مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٨ نوفمبر ٢٠١٤
هيك بدو المعلم!

تطور الأحداث في منطقتي العراق وسوريا التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» الإرهابي، يخدم مصالح نظام بشار الأسد المجرم.. هكذا هي الأمور بكل بساطة. الشعب السوري الذي يسعى بقوة للخلاص من نظام جائر مجنون يقتل وينكل فيه لعقود من الزمن، مصاب بالأسى والصدمة جراء الازدواجية والكذب من قبل النظام العالمي في التعامل مع نظام بشار الأسد، وتحويله القضية إلى مواجهة الإرهاب والتصدي لإرهاب «داعش» و«النصرة»، متغافلين إرهاب نظام بشار الأسد وإرهاب المجموعات والتنظيمات والميليشيات الإرهابية التي تسانده من أمثال: «حزب الله»، و«فيلق بدر»، و«كتائب أبو الفضل العباس»، وغيرها.
الأرقام تتحدث بفظاعة شديدة عن وضع دموي مأساوي، بينما يركز العالم على «داعش» وجرائمها المقززة. بشار الأسد يواصل مجازره ويزيد من وحشية هجماته على مناطق مختلفة من المدن والريف السوري، ففي آخر 10 أيام من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قامت قوات بشار الأسد بأكثر من 850 هجمة جوية بما فيها قذائف البراميل المفخخة، وقام النظام كذلك بالهجوم على مخيم للاجئين في ضواحي مدينة إدلب.
في الشهر الماضي قامت قوات الأسد بقتل 6 من الصحافيين السوريين مقابل صحافي واحد قتل على أيدي جماعة «داعش» الإرهابية. عاد نظام بشار الأسد المجرم لاستخدام الغازات الكيماوية على شعبه رغم «إعلانه» المشكوك في وقته أنه سلم كافة ترسانة أسلحته الكيماوية للمنظمات الدولية المعنية. هناك قناعة متولدة لدى السوريين أن المجتمع الدولي «قرر الإبقاء» على بشار الأسد، وأن إسرائيل ضغطت بقوة عبر قنواتها في أروقة صناعة القرار في واشنطن وموسكو؛ حيث لديها التأثير المعروف والكبير بأن يكون التوجه في المعركة القائمة على الأرض السورية هو القضاء على الإرهاب، وتحديدا بعض الإرهاب، لأن الإرهاب «الآخر» لا يشكل خطرا للمصالح الأميركية ولا المصالح الإسرائيلية، فحزب الله «انتهى» تماما كأي فصيل مقاوم بعد أن تعرى وسقطت ورقة التوت، وفقد كل المصداقية وكل الشرعية التي كان يروج لها على أنه يقاوم إسرائيل لأجل تحرير الأراضي المحتلة، وتحول إلى ميليشيات إرهابية وبندقية للإيجار ومرتزقة يقاتلون لحماية قتلة، ونظام بشار الأسد لم ولن يقاتل لتحرير الجولان المحتل، فهذه مسألة محسومة تماما في الفكر السياسي العسكري الإسرائيلي، وهو الذي مكن إسرائيل من عمل إجراءات «ضم» الجولان منذ زمن، لعلمه أن نظام الأسد لن يقاتل للتحرير، وإيران باتت علاقاتها مع المعسكر الغربي في العلن، والتنسيق والتعاون باتا مسألة لا يمكن إخفاؤها، وبالتالي، فإن الحديث عن كون الغرب شيطانا أكبر أو أصغر هي مسألة مضحكة وسخيفة، و«علاك مصدي»، كما يقولون بالعامية السورية.
فعليا، هذه الضربات التي تركز على فصيل إرهابي واحد، وهو «داعش»، وتتناسى إرهاب الأسد والعصابات الداعمة له، مثل ميليشيات تنظيم «حزب الله» الإرهابي، ستجعل من سوريا خريطة جديدة جدا ومؤلمة جدا، فهي ستمكن «داعش» من السيطرة على شرق سوريا، وستمكن «جبهة النصرة» من الجهة الشمالية الغربية، وأيضا ستمكن نظام بشار الأسد من السيطرة على الغرب، والـ3 نظريا هم أعداء الولايات المتحدة، وهذه لا يمكن أن تكون نتيجة نهائية. ظاهريا من الممكن أن يقبل بها الناخب الأميركي على أقل تقدير، وطبعا لا يمكن أن يقنع لها الثوار السوريون أبدا.
التطورات الأخيرة تصب تماما في مصلحة بقاء نظام بشار الأسد، وكأنه جلب تلك الأحداث بالتفصيل، وهذه النوعية من الأحداث هي التي تغذي رسوخ «نظرية المؤامرة» في العالم العربي.

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٤
هل يتفكك التحالف الدولي قبل انهيار «داعش»؟

بدأت الولايات المتحدة الأميركية غاراتها على «داعش» في العاشر من أغسطس (آب) الماضي بقصف محيط سد الموصل، الآن بعد شهرين تقريبا يبدو أن التنظيم الإرهابي لم يترنح، في حين بدأت معالم الترنح تظهر على «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب»، انطلاقا مما يجري من خلاف في وجهات النظر وراء كواليس الإدارة الأميركية حيال الاستراتيجية التي يفترض اتّباعها لضرب «داعش».
تجمع تعليقات الصحف الأميركية على أن سيطرة الجمهوريين على الأغلبية في الكونغرس كانت نتيجة التعثّر وعدم وضوح سياسات البيت الأبيض خصوصا في حربه على الإرهاب، وليس خافيا أن الرئيس باراك أوباما يتعرّض منذ مدة طويلة إلى انتقادات متصاعدة نتيجة تعامله مع الأزمة السورية، والآن بسبب البطء في العمليات ضد الإرهابيين وعدم التركيز على مواقعهم الأساسية في سوريا خصوصا في الرقة والحسكة!
صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت تقريرا قبل أيام يقول إن أوباما يتّجه إلى إقالة بعض وزرائه، وفي مقدمهم جون كيري وتشاك هيغل، على خلفية الانتقادات المتصاعدة التي توجّه إلى سياسة البيت الأبيض في إدارة الحرب على الإرهاب، وجاء ذلك بعدما كشفت مصادر وزارة الدفاع أن هيغل أرسل مذكرة سرية إلى مستشارة الأمن سوزان رايس ينتقد فيها سياسة بلاده حيال سوريا.
لم تكن مذكرة هيغل سوى صوت جديد يرتفع داخل «غابة الإدارة الأميركية»، معربا عن القلق من «استراتيجية واشنطن الشاملة» في سوريا، داعيا إلى «انتهاج رؤية أكثر وضوحا بشأن ما يجب القيام به حيال نظام بشار الأسد»، وهو ما اعتبره المحللون تحذيرا من أن سياسة أوباما في خطر بسبب فشلها في توضيح نياتها حيال الأسد، خصوصا في ظل عدم الجدية الكافية في العمل لإعادة ترتيب صفوف المعارضة المعتدلة التي يفترض أن تملأ الفراغ بعد سقوط «داعش».
جون كيري كان قد سبق هيغل في توجيه انتقادات ضمنية إلى سياسة أوباما منذ تراجعه عن التهديد بتوجيه ضربة إلى النظام السوري ردا على استعمال الأسلحة الكيماوية في الغوطتين، وهو ما وضع وزير الخارجية في موقف حرج أمام ندّه الروسي سيرغي لافروف الذي حمى الأسد عبر اتفاق تسليم سلاحه الكيماوية.
«نيويورك تايمز» تقول إن كيري، الذي حصد مسلسلا من الفشل الفاضح في ملفات سوريا وفلسطين وأوكرانيا، يرى أن السبب هو عدم وضوح الاستراتيجية السياسية في روزنامة أوباما، وعلى هذا الأساس بدا أكثر فأكثر طائرا مغرّدا خارج السرب البيضاوي ومتخذا خطا هجوميا في خلال النقاشات الداخلية، وبدت تصريحاته في الخارج متناقضة مع مواقف البيت الأبيض، بينما فضل هيغل الميل إلى الصمت امتعاضا، تاركا إدارة الأمور إلى رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي.
على هذه الخلفية تقول تقارير دبلوماسية واردة من واشنطن إن هناك وجهتي نظر تتجاذبان الإدارة الأميركية، واحدة يمثلها أوباما والبنتاغون الذي طالما عارض الانخراط في أي حرب خارجية، وهو ما وفّر الفرص أمام النظام السوري للمضي في المذابح التي سينبثق منها الإرهابيون، والثانية يمثلها السياسيون في الإدارة وتتبنى نهجا يميل إلى اتّباع سياسة أكثر حزما تحفظ هيبة أميركا ودورها.
وإذا كان هيغل يبرر انتقاداته لإدارة أوباما بالقول «إن مستقبل الحكم في سوريا يجب أن يكون في صميم التحركات الأميركية التي تركّز الآن على ضربات جوية ضد الإرهابيين»، في إشارة واضحة إلى ضرورة التركيز على البدائل من الأسد ونظامه، فإن هناك أصواتا كثيرة في الداخل والخارج توجّه الانتقادات إلى هذه الإدارة لأنها تنظر إلى الأزمة السورية من زاوية حصرية مركّزة على التهديد الذي يشكله «داعش»، ومتعامية عن ضرورة التصدي لهجمات قوات الأسد وحلفائه الإيرانيين التي تقوّض المعارضين المعتدلين الذين ستحتاجهم واشنطن في النهاية لملء الفراغ.
يوم الثلاثاء الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالا لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، حذّر فيه من التخلي عن مدينة حلب معقل المعارضة المعتدلة، وبدا الكلام موجها تحديدا إلى البيت الأبيض خصوصا في الإشارة إلى أن «هناك وجهين لبربرية واحدة هما وجه النظام ووجه (داعش)، اللذين يلتقيان في إدارة شركة واحدة هي القضاء على المعارضة المعتدلة».
صحيح أن كلام فابيوس يأتي بعد زيارة رجب طيب إردوغان إلى باريس، الذي يرفض الدخول في التحالف الدولي ما لم يضمن العمل لإسقاط الأسد الذي يعتبره مسؤولا عن استيلاد الإرهاب عبر المذابح والفظائع، لكن وزير الخارجية الفرنسي يحذّر من أن التخلي عن حلب بعد سقوط إدلب في يد الإرهابيين سيؤدي إلى تجزئة سوريا قطاعات فوضى دموية في أيدي أمراء الحرب، بما يهدد الأردن ولبنان والعراق، ويشرّع الأبواب أمام التقسيم العابر للحدود!
في موازاة كل هذه الانتقادات الداخلية والخارجية لسياسة أوباما، تبرز مؤشرات متلاحقة توحي بأن هناك اتجاها ضمنيا في واشنطن إلى عدم التركيز على ترميم المعارضة السورية المعتدلة وتقويتها لتكون بديلا من النظام.
والدليل أن واشنطن التي نفذت 26 غارة على الإرهابيين في كوباني خلال الأيام العشرة الأخيرة، لم تعلق أو تتوقف للحظة أمام 456 غارة بالبراميل المتفجرة والصواريخ نفذها النظام السوري ضد المعارضة المعتدلة من إدلب إلى ضواحي دمشق، وهو ما ساعد «جبهة النصرة» في السيطرة على منطقة إدلب الحيوية بما بات يشكّل تهديدا داهما لحلب ثاني أكبر المدن السورية.
وفي حين يحاول المبعوث الثالث بعد كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، أي ستيفان دي ميستورا، البحث عن مخارج لاستئناف مؤتمر جنيف من دون أي ضمان لإنهاء نظام الأسد، فاجأت واشنطن المراقبين عندما قررت أن توقف تمويل «هيئة العدالة والمحاسبة الدولية» لتوثيق جرائم الأسد، وهو ما دفع البعض إلى طرح تساؤلات عدة منها:
هل يكون الإسقاط النهائي للمعارضة المعتدلة المدخل الضروري إلى ما وصفه فابيوس بأنه بداية لتقسيم سوريا، بحيث يصبح شمال سوريا دولة العلويين وجنوبها صومالا سوريا متناحرا، بما يسمح بإعادة رسم الخرائط مستقبلا بحيث يمكن إنهاء القضية الفلسطينية عبر توطين الفلسطينيين في جزء من سوريا والأردن؟ وهل المطلوب إبقاء سوريا مصيدة للجميع، أي حلبة حرب مذهبية مديدة بين السنة والشيعة تنتهك إيران وتستنزف العرب؟
وأمام كل هذه الاحتمالات يطرح السؤال: هل يتهاوى التحالف الدولي قبل أن يتهاوى «داعش» لأن روزنامة أوباما للحرب قد تتناقض مع أهداف أعضائه الخليجيين والأوروبيين، أي محاربة الإرهاب الذي يشوه الإسلام، وإنهاء الأزمة السورية بإسقاط الأسد؟  

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٤
عن "بلدنا الرهيب"

غصت قاعة معهد العالم العربي في باريس، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بجمهور غفير لم يعقه مطر باريس الغزير، عن حضور الفيلم الوثائقي للمخرج السوري، محمد علي الأتاسي، (بلدنا الرهيب)، والذي يجسد تجربة المثقف المناضل، ياسين الحاج صالح، وزوجته سميرة الخليل، التي خطفتها جماعة مُتطرفة، منذ أكثر من عام مع الناشطة رزان زيتونة وزوجها. وأشير هنا إلى أن بعض الحضور لم يتمكنوا من متابعة الفيلم لقسوته، لأننا سورية بلد رهيب فعلاً. لن أتحدث عن الجانب السياسي للفيلم، على الرغم من أن ياسين الحاج صالح اعتقل، وهو في العشرين من عمره وطالب في السنة الثالثة في كلية الطب البشري، ستة عشر عاماً، وكتب تجربته في كتاب أصدرته دار الساقي "ستة عشر عاماً في السجون السورية".

اعتدنا على أنباء الاعتقال والسير الذاتية للمعتقلين، إلى درجة صرنا نشعر معها بأن الاعتقال في سورية لا بد منه، ومألوف مثل الخبز اليومي. ولن أتطرق إلى مشاهد الدمار المروعة في دوما والغوطة، وإلى العدسة العبقرية، التي أدمت قلوبنا، وهي تسلط الضوء على جزء مهترئ من ستارة خضراء، قاومت، ولم تحترق لتشهد على بشر كانوا يسكنون في منزل تحول إلى أنقاض، وإلى أبنية تكسرت جدرانها وسقوفها، وبدت مثل قطع البسكويت، يفتتها ويكسرها بأصابعه طفل صغير. لم تُقصر الفضائيات في تصوير مشاهد الدمار المروعة في سورية، لكن تلك التفاصيل الصغيرة، والتي تبدو، للوهلة الأولى، تافهة ولا تعلق في الذهن، مثل جزء من ثريا تفحمت، أو رأس دمية محترقة الشعر، كانت لطفلةٍ آمنةٍ، تلعب بها قبل أن تفر من قدرها الأسود، هاربة من البلد الرهيب، تذرع الآفاق سدى مع أهلها، وربما تكون قد ماتت وقُطع رأسها، مثل دميتها، أو تكون بائسة في خيمة نزوح، مشاهد الدمار الفظيعة في دوما والغوطة، وما يرافقه من كلام لياسين الحاج صالح، وزوجته سميرة، كما لو أنهما يعيشان حياتهما الطبيعية، متجاهلين وجود كاميرا ترصدهما، كل تلك المشاهد التي جعلتنا نتابع الفيلم، وأنفاسنا مخطوفة، والفزع يُطبق علينا، كأنه مصر إلى أن يدفعنا إلى الجنون، لأننا نعي، في كل لقطة، وكل عبارةٍ يقولها ياسين، أية حياة رهيبة نعيش، وأي خوف يُكبلنا، وأي عذاب ينهشنا، وأي دمار مادي ونفسي يلحق بنا. الفيلم ليس سوى إنعاش لذاكرتنا التي خدرتها المصائب المتلاحقة، وأعماها الخوف. إنه أشبه بجرعة فيتامين قوية، تهزنا من جذور أعصابنا لتضعنا أمام مرآة الحقيقة.
"
نعي، في كل لقطة، وكل عبارةٍ يقولها ياسين، أية حياة رهيبة نعيش، وأي خوف يُكبلنا

"

تحضر في فيلم (بلدنا الرهيب) قوة الإنسان، التي جسدها ياسين الحاج صالح، إلى درجة تساءلت مع حاضرين كثيرين، كيف لا يزال يملك القدرة على المشي، وعلى حلق ذقنه بأناقة، كما شاهدنا في الفيلم، وعلى الكتابة، وعلى تبني مجموعة من الشبان في عمر أولاده، ليدعمهم ويؤازرهم، لكيلا يسقطوا في لجة اليأس، ولا ينحرفوا إلى العنف والإجرام والانتقامات. ياسين نموذج للإنسان السوري، الذي لم ينهر بعد سجنه ستة عشر عاماً، بل خرج من السجن مثقفاً من طراز رفيع، ومتحرراً من الأحقاد ومؤمناً، أكثر فأكثر، بقضيته الإنسانية العادلة: الحرية والكرامة والعدالة للسوريين. أكمل دراسته الطب، على الرغم من انقطاعه عنها ستة عشر عاماً، لكنه نذر نفسه للكتابة وللعمل السياسي، لأنه يعشق وطنه. لكن، يبدو أن القدر يهوى تحدي الأشخاص الأقوياء والمميزين، فبعد أن قرر، وزوجته المناضلة سميرة، أن يعيشا في دوما والغوطة، وأن يساعدا الناس المنكوبين، خُطف اثنان من إخوته في الرقة، التي تسيطر عليها داعش، فما كان منه إلا أن لجأ إلى الرقة، المدينة التي ولد وعاش فيها، عساه يصل إلى طرف الخيط، ويعرف مصير إخوته، وعاش تلك الأسابيع في الرقة مُتخفياً، وهو يتأمل الوحوش المتعددة، التي تنهش في جسد وطن مُستباح اسمه سورية.

في تلك الفترة، خطفت زوجته سميرة جماعاتٌ متطرفة في الغوطة، وخُطفت معها رزان زيتونة وزوجها. كيف يمكن لإنسان أن يتحمل كل تلك المصائب، ولا ينهار، ولا يفقد عقله. اضطر إلى اللجوء إلى المنفى، لأنه لم يعد قادراً على أن يقدم أي شيء، في بلد الجنون والموت والدمار، سورية، واستمر في نضاله الأساسي، الذي يسميه النضال الثقافي، لأنه مؤمن أن الجهل والتخلف لعبا دوراً رئيسياً، في وصولنا إلى ما نحن عليه. أكثر ما أعجبني في كلام ياسين إيمانه بدور الثقافة، وبضرورة تغيير العقلية المتعفنة الأشبه بالبحيرة الآسنة. ياسين الحاج صالح مُحصن ضد الانهيار، يلعب لعبة ليّ الذراع مع القدر، لن ينهزم، طالما لا يزال نبض في عروقه، يؤمن بالحرية والكرامة، ومن يؤمن بالحرية يعرف أن لا قيمة لعيش يشبه عيش دجاجات في قفص، بل تسهل التضحية بالحياة من أجل القيمة التي وجدنا لنعيشها: الحرية.

كان ياسين في الفيلم مرآة كل سوري وسورية، فكلنا في مهب الجنون العاصف والشياطين، التي تستبيح البلاد والعباد، وتحول سورية إلى بلد رهيب. وأكرر معه ما قاله في الفيلم إن الجميع، كل دول العالم تريدنا أن نبقى في الظلام، ظلام العقل والجهل. وما من سبيل للنجاة من هول ما نعيشه سوى بالثقافة وتنوير العقل. تحية إلى ياسين الحاج صالح، الذي أبدع في رغبته في الحياة والحرية في قلبه، وهو المؤمن، حتى النخاع، بأن لا قيمة لعيش إلا بالكرامة والحرية، ولأنه عاشق لسورية التي لا يريدها رهيبة.

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٤
عن الفصل بين إيران و «داعش»

ما أن أنجز التمديد للبرلمان اللبناني، بعد مناورات سياسية وهرطقات دستورية وقانونية وألاعيب إعلامية، سواء من مؤيدي الخطوة أم من معارضيها، في تبرير هذه الخطوة أو في رفضها، قفز إلى الواجهة السؤال عما إذا كان ثمن تأجيل استحقاق الانتخابات النيابية الذي لم يكن أي من الفرقاء يريده، هو إنجاز استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية المتأخر زهاء 6 أشهر.

فما يشهده لبنان هو انعكاس لما تقع فيه المنطقة من فوضى وحروب وتطاحن مذهبي... وانعدام السلطة المركزية في أي من الدول المحيطة به، بالتزامن مع صراع دولي على النفوذ يزيد من صعوبة ترجيح أي مرجعية دولية لأي حلول.

فمنذ أن حل الشغور في الرئاسة اللبنانية لم يكن الأمر مجرد تنافس بين قوى مسيحية على المركز الأول في السلطة، على رغم أن لهذا العامل دوره في ما آلت إليه الرئاسة اللبنانية من فراغ وتعطيل. لكنه عامل يبقى الأقل أهمية مقارنة بحاجة فرقاء إقليميين إلى تعليق تكوين السلطة في لبنان، بالتناغم مع التنازع على السلطة في سورية، تماماً مثلما هي الحال في العراق واليمن باعتبارها الدول التي للنفوذ الإيراني فيها دور في هذا التنازع. هذا فضلاً عن أنها الدول، مضافاً إليها لبنان، التي تعتبر ساحة واحدة تتداخل فيها وبينها عوامل الصراع في المنطقة. وهي كانت كذلك وفق الحاجة الإيرانية، قبل أن يظهر تنظيم «داعش»، ويوحد «ساحة» العراق وسورية وبات يسعى إلى توحيد لبنان معها في ساحة واحدة، وفق منطق «الدولة الإسلامية»، كما أثبتت المواجهات التي دارت بينه (ومعه «جبهة النصرة») وبين الجيش اللبناني في عرسال وفي طرابلس، وبينهما المواجهة التي دارت في بريتال على سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية مع «حزب الله» الشهر الماضي.

هل آن أوان إعادة تركيب السلطة في لبنان على رغم بقاء السلطة معلقة في سورية وهل انتفت الحاجة للإمساك بورقة اكتمال السلطة في لبنان، وربطها بالتسليم بسلطة بشار الأسد والنفوذ الإيراني عليها في سورية؟

المراهنة على جواب إيجابي تبدو مغامرة أو مراهنة خاضعة لاحتمالات الفشل. وبصيص الأمل الوحيد قد يعود إلى أن توحيد لبنان وسورية في إطار الساحة الواحدة الممتدة من العراق إلى ضفاف المتوسط، لم يعد ورقة في يد إيران (و»حزب الله») وحدها، بل أن الخصم الجديد الذي ساهمت الاستراتيجية الإيرانية في تعاظمه جراء تركيزها خلال السنوات الثلاث الماضية على شيطنة الثورة السورية ضد استبداد نظام بشار الأسد (بإلباسها ثوب الإرهاب) بات هو أيضاً يسعى إلى توحيد الساحات وضم لبنان إليها، وبات شريكها وخصمها في الساحة الواحدة، ويستخدم تكتيكها وأساليبها في الحروب، لتفتيت السلطة المركزية واقتطاع مناطق النفوذ.

وتحويل بصيص الأمل هذا إلى واقع فعلي يقود إلى إعادة تكوين السلطة المركزية في لبنان بانتخاب رئيس الجمهورية، يقتضي أن يتجاوب «حزب الله» وإيران مع دعوة شريك آخر، عمدا إلى تجاهله واستضعافه واستبعاده على مدى السنوات الثلاث. فما دعا إليه زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري هو بكل وضوح، فصل الساحة اللبنانية عن الساحة السورية، بالمفهوم الذي سعى فيه تنظيم «داعش» إلى توحيدهما، عبر معارك عرسال وبريتال وطرابلس، مثلما سبق له (الحريري) أن دعا إلى الفصل بينهما بالمطالبة بانسحاب «حزب الله» من سورية. وخلاصة موقف الحريري هي إعطاء الأولوية لفصل لبنان عن سورية للحد من مخاطر توحيدهما بمنطق «داعش»، طالما يتعذر فصلهما عن طريق انسحاب الحزب من سورية. وقد يكون الحريري استجاب بطريقة غير مباشرة للمنطق الذي أطلقه الحزب عند إعلانه الانخراط في الحرب هناك بمقولة «فلنتقاتل في سورية ونحيّد لبنان».

إلا أن فصل الساحتين يتطلب قيام السلطة المركزية في لبنان واكتمالها بانتخاب رئيس، كي تتمكن من إدارة الساحة المستقلة عن الساحة السورية. فماذا يفيد إيران إلحاق لبنان بالسلطة المجتزأة لها وللاسد على دمشق وحمص المدمرة، وبعض ريف دمشق والقلمون وحلب، والتي يسعى الاسد إلى استرجاعها بينما سائر سورية موزعة بين «داعش» وفصائل المعارضة، إذا كانت السلطة في لبنان مجتزأة بلا رئيس ومشوهة ببرلمان ممدد له وحكومة يحكمها الشلل؟

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٤
رعاية التوحّش الإيراني

تعدد الحسابات وضبابية الرؤية وعدم وضوح الاستراتيجية الأميركية، تفرغ التحالف، الذي تقوده واشنطن، من أية فعالية ممكنة، بل وتحوّله إلى محفّز نشط يعمل على تغذية حالة الصراع، بعد أن ساهم في ولادة دينامية تدميرية مزدهرة، على وقع أخطائه الكبيرة وديناميكية ستطوي المنطقة بكاملها، وتسافر بها إلى طريق للخراب لا عودة منه.

تتحول المنطقة بكاملها إلى ملعب كبير للفوضى، وتتجذر فيها حرب دينية إثنية، لا يظهر لها نهاية في الأفق القريب، وعلى وقعها تتكشف حقيقة الدور الأميركي، وهي ليست على ما اعتقد محللون كثيرون، نمطاً من إدارة الصراع بين قوى مختلفة، تقف واشنطن على مسافة واحدة منها، تكتيكاً يؤدي، في النهاية، إلى ولادة تسويات سياسية متوازنة ترسّم علاقات مستقبلية على أسس جديدة ومختلفة، وفق قاعدة (لا غالب ولا مغلوب)، التي روّجها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عشية الموافقة على الإنخراط في أزمة المنطقة، بل هي نمط رعاية توحش إيران ونظام الأسد وعصائب الحق، وتنمية الوحش الداعشي بصورة مذهلة، وأسلوب يشرعن التوحش، سواء في الجهة، التي تعتقد أنها والأميركي في الخندق نفسه، أو في الجهة المتضررة من السلوك الأميركي.

ثمة دلائل كثيرة، يمكن وضعها في سلة الشكوك من هذه الإدارة للصراع المحتدم، فمجرد بدء نشاط الجهد الحربي الأميركي على الجغرافية السورية مع استمرار النظام في العمل، بكل أدواته القتالية وأساليبه الحربية، يثير تساؤلاً عن طبيعة الجذر، الذي تنطلق منه المقاربة الأميركية للوضع في سورية: هل هي حرب على الإرهاب بغض النظر عن جغرافيته وأطرافه؟ إذن، ماذا يعني استهداف إرهاب داعش والسكوت عن إرهاب نظام الأسد؟ أليس الطرفان في التعريف الأميركي من القماشة نفسها؟ ثم ألا يعني هذا التفريق مقدمة لتحويله إلى أمر واقع، يجري التكيّف معه، وترتيب الأوضاع المستقبلية على أساسه! تشير كل الوقائع إلى أن أميركا كان في وسعها تحقيق إدارة أفضل من الصورة الحالية، من خلال اشتراطات بسيطة، كان يمكن وضعها في قائمة شروطها للانخراط في المعركة وإنقاذ النفوذ الإيراني، المتداعي في حينه، لو أنها وضعت شرطاً إضافياً، يتمثل بوقف نشاط الطيران الحربي السوري، طوال المدة التي تستغرقها الحرب على داعش.
"
مع كل غارة تنفذها أميركا، ومع كل تصريح استفزازي لإيران، وانتصاراتها الأسطورية في البر والبحر، يزداد عدد مؤيدي داعش
"

أكثر من ذلك، ثمة وقائع عملانية، تعمل واشنطن على إدماجها في قلب الصراع، وتحويلها إلى جزء من آلياته، منها ترك التداعيات تتحرك على هواها، في باقي سورية، لتشكّل مشهداً منحازاً إلى موازين القوى، التي يمتلكها نظام الأسد، بفضل إمدادات السلاح الروسية، الحديثة والفتاكة، والتي بدأت بتغيير الأوضاع في بعض الجبهات. وفي جانب آخر، تقتطع أميركا أعداداً من ثوار سورية، لتدرجهم في العمل حراساً لمصالحها في حقول نفط أربيل وبغداد، وتعمل على توظيف القبائل الموجودة في تلك المنطقة ضمن هذا المشروع، وتهندس تلك المنطقة، لتحويلها إلى طوق حماية، ستكون وظيفتها الوحيدة حماية خطوط النفط وحدوده على تخومها. وفي ذلك كله، تحرص أميركا على مراعاة حساسيات دول إقليمية ودولية، من دون الالتفات إلى المذبحة، الجارية قربها على قدم وساق.

لكن، على هامش هذا المشهد، تتشكل قناعات واضحة لدى المكون الأكثري في المنطقة، من بغداد إلى بيروت، مفادها بأن أميركا لن تتدخل، طالما أن الكفة لصالح إيران. تتدخل فقط عندما تميل تلك الكفة، عندما هدّدت داعش العراق، وعندما سيتهدد نفوذ حزب الله في لبنان، الذي بات يحرك في الظل الجيش اللبناني، وبهذا المعنى صار حزب الله محظياً أميركياً، وهو يتصرف على أساس أن أميركا لن تسمح بتهديد نفوذه، كما أنها راضية تماماً عن سلوكه! هل تفسير ذلك قناعة واشنطن بأن إيران وأذرعها باتوا حماة الأقليات في المنطقة، وبالتالي، تتغاضى عن شرهم الأصغر في مواجهة الشر الأكبر؟

وعلى وقع ذلك، يتزايد تأييد داعش في المنطقة، يجب أن لا نختبئ وراء أصابعنا. في كل دول المشرق، هناك نهوض في تأييدها، ومع كل غارة تنفذها أميركا، ومع كل تصريح استفزازي لإيران، وانتصاراتها الأسطورية في البر والبحر، يزداد عدد مؤيدي داعش. وليس بعيداً ذلك الوقت، الذي ستصبح فيه حواضن داعش أقوى من أن تسمح للحلف بالقضاء على التنظيم. هذه نذر كان على أميركا ألا تخطئ قراءتها.

واليوم، يتم تسليط الضوء على داعش. تحت هذا الضوء، لا تجد غير البيئات، التي ثارت على الظلم في سورية والعراق، يجري تشريحها وتحليل معتقداتها وأنماط عيشها ومواقفها من المرأة والحضارة والثقافة والعولمة، ثم بعد ذلك تركها لتموت قصفاً بالبراميل، أو جوعا في المخيمات، وكان ذلك التشريح سيكون سيرة ذاتية لأقوام انقرضت، وسيكون تبريراً مناسباً لانقراضها؟ اليوم، تطوي صورة المرأة التي رجمتها داعش حكاية ألف روح من أطفال ونساء قتلتها قوات النظام في أسبوع واحد، وتغطي التحقيقات التي تجريها وسائل الإعلام العالمية عن حواضن داعش، والتي تتلقط شاباً عاطلاً عن العمل على مقهى في تونس، وآخر مهمّشاً في تركيا وثالث معدماً في القاهرة، تغطي على موت السوريين، بفعل توقف الأمم المتحدة عن إغاثتهم. اليوم، يشعر السوريون أن العالم يأخذ معهم ولهم الصورة التذكارية الأخيرة، فيما يمضي تحالف أميركا بتسوير مصالحه بأبناء القبائل العربية، الذين أخرجهم حكام بغداد الجدد من عباءة الوطنية العراقية، ومن ثوار سوريين، انتظرهم شعبهم، ليخلصهم من الموت اليومي على يد كتائب إيران.

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٤
ويسألونك عن المؤامرة؟!

حين تُشارك الطائرات الأميركية بقصف مواقع القبائل اليمنية إلى جانب القوات الحوثية التي أسقطت عاصمة عربية بكاملها ووصلت إلى منافذ بحرية قادرة على أن تهدد بها خطوط الطاقة العالمية يستغرب البعض إيمانك واعتقادك بنظرية المؤامرة ؟!

وحين تُقدم واشنطن أدلة وصفتها بالدامغة على الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله الصالح على تعاونه مع القاعدة والحوثيين، ويصمت العالم كله على تدخلاته اليومية في الإطاحة بثمرة نضال شعب عظيم كاليمن في التحرر من الاستبداد والطغيان يرفع لك البعض البطاقة الحمراء لماذا المؤامرة ؟!

حين يُسمح لقاسم سليماني قائد فيلق القدس أن يتجول في العراق وسوريا مشرفاً على العمليات العسكرية على الأرض ويُنقل عنه قوله للأميركيين لكم الجو ولنا الأرض لخطف حلم الشعبين في التحرر من نير الاستبداد والطغيان والطائفية المقيتة التي رسخها يُسارع البعض إلى التحذير من الإيمان بالمؤامرة وأن ذلك سيحرفك  عن الفهم الواقعي والمنطقي لسياق الأحداث والمقصود به هنا هو الفهم من خلال عين الاستبداد والطغيان وترسيخه وتثبيته، والابتعاد عن فهم سيرورة الثورات العربية وتحركات شعوبها التي حرقت مراحل كانت بحاجة إلى عقود ربما أن تحرقها إن هي آمنت بواقع ومنطق المصرّين ألاّ مؤامرة..

يُنحر الشعب السوري على مدى أربع سنوات تقريباً بكافة ما تفتّق عنه العقل الإجرامي الأسدي والعالمي إما بممارسة أو بدعم ومساندة أو بحرمان الشعب السوري من حقه في الدفاع عن نفسه من البقاء على قيد الحياة، وحين عجز الأسد عن إخضاع الشعب السوري خفّت إليه ستون دولة من أجل الإجهاز على ما تبقي من الشعب السوري بحجة مقاومة تنظيم الدولة ووقف تدفق المليشيات الخارجية وكأن الحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله والمليشيات العراقية والأفغانية من أهل الدار التي تنحر وتذبح على مدى سنوات وتدمر وتعيث فسادا دون رقيب...

يطالب الأمين العام للأمم المتحدة بان غي مون وهو من المفترض مطبق ومنفذ للقانون الدولي يطالب تركيا بكل صفاقة بفتح حدودها لمدنيين أتراك من أصول كردية للقتال في عين العرب بكوباني، بينما يطالب ويؤيد ويدعم بالوقت نفسه ذبح وقتل وتدمير كل من يهب لمناصرة الشعب السوري؟!

المؤامرة ليست وهماً ولا خيالاً..المؤامرة واقع عشناه على مدى عقود، منذ أن تآمروا لإسقاط الخلافة العثمانية ومنذ أن عوقب السلطان عبد الحميد رضي الله عنه بخلعه لرفضه وطنا قوميا لبني صهيون، وإلا لما كان القرار في واشنطن ولندن وموسكو وطهران وغيرها من العواصم العالمية، ولما خفّ المبعوث الأممي إلى سوريا للقاء نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم قبل أن يلتقي زعماء المعارضة السورية.

المؤامرة حقيقة واقعة منذ أن دعم النظام العالمي الظالم أنظمة استبدادية لم يكن لها هم سوى شفط ما تبقى من دماء الشعوب، وحين عجزوا عن ذلك استعانوا بفرس وروم من أجل تدمير كل شيء، وإلا فكيف نفسر لحاق دول عربية لم يكن لها من أمرها شيء بركب الثورات المضادة لتدمير ليبيا واليمن ومصر، كيف نستطيع أن نقتنع بغير نظرية المؤامرة ونحن نرى اصطفاف أنظمة استبدادية مع عالم ظالم يدعي الحرية وحقوق الانسان ولكن لأبناء شعبه وبلده فقط ..كيف لنا أن نرى ذلك كله ونحن نرى بأم أعيننا سرقة انتفاضات شعوب عربية كثيرة ...

لن تُهزم الشعوب بإذن الله فقوتها وحولها مستمد من قوة الله وحوله تبارك وتعالى، أما قوة الاستبداد والطغيان والإجرام فمستمدة من قوة وحول الشيطان وعبيد الأرض. وما تتعرض له الثورات العربية من هجمة وردة أنظمة عربية وعالمية هي عين ما تعرضت له ثورات عظمى في التاريخ لكنها انتصرت وخرجت أصلب عوداً، وخرج معها ثوارها أكثر حرصاً على التمسك بها وعلى سلامة الطريق وعلى المضي قدماً حتى آخر المطاف في تحقيق طموحات الشعوب بالحرية التي عدّها بعض الأصوليين أحد مقاصد الشريعة الإسلامية..

حين كنت أتحدث لمحدثيّ قبل أيام عن العصور الملكية التي حكمت الشام والعراق ومصر قبل عقود والفرق بين العصرين ..كان محدثيّ يقولان إن عصور تلك الفترة كانت زاهية في كل المجالات مقارنة بعصور الاستبداد والطغيان وتلك حكاية أخرى لعلنا نفتحها يوماً ما

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٤
هل اقتربت الحرب البرية ضد تنظيم الدولة؟

"هذه ليست عملية مكافحة إرهاب، هذه حرب تقليدية ضد عدو يمتلك مدرعات ودبابات ومدفعية، وهو غني ويسيطر على أراض وينوي الدفاع عنها، ولذلك يجب علينا النظر لهذه "الحرب" على أنها حملة عسكرية تقليدية".. بهذه الكلمات عبر رئيس أركان الدفاع السابق والجنرال في القوات المسلحة البريطانية السير ديفد ريتشاردز عن رأيه في المواجهة التي تخوضها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

القائد العسكري البارز -الذي قاد قوات التحالف في جنوب أفغانستان ضد حركة طالبان بين عامي 2006 و2008- يصر على أن التكتيكات الهجومية على تنظيم الدولة عبر الضربات الجوية ستفشل في تحييده أو حتى احتوائه، ولذلك يرى وجوب الانخراط في حرب برية ضد التنظيم قوامها مائة ألف جندي على الأقل.

تصريحات السير ريتشاردز لها أثر واضح على النخبة السياسية البريطانية، فالرجل كان أول قائد عسكري في هذه المكانة الرفيعة يزف للسياسيين الغربيين الخبر غير السعيد، وهو أن الحرب على شبكة القاعدة ستفشل، وأن القضاء على المقاتلين الإسلاميين "غير ضروري ولن يتحقق"، وذلك فور توليه منصب قيادة أركان الدفاع في نوفمبر/تشرين الثاني 2010.

    "ديفد ريتشاردز يصر على أن التكتيكات الهجومية على تنظيم الدولة عبر الضربات الجوية ستفشل في تحييده أو حتى احتوائه، ولذلك يرى وجوب الانخراط في حرب برية ضد التنظيم قوامها مائة ألف جندي على الأقل"

دقة عسكرية
عسكريا، ما صرح به الجنرال ريتشاردز في ما يخص الحرب البرية على تنظيم الدولة دقيق، أو على الأقل مدعوم من عدة دراسات عسكرية وتجارب تاريخية.

فيوجد ما يشبه الإجماع ما بين علماء دراسات الإستراتيجية العسكرية على أن ما يصطلحون على تسميته إستراتيجية "الهجوم غير المباشر" (أبرز أمثلتها المستخدمة من قبل التحالف الدولي هو القصف الجوي الإستراتيجي أو الصواريخ الموجهة) إذا واجه إستراتيجية دفاع مباشر (أبرز أمثلتها المستخدمة من قبل تنظيم الدولة هو الدفاع المتحرك والدفاع العميق بعد السيطرة المباشرة على الأرض)، فالطرف المدافع في الصراع المسلح ستكون له الغلبة -وإن كان أضعف- بشروط، بعضها على الأقل متحقق في حالة تنظيم الدولة.

أما تاريخيا فالفترة التي شهدت تراجع نشاط الدولة الإسلامية في العراق -إحدى خمس مسميات سابقة لتنظيم الدولة- بدأت في أواخر 2007 بعد أن أرسل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش 32 ألف جندي إضافي للعراق، ليصل العدد الكلي للقوات الأميركية هناك بحلول أبريل/نيسان من العام نفسه إلى 150 ألف جندي، وهو ما عرف في الأوساط العسكرية والسياسية الأميركية بـ"التدفق".

ولم تكن هذه هي القوة البرية الوحيدة المتواجدة في حينها، فإضافة إلى قوات الجيش العراقي النظامي كانت هناك قوات مجالس الصحوات التي بدأت في التشكل منذ تدهور العلاقة بين بعض العشائر السنية في الأنبار وديالى في نهاية 2005، وبحلول أكتوبر/تشرين الأول 2008 كانت هذه المجالس تضم أكثر من 54 ألف مقاتل ثم زادت بعد ذلك، مما مثل قوة عسكرية مساعدة للقوات الأميركية والقوات النظامية العراقية.

وكانت قوات "جيش المهدي" قد تم تحييدها في المواجهات بعد أن أعلن السيد مقتدى الصدر هدنة في أغسطس/آب 2007، ثم مددها في العام اللاحق، بمعنى آخر كان في عراق 2007-2008 أكثر من أربعمائة ألف مقاتل متوزعين ما بين الجيش الأميركي والنظامي العراقي ومجالس الصحوات يسعون للقضاء على العدو نفسه الذي يسعون للقضاء عليه في عراق وسوريا 2014.

    "إذا كانت الحرب على تنظيم الدولة معقدة فإن التحديات التي يواجهها صانع القرار الغربي في بريطانيا وأميركا لا تقل تعقيدا، فالتناقض شديد بين العوامل التي لا تشجع على دخول حرب جديدة وبين التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة للغرب "

ولم تنجح هذه القوة الكبيرة في القضاء على تنظيم الدولة في العراق، وإنما نجحت مرحليا في تقليص نشاطه عمليا والحد من نفوذه إستراتيجيا، أي بالمصطلح الذي استخدم حينها من عدة أجهزة أمنية غربية (down but not out) أو "سقط ولم يُقتل" فإذا قارنا القدرات والإمكانيات العسكرية لتنظيم الدولة في العراق" في 2007 والقدرات والإمكانيات المتاحة لتنظيم الدولة في 2014 نفهم لماذا يتشكك السير ريتشاردز في نجاح الحملة الجوية دون قوة برية كبيرة.

الكلفة السياسية
فإذا كان التقدير دقيقا عسكريا فإن الاستعداد لتحمل تكلفته سياسيا محل تردد لدى الكثير من السياسيين الغربيين، فالانقسام هذه المرة أكثر تعقيدا من مجرد يمين محافظ مؤيد لتطوير العمل عسكري ويسار تقدمي معارض لذلك، وبعض نماذج الانقسام الكلاسيكي ما زالت حاضرة.

فمن أبرز المعترضين على رأي السير ريتشاردز كان نيك كليج -نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الديمقراطيين الأحرار اليساري- الذي أصر على أن الموقف أكثر تعقيدا مما يصفه ريتشاردز، فهو يرى أن هذه ليست حربا تقليدية، وأن التعاون الدولي قد يثمر عن أدوات متعددة -أغلبها غير عسكري بالمعنى التقليدي- لمواجهة ما سماه قوات "اللادولة المتحركة".

وإذا كانت الحرب العسكرية على تنظيم الدولة معقدة فإن التحديات التي يواجهها صانع القرار الغربي في بريطانيا وأميركا لا تقل تعقيدا، فالتناقض شديد بين العوامل السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي لا تشجع على دخول حرب برية جديدة في الشرق الأوسط من ناحية، وبين التهديد الأمني الذي يمثله تنظيم الدولة للغرب من ناحية أخرى، التهديد لا يألو التنظيم جهدا في إبرازه كلما أتيحت له الفرصة.

فعلى الرغم من تحسن الأداء الاقتصادي نسبيا في 2014 فإن عجز الميزانية في الولايات المتحدة ما زال فوق الـ483 مليار دولار، وفي بريطانيا فوق الـ172 مليار دولار، أما سياسيا فما زالت جراح حملتي العراق وأفغانستان مؤلمة وحديثة العهد لكل من المؤسسات العسكرية الغربية والناخب الغربي.

وبحسب إحصائية أجرتها مجلة "ميليتاري تايمز" في سبتمبر/أيلول الماضي، فإن 70.1٪ من الضباط والجنود الأميركيين يرفضون إرسال قوات برية للعراق أو سوريا، غير أن هذه النسبة تنخفض إلى 62٪ بين المواطنين الأميركيين بحسب إحصائية شبكة "سي إن إن" الأميركية التي أجرتها في الشهر نفسه، وتتقلص هذه النسبة لتصل إلى 28٪ في حالة استهداف تنظيم الدولة السفارة الأميركية في بغداد وتعريض حياة الدبلوماسيين الأميركيين هناك للخطر، أي أن 72٪ من عينة "سي إن إن" يؤيدون التدخل البري المباشر في تلك الحالة.

    "بحسب إحصائية حديثة، فإن 70.1٪ من الضباط والجنود الأميركيين يرفضون إرسال قوات برية للعراق أو سوريا، غير أن هذه النسبة تنخفض إلى 62٪ بين المواطنين الأميركيين بحسب إحصائية شبكة "سي إن إن" الأميركية التي أجرتها في الشهر نفسه"

الحرب البرية
هل اقتربت الحرب البرية إذاً؟ عدة عوامل ستجيب عن هذا السؤال، فالحالة العراقية هي الأكثر ترشيحا لتدخل آخر مشابه لـ"تدفق" 2007، فحتى الآن يعتقد الكثير من العسكريين الأميركيين أن ما تحقق في فترة 2007-2008 كان انتصارا، وعلى رأسهم الجنرال ديفد باتريوس قائد قوات التحالف في العراق في تلك الفترة والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وإذا استمر تصاعد التأييد لتدخل بري بين المواطنين الأميركيين ردا على حملة "الذبح على الهواء" التي يتبعها تنظيم الدولة في إستراتيجيته الدعائية فإن ذلك قد يخلق مناخا مناسبا لـ"تدفق" 2014.

غير أن عوامل أخرى ستؤثر في قرار إرسال قوات برية، منها احتمالات نجاح المصالحة الوطنية في العراق، والموقف العسكري من نظام بشار الأسد، وكذلك مدى فاعلية القوات الحليفة في العراق (الجيش النظامي ومجالس الصحوات والمليشيات الموالية وقوات البشمركة) وسوريا، والأخيرة تبدو الحلقة الأضعف في ما يخص الحليف المحلي على الأرض.

وربما المثال الأبرز على الأرض هو نتيجة المواجهة العسكرية بين قوات جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة، وجبهة تحرير سوريا وحركة حزم المصنفين كثوار "معتدلين" وفق الولايات المتحدة.
ففي خلال أيام استولت النصرة على معاقل "المعتدلين" في قرى جبل الزاوية بريف إدلب، ويبدو أن هناك دعما محليا من بعض الأهالي الذين تضرروا من تصرفات بعض المنتسبين لجبهة تحرير سوريا.

وبمراجعة كافة هذه العوامل سيكون على صانع القرار الغربي اتخاذ قرار مصيري قد ينهي مستقبله سياسيا، ولا يقضي على التهديد الأمني إن أخطأ في التقدير.

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٤
مهمّة جديدة لـ «حزب الله»

عبثاً ينتظر اللبنانيون. وعبثاً يأملون في أن يستفيقوا يوماً من الكابوس الذي يعيشونه منذ انقضاض «حزب الله» على الانتفاضة الشعبية التي أخرجت الجيش السوري، قبل أن يغرقهم بدلاً من ذلك في المستنقع السوري وتبعاته، بعدما فشل في إعادة السوريين مباشرة إلى لبنان من طريق حرب تموز.

بعضهم كان يأمل في أن تستعيد الجمهورية المنكوبة بعد انتهاء الاحتلال السوري شيئاً من توازنها ومسارها الطبيعي كدولة، وأن تتوصل إلى خريطة طريق لاستعادة السلم الأهلي تدريجاً، وإنهاء المظاهر المسلحة وإعادة بناء المؤسسات المحصنة بالقوانين. لكن «حزب الله» كان لهم بالمرصاد.

وبعد الابتكار السوري – الإيراني المشترك لقضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وما عنته من تملص الحزب من اتفاق الطائف الذي قضى بتسليم السلاح غير الشرعي وحلّ التنظيمات العسكرية ودمج بعضها في الجيش وقوى الأمن، استنفدت هذه الذريعة غرضها مع انتشار القوات الدولية في الجنوب اللبناني وتوقف العمليات الحربية فيه.

وكانت نتيجة تحول رجال الحزب وسلاحه نحو الداخل اللبناني «غزوة أيار» التي تفاخر بها قادته، لكنها لم تفلح في إخضاع عدوه المشترك مع دمشق، باقي اللبنانيين، إلى أن جاءت انتفاضة السوريين على نظامهم ليجعل منها حجة أخرى لاستمرار تسلحه، بل زيادته.

وبعد ثلاث سنوات من التورط في أتون الحرب الأهلية عند الجارة التي ربط مصيره بمصير حاكمها، تبدو الأمور الميدانية في سورية سائرة في غير مشتهاه، لكن ذلك بدلاً من أن يثنيه، دفع ملكة الابتداع عنده إلى أقصاها، فوضع أمينه العام في ذكرى عاشوراء قبل يومين هدفاً جديداً لحزبه، يمهله سنوات طويلة، إن لم يكن عقوداً، يعفي نفسه خلالها من أي التزام بإعادة سيادة الدولة اللبنانية.

وبعدما كان نصرالله انتقد التدخل الأميركي والأوروبي في العراق وسورية ضد «داعش»، عاد فاستدرك شططه «الأيديولوجي» بعدما تبين أن الضربات الأميركية في العراق منسقة بشكل تام مع إيران التي تقود العمليات على الأرض، والتي أرسلت قائد «الحرس الثوري» سليماني ليتولى ذلك بنفسه، وليضمن عدم خضوع بغداد لضغوط واشنطن التي تطالبها بتسليح العشائر السنية في الأنبار.

ثم قرر أن حزبه جزء من حرب التحالف الدولي على تنظيم البغدادي، وقال: «لا مستقبل للتكفيريين، ولا حياة لمشروعهم... ستلحق بهم الهزيمة في كل المناطق والبلدان، وسيكون لنا شرف أننا كنا جزءاً من ذلك».

ما الذي يعنيه هذا الكلام بالنسبة إلى اللبنانيين؟ يعني أن عليهم انتظار حسم المعركة مع أعداء نصرالله في «كل البلدان»، التعبير الذي قد يشمل نيجيريا مثلاً. وقد طمأنهم باراك أوباما سلفاً بأن المعركة مع «داعش» قد تطول سنوات وربما عقوداً، ونصرالله لا يستطيع تفويت فرصة معركة دهرية كهذه.

ولهذا ليس بوسع مواطنيه الصابرين سوى انتظار ما قد تتفتق عنه عبقرية الحزب في ابتكار المهمات وابتداع الأهداف، في حال انهار تنظيم «داعش» تحت الضربات، أو صدرت إليه الأوامر فجأة بالعودة إلى أقبية الاستخبارات السورية والإيرانية من حيث أتى.

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٤
الخوف توأم السوريين

كانت الثورة السورية حدثاً استثنائياً عصيّاً على التحليل، مفاجئاً ومباغتاً، إلى حد لم يكن يتنبأ به أحد، وأول المتفاجئين كانت السلطة التي تعرف شعبها جيداً، والتي تعرف ماذا فعلت به في العقود الماضية. السلطة التي زرعت الخوف في كل زاوية من زوايا سورية، حتى بات الشعب السوري شعب الخائفين بامتياز. كان الخوف حياتنا جميعاً. الخوف من كل شيء كان الضابط الذي يرسم سلوكنا، الجميع يخاف من الجميع، الشعب يخاف أن تنقضَّ عليه السلطة، أن تنكّل به، وأن تحرمه لقمة عيشه، والسلطة تخاف من الشعب أن يفتك بها، إذا زال عنه الخوف يوماً واحداً. لم تكن هناك مستويات للخوف في سورية. كان يضرب الجميع وبالدرجة نفسها، القيادات تخاف، والوزراء يخافون، الموظفون يخافون، ضباط الجيش والشرطة والأمن، والمواطنون كلهم كانوا يخافون، إلى الحد الذي أصبح فيه الشعب السوري يمارس حياته بشعائرية رتيبة، وكأن الجميع كان ينخرط في تمثيلية معقدة إسمها الحياة، كان السوريون فيها الممثلين والمتفرجين في آن.

كان الجميع يعلم أنه يكذب على الجميع. السلطة تعلم أن الشعب يكذب عليها، بعواطفه التي يبديها بدافع الخوف، والشعب يعلم أن السلطة تكذب عليه. حللت الكاتبة الرائعة، ليزا ويدين، هذه الظاهرة في كتابها الغني جداً "السيطرة الغامضة"، حيث بينت أن فاعلية النظام السلطوي في سورية لا تكمن فقط في التكنولوجيا المتوفرة لمراقبة المواطنين وعقابهم، ومجازاة آخرين. لكن، أيضاً، في الطرق التي يتم، من خلالها، تحويل القوة القمعية إلى القوة الانضباطية، غالبا بممارسات بلاغية ومزيفة بوضوح، تتطلب تعاون مواطني النظام ومشاركتهم.

لقد حول النظام السوري شعباً بكامله إلى مجرد كائنات، يسكنها الخوف، ولا شيء آخر. تصفق بدافع الخوف، وترقص في الميادين في مناسبات النظام التي يشارك فيها المواطنون خوفاً. كان الخطباء يقولون كلاماً يعلمون أنه كاذب، ويعلمون أن المستمعين يعرفون أنه كاذب، وكان المصفقون للكلام الكاذب يعلمون أن الخطيب يعرف أن تصفيقهم بدافع الخوف.
"
السلطة تعلم أن الشعب يكذب عليها، بعواطفه التي يبديها بدافع الخوف، والشعب يعلم أن السلطة تكذب عليه
"

في عام 2010، وفي إحدى جلسات الاختبار التي تجريها نقابة المحامين، لنيل الإجازة في المحاماة، كان المحامي المتمرن الذي يخوض الاختبار عضواً في مجلس الشعب. سألته يومها بما أنك برلماني، فمن يملك سلطة التشريع في سورية، وبعد صمت، نظر إليَّ، ثم إلى الحضور، ورد مبتسماً: لن أجيب على هذا السؤال. خاف أن يكون السؤال فخاً يقوده إلى الحديث عن الصلاحيات الاستثنائية لرئيس الجمهورية في التشريع. هذا برلماني يفترض أن درجة خوفه أقل من أي مواطن. لكن، في سورية كلما علت رتبة الأشخاص زاد خوفهم أكثر. لم يكن الاقتراب من السلطة يعفيهم من الخوف، بل على العكس تماماً. وفي عام 2010، وكنت أترافع في إحدى الدعاوى أمام محكمة الجنايات في ريف دمشق، طلبت من رئيس المحكمة طلباً عارضاً، يتعلق بفتح تحقيق مع رئيس فرع الأمن السياسي. رفض قبول الطلب، وبعد جدال معه، صرخ بي، وأمام جميع الحضور، إذا كنت تظن نفسك شجاعاً، فاذهب، وقل هذا الكلام أمام الأمن السياسي، ولا تورطنا في هذا الموضوع. سكتّ خوفاً، لأن حجته كانت قاطعة. كنا كائنين يسكننا الخوف، قاض ومحام، لم يستطع أحدنا أن يتجاوز خوفه.

وفي مارس/ آذار من عام 2011، اختلت موازين الخوف عند السوريين، فقدوا خوفهم أو تجاوزوه، خرجوا ليتحدّوا هذا النظام، النظام الخائف منهم، والذي مارس أقصى درجات الوحشية، تعبيراً عن خوفه. استمر السوريون، على الرغم من القتل بالتظاهر، لأنهم عادوا إلى الخوف مجدداً. كانوا، هذه المرة، يخافون انتقام النظام، إذا ما فشلت الثورة، إذا ما توقفوا عن التظاهر، فبعد أن أغرق النظام نفسه والوطن ببركة الدم، لم يعد أحد قادراً عن التراجع. الشعب لا يمكن أن يتراجع، فالكلفة التي سيدفعها في حال توقفت الثورة ستكون أكبر بكثير من كلفة استمرار الثورة. والنظام، أيضاً، أغلق جميع الأبواب، ولم يعد قادراً على التراجع. وصل الطرفان إلى الحدود القصوى. كنا جميعا كمن يركب على دراجة هوائية، سيبقى جالساً عليها، ما دام يتحرك، فإذا توقف سيسقط لا محالة. كان الجميع يدرك هذه الحقيقة إن أي طرف سيتوقف عن الحركة سيكون مصيره السقوط، هو الخوف الذي يدفعنا للاستمرار، الخوف من الانتقام من القسوة والوحشية.

حتى المناطق المحررة خرجت عن سيطرة النظام، لكنها لم تخرج عن خوفها، وإن أصبح مصدر الخوف شيئاً آخر. في زيارة رسمية للرقة في نيسان من عام 2013 بهدف إجراء انتخابات في محافظة الرقة، لانتخاب مجلس محلي يدير المحافظة، بعد خروجها عن سيطرة النظام. وفي صلاة الجمعة في أحد مساجد الرقة، كان الإمام خطيبا مصرياً، وبلغة عربية رديئة، كان يتحدث عن كفر الديمقراطية وطاغوت الانتخابات. يومها تحدث بكلام مضحك، بل يمكن أن نقول إنه يثير البكاء أكثر. قال بالحرف "إن الديمقراطية اخترعها جان جاك روسو الذي اعترف أنه يمارس الشذوذ الجنسي مع جان بول سارتر". هكذا قال على المنبر، كان المسجد مليئاً بالمصلين، أطباء ومهندسين وأساتذة وغيرهم، وأغلبهم يعرف أن بين روسو وسارتر أكثر من مائة عام. نظرت إلى المحيطين بي، كان الجميع يخفض رأسه بصمت. وعندما خرجنا من المسجد، سألت مدير الأوقاف، وهو شيخ جليل، كيف توافقون على أن يكون هذا الجاهل خطيب جمعة في مدينتكم. نظر إلي، وقال إنه من جبهة النصرة، ولا نستطيع أن نقول لهم شيئاً، لأنهم باتوا الحكام الجدد. كان الخوف يسكنه، كما كان يسكن جميع المصلين.

لم يفارق الخوف السوريين، حتى بعد زوال النظام عنهم، وفي أكثر من منطقةٍ، خرجت عن سيطرة النظام، كان الخوف هو الذي يرسم تصرفات الناس فيها. يطيلون لحاهم، بسبب الخوف. يقصرّون ثيابهم بسب الخوف، يصلّون بسبب الخوف، ويقتلون، أيضاً، بسبب الخوف الذي يلاحقنا في كل مكان.

رأيت بأم عيني شباناً رائعين، خرجوا ضد فساد النظام. تظاهروا في ما سبق تحت الرصاص. لكن حكام المناطق الجدد اضطروهم للخروج من البلاد. رأيتهم وهم يعملون في مؤسسات تابعة للمعارضة، في عنتاب وفي إسطنبول. كانوا يحدثونني بألم عن مظاهر الفساد التي تعصف بهذه المؤسسات، لكنهم، في هذه المرة، لا يستطيعون التظاهر، ولا رفع الصوت، لأنهم يخشون أن يفقدوا مصدر رزقهم، وأن يصبحوا مشردين في شوارع عنتاب وإسطنبول. عاد الخوف يلجم ألسنتنا، يمنعنا من الكلام، وربما كانت هذه المفارقة الأكثر غرابة. شجعاناً كانوا في شوارع المدن السورية، يتظاهرون تحت الرصاص، لكنهم، الآن، يخافون من سلطة موهومة، يملكها مسؤول متوهم أنه سلطة، وكأن ما يحدث فصل من فصول المسرحية النبوءة لسعد الله ونوس "طقوس الإشارات والتحولات". لا شيء ثابت، ولا شيء كامل سوى الخوف. الخوف توأم السوريين الذي لم يفارقهم، حتى اللحظة، وكأنه قدرهم. ولن نستطيع، كسوريين، أن نبني دولة، وأن نؤسس مجتمعاً، ما دام الخوف يسكننا. عبورنا للمستقبل لن يكون إلا إذا تخلصنا منه، أياً كان مصدره.

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٤
سياسات عقيمة!

من العبث العمل وبذل أي جهد لتحقيق أي هدف من أهداف الشعب السوري، ما دامت خلافات المعارضة السورية مستحكمة، وانقسامات الائتلاف ضاربة ويومية. ومن غير المجدي إطلاقاً الجري وراء أوهام الانتصار على النظام، إذا بقي هو موحداً ومعارضوه مشتتين محتربين، تناقضهم الرئيس بينهم وليس معه. وليس صحيحاً ما يقال حول مسؤولية النظام عن تخلف المعارضة وفوات سياساتها، داخل الائتلاف وخارجه، إذ من غير المنطقي والمقبول تحميل النظام المسؤولية عن أوضاع المعارضة بعد مرور أربعة أعوام على ثورة شعبية عارمة صمدت صمود الجبال الراسخات في وجه أعتى آلة قتل وقمع منظمة عرفها تاريخ العرب القديم والحديث، غير أنها لم تكن كافية لتوحيد مواقف وآراء نيف ومائتي شخص يدّعون تمثيلها، حوّلتها خلافاتهم وانقساماتهم إلى واحدة من نقاط ضعفها الرئيسة، بعد أن فشلت جميع الجهود في تقريبهم بعضهم من بعض، ونجحوا بامتياز في نقل صراعاتهم العبثية إلى الأرض، مع ما ترتب عليها من نتائج وخيمة أهمها اثنتان: -ضياع عام وفشل متجدد يمعنان في تمزيق صفوفها المفككة، وتفتيت جهودها المفتتة، وزيادة تضحيات شعب فقد كل شيء، يتناقص عائد نضاله السياسي والعسكري باضطراد، ويسهم في تغييب أي دور مؤثر للمعارضة، يمكنها بواسطته فرض مصالحها على خارج يدير أزمة سورية ويحتجز نضال شعبها، دون أن يجد ما، أو من يحول بينه وبين التلاعب بمصيرها، أو يكبح تصميمه على تصفية حساباته الاقليمية والدولية المتشعبة والمعقدة بدماء بناتها وأبنائها. -موقف عربي واقليمي ودولي لم يعد يرى في المعارضة شريكاً، سواء في حرب ام في سلم، يتناقص احترامه لها ويتراجع اعترافه بضرورة العمل معها، بعد أن فقدت أهليتها لتمثيل السوريين، وشرع يبحث عن بدائل من داخلها وخارجها كي يتحالف معها في المعركة ضد الارهاب، يقال ان موقعة عين العرب شرعت ترشح جماعة اوجلان من كرد سورية للعب هذا الدور ، بينما عجزت آلاف المعارك التي خاضها الجيش الحر، في جعله يلقى حظوة كهذه، حتى بعد أن بدأت أميركا والدول الغربية تدربه وتسلحه، وخاض معارك كبيرة جداً بجميع معايير الحرب والمقاومة. خلال هذه الفترة من عمر الثورة، لم تتوقف أميركا وروسيا عن تقطيع المعارضة والمقاومة إلى جهات متباينة وعن التلاعب بها، تارة باسم الحل السياسي، وطوراً بحجة الرغبة في إنهاء الصراع على سورية، الذي لا شك في أن واشنطن هي أكثر من أفاد ويفيد وسيفيد منه. تتراجع المعارضة والقوى العسكرية القريبة منها بصورة يومية. ومع ذلك، لا نراها تبذل أي جهد لتخطّي انقساماتها، ولا تخجل من حقيقة أن أربعة أعوام من القتل والدمار لم تكن كافية لدفعها إلى بلورة حد أدنى من المشتركات تحيّد بواسطته خلافاتها وتبعدها ولو قليلاً عن حقوق الشعب المضحي والمعرض لظلم مزدوج: من النظام ومنها. ومن يحضر اجتماعا للهيئة العامة للائتلاف يعتقد أنه في مسرحية كتب نصها العبثي صمويل بيكيت أو أوجين اونيل، تختبر احداثها قدرة جماعات متناحرة على أبداع خلافات حول كل شيء ، وعلى الاستمتاع بانقساماتها، وينسى انه في اجتماع سياسي لجهة تنتمي إلى شعب واحد تزعم أنها مسؤولة عن مصيره. في أجواء كهذه يشعر المرء بعبثية قول أو فعل أي شيء، ويفقد ثقته بقدرته على تغيير أو تحسين أي شيء. ولا يبقى له غير ما يقال في الجنازات ومجالس العزاء: لا اله الا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٤
لقرار لإيران وروسيا.. ولا بديل لإسقاط نظام الأسد!

يرى البعض ومن بينهم بعض المسؤولين في أوروبا والولايات المتحدة وبعض العرب أيضا أنّ هذه المعارضة السورية المتعددة المشارب والاتجاهات غير قادرة وغير مؤهلة لأن تجنب سوريا أوضاعا كالأوضاع التي انتهت إليها ليبيا وربما أسوأ كثيرًا إنْ أُزيح بشار الأسد فجأة وفي هذه الظروف والأوضاع الإقليمية المربكة، وهذا كما يبدو هو الذي يجعل الرئيس الأميركي باراك أوباما مترددًا على هذا النحو وغير قادر على اتخاذ خطوة جريئة تضع الأمور في أنصبتها وتخلص هذا البلد المكلوم من الدمار والقتل وشلالات الدماء المستمرة والمتواصلة منذ نحو أربعة أعوام.
وفي هذا الاتجاه فإن منسق قوات التحالف الدولي جون آلن كان قد قال في حديث هامٍّ جدًّا لفضائية «العربية» قبل أيام إن بلاده، الولايات المتحدة، ملتزمة بدعم المعارضة السورية «المعتدلة» ودعم قواتها (الجيش الحر) للدفاع عن نفسها ضد «داعش» و«النصرة» وضد نظام بشار الأسد، وهذا فهِمَه الذين يطالبون بموقف أميركي أولاً ودولي ثانيًا حاسم وحازم لإسقاط هذا النظام الدموي، اليوم قبل غد، بأنه عودة للخض العدمي في قربة قرارات مؤتمر جنيف الأول التي كانت دفنتها قرارات مؤتمر جنيف الثاني والتي ماتت وشبعت موتًا، وإنّ الله جلّ شأنه هو الذي يحيي العظام وهي رميم.
لكن يبدو، رغم هذا الذي قاله جون آلن والذي تقوله الوقائع على الأرض حيث بدأت المعارضة المعتدلة تتراجع عسكريا وبخاصة في جبل الزاوية ومنطقة إدلب الاستراتيجية فعلا لحساب «النصرة» و«داعش» وهذا التنظيم الجديد الذي يسمي نفسه «جند الأقصى»، أنه لا توجد خطة ولا يوجد قرار أميركي وأيضا أوروبي حقيقي لدعم هذه المعارضة «المعتدلة» وتمكينها من الدفاع عن نفسها ضد كل هذه التنظيمات الإرهابية وضد هذا النظام وبالتالي جعلها قادرة على فرض نفسها كقوة رئيسية على كل هذه التشكيلات المتعددة المصابة بمرض الانشطارات المتتالية وجعلها مهيأة للعبور بسوريا نحو المستقبل الواعد ودون أن تمر بتجربة مُرّة كالتجربة الليبية وأيضا كالتجربة اليمنية وكالتجربة العراقية البائسة.
والواضح، كما تسرب وجرى الحديث عنه في الأيام الأخيرة، أنّ هناك خلافًا عاصفًا داخل الإدارة الأميركية حول هذه المسألة الخطيرة والمهمة المتعلقة بمستقبل هذه المنطقة وليس بمستقبل سوريا وحدها، وأن هذا الخلاف قد يُزعزع أركان إدارة أوباما (الديمقراطية) حيث تحدثت بعض المعلومات غير المؤكدة أن وزير خارجيته جون كيري ووزير دفاعه تشاك هيغل لهما رأي غير رأيه إنْ بالنسبة إلى الأزمة السورية المتفاقمة وإنْ بالنسبة إلى كل هذه الزلازل المدمرة التي تضرب الشرق الأوسط كله، وهذا الرأي هو رأي «الجمهوريين»، كما هو معروف، الذين دأبوا على انتقاد ميوعة رئيسهم وانتقاد تردده، والذين طالبوا، وما زالوا يطالبون، بحسم الأمور السورية جذريًا وبسرعة منذ بداية انفجار الأحداث في عام 2011.
وبالطبع فإن هناك من يرى ومن يقول، ومن بين هؤلاء بعض الأوروبيين وبعض العرب، إنّ كل الحق مع الرئيس الأميركي في مخاوفه مِن أن يَسقُط نظام بشار الأسد، بينما الأوضاع في هذه المنطقة هي هذه الأوضاع المأساوية التي تمر بها الآن، وبينما واقع المعارضة السورية «المعتدلة» هو هذا الواقع الذي لا يسر الصديق ولا يغيظ العدا، وإنه من الأفضل الاستمرار بالخض في قربة جنيف الأولى انطلاقًا من أنه لعلّ وعسى أن تتوفر فرصة ملائمة لتكون هناك مرحلة انتقالية تكون مدخلا سلميا للانتقال بسوريا من هذه الأوضاع، السابقة واللاحقة، المزرية ووضعها على شاطئ الأمان وتجنيبها التشرذم والانقسام والتمزق وقطع الطريق على هذه الحرب الأهلية المتعاظمة والمتصاعدة.
فهل هذا يا ترى مقنع؟ وهل هناك إمكانية لـ«إحياء عظام مؤتمر جنيف الأول وهي رميم» ما دام أنّ من أفشل قرارات هذا المؤتمر في جنيف الثانية، التي كانت واعدة بالفعل، هو إيران وروسيا تحديدًا اللتان لا تزالان تصرّان على أن نظام بشار الأسد يواجه إرهابا وليس معارضة معتدلة وإصلاحية، وما دام أن القرار الفعلي في سوريا هو قرار قاسم سليماني وهو قرار سيرغي لافروف وليس قرار من يتابعون الأمور من مكاتبهم الوثيرة في قصور دمشق على شاشات الفضائيات ومن خلال المواقع الإلكترونية..؟!
الكل شاهد الجنرال قاسم سليماني، ومن بين هؤلاء باراك أوباما نفسه، الذي سيسجل التاريخ أنه أضعف رئيس مرّ على الولايات المتحدة منذ جورج واشنطن وحتى الآن، ومن بين هؤلاء بعض المسؤولين الأوروبيين الذين «يتلطّون»، هروبًا من أي موقف حاسم، بتردد الرئيس الأميركي، وهو، أي قاسم سليماني، يقود قطاعات من الجيش العراقي في أكثر من موقع، والكل سمع تصريحات إيرانية من أعلى المستويات والمراتب بأن هذا الجنرال هو القائد الفعلي للقوات العراقية المسلحة، والمفترض أن الأميركيين يعرفون بحكم وجودهم اللصيق في بلاد الرافدين أن هذا البلد لا يزال محتلاً احتلالاً شاملاً وكاملاً من قبل دولة الولي الفقيه، وأن مندوبها، أي قاسم سليماني، هو الذي يتخذ كل القرارات الرئيسية والثانوية في هذه الدولة التي من المفترض أنها دولة عربية، ثم أن المفترض أن الأوروبيين والأميركيين سمعوا تصريحات سيرغي لافروف التي قال فيها إن روسيا تعتبر أي عمليات وأي قصف جوي لقوات التحالف ضد «داعش» و«النصرة» في سوريا عمليات «غير قانونية»!!
لقد بات ثابتًا ومؤكدًا أن هذه الحرب المسعورة والمدمرة التي يشنها بشار الأسد ضد الشعب السوري وضد المعارضة السورية «المعتدلة» والتي يقحم في جحيمها باقي ما تبقى من أبناء الطائفة العلوية «المختطفة» هي حربٌ إيرانية من الألف إلى الياء، وهي حرب روسية أيضا، وهذا يعني، ما دام أنّ القرار في دمشق هو قرار الولي الفقيه وهو قرار فلاديمير بوتين، أنه لا أمل إطلاقا بإحياء عظام جنيف الأولى التي باتت رميمًا، وأنه لا أمل إطلاقا بمرحلة انتقالية توافقية، وهكذا، وبالتالي فإنه لا يوجد هناك أي خيارٍ آخر إلاّ خيار الإسراع في تدريب وتسليح وتوحيد هذه المعارضة المعتدلة وخيار حسم مسألة اعتبار أن نظام دمشق هو أساس الإرهاب المتفجر في هذه المنطقة، وأن المواجهة الفعلية معه يجب أن تكون في الوقت نفسه الذي تجري فيه مواجهة «داعش» و«النصرة».. وهذا يتطلب موقفًا دوليًّا وعربيًّا حاسمًا تجاه هذا التدخل الإيراني والروسي السافر في الشأن الداخلي السوري وفي الشؤون الداخلية العراقية.
غير مفهوم أن تستمر كل هذه الحرب الجوية الطاحنة في بلدة عين العرب «كوباني» المسكينة بينما يفعل تنظيم «داعش» كل هذا الذي يفعله في العراق، وبينما تتمدد «النصرة» ومَن معها ويحارب حربها كل هذا التمدد في أهم المناطق الاستراتيجية السورية.. فماذا يا ترى ينتظر الرئيس الأميركي باراك أوباما؟! وماذا ينتظر يا ترى هذا الغرب الكسيح..؟! ماذا ينتظر العرب المشاركون في هذا التحالف..؟؟.. إن الإيرانيين والروس الذين دمروا مبادرة «جنيف 1» والذين يعتبرون الحرب في سوريا حربهم، وهي كذلك، لا يمكن أن يسمحوا بهذه المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها حتى وإن أرادها بشار الأسد.. إنهم سيواصلون حربهم على هذه المعارضة السورية المعتدلة، وإنهم سيأخذون هذا البلد وهذه المنطقة كلها إلى الفوضى والتمزق إن لم تكن هناك وقفة جادة وجدية غير كل هذه المواقف الاستعراضية من قبل هذا «التحالف» الدولي ومعظم الدول المنضوية في إطاره!!

اقرأ المزيد
٦ نوفمبر ٢٠١٤
الجريمة باسم الله!

كل يوم تمدنا وسائل التواصل الاجتماعي بكم كبير من الصور الصادمة، فيها كل ما يمكن أن تنتهي إليه أدوات الثأر والجريمة والعبث المجنون.
صور القتل والذبح والتفجير والدم والهدم واللحوم البشرية المتناثرة، والحرق والرجم والجلد وغيرها من الإعمال الإجرامية، أصبحت حلقات في مسلسل الرعب الذي كتب على جيلنا أن يكون شاهداً عليه بكل تفاصيله، التي فاقت حدود الخيال والمعقول.
يحدث كل ذلك باسم الله، وبأمره وحسب وصاياه، بناء على أقوال المجرمين الذين ينفذون كل تلك البشاعات باسم الدين، وتحت رايات إسلامية مختلفة، في سبيل نزواتهم التي لا تحد للوصول إلى السلطة والمجد والثروة، واستجابة لموروثاتهم القبلية والثقافية المنافية لروح الدين وسماحته.
إنها حقاً جرائم باسم الله، جرائم هي أشبه ما تكون بمنتجات فاسدة سامة قاتلة، صنعها تجار مجرمون، ثم وضعوا عليها اسم الله كـ»علامة تجارية»، وقالوا لنا إنها حسب شريعة الله، لأغراض التسويق ليس أكثر.
وفي الواقع، فإن الغالبية العظمى من أهل الأديان يتزيون بأديانهم على مستوى القول، لكنهم عند الممارسة يمارسون ثقافاتهم وتقاليدهم المختلفة. ولنكن أكثر تحديداً، بالقول إن أهل الأديان يتصرفون وفقاً لتقاليدهم الموروثة أكثر من وصايا الله، مع العلم أن هذه التقاليد الموروثة هي في معظمها ضاربة الجذور في تربة قبلية عشائرية غير مدنية وغير روحية. الذين رجموا فتاة سورية قبل أيام، ارتكبوا جريمة في حين ظنوا أنهم نفذوا حداً لله، وليس هنا محل نقاش الحدود بقدر ما هو حديث عن تنصيبهم أنفسهم وكلاء لله بدون تفويض من خلق الله، وفي زمن ملتبس، وفي ظروف غامضة، ومحاكمات غير عادلة. والذين هاجموا مسجداً للسنة في العراق في أحد أيام الجمعة وقتلوا العشرات من المصلين، ارتكبوا جريمة، ومارسوا عادة الثأر العشائري لأنفسهم، في حين زعموا أنهم يثأرون للحسين، الذي لا دخل لضحاياهم بدمه. يقول الكاتب والمفكر الأمريكي رضا أصلان في مقال له في «نيويورك تايمز» «كل دين يتجذر بعمق في التربة التي نبت فيه، ومن الخطأ الاعتقاد ان الناس يشتقون قيمهم من أديانهم، والعكس هو الصحيح: فالناس يدخلون قيمهم ضمن أديانهم، ويقرؤونها من خلال عدسات افتراضاتهم الثقافية والعرقية والقومية والسياسية.. (نيويورك تايمز 11/9/2014)
وبمناسبة أجواء عاشوراء عند المسلمين بشكل عام، فإن بعض الطقوس التي يمارسها المسلمون الشيعة ـ على سبيل المثال ترجع في أصولها إلى تقاليد وموروثات هندية قديمة، لا علاقة لها بالحسين، لكنها دخلت كجزء من الممارسات الدينية في مناسبة إحياء ذكرى استشهاد الحسين عند الشيعة، ومن هذه التقاليد «التطبير» المتمثل في إراقة الدماء في الطقوس الحسينية، وقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعية صوراً مرعبة لأطفال يكتفون، في حالة من الرعب لتشج رؤوسهم لإراقة دمائهم ضمن تلك الطقوس، في حالة تعكس ضرباً من العنف الذي تم إخراجه في ثوب ديني، على الرغم من أنه دخل على المسلمين من موروثات قديمة، لها علاقة بأجواء الثار والحروب في منحى ميثولوجي واضح.
وبعيداً عن المشاهد الحسينية الطقوسية، يمارس اليوم في كل من سوريا والعراق واليمن ضرب من العنف المغلف بالدين باستهداف المساجد ودور العبادة، وعمليات التفجير والقتل والذبح المتبادل بين المتحاربين بطريقة وحشية، تضرب بجذورها في أعماق قبلية عصبوية قديمة، لكنها تخرج للناس باسم الله، باسم علي والحسين والعباس وزينب وعمر وأبي بكر وعائشة وغيرها من الأسماء في التاريخ الإسلامي. وقد استغل كثير من خصوم المسلمين في الغرب تلك المشاهد الهمجية لتسعير حملتهم ضد الإسلام. يقول المعلق والكاتب الأمريكي بل ماهر، إن «الإسلام لا يشبه بقية الأديان، بل يشبه المافيا»، ويسجل انزعاجه من تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي قال «إن إرهابيي الدولة الإسلامية لا يمثلون الإسلام»، حيث يؤكد ماهر إن لدى الإسلام الكثير من المشتركات مع «داعش».
وبالطبع فإن ماهر جانب قواعد النزاهة والموضوعية في قوله السالف عن الإسلام، وتعمد «الانتقاء» في مقاربته، لأنه لم يفرق بين ما هو «ثأر سياسي»، يندرج ضمن أخطاء البشر وحماقاتهم الكبيرة التي تأتي ضمن صراعاتهم المستمرة على السلطة، وبين ما هو من جوهر الدين، بما هو في أصله علاقة روحية بين الإنسان والله، بعيدة كل البعد عن الموروثات القديمة التي تضرب بجذورها في عقلية قبلية تقوم على الثأر وتمجد الموت.
البشر يصطرعون دائماً على مصالحهم، ولكنهم في كل جولات الصراع لا يظهرون الأسباب الحقيقية للصراع التي تدور في معظمها، حول المصالح، بل يغطونها بغلالة دينية لها علاقة بالله، لكي يغطوا على أنانيتهم في تفجير الصراع، ولكي يستمدوا من الله شرعية لاستمرار صراعاتهم باسمه، وحتى يستمر تحشيد الأنصـــار من البسطاء الذين نتطلي عليهم حيلة الزعماء في تغطية الصراعات السياسية بثوب ديني خالص.
لا يوجد في الحقيقة عنف ديني، أو صراع ديني بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن الصراع في حقيقته مرتبط بالمصلحة، أما القيم الدينية والروحية فإن أكثر ما يمكن أن يبعد الناس عنها، هو فرضها على الناس بالقوة وتفجير الصراع من أجلها. إن الذي يقول بوجود صراع ديني، يريد منا أن نصدق أن السباق إلى السماء الواسعة لا يكون إلا بالقتال، أو أننا لكي ندل احداً على طريق الجنة، فلابد أن نقتله ليذهب سريعاً إليها. هذا منطق لا يستقيم، ولن يستقيم الأمر كله إلا بتركيز المسلمين على توظيف الدين لتعمير الأرض، أما السماء فإنها عامرة بأهلها، لن يستقيم الامر إلا بتعاونهم لنصرة أنفسهم، لا تقاتلهم لنصرة الله.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان