مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١١ نوفمبر ٢٠١٤
إلى أين تقودنا مسقط؟

الرئيس الأميركي باراك أوباما متحمس لبدء تاريخ جديد مع إيران، وإعادة العلاقة الجيدة مع طهران التي كانت حليفا مهما في عهد الشاه حتى سقوطه. ولهذا يلتقي الأميركيون والأوروبيون مع الوفد الإيراني في العاصمة العمانية في سباق زمني للتوصل إلى حل لطموح النظام الإيراني النووي.
ولنا، في منطقة الشرق الأوسط، مع هذه المفاوضات إشكالات جدية؛ أولها السرية! فقد تعمدت إدارة أوباما التكتم على اتصالاتها مع طهران ومفاوضاتها، حتى عن حلفائها الإقليميين. وهو أسلوب يخالف نهج الولايات المتحدة في اتصالاتها، مثل مفاوضاتها مع كوريا الشمالية؛ حيث شاركت الدول المعنية في المنطقة الأسرار والقرار، فأدخلت الغرفة كوريا الجنوبية، واليابان، والصين، وروسيا، مع وفد الولايات المتحدة. أما في مفاوضاتها مع إيران فقد أغلقت الباب في وجه دول حليفة ومعنية مباشرة، مثل مجموعة دول الخليج، وتركيا، ومصر، وكذلك إسرائيل.
وثانيها أن ما صدر عن الإدارة الأميركية من تطمينات بعدم تقديم تنازلات اتضح أكثر من مرة عدم صحته، وكان آخرها تنازلها عن موقفها بألا يسمح بأكثر من 500 جهاز طرد لنجد أنها قبلت بـ1500. إضافة إلى سلسلة تنازلات قدمتها واشنطن في مجال المقاطعة والأموال المجمدة.
وثالثها ما تحدث به الإيرانيون عن مطالبهم بأن يسمح لهم بمد نفوذهم في المنطقة.
ومع أن واشنطن تنكر أنها ستقبل بمثل تلك الشروط، فإن في المنطقة تشككا في أن تترك إيران حرة تخرب المنطقة، بأكثر مما تفعل حاليا. والذي يعزز هذه الشكوك المواقف الأميركية التي تميل لصالح إيران في العراق وسوريا، وآخرها تصريحات الرئيس أوباما حول سوريا؛ فقد تعهد أوباما بمحاربة تنظيم داعش رافضا عقاب النظام السوري الذي هو مصدر الأزمة، وقد أفنى أكثر من ربع مليون إنسان، وشرد أكثر من 8 ملايين سوري.
ورابعها المشروع النووي نفسه. فالولايات المتحدة يبدو أنها تراجعت عن تعهداتها المتكررة السابقة، بمنع النظام الإيراني من امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي، وهذا سيتسبب في تغيير ميزان القوى في المنطقة بشكل خطير جدا. نحن ندرك، مثلما يدرك الغربيون، حقيقة أن إيران ليست في حاجة إلى الطاقة النووية لتلبية حاجاتها من الطاقة، فهي الدولة الرابعة في العالم في احتياطات مؤكدة من البترول، تسبق العراق والكويت والإمارات. فلماذا تنفق مبالغ هائلة على الطاقة النووية، وهي تستطيع إنتاج البترول بتكلفة رخيصة جدا؟ السبب، إيران تسعى لبناء سلاح نووي، ودولة بمثل هذا التفكير، والإصرار، تعني أنها ذات نوايا عدوانية خطيرة.
وإذا رضخ المفاوضون في مسقط للسماح لإيران بحق الاستمرار في مشروعها النووي، فإننا نكون بذلك قد دخلنا عهدا خطيرا جدا. سيعني اختلال ميزان القوة الإقليمية، مما سيضطر دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية وتركيا ومصر، إلى البحث عن وسيلة لبناء قوة ردع نووية موازية لإيران. وهذا سيجعل منطقة الشرق الأوسط التي تهدد العالم بـ«داعش» و«القاعدة» أكثر خطرا على العالم، بـ5 دول نووية، بينها إيران وإسرائيل. لماذا أوباما حريص جدا على إبرام اتفاق مع إيران؟ لا يوجد سبب معقول. لقد شاهدنا كيف أن العقوبات الأميركية نجحت جزئيا في إرهاق النظام، وأوصلته إلى مرحلة التفكير بأن مشروعه النووي قد يعرض كل النظام للانهيار لاحقا. إلا أن الكوة، التي فتحتها إدارة أوباما للنظام في طهران، دفعت الأميركيين، وليس الإيرانيين، لتقديم المزيد من التنازلات مقابل وعود من نظام خامنئي، في مجملها لا توقف المشروع النووي، بل تبطئ من سرعة تنفيذه فقط. وعندما ننتقد المفاوضات، فليس لأننا نرفض أن تتوصل الدول الغربية إلى اتفاق ينهي الأزمة مع إيران، بل إن أي اتفاق يروض التفكير السياسي الإيراني العدواني، وينزع سلاحها النووي، هو في صالح المنطقة كلها، لكننا لا نعتقد أن الاتفاق المطروح حقا يقلّم السلاح النووي، ولا يردع التفكير الفوضوي الذي تمارسه طهران بلا توقف منذ الثمانينات. والذي يجعلنا نشك هو أن الأميركيين غيّبوا دول المنطقة عن المفاوضات، وتبادلوا إرسال رسائل سرية، كما فضح أمرها الإسرائيليون، بأنه تم تبادلها مع المرشد الإيراني شخصيا. وفي الوقت نفسه، نحن نرى كيف تتبنى واشنطن مواقف منحازة لإيران في سوريا والعراق!
مفاوضات مسقط توحي بأن الاتفاق بات قريبا؛ بحيث يسابق الموعد النهائي المضروب في هذا الشهر، والذي إن تم قد يغير تاريخ المنطقة.

اقرأ المزيد
١١ نوفمبر ٢٠١٤
حزب الله لم يتعلم الدرس بعد

ألم يستوعب حزب الله بعد، وإيران من خلفه، أن تدخلهما في سوريا سيكونان وبالا عليهما وسيدخلان اللبنانيين ودولتهم والمنطقة في فوضى أمنية وهجمات انتقامية كان لها أول ولا أظن أن لها نهاية في القـريب المنظور.

ألا يرى الحزب، وكل جهة تدخلت طائفيا في سوريا، أن الدم حين يُزهق دون سبب سيكون نارا ولعنة على كل من أهدره؟ أين هي مخابرات حزب الله التي كان يفتخر باكتشافها لخلايا التجسس الإسرائيلية، وأين هي شبكة اتصالاته التي كاد أن يدخل لبنان في حرب أهلية بسببها؟ هل ما زالت على قوتها، أم أن حربها السورية قد استهلكتها، وهل ما زال الحزب يملك من القوة على الساحة اللبنانية ليفرض العماد ميشيل عون رئيسا للجمهورية في ظل تشتته بين الشأن الداخلي والسوري؟

حزب الله وكل من تدخل ضد ثورة الشعب السوري سيدفع الثمن، وسيعلم الذين ظلموا كيف أدخلهم نظام طهران في خندق مظلم أوله نور وآخره هلاكٌ لهم، ولن تكون الخسائر اليومية لمقاتليهم على الصعيد البشري وحدها من سيخلخل الإجماع الشعبي حوله، بل التكلفة المالية للحرب والتي ستقلل من تدفق الأموال التي كان الحزب يستخدمها في الإنفاق على برامجه الاجتماعية والتنموية، وعملت على الدوام على التفاف الجموع الفقيرة حوله، وهي التي تشكل أغلب أتباعه.

القتيل والمشرد والمصاب السوري الطامح منذ أكثر من ثلاث سنوات للحرية سينتقم لنفسه بقدر ما يستطيع ومتى ما سنحت له الفرصة، وبقدر ما يراه هدفا مشروعا له، واستهدافه لأهداف لبنانية وإيرانية أو تابعة لها هي رسالته لطهران، التي يريد أن يخبرها من خلاله أن سياستها في تصدير ثورتها التي تدعي إسلاميتها، ستحرقها أيضا، ولن تنفعها قنبلتها النووية، التي تسعى لها، في حمايتها من كل الشعوب التي عانت من تدخلاتها وظلمها وتجبرها عليها.

سوريا التي كانت دوما أولى الوجهات السياحية المفضلة للعرب باتت الآن دولة مدمرة، تخيم عليها أجواء القتل وتزكم الأنوف روائح البراميل التي تلقيها مروحيات النظام في كل يوم، حاصدة العشرات من الأرواح البريئة، بدعم عسكري لم يعد خفياً، والهدف منه هو الإبقاء على نظام حزب البعث في الحكم، حتى لو كان سبيل ذلك دماء السوريين، الذين لن ينسوا، أبدا، تدخل حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية والحرس الثوري الإيـراني في قتالهم إلى جانب النظام ودعمهم له وهو الذي كان آيلا للسقوط بيد قوات المعارضة المسلحة.

آجلا أو عاجلا ستنتقل الحرب، وما يتبعها من إرهاب ودمار وخراب واقتتال وتفجيرات واغتيالات، من سوريا لتستهدف جميع الأطراف التي تدخلت في الشأن السوري وسينقل السوريون ثأرهم للداخل اللبناني، وسيعي حينها مؤيدو الحزب ومن تخاذل عن ردعه حجم الضرر الناتج عن ذلك، ولن تجدي نفعا عملية ينفذها مقاتلوه تجاه إسرائيل في استعادة شعبيته التي ضحك بها على العامة سابقا، ولن تعيد له مكانته “البروباغندا الثورية” التي يريد أن يثبت من خلالها أنه ما زال نصير المقاومة، رغم أنه لم يتجاوب مع حماس في حرب غزة الأخيرة ورفض طلبها قصف إسرائيل، فهو لم يتلقّ التعليمات من طهران لذلك، وهو الذي يتبع لها بالولاء عقيدة وأيديولوجيا حسب البيان التأسيسي للحزب الذي ينص على: “الالتزام بأوامر قيادة حكيمة متمثلة بالولي الفقيه، وتتجسد بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الإمام الخميني”.

فرض حل للأزمة السورية ليس بالأمر المستحيل، بل من الممكن وبسهولة إن حصل الإجماع الدولي على ذلك، ولكن بالطبع ليس على غرار مفاوضات جنيف واحد وإثنين، التي وجد النظام فيها وسيلة للمناورة والعبث وتسويق سيناريو الإرهاب الذي لا يُصدق، وإنما عبر قرارات أممية ملزمة ووفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومع فرض حظر جوي وعزل السلطة الحاكمة وتسليم السلطة لحكومة انتقالية، تقوم على إعادة اللحمة الوطنية وتأسيس جيش وطني لا عقائدي، وسحب السلاح من الجميع، ومحاكمة ثورية للوردات الحرب، وتأسيس للعدالة الانتقالية على غرار ما فعلت أول حكومة سوداء في جنوب أفريقيا عقب تسلمها للسلطة من البيض. حينها وإن حصل، سيكون لنا حديث آخر، لكن الآن، وعلى ما يبدو، بعد أن دخلت “داعش” على خط الأزمة، فسيبقى الحال للأسف على ما هو عليه، وستبقى الأزمة السورية نارٌ تحرق، وطائفية تفرّق، ومفرخة للإرهاب الذي يصفه كلٌ حسب تفسيره ورؤياه.

اقرأ المزيد
١١ نوفمبر ٢٠١٤
الأكراد والفلسطينيون: إنه «التنازل للغرب»!

يبدو، بحسب جريدة «الأخبار» اللبنانية، أن حركة «حماس» تتجه إلى إحداث تغيير كبير يطاول ميثاقها الشهير الذي اعتُمد في 1987. ففي موازاة تصاعد العدوانية والاستفزاز الإسرائيليين المصحوبين باندفاعة جديدة للاستيطان، وفيما التصدع يضرب من جديد علاقات «فتح» و»حماس»، تناقش الأخيرة مراجعة هذا الميثاق الذي لم يُراجع منذ نشأته قبل أكثر من ربع قرن. وهذا علماً بأن الزمن الفاصل عن 1987 شهد تحولات هائلة الضخامة فلسطينياً وعربياً ودولياً، كما سجل تحولات لا تقل ضخامةً طرأت على الأفكار والمعاني، سلباً وإيجاباً على السواء. فالميثاق ينطوي على فقرات تحرم «ما يُسمى الحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية»، وهو ما يتعارض مع «عقيدة حركة المقاومة الإسلامية». فوق هذا، يضج الميثاق بأحكام وعبارات لاسامية، بالغة الابتذال والعنصرية، هي أقرب إلى ترجمات رديئة عن أدبيات اللاسامية المسيحية في أوروبا. وكثيراً ما استُخدمت تلك العبارات لتهميش القضية الفلسطينية نفسها، وليس «حماس» وحدها، وحشرها في خانة عنصرية لا تدعو إلا للتنصل.

وهذا التحول إذا ما أُنجز حقاً سيكون عرضة لنقد مفاده أن الحركة الإسلامية الفلسطينية تتنازل للغرب، وربما لإسرائيل أيضاً، من أجل أن تنضوي في عملية تسووية ما. ذاك أن الغرب وإسرائيل يقولان ما قد تتجه المراجعة الحمساوية، مباشرةً أو مداورةً، إلى قوله.

والنقد ذاته قد يهب، ولو اختلف النقاد، في مواجهة القرار الشجاع الذي نسبه «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى سلطات المناطق الكردية في سورية. فالأخيرة، بحسب «المرصد»، أصدرت مرسوماً يضمن للنساء حقوق الرجال ذاتها في المجالات جميعاً، بما فيها الإرث. والمساواة هذه إنما تشمل أيضاً حق العمل والأجر والشهادة أمام المحاكم. كذلك يقضي المرسوم إياه بمنع تعدد الزيجات أو تزويج الفتاة قبل بلوغها الثامنة عشرة من دون رضاها. وقد جُرم القتل بذريعة الشرف واعتُبر العنف والتمييز ضد المرأة جريمة يعاقب عليها القانون. وإلى هذا أكد المرسوم على «منح إجازة الأمومة المأجورة للمرأة العاملة، وذلك لثلاث ولادات».

صحيح أن مرسوماً بالغ الثورية والتقدم كهذا قد ينطوي على بُعد دعائي وتسويقي يستهدف الخارج، وأنه قد لا يكون المرآة الأصلح لقراءة واقع العلاقات الأهلية للأكراد واستعداداته. مع ذلك فإن خطوة كتلك تفتح الباب أمام آفاق أوسع للأكراد وللمنطقة، كما تُثمر نصاً تأسيسياً يسبغ الشرعية على الإنجازات الموعودة فيما تجعل كل محاولة لتجاهلها أو للنكوص عنها لاحقاً أصعب وأعقد.

نعم، سوف يتقاطع ما قد تقوله «حماس» وما تقوله القيادة الكردية في سورية مع ما يراه الغرب. لكنْ ليس من الضروري، ولا من المفيد، أن نقول إن الأرض مسطحة كلما قال الغرب إنها مستديرة. وهذا إلحاح يضاعفه اليوم ما يهب علينا من ثقافة «داعش» و»النصرة» وأضرابهما، ومن الاحتمالات المتاحة لتوسع هذه الثقافة الرديئة. ورداً على ذلك، فإن ما قد يوصف بأنه «تنازلات» لا يُقدم للغرب، بل يقدم للحقيقة، ولحجز موقع لنا في معاصرة عصرنا، ناهيك عن فوائد سياسية، للفلسطينيين وللأكراد، لا يرقى إليها الشك.

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٤
هل العلوية مذهب طائفي أم مذهب فلسفي!!! ليس في تاريخ الطائفة العلوية فيلسوف أو مفكر واحد !!! ؟؟

كنا كيساريين علمانيين ...نصدق علمانية (الأقليات ) ونعتبرهم أقدر على اليسارية والعلمنة، بسبب أنهم لا يملكون تاريخا فقهيا رسميا مؤسساتيا كثيفا ومكتظا بالفتاوى والتفاسيركالمذهب الإسلامي (السني ) الحاكم الأكثري عبر اربعة عشر قرنا الذي ربما شكل عائقا أمام الانخراط في الحداثة...
ومن ثم المذهب (الشيعي ) الأقرب كمدونة وترسيمة فقهيا للمذهب السني رغم أنه الاقل عداء سياسيا عن الآخرين ... لكنه الأكثر حضورا وقوة عددية من الأقليات الإسلامية ، الذي تم تأسيسه بوصفه ردا معارضا على المذهب الرسمي الأكثري السني ...
النخبة العلوية (ومنهم جد آل اسد ) في توقيعها على الوثيقة الداعية إلى بقائهم تحت الاستعمار الفرنسي ، تحدثت عن نفسها كطائفة مستقلة عن (المسلمين )، وشبهت نفسها بالمظلومية ( اليهودية ) ، أي بأنها طائفة مضطهدة كاليهود في فلسطين الذين يتعرضون لإرهاب المسلمين الفلسطنيين على حد تعبير الوثيقة ..
كنا من منظور وطني سوري نرفض النظر إلى الطائفة العلوية بوصفها طائفة (غير مسلمة )، وربما من هذا المنظور الوطني لنظام الاستقلال السوري ، تم إعدام (سلمان المرشد ) عندما ادعى الربوبية ( الرب سليمان )، وذلك دفاعا عن إسلامية الطائفة العلوية ، التي كانت نخبها تعاني أزمة هوية بين سوريا العربية المسلمة، وبين البقاء في ظل الاستعمار الفرنسي ...
ولربما أن النخبة الوطنية السورية، كانت تضمر تأييدا لانتصار التيار البعثي العروبي من خلال (حافظ الأسد ) الذي أظهر خياره مع القومية العربية على خياره (القومي السوري ) من جهة، ومن جهة اخرى، كان يعلن ويظهر انتسابه إلى ( سوريا : عربية كانت أم سورية "إسلامية" حتى ولو في حدود الهوية الحضارية غير الدينية !!! ) ...وهي ذات التجربة القلقة مع الهوية السورية، التي يعيشها معهم اليوم فصيل (البي كيكي ) الكردي ( العلوي التركي) من خلال علاقته التحالفية العضوية الطائفية مع الأسدية ..
.لقد رفضنا كوطنيين سوريين- قبل الثورة أم بعدها - الأطروحة الانكليزية الشهيرة التي تتحدث عن أن لا جامع ( فكريا أو دينيا أو مذهبيا ) بين العلويين كطائفة سوى (عدائهم وكرههم للمسلمين السنة ) ...!!!
رفضنا هذا التوجه الانكليزي، كوطنيين يساريين عرب أو مسلمين، وذلك قبل أن تتكشف لنا الباطنية الأسدية عن كل هذا الكره الاستثنائي نحو العرب والمسلمين، مما لم نعرفه منذ زمن المغول مرورا بالعهد الاستعماري الأوربي الفرنسي ، وصولا إلى زمن السيطرة والهيمنة الإسرائيلية على العرب والمسلمين والفلسطينيين اليوم ...
هذا التمويه الطائفي الذي يتخفى تارة وراء ( ربوبية المرشد )، أو وراء توقيع النخب العلوية (بما فيها الأسدية بالبقاء تحت الاستعمار الفرنسي ) ،الذي يؤكد صدقية نظرية الانكليز، بأن ما يجمع العلويين، هو الكره لسوريا ووحتها ووحدة شعبها، هذه الوحدة الوطنية السورية التي تآلفت عليها كل القوى الوطنية الديموقراطية الثورية ...تحت شعار (واحد واحد الشعب السوري واحد )، في ثورة الحرية والكرامة لسوريا وللسوريين ، والتساوي المواطني بين جميع الديانات والمذاهب والمكونات السورية الدينية والمذهبية ...
هذه الفلسفة الانكليزية في احتواء العلويين منذ إعداد الأسد الأب (كعميل )، وابنه المعتوه للاستيلاء على سوريا، فإنه يعاد انتاجها العصري اليوم (انكليزيا وامريكيا وإسرائيليا) ، تحت تسمية العلوية، بأنها ( مذهب فلسفي )، لكن عماده كره المسلمين والوطنية للسوريين الوطنيين الداعين لوحدة سوريا كشعب وكوطن ..
وقد بدأ الإعلان عن هذه التسمية (الطائفية الفلسفية) تحت يافطة يسارية علوية منذ شهور، يحمل صاحبها شهادات السجن من جماعة (حزب العمل الشيوعي !!!) بل ورئاسة حقوق الإنسان، حيث كان رئيسها في يوم ما...
والأطرف ما في الأمر أن كل الطوائف الأقلية الإسلامية الباطنية ( الدروز والاسماعيلية ...الخ )، تحمل بعض أمشاج الفلسفة العرفانية الغنوصية الأفلاطونية المحدثة تاريخيا إلا العلويين... الذين تقوم عقيدتهم (الفلسفية" على فكرة (تأليه علي ) ، وعلى أن الله قد "حل في علي" ، وانه يقيم في القمر، وأن الرعد صوته، والسحاب وجهه وتجليات وجهه ...وغير ذلك من الخرافات البدائية الفانتازية الممتعة تخييليلا، رغم فقرها الحسي البدائي الجبلي بالخيال الإبداعي إذا ما قورنت بالفانتازيا اليونانية .!!..
الطائفة العلوية هي أفقر الطوائف السورية بالفلسفة المادية والميتافيزيقية، وأغزرها بالشعر الغنائي (الأنوي) لاتصاله بعالم الغريزة حسب أرسطو، إن أن الشعر (الغنائي الأنوي غير الدرامي) حسب أرسطو، هو الألصق بعالم الحس والغريزة والأشياء المغللة بالسحر والغرابة والشذوذ، حيث بدأت به (المحاكاة اليونانية ) الحسية البدائية قبل نشأة (محاكاة الدراما) ،وقد وكان معادل الشعر الغنائي المعبر عن اندفاعات الذات العاجزة عن المعرفة العقلانية الفلسفية للعالم، هي التي اعتبرها ارسطو عبر طه حسين: المعادلة سياسيا تاريخيا للنظام السياسي الاستبدادي الطغياني ...
وربما هذا ما يفسر لنا الهستيريا السنوية الإعلامية العلوية الطقسية نحو أدونيس، إذ يريدون للعلوية أن يكون لها مفكر ولو واحد في تاريخها الرعاعي القناني ...حيث لم يعرف التاريخ الإنساني إلا الفلاسفة الأحرار ...فالرعاع والأقنان لا ينتجون فلاسفة ومفكرين ...
مهما حاول العلويون أن يضعوا كل دعمهم الاعلامي الأمني الأسدي ...في خدمة مواهبهم الفكرية والفلسفية وأمالهم الحداثية، بين يدي شاعر (غنوصي)، لم يستطع يوما الانفكاك عن عالم الحس البدائي، لكي يعتبروه الساحر الذي يملك كل أسرار العلوم والمعارف التي تؤهله لنيل جائزة (نوبل )...
وكبير سحرهم هذا (أدونيس) لم يتناقض يوما في (شعبذاته وطلاسمه) الشعرية التي يظنونها فلسفة : شعرا ونثرا مع النظام الميليشي التشبيحي الأسدي حتى في ذبح الأطفال... وفق ترسيمة أرسطو عن البدائية الشعرية التي لم ترتق للفلسفة قط، كما يتوهم بعض العلويين المكلفين بالمعارضة والانشقاق وقيادة حقوق الانسان، وتأسيس (علوية فلسفية ميلودرامية ) لتفسير الطقوس الأسدية بالذبح والقتل والتدمير والإبادة والإرهاب والجريمة كفلسفة ممنهجة ..ولعل المثل المعرفي والفكري الأكثر تمثيلا لهذه الفلسفة العلوية : "فيلثوفها المتحذلق " الثأثاء الأسدي سليل (الفلثفة) الخنزيرية الأسدية السفاحة

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٤
هل نحن داعش؟

عرضت محطات التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي شريطاً مصوراً لشاب لبناني يحمل سكيناً، يهدد به أطفالاً يرتجفون هلعاً، وهو يسألهم بالتتابع، والسكين تقترب من حنجرة كل منهم: هل أنت داعش؟ ومن تريد أن يكون أول من يذبح؟ فيما بعد، علمنا أن أم الأطفال تركتهم في عهدة الشاب، ريثما تعود من السوق، وأن كل طفل رد على سؤال حامل السكين، متوسلاً أن لا يكون أول المذبوحين.

هل نحن "داعش"؟ هل السوريون جميعهم "داعش"؟ ألسنا متهمين بـ"داعش"، مع أنها لم تنشأ عندنا، ودخلت بلادنا عنوة واقتداراً، ومن دون إذن منا، وكنا أكثر ضحاياها عدداً، ولم تقاتل أحداً كما قاتلتنا، ولم تقدم لنا أية خدمة غير إخراج الجيش السوري الحر والمقاومة من مناطق كانا قد طردا النظام منها، لكننا، وعلى الرغم من ذلك، متهمون بأننا "دواعش"، لمجرد أننا سوريون!

لماذا يعتقد لبنانيون كثر أننا "دواعش"، بدءاً بالشاب، الذي زعم أنه كان يمازح الصغار، وصولاً إلى حزب الله، الذي لا يمازحنا أبداً، وقطاع كبير من لبنان الشعبي والرسمي كان قد استقبل لاجئينا بالتعاطف عند قدومهم إلى لبنان، ثم بدأت الشكوك تساوره حول ما إذا كانوا إرهابيين أو مشاريع إرهابيين، قبل أن تتحول تهمتهم إرهابيين إلى واقعة مثبتة، جعلت شاباً غير مسيس، لا يجد وسيلة لـ"ممازحة" سوريين صغار غير تهديدهم بالذبح، لأنهم ليسوا فقط من "داعش"، بل هم "داعش" نفسها؟ وهل اعتقد هذا الغرّ أن ذبح أطفال سوريين يعني ذبح "داعش"؟ ألهذا الحد، صار السوري يتماهى مع الإرهاب والإرهابيين، حتى وهو طفل صغير؟

لا أعرف إن كان في الأمر تضخيم للأمور، لكنني أعلم أن صورتنا، كسوريين، تعرضت لتشويه خطيرٍ، لأسبابٍ بينها سرعة تحول ثورة قمنا بها، طلباً للحرية، إلى اقتتال متعسكر/ مطيف وممذهب، والسهولة التي تم بها هذا التحول، الذي لم يلق ما كان يستحقه من مقاومة شعبية ووطنية، وعلى يد هيئات وجهات ومجالس وائتلافات وأحزاب وشخصيات غير أصولية، لطالما ادعت تمثيل الثورة ومعاداة الإرهاب، واعتقدت أن كل من ليس أسدياً  وحمل بندقية هو مع الشعب وحريته، حتى إن تبنّى أيديولوجية مذهبية ورؤى تكفيرية، وأعلن عداءه الصارخ للحرية والديمقراطية ولدولة ومجتمع سورية. بدل أن يصارع "ممثلو" الشعب هؤلاء، وخصوصاً منهم رجال الدين الإسلامي، التيار التكفيري/ الأصولي عقائدياً وإعلامياً، وينبهوا إلى تعارض خياراته مع الإسلام ورهانات الثورة، ويشرحوا للشعب تناقض ما يدعو إليه مع  عقيدة الحرية عميقة الجذور في روح المؤمن، وما ينبثق عنها من قيم ومعايير، مغايرة جذرياً لقيم الأصولية ومعاييرها، لفلفوا القصة، وقفزوا عن الخيارات المتناقضة، التي يفضي التياران إليها، والأوضاع المتعارضة التي ستترتب عليهما، بحجة الحرص على وحدة من يقاتلون الأسد، والخوف من إضعاف "الثورة"، مع أن المذهبيين كانوا يعلنون رفضهم إياها في كل كلمة يقولونها، ويلاحقون أتباعها، ويجتثون حاضنتها المجتمعية في جميع المناطق التي سيطروا عليها.
"
ألهذا الحد صار السوري يتماهى مع الإرهاب والإرهابيين، حتى وهو طفل صغير؟

"

بسبب تقصير الهيئات الدينية الرسمية والشعبية، وجمهور السياسيين والمثقفين، ودفاع بعض قادة المعارضة عن الأصولية، ورفضهم طرح قضيتها على بساط النقد، ترسخ الانطباع بأن الثورة لم تكن غير ما قاله بشار الأسد: مجرد غطاء لأصولية استغلت شعارات الربيع العربي، كالحرية والعدالة والمساواة، كي تفقس في حاضنة مجتمعية واسعة، قبل أن تسفر عن هويتها الحقيقية، وتأكل غطاءها، وتقتل أو ترعب أنصار الحرية الحقيقيين. بسبب هذا التطور، صار من المشروع أن نطرح سؤالاً مليئاً بالدلالات المفزعة: "ألسنا حقا داعش"؟

يقول بعض متابعي الشأن العام إن قرابة ثلث السوريين يؤيدون "داعش"، ويسوغون فظائعها. ويقول تحليل دولي معتمد في أميركا والغرب وقطاعات واسعة من العالم الإسلامي إن "داعش" هي التعبير السياسي والعسكري عن رفض أهل السنة إقصاءهم عن الحكم والسلطة، والرد على التنكيل، الذي تعرضوا له في نصف قرن، وخصوصاً في العراق وسورية، حيث ظهرت ونمَتْ بسرعة. ويضيف التحليل إن "داعشيتنا" ليست فقط مشكلة محلية، بل دولية أيضاً. لذا، كان من الضروري أن يأتي ردنا واضحاً وقاطعاً عليها، كي لا نجد أنفسنا، ذات يوم، متهمين دولياً بما هو أكثر من قبولنا إياها بصمت، ومعاقبين على ما ليس منا، ولسنا منه، خصوصاً وأن قصة "داعش" تكتسب أبعاداً نرى بدايتها، ولا نعرف نهاياتها.

إذا كنا لا نريد حقاً أن نكون "داعش"، لا يكفي من بدء الحرب ضدها فصاعداً أن ننكر انتسابنا إليها ومعارضتنا إياها. ولا بد من أن نبادر إلى القيام بخطواتٍ، تتجاوز مجال علاقاتنا المباشرة معها أو ضدها، وأن نطور رؤية واستراتيجية تقنعان العالم بأننا نعمل ما علينا لتحصين أوضاعنا، ووضعه ضد الإرهاب، ونعمل لدحره في مكامنه المجتمعية ومنابعه الايديولوجية: المذهبية القديمة المرتبطة بالحراك الأصولي، والحديثة المرتبطة بنظم "تقدمية" و"ممانعة" و"ثورية" و"علمانية" تقتل الناس بالجملة، ولا تقل إرهابا بأية حال عن أية اصولية إرهابية، إن لم تكن أكثر إجراماً منها بكثير، أبرزها وأخطرها النظام السوري.

هل نحن، كقوى سياسية وعسكرية، وكائتلاف ومجلس وطني ومعارضة، في وارد عمل كهذا؟ هل نحن، إذا لم نكن كذلك، إذن، "دواعش"، وسنظل ننتج الداعشية، التي ما سكتنا عليها، وتعاطف كثيرون منا معها، إلا لأنها تعبر عنا وعنهم، مهما حاولنا نفي ذلك وإنكاره!  

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٤
هل تنجح محاولات تأهيل الأسد؟

تجري بعض الأطراف الإقليمية والدولية محاولات لتأهيل نظام الأسد وإعادته إلى الواجهة السياسية على اعتبار أن هذا الحل يمثل الخيار العقلاني والعملي الوحيد في هذا الظرف والضامن لمستقبل سوريا وأمن المنطقة، وذلك ضمن حسابات ورهانات معينة، فيما يبدو أنه محاولة للاستفادة من اللحظة السياسية الملتبسة والمركبة التي يمر بها العالم.

ثمة معلومات عديدة يجري تداولها في الإعلام تفيد بوجود جهد مصري بهذا الخصوص غير معلن ولكنه حثيث ويعمل على أكثر من اتجاه وفي أكثر من مكان.

ويقوم الجهد المصري -وفق ما تسرب من مصادر عديدة- على إقناع بعض الدول الخليجية بقبول مصالحة مع نظام الأسد كمقدمة لإعادة تعويمه بذريعة إنقاذ النظام العربي بعد مرحلة الربيع وربط هذا الموضوع بجهود مكافحة التطرف الأصولي وإثبات أن لنظام الأسد دورا مركزيا في هذا المجال وهو ما يحتم دمجه ضمن منظومة عربية أوسع قد يصار إلى تأسيسها في المستقبل المنظور.

    "يقوم الجهد المصري لتأهيل الأسد -وفق ما تسرب- على إقناع بعض الدول الخليجية بقبول مصالحة مع نظامه كمقدمة لإعادة تعويمه بذريعة إنقاذ النظام العربي بعد مرحلة الربيع وربط هذا الموضوع بجهود مكافحة "الإرهاب""

كما كشفت روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف عن رغبتها في إعادة إحياء مفاوضات جنيف ولكن وفق صيغته الأولى التي لا تمس وضع الأسد وترتكز على محاربة الإرهاب وإشراك المعارضة في حكومة وحدة وطنية، على أن تبقى الوزارات السيادية من حصة الأسد، ويذهب البعض إلى حد القول إن موسكو باتت في مرحلة رسم طاولة المفاوضات وإعداد برنامج التفاوض وخريطة الأطراف المتفاوضة.

السؤال البديهي الذي يتبادر للذهن أمام هذا التغير المفاجئ في قراءة الوضع السوري: ما الذي حصل وشجع أصحاب المقاربات المذكورة على طرح أفكارهم للحل في هذا التوقيت؟ فيما لا يبدو أنه يمتلك حظوظا كبيرة للنجاح على أرض الواقع، بل ثمة ما يؤكد عكس ذلك نتيجة تعقد الأوضاع وحالة التباعد بين الأطراف المتصارعة، حتى مقارنة بالمرحلة التي جرت فيها مفاوضات جنيف2 والتي انتهت بفشل ذريع.

تراهن الدبلوماسيتان المصرية والروسية على جملة من المعطيات الحاصلة في السياقين السوري والإقليمي، وتحاول على أساسهما اختبار الفرص الممكنة لنجاح تلك الرهانات ومن ثم فرض سياق تفاوضي على القوى الإقليمية والدولية يضمن إدماج نظام الأسد كخيار إلزامي في المرحلة المقبلة، مستغلتين في ذلك عدة عوامل:

- استغلال مرحلة خلط الأوراق التي أنتجها الانشغال العالمي بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومحاولة تمرير طروحات وأفكار معينة.

- اعتقاد مصر وروسيا أن المصالح الأميركية باتت مهددة نظرا للتهديدات الأمنية التي أفرزتها الأزمة السورية على الدول الخمس المجاورة لها (تركيا والعراق والأردن ولبنان وإسرائيل) وهي ركيزة للمصالح الأمنية الأميركية في المنطقة.

- تعرض الأمن الإسرائيلي -بعد الهدوء عقودا طويلة- لمخاطر حقيقية ومن أكثر من اتجاه (سيناء والجولان وغزة وجنوب لبنان)، ومحاولة الضغط على أميركا من هذه الخاصرة.

- حالة التشتت في صفوف المعارضة السورية ومحاولة إقناع أميركا بلا جدوى بالبحث عن بدائل لنظام الأسد.

بالنسبة لمصر تندرج مسألة تأهيل نظام الأسد ضمن خطة واسعة لإعادة الدور المصري وترتكز على جملة من المحاور: بناء مجال إقليمي أمني وسياسي طارد للإخوان المسلمين في المنطقة من ليبيا غربا إلى سوريا شرقا، وخلق محور مواز لما تعتقده محورا مضادا (قطري-تركي) تشكل سوريا جبهته الشرقية.

    "تندرج محاول مصر تأهيل نظام الأسد ضمن خطة واسعة لإعادة دورها عبر بناء مجال إقليمي أمني وسياسي طارد للإخوان المسلمين في المنطقة من ليبيا غربا إلى سوريا شرقا، وخلق محور مواز لما تعتقده محورا مضادا تشكل سوريا جبهته الشرقية"

ومن شأن هذه الترتيبات -في حال نجاحها- إعادة فعالية الدور المصري كما يتصوره نظام السيسي في المرحلة الراهنة، خاصة بعد محاولة مصر ترويض الجانب الفلسطيني وإخضاعه لصالح الرؤية المصرية، ومحاولات مد جسور العلاقات مع لبنان ودمجه ضمن هذا الإطار بالتزامن مع فتح العلاقات مع السودان والترتيبات الأمنية مع الجزائر خاصة على صعيد محاربة الإسلاميين.

وتحاول مصر تمرير رؤيتها هذه عبر إعلامها ومراكز أبحاثها التي بدأت تروج لدور عربي يمكن أن يقوم به نظام السيسي، وكذلك عبر محاولة تصديرها حقيقة أن الإرهاب الذي تجسده التنظيمات المتطرفة يشكل الخطر الأكبر على أمن وسلامة الإقليم والنظام الدولي برمته، ويقوم التكتيك المصري في هذا المجال على محاولة اللعب على وتر المخاوف الأميركية والإسرائيلية، والعمل ضمن أجندتهما، بل وطرح القضايا التي تعتقد أنهما ترغبان بها ولكنهما تتهيبان طرحها نظرا لحساسيتها الإقليمية، وذلك ضمن لعبة سياسية مكشوفة، وفيما يبدو أنه رسالة لإمكانية قبول لعب أدوار تأنف الدولتان عن لعبهما.

أما روسيا فهي تسعى من خلال عودتها للساحة الإقليمية بعد غيابها السياسي الملحوظ نتيجة انهماكها بالوضع الأوكراني إلى إعادة فتح النوافذ في علاقاتها مع الغرب واختراق حالة الجمود، خاصة مع واشنطن، وتنطلق في طرحها هذا من تقديرها أن واشنطن ربما بحاجة لمثله في الظرف الراهن.

وتعتقد موسكو أيضا أن فرصة إحداث تغييرات جديدة في المقاربة السورية تقوم على أساس التركيز على المعارضة الداخلية القريبة منها والتقليل من فعالية المعارضة الخارجية وتحويلها إلى طرف هامشي عبر الإيحاء بأنها مسؤولة عن ظهور تنظيم داعش وتمدده في المنطقة، مستغلة متاعب الأطراف المؤيدة للمعارضة السورية والخلافات الجارية بين أطرافها، لكن الهدف الأساسي لموسكو هو إعادة طرح نفسها كطرف إيجابي في النظام الدولي، واختبار مدى قبول الغرب مثل هذا التوجه الروسي على أمل فتح أبواب التفاوض أمام ملفات الخلاف المعقدة من أوكرانيا إلى العقوبات الاقتصادية وأسعار النفط المنخفضة.

تتغذى المقاربتان المصرية والروسية على تقديرات صدرت من بعض المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار الأميركي، خاصة مؤسسة راند التي أصدرت تقريرا لها في أغسطس/آب ضمنته نتيجتين، أولاهما: أن التسوية المتفاوض عليها مع نظام الأسد لم تعد مشهدا مطروحا بقوة بين مشاهد حل الأزمة السورية، وثانيتهما: أن سقوط نظام الأسد -وهو مشهد صار أبعد احتمالا- لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة.

علما بأن هذه النتيجة تم بناؤها على معطيات متحركة وغير ثابتة حصلت في المشهد السوري في مرحلة ما قبل صياغة راند تقريرها، إضافة الى حقيقة أن الكثير من تقارير المؤسسات الأميركية بخصوص الأوضاع في المنطقة صار محل شك كبير خاصة بعد اعتراف الرئيس باراك أوباما بأن بلاده أخطأت في تقدير مخاطر نشوء تنظيم داعش وتمدده، والمعلوم أن الإدارة الأميركية تستند في جزء من عملية صناعة سياساتها إلى ما تنتجه تلك المؤسسات من تقديرات ودراسات.

    "أي علاج للأزمة السورية يتطلب حلا إقليما شاملا ينطوي على إعادة صياغة النظام الإقليمي برمته وإعادة التوافق للنظام الدولي الذي تشتبك أطرافه في أكثر من موقع وقضية، وهو ما يبدو أكبر من توقعات السيسي وبوتين"

مما لا شك فيه أن المقاربتين المصرية والروسية تنطويان على تسطيح واضح لتعقيدات الأزمة السورية وتأثيراتها العميقة في الواقع الإقليمي بحيث لم يعد ممكنا اختزالها في بعض الأهداف الدعائية أو حتى الأمنية لأطراف معينة، إذ لم تعد خافية جملة التحولات الجذرية التي حصلت في عمق الأوضاع الاجتماعية والحقائق السياسية، مما لا يسمح بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة السورية، وهو ما تحاول مصر وروسيا إعادته عبر ترقيعات لم يكن بالإمكان قبولها في وقت أبكر من ذلك بكثير.

فلو كان الأمر ممكنا لما ترددت أميركا التي تنخرط اليوم بالصراع في طرحها ومحاولة فرض سياق مناسب لإدماجها في واقعه. علاوة على ذلك، لا تملك المقاربتان السابقتان أي ركائز إقليمية تساعد على إنجاحهما نظرا لتعارضهما مع رؤية أغلب الأطراف الإقليمية بما فيها الطرف الإيراني الداعم لنظام الأسد والذي يرى أن أي طرح من خارج عباءته لن يكون مناسبا له ولا مواتيا لترتيباته بخصوص المنطقة ومسار تفاوضاته، ولاعتقاده أن أي تفاهمات بعيدة عنه سيجري بناء ترتيبات موازية لها ستؤدي إلى خروجه من منطقة النفوذ السوري لصالح الأطراف المساهمة في الحل.

الواقع أن أي حل للأزمة السورية يتطلب حلا إقليميا شاملا، ينطوي على إعادة صياغة النظام الإقليمي برمته وإعادة التوافق للنظام الدولي الذي تشتبك أطرافه في أكثر من موقع وقضية، وهو ما يبدو أكبر من توقعات السيسي وبوتين، إذ لم يستطع السيسي الوصول إلى مرتبة طرف مؤثر في الداخل المصري نفسه ولم يستطع مواجهة التحديات العديدة التي تنتصب في وجهه، ولم يستطيع بوتين أن يكون سوى قوة إقليمية عادية تستند إلى عائدات النفط المتراجعة أسعارها لتسيير شؤونها الداخلية، في الوقت الذي تآكلت قوة نظام الأسد لدرجة حولته إلى مليشيا تمتلك قوة جوية في طريقها إلى التلاشي.

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٤
سورية تحت الاحتلال

اجتازت طهران عتبة جديدة في سياستها السورية، فانتقلت، بمناسبة مرور ذكرى استشهاد الحسين في عاشوراء، من التدخل الشامل للحفاظ على نظام الأسد العميل لها، إلى سياسة الاحتلال الطويل لبلدٍ لا يزال شعبه يقاتل، منذ أربع سنوات، للتحرر من الارتهان لطغمة عسكرية فاشية، مستعدة لاستخدام أكثر الأساليب وحشية، وبيع البلاد إلى مَن يشاء، في سبيل الحفاظ على الحكم والاستمرار.
فما نقلته وكالات الأنباء عن مصادر متقاطعة عن مشروع توحيد الميليشيات الشيعية، العراقية والأفغانية والإيرانية، التي تستخدمها طهران للقضاء على مقاومة الشعب السوري وإخضاع السوريين لإرادتها، في جيش جديد، يعمل، جنباً إلى جنب، مع قوات حزب الله التابعة لها وما تبقى من ميليشيات الأسد وقواته المتفككة ـ التي يحاول أن يعيد ترميمها، من خلال حملة اختطاف الشباب وتجنيدهم بالقوة ـ يعني أننا أمام فرضية الاستيطان في الحرب، وتحويل سورية إلى مسرحٍ لصراع مديد قد يتجاوز عشرين عاماً، ويجمع بين الحرب الجيوسياسية والدينية والقومية والثقافية معاً، ويهدد بفصل المنطقة، بأكملها، عن دورة الحضارة والمدنية.


استعراض القوة في عاشوراء

" نحن أمام فرضية الاستيطان في الحرب، وتحويل سورية إلى مسرحٍ لصراع مديد قد يتجاوز عشرين عاماً "

بدل تراجعها خطوة أو خطوتين، كما كان التحالف الغربي يأمل، للمساعدة في الحرب ضد الإرهاب الداعشي التي تصب في مصلحة إيران، قررت طهران الهجوم بقوة أكبر، ورمي كل ثقلها وراء مشروع سيطرتها الإقليمية، والمراهنة، أكثر من أي فترة سابقة، على الحرب الدينية والمذهبية التي تعتقد عن حق أنها تملك فيها ميّزات تفاضلية أعظم، بعدما نجحت في تجييش المشاعر الطائفية عند الجماعات الشيعية التي كانت قد خضعت، خلال قرون، لهيمنة الإسلام السني، وتعلمت التعايش مع وضعها كأقليات.

وما حصل من استعراض للقوة والسطوة المذهبية، بمناسبة عاشوراء في المدن السورية، وفي مساجد المسلمين السنّة، وأسواقهم التقليدية، يدل على أن طهران بدأت تعتقد أن حملة التشييع الخفية، التي مارستها في الثلاثين عاماً الماضية، وحققت فيها بعض النتائج، لم تعد ضرورية، ولا منتجة، وأن بإمكانها، منذ الآن، أن تسفر عن وجهها، لتثبت مكاسبها، وتعمل على تعظيمها، وتأكيد حضورها العلني القوي في مدن سورية وأحيائها، وأن تبرز هدفها في تغيير البنية المذهبية والسكانية للبلاد، لتزرع العداء والانقسام بين أبناء الشعب الواحد، وتجعل القطيعة غير قابلة للتراجع، وتتصيّد في ماء الفتنة الطائفية العكر.

وهي، منذ الآن، تعدّ الشبان الشيعة الذين تدعوهم للقتال في سورية من كل البلاد، بمرتبات عاليةٍ لم يحلموا بمثلها من قبل، وتعدهم بالقدوم مع عائلاتهم لاحتلال منازل السوريين المهجرين، والحصول على الجنسية السورية، ليصبحوا جزءاً من المجتمع الشيعي الجديد الذي تنوي إقامته في سورية، كقاعدة دائمة لاحتلالها ونفوذها. وهي تنحو، في ذلك، نحو المنظمة الصهيونية التي غيّرت، بالفعل، من خلال الحرب والقتال الطويل وبث الذعر والفوضى في المجتمعات المحلية المشتتة الطبيعة السكانية والحضارية لفلسطين، وجعلت من المجتمع اليهودي في فلسطين أمراً واقعاً، لا يمكن الرجوع عنه، هو الذي تحول إلى دولة اسمها إسرائيل.

مَن يغذّي جنون العظمة الإيراني

يغذي هذا الطموح لانتزاع سورية بعد العراق ولبنان من العالم العربي وإلحاقها بإيران، واعتبارها بمثابة المحافظة 35 من محافظاتها، عوامل عديدة مترابطة:

الأول سكوت المجتمع الدولي وخنوعه، سواء على مستوى الأمم المتحدة التي يفترض أن تكون وصية على سيادة الدول واستقلال الشعوب وحريتها ضد العدوان الأجنبي، أو على مستوى الدول الكبرى العضو في مجلس الأمن التي يتوجب عليها، حسب مواثيق المجلس، حفظ الأمن والسلام الدوليين، ووقف عمليات الاحتلال والإبادة الجماعية والقتل المنهجي والمنظّم على أساس التمييز الطائفي أو القومي أو الجنسي. ولا أحد يعرف بالضبط ما إذا كان موقف المجتمع الدولي، الصامت والمكتوف اليدين، أمام جرائم ضد الإنسانية ترتكب منذ أكثر من ثلاثة أعوام في سورية، بتوجيه وتنظيم وتخطيط من حكومة طهران، وبأدواتها وأذرعها المسلحة، نابعاً من التواطؤ والضلوع في الجريمة والموافقة على الأهداف، أم من البلادة والخوف والغباء السياسي، أم من عدم المبالاة والاستقالة السياسية والأخلاقية.

" ينبغي النظر، أيضاً، إلى القطيعة التي كرّستها نُظُم الطغيان والفساد بين الشعوب العربية، وبينها وبين الدول الإقليمية الديمقراطية "

والعامل الثاني الذي يشجع طهران على أن تحلم بتحويل سورية إلى "إسرائيل" ثانية عن طريق التهجير والتدمير وإحلال شعب محل شعب، نجاح النخبة التيوقراطية الحاكمة في إيران، وعلى رأسها السيد علي خامنئي، في تجييش الجماعات الشيعية، المنتشرة في أكثر من بلد ومكان، للدفاع عن نظامها، ودعمه في تحقيق مشروع هيمنتها الإقليمية التي لا تكف عن التذكير بحقها فيها، ورهانها على قوة المشاعر الطائفية، لمواجهة المقاومة العربية، بعدما فشلت في فرض إرادتها على المنطقة، من خلال قيادة ثورة إسلامية عابرة للطوائف، تعيد تكتيل المشرق والعالم العربي من حولها.

وما شهدته شوارع دمشق ومساجدها من الاستعراض الكثيف والصادم للحضور الشيعي الأجنبي، الإيراني والأفغاني والعراقي وغيره، يهدف، بالضبط، إلى تعبئة المشاعر العدائية عند ميليشياتها، والتلويح لها بالانتصارات والمكاسب الهائلة التي ستجنيها من وضع اليد على المدن المفتوحة، ودفعها إلى المواجهة والقتال بشراسة، باسم الحسين وراية حب أهل البيت، ضد أصحاب البلاد الأصليين. أكثر فأكثر، تتطابق استراتيجية التعبئة الدينية الإيرانية مع التعبئة الدينية التي استخدمها الكهنوت الكاثوليكي في القرون الوسطى، ليحرف نظر المسيحيين عن طغيان الكنيسة ورجالها، وليوجه عدوانيتهم نحو اليهود بوصفهم قَتَلَة المسيح، وفي مرحلة لاحقة ضد المسلمين الذين احتلوا الأراضي المقدسة المسيحية، والتي قدمت التبرير الديني للحروب الصليبية. وأكثر فأكثر، تستخدم شهادة الإمام الحسين من الكهنوت الإيراني، في سبيل توجيه التهمة الجماعية للسنّة، وتبرير قتالهم بوصفهم قتلة الحسين، كما يستخدم شعار لبّيك يا حسين صرخة حرب للمتشيعين الفرس، في مواجهة شعار الله أكبر الذي يستخدمه المقاتلون السنّة.
والعامل الثالث هو انحناء العالم العربي أمام الهجمات الأجنبية المتقاطعة، بل انمحاؤه، وفقدانه توازنه، وانهيار استراتيجيته ودفاعاته التي تمحورت، منذ عقود، خلف حلم التكتل العربي والفكرة القومية التي تحولت على يد طغم حاكمة مافيوزية إلى وسيلة للتغطية على السياسات اللاوطنية، وتجريد الشعوب من حقوقها الفردية والجماعية، والحيلولة دون أي تفاهم، أو تعاون، إقليمي، باسم الحفاظ على السيادة والاستقلال، في وقت فتحت فيه الأبواب على مصاريعها، لإدخال القوى الإقليمية والدولية التي تتقاسم معها المصالح والمنافع الناجمة عن دحر الشعوب، وتهميشها وإخراجها من دائرة الفعل والسياسة والقرار. وفي السياق نفسه، ينبغي النظر، أيضاً، إلى القطيعة التي كرستها نُظُم الطغيان والفساد بين الشعوب العربية، وبينها وبين الدول الإقليمية الديمقراطية التي تمثل الثقل النوعي الوحيد الذي يمكن أن يحد من الاختلال الخطير في التوازنات الإقليمية.

وفي هذا السياق، أيضاً، تكمن بذور الفتنة التي شجعت عليها أوساطٌ أصابها الهلع من فقدان السيطرة ودق إسفين العداء داخل المجتمعات العربية بين قوى إسلامية وقوى علمانية، في وقت تحتاج فيه هذه المجتمعات، أكثر من أي فترة سابقة، إلى التفاهم والاتحاد.

" كانت طهران والنظام السوري المستفيدين الرئيسيين من خلط الأوراق الذي نجم عن ظهور داعش "

العامل الرابع، خلط الأوراق الذي نجم عن ظهور داعش، والذي كانت طهران والنظام السوري المستفيدين الرئيسيين من وجوده وتوسعه، سواء قبل تشكيل التحالف، عندما كان يواجه الجيش الحر، ويحتل المناطق التي حررها من نظام الأسد، أو بعده، عندما أصبحت الحرب على الإرهاب الأجندة الوحيدة للمجتمع الدولي، بعد أن تصدر الصراع ضد داعش واجهة المشكلات في الشرق الأوسط والمشرق العربي، حتى أن دولاً أعضاء كثيرة في التحالف كانت حريصة على إشراك إيران الخامنئية فيه. ولا يمكن لأحد أن ينكر أن أكبر خاسر من ظهور داعش ثم من حرب التحالف ضدها كانت القضية السورية التي يكاد الصراع ضد الإرهاب يغطي عليها، ويغيّب معاناة الشعب السوري، واستشهاده، عن أعين العالم وسياسييه.

إيران التوسعية وداعش، وجهان لعملة واحدة، وهما يخدمان بعضهما، بمقدار ما يوجهان المنطقة، بأكملها، نحو حربٍ دائمة، ويعطلان كل نوابض التواصل والتفاهم والتعاون بين جماعاتها، ويقطعان الطريق على أي أمل بإعادة بناء دولة المواطنة المتساوية والمؤسسات وحكم القانون، ويستبدلانها بدولة الميليشيات وزعماء العشائر ومرتزقة الدول والأجهزة والمافيات، فكلاهما يدركان أن الحسم العسكري مستحيل، ولا يراهنان من أجل تحقيق أهدافهما سوى على إطالة أمد الفوضى والضياع وزرع اليأس والقنوط في نفوس المشرقيين.


أربعة محاور للعمل

" لا يمكن لأحد أن ينكر أن أكبر خاسر من ظهور داعش ثم من حرب التحالف ضدها كانت القضية السورية "

في قلب هذه الفوضى والحرب الدائمة والخراب والدمار، تحولت سورية مسرحاً لكل الحروب والمواجهات، وهي مهددة بأن تصبح موطناً دائماً أو طويل المدى لبربريتين متنازعتين، ومتضامنتين، في الوقت نفسه، ضد المدنية والحضارة والأمن والاستقرار والحياة. كلاهما يجعل من ثقافة الموت شهادة على الحقيقة والصواب، ومن قتل الإنسان عبادة وتقرّباً من الله، ومن الكذب والنفاق وتزوير الحقائق دليل إيمان وصدق. كلاهما يحولان الإيمان بالله كفراً بالإنسان.

ليس هناك وصفة سريعة وجاهزة لمواجهة طاعون الحرب والخراب والفوضى الفكرية والسياسية والعسكرية التي يشهدها المشرق، اليوم، وقسم كبير منها مصنوع عن عمد وسابق تصميم، سوى بالجمع بين أربعة مساعٍ متوازية:

أولاً، إعادة إحياء الضمير العالمي، وحث المجتمع الدولي على الاضطلاع بمسؤولياته تجاه الشعوب المهددة في حياتها وبقائها، والقيام بالتزاماته في حمايتها، وضمان حقوقها. وثانياً، إدانة الطائفية كشكل من أشكال العنصرية، ووقف التواطؤ، مقصوداً كان أم لا، مع مشروع طهران الاستعماري، وإجبارها على تغيير سياساتها القائمة على زرع الفتنة المذهبية، وتعبئة مشاعر الكراهية والحقد والانقسام داخل المجتمعات، والتدخل السافر في شؤونها بالوسائل العسكرية والسياسية، وتجنيد ميليشيات من المرتزقة المحليين والأجانب، للعمل في خدمتها، باسم تصدير الثورة، أحياناً، وحماية مقدسات الشيعة، أحياناً أخرى، والحفاظ على خط المقاومة المزعومة لإسرائيل، أحياناً ثالثة، بينما لا تخدم سياساتها التخريبية سوى مشاريع التوسع الاسرائيلي في فلسطين والعالم العربي.

وثالثاً، إيقاف العالم العربي، والمشرق بالخصوص، على قدميه، وإخراجه من حالة الانقسام والتشتت والفوضى وانعدام الثقة الذي دمر معنويات شعوبه، وأهدر طاقاتها وأفقدها أي أمل بالمستقبل.

ورابعاً، معاملة داعش والسياسة التوسعية الإيرانية على قدم المساواة، كمصدر لزعزعة الاستقرار وتدمير أسس الحياة المدنية والقانونية في المنطقة، وإهدار حقوق الأفراد والجماعات على مذبح إرادة السيطرة والتسلّط التي تتغذى من جنون العظمة القومية والدينية والاستهانة بالإنسان والمجتمع والتاريخ، على حد سواء.

اقرأ المزيد
٩ نوفمبر ٢٠١٤
هل غيّرت ضربات التحالف نهج جبهة النصرة؟

على مدى سنوات من تأسيسها حافظت جبهة النصرة على نهج يقوم على الحفاظ على علاقات ودية مع كافة فصائل الثورة السورية، وتجنبت الصدام مع كافة القوى المحلية والإقليمية والدولية، وقدمت تطمينات عديدة بعدم فرض رؤيتها حول مستقبل سوريا واعتماد منهج الشورى في تدبير الخلافات وإدارة المناطق المحررة، والحرص على تقديم الخدمات والإغاثة للجميع، وعدم الانفراد في تحديد شكل الحكم، وتأجيل موضوع تطبيق الحدود وإقامة الشريعة، إلا أن ذلك لم يفلح في إعادة النظر بالتعامل مع النصرة كحركة إرهابية.

عندما تشكل التحالف الدولي للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، كانت جبهة النصرة هدفا مفضلا لغارات التحالف الجوية منذ 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي الوقت نفسه بدأت الفصائل والقوى السورية الموسومة بالاعتدال من طرف الولايات المتحدة وحلفائها تنشط في تقديم خدماتها للحلول مكان الحركات الإسلامية الموصوفة بالتطرف والإرهاب، وبعد ستة أسابيع من بدء الضربات الجوية في سوريا حسمت جبهة النصرة والحركات الإسلامية أمرها بالتعامل مع حلفاء أمريكا وشركائها المحليين باعتبارهم "عملاء"، ودخلت مؤخرا جبهة النصرة في صدام مسلح في ريف إدلب، واستولت على معاقل كل من "جبهة ثوار سوريا"، وحركة "حزم"، وباتت المنطقة تقع تحت سيطرتها التامة.

 انتصارات جبهة النصرة الأخيرة تعيد إلى الأذهان صورتها التي فقدتها منذ الخلاف والصدام مع أشقائها في تنظيم الدولة الإسلامية، عندما كانت "جبهة النصرة" تحقق نجاحات كبيرة، وتستقطب مقاتلين محليين وأجانب، وتتمتع بدعم واسع النطاق من الجهادية العالمية، فقد تمكنت النصرة  حتى كانون أول/ ديسمبر 2012 من تنفيذ عمليات كبيرة، وأعلنت عن مسؤوليتها  عن أكثر من 500 هجوم، منها سلسلة من الهجمات الانتحارية. وبفضل تميزها عن جماعات الثوار العاملة في سوريا، فقد اكتسبت شرعية لدى أفضل المُنظرين الجهاديين في العالم، الذين دعوا المناصرين على المستويات الشعبية في جميع أنحاء العالم إلى المساعدة في تمويل الجماعة أو الانضمام إليها. وقتها لم تنتظر الولايات المتحدة طويلا على محاولة "جبهة النصرة" التعمية على هويتها وانتمائها، فقد أدرجتها على قائمة الإرهاب في 11 كانون أول/ ديسمبر 2012، واعتبرتها امتداداً للفرع العراقي للقاعدة والمعروف باسم دولة العراق الإسلامية. وبحسب هارون زيلين فإن  إدارة أوباما  كانت تحاول وأد صعود "جبهة النصرة" في المهد من خلال تصنيفها الآن كمنظمة إرهابية، قبل قيامها بشن هجوم على المصالح الأمريكية أو الوطن الأم.

 خلال فترة وجيزة حظيت جبهة النصرة باحترام كبير في أوساط السوريين نظرا لصلابة مقاتليها في مواجهة قوات النظام وعملياتها النوعية، وتعاونها وتنسيقها مع كافة الفصائل المسلحة، ولسلوكها المنضبط والايجابي مع المجتمع المحلي وتقديمها خدمات إغاثية عديدة، وتأسيسها لمحاكم شرعية للفصل في النزاعات اليومية، الأمر الذي ظهر جليا من خلال موجة غضب من كافة أطياف الثورة السورية مدنية وعسكرية وسياسية وشعبية على القرار الأمريكي. فقد دعا رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية معاذ الخطيب، وجماعة الإخوان المسلمين الولايات المتحدة إلى مراجعة قرارها باعتبار جماعة جبهة النصرة لأهل الشام منظمة إرهابية، وتجلى رفض وضع جبهة النصرة على لوائح الإرهاب الأمريكية شعبيا عبر الخروج في مظاهرات مؤيدة لجبهة النصرة ومنددة بالقرار الأمريكي يوم الجمعة الموالية للقرار بتاريخ 14 كانون أول/ ديسمبر 2012، وعنونت فعالياتها باسم: "لا للتدخل الأمريكي: كلنا جبهة النصرة".

 لقد أظهرت جبهة النصرة  منذ تأسيسها المزيد من البراغماتية، وأخذت تبتعد أكثر عن الفرع العراقي للقاعدة وتقترب بصورة جلية من نهج القاعدة المركزي الجديد وتكيفاته الموسومة بــ "أنصار الشريعة"، فبحسب تشارلز ليستر: "منذ منتصف إلى آواخر العام 2012، أظهرت المجموعة مستويات عالية من البراغماتية من حيث اعتدال سلوكها، وحدّها من إظهار أهدافها الإيديولوجية المباشرة، فبالإضافة إلى ولائها لتنظيم القاعدة، تهدف جبهة النصرة على المدى الطويل إلى إقامة دولة إسلامية في سوريا كنقطة انطلاق لتحرير القدس وإقامة الخلافة الإسلامية، أما على المدى القصير فتعمل المجموعة على مستوى محلي مع إيلاء اهتمام خاص للحفاظ على علاقات طيبة مع المدنيين والمتمردين المعتدلين، كما أنها حظرت فرض عقوبة "الحدود" خلال الحرب.

 تغيّر نهج النصرة تدريجيا بعد فشل التكيّفات الإيديولوجية، فقد برزت مع الإعلان عن تأسيس "إمارة الشام الإسلامية" على لسان الجولاني زعيم الجبهة في تسجيل صوتي مسجل في 11 تموز/ يوليو 2014، لكنها نفت في اليوم التالي نيتها إعلان الإمارة، والتشديد على نهج الشورى مع كافة الفصائل، ومع ذلك كان إعلان الإمارة من قبل الجولاني يشير إلى مرحلة جديدة لجبهة النصرة، ونهج مختلف في التعامل مع تطورات مشهد الثورة السورية والحالة الإقليمية والدولية المرتبكة، إذ تضع جبهة النصرة استراتيجية القاعدة المتعلقة بـ "إدارة التوحش" التي وضع أصولها أبو بكر الناجي موضع التطبيق العملي، فالإعلان تم بمشورة الجهاديين المحليين السوريين (الأنصار) أولا، تم بالاتفاق مع أكبر الفصائل الجهادية المعولمة (المهاجرين) الذين حافظوا على حيادهم سابقا يخصوص الخلاف بين جبهة الجولاني ودولة البغدادي؛ أمثال: جيش المهاجرين والأنصار، والكتيبة الخضراء، وجند الأقصى، وجيش محمد، وأنصار الخلافة، وصقور العز، وكتيبة بني غردان، وكتيبة الخراسانيين.

 لا شك أن استهداف قوات التحالف الجوية لجبهة النصرة والفصائل الإسلامية كأحرار الشام وكتائب المهاجرين، جعل مساحة الخلاف مع تنظيم الدولة تضعف وتفقد كثيرا من مبرراتها، فقد ساندت بعض قوات الدولة الإسلامية جبهة النصرة في مواجهة ريف إدلب مع قوات جبهة ثوار سوريا بزعامة جمال معروف وحركة حزم، ففي لقائه الأخير قال المسؤول العام لـجبهة النصرة في سوريا أبو محمد الجولاني إن هدف التحالف الدولي أكبر من محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. وأوضح أن من أهم أهدافه الإبقاء على نظام بشار الأسد، الذي وصفه بأنه واحد من أهم أوتاد النظام الدولي في المنطقة، على حد قوله، وأشار إلى أن هدف التحالف هو تصفية "المجاهدين" في المناطق التي يسيطرون عليها، وأبرزها حلب ودير الزور والرقة، واستبدالهم بالفصائل السورية "المتواطئة مع التحالف"، واصفا المتعاونين مع التحالف بالعملاء.

 بحسب الرؤية الجديدة للجولاني فإن المناطق التي تغلب فيها سيطرة قوات النظام السوري مثل دمشق وحمص وحماة سيمكن التحالف لنظام الأسد من بسط سيطرته عليها، ومن ثم يعلن وقف الحرب وإعلان اتفاقية قريبة من اتفاقية "دايتون" في البوسنة والهرسك، وينهون حالة الحرب وإدماج حكومة النظام مع الحكومة المؤقتة للمعارضة بحيث تكون السيادة الفعلية للنظام كونه الأقوى، وحذّر الجولاني من أن المعركة الحقيقية ضد حزب الله لم تبدأ بشكل جدي، وأن القادم سيكون "أدهى وأمر، وأن حسن نصر الله سوف يندم على ما فعله في أهل الشام". وفسر ما حدث في جبل الزاوية في ريف إدلب مؤخرا، أن جبهة ثوار سوريا التي يقودها جمال معروف اعتدت على بلدتي البارة وكنصفرة، وعلى بعض عناصر النصرة، وهو ما اضطر للتدخل وإنهاء وجود معروف بالجبل، وأكد أن القتال الذي دار ضد جبهة ثوار سوريا لم يكن من قبل جبهة النصرة وحدها بل شاركتها عدة فصائل منها صقور الشام وأحرار الشام وجند الشام. وأضاف الجولاني أن جمال معروف يعد من الشخصيات التي يدعمها الغرب، وأنه لا يسعى لتحقيق ما يرمي إليه "المجاهدون في سوريا". وقال إن باب التوبة مفتوح أمام معروف وغيره لقطع علاقاتهم بالمخابرات الخارجية.

لا شك بأن خطاب جبهة النصرة قد تغيّر كثيرا منذ بدء الضربات الجوية لقوات التحالف على مقراتها واستهداف أعضائها وحلفائها، إلا أن تغيّر نهجها القتالي هو الأبرز، فقد كانت الجبهة تشعر بالحرج من استهداف فصائل سورية مسلحة وتبتعد عن رميها بالعمالة والخيانة، بل طالما تعاونت معها في جبهات عديدة، ولعل السؤال الأهم هو: هل تساهم ضربات التحالف في عودة العلاقات الودية والتنسيق مع تنظيم الدولة الإسلامية، كما فعلا سابقا ضربات مماثلة في توحيد الجهاديين؟.

اقرأ المزيد
٩ نوفمبر ٢٠١٤
علمانية إسلامية!!

إذا كان شعار “ما لقيصر لقيصر، وما لله لله”، هو أحد الشعارات التي قامت عليها أسس العلمانية، فإن بعض مشايخ هذه الأيام قد تجاوزوا هذا الشعار بكثير، فهم لا يعتبرون أن ما لقيصر لقيصر، وما لله لله فحسب، بل يعتبرون أن لقيصر كل شيء على الأرض في الحدود القومية الخاضعة لسيطرته، وله ما عليها من بشر وثروات، أي أن الدنيا له، لكن الأسوأ أن له الدين أيضا.
لا يتوقف الأمر عند هذا، فهو ينسحب على خطاب ما لبث أن شمل دولا كثيرة، بصرف النظر عن الألقاب والمسميات التي منحت للسيد الذي يُطالب الناس بطاعته في المنشط والمكره، وصولا إلى تحريم انتقاده في العلن. واللافت هنا أن الخطاب الذي استند إليه تيار فكري عريض في الساحة الإسلامية خلال السنوات الماضية، والذي يعود في جذوره إلى الفقه الحنبلي؛ اللافت أنه لم يجد حرجا في الانقلاب على المبدأ الذي آمن به من حيث الطاعة لحاكم الغلب، وصولا إلى حرمة انتقاده في العلن، إذ قبل، بل برر سلوك أنظمة كان يدافع عنها مستندا إلى ذات الخطاب، وذلك رغم أنها تآمرت على حاكم شرعي منتخب، وليس حاكما جاء بالغلب.
وهنا تكمن مفارقة عجيبة، إذ إن المنطق الذي استند إليه الأقدمون في القبول بحاكم الغلب، لا يبدو حاضرا هنا، فقد ذهبوا إلى هذا الخيار من باب المصالح والمفاسد، وتفضيلا لخيار الوحدة على خيار العدل، وتجنبا للفتنة، لكن المشهد اليوم يبدو مختلفا، فنحن ابتداءً نتحدث عن دولة قطرية محدودة، وليس عن خلافة تشمل عددا كبيرا من الأمصار، وبالتالي فإن ولي الأمر ما لبث أن نزل من مستوى الخليفة إلى مستوى حاكم القطر، بل وصل إلى مستوى رئيس الحكومة، وربما الوزير أيضا، لأن بعضهم لا يرى أحقية الناس في انتقاد وزير باعتباره جزءا من منظومة حاكم الغلب، ويفضلون النصح له بالسر، مع أنه يرتكب موبقاته في العلن.
وحين نقول، إن من يفعلون ذلك ينتسبون إلى تيارات عديدة، وليس إلى تيار محدد، فهذا يعني أن الهوى هو الموجَّه العملي، وليس الفقه الحقيقي، والمشايخ هنا لا يختلفون البتة عن النخب الأخرى التي ساندت الظالمين من باب النكاية بتيارات أخرى، وأحيانا من باب المصالح الخاصة بها، سواءً أكانت شخصية، أم كانت تتعلق بالأفكار أيضا، كما حصل مع تيارات يسارية وقومية وعلمانية لم تلبث أن انقلبت على شعاراتها لأن الخصم إسلامي الهوية.
ومن المثير بالطبع أن فكرة الفتنة لم تلبث أن سُحبت على مبدأ النصح في العلن، أو الدعوات للإصلاح، فقد انتقل القوم في وصفهم للخوارج من حملة السلاح ضد الدولة أو النظام إلى مستوى الناصحين بالعلن؛ وبأساليب سلمية، وصار مصطلح الخوارج هو الأكثر تداولا في السوق السياسي خلال السنوات الأخيرة، ورأينا مشايخ يبيحون قتل المعتصمين السلميين أمام الملأ، وصولا إلى أن يقول أحدهم “طوبى لمن قتلهم وقتلوه”، وأنهم “كلاب النار”.
إن هذا الخلط بين دعوات الإصلاح السلمي، وبين استخدام العنف لم يكن عفويا بحال من الأحوال، بل هو جزء لا يتجزأ من منظومة الحرب على ربيع العرب والثورات، بل حتى دعوات الإصلاح السلمي استنادا إلى تيرير يقول إنها ما تلبث أن تتحول إلى عنف، من دون أن يقول أحدهم من هو الذي يدفعها دفعا إلى ذلك الاتجاه اعتقادا منه بسهولة ضربها بعد ذلك، كما حصل مع بشار الأسد على سبيل المثال.
من الطبيعي أن يقف أبواق كثر من المستفيدين من الأنظمة في مربع رفض الإصلاح، ومحاربة الإصلاحيين، ولكن تلبيس الدين وزر هذا النفاق السياسي المفضوح لا ينبغي أن يسكت عليه الشرفاء، بل يجب أن يغدو مفضوحا على الملأ، لأنه أسوأ بكثير من سواه، وحين يصل الحال بمفتي سوريا (مفتي بشار بتعبير أدق) حد القول، إنه انتخب بشار الأسد امتثالا لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا منتهى الكذب على رسول الله، بل منتهى الكذب على دين الله الذي جاء كي يحرر البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
يبقى القول، إن هذا اللون من خطاب المشايخ لا يجد قبولا عند الغالبية من الناس، ولكن فضحه يبقى ضرورة من قبل العلماء العاملين، لأن السكوت عنه يمكن أن يمنحه بعض الرواج بمرور الوقت، الأمر الذي يشكل خطورة؛ ليس على البلاد والعباد فحسب، بل على دين الله الذي يتعرض لتشويه كبير على يد بعض منتسبيه، وبعض مشايخه أيضا، أحيانا تحت لافتة الجهاد، وفي أحيان أخرى تحت لافتة الحفاظ على الأوضاع القائمة، بكل ما تنطوي عليه من فساد واستبداد.

اقرأ المزيد
٩ نوفمبر ٢٠١٤
سوريا: 'تجميد القتال' ينتظر اتفاقا دوليا

عندما طرح مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا فكرة “تجميد القتال” للمرة الأولى، بمعنى إنشاء مناطق خالية من العمليات الحربية، بدا وكأنه يغرد منفرداً، بعيداً عن الأطراف الإقليمية والدولية التي تمد المتنازعين بالسلاح. لكن، ومع مرور الوقت بدأت تظهر مؤشرات تشي بأن أفكار ميستورا ربما تأسست على مشاورات دولية وإقليمية.

والحال أن حذر ميستورا الشديد في استخدام عبارات لا تثير حنق أي من المعسكرين المتقاتلين في سوريا بدا واضحاً. حيث أنه وباستخدام مصطلح “مناطق خالية من القتال”، تجنب المبعوث الدولي الدخول في الحديث عن “مناطق عازلة” وهو التعبير الذي يمقته كل من النظام السوري وحلفاؤه. وبالمقابل فإن ميستورا يدعو بالفعل إلى إنشاء مناطق عازلة، لكن بموافقة النظام هذه المرة. هذا فضلاً عن وقف القتال على عدة جبهات يبدو أن حلب في مقدمتها.

بعد حديث ميستورا تتالت الدعوات المشابهة، والتي تركز على حلب التي تخضع حاليا لحصار خانق وتتداول تقارير عديدة أنها مهددة بالسقوط. تحدثت تركيا في عدة مناسبات في الأيام الماضية عن حلب وضرورة إنقاذها. من ثم ترددت حلب على لسان بان كي مون الأمين العام للأمم المتحـدة، وكذلك على لسان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. وعاد المبعوث الدولي للحديث عن إيقاف القتال في حلب، والتحذير من أن تنظيم الدولة الإسلامية يحشد قواته في حلب بعيداً عن كوباني. هكذا يواصل ميستورا الترويج لفكرته، وذلك بعد جولة حاول فيها إقناع كل من النظام السوري وإيران وروسيا بها.

وفي حين لم تعلّق إيران وروسيا على أفكار ميستورا، أظهر النظام السوري عدم موافقة واضحة من خلال الإيعاز لوسائل إعلامه بشن الهجوم على المبعوث الدولي. في حقيقة الأمر يشعر النظام السوري بأن الفرصة مواتية كما لم تكن من قبل، فالتحالف الدولي يعمل، يومياً، على تدمير عدة فصائل عسكرية إسلامية على الأرض في سوريا، فيما يشدد النظام حملته على الجيش الحر بدعم روسي وإيراني في محاولة لتحطيمه وقطع الطريق على الخطة الأميركية المزعومة الرامية إلى تعزيز وجوده.

وفي الوقت الذي يحاول فيه النظام استغلال الفرصة المتاحة، يشعر بخوف شديد. إذ تشير الأجواء إلى زيادة تورط التحالف الدولي في سوريا، وربما يكون من نتائج ذلك إعادة تثبيت توازن القوى على الأرض بين الجيش الحر والنظام من جهة، وتحقيق تقدم ملموس على داعش من جهة أخرى.

لكن التقدم على داعش يحتاج إلى توحيد جهود الجيش الحر، كما يحتاج إلى تخفيف وطأة التدمير الذي يلحقه النظام بكل المناطق المحررة. ويبدو أن أهداف التحالف الدولي في هذا السياق تتلاقى بقوة مع طرح ميستورا. بالأحرى فإن طرح ميستورا، إن قُدّرَ له أن يتحقق بصورة ما، فسوف يستمد شرعيته من خطط التحالف الدولي المقبلة في سوريا.

إذا يبدو أن التحالف الدولي بات بحاجة ماسة لإرساء “هدنة عسكرية” بين النظام السوري والجيش الحر. ولما كان الأخير مهددا بالتراجع والانحسار عن بعض المناطق، فإنه قد يقبل، مع مزيد من الضغوط، ما كان يرفضه بصورة قاطعة في السنوات الماضية أي وقف القتال.

وفيما لا يجد النظام السوي أي مسوّغ للقبول بهدنة تشمل وقف القصف الحربي، فقد يضطر التحالف الدولي في وقت ما إلى فرض هدنة إجبارية على الطرفين، وسيكون ذلك بإقناع كل من روسيا وإيران بممارسة ضغوط حقيقية على النظام السوري.

انطلاقا من ذلك، قد يتسنى توحيد الجهود في بعض المناطق المحررة لدحر تنظيم الدولة الإسلامية، ولتأسيس نظام إدارة مدنية يخفف الضغوط على المدنيين في تلك المناطق، حيث كانت الحياة القاسية، ولا تزال، عاملاً أساسيا في دعم صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وفصائل إسلامية متشددة أخرى.

هكذا فإن الجهود الدولية قد تنصب على نقل الصراع بين النظام السوري والثوار من وضعيته الهجومية المتبادلة والتي تحمل خسائر مرعبة خصوصا لطرف الثورة، إلى وضعية دفاعية بحتة قد تمهد لعملية سياسية شاملة.

من غير المرجح أن يتم ذلك عبر قيام التحالف الدولي بعمل عسكري ضد النظام السوري لإجباره على قبول الهدنة، بل عبر اتفاق إقليمي ودولي سوف يكون من الشاق جداً الوصول إليه. لكن توسع الصراع وانتقاله من سوريا إلى كل من العراق ولبنان، وانتشار تنظيم الدولة الإسلامية وتنامي قوته، قد أرسى دعائم اتفاقات محلية وإقليمية ودولية مؤقتة، سواء في العراق بين المكونات السياسية، أو بين إيران والسعودية، حيث بدأت مرحلة كسر الجليد، أو حتى بين أميركا وإيران. وربما تعتبر الرسالة السرية التي أرسلها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، علي خامنئي، مؤشراً على بداية العمل على اتفاق إقليمي ودولي بخصوص المنطقة.

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٤
داعش منّا ونتاج التخلف بيننا

لدى الحديث عن داعش، أو من في حكمها من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، التي تمارس إرهاباً تحت سقف الفكر الإسلامي السلفي، وبالتحديد ذلك الذي يأخذ بالشكل لا بالجوهر، ولا يعتد بالواقع، ولا بمعطياته، ويتجاهل، كذلك، النصوص الإسلامية التي تأخذ بحركة الحياة ونموها المستمرين، ويهمل، أيضاً، حاجة الفكر الإسلامي إلى من يجدده، ولا يلغيه بالتشدد والتحجر، أو يكرِّه الناس فيه بالممارسات القميئة، البعيدة عن روح العصر.

أقول لدى الحديث عن داعش، وماهية بنيتها وتكوينها، يحيلك المتحدثون، وخصوصاً إذا كانوا من المسؤولين الحكوميين ذوي المصالح والانتفاع، في هذه الدولة العربية أو تلك، إلى خصومهم المتآمرين عليهم، فهؤلاء في نظرهم، من يصنع هذه التنظيمات، ويرسلها إلى بلدانهم، لتعيث خراباً فيها، وفي مجتمعاتهم (السليمة الآمنة..)، وفي أنظمة حكمهم (الرشيدة!)، وعندما يخطر في بالك أن تبحث عن الأسباب الحقيقية، ولماذا ينبت الدواعش في هذه الدولة أو تلك، لا تقتنع بما يقدَّم إليك من مسوِّغات، وبما يروِّجه هؤلاء السياسيون (الحكماء)، وأدواتهم في الميديا الخاصة بهم، وعلى نفقة شعوبهم. ويدفعك الفضول إلى التمعن في كنه داعش، وأمثالها، فتجد التخلف في أبشع صوره، متجسداً في هذه التنظيمات فكراً وممارسة. عند ذلك، تدرك سرَّ اختيار الدواعش هذا البلد دون سواه، فالبيئة الحاضنة هي التربة الخصبة لتنمية الدواعش، وتنشئتهم، فهي التي تؤمن لهم الحماية، وتمدُّهم بالمقاتلين. ولا شك في أنَّ هذه البيئة في عمقها، وبغض النظر عن المظاهر التي تغلِّفها، وما يطفو على سطحها من شعارات براقة، وإعلام مبهرج كاذب، متخلفة مقطوعة عن جوهر الحضارة المعاصرة، يعيش عامَّتُها في الماضي، لا في الحاضر، فما من رؤية مستقبلية لهم أبداً.

وهذا، بالتحديد، ما يمكن رؤيته في بلدان، مثل سورية والعراق ومصر والسودان وليبيا واليمن، وغيرها من البلدان العربية، التي عُوِّل عليها في وقت ما! إذ كان لدى طليعتها، بالفعل، أفق، نهضوي، تهفو إليه النفوس، وترجوه العقول، لكن العسكر أضاعوا، حتى الأوطان، بغبائهم وصلفهم، وضيق أفقهم، وقوة بطشهم، وبجشع حاشيتهم ودناءتها، وبالتفاف ذوي المصالح، وأهل الفساد على أنظمتهم بالتملق والمداهنات الكاذبة، وبالأساليب التي يبتدعها المال بإغرائه، وبما يجلبه من متع ومباهج، تجعل أصحابه يدوسون على القوانين، إن كان ثمة قوانين! نعم، ضيع العسكر الأوطان التي عليهم حمايتها. وإذا ما أخذنا سورية نموذجاً، نرى البيئة الحاضنة قد تجلت في:

الجهل الناجم عن تخلف التعليم، فعلى الرغم من كل مظاهر التعليم وأرقامه وانتشاره على مساحة واسعة من الأرض السورية، لكنه، في الحقيقة، لم يرتق إلى المستوى الذي يمكن أن يكون فيه فاعلاً في العقول، فيحدث تغييراً فيها، ويستبدل ثقافة بأخرى، أو يجدد ما تقادم منها، على الأقل، كما أنه لم يخرِّج عاملين مهرة محررة عقولهم، ومتحركة بآن، لتتفاعل مع ما أسند إليها من أعمال، إضافة إلى أنَّ المعنيين لم يوظفوا مخرجات التعليم بما يخدم التنمية، ثم إنه، أي التعليم، لم يستطع اللحاق بالنمو المرعب للسكان! والأهم، أيضاً، أنه لم يستطع أن يغرس في عقول الناشئة، وفي نفوسهم، الرغبة في المطالعة، لتساهم في تفتيح عقولهم، وتنشيطها لإبداع أفكار جديدة. (حصة العرب من القراءة كتاب لكل ثمانين شخصاً في السنة، يقابلها في إسرائيل أربعون كتاباً للفرد).

سكونية ثقافة الماضي والعيش فيه، إذ لم تستطع الثقافة، على الرغم من زخم انطلاقتها في ستينيات القرن الماضي، وسبعينياته، وعلى الرغم من فيضان شعاراتها القومية والماركسية اللتين ربما كانتا تمهدان للتقدم الحضاري، على أسس علمانية، أو هكذا كان أفق الحلم، أي لم يستطع النظام العسكري، الذي تنطع لهذا الأمر بثيابه المدنية، وواجهاته الإنمائية، أن يخلق ثقافة بديلة، فقد كان شعاره: "الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية"، وكأنما الثقافة معطى ثابت لا يتبدل، أو هي دمية مصنوعة على غير مثال، ينتظر أن يحظى بها الناس، للعب بها حين الوصول إلى قمة الحضارة، بينما الثقافة هي تفاعل يومي وحيٌّ مع حركة الحياة، وعلاقة الناس المؤثرة بها تنامياً وارتقاء مستمرين.
"
على الرغم من كل مظاهر التعليم وأرقامه وانتشاره على مساحة واسعة من الأرض السورية، لكنه، في الحقيقة، لم يرتق إلى المستوى الذي يمكن فيه أن يكون فاعلاً في العقول، فيحدث تغييراً فيها

"

البطالة التي تفاقمت بين جيل الشباب، والخريجين منهم، تحديداً، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، وعجز سوق العمل المحلية عن تشغيلهم، بسبب تراجع التنمية التي شل حركتها الفساد المستشري في دوائر الدولة، ومفاصلها الرئيسية والعليا. كما عجزت العمالة في الدول العربية المجاورة عن استيعاب أعدادهم المتزايدة باستمرار.

وإلا، بماذا نفسر انخراط الشباب في تلك التنظيمات العسكرية، التي ولدت وتنامت على هامش الحراك الشعبي، الذي فرض وجودها، على نحو أو آخر، إذ قوبل، منذ أيامه الأولى، بالرصاص الحي، وفرار هؤلاء الشباب، في الوقت نفسه، من الخدمة الإلزامية، فهنا موت وهناك موت. ثم كيف نفسر سكوت الأهل عن تجنيد أطفالهم، أو اليافعين منهم، لولا ضيق ذات اليد لديهم، وحاجتهم الماسة إلى متابعة حياتهم؟

عدم تعاطي المسجد مع الواقع، وانكباب أعلامه على ثقافةٍ، لا تأخذ بما في الدين من قيم، تدعو إلى العمل والبناء وتتطلع نحو المستقبل، إذ ظل هؤلاء الخطباء في إطار القشور والتقاط حوادث التاريخ المكرورة إلى درجة فقدانها محتواها، ثم العمل على تسكين الناس، وإخضاعهم لسلطة الحاكم، فكل هؤلاء الخطباء والدعاة يعملون تحت إشراف الأمن العسكري مباشرة، ذلك، إضافة إلى الفساد المستفحل في وزارة الأوقاف ومديرياتها في المحافظات، فكانت تتقاسمه هي والبلديات  على حساب المواطنين، وتشويه وجوه المدن السورية. (جل توظيفات الأوقاف الظاهرة في العقارات).

لا شك في أن أموراً كثيرة أخرى، فرعية وتفصيلية، لا ضرورة لخوض غمارها الآن، منها شعور المواطن، الذي يقطن في الأماكن التي جرت فيها الانتفاضات، بالغبن والتهميش والتمييز، وتلك الأماكن هي الأرياف وأغلفة المدن القادمة من الأرياف أيضاً، وكذلك، عموم الفقراء الذين لفظتهم مدنهم من عوز وحاجة وعدم اقتدار على مجاراة القلة المترفة! إضافة إلى الاحتقان الغافي في النفوس، بسبب أحداث الثمانينيات، والإحساس بظواهر طائفية، ولا يفوتنا، بالطبع، أن نشير إلى أن كل ما أتينا على ذكره يأتي على أرضية استمرار الشعور بمرارة هزيمة 1967 الوطنية الكبرى، تلك التي لم يستطع النظام أن يغسل عاره بسببها، على الرغم من وجوده في الحكم، قبل ذلك التاريخ بأربع سنوات، واستمراره إلى اليوم، وتشبثه به إلى الأبد! الأمر الذي جعل الناس يربطون بين فكر الحاكم وشعاراته والنتائج.

عموماً، التخلف، لا غيره، ما أوجد داعش، وهو الذي يفسح المجال لإيجاد شبيه لها بمسميات أخرى، فالتخلف هو أبو الأمراض جميعها. نعم إنه التخلف، بأبعاده الاقتصادية والثقافية والتعليمية، هو الذي مهد الأرض أمام ألوان الدواعش. وإذا كان ثمة "تآمر"، كما يزعم الزاعمون، أو تدخل خارجي، أو أية مبررات أخرى للعب في هذه البيئة المواتية، فيعود، أيضاً، إلى الاستهتار بإدارة الدولة، وإلى الرعونة السياسية، اللتين جاءتا من عماء التمسك بكرسي الحكم، فسمحتا بـ، أو دفعتا الآخرين إلى، التدخل من حقد أو من غيرة، لا على الشعب السوري العريق فحسب، بل على المنطقة برمتها.

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٤
تطورات سورية

يبرز، اليوم، في الساحة السورية تطوران مقلقان إلى أبعد الحدود، أحدهما خاص بالنظام، والثاني بتنظيم جبهة النصرة. ويرتبط كلا التطورين بالحرب على الإرهاب وبنتائج تدخل أميركا العسكري المباشر في العراق.

أما الأول، فهو خاص بالنظام الذي أدخلته الحرب في مرحلة ارتياح نسبي، بعد أن كان القلق يعصف بأركانه ويهدد تماسكه، بسبب مقاتل "داعش" ضد قوات الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة العسكري قرب الرقة التي كبدته خسائر جسيمة من الضباط والجنود، بدا معها وكأن تفكك جيشه صار وشيكاً، بينما تعالت صرخات مؤيديه وأتباعه مطالبة بمحاسبة وزير دفاعه، وملقية بعبء الكارثة الوشيكة والمتوعدة، حتى على بشار الأسد نفسه.

بهذه الأحداث، أيقن قطاع واسع من أهل النظام أن الانتصار على الجيش الحر لن ينقذ النظام، بل يهدده بمخاطر وجودية، سيصل أثرها المدمر إلى الجماعات الداعمة له، بما أن الجيش الحر لا يتبنى سياسات انتقام طائفية، بينما تعلن "داعش"، جهاراً نهاراً، عزمها على إبادة المرتدين، ومنهم العلويون.

بقول آخر: تغيرت معادلات الصراع في سورية، مع بروز التطرف عامة و"داعش" بصورة خاصة، وصار النظام والجيش الحر مستهدفين كلاهما بالخطر الإرهابي، وشرع أتباع النظام يأخذون هذه الواقعة المهمة بالاعتبار، ويعيدون النظر في حسابات المعركة وعلاقاتهم بأطرافها، ويرون في قتال جيش المعارضة ضد "داعش" دفاعاً غير مباشر عنهم، وحماية لهم. وسط هذا التحول، بدت الحرب ضد الإرهاب الوضع الأمثل لصالح النظام الذي شن، منذ بدئها، هجمات هي الأشد ضد الجيش الحر والمدنيين، لاعتقاده أن حسم الصراع ضدهما في ظل حرب التحالف سيفضي إلى نجاته.

بدورها، استغلت جبهة النصرة الحرب ضد "داعش"، لكي تنفرد بمواقع استراتيجية مهمة من سورية، وتزيح الجيش الحر من معادلات الصراع العامة، لاعتقادها أن القضاء على "داعش" كمنافس، وعلى الجيش الحر كعدو لها، سيخلي الساحة لها، وسيمكنها من مواجهة النظام بمفردها، فلا بد لها، إذن، من ضرب الجيش الحر وانتزاع مناطقه، وضم جزء من قدراته وقواته إليها، وسيطرتها على حاضنته الشعبية الواسعة، وبروزها، في نهاية الأمر، طرفاً يمثل الثورة ضد الأسد، هو القوة الرئيسة، وبالأحرى الوحيدة التي ستقاتل النظام الأسدي في ظرفٍ يكون الإنهاك قد شل قدراته فيه، بينما أوصلته خسائره إلى حال من التلاشي، تحول بينه وبين مواصلة الحرب ضد الجبهة: الطرف المدعوم شعبياً، المنظم عسكرياً، والمحصن سياسياً.

بسبب مصلحتهما المشتركة في التخلص من الجيش الحر، انخرط النظام والجبهة في حرب شعواء ضده في مناطق عديدة من سورية، فبدا وكأن بينهما تنسيق وتعاون، مع أنهما يتصرفان في ضوء حسابات، ما بعد الحرب ضد الإرهاب التي جعلتهما يبادران إلى نشاط عسكري مكثف، يريدان به حسم صراعهما المشترك ضد الجيش الحر، ضمن المهلة المحدودة غالباً التي ستغيب واشنطن فيها عن الساحة السورية، وهي، في نظر الجبهة، فترة لا تستطيع أميركا خلالها بناء وتسليح جيش حر مقاتل، وفي نظر النظام، فترة ترتبط واشنطن خلالها بأولوية حربها ضد "داعش"، لن تتمكن من التفرغ له، سواء عبر بناء الجيش الحر، أم عبر تدخلها المحتمل، لمنعه من استخدام سلاحه الجوي.
ما الحسابات التي يجب أن يتبناها الجيش الحر لمواجهة مخاطر هذا التحدي المزدوج القاتلة بكل معنى الكلمة؟ وهل سينجح الطرفان في بلوغ هدفهما المشترك؟ هذا ما سيكون له حديث آخر.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان