على ماذا يراهن ترامب في مواجهة إيران؟
في 8 مايو الحالي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني الذي توصّلت إليه إدارة أوباما مع النظام الإيراني بمشاركة عدد من القوى الدولية. لم يكتف الرئيس الأمريكي بذلك، بل تضمّنت القرار الرئاسي الذي وقّعه إعادة فرض العقوبات التي كان قد تمّ رفعها سابقا بموجب الاتفاق، كما أوصى بفرض عقوبات أخرى قاسية وهدّد الدول التي ستساعد إيران على فرض عقوبات أمريكية عليها هي الأخرى.
لم يكن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مفاجئاً، إذ أن ترامب كان قد حضّر الأرضية لذلك من خلال تصريحاته ومواقفه العلنية السابقة إزاء الاتفاق النووي الإيراني، لكن من غير المعروف حتى الآن عمّا إذا كانت هذه الخطوة مدروسة وتأتي في سياق أوسع أم أنها خطوة عشوائية. البعض فسّر الخطوة على أنها تحضير للحرب مع إيران، لكن القفز إلى هذا الاستنتاج يعوزه الكثير من الدلائل والإثباتات.
الهدف النهائي لترامب على الأرجح هو الدفع باتجاه التفاوض على اتفاق جديد يتلافى الثغرات التي كانت موجودة في الاتفاق القديم ويمنع إيران بشكل نهائي من الطرق المؤدية إلى القنبلة النووية، وليس خوض حرب مع إيران. بالطبع الجانب الإيراني سيرفض التفاوض، وترامب يعلم ذلك تماماً. مخاطباً أحد الصحفيين، قال الرئيس الأمريكي " الإيرانيون سيرفضون التفاوض من جديد، بالطبع سيقولون ذلك، ولو كنت أنا مكانهم لكنت قلت نفس الشيء أيضاً، في الأشهر القليلة الأولى" مضيفا "لكنّ سيتفاوضون، وإلاّ فان شيئا ما سيحصل، ونأمل أن لا تكون هذه هي الحالة".
إذا الحرب ليست الخيار الأوّل على الأقل، إن لم تكن بشكل مطلق وذلك لأنّ ترامب لم يذكرها أصلا. في هذا السياق، يعتقد الجانب الأمريكي أنّ إعادة فرض العقوبات على إيران وإتباعها بعقوبات قاسية سيؤدي في نهاية المطاف إلى الهدف المرجو وهو دفع طهران إلى طاولة المفاوضات. من حيث المبدأ، الإيرانيون لا يرفضون التفاوض عندما يكونوا في موقف صعب أو حرج، لكنّ مشكلتهم الآن أنّهم سيبدون في موقف ضعيف إن هم ذهبوا مباشرة إلى التفاوض مع ترامب.
أمّا مشكلتهم الثانية فهي أنّ الوضع الاقتصادي الإيراني في حالة حرجة، ولذلك فإن إعادة فرض العقوبات في هذا التوقيت بالذات سيتسبب لهم بالمزيد من المشاكل الداخلية، ولعل هذا ما يراهن عليه ترامب في حال عدم قدومهم إلى طاولة المفاوضات.
ولأنّ الوقت مهم جداً في هذه المعادلة، فان الجانب الإسرائيلي قام بهجوم استباقي على إيران في سوريا لتحذيرها من مغبّة محاولة استخدام أذرعها الإقليمية لكسب الوقت أو لمراكمة الأوراق قبل التفاوض من جديد، وبهذا تكون إيران قد دخلت في موقف حرج وخطر للغاية. سيظل بإمكان إيران بالبط استخدام أذرعها الإقليمية بطريقة أو بأخرى لكن الثمن سيكون مرتفعاً، كما انّهم لا يعرفون الكيفية التي سيرد بها ترامب وذلك لأّنه شخص غير مستقر ولا يمكن التنبؤ بتحرّكاتها كما كان عليه الأمر إبّان إدارة الرئيس أوباما.
هناك فسحة من الوقت تبلغ بضعة أسابيع وقد تمتد إلى ثلاثة أو ستّة أشهر قبل أن يتم بعدها إعادة فرض جميع العقوبات القوّية على ايران بشكل كامل، وحينها فقط يمكن القول بأنّ مفاعيل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي قد بدأت بالعمل وسنرى إذا ما كانت إيران تريد التفاوض بالفعل أم أنها تحضّر للحرب.