استثمارية واعدة بين الدول- غير داعش؟!;

اقرأ المزيد
٥ مايو ٢٠١٨
فصل جديد من تعامل بشار مع شعبه كقوة احتلال

ذكّرنا التقرير الذي نشرته صحيفة «التايمز» اللندنية (الخميس) الماضي، وأكدته مصادر عديدة أخرى، بقصة «أملاك الغائبين» في سياسات الاحتلال الصهيوني لفلسطين.

هنا والآن، يعامل بشار الأسد مواطنيه الذين فروا من جحيم الحرب كقوة الاحتلال، ولا يتعلق الأمر بالقتل والتدمير الوحشي الذي تابعه العالم أجمع فقط، بل يتعلق بممتلكات الهاربين من جحيم الحرب وويلاتها، والذين يُفترض أن يعود أكثرهم إلى ديارهم، بخاصة أولئك الذين لم يجدوا مكاناً أفضل للعيش. وهو هنا يفترض بطبيعة الحال أن مساره الأمني الطائفي سيتواصل، بل ربما صار أكثر وحشية بهدف الانتقام ممن تمرّدوا عليه، ونتذكر هنا ما نقل عن بشار بداية الثورة بقوله: «لقد قمنا بتلقينهم (الغالبية السنيّة) درساً في حماة أسكتهم 40 عاماً، وسألقنهم درساً يسكتهم لمئة عام».

في تقريرها المثير؛ ذكرت صحيفة «التايمز» أن نظام الأسد «يصادر عقارات ملايين المواطنين الهاربين من الحرب»، وأن «ملايين اللاجئين السوريين مهددون بخسارة منازلهم التي تركوها وراءهم بصورة نهائية، طبقاً لمرسوم جديد أقره النظام السوري، يصادر بموجبه المنازل الخالية من سكانها».

ويفيد التقرير أن المرسوم رقم 10 يمنح مالكي المنازل حتى العاشر من شهر مايو للتقدم إلى البلدية بشهادات ملكية العقارات، وإلا فإنهم سيخسرون ملكيتها، وتصادر من الدولة.

وتقول الصحيفة إن القانون بات ساري المفعول هذا الشهر، وأعطى ملاك العقارات السوريين مدة 30 يوماً لإثبات ملكيتهم، وإلا تمت مصادرتها، وأصبحت ملكاً للدولة.

ولا ينسى التقرير التذكير بأن نصف سكان سوريا فروا من منازلهم خلال الحرب الدائرة منذ 7 أعوام، لافتاً إلى أن حوالي سبعة ملايين سوري يعيشون نازحين في وطنهم، فيما فرّ حوالي ستة ملايين للدول المجاورة أو أوروبا.

وتكشف الصحيفة أن المشكلة التي تواجه السوريين هي أن إثبات الملكية يقتضي من أصحاب العقارات الحصول على موافقة من المخابرات، التي يخاف منها الناس، وتعمل فقط في مناطق الحكومة، لافتة إلى أن آلافاً من المعارضين السوريين والمؤيدين لهم داخل سوريا وخارجها معرضون لخطر الاعتقال. وينقل التقرير عن كريسيتن بيندكيت من منظمة «العفو الدولية»، قولها إن هذه الخطوة بمثابة «محاولة من حكومة الأسد للاستفادة بكل صفاقة من تهجير ملايين المواطنين من منازلهم»، وطالبت بضرورة حماية ممتلكات السوريين خارج البلاد. وتقول الصحيفة إن الأسد كشف عن علامات تفيد بأنه يريد خلق سوريا «صديقة» في المناطق الخاضعة لسيطرته، من دون أن تشير بطبيعة الحال إلى البعد الطائفي للعملية الحقيرة التي يديرها النظام، لأن الأمر لا يتعلق بالمعارضين فقط، بل بنوايا تفريغ مناطق معينة، وتغيير بنيتها الطائفية. وتكشف هذه اللعبة حقيقة طائفية هذا النظام التي كان البعض يتجاهلها، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة أو الوزراء أو ما شابه ذلك، هم من السنّة، متجاهلاً أن هؤلاء يشكلون ثلاثة أرباع السكان، ومتجاهلاً أن من يملك قرار المؤسسة الأمنية والعسكرية هو الذي يملك القرار، وليس رئيس وزراء بالكاد يتذكر الناس اسمه.

هذا المنطق «التشبيحي» يتجاهل أن الطائفة الحاكمة لا تمثل غير عُشر السكان، وأن المؤسسة الأمنية والعسكرية التي تسيطر عليها هي التي ورّثت السلطة من الأسد (الأب) إلى الابن، كأن البلد مزرعة، وليس جمهورية.

إنها لعبة تكشف طبيعة هذا النظام وبنيته الأمنية والطائفية، والتي ستتجذر بعد الثورة فيما لو نجح في البقاء بصيغته القائمة، لكن ذلك لن يكون، وعودة عقارب الساعة إلى الوراء مستحيلة، والحرب ستتواصل ولو سيطر على كل التراب السوري. وفي زمن العنف الرخيص، وذلك الحشد من الثارات التي خلفتها الحرب، سيكون من المستحيل إعادة الوضع إلى ما كان عليه. يبقى أن هذه اللعبة إنما تصفع أكثر ما تصفع من ينتمون إلى الغالبية، وأصروا على البقاء في معسكر النظام، مع أنها حقيقة يعرفونها جيداً، لولا الجبن والخور.. والمصالح الشخصية أيضاً.;

اقرأ المزيد
٥ مايو ٢٠١٨
هل انتصر الأسد على "شعبه"؟

ليس هناك من وصفة تحدد لحاكمٍ كيف ينتصر على شعبه؛ وخصوصا عندما تكون الدكتاتورية طريقه الوحيد للسلطة؛ فالمسألة ليست كُتَيّباً بعنوان "كيف تتعلم الإنكليزية في أسبوع؟"؛ ولا "كيف تتعامل مع مريض السرطان؟"؛ هذه قضية أمضى حافظ الأسد جلّ عمره يدْرسها ويمارسها؛ ولكن فِي النهاية لم يهزمه إلا الله. هزم اللهُ حافظَ الاسد ثانيةً، عندما ابتلى الوريث بتنفيذ وصايا الأب، ولكن الابن فعلها بشكل مشوه، فأخرج أباه من قبره ليُلعَن، ثم حشره به مرة أخرى لتكون اللعنة الأبدية.

أبقى حافظ الأسد المخابرات تحت حذائه، عبر جعل كل واحد منهم يراقب الآخر، ويتصيّده؛ ولكنه جعل مجرد ذكر المخابرات يشكّل حالة رعبٍ عند الشعب. ابنه غيّبهم بداية؛ فكان السوري في بداية عهد هذا الابن يشعر وكأن دورهم ينحسر؛ وإذ بهم في حالة كمون، تهدف إلى استرخاء المجتمع وإرخائه كي يسهل كشفه وتحديد معالم البطش به بـ (إتيكيت) ورعب بارد تجلى أخيرا بتصفية أي عسكري من "حماة الديار" إذا تمنّع عن إطلاق النار على السوريين المنتفضين. تألق عمل هؤلاء من خلال "زيارة" كل معتقل إلى فروعهم المتنوعة وإشرافهم على عمليات الاختطاف والاعتقال والتعذيب في المعتقلات. فكانوا بذار الذراع المرعبة التي تجاوزت "سيد الوطن". وفي النهاية المأساوية لسورية وأهلها، يحملون وزرَ جلِّ ما حدث؛ لقد كانوا اليد الطولى في خنق سورية و"رئيسها" الابن أيضاً.

السياسة في "سورية الأسد" أسدية فقط. عند خروج السوري على قراءة الصفحة السياسية الأسدية يتحوّل إلى نشاز، إن لم يخرج كلّياً من الحياة؛ فخروج السوري على صفحة شريعة الأسد هي نتيجة "مؤامرة" و"إرهاب". في سورية الخروج على شريعة الله أخفّ من الخروج على "الشريعة الأسدية". من هنا، جاءت أوامر أحد عناصر الشبيحة لسوريٍّ يعذبه: (قل "لا إله إلا بشار"). ذلك الرفض السوري استلزم البراميل والصواريخ واعتقال مئات الآلاف وتشريد الملايين؛ وحتى دعوة الاحتلال ليؤدب ذلك السوري "الإرهابي" الخارج على طاعة "الإله".

في الاقتصاد، احتكر الأب كلَّ شيء، لكن بحكمة "الكهين" الجاحد الذي أقنع أهل سورية بأن البلد محاصَر؛ والمؤامرة الدولية تسعى إلى تجويعه. ثلاثون عاما لم يعرف السوريون أن لديهم ثروة نفطية؛ وما دخلت ميزانية البلد إلا شكلياً. كان صمت السوريين سيد الموقف و"بقناعة" يكللها الخوف، بعد أن عرفوا ما حدث لعضوٍ في مجلس الشعب ذكر "عائدات النفط". طبعاً "التحرير والصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي" كانت الحجج الدامغة لابتلاع الخمير والفطير. في "العهد الجديد" استمر الأمر، ولكن زاد في الطنبور نغماً جابي الأموال ابن الخال مالك أو شريك كل ليرة يمكن أن تجنيها سورية. إذا كان حافظ قد خطط لتحقيق نصره على الشعب السوري بالسيطرة على الوطن والمواطن، وما يملك عقلياً وروحياً؛ فوريثه ومنظومته أرادا السيطرة على ذلك كله، إضافة إلى ما يملك السوري مادياً وعيشياً. من هنا، قالوا إن حافظ كان "زاهداً"؛ لكن جشع منظومة الوريث ضيّع السيطرة الكاملة؛ فكانت خسارة كل شيء.

في الجانب الاجتماعي والديني ضمناً، أحدث الأب تهتكاً في منظومة المجتمع الأخلاقية من خلال اختياراته للأحطّ تربية وأخلاقاً؛ وحمّل كلاً منهم سجلاً حافلاً بالمعاصي والخطايا والارتكابات، ليسهل عليه دعسهم. والأمر ذاته جرى تطبيقه في قطاع الدين، ليتحول هؤلاء إلى "مشايخ السلطان"، لتحليل المحرَّم وتحريم المحلل. كما كانت الطائفية الأداة البغيضة المهلكة التي تسري كالنعاس في ثنايا مجتمع مهلهل. أتى الابن، وكان ذلك القطاع مخرّباً؛ فما كان بحاجة إلى جهدٍ لأي "تحسين" أو تخريب فيه؛ ليكون ذلك أحد أسرار الغليان المجتمعي الذي ساهم بصرخة الانعتاق السورية، والانتفاضة على المنظومة الاستبدادية بكليتها.

الاٍرهاب سلاح استفادت منه منظومة الأسد أكثر ما استفادت منه إسرائيل. ضيعت الأخيرة حق الفلسطينيين باستخدام إرهاب الدولة واتهامهم بالإرهاب، ولكن المنظومة الأسدية طورت إرهاب الدولة إلى منظومة رعب حاكمة، تقرر مصير السوري بالخوف الذي أدخلته بجيناته. أصبح رعب السوري ملازما لعيشه كما التنفس. أضحى الوطن زنزانة جماعية، والمعتقل في رأس كل فرد وروحه.

حصر العامل الخارجي بثلاث قوى؛ رتّب حافظ الأسد أموره معها بشكل متوازن. كان الروس مغرمين بالأسد الأب، على الرغم من رقصه على حبلي الغرب والشرق معاً؛ إلا أنهم أتوا لنجدة الأسد الابن لهمهم الخاص بالمطلق. فالابن بالنسبة لهم لا لون ولا رائحة ولا مصداقية له؛ وهم الآن يبحثون عن صفقة مناسبة لبيعه.

هللت إيران لقدوم بشار الأسد بعد أن كان حافظ قد ضبط إيقاع العلاقة معها. استبشرت بوضع اليد على عاصمةٍ عربيةٍ رابعة. خبرت إيران انتفاضة الشعب على حاكم جائر، وسبل قمع ذلك والانتصار عليه؛ فوعدت بشار بذلك متطلعةً إلى وضع يد نهائي على عاصمة الأمويين. ما كان أمام منظومة الأسد من خيار لينتصر على شعبه؛ فكانت طلائع حزب الله جاهزة؛ والحرس الثوري تدبر قدوم مليشيات القتل، ليقودوا معركة انتصار المقاومة والممانعة على الشعب السوري. وهنا انتصرت إيران على الشعب السوري؛ وخسر بشار سورية. وعندما استلزم الأمر محاولة استعادة سورية، تم استدعاء الروس؛ فخسرها ثانية للروس، وتلخبط مخطط إيران. كان الأب المؤسس للاستبداد قد أوصى بوضع اليد في الجيب الروسية، والقلب بجيب الغرب. وهكذا كان انتصار حافظ على الشعب السوري. وها هو، وإيران، وحتى روسيا؛ يخسرون سورية لأميركا وحلفائها. وما أمامهم إلا الرضى ببعض فتاتها أو الخروج الكلي. ويبقى شعب سورية صاحبها الأصل. وما كان حافظ ليفعل أياً من هذا. وهنا يقتل الابن أباه مرة أخرى.

على الرغم من أن حافظ الأسد كان الأقرب إلى إسرائيل، إلا أنه رسم صورة الأبعد والأكثر عداءً لها بين العرب؛ فهو صاحب جبهة "الصمود والتصدي" و"المقاومة والممانعة". حمل وريثه "الأمانة" وبدقة، على الرغم من أن تصريح رامي مخلوف قد فضح القضية عند بدء الانتفاضة السورية، عندما قال ما معناه (أمن سورية يعني إسرائيل)؛ ولكن الإخلال الكبير بالوصايا الأبوية كان بالعلاقة مع العرب؛ فالتوازن الذي أوجده الأب في العلاقة مع إيران والعرب تفلتت من أيدي الابن، واتضح الخلل؛ وجيّش بعض العربان عليه. ومع ذلك، لم يتمكن هؤلاء من تعكير نصره على شعبه؛ إلا أنه لم يجعل نصره حاسماً؛ والنصر غير الحاسم في هذه الحالة هزيمة.

نجح حافظ الأسد باستخدام السياسة والاقتصاد والاجتماع والطائفية والإرهاب والمخابرات وإيران وإسرائيل، إضافة إلى وسائل لا حصر لها في هزيمة شعب سورية ولثلاثة عقود متوالية، وظن أنه بهذه الأدوات الجبارة يمكن لكل ذريته أن تحكم سورية أبدياً. هزمه سلاح الموت؛ ولكن الأدوات ذاتها هي التي هزمت وريثه. غبي أي حاكم يتصوّر أنه ينتصر على شعب.

اقرأ المزيد
٥ مايو ٢٠١٨
هل تشتعل حرب بين إسرائيل وإيران؟

تزداد مؤشرات اندلاع حرب بين إسرائيل وإيرن يوماً بعد يوم، ولعل ما قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من معلوماتٍ عن البرنامج النووي الإيراني، يشير إلى المواجهة ما بين إسرائيل وإيران، ليست في سورية فقط، بل على الأراضي الإيرانية أيضاً، من خلال عمليات الموساد الاستخباراتية، التي طاولت أماكن حساسة فيها، وحصوله على وثائق من البرنامج النووي الإيراني، حولها نتنياهو إلى موضوع سجال غربي ودولي.

ويبدو أن التفاعل الغربي مع ما كشف عنه نتنياهو استدعى قيام وفود استخباراتية من كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا للذهاب إلى إسرائيل، بغية الاطلاع ودراسة المواد الاستخباراتية الجديدة التي حصلت عليها بشأن البرنامج النووي الإيراني، وصورتها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بمثابة "الكنز الدفين" الذي حرص نتنياهو على توظيفه داخلياً وخارجياً، وسارع إلى الكشف عنه قبيل الموعد المقرر لإعلان الرئيس ترامب قبل الثاني عشر مايو/ أيار قراره بشأن الاتفاق النووي، وهو يأمل في أن يؤثر ذلك على قراره، وعلى حثه للانسحاب من الاتفاق وإلغائه تماماً، وليس تعديله.

ويبدو أن إسرائيل تستعد لحربٍ مع إيران، وتحضر لها في الداخل وفي الخارج، إذ أن الجيش الاسرائيلي بات منذ مدّة في حالة تأهب قصوى، فيما تحول الداخل الإسرائيلي إلى ما يشبه القاعدة العسكرية المغلقة، بعدما وظف ساسة إسرائيل التصريحات النارية لقادة نظام الملالي الإيراني داخلياً، كي يشعر الإسرائيليون وكأنهم باتوا مجدّداً على شفير حرب وجودية. وهذا يتماشى مع طبيعة الدولة العبرية القائمة على الحرب وظيفة وأداء، إذ من دون حربٍ لا يمكن فرض التماسك على تركيبتها الاجتماعية، ولا يمكن كذلك المضي في تأكيد هويتها التي تشكل العسكرة، في أشد أشكالها تطرّفاً، مكوناً بنيوياً أساسياً من مكوناتها ونشأة كيانها.

وإن كانت نذر الحرب كثيرة ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني، إلا أن السؤال يطاول توقيت اندلاعها، وهل ستكون محدودةً وعلى الأرض السورية فقط، أم أنها قد تتمدّد وتشمل الإقليم برمته، وهذا ما يلمح إليه الساسة الأميركيون، ويثير لديهم خوفاً متزايداً من استعدادت الساسة والعسكريين الإسرائيليين للحرب، لذلك كان مستغرباً أن يزور قائد القوات المركزية الأميركية (سينتكوم) جوزيف فوتيل إسرائيل أخيرا، ثم الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بومبيو، لها، ضمن جولته الخارجية الأولى إلى بعض دول المنطقة، فور تقلده منصبه الجديد.

ويمكن أن يكون الهدف من هذه التحركات مجتمعة هو تدارس الأوضاع والتنسيق ما بين ساسة الولايات المتحدة الأميركية ونظرائهم الإسرائيليين بشأن إيران، وسبل مواجهتها والوقوف في وجهها، وخصوصا في ظل تصريحات أركان الإدارة الأميركية وأحاديثها، والجدد منهم خصوصا، حول ضرورة الحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقليم أظافرها المليشياوية فيها.

من جهة أخرى، يمكن القول إن نذر الحرب ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني تزاد تواتراً بعد حديث ساسة نظام الملالي حول "الرد المزلزل" على الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكرّرة لمواقع إيرانية في سورية، وخصوصا بعد الهجمات الأخيرة على مخازن الصورايخ الإيرانية في ريفي حماة وحلب، ومقتل عشرات الضباط والخبراء العسكريين الإيرانيين، وقبلها مقتل عديدين من خبراء الطائرات المسيرة "الدرون"، في القصف الإسرائيلي على مطار التيفور في البادية السورية.

ولعل تتالي الضربات العسكرية الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سورية، وسقوط قتلى إيرانيين، يفيد بأن الحرب ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني قائمة بالفعل، ويمكن توصيفها بالحرب ذات البعد الواحد، أو الطرف الواحد، حيث تستهدف إسرائيل أي موقع على الأراضي السورية لإيران، أو لمليشيات حزب الله أو للنظام السوري، في ظل تنسيق أو على الأقل عدم اعتراض روسي عليها، وهذا يطرح أسئلةً عن طبيعة التحالف الروسي الإيراني في سورية، خصوصا وأن كل الهجمات الإسرائيلية جرت في ظل عدم تفعيل منظومات الصوايخ الروسية من نوع إس 300 وإس 400، التي تصاب بالعمى حين تطلق المقاتلات الإسرائيلية صواريخها على المواقع الإيرانية في سورية.

وإن كانت الحرب التي تشنها إسرائيل ذات طرف واحد مهاجم، هو إسرائيل، وطرف متلق هو نظام الملالي الإيراني وحليفه الأسدي المجرم، فإن المتوقع هو امتدادها إلى خارج الأراضي السورية، ربما إلى لبنان، أو قد تتحول إلى حرب شاملة أو مفتوحة، لكن ما يكبح هذا التوقع هو عدم امتلاك نظام الملالي القدرة عسكرياً على خوض حربٍ مفتوحةٍ ومباشرة مع إسرائيل، وكل التصريحات التي يخرج بها عسكريو نظام الملالي وسياسيوه ويكرّرون فيها الكلام الفارغ عن إبادة إسرائيل ومحوها من الوجود هي للاستهلاك الداخلي الإيراني، الذي يعاني الأمرين من تبعات تدخلات نظام الملالي الإقليمية، وصرفه مليارات الدولارات على التسلح، وعلى المليشيات الطائفية، اللبنانية والعراقية والأفغانية وسواها.

ولعل صمت نظام الملالي الإيراني على الخسائر البشرية التي بات يتلقاها من جراء الهجمات الإسرائيلية، فضلاً عن الخسائر المادية، وعدم قيامه بأي رد يذكر، يفسر عدم قدرته على خوض حرب حقيقية ضد إسرائيل وعدم سعيه إليها، إذ تعوّد هذا النظام على الحروب بالواسطة أو بالوكالة، حيث استخدم على الدوام أذرعه الأخطبوطية المليشياوية في لبنان عن طريق حزب الله وفي سورية عن طريق مليشيات نظام الأسد وسواه من القوى المليشياوية الأخرى، وهو اليوم في حالة ترقب وانتظار 12 مايو/ أيار الجاري، حيث من المرجح أن يقرّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التخلي عن الاتفاق النووي، وسنرى وقتها مدى صدقية تصريحات وتهديدات جنرالات نظام الملالي التي أشبعتنا كلاماً عن أن "صواريخها جاهزة للإطلاق"، وستقوم بـ"استهداف المصالح الحيوية للأعداء في أي مكان"، وما إذا كان الإسرائيليون، بالفعل، محاصرين، ولن يجدوا مكانا يفرّون إليه "سوى رمي أنفسهم في البحر".

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٨
سوريا: السياسة التركية بعد غصن الزيتون

أعلنت رئاسة أركان القوات المسلحة التركية في الرابع والعشرين من شهر آذار/مارس الفائت عن إتمام سيطرتها مع مجموعات الجيش السوري الحر على مدينة عفرين، الأمر الذي عنى قرب النهاية الرسمية لعملية غصن الزيتون التي أطلقتها في كانون الثاني/يناير الفائت.

كان من المتوقع أن تسيطر القوات التركية على البلدات العربية المتبقية في ريف حلب وأهمها تل رفعت ومنغ، لكن ذلك لم يتم حتى نهاية أبريل 2018 حيث يبدو أن أنقرة لا تريد مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام الذي تتواجد قواته فيها. وتريد حل الأمر بالتفاهم مع موسكو، وهو الأمر الذي لم يتم بعد.

عملياً وميدانياً، يمكن القول إن عملية غصن الزيتون قد انتهت أو تكاد، محققة الجزء الأكبر من أهدافها المعلنة، في انتظار الإعلان الرسمي عن ذلك بعد السيطرة على القرى المتبقية أو بدونها، ولعل الإشارة الأهم على هذا الصعيد هو إعلان تبكير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.

تبحث هذه الورقة في أهمية هذه العملية على صعيد المقاربة التركية للقضية السورية ودور أنقرة فيها، وعلى صعيد السياسة الخارجية التركية على حد سواء. وترى أن العملية ثبتت دور أنقرة في سوريا وقوّته، وعمقت التفاهمات بين أنقرة وموسكو، وحسّنت أوراق تركيا في المحادثات مع الولايات المتحدة بخصوص منبج تحديداً، وأضفت حيوية وقدرة على السياسة الخارجية التركية في العموم.


أولاً: السياسة الخارجية مع العدالة والتنمية
ورث العدالة والتنمية في 2002 دولة منكفئة على نفسها، مبتعدة عن عمقها، متوترة مع مجالها الحيوي ودول جوارها، مفتقدة لأدوات التفاعل والتأثير فيها. سارت حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة على عدة أسس في السياسة الخارجية، خاصة تلك المتعلقة بالمنطقة، اتباعاً لتنظيرات مهندس السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، وأهمها:

1: العمق الاستراتيجي.
أدرك داود أوغلو أن تركيا قد أهملت محيطها على نحو واسع على مدى عشرات السنين، ورأى أنها لن تحقق المكانة التي ترجوها لنفسها على الساحة الدولية إلا بتحقيق مكانة وحضور ونفوذ في مجالها الحيوي، وفق ما أسماه نظرية “القوس والسهم” . وقد قسم الرجل المناطق الأهم بالنسبة لبلاده، وكانت الأولوية للمناطق البرية القريبة وهي مناطق الشرق الأوسط (المهمة للدراسة) والبلقان والقوقاز، ثم الأحواض البحرية القريبة أي البحر الأسود وشرق المتوسط والخليج وبحر قزوين، ثم المناطق القارية البعيدة أي أوروبا وشمال إفريقيا وجنوب آسيا ووسط وشرق آسيا .


2: القوة الناعمة:
اعتمدت تركيا القوة الناعمة، متمثلة في التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والفني، أداة رئيسة وشبه حصرية لسياستها الخارجية وتجاه الجوار تحديداً. وهو نهج متناغم مع إرث الجمهورية التركية من حيث تجنبها لاستخدام القوة الخشنة مع جوارها نظرياً وعملياً، ومتناسق مع الخصائص المشتركة بين تركيا ودول الجوار من النواحي الاقتصادية والثقافية والفكرية والتاريخية والجغرافية .


3: تصفير المشاكل:
نظَّر أوغلو بأن أي دولة على خصومة وتوتر مع محيطها ودول جوارها ستبقى مستنزفة وغير فاعلة. وقد أثمرت هذه السياسة نتائج إيجابية مع معظم دول الجوار لتركيا، من سوريا إلى العراق ومن اليونان لأرمينيا ومن إيران لجورجيا .

وهكذا، استطاعت أنقرة أن تمد يد التعاون والعلاقات الطيبة مع مختلف الأطراف، ما منح سياستها الخارجية طابعاً متعدد الأبعاد والمحاور ومنحها مرونة واضحة، وقد كان لافتاً كسبها ثقة محوري العالم العربي في تلك السنوات أي محوري الاعتدال والممانعة، حتى عام 2011. لكن ثورات العالم العربي، التي غيّرت وجه المنطقة، دفعت بتركيا إلى سياسة خارجية أكثر مبادرة ونشاطاً ودعماً للمطالب الشعبية في مختلف الدول العربية، فوجدت نفسها في قلب حالة الاستقطاب العربي، خصوصاً بعد الثورة السورية التي كانت وما زالت التحدي الأكبر لسياستها الخارجية.

بيد أن عام 2015 حمل متغيراً مهماً في السياسة الخارجية التركية مختصراً بشعار “تكثير عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم” الذي رفعته حكومة بن علي يلدرم . حيث عانت تركيا على المدى السنوات السابقة من تراجع قوى الثورات العربية، وفشل سياساتها في إحداث اختراق مهم في الأزمة السورية تحديداً، وعزلتها على الساحة الدولية، والضغوط الخارجية الممارسة عليها خاصة من حلفائها التقليديين في الغرب، والأجندة الداخلية المزدحمة من أحداث “جزي بارك” واتهامات الفساد في 20137 ، إلى الانتخابات البرلمانية في حزيران/يونيو 2015 والتي فقد فيها العدالة والتنمية لأول مرة أغلبيته البرلمانية، إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016، فضلاً عن التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015 وتقدم المشروع السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD ) على حدودها الجنوبية .

 


ثانياً: متغيرات السياسة التركية
حملت مراجعات السياسة الخارجية التركية في تلك السنة المتغيرات الرئيسة التالية:
1: إعادة صياغة منظومة التحالفات الإقليمية لتركيا، بعد الأزمات المتلاحقة مع الدول الغربية تحديداً وبعد فشل الرهان على مصر بعد الانقلاب. وبحثت أنقرة عن شراكات في الإقليم، فعمّقت علاقاتها مع قطر، وحاولت التعاون الوثيق مع المملكة العربية السعودية دون جدوى، ثم اتجهت مؤخراً للتعاون والتنسيق مع كل من روسيا وإيران في سوريا وبدرجة أقل العراق.

2: تدوير زوايا الخلاف مع مختلف الدول والقوى، فكان اتفاق تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال وعودة العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة وتطبيع العلاقات مع روسيا بعد أزمة إسقاط المقاتلة، وغيرها.

3: اعتماد القوة الخشنة مع الناعمة، بعد أن كانت الأخيرة أداة شبه حصرية للسياسة الخارجية التركية لسنوات طويلة. ومن مظاهر ذلك القواعد العسكرية التركية خارج البلاد في كل من العراق وقطر والصومال، ورفع وتيرة التصنيع العسكري والصناعات الدفاعية، والعمليات العسكرية خارج الحدود مثل عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون .



ثالثاً: سوريا في السياسة الخارجية التركية
ثمة محددات عامة صاغت الموقف التركي من ثورات العالم العربي، في مقدمتها دعم مطالب الشعوب والتأكيد على أهمية الاستقرار ومنع التدخل الخارجي إضافة لمفهوم نشر الديمقراطية واستشراف إمكانية تأسيس نظام إقليمي جديد يكون لأنقرة فيه دور بارز ورائد. إلا أن الثورة السورية شكلت تحدياً كبيراً لتركيا بشكل مختلف عن سابقاتها، بسبب الحدود البينية، والمشتركات الدينية والتاريخية والإثنية والثقافية والاجتماعية، ودور سوريا كبوابة برية للتجارة والتواصل مع العالم العربي، فضلاً عن الأقلية التركمانية والملف الكردي في سوريا .

وقد صاغت أنقرة موقفها من مختلف الثورات العربية وفق محددات ثلاثة، هي الأحداث الميدانية في كل ثورة أو بلد، والمقاربة الدولية والإقليمية لها، والعلاقات مع تلك الدولة ونظامها ومنظومة المصالح التركية معه. وبالتوازي مع ذلك، فقد صاغت هذه العوامل الثلاثة الرئيسة، إضافة للعامل التركي الداخلي وعناصر القوة التركية، موقف أنقرة من الثورة السورية، وفق مراحل خمسة متتالية كما يلي:


الأولى: الضغط باتجاه الإصلاح السياسي
وهو موقف أنقرة منذ الأيام الأولى للأحداث، واستمر حتى سحب السفير التركي من سوريا في آذار/مارس 2012 تقريباً بسبب التعامل الأمني مع المظاهرات. وقد شملت هذه الفترة عدة اتصالات هاتفية من إردوغان للأسد وزيارات عديدة لوزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو فضلاً عن إرسال وفد يرأسه رئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان بناء على قرار من مجلس الأمن القومي التركي لعرض خارطة طريق للخروج من الأزمة . كما استضافت أنقرة خلالها مؤتمرين للمعارضة السورية السياسية، أولهما في نيسان/أبريل 2011 والثاني في حزيران/يونيو من العام نفسه، لكنها لم تتجاوز سقف دعم الإصلاحات الدستورية والدعوة إلى التغيير السلمي.


الثانية: المطالبة بإسقاط الأسد ودعم المعارضة
بعد أن ثبتت عدم جدية الأسد بالإصلاح، فضلاً عن فقد تركيا إمكانية الضغط على النظام بعد القطيعة الدبلوماسية الكاملة بينهما إثر سحب السفيرين، إضافة إلى عسكرة الثورة وتقدم فصائل المعارضة ميدانياً في مواجهة النظام. وقد امتدت هذه المرحلة على مدى ثلاث سنوات تقريباً أي حتى قبيل اتفاق فيينا بين كيري ولافروف.

وقد قدمت أنقرة خلال هذه الفترة دعماً متعدد الأبعاد للمعارضة والشعب السوريين، سياسياً وإعلامياً وإغاثياً ولوجستياً، وحتى عسكرياً حسب الكثير من المصادر رغم أنه ليس ثمة إقرار تركي علني وواضح بالأمر.


الثالثة: الرضى بالحل السياسي
حيث قبلت أنقرة لاحقاً بخطة الفترة الانتقالية التي أقرها اتفاق فيينا  بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بما في ذلك جدولها الزمني وسقفها المبدئي، بما يعني أنها تخلت عملياً عن شعار إسقاط الأسد ورضيت ضمنياً  ببقا


الرابعة: التحول لمربع الدفاع
ثمة عوامل عدة دفعت بأنقرة لتراجع في الملف السوري، لكن أهمها كان أزمة إسقاط المقاتلة الروسية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حيث فقدت أنقرة خلالها أي أمل في إحداث إنجاز أو اختراق معتبر في المشهد السوري على صعيد إسقاط النظام أو ترجيح كفة المعارضة، وتراجعت من حالة المبادرة إلى الوضعية الدفاعية لحماية حدودها وأمنها القومي من تطورات الأزمة السورية. وقد برزت مواجهة خطر مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه العسكرية كأولية أولى بالنسبة لأنقرة، الأمر الذي دفعها للتقارب والتفاهم مع موسكو في ظل الدعم الأمريكي المقدم لهذا الحزب ومشروعه في شمال سوريا الذي تقدم في تلك الفترة بشكل ملحوظ.


الخامسة: العودة للمبادرة
فقد أفادت تركيا من تحسن العلاقات مع روسيا ونسجها معها تفاهمات واضحة بخصوص الملف السوري، وقد أثمر ذلك بالنسبة لها إمكانية القيام بعمليتين عسكريتين بالغتي الأهمية بالنسبة لها في مواجهة مشروع الاتحاد الديمقراطي.

فقد منعت عملية “درع الفرات” التي نفذتها تركيا في الشمال السوري بين آب/أغسطس 2016 وآذار/مارس 2017 التواصل الجغرافي بين “الكانتونات” التي يسيطر عليها الحزب في الشرق والغرب ، بينما قضت عملية “غصن الزيتون” التي بدأت في كانون الثاني/يناير 2018 على تواجده في منطقة عفرين شمال غرب سوريا ومنعت وصوله إلى مياه المتوسط .


رابعاً: عملية غصن الزيتون
منذ 2015، تقاربت تركيا الملف السوري وفق الأولويات التالية:
الأول، منع تشكيل دويلة أو “ممر” يحكمه حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، باعتباره خطراً على أمنها القومي من عدة زوايا. حيث يعتبر الحزب الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً انفصالية ضد الدولة التركية منذ 1984، وبالتالي فإن أي أرض يسيطر عليها ستكون منصة محتملة لانطلاق عمليات عسكرية ضد أراضيها، فضلاً عن الارتدادات السلبية على الملف الكردي في تركيا.

الثاني، وحدة الأراضي السورية، بما يعني رفض مشاريع التقسيم والتجزئة والفدرلة لما لها من آثار كارثية على سوريا وتركيا على حد سواء.

الثالث، تأمين وقف إطلاق نار يشمل عموم الأراضي السورية تمهيداً لحل سياسي في إطار مساري جنيف وأستانا المكمّل له وفق الرؤية التركية على الأقل .

إضافة لأوليات اخرى ثانوية ومرتبطة بما سبق، مثل تأمين الحدود عبر مناطق آمنة بعمق 20-30 كلم وضمان عودة جزء من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا لأراضيهم.

وقد دفعت هذه الأولويات، وغيرها من العوامل والدوافع، أنقرة للتفاهم والتعاون مع كل من موسكو وطهران ضمن الإطار الثلاثي الضامن لوقف التصعيد في سوريا وفق قرارات مسار أستانا الذي ترعاه الدول الثلاث. ووفق هذه الأولويات أيضاً جاءت عملية درع الفرات ثم عملية غصن الزيتون مؤخراً.

أطلقت تركيا عملية غصن الزيتون في العشرين من كانون الثاني/يناير الفائت من خلال قواتها المسلحة ومجموعات الجيش السوري الحر المتعاونة معها، ووضعت لها الأهداف التالية:

– تأمين الحدود التركية – السورية.

– إنهاء سيطرة وحدات حماية الشعب على منطقة عفرين.

– مواجهة كافة المنظمات “الإرهابية” مثل حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية – داعش، إضافة لوحدات حماية الشعب.

– منع تسلل المسلحين من عفرين إلى الداخل التركي.

– تأمين عودة بعض اللاجئين والنازحين السوريين إلى المنطقة .


بعد مرحلة تمهيدية تمثلت بانتشار القوات التركية في إدلب وفق اتفاق مناطق خفض التصعيد، مرت والعملية في ثلاث مراحل رئيسة:
الأولى: شملت السيطرة على الجبال والتلال الاستراتيجية في أطراف منطقة عفرين والقريبة من الحدود التركية – السورية، وهو ما تم في الـ 26 من شباط/فبراير بإكمال “الهلال” حول عفرين.

الثانية: إحكام الحصار على مدينة عفرين نفسها، من خلال السيطرة على بلدتي راجو وجندريس الاستراتيجيتين، ثم السيطرة الكاملة على القرى الواقعة شرقاً لقطع التواصل بين عفرين وبين مناطق سيطرة النظام.

الثالثة: السيطرة على قلب مدينة عفرين، الأمر الذي تم في الرابع والعشرين من آذار/مارس المنصرم، ثم السيطرة على باقي القرى والبلدات الصغيرة المتبقية جنوب وشرق المدينة.


باستثناء بعض القرى العربية في ريف حلب، التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب (YPG ) في 2016 والتي ما زالت تخضع لتفاوض تركي – روسي، وفي مقدمتها تل رفعت ومطار منغ، يمكن القول إن العملية حققت معظم أهدافها وبدون عقبات كبيرة للأسباب الرئيسة التالية:
1ـ تنسيق أنقرة السابق على العملية مع موسكو، ومن أبرز دلالاته سحب روسيا شرطتها العسكرية من عفرين مع بدئها ، وعدم اعتراضها على طيران المقاتلات التركية فوق الأجواء السورية.

2ـ مشروعية العملية ووضعها في إطار الدفاع المشروع عن النفس ومواجهة المنظمات “الإرهابية”، وفق المادة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن رقم 1624 (لعام 2005) و2170 (2014) و2178 (2014) .

3ـ توحد الجبهة الداخلية التركية خلف العملية إلى حد بعيد.

4ـ تفوق الجانب التركي عسكرياً بشكل واضح، إضافة لاستقدام القوات الخاصة في جهازي الشرطة والدرك في المرحلتين الثانية والثالثة بما لديهما من خبرة في معارك المناطق المأهولة بالسكان.

5ـ غياب موقف دولي قوي معارض وقادر على إيقاف العملية أو تعقيدها.

6ـ انسحاب وحدات الحماية من عفرين قبل إحكام حصارها، وبالتالي عدم الحاجة لحرب شوارع طويلة الأمد داخل المدينة .


خامساً: الانعكاسات
بلغة الأرقام، “حيّدت العملية 4305 إرهابياً” حتى 1 مايو 201820 ، مقابل سقوط 46 جندياً تركياً وجرح 225 آخرين ، إضافة لسقوط 115 مقاتلاً من الجيش السوري الحر . فضلاً عن السيطرة على 1102 كلم2 وفق آخر التصريحات ، بواقع 242 منطقة منها 203 قرى و39 “نقطة حساسة .

ويمكن القول إن العملية حققت معظم أهدافها، حيث أنهت سيطرة وحدات الحماية على منطقة عفرين ومنعت عناصرها من الوصول للمتوسط والتسلل عبره، كما أمنت الحدود التركية ووسعت مناطق سيطرة الجيش السوري الحر المدعوم تركياً في شمال سوريا ووصلتها بمناطق درع الفرات.


للانتصار الذي حققته القوات التركية في عملية عفرين النتائج والانعكاسات التالية على السياسة الخارجية التركية وخاصة ما يتعلق بالملف السوري:
1ـ تأكيد أنقرة جدية خطوطها الحمر فيما يتعلق بمشروع حزب الاتحاد الديمقراطي.

2ـ تحسين موقفها في الأزمة السورية مع زيادة مساحة نفوذها الميداني، حيث ينعكس ذلك بشكل واضح على طاولة الحل السياسي.

3ـ تعزيز صورتها كدولة حريصة على المدنيين خلال عمليتها العسكرية.

4ـ زيادة ثقتها بنفسها، الأمر الذي انعكس على خطط مستقبلية لما بعد عملية غصن الزيتون، مثل منبج في سوريا وسنجار في العراق.

5ـ تعمّق التفاهمات التركية – الروسية في سوريا، لا سيما مع أزمة العلاقات بين موسكو والدول الغربية ما زاد من حرص الأولى على احتواء أنقرة بعيداً عن واشنطن. مع الإشارة إلى تراجع حدة الحاجة التركية للتفاهم مع روسيا بعد عملية غصن الزيتون، حيث تقع باقي المناطق التي سيطر عليها حزب الاتحاد تحت السيطرة والنفوذ الأمريكيين.

6ـ تعزيز وضعها التفاوضي مع واشنطن بخصوص سوريا وتحديداً ملف دعمها للفصائل الكردية المسلحة، وهو ما نتج عنه تفاهمات تشاوش أوغلو – تيلرسون ، والتي تسعى أنقرة لاستدامتها مع الوزير الجديد مايك بومبيو.

7ـ اعتراف مختلف الأطراف الفاعلة في الملف السوري وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا – صراحة أو ضمناً – بحق تركيا في تأمين حدودها والحفاظ على أمنها.

8ـ زيادة اعتماد تركيا على القوة الخشنة في سياستها الخارجية عموماً وفي الملف السوري على وجه التحديد إلى جانب القوة الناعمة .

9ـ حسم حزب الاتحاد الديمقراطي خياره بالتحالف مع واشنطن وتدهور علاقاته مع روسيا التي رفض مقترحها بتسليم عفرين للنظام .

10ـ باتت أنقرة أكثر قدرة على التفاوض مع مختلف الأطراف، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبشكل أكثر ندية.

وقد تبدت الانعكاسات المباشرة لهذه العملية في سنجار حيث أصرت تركيا على خروج أو إخراج حزب العمال الكردستاني (PKK ) منها وإلا فعلت ذلك بنفسها من خلال عملية عسكرية، وهو ما حصل عبر تأكيدات بغداد على إخراج عناصره منها . كما ما زالت أنقرة تنتظر رداً أمريكياً واضحاً بخصوص بلدة منبج غربي الفرات، وهو المتوقع حدوثه بعد تسلم بومبيو رسمياً منصب وزير الخارجية ولقائه بنظيره التركي في بروكسل .


خاتمة
في المحصلة، تبدو السياسة الخارجية التركية بعد عملية غصن الزيتون أكثر مبادرة وثقة ونشاطاً، وتبدو أنقرة أكثر حضوراً في الملف السوري عبر وجودها عسكرياً على الأرض، وتعاونها مع المعارضة السورية، وتفاهماتها مع موسكو، وحواراتها مع واشنطن، وقبول طهران والنظام ضمناً بذلك، فضلاً عن أهميتها كدولة حدودية وجارة في مرحلة الحل السياسي وما بعده من تنظيم وإعمار.

وهو ما يعني دوراً أكبر لتركيا في القضية السورية، باعتبار أن حقائق الميدان تنعكس بشكل مباشر على موازين القوى على طاولة التفاوض والحل السياسي في مساري جنيف وأستانا المتعثرين حالياً.

لكن ذلك لا يعني أن الدور التركي بلا عوائق أو تحديات، فالملف السوري ما زال معقداً وبعيداً عن الحل النهائي، وتتحكم في مساره القوى العظمى خصوصاً موسكو وواشنطن أكثر من القوى الإقليمية التي من ضمنها أنقرة. وإنما يمكن القول إن تركيا قد حسنت موقفها ودورها تكتيكياً من خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وإن لم تغير استراتيجياً من مسار الأزمة السورية أو مآلاتها.

فما زالت مناطق شرق الفرات، الأهم بالنسبة للفصائل الكردية المسلحة والأخطر على تركيا، محمية بتواجد القوات الأمريكية والفرنسية التي دخلت على الخط مؤخراً، وما زال ثمة خلافات عميقة مع روسيا وطهران على عدد من القضايا المهمة وفي مقدمتها مصير الأسد، وما زال التواجد العسكري التركي على الأرض محتاجاً للغطاء الدولي الذي تؤمنه مواقف موسكو وواشنطن في المقام الأول.

ولذا، يبقى الدور التركي المستقبلي في القضية السورية منوطاً بمدى قدرتها على استثمار العملية وإدارة علاقاتها مع مختلف الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، مع الإشارة إلى صعوبة تجاهل مصالحها وأمنها خاصة بعد عملية غصن الزيتون التي تعتبر نقلة مهمة لها في مقاربتها للقضية السورية .

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٨
خلفياتُ زّج النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في بازار الإنتخابات اللبنانية

لم يكن مُستغرباً زجّ أزمة النزوح السوري في بازار الإنتخابات التشريعية التي يشهدها لبنان في 6 أيار (مايو) الجاري، وربطها بفزاعة توطين اللاجئين الفلسطينيين، واستغلال الهواجس التي تُثيرها لشد العصب الطائفي، بدل العمل على ايجاد حلول لهذه الأزمة. واقع سبق وانسحب على دول أوروبية عدة، وفي طليعتها ألمانيا، حيث لعب حزب «البديل من أجل ألمانيا» على وتر التهويل من «غزو الأجانب». ولكنّ السؤال الذي يُطرح، لماذا هذا التجييش في هذا التوقيت، والى ماذا يُمّهد؟

منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كان التوظيف السياسي لملف النزوح في الانتخابات يسير بوتيرة مقبولة نسبياً، حتى صدور إعلان الرؤساء المشترك الصادر عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في ختام مؤتمر «مستقبل سورية والمنطقة» في بروكسيل في نيسان (أبريل) الماضي. منذ تلك اللحظة ارتفع منسوب التجييش بشكل قياسي، وسط اجماع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الخارجية جبران باسيل على وجود نية لدى المجتمع الدولي للتوطين المقنّع للنازحين.

وبدأت المسألة تحتل حيزاً كبيراً في خطاب بعض المرشحين، بخلاف ما كان عليه الأمر قبل اسبوعين، في نظر الخبير في شؤون اللاجئين في مركز عصام فارس للسياسات العامة في الجامعة الأميركية الدكتور ناصر ياسين.

الإتحاد الاوروبي والأمم المتحدة سارعا الى اصدار بيان ينفي نية المجتمع الدولي توطين النازحين السوريين في لبنان، وتوضيح اللغط بشأن الفقرة 16 في الإعلان، والتي تتعلّق بالنازحين حصراً داخل سورية.

وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أوضح بدوره أنّ «هناك وثيقتين عرضتا في بروكسيل، الأولى تحت عنوان: الشراكة بين الحكومة اللبنانية والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة، وأُخذت كل التعديلات التي أبداها الجانب اللبناني في الاعتبار، لا سيما في مجال عودة النازحين السوريين. والثانية جاءت تحت عنوان: اعلان الرؤساء الصادر عن الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي، بشكل ثنائي»، مُتهماً باسيل بـ «إسقاط ما جاء في الفقرة 16، والتي تتعلّق بالنازحين داخل سورية من الوثيقة الثانية على الداخل اللبناني بشكل خاطئ، وزج هذا الأمر في البازار الانتخابي»، وداعياً إياه الى «عدم استكمال حملته الانتخابية بتسخير ملف إنساني محض من خلال تصريحات تظهر وكأنّ باسيل المُؤتمن الوحيد على مصلحة لبنان وسياده».

ياسين من جهته، لم ير شيئاً مخالفاً في اعلان الرؤساء الصادر عن بروكسيل لأدبيات الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي عمّا سبق. ولكنّ الواضح في نظره أنّ «ما يجري هو تحضير لما بعد الانتخابات التشريعية، ويأتي في سياق التوجه لرسم خطوط جديدة لتعامل الحكومة المقبلة مع ملف النزوح السوري، والعودة تحديداً».

فاللغط في إعلان بروكسل، كان كفيلاً بتوتير الأجواء واللعب على وتر الخوف لدى قسم من اللبنانيين الذين يخشون من نيات مُبيتة للأسرة الدولية بعد فشلها في اعادة اللاجئين الفلسطينيين. هذا فضلاً عن الرواسب القديمة في العلاقات بين لبنان وسورية، والهواجس الديموغرافية، والتنافس على فرص العمل والضغط على الخدمات العامة بين النازحين والمجتمعات المضيفة، ما جعل هذه القضية مادة دسمة لتعبئة الشارع لأهداف سياسية وانتخابية، وهو ما سبق وشهدناه باستغلال المخيمات الفلسطينية وحال البؤس والفقر من أجهزة الاستخبارات والتنظيمات المتطرّفة.

غير أنّ منسّقة لجنة النازحين في «التيار الوطني الحر» ومستشارة باسيل، الدكتورة علا بطرس، ترفض اتهام وزير الخارجية بتوظيف إعلان بروكسيل في الانتخابات. وتلفت إلى أنّ «ملف عودة النازحين سيكون أولوية بعد استحقاق 6 أيار»، وهو ما يتفق مع ما ذهب اليه ياسين.

وتقول بطرس: «الوزير باسيل لم يستغل موضوع بروكسيل سياسياً، بل نسعى في التيار الوطني الحرّ للإضاءة على أخطاره عبر الإعلام. الموضوع الفلسطيني نقّزنا، المجتمع الدولي لم يقم بأي مبادرة حسن نية لتسهيل عودة النازحين. خلافنا مع فريق الرئيس (سعد) الحريري أنّه يريد ان تتولى الأمم المتحدة تنسيق عودتهم. تاريخياً لم تبادر الأمم المتحدة لإعادة لاجئي أي دولة في العالم. الدول نفسها كانت تتخذ قراراً سيادياً للعودة، ومن ثم تساندها مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين بتسهيل ذلك».

وفي وقت يتهم المرعبي باسيل بتعطيل عمل اللجنة الوزارية المختصة بأزمة النزوح، وإقرار السياسة العامة، ومنع تسجيل الولادات الحديثة، ووقف تسجيل النازحين السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية، ترفض بطرس تحميل باسيل المسؤولية، وتشير إلى انّه «بعد الانتخابات سيكون هناك اجراء لجدولة العودة، وهذا سبق ووعد به الرئيس عون في خطاب القسم، وهو يتقاطع مع ما كشف عنه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله منذ ثلاثة أسابيع عن اتفاقه مع التيار الوطني الحر في ما خصّ النزوح والعودة الآمنة».

وتعتبر بطرس أنّ «حجة فريق الرئيس الحريري بعدم دفع النازحين الهاربين من النظام مُجدداً الى حضن الجلاد، ليست دقيقة بناء على مؤشرين، أولهما انتخابات 2014، حين زحف السوريون الى اليرزة للتصويت للرئيس بشار الاسد، والثاني انّ النظام منذ نشأته، سلطوي ولم يتحوّل بين ليلة وضحاها من ديموقراطي الى سلطوي، لنسمح ببقائهم الى حين يرغبون بالعودة».

وعلى رغم إعلان اللجنة الدولية للصليب اﻷحمر، أنّه خلال 2017 هناك خمسة نازحين داخل سورية بمعدل كل دقيقة، تصرّ بطرس على موقف عون بضرورة بدء جدولة عودة النازحين الى المناطق الآمنة حالياً وعدم انتظار تبلور حل سياسي للازمة السورية، مذكّرة بتجربة عودة اهالي بين جن ومزرعة بيت جن الى اراضيهم في ريف دمشق. وتتابع: «إنّ محافظة إدلب التي لا تشكّل سوى 3.29 في المئة من مساحة سورية هي فقط غير آمنة بخلاف بقية المحافظات، وأنّ 80 في المئة من النازحين موجودون في لبنان بدافع اقتصادي، وفق احصاء أعدّته وزارة الشؤون الاجتماعية».

العنصر الفلسطيني حاضر

ولكن اين العنصر الفلسطيني من كل ما يجري؟

يتوارى العنصر الفلسطيني في استحقاق 6 أيار خلف السوري، حسبما يؤكّد مدير مركز «تطوير» الكاتب الفلسطيني هشام دبسي. ولكن عند الحديث عن التوطين يتم شملهما معاً، واضعاً اقتراح باسيل على وكالة «الأونروا» شطب اللاجئين الفلسطينيين الذين يغيبون عن لبنان من سجلاتها، في خانة «رغبته في التخلص من اللاجئ الفلسطيني، ومعتبراً أنّ باسيل لا يرى أي دور فلسطيني ايجابي، وليس مُهتماً بإعلان المصالحة اللبنانية- الفلسطينية ولا بالحقوق الإنسانية للاجئين».

ووسط ذلك، يُسجّل للناشطة الحقوقية السياسيّة والفلسطينيّة اللبنانيّة - كما تعرّف عن نفسها - منال قرطام اعلانها الترشّح عن المقعد الفلسطيني في الدائرة الثالثة الافتراضية في بيروت. دافع قرطام كان الاستفادة من موسم الانتخابات لإعادة تسليط الضوء على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين وضرورة إدراجها في برامج المرشحين.

ويتأسف دبسي لـ «الاستمرار في استغلال موضوع اللاجئين الفلسطينيين الذي لا يزال يتمّ عبر وجهتين، أولهما بالتحريض وشد العصب المحلي برفع الصوت في مواجهة التوطين. وحتى القوى التي انخرطت في مصالحة مع الفلسطينيين مثل القوات والكتائب تستعيد بعض المواقف من تراث الحرب الأهلية، لتأكّد أنّها ضد التوطين وأنّها قاتلت لمنع تحقيقه. هذا الأمر ينسحب على القوى القومية واليسارية والإسلامية، التي تغذي بدورها هذه النزعة»، يوضح دبسي.

أمّا الوجهة الثانية، فتتمثّل بمحاولة «استقطاب المجنسين الفلسطينيين، وعددهم مغر بالنسبة الى بعض القوى السياسية التي تلجأ اليهم في موسم الانتخابات، عندها يشعر الفلسطيني المجنّس بانّه لبناني حتى يوم الانتخاب، ليتمّ بعدها نسيانه»، مُذكّراً بصولات النائب نعمة الله ابي نصر، أشد المحرّضين ضد الفلسطينيين المجنسين.

تجربة مقارنة مع الانتخابات الألمانية

والجدير بالذكر أنّ ما يشهده لبنان من توظيف لملف النازحين، سبق ولمسته في انتخابات البرلمان الألماني (بوندستاغ) في أيلول (سبتمبر) الماضي، حين لعب حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي الذي حاز على 13.5 في المئة، على وتر الخوف من الآخر، واستغل تداعيات قرار المستشارة انجيلا ميركل العام 2015 بفتح الحدود أمام اللاجئين، للترهيب من «غزو الأجانب» البلاد.

غير أنّ هذا الحزب لم يجيّش الشارع الألماني من «رهاب اللاجئين» فقط بل عمل على تغليب نزعة الشعور الوطني، ورفض الاستمرار في الاتحاد الأوروبي، بمعنى أنّه كان يحمل برنامجاً سياسياً، يحاكي تطلعات ناخبيه، هذا من دون اغفال الفارق في تداعيات اللجوء على اقتصاد بحجم ألمانيا بالمقارنة مع بلد مثل لبنان.

وبالعودة الى لبنان، وفي ظلّ «المناخ الانتخابي السائد، لم يتم فقط تجاوز القوانين العامة والاعراف، بل الاخلاق، حيث أصبح الفوز بمقعد نيابي بأي ثمن سواء بالرشوة او بالخطاب العنصري التحريضي ضد اللاجئين والنازحين، بدل التنافس بين من يناصر الحقوق ويسهم في تطوير التشريعات»، حسب دبسي.

بدوره، يأسف ياسين لتعزيز السياسيين الأجواء السلبية ضد النازحين، وانطلاقهم من الحقائق القاسية على الأرض، بدل استنباط حلول للأزمة والتخفيف من آثارها، فيما تؤكّد بطرس أنّ «باسيل ونحن في التيار نريد التوافق، وسنسعى بعد الانتخابات الى التوصل الى قرار لبناني موحّد أمام المجتمع الدولي لجدولة عودة النازحين».

ويبقى الخوف من تحوّل ملف النزوح الى اشتباك سياسي بعد الانتخابات وسط سعي بعض القوى إلى تعويم النظام السوري، مع أمل شبه معدوم بامكاني تشكيل لوبي للضغط، ووضع ملفي النزوح السوري واللجوء الفلسطيني على سكتهما الديبلوماسية الصحيحة بما يضمن سيادة واستقرار لبنان وعودة النازحين واللاجئين الكريمة الى وطنهم. فهل يتفادى سياسيو لبنان تكرار التجربة الفلسطينية ويخرجون بسياسة وطنية موّحدة؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال