بعد أسبوع على بدء العمليات الروسية العسكرية في سورية، أين تقف الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والدول العربية؟ وماذا بعد؟
بدأت روسيا عملياتها العسكرية تحت عنوان «الحرب على الإرهاب» واستثنت «الجيش السوري الحر» من هذا التصنيف. لكن التشكيك رافق الغارات الروسية وانطلقت الاتهامات بأن الغارات الروسية استهدفت المعارضة وأنها كادت تركز عليها بدلاً من «داعش» أو «جبهة النصرة».
موسكو لم تكن في حاجة لمن أراد تقنين عملياتها العسكرية في الحرب على الإرهاب لأنها، منذ البداية، أوضحت - علناً - ان احد ركائز تدخلها العسكري هو دعم نظام بشار الأسد. أبلغت كل من يعنيهم الأمر ان هدفها الإستراتيجي ذو شقين أساسيين: توفير الغطاء الجوي لقوات النظام البرية لكي يستعيد قواه ليكون لاعباً في المستقبل السوري - أقله في حال التقسيم. وثانياً، القضاء على التنظيمات الإرهابية الإسلامية في عقر الدار السوري كي لا يتطاول التطرف الإسلامي على روسيا في عقر دارها أو في جيرتها المسلمة في الجمهوريات الخمس المعروفة بالـ «ستان».
الصمت العربي النسبي على الدور الروسي العسكري في سورية له دلالات، وكذلك التصريحات - على نسق ما قاله وزير الخارجية المصري سامح شكري - التي تضمنت شبه مباركة للغارات الروسية على «داعش» في سورية. قراءة المواقف العربية ليست سهلة سيما ان المواقف المعلنة تتمسك برحيل الرئيس السوري فيما المواقف الروسية تتمسك به.
هناك قراءتان أساسيتان: إما أن الدول العربية الأساسية تفاهمت ضمناً على أولوية سحق «داعش» الذي يهددها وجودياً حتى لو كلّف ذلك تقوية النظام في دمشق بما في ذلك بقاء بشار الأسد لفترة زمنية، وبالتالي توصلت هذه الدول الى اقتناع بأن عليها القفز على «عقدة الأسد» والكف عن اعتبار رحيله أو بقائه مسألة مركزية. أو أن هذه الدول العربية حصلت على تفاهم ضمني من موسكو - ومن واشنطن أيضاً - بأن المعادلة الآن هي بقاء النظام من دون الأسد على المدى البعيد انما مع تفهم ضرورة بقاء الأسد في المرحلة الآتية.
المشكلة الرئيسية في السيناريو الثاني تكمن في ما يسمى إما «الضمانات» أو في عقدة الثقة. وهذه العقدة ليست فقط بين الروس والأميركيين ولا بين الأتراك والروس والعرب أو الأميركيين والعرب. انها عقدة الثقة المفقودة بين جميع اللاعبين بلا استثناء. ولذلك انها اللعبة السياسية على انقاض سورية وعلى جثث السوريين.
إيران ليست جزءاً من لعبة الثقة. انها واضحة في انها لا تثق، واضحة في دعمها القاطع، منذ البداية، لبشار الأسد ونظامه بكل امكانياتها العسكرية - عبر «حزب الله» و»الحرس الثوري» - وسياسياً، عبر رفضها البصم على عملية جنيف الداعية الى هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات كاملة لأنها تعني الانتقاص من سيطرة الأسد.
تركيا وأوروبا تتصدران قائمة اللاوضوح. تركيا زايدت ثم تراجعت، وساهمت في ما آلت اليه الأوضاع في سورية. وهي بذلك تقع في الخندق ذاته مع دول خليجية توعّدت وتقهقرت بكلفة باهظة على سورية.
روسيا وتركيا لهما تاريخ في اللاثقة وفي المنافسة. روسيا ورثت العظمة عن الاتحاد السوفياتي، وتركيا تريد أن تحيي العظمة العثمانية. كلاهما يفكر ليس فقط في أهمية الدور الإقليمي والدولي في المعادلة السياسية - الجغرافية. انهما يفكران في المصالح الاقتصادية بما فيها أنابيب الغاز وسبل تصدير الطاقة الى أوروبا والقوقاز. كلاهما يرأسهما رجلان يعتبران نفسهما عازمين على صنع التاريخ. وسورية اليوم ساحة للشخصية النرجسية، الروسية والتركية.
أحد مراكز القوة لدى تركيا هو جيرتها المباشرة مع سورية بما ينطوي ذلك عليه من سيطرة على الهجرة السورية والكردية وكذلك العراقية الى الدول الأوروبية - تلك الهجرة التي ترعب الأوروبيين. وكما يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسألة الهجرة كجزء من استراتيجيته السورية، كذلك يفعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إنما النقطة الأخرى في مراكز القوى التركية هي انتماء تركيا الى حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأمر الذي يضع أية تجاوزات روسية عسكرية في عملياتها العسكرية في سورية موضع قلق لموسكو - وأنقرة واعية جداً لتلك الورقة المهمة. لذلك، لن يحدث صدام بين روسيا وتركيا مهما آلت اليه الأمور. موسكو لن تتجاوز. وأنقرة لن تتمكن من جرّ الناتو مهما فعلت. فالقرار الأوروبي، كما القرار الأميركي، ليس في وارد التورط مع روسيا في سورية، بل ليس في وارد التورط في سورية بروسيا، أو من دونها.
ألمانيا صريحة في وقوفها مع روسيا وإيران حتى لو تضمن ذلك وقوفها مع نظام الأسد و «حزب الله» معه.
فرنسا متأرجحة دائماً ولقد حان لها ان تستقر لأنها في هذا التأرجح لا تخدم نفسها ولا تساعد سورية أو الدول العربية التي تعيرها أهمية. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يحذر من حرب شاملة لن تكون أوروبا بمنأى عنها. يقول ان الإقدام العسكري الروسي يهدد التوازن الإستراتيجي وإن الحرب «ستصبح شاملة» ما لم تتحرك أوروبا. لا يتقدم بإستراتيجية متكاملة ويكتفي بخطوة هنا وخطوة هناك، معظمها متأخرة. فرنسا تطرح اليوم مشروع قرار في مجلس الأمن ضد استخدام البراميل المتفجرة. اليوم؟ ولماذا ليس قبل سنة؟ فرنسا تتحدث بلغة التصدي داخل الاتحاد الأوروبي وفي وجه تلكؤ الولايات المتحدة. لكنها ما تلبث ان تهرول، كما فعلت في أعقاب الاتفاق النووي مع ايران.
لذلك. ليس مريحاً للرئيس الفرنسي أن يكشف الرئيس الروسي انه اقترح عليه صيغة «خلاقة» هي المزيج بين قوات «الجيش السوري الحر» وقوات النظام في دمشق من أجل تشكيل جبهة ضد «داعش». بوتين كشف عن ذلك للازدراء بهولاند وبالطبع، هولاند ينفي لأن مثل هذا الاقتراح منتهى السخافة.
بريطانيا لها أسلوبها لكن سياستها لا تخفى على أحد. إنها الملهم والملبّي لواشنطن. رئيس الورزاء ديفيد كامرون يتحدث اليوم بلغة تقوية قوات النظام وقوات «الجيش السوري الحر» معاً. وهو بذلك، عملياً، يتحدث بنفس لغة هولاند. وربما هذه هي المعادلة الأوروبية الجديدة التي إما لها دعم من واشنطن أو أن واشنطن صاحبة الوحي بها.
الصين لها حساباتها الخاصة. إنها في تحالف مع روسيا في الشرق الأوسط ولن تتدخل في الإستراتيجية الروسية ما لم تضطر إلى ان تقوم بذلك. وبما أن العلاقة الاقتصادية الصينية - العربية على ما يرام، لا داعي لبكين ان تفعل أكثر مما تفعله وهو النأي بالنفس عن أحداث المنطقة العربية.
أما الولايات المتحدة، فإنها في حال انفصام كما يبدو في المشهد العام، إلا أنها في غاية التماسك عند النظر في إستراتيجياتها البعيدة المدى.
رأي روسيا هو أن الولايات المتحدة في حال ضعف وتردّد وتراجع في البنية التحتية السياسية وكذلك مع فرصة نادرة لموسكو تتمثل في إدارة أميركية قرّرت عدم الانخراط في صراعات الشرق الأوسط والانسحاب منه طوعاً.
لا يهم روسيا أن يقول وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر إن واشنطن غير مستعدّة «للتعاون» مع روسيا في سورية طالما يقرّ بضرورة «التوافق على إجراءت السلامة» عند التنسيق في الطلعات الجوية. لا يهمها أن يقول ان السياسة الروسية في سورية «معيبة في شكل مأساوي» طالما أن واشنطن أوضحت أنها لن تفعل أي شيء إزاء تلك السياسة «المعيبة». من الواضح لموسكو أن واشنطن أعطتها الضوء الأخضر في سورية وأنها، كما أوعزت لها عملياً، تنوي التنديد علناً.
ما يهم روسيا هو أن أمامها فرصة تاريخية لنحت جغرافيا جديدة لدورها السياسي في الشرق الأوسط عبر سورية. إنها في صدد بناء محور أو محاور في الشرق الأوسط بقيادة روسية. وهي تريد أن تقود تسويات سياسية لأزمات الشرق الأوسط وفق الشروط الروسية بدءاً ببقاء نظام بشار الأسد في السلطة رغم أنف الادعاءات الأميركية والأوروبية والعربية بأن ذلك مستحيل لأنه، وفق رأيهم، «جزار» دمشق ومن المستحيل إعادة تأهيله سورياً أو إقليمياً أو دولياً.
بغض النظر إن كانت «النهاية» استبعاد الأسد من الحكم أو الاكتفاء برئاسته لجزء من سورية المقسّمة، موسكو تريد اليوم «إشراك» نظام الأسد في المستقبل السوري. ولذلك تتدخل عسكرياً، بشراكة مع النظام، لتقوية الأسد كي يكون جزءاً من الحكم في سورية الغد بأية صيغة كانت. إنها تنفّذ إستراتيجية إنقاذه وإعادة تمكينه كي يكون ورقة قوية في مفاوضاتها المستقبلية مع واشنطن وعواصم أوروبية وعربية. واقع الأمر أن لا أحد، سوى الكرملين، يعرف إن كانت الإستراتيجية الروسية تقوية بشار الأسد لإنقاذ النظام من دونه وبالتالي الاستغناء عنه، أو إن كانت تنوي التمسك به مهما كان.
الواضح اليوم هو أن فلاديمير بوتين أبلغ كل من يعنيه الأمر أن روسيا تعتبر الأجواء السورية متاحة لها فقط على أسس شرعيّة لأن الغارات الروسية تتمّ بطلب رسمي من الحكومة السورية الشرعية. شرعيّة لأن الاتفاق الأميركي الروسي الرسمي المعني بالأسلحة الكيماوية السورية شرّع رسمياً الحكومة السورية رغم نعتها بأنها «لا شرعية» في تصريحات أوباما أو غيره.
موسكو تطالب قوى «التحالف الدولي» ضد «داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة أن تقرّ بأن روسيا هي القيادة الشرعية فوق الأجواء السورية وأن روسيا هي التي تملي قواعد الاشتباك. وهذا تحوّل أساسي في العلاقات العسكرية الجيو - سياسية في الشرق الأوسط، بدءاً بسورية.
وموسكو لن تكتفي بسورية. لذلك، إنها تنوي توسيع قيادتها وسلطتها لتشمل العراق تحت غطاء الحرب على «داعش» وهي في انتظار الدعوة الرسمية المرتقبة من بغداد لتطلب من موسكو توسيع رقعة غاراتها لتشمل الأراضي العراقية.
روسيا تقول لأميركا: القيادة لنا، وعليك التنسيق معنا لأننا نحن الشرعية الممتدة من سورية إلى العراق. وواشنطن ستلبي مهما كابرت لأنها لا تريد الانخراط ولأن دول المنطقة ستطلب المعونة الروسية في ظل الامتناع الأميركي.
هكذا ستنجح موسكو في صنع المحور الذي تحدثت عنه والذي يضمّ العراق وسوريا وإيران وروسيا. رسالتها هي: أنا الأقدر وأنا الأقوى. وأميركا لا تمانع، عملياً، لأنها لا تريد أن تكون الأقوى والأقدر في الشرق الأوسط. والسؤال هو: هل كل هذا بسبب قرار إدارة أوباما العازمة على اللاانخراط؟ أم أنه وفق إستراتيجية أميركية بعيدة المدى ترى أن المصلحة الأميركية تقضي بإيكال القيادة إلى روسيا في بقعة جاهزة لتكون مستنقعاً يمتص منها كل ما يتخيل لها أنه عظمة أو انتصار؟
هناك رأيان في شأن الدور الروسي في سورية. رأي يصرّ على أن سورية ستكون أفغانستان روسيا وفيتنام أميركا. ورأي آخر يقول إن في زمن أفغانستان كان هناك من يعبئ الجهاديين ويدعمهم عملياً لإلحاق الهزيمة بالشيوعية، بينهم الولايات المتحدة. أما اليوم، فليس هناك من يقوم بالتعبئة، ولذلك موسكو لا تخاف.
في المقابل، إن انعدام التنظيم والإشراف على تنظيمات مثل «داعش» وأمثاله قد يثبت أن أفغانستان آتية على روسيا أكثر مما كانت على الاتحاد السوفياتي. فلنرَ.
تجاوز التدخل العسكري الروسي بقوة نيرانه الهائلة أهدافه المعلنة بأشواط. وأخذ يؤشر إلى حرب طويلة الأمد يخوضها القيصر، لا تتعلق بسورية وحدها، وبما يعلنه عن محاربة «داعش»، بالتعاون مع جيش نظام بشار الأسد، وبتغطية قيام الأخير بهجمات برية لاستعادة مناطق خسرها نتيجة تقدم تشكيلات المعارضة السورية المتعددة فيها.
ولا تكفي التناقضات التي رافقت الحملة الدعائية الروسية للعمليات العسكرية التي تقوم بها المقاتلات الروسية من الجو والتي تشمل إطلاق الصواريخ الباليستية من بحر قزوين مستهدفة الأراضي السورية للدلالة إلى أن هذا التدخل العسكري يتعدى تلك الأهداف المعلنة. وإذا كان الكرملين احتاج إلى ابتكار أساليب إعلامية جديدة لتبرير حملته العسكرية للتغطية على انكشاف التناقض بين الأقوال والأفعال، فإن الإعلام الروسي نفسه وقع في الفخ حين أخذ ينشر خرائط لمواقع القصف، تظهر بوضوح أن القذائف الآتية من طائرات «سوخوي» 24 و25 والتي حملتها الصواريخ استهدفت مناطق تخضع لسيطرة «الجيش السوري الحر»، ولتشكيلات مسلحة أخرى من التي تصنف على أنها «معارضة معتدلة»، وليس لمواقع «داعش» و «جبهة النصرة»، كما ادعى الجانب الروسي. وأعطى ما نشره الإعلام الروسي الموالي للكرملين صدقية لما قاله الأميركيون ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو من أن القصف الروسي لم يستهدف سوى موقعين لـ «داعش»، من أصل 57 غارة حتى الثلثاء الماضي.
واحد من المؤشرات إلى الاستهداف الأوسع من سورية وإنقاذ النظام من الانهيار التدريجي بعد فشل التدخل الإيراني في إعانته على التفوق في المحرقة السورية، هو رد فعل حلف شمال الأطلسي واجتماع قادته أمس في بروكسيل. ومن الطبيعي أن تظهر التناقضات في ما يعلنه المسؤولون الروس عن أهدافهم في سورية، حين تتحرش المقاتلات الروسية بالمقاتلات التركية وفي الأجواء التركية، فقادة الحلف فهموا الرسالة، التي أراد بوتين إرسالها بعد فشل اجتماعه مع نظيره الأميركي باراك أوباما في نيويورك في 28 أيلول (سبتمبر) الماضي، حول أوكرانيا، التي استغرق البحث في أزمتها الجزء الأكبر من الاجتماع قبل التطرق إلى الأزمة السورية، والتي لم تشهد أي تقدم في تقريب المواقف منها. فكان طبيعياً ألا يحصل التقدم المنتظر في شأن الموقف من الحرب في بلاد الشام، بعدها.
الهدف الأبعد في رد الفعل الروسي بعد يومين من فشل القمة الثنائية، عبر التحرش بالأجواء التركية، «الأطلسية»، هو إنذار الغرب بقدرة الدب الروسي على الرد على سياسة تعزيز وجود حلف شمال الأطلسي في دول شرق أوروبا وعلى التغلغل الغربي الدؤوب في هذه الدول، التي تشكل المدى الحيوي للإمبراطورية الروسية الغابرة والتي كانت ضمن فلك الاتحاد السوفياتي قبل انهياره. فهذا التغلغل الأوروبي الغربي المدعوم أميركياً هو الذي دفع بوتين إلى التدخل في جورجيا عام 2008 وإلى اقتطاع القرم من أوكرانيا قبل سنة ونصف السنة، ما أطلق سياسة العزل الأميركية - الأوروبية لروسيا عبر العقوبات التي أنهكت اقتصادها، والمعطوفة على خفض أسعار النفط التي أفقدت موسكو مئات بلايين الدولارات وتسببت بانكماش اقتصادها وتراجع عملتها أكثر من 40 في المئة وتصاعد التضخم في سوقها، إلى مستويات غير مسبوقة منذ انهيار الروبل في التسعينات من القرن الماضي.
ولم تكن موسكو بحاجة إلى الصواريخ الباليستية لقصف ما قالت إنه مواقع «داعش» و «النصرة»، لولا أنها أرادت من ورائها افهام الغرب أنها قادرة من مناطق نفوذها المترامية ومنها بحر قزوين، على تخطي مشروع الدرع الصاروخية الأميركية، التي تعمل واشنطن على إقامتها منذ سنوات في بعض دول شرق أوروبا.
لا تقتصر أهداف المرحلة الجديدة التي افتتحها بوتين على سورية حكماً، مع أنها تشكل منصة مهمة له للتصويب على الأهداف الأبعد مدى، مع ما يحمله التورط الجديد من مخاطر، فدول الغرب تسلّم لموسكو بنفوذها في سورية، بل بعضها يعوّل على هذا النفوذ وصولاً إلى حل سياسي. وهذا البعض كان على قاب قوسين من القبول معها باشتراك بشار الأسد في بداية الحل السياسي على أن يجري الاتفاق على مخرج له في مرحلة متقدمة من العملية السياسية. بل إن هذا الغرب يسلّم بالتعاون مع موسكو على حقها في استباق عودة المقاتلين الشيشان المتطرفين إلى روسيا. ولم يكن بوتين في حاجة إلى استنفار الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لتأييد حربه «المقدسة»، مغامراً بإعطاء أبعاد دينية لحربه، لو لم يكن يعتقد أنه يخوض معركة قومية تتعلق بموقع ونفوذ بلاده في أوروبا.
يوم ركّزت وسائل الإعلام الروسية على منظر أحد المتطرفين وهو يأكل كبد إنسان ميت في مقطع للفيديو (حتى أن بوتين نفسه عبّر في ذلك الحين عن سخطه واشمئزازه في مواجهة الحدث المدان بكل المقاييس)، أدركنا أن روسيا هي في طريقها إلى تغيير دورها في الوضع السوري من موقع المتحالف الداعم إلى موقع المشارك المنفذ. فالرئيس الروسي لم يسبق له أن عبّر عن مثل هذا الشعور وهو يشاهد ويتابع تقارير الاستخبارات الروسية، التي من المفروض أنها وضعته في صورة التفاصيل الدقيقة لوقائع مجازر النظام السوري في الحولة ومعرزاف وتلبيسة، وجرائمه الخاصة ببراميل البارود التي باتت جزءا من المألوف السوري، وهي براميل يعرف بوتين جيدا أنها توّزع الموت على الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، ولا تطاول المقاتلين الذين يمتلكون القدرة على متابعة وتحاشي غباء تلك البراميل وحقدها.
ولم يتوقف بوتين مطلقا، على الأقل عبر الإعلام، عند مناظر أطفال ونساء مجزرة بانياس ومجزرة الكيماوي في الغوطة. وهذا مؤداه أن توقفه عند مشهد بغيض مقيت لحالة شاذة ندينها جميعا حالة لا علاقة لها بالثورة السورية وقيمها، إنما كان ذلك ضمن إطار وضعية الانسجام والتضايف، بل التكامل المدروس مع استراتيجية النظام التي اعتمدها منذ اليوم لانطلاقة الثورة السلمية. وهي استراتيجية متمحورة حول فكرة الربط بين الثورة السورية والإرهاب، وهي الاستراتيجية نفسها التي اعتمدها النظام الإيراني في كل من العراق وسورية، حتى أن الرئيس روحاني -الذي راهنّا بعض الشيء على دوره الإصلاحي، من موقع حسن النيّة- خرج على العالم ليتباهى بأن نظامه هو الأقوى والأكفأ في مواجهة الإرهاب في المنطقة، وهو يعلم جيدا أن الإرهاب الذي يتحدث عنه مترسّخ متأصل في ذهنية وممارسات نظامه، وهو يتجسّد في السعي المستمر لتصفية الخصوم المحليين والإقليميين، أو المغرّدين خارج السرب سواء في العراق أم في لبنان أم في سورية.
كما انه يعلم جيدا أن نظامه الأصولي المذهبي النزعة قد تمكّن بالتحالف والتنسيق الفاعل مع النظام البعثي "العلماني" السوري من دفع الأمور في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين نحو الفوضى العارمة، وذلك عبر تدبير التفجيرات والمذابح التي نفذتها قوى متباينة المشارب والعقائد والمزاعم، ولكنها كانت جميعها محكومة بقواعد اللعبة التنسيقية بين الحليفين: الأصولي المذهبي، والبعثي "العلماني".
لقد اصبح الإرهاب فزّاعة بالنسبة إلى الأنظمة الاستبدادية في المنطقة والعالم، فهو الدجاجة التي تبيض ذهبا. وهي فزّاعة تصنعها الأنظمة المعنية، وتروّج لها، وتمكّنها من الانتعاش والتمدد، ومن ثم تعلن نفسها مناهضة لها، ومستعدة لمحاربتها، مستغلة الأوضاع الإقليمية والدولية، لتضع العالم أمام بديلين سيئين: إما الأنظمة الاستبدادية الفاسدة الإفسادية، أو الإرهاب الظلامي المتوحش. ولم يكن لهذه الفزّاعة أن تصبح فاعلة هكذا، لولا قبول الرأي العام الغربي بواقعيتها، وخشيته من مآلاتها.
وفي ما يخص الحالة السورية نرى أن لهذا الأمر أسبابه وعوامله التي من بينها إخفاق المعارضة السورية بمختلف أجنحتها في ميدان التواصل مع الرأي العام المعني بمؤسساته ومفاصله المؤثرة، بخاصة في العامين الأولين من الثورة حين كانت الأجواء مهيأة للتفاعل إيجابا مع مطالب السوريين. بل انشغلت المعارضة المعنية بحساباتها الخاصة، وكان ذلك نتيجة تعاملها مع الوضعية بعقلية كسولة اتكالية، عقلية اعتمدت سلوكية انتظار تنفيذ الوعود العامة الضبابية التي كانت تتوالى من دول مجموعة أصدقاء الشعب السوري، وذلك عوضا عن العمل الجاد من أجل بناء القدرات الذاتية، وتنظيمها في مختلف الميادين وعلى مختلف المستويات.
ولكن يبقى للتردّد الأميركي تأثيره الأكبر على صعيد عدم حسم الأمور لصالح الشعب السوري، مما اضعف قوى الثورة الميدانية، وأخرج المئات من الضباط القادة والأمراء، وعشرات الآلاف من ضباط الصف والجنود المنشقين خارج نطاق المعادلة، بل فتح الباب واسعا أمام المتشددين والإرهاب، الأمر الذي استفاد منه النظام ضمن إطار استراتيجيته العامة التي اعتمدها مع حليفيه الإيراني والروسي.
الإدارة الأميركية لم تعتمد الحزم المطلوب في تعاملها مع نظام بشار الأسد، الحزم الذي كان من شأنه أن يفعل الكثير. والتجارب السابقة مع هذا النظام تؤكد ذلك.
أما النهج وحيد الاتجاه الذي التزمته هذه الإدارة في تعاملها مع قضية الإرهاب في سورية فهو الآخر خدم النظام، واسبغ قسطا من المشروعية على مزاعم روسيا بخصوص مخاطر الإرهاب الإسلامي المتطرف. فمنذ اليوم الأول كان واضحا للجميع أن النهج المعني لن يعالج المشكلة في سورية باعتباره لا يعالج قضية الإرهاب بصورة متكاملة، وإنما كان يركز الجهود حول داعش – النتيجة، في حين أنه كان يتناسى أو يتجاهل أن النظام مصدر الإرهاب الداعشي وغيره. وكل ذلك تناغم أو تكامل بهذه الصورة أو تلك مع استراتيجية النظام وحلفائه.
القوات الروسية دخلت سورية بدعوة من رئيس فاقد للشرعية. وهي تمارس عدوانها على الشعب السوري عبر قصف مدنه وقراه، مرفقة بمؤازرتها الصريحة للنظام، ودعوة موسكو الصريحة بضرورة الإبقاء على الأسد.
ردود الأفعال العربية والدولية لم ترتق بعد إلى المستوى المطلوب من جهة الإدانة والدعوة الحازمة إلى ضرورة التوقف عن التدخل، وإنما تراوحت بين الشجب الخافت، والامتعاض، والدعوة إلى التفاهم، وإمكانية التنسيق بخصوص الإرهاب.
بشّار الأسد بوصفه عنوان مجموعة القرار في النظام هو أساس المشكلة. ولن تكون هناك أية إمكانية للحل من دون تجاوز هذه العقدة، وإبعادها عن العملية السياسية القادمة التي لا بد منها للوصول إلى الحل في سورية. ومن هنا نرى أن مهمة المبعوث الدولي دي ميستورا مسدودة الآفاق ضمن الأجواء الراهنة، وبناء على المعطيات المتوفرة حاليا.
أما الإصرار الروسي على دعم بشار بكل الأساليب، فهذا مؤداه حرب طويلة الأمد في سورية، بل في المنطقة بأسرها، حرب ستؤدي إلى تغييرات في الجغرافيا السياسية، وانزياحات سكانية كبرى، وهي تطورات ستكون لها، في حال حدوثها، تبعات جسيمة على المستويين الإقليمي والدولي.
انطلاقاً من رؤيتها أنّ "الأزمة في سورية التي تدخل عامها الخامس تعد أكبر أزمة إنسانية في العالم"، يبدو أن الممثلة السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، قرّرت التحرك لإيجاد آلية لحل القضية السورية، وهي آلية، ربما تكون على غرار التي أدت إلى التوصل إلى اتفاق بين المجموعة الأوروبية وإيران، بشأن برنامج الأخيرة النووي، في 14 يوليو/تموز الماضي في فيينا. ولكن، وبالقياس مع أهمية الملف النووي الإيراني، لا تعد الأزمة الإنسانية الدافع الحقيقي لذلك التحرك، إذا ما أخذنا عامل وجود القوات الروسية في سورية، أخيراً، وخطورته، من الناحية الجيوسياسية، بالنسبة لصانعي القرار الغربيين، علاوة على موضوع تدفق اللاجئين السوريين وغيرهم إلى أوروبا.
وكانت موغيريني قد صرحت بذلك، في بيان أصدرته عقب لقائها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، في بروكسل في العاشر من الشهر الماضي. وقد ناقشت معه، السبل المثلى لمساهمة الاتحاد الأوروبي في مبادرات الأمم المتحدة الخاصة بالشأن السوري، بما فيها اقتراح دي ميستورا مجموعة عمل حول سورية وإنشاء مجموعة اتصال دولية، إلا أن موغيريني عادت، بعد ذلك، إلى الاستفادة من الجو الذي ساد في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، وخيّم عليها الموضوع السوري، للحديث عن إعادة إحياء المجموعة الدولية 5+1 التي تشكلت لحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني، لحل الأزمة في سورية، مع احتمال دعوة دول أخرى من المنطقة، للمشاركة في المجموعة، وخصوصاً العربية السعودية وتركيا.
من المحتمل، أو شبه المؤكد، أن لدى الغرب مفتاح حل الأزمة في سورية، وهو لا يستخدمه سوى حين يتألم. وقد حبس ذلك الحل طوال فترة تقارب السنوات الخمس، هي عمر الأزمة في سورية، إلا أن شيئاً ما تغيّر جعل هذا الغرب، وخصوصاً أوروبا، جعلها تفكر في إطلاق الحل من حبسه، متأثرةً بآلامٍ بدأت تشكو منها. فها هي موجات الهجرة أخذت تؤلمها، وبدأ حكامها يدركون أن أوروبا هي الكيان الوحيد الذي يتأثر، مباشرة، بالنزاعات الواقعة خلف الطوق الأوروبي. وإن كانت الولايات المتحدة الأميركية تصنع أزمات على غرار العراق وأفغانستان، وتزكي نيران أزمات أخرى، فإن أوروبا هي أول من يتلقى تداعيات الأزمات في العالم، لبعد الولايات المتحدة الجغرافي، والذي يبقيها بعيدة عن موجات الهجرة أو عن الأعمال الانتقامية.
وقد شهدنا، في الأشهر الأخيرة، تدفق موجات اللاجئين السوريين إلى أوروبا بشكل لم يسبق له
"ربما يكون التدخل الروسي هو الدافع المسرّع لتدخل الغرب لفرض حل سياسي، وفق آلية حل الخلاف حول النووي الإيراني"
مثيل، وبطرق لم يعرفها العالم، تبين أن سالكيها لا يأبهون بالمخاطر المصاحبة لتنقلهم، مقابل الوصول إلى بر الأمان. وهو أمر لا يقدم عليه سوى من وصل إلى مرحلة من اليأس، بعد أن تقطعت به السبل للعيش وفق أبسط المعايير، واكتنف الغموض رؤيته للمستقبل. ودفعت موجات الهجرة هذه دول الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في أساليب جديدة، للحد من تلك الموجات، حيث رأى بعض من قادة الدول الأوروبية أن السبيل الوحيد إلى ذلك إيجاد حل للقضية السورية على المدى الطويل، وتحسين ظروف اللجوء في دول الجوار على المدى القريب. لأنه من الواضح أن وتيرة الهجرة ازدادت بسبب فقدان سكان المخيمات أي أمل في الحل، وبالتالي، في العودة السريعة إلى بلادهم. وأنها ستزداد بسبب هذا الأمر، وبعد تواتر قصص النجاح في وصول من سبقوهم. لذلك، رأينا، بعد حادثة غرق الطفل السوري، عيلان كردي، والصدى الذي لاقته حول العالم، زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان والأردن، والزيارة المزمعة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في أكتوبر/تشرين أول الجاري. والتركيز على تحسين شروط العيش الإنساني للاجئين في المخيمات، والإضاءة على مخاطر الهجرة غير الشرعية لحضهم على عدم المغامرة.
ولكن، لم يكن للغرب أن يتحرّك بشكل جدي أكثر، ويبحث في سبل لحل القضية السورية، إلا بعد أن استشعر خطورة التدخل العسكري الروسي في المنطقة. فانتقال روسيا من دعم النظام السوري، عبر مده بالسلاح والذخيرة، إلى مرحلة التدخل الفعلي على الأرض، قد ينظر إليه الغرب باعتباره وجوداً يتيح لروسيا حرية التحرك، انطلاقاً من بيئة صديقة، سورية والعراق، وصولاً إلى منطقة محيط قطرها يصل إلى آلاف الكيلومترات. وربما ينطلق، لاحقاً، من سورية، ليطاول ليبيا واليمن والعراق، مع إمكانية تغطيته كل المنطقة العربية، وخصوصاً الخليج العربي. وما يشكله ذلك من تهديد للمنطقة وللمصالح الغربية فيها، ولا سيما وأن القوات الروسية قد تجد في المنطقة، المرحبة بوجودها، مستقراً لها فترة لا يعرف أمدها، تحتاجه موسكو في إطار مسعاها فرض نفسها قطباً عالمياً.
لا شك أن التدخل العسكري الروسي في سورية يعتبر عامل إطالة لأزمة البلاد، وليس مساعداً على حلها، وهو جاء في فترةٍ كثر الحديث فيها عن حل سياسي. فالغارات الأولى للطيران العسكري الروسي أظهرت عبثية هذا التدخل، إذ أنها استهدفت المعارضة المصنفة معتدلة، وبيوت السكان الآمنين، فيما أعلن القادة الروس أنها استهدفت تنظيم الدولة الذي تعتبر محاربته مبررهم للتدخل في سورية. لكن ما استهدفته الغارات تجعل كل التبريرات غير معتد بها. وتعطي انطباعاً أن المهمة الرئيسية للتدخل خلط الأوراق وزيادة القضية تشعباً بزيادة عدد الدول المتورطة بالنزاع، وبالتالي، ظهور مصالح جديدة ومستفيدين جدد من الحرب في البلاد.
لذلك، ربما يكون التدخل الروسي هو الدافع المسرّع لتدخل الغرب لفرض حل سياسي، وفق آلية حل الخلاف حول النووي الإيراني. وتأتي موجات الهجرة التي لا يبدو أنها ستتوقف في القريب، ومسعى موغيريني التي هالها حجم المأساة السورية، على المقلب الآخر، لدفع الغرب إلى التحرّك لإيجاد حل. فأن تفعلها موغيريني، مستفيدة من كل هذه العوامل، هو آخر ما تبقى للسوري، في جو عبث الحرب التي لم تعرف حدوداً لفظاعاتها.
في كل مرة تجتهد داعش بكل ما أؤتيت من قوة و تمكين بالسلاح و العتاد و الإمداد البشري ، لتثبت أنها عدوة و موغلة في عداوتها لكل من يناصر الحق ، ومسالمة و موائمة لكل من يصر على عدواة الحق ، ما قامت به منذ الأمس في ريف حلب يؤكد أكثر فأكثر أنهم عبارة عن "القتلة المأجورين" الذين زرعهم العالم لتحقيق كل مآربهم ، على رأسها محاربة الإسلام .
فمنذ أمس الأول أعلنت روسيا و تابعهيا من نظام الأسد بدأ الحملة لإسترجاع المناطق المحررة في أرياف إدلب و حماه و اللاذقية ، فكانت هذه الشارة هي شارة الفناء لكل من اقترب من هذه المناطق و استطاع الثوار تكسير موجة جديدة من موجات المواجهة مع جميع من وطئة اقدامه سوريا .
مع النجاح السابق ، والمواجهة العدو الذي من المفروض أن يكون مشتركاً و متفق عليه ، أنه يضر بالجميع و ليس بطرف بعينه ، تواصل داعش غيها في مواجهة أبناء الأرض ، وتركيز قواتها لضربهم بدلاً من توجيهها للعدو المشترك في كل نقطة متواجدة فيها ، فمدرسة المشاة في ريف حلب يجانبها المدينة الصناعة التي يوجد فيها نظام الأسد و العديد من المليشيات الشيعية ، وغير بعيد عنها عناصرمنظمة بي ك ك التي تدعي أنها تحاربها و بينهما ثأر منذ عين عرب و بعدها تل أبيض ووصولاً إلى حدود الرقة ، إلا أنها قررت ترك الجميع و توجيه ضربة للثوار هناك ، ليفشلوا مخطط جديد للتقدم في حلب بعد أن كانت التحضيرات تصب بإتجاهين الأول وقف أطماع حزب العمل الكردستاني في حي الشيخ مقصود ، وتوجيه ضربة لقوات الأسد على جبهة المدينة الصناعية .
ولكن الغريب في الأمر هو ما نقله بعض المتواجدين في ساحات المواجهة مع داعش ، أن طيران التحالف لم يفارق أجواء محافظة حلب بالأمس و كأنه يرصد لداعش لضمان التقدم ، في حين يمارس الطيران الروسي المراقبة على ريف حلب الغربي الذي يعتبر مركز الثقل للدعم و المؤازرة لشطره الشمالي ، فاليوم روسيا والتحالف بقيادة أميركيا و داعش في ذات النسق كما كانوا منذ البداية ، سيبقون كذلك إلى نهايتهم .
مرت بضعة أيام على انطلاق العدوان الروسي على سوريا، والعملية العسكرية المخطط لها بالتنسيق مع الإيرانيين وبمشاركة ما تبقى من قوات بشار الأسد لا تزال في بداياتها. وبحسب ما يتواتر في الأروقة الديبلوماسية الغربية في بيروت فإنها في طور التوسع المتدرج على مدى الشهرين المقبلين في مسعى عاجل لتغيير موازين القوى على الأرض ولا سيما في المناطق الشمالية حيث أفلح الثوار في الوصول الى تخوم منطقة الساحل عقر دار بشار والعلويين. ومن المعلوم أن الهدف الأبعد لروسيا هو تحقيق محاولة تدمير المعارضة المسلحة في أسرع وقت بالاستناد الى قوة نار تدميرية هائلة لا بد انها ستظهر في الأيام والاسابيع المقبلة.
الآن ليس وقت المبادرات الديبلوماسية. الحوارات مؤجلة بانتظار جلاء غبار العدوان الروسي، فإما أن يحدث التغيير الحاسم الذي يعيد إحياء "بشار الجثة"، ويفرض على الاقليم الداعم للثورة والغرب "تسوية" وفق القراءة الروسية للحل في سوريا تقوم على النقاط الثلاث الآتية:
١- بشار جزء من التسوية ويبقى في الحكم مع ماكينته الأمنية والعسكرية والسياسية.
٢- تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تضم الى جماعة النظام شخصيات من المعارضة المسماة "بناءة" وفقا لمعايير موسكو وطهران. مرفقة بخطة إعادة إعمار.
٣- محاربة ما يسمى "إرهاب" وفق التعريف الروسي - الإيراني، أي تشريع القضاء على كل معارضة مسلحة لنظام بشار وللاحتلال الإيراني والعدوان الروسي ومعهم بشار.
إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقرأ السياسة الدولية وفق موازين القوة على الأرض: هكذا كان في أزمة جورجيا، وهكذا كان أيضاً في أزمة أوكرانيا. وازاء سياسة الانكفاء التي اختارها الرئيس الأميركي باراك أوباما تستمر هذه السياسة في إثبات نجاعتها أمام غرب مشتت، متردد على صورة رئيس أقوى دولة الولايات المتحدة. كل المواقف اللفظية التي تصدر عن واشنطن وبقية العواصم الغربية الكبرى غير مجدية، ولاترقى الى مستوى الفعل الروسي الذي يرتسم في سماء الشرق الأوسط. ولن يتغير شيء ما لم يتغير شيء حقيقي في واشنطن بما يعيد أولا تجميع الصف الغربي تحت قيادة توحي بالقوة والثقة، ثم تجميع الصف العربي بدعم جدي من واشنطن منخرطة من جديد في مواجهة روسيا فلاديمير بوتين.
قد تبدو الصورة قاتمة، ولكن رغم كل شيء لا بد للثوار السوريين، وداعميهم الاقليميين أن يتعاملوا بهدوء وروية مع المعطى الروسي الجديد، والعمل معا وبجدية لبناء استراتيجية مواجهة طويلة الأمد لمنع روسيا من اقتحام المنطقة وتثبيت احتلال مزدوج روسي - إيراني في سوريا من شأنه إن نجح أن يفجر المنطقة بأسرها وصولا الى الخليج العربي. يقيننا أن العدوان الروسي ليس مضمون النجاح ما دامت ارادة المواجهة والمقاومة راسخة في سوريا والاقليم. وروسيا ليست اليوم أقوى مما كان عليه الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود. المهم أن يعي الثوار السوريون أنهم إن لم يوحدوا صفوفهم بتشجيع رؤيوي من الاقليم الداعم فإنهم لن يتمكنوا من مواجهة روسيا وإيران وبشار معا. لا بد من تغيير في الرؤية والذهنية لأن الثورة صارت الآن مقاومة.
قبل عدة أيام صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بمؤتمر صحافي في الأمم المتحدة، بأن بلاده "لا تعتبر الجيش السوري الحر جماعة إرهابية"، ومضيفًا: "نعتقد أن الجيش السوري الحر يجب أن يكون جزءا من العملية السياسية مثل بعض الجماعات المسلحة الأخرى على الأرض المكونة من المعارضين الوطنيين السوريين".
وعلى أثر ذلك التصريح كتبنا هنا أن موقف لافروف هذا يعتبر بمثابة غلطة الشاطر، ويجب أن يستثمر المجتمع الدولي، وقبله العرب المعنيون بوقف جرائم الأسد، هذا التصريح، وذلك للتحرك الفوري بدعم الجيش الحر، وضمان ألا يستعيد بشار الأسد ما افتقده من أراض سورية نتيجة التدخل الروسي العسكري، إلا أن الواضح جيدا هو أن الوزير الروسي تنبه لهذه الغلطة، أي غلطة الشاطر، وخرج قبل أمس بتصريحات تناقض تصريحاته الأولى عن الجيش الحر، حيث حاول لافروف استدراك تصريحه الذي اعتبر فيه الجيش الحر ليس بجماعة إرهابية، من خلال تشكيكه بوجود الجيش الحر أصلا. وقال لافروف: "إن أحدًا لم يرد علينا، ولم يمدنا بأي تفاصيل عن هذا الجيش، أو أي وحدات أخرى لما يسمونها المعارضة المعتدلة"!
هذه الورطة الروسية، أو الغلطة، تؤكد ما ذكرناه سابقا بأن ليس لدى الروس خطة في سوريا، كما تظهر أن موسكو استشعرت خطورة تصريح لافروف الأول بعدم اعتبار الجيش الحر تنظيما إرهابيا، وأنه يجب أن يكون ضمن العملية السياسية، خصوصا أن تصريح لافروف الأول لم يكن نتيجة خطأ بالترجمة، ولم يخرج عن سياقه، بل كان في مؤتمر صحافي، ونقلته أيضا وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية. ومن هنا فمن الواضح أن الروس في ورطة جراء التصريحات المتناقضة حول الجيش الحر، والمفروض أن يستغل العرب، والمجتمع الدولي، هذه الثغرة جيدا.
من المفروض أن يكون هناك دعم حقيقي للجيش الحر، تدريبا، وتسليحا، وتمويلا، وكذلك لا بد من الضغط على الروس بأنه أخيرا وجدنا ما نتفق معكم عليه بسوريا، وهو الجيش الحر، كما اتفقنا معكم من قبل على بيان "جنيف1". صحيح ألا أحد يقبل بدعم الجماعات الإرهابية بسوريا، إلا أن لا أحد يقبل أيضا بدعم الأسد، وبعد كل جرائمه بحق السوريين، ولذا فمن المصلحة إيجاد أرضية مشتركة بين الحلفاء ضد الأسد و"داعش"، وبين الروس، فليس المطلوب تأجيج الصراع، لكن يجب عدم القبول أيضا بإنقاذ المجرم الأسد.
ولذا فلا بد من السعي لدعم الجيش الحر المعتدل، والسعي لفرض مناطق آمنة يحظر الطيران فيها وذلك لمعالجة أزمة اللاجئين، وحماية للمدنيين، وعزل "داعش" على الأرض، وضمان ألا يستعيد الأسد ما فقده من الأراضي التي لن تصان إلا برحيله، وبناء على اتفاق "جنيف1"، وكل ذلك ممكن حدوثه في حال تم دعم الجيش السوري الحر دعما جديا، والآن، لأن ذلك هو مفتاح الحل، وضمان أن تصغي موسكو للمجتمع الدولي بسوريا.
لم يكن التدخل الروسي العسكري في سورية مفاجئاً لمراقبين كثيرين، فطوال سنوات الحرب الأربع الماضية في سورية، لم تخف موسكو اصطفافها خلف دكتاتور دمشق، بشار الأسد، ودعم نظامه الدموي بالسلاح والعتاد والخبرات. وكان متوقعاً أن يأتي اليوم الذي تتورط فيه روسيا بالتدخل العسكري، الذي سينتهي حتماً إلى احتلال. وقد بدأت، فعلاً، بعض فصائل المعارضة السورية السياسية تصنف هذا التدخل بأنه احتلال، على الرغم من أن موسكو تقول، إنه جاء بطلب من نظام الأسد "الشرعي". لكن، ماذا تبقى من شرعية نظام قتل أكثر مئتي ألف من أبناء شعبه، وهجر ونفى 12 مليوناً، وفقد السيطرة على ثلتي بلاده التي حوّل مدنها إلى ركام من الخراب؟
التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، أملته المصلحة الروسية، وتحاول موسكو أن تبرّره بمسوّغاتٍ لن تصمد كثيراً قبل أن تنكشف الحقيقة وتسقط الأقنعة، وتسقط معها رؤوس، وربما قوة كبيرة، مثل القوة الروسية المتنامية.
تبرّر موسكو تدخلها اليوم بأنه جاء لحماية نظام الأسد من خطر التنظيم الإرهابي "داعش" الذي يتمدد مثل سرطانٍ يهدد المنطقة برمتها، لكن المسكوت عنه، في هذا التدخل، سعي موسكو إلى إيجاد موقع قدم لها على خريطة الشرق الأوسط المتحولة، منذ ضربه زلزال ثورات الربيع العربي. وهدفها من هذا الاستعمال المفرط في القوة إيجاد ورقة ضغط، وفي أقرب وقت، لمساومة الغرب، ودفعه إلى غض الطرف عن ابتلاع الدب الروسي جزيرة القرم، ورفع حصاره القاسي على الاقتصاد الروسي. وعندما تحاصر دبّاً وتجوعه، انتظر ردة فعله الهجومية. لكن، مثل كل حيوان هائج، لا يمكن توقع حدود بطشه، قبل أن يخرّ منهكاً بجراحه، وغارقاً في دماء ضحاياه وبين أكوام جثثها.
لا شك أن قادة الكرملين يعون دروس التاريخ القريب، لكن عنجهية القيصر بوتين وغطرسته هي التي دفعته إلى الغوص في المستنقع السوري. فروسيا بوتين تريد أن تستعيد مجد القوة السوفييتية المنهارة. ولذلك، نراه لا يتردد في اللجوء إلى استعمال القوة، وبإفراط، لإثبات وجوده وتأكيد تفوقه العسكري. إنه يعتقد أنه استطاع أن يفرض الأمر الواقع في أوكرانيا بقوة الحديد والنار، واليوم، يريد أن يجرّب اختبار استعراض القوة في سورية. لكن، لا شيء سيضمن أن تنجح التجربة هذه المرة. السيناريو القريب إلى الحالة السورية ليست أوكرانيا، وإنما هي أفغانستان تسعينات القرن الماضي. في ثمانينات القرن الماضي، تدخل الاتحاد السوفييتي في أفغانستان عسكرياً، لحماية نظام كابول القريب منه ضد ضربات المقاومات المسلحة من داخل بلاده. فقدم الروس، آنذاك، مساعدات عسکرية واقتصادية ضخمة لنظام حليفهم، محمد نجيب الله، ما عزّز من معنويات نظامه، وكبّد المقاومة الأفغانية التي كانت متصارعة فيما بينها خسائر فادحة.
لكن الاحتلال السوفييتي، آنذاك، لأفغانستان، نجح في شيء واحد مهم، هو توحيد صفوف
"الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، نجح في توحيد صفوف المقاومة التي وحّدتها الحرب ضد الاحتلال الذي جَر قِوى دولية أخرى إلى الانخراط في تلك الحرب"
المقاومة التي وحّدتها الحرب ضد الاحتلال الذي جَر قِوى دولية أخرى إلى الانخراط في تلك الحرب، ولو بطريقة غير مباشرة. انتهت الحرب الأفغانية بالانسحاب المذلّ للاتحاد السوفييتي، ووصول المقاومة إلى أبواب العاصمة كابول، بعد أن فشلت كل محاولات التصدي والتفاوض معها، وتقديم تنازلاتٍ كثيرة لها، قوبلت بالرفض، فسقط نظام نجيب الله، وسقط هو نفسه أسيراً في أيدي مقاتلي "طالبان" عام 1992، لينتهي أمره مشنوقاً ومعلقاً في شوارع كابول.
جاء التدخل السوفييتي في أفغانستان عام 1979 لدعم حليفهم، نجيب الله، ضد هجمات الثوار المعارضين للنظام في كابول، لكن التدخل سرعان ما تحول إلى احتلال دام عشر سنوات من الحروب الطاحنة، تمكّنت فيها المقاومة التي كانت مدعومة من أميركا والسعودية وباكستان والصين من دحر الاحتلال السوفييتي، وأجبرته على الانسحاب عام 1989. وكان من نتائج ذلك الاحتلال تكبيده موسكو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد والسمعة الدولية، وانتهى بالفشل الذريع والبحث عن مخرج من المأزق الأفغاني، فكان ذلك الخروج إيذاناً بنهاية الحرب الباردة التي استمرت أربعة عقود، وإعلاناً مبكراً عن انهيار الإمبراطورية السوفييتية وتفككها.
ما يريد أن يفعله، اليوم، بوتين هو إعادة إحياء مجد الإمبراطورية السوفييتية البائدة، لكنه، مع ذلك، يعيد تكرار الخطأ نفسه، غير آبه بالتعلم من درس التاريخ القريب. فما أشبه الليلة بالبارحة.
من شأن التدخل الروسي، اليوم، في سورية أن يوحّد صفوف المعارضات المسلحة على أرض الواقع التي ستجد نفسها أمام احتلال أجنبي مباشر. كما أن القوى الخارجية الكثيرة المتدخلة في الصراع في سورية ستكون مجبرة على دعم جبهة موحدة للتصدّي للأطماع الروسية في المنطقة، تماماً كما فعلت، أمس، مع الفصائل الأفغانية التي كانت متناحرة فيما بينها، فوحدها القتال ضد الاحتلال السوفييتي والدعم الخارجي لها الذي كان هدفه الإيقاع بالدب الروسي في المستنقع الأفغاني.
لكن، مثلما حصل في أفغانستان، قد يكون المنتصر من الحرب في سورية قوة هجينة، لا أحد يمكنه التنبؤ بها اليوم. تفرزها معطيات الواقع السوري الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد آخر. تماماً كما حصل في أفغانستان، عندما خرجت حركة هجينة اسمها "طالبان" من رماد الحرب منتصراً وحيداً فيها، هذا إذا أمكن أن نسمي من سيغنم الرماد والخراب منتصراً.
يبدو أن قدرنا فى العالمين، العربي والإسلامي، أن نعيش، من جديد، التجربة الروسية بكل ما خلفته سابقاً من آثار سلبية ما زالت ماثلة أمامنا؟ ويبدو، أيضاً، أن آفة حارتنا هي النسيان، كما يقول نجيب محفوظ، أو كما قال موشيه دايان يوماً: "إننا لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نتعلم". ودعونا نستعرض محطات محددة وواضحة في التجربة الروسية مع عالمنا العربي والإسلامي، من دون أن نوغل فى التاريخ، أو ندخل في تفاصيل كثيرة.
نبدأ من الحرب العظمى المعروفة بالحرب العالمية الأولى، وكانت روسيا القيصرية، في بداية الحرب، في معسكر الحلفاء. وكانت تطمع في نصيب من تركة الرجل المريض، أو دولة الخلافة العثمانية المنهارة في ذلك الوقت، وشاركت روسيا في ترتيبات تقسيم وإعادة هيكلة المنطقة العربية التى عرفت بخطة سايكس – بيكو، وهما دبلوماسيان بريطاني وفرنسي أعداها، وشارك معهما، في البداية، مندوب روسيا القيصرية في عام 1916، وما أن نجحت الثورة البلشفية في روسيا 1917 وسقطت القيصرية، وكانت بشائر نصر الحلفاء قد ظهرت، وأصبحت الخطة قيد التنفيذ العملي، ولم يعد بيد العرب ما يمكنهم فعله، أفشى الروس خطة سايكس - بيكو للعرب بعد فوات الأوان. ولكن المهم أن الروس تَركوا لشركائهم الإنجليز، والفرنسيين، العالم العربي الإسلامي، في مقابل دول آسيا الإسلامية التي دخلت في إطار الاتحاد السوڤييتى الجديد.
ودار الزمن، وجاءت الحرب العالمية الثانية، وما أعقبها من تطورات وصعود الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوڤييتى (السابق). والأهم، بالنسبة لنا، قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، ثم إعلان قيام دولة العدو الإسرائيلى في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين 15 مايو/أيار 1948، وليكون الروس مع الأميركان أول من يعترف بتلك الدولة التي قامت على الأرض العربية المغتصبة.
ومع بداية خمسينات القرن الماضي، هبت على المنطقة العربية موجة الانقلابات العسكرية الثورية التي رفعت شعارات التحرر الوطني والقومية والتقدمية، ووجد فيها الروس ضالتهم للنفاذ إلى المنطقة عبر صفقات السلاح، وبرامج التصنيع الكثيف، وإيجاد طبقات عاملة تشكل بروليتاريا عربية. وبالطبع، انتهت تلك البرامج بالفشل، وخلفت آثاراً مدمرة على مجتمعات عديدة، لتعارضها مع المنظومات القيمية والعقائدية للشعوب. ثم كانت التجربة المريرة، تجربة يونيو/حزيران 1967، والدور الروسي في ترويج فكرة وجود حشود عسكرية إسرائيلية في مواجهة سورية، وتعرض سورية لخطر الغزو الإسرائيلي، ودفع مصر إلى التعبئة العامة، ثم
"التجربة الروسية، التي فشلت عندما كان الاتحاد السوفياتي في قوته، في حماية نظام حفظ الله أمين في كابول، لن تنجح في حماية نظام بشار الأسد، ولو أيدها كل أصدقاء الأسد"
تطور الأحداث التي انتهت بهزيمة 5 يونيو. بالطبع، لا مجال لإلقاء المسؤولية كاملة على الروس، ولكن لا يمكن إغفال دورهم، وما كاد غبار المعارك ينقشع عن أخطر هزيمة تعرض لها العرب، وما زالت آثارها ماثلة، حتى بادر الروس بالهرولة إلى مصر وسورية بدعوى الإنقاذ، وكانت دعواهم أنهم قدموا السلاح والعتاد، لكن العرب لم يحسنوا استخدامه، وبالتالي عليهم أن يخضعوا للوصاية العسكرية الروسية عبر الخبراء والمستشارين، من بقايا العسكريين السوڤييت المتقاعدين. وبالطبع، عوّض الروس الأسلحة والمعدات، ولكن، بضوابط صارمة، تجعل من استخدامها في عمليات هجومية أمراً شديد الصعوبة، واتضحت نياتهم في معارضة حرب تحرير الأرض، باتفاقهم مع الأميركان على تسكين الأوضاع في المنطقة. وباقي القصة بين الرئيس أنور السادات والروس وقراره إبعادهم عن الجيش المصري، وعن مصر كلها، معروف. وبدون ذلك، ما كان يمكن لحرب أكتوبر أن تنجح على الجبهة المصرية، أما على الجبهة السورية، فقد اختلف الأمر كثيراً، لوجود خبرائهم.
وتستمر التجربة الروسية، وتمتد إلى أفغانستان، وهي التجربة الأقرب إلينا اليوم. كان الروس يدعمون الانقلاب والحكم الشيوعي في أفغانستان، والذى جاء بعد سقوط نظام الملك محمد ظاهر شاه، وابن عمه محمد داود خان، واستيلاء نور محمد تراقي على السلطة، وعقده اتفاقية صداقة وتعاون مع السوڤييت تتيح للحكومة الأفغانية طلب التدخل العسكري. وفي العامين 1978 و1979، كانت المقاومة الأفغانية ضد الحكم الشيوعي قد بلغت مداها، ولم تعد الحكومة التي كان يرأسها حفظ الله أمين، بعد أن انقلب على تراقي وقتله، تسيطر سوى على العاصمة كابول، وما لا يزيد عن 20% من أراضي أفغانستان. وهنا طلب حفظ الله أمين تدخل الروس لحماية نظامه، وكان ما كان من تدفق القوات الروسية إلى كابول، بحجة أنها تلقت دعوة رسمية من الحاكم الشرعي، والباقي، أيضاً، معروف. تدفق المجاهدون الإسلاميون على أفغانستان، ودارت حروب استنزاف طويلة، استمرت عشر سنوات، حتى أعلن الروس انسحابهم من أفغانستان عام 1989. وما أشبه الليلة بالبارحة، لا يسيطر بشار الأسد إلا على العاصمة دمشق، وما لا يزيد عن 20% من الأراضي السورية، والروس يتدفقون بقواتهم على دمشق، بدعوى تلبية دعوة من الحاكم الشرعي، وتطبيقاً لمعاهدة صداقة وتعاون سبق توقيعها فى زمن فات. كم ستبقى قوات الروس في سورية؟ وكم ستتكبد من ثمن؟ وهل ستلعب الصواريخ الأميركية ستينجر التي أمد بها الأميركان المجاهدين في أفغانستان الدور نفسه في سورية، أم ستكون مثل تلك الصواريخ بعيدة المنال عن المقاومة السورية؟
هل هناك تجارب روسية أخرى، علينا أن ندرسها ونتعلم منها؟ نعم، لكنها في مناطق أخرى، قد تكون بعيدة عنّا، لكن السلوك هو نفسه، الاقتراب المحسوب، عدم تكرار التورط بعد التجربة الأفغانية، عدم تجاوز الخطوط التي تحدّدها أميركا وأوروبا، بشكل مباشر وغير مباشر. والأمثلة كثيرة في أوكرانيا، توقفت روسيا عند شبه جزيرة القرم، وخضعت للعقوبات، والتزمت بالتفاوض في غير ذلك. في إيران، التزمت بما توصلت إليه مجموعة 5+1 بالنسبة للمشروع النووي، في أوروبا الشرقية، لم تسع إلى أي إعاقة لتوجهاتها نحو الاتحاد الأوروبي، وقبل ذلك استسلامها لهدم حائط برلين، وتوحيد شطري ألمانيا، وقبض الثمن.
التجربة الروسية، والتي فشلت عندما كان الاتحاد السوڤييتى في قوته، في حماية نظام حفظ الله أمين في كابول، على الرغم من أنف الشعب الأفغاني، لن تنجح، بالقطع، في حماية نظام بشار الأسد في دمشق، ولو أيدها كل أصدقاء الأسد.
تبقى هناك أسئلة معلقة: من الذي سمح للروس بالدخول إلى قلب المعترك السوري - العراقي بهذا الشكل؟ وما هو المقابل بالضبط؟ ما هي حدود الحركة والتنسيق بين الروس والأميركان والأتراك وإيران، وأيضاً العدو الإسرائيلى، على أرض العرب، في الشام والعراق؟ ولعله من نافل القول، للأسف، أن نتساءل عن موقف، أي موقف، لأي طرف عربي. والسبب بسيط، هو أن العرب، وفقهم الله وعافاهم، مشغولون بحربهم المقدسة ضد الإرهاب.. المحتمل.
يشكل التدخل العسكري الروسي لإنقاذ نظام بشار الأسد مدخلاً إلى تغيرات مهمة في خريطة الحرب السورية وفي مستقبل الحل فيها. لم يكن فلاديمير بوتين بحاجة إلى هذه المغامرة لو أن اعتماد الأسد، على مدى السنوات الأربع الماضية، على الدعم الإيراني، حقق الغاية التي كانت مؤملة منه. سقوط نظام الأسد كان سيعني، بالنسبة إلى موسكو، خسارة كبرى لنظام حليف في المنطقة العربية، ألقت بثقلها إلى جانبه سياسياً، وأنقذته من ضغوط القرارات الدولية باستخدام الفيتو في مجلس الأمن أكثر من مرة لحمايته، وكانت تتوقع، كما توقع كثيرون، أن تكون أموال إيران وميليشياتها وأسلحتها، فضلاً عن دخول «حزب الله» مباشرة في الحرب، كافية لحمايته عسكرياً.
لم تنجح المهمة الإيرانية في حماية النظام في وجه معارضيه. وكان اعتراف بشار الأسد بذلك استثنائياً عندما أعلن أن جيشه بات عاجزاً عن حماية كل الأراضي السورية، وهو ما يعني من الناحية العملية، العجز عن استعادة المناطق التي خسرها بعد سيطرة التنظيمات المعارضة، على اختلاف اتجاهاتها، عليها، والتي أصبحت تمتد على مساحة ثلثي الأراضي السورية. دفع هذا الاعتراف بالأسد إلى الحديث عن «سورية المفيدة» التي سيضطر جيشه إلى جمع ما بقي من قواته للدفاع عنها ومحاولة الاحتفاظ بها، والتي تشمل العاصمة والمناطق المحيطة بها ومناطق الساحل السوري التي تشكل القاعدة المذهبية لحماية النظام.
كثيرون يتوقفون اليوم عند البحث في أسباب فشل إيران في حماية نظام الأسد وما سيرتبه ذلك على المستقبل السياسي للنظام السوري وللبلد. وتشمل هذه الأسباب العقبات المذهبية التي ظلت قائمة في وجه التدخل الإيراني، الذي بقي غريباً عن انتماء ومشاعر الأكثرية السورية، في الجيش كما في البلد، والحملة الإقليمية الواسعة على مسعى طهران لـ «احتلال» بلد هو في قلب المنطقة العربية ويشكل جزءاً أساسياً من تاريخها. وفي داخل سورية، كما في خارجها، ينظر كثيرون بإيجابية إلى الفشل الإيراني، الذي دفع النظام إلى الاستعانة بالدعم الروسي. وتسود قناعة في أجهزة الحكم السورية، بأن الاعتماد على الدعم الروسي أمر «طبيعي» في سياق الموقع الاستراتيجي للنظام وتحالفاته التقليدية وهوية سلاح الجيش السوري والخبرات والتدريبات التي يخضع لها ضباطه وجنوده. فبالمقارنة مع السطوة الإيرانية على عاصمة الأمويين، يبدو التدخل الروسي أهون الشرين والأقل ضرراً، خصوصاً أنه يأتي في السياق التقليدي للعلاقات التي أقامها نظام البعث مع موسكو، بدءاً من الأسد الأب إلى اليوم.
وليس من قبيل المصادفة أن يرتبط الحديث عن الدور الذي تلعبه موسكو في الأزمة السورية بحديث عن نظام «علماني» يمكن أن يقوم في سورية كمخرج للصراع الطائفي المتفشي فيها ووسيلة لإفراغ هذا الصراع من طبيعته المذهبية. فكلام كهذا، بصرف النظر عن واقعيته وقابليته للتحقيق، لا يمكن تصوره في ظل الحماية الإيرانية للنظام السوري، أو في حال بقيت طهران تمسك وحيدة بمفاتيح الحل، وهي التي يلتزم الحكم فيها بانتماء مذهبي واضح.
غير أن التدخل الروسي، بعيداً عمّا يمكن أن يقال فيه من «إيجابيات»، وخصوصاً من جانب المدافعين عنه من أهل النظام، يبقى هيمنة خارجية على القرار السوري، تذكّر بتجارب مريرة للاتحاد السوفياتي لدعم عملائه من الحكام الغابرين في دول أوروبا الشرقية. وغزو بودابست وما ارتكبته الدبابات السوفياتية ضد «ربيع براغ» كما في دول أخرى ضمن منظومتها آنذاك لا تزال في الذاكرة... كما لا تزال في الذاكرة النتائج التي انتهت إليها تلك الغزوات.
التدخل الروسي يبقى تدخلاً إلى جانب طرف في النزاع ضد أطراف أخرى تمثل أكثرية الشعب السوري. غير أنه يمكن أن يفتح الباب أمام مخارج ممكنة إذا استخدم أوراق الضغط التي يملكها على النظام للقبول بتسويات واقعية تنهي الصراع وتضع حداً للكارثة السورية.
لن ينزل بوتين الى الأرض ولن يقاتل في الميدان السوري إنه يقصف من الجو ومن ارتفاعات عالية، لكن وحول المستنقع الدموي السوري تستطيع ان تحلّق عالياً ايضاً، لتلوّث صورته وتصنّف تدخله اذا استمر على وتيرته الحالية في استهداف مواقع المعارضة، كأنه يخدم "داعش"، وبما قد يفضي أو يفرض قيام الدولة العلوية التي باتت الآن قاعدة عسكرية روسية، يستشيط الإيرانيون غضباً حيالها!
هل من المعقول ان يكون العالم من أقصاه الى أقصاه كاذباً وبشار الأسد الصادق الوحيد، إضافة طبعاً الى بيانات موسكو عن عمليات القصف، الذي يقال إنه يستهدف "داعش" بينما تؤكد واشنطن ولندن وباريس وأنقرة وبون والتقارير الميدانية التي ترصد العمليات، انه يستهدف مواقع المعارضة، التي أعلنت أمس تنديدها باستهداف مناطق مدنية جنوب دمشق وشرق أدلب بهدف تهجير أهلها بما يتلاءم مع التطهير المذهبي المطلوب لقيام "دولة سوريا المفيدة" على ما قيل ان موسكو لمّحت إليه بمعنى قيام الدولة العلوية!
كان من الفاضح ان تعلن موسكو بعدما تعرضت للانتقادات في اليوم الثالث لبدء عملياتها الجوية، بسبب تركيز الضربات على مواقع المعارضة، انها تعتمد على الإحداثيات التي حددها النظام السوري، الذي ليس هناك في بنك اهدافه سوى مواقع المعارضة، أما "داعش" فقد كانت منذ البداية سلاحه السري الذي أطلق نواته من السجون ثم استعمله لتحويل مسار الحرب من صراع شعب ضد النظام الى قتال مزعوم للنظام ضد الإرهاب!
مسخرة المساخر ان لا تعرف القيادة الروسية مثلاً ان الجيش السوري نفّذ ٩٨٢ عملية عسكرية عام ٢٠١٤، ويتبيّن ان ستة في المئة منها فقط كانت ضد "داعش" ربما على سبيل التعمية، أما العمليات الأخرى فكانت ضد المعارضة، ومسخرة المساخر مثلاً ان تتحدث البيانات العسكرية الروسية عن تنفيذ ستين غارة في ثلاثة أيام وتتجاهل وقوع أكثر من ٤٠ قتيلاً من المدنيين السوريين!
ومهما بلغ الانزعاج الغربي المزعوم من الانزلاق الروسي الى القتال في سوريا ليس من المعقول ان ينخرط أوباما وديفيد كاميرون ومانويل فالس وأنغيلا ميركل، إضافة الى رجب طيب اردوغان، في بث الأكاذيب عن استهداف القصف الروسي المعارضة كما يقول الاسد، الذي يتهم دول "الائتلاف الدولي ضد الإرهاب بأنها هي التي صنعت الإرهاب وتدعمه!
في أي حال لن يؤدي القصف الجوي الى تغيير في المعادلات الميدانية، اللهم إلا المساعدة في تحسين وتدعيم عملية ترسيم حدود الدولة العلوية، واذا استمرت وتيرة القصف مستهدفة المعارضة وفق بنك الأهداف الذي حدده النظام، سيقدّم بوتين أكبر خدمة لتنظيم "داعش" لكنه سيكون قد انزلق الى وحول أفغانستان سورية بعينين مفتوحتين... وطبعاً بدفع خبيث من أوباما!
شهدت بلدات ريف حماة الشمالي اليوم احتفاليات كبيرة بمناسبة حلول الذكرى الثالثة والستين لميلاد الرئيس الروسي حليف نظام الأسد " فلاديمير بوتين " شارك بها الآلاف من مقاتلي فصائل الجيش الحر من فصائل "تجمع صقور الغاب - تجمع العزة - جيش السنة - الفرقة 13 - الفرقة 101 - جبهة الشام - جيش النصر - جيش الإسلام" بالإضافة للألاف من عناصر فصائل جيش الفتح " حركة أحرار الشام الإسلامية - جبهة النصرة - أجناد الشام - جيش السنة - فيلق الشام " .
وبدأت الاحتفاليات من ستة محاور في مناطق " عطشان - لطمين - مورك - كفرنبودة - معان - معركبة " بتقدم أرتال الدبابات وعربات البي أم بي المصفحة على الطرق الرئيسية في هذه المحاور ، حيث أعلنت فصائل الثوار علن انطلاقتها بشكل رسمي ، وخلال دقائق بدأت المراسم الاحتفالية بالمفرقعات و الانفجارات الشديدة في كل الاتجاهات ، وبدأت أرتال الدبابات ومن خلفها عربات البي أم بي المصفحة يليها الجنود الراجلين تتحرك بشكل متناسق على كل المحاور وتحاول الدخول بين جموع المحتفلين بالتزامن مع تحليق الطيران المروحي لقوات الأسد على علو منخفض وهو يقوم بتمشيط المناطق المحيطة بمناطق الاحتفال لضمان أمنها وسلامتها وعدم تعرضها لأي اعتداء سافر .
ولم تكن مدفعية وراجمات جبل زين العابدين ببعيدة عن هذه الاحتفاليات إذ أبت إلا أن تشارك فيها بإطلاقها أكثر من مئتي صاروخ عنقودي من قمة الجبل ، ارتفعت على شكل حبال في السماء في منظر بهيج وهي في طريقها باتجاه مناطق الاحتفال في بلدات ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي .
وبعد ساعات قليلة من بدء مراسم الاحتفال وعلى أنغام أصوات الانفجارات والأهازيج بدأت المرحلة الثانية من الاحتفالية بعروض عسكرية بهلوانية للطيران الحربي في أجواء المنطقة شاركت بها طائرات روسية حديثة والتي استهدفت عدة أهداف ثابتة في الأراضي الزراعية والمناطق المحيطة قدمت خلالها عرضاً للقنابل العنقودية والفراغية شديدة الانفجار والتي تملكها القوات الجوية الروسية .
تلاها التحدي الكبير بين الأسلحة العالمية حيث شاركت في العروض أسلحة روسية الصنع من دبابات ومجنزرات مصفحة يقابلها مضادات للدروع للولايات المتحدة الأمريكية في تحد واضح بين الأسلحة الروسية والأمريكية وتبيان الأجدر في المقاومة والمناورة ، حيث تقدمت الدبابات الروسية وعربات البي أم بي المصفحة في منظر مهيب ويقابها في الطرف الثاني صواريخ التاو الأمريكية وبدأ التحد بقوة وبدأت صواريخ التاو تغرد فرحاً وطرباً بهذا اليوم لتبدأ سلسلة جديدة من الانفجارات في الأليات الروسية حيث قدمت وزارة الدفاع الروسية اثني عشر دبابة وأكثر من ثمان عربات بي أم بي في خسارتها أمام المضادات الأمريكية ، فكانت ضربة قاصمة للسلاح الروسي وتغلب السلاح الأمريكي وهذا ما تسبب بإغماء أحد الضباط الروس الكبار المشاركين في الاحتفاليات لهول ما رآه من قدرات المضادات الأمريكية نقل على إثرها بواسطة عربة بي أم بي إلى مشافي ريف حماة لتلقي العلاج .
وتكريماً لما حققته صواريخ التاو من جدارة في المعركة قدم ضابط رفيع المستوى من ضباط النظام المشرفين على سير الاحتفاليات ثلاث دبابات بأسلحتها الكاملة هدية لفصائل الثوار لتعم الفرحة وتعلو التكبيرات في سماء المنطقة فرحاً بهذا النصر الكبير .
وماتزال الأفراح ومراسم الاحتفاليات في المنطقة على أشدها في هذا اليوم العظيم الذي سيخلد التاريخ ذكراه ولن ينساه يوماً رئيس روسي قدم ما قدم من دعم لنظام الأسد لقتل الشعب السوري وكيف رد الشعب الثائر له عربونه بهذه الاحتفالية الكبيرة في ذكرى ميلاده الذي طالما انتظره الشعب السوري البطل .