محتل ضد محتل في سوريا!
لمعرفة حجم المأساة التي تسبب فيها نظام بشار الأسد لبلاده يجب التمعن بدقة في المشهد الأخير الذي حصل بين القوات الإيرانية وإسرائيل على الأراضي السورية.
إسرائيل تحتل هضبة الجولان «السورية» وتستخدمها لإطلاق الصواريخ على الأراضي السورية، ومن ناحية أخرى هناك جيش إيراني غاشم يحتل أراضي سورية بأكملها ولديه أكثر من عشر قواعد عسكرية، ووجود عسكري يزيد على العشرة آلاف مقاتل، بالإضافة لآلاف آخرين من المرتزقة والميليشيات الطائفية الإرهابية المحسوبة عليه مثل حزب الله، وهو نفس النظام الذي كان يفتخر بأنه «يحتل» دمشق بالإضافة لبغداد وبيروت وصنعاء. وأصبح المشهد الحزين المؤلم «محتل» يقاتله «محتل» من وعلى أراضٍ سورية ساهم في خسارة الأراضي نظام «محتل» لشبعه.
هذه هي حقيقة المشهد وتوصيفه الصريح بعيداً عن ترديد الشعارات الثورية القومية ولا غيرها. إسرائيل محتلة وكذلك إيران ومن المهم جداً أن يتم التعامل معهما بنفس النظرة وبذات المكيال. سوريا يحكمها نظام تعود على تسليم زمام الأمور في شكل الاحتلال المستمر سواء في شكل إسرائيل أو الاحتلال الجديد في شكل إيران أو التحكم الكامل في شكل روسيا. ما حصل في المشهد الأخير في سوريا من اشتباكات صاروخية بين إسرائيل وميليشيات إيرانية هو دليل جديد على فقدان النظام السوري لأي شرعية واحترام ومصداقية وجدارة، وأن كل جبروته وتسلطه دوماً ما يكون بحق شعبه الأعزل في المقام الأول.
قاسم سليماني الإرهابي المعروف الذي يقود فرقة الحرس الثوري الإيراني الذراع الميليشياوية الإرهابية لنظام إيران هو الآمر الناهي على القوات الموجودة لمساندة نظام بشار الأسد، ولديه سلطة مطلقة على عدد كبير من المطارات والقواعد العسكرية يقوم منها بالعمليات الإرهابية وفيها يقوم بتخزين أجهزته وأسلحته وعتاده العسكري، تنقل إليها أسلحة تقليدية وكيماوية تستخدم ضد الشعب السوري وتهديد الجيران بها. لا قيمة هنا للقرار الرئاسي من بشار الأسد ولا من أجهزة مخابراته ولا من الجيش المحسوب عليه.
سوريا انحدرت سياسياً لمستويات مخيفة ولأجل الحفاظ على نظام الطائفة العائلي تم التضحية بالسيادة والعروبة والأخوة، كلها تحولت إلى شعارات قابلة للبيع وقابلة للسخرية وقابلة للخلاص منها. وبقدر ما كان المشهد الأخير أليماً بأن يكون المعتدي والمعتدى عليه أطرافاً محتلة للأراضي السورية، إلا أنها نتائج طبيعية لوضع خاطئ في ظل نظام مجرم فرط في كرامة الأرض وسيادة الشعب، وبالتالي وصلت الأمور إلى ما آلت إليه اليوم. بعيداً عن كل شعار عاطفي يؤجج المشاعر، سوريا لا يعتدى عليها من إسرائيل «فقط»، سوريا تم تسليمها بالكامل لنظام عمل لأكثر من أربعة عقود على فصل سوريا عن محيطها العربي وعلى معاداة جيرانها بشتى الطرق والأساليب وعلى «احتلالها» من الداخل بشكل شمولي كامل.
نظام مسخ، مدعي عروبة ولكنه فارسي الهوى، مدعي العلمانية ولكنه طائفي الهدف. هذا المشهد الاقتتالي بين إسرائيل وإيران هو ترجمة ونتيجة طبيعية وواقعية لماضٍ مرير وواقع وحاضر أليم لا بد من مواجهته والاعتراف بوجوده والتعامل معه كما هو، ولا نجعل الشعارات الجوفاء تعمي الأعين وتصم الآذان وتغيب العقول لتسلب منا الحقيقة.
بعيدا عن عويل الثورجية والقومجية وجب الاعتراف بأن مواجهة المحتل ضد المحتل سببها نظام مختل. نقطة على السطر. فخار يكسر بعضه كما يقول المثل الشامي العتيق.