مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ أكتوبر ٢٠١٥
حلب على "شفى الهاوية" ومطالبات لتوحيد الفصائل لتفادي السقوط

حلب مدينة الصمود في الشمالي السوري وقلب الثورة النابض، حلب أم الشهداء عبد القادر الصالح ويوسف الجادر أبو فرات وأبو خالد عزيزة وآلاف الشهداء الأحرار الذين قدموا أرواحهم رخيصة لتحرير مدينتهم وريفها الصامد من براثن الإحتلال الأسدي والإيراني قبل أن تتكالب عليها كل قوى الشر من كل الجهات.


ففي الوقت الذي يحاول النظام السيطرة على الأحياء المحررة في مدينة حلب ويضيق الخناق على المدينة  من قصف يومي بشتى أنواع الأسلحة من طائرات وراجمات ، يخرج من يدعي وقوفه مع الثوار في حي الشيخ مقصود ليشغل المرابطين على جبهات القتال ويسيطر على الحي وطريق الكاستيلو المنفذ البري الوحيد لمدينة حلب باتجاه الريف ويخلق توتراً كبيراً في المدينة اضطر بعض الفصائل لتوجيه قوتها باتجاه الحي ومحاصرته منعاً لدخول عناصر من شبيحة النظام عبر الحي الى المناطق المحررة بعد عدة معلومات وصلت عن تورط حزب الي كي كي المسيطر على الحي بإدخال عناصر من الشبيحة لخلخلة الأمن في الأحياء المحررة بالإتفاق مع ضباط من نظام الأسد في حلب.


ولم يكمل الثوار تجهيزاتكم لإستعادة الحي وسط المعارك المستمرة في ريف حلب الشمالي مع تنظيم الدولة الخنجر المسموم في خاصرة حلب الشمالية والشرقية تاركاً جبهاته مع النظام تنعم بالأمن زاحفاً بقواته ومفخخاته باتجاه بلدات ريف حلب الشمالي وتحت غطاء جوي للطيران الروسي الذي مهد أمامه بقصف مقرات الثوار وساندته المدفعية الثقيلة لقوات الأسد فكان ما كان من تراجع للفصائل التي سقط العديد من عناصرها بين شهيد وأسير بعد وصول عناصر التنظيم الغادر لمدرسة الشهيد يوسف الجادر في المسلمية وبسط سيطرته عليها ثم رد الجميل لقوات الأسد بتسليمها المنطقة الحرة وسجن الأحداث ومحيط جبل عنتر لتفتح جبهات جديدة مع قوات الأسد وتنظيم الدولة في ان واحد.


كل هذه التطورات وفصائل حلب تشهد إنقسام وراء إنقسام فبعد أن كانت الجبهة الشامية من أكبر الفصائل العاملة في حلب يضاف اليها جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية وفصائل اخرى شهدت الجبهة الشامية في الآونة الأخيرة إنقسامات كبيرة كان أولها خروج كتائب ثوار الشام تلاها حركة نور الدين زنكي وجيش المجاهدين وتجمع فاستقم كما أمرت وعدد من الفصائل الأخرى التي عادت لمسمياتها قبل إندماجها في الجبهة وتنوعت الخلافات وكثر الشقاق والتفرقة في الوقت الذي كانت فيه حلب بأمس الحاجة لتوحيد الكلمة والجهود لمواجهة كل الحاقدين على حلب وكل من يريد أن يطفىء نور الثورة وشعلتها في الشمال السوري.


واليوم وبعد كل هذه الإنقسامات والهزائم مع استمرار عمليات التقدم لتنظيم الدولة الرامي للسيطرة على كامل الريف الشمالي وقطع كل الطرق المؤدية للحدود التركية بين حلب والشمال إلا من بلدات ترك مهمة الوصول إليها لقوات الأسد في نبل والزهراء كانت محاصرة ولا طريق لها إلا من جبهة باشكوي واليوم عزز لها الطرق وساند قوات الأسد في فتح طرق جديدة وجبهات جديدة قد تفك الحصار عنهم في أقرب وقت ،وبعد النداءات المتسارعة لكل قادة الفصائل لتوحيد جهودها أو الإستقالة وترك مناصبهم باتت حلب اليوم في أمس الحاجة لرجل كعبد القادر صالح أو يوسف الجادر أبو فرات يخرج من بين ألاف الأبطال ويرفع الراية عالية ليعيد لحلب وشعبها العزة والكرامة المسلوبة والمهددة بمفخخات التنظيم وطائرات الروس.


فالنداء الأوحد اليوم لكل التشكيلات أن تترك خلافاتها جانباً وتعمل على توحيد الجهود بعيداً عن مصالحها وتبعياتها ولتكن مصلحة الشعب المشرد والثورة المهددة بالسقوط هي العليا فشعارات الإعلام لاتكفي وبات لزاماً إنقاذ حلب من السقوط الذي ستعم عواقبه كل مناطق سوريا من شمالها لجنوبها ومن غربها لشرقها.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٥
أما أن الأوان لكم أفواه المرجفين والوقوف سنداً لنصرة المجاهدين

إن ما تمر به الساحة الشامية من أحداث وتطورات وتحالفات لكل قوى الشر في وجه الشعب الثائر في سوريا قد تعدت مجرد الوقوف في وجه ثورة شعبية تطالب بإسقاط حاكم جائر لتغدو حرباً حقيقية لإزالة الوجود السني في بلاد الشام.

وتقود هذه الحرب قوى الشرق الاستعمارية وعلى رأسها إيران وروسيا واللتين جندتا لذلك عشرات الميليشيات الشيعية من العراق ولبنان وأفغانستان وإيران وأخضعتها لتدريبات كبيرة في معسكراتها قبل أن ترسلها لتكون سنداً ورأس حربة في مساندة جيش الأسد والطائفة الشيعية لحرب أهل السنة وإنهاء وجودهم وتفكيك مكوناتهم وتهجيرهم من أرضهم وانتهاك حرماتهم وقتل أبنائهم .

واليوم وبعد خمس سنوات من الثورة السورية وتكالب كل القوى كان أخرها دخول الروس بشكل علني على خط المواجهة ومساندتها لقوات الأسد بقصف المناطق المحررة والمعارك الدائرة على عدة جبهات يقابلها تصدي بطولي لكتائب المجاهدين من كل الأشكال والكتائب اجتمعوا في خندق واحد لصد العدوان وطائرات الروس من فوقهم أسراب من مروحيات وطائرات حربية حديثة وعلى الأرض راجمات وصواريخ تطلق من مسافات بعيدة تحمل بعشرات الأطنان من القنابل والمتفجرات ودبابات الأسد ومجنزراته تتقدم بكثافة ولا تأبه لكل ما يتدمر منها، فهدفها التقدم وكسر الطوق الدفاعي الذي أوجدته فصائل الثورة من فصائل إعتاد البعض أن يسميها إسلامية وفصائل الجيش الحر مع الأخذ بعين الاعتبار أن رجالات هذه الفصائل ليسوا من كوكب المريخ ولا من عهد الصحابة بل هم من أبناء هذا الشعب وهذه البلدات التي تقصف وتقتل ومن كل المحافظات جمعتهم كلمة واحدة " الله أكبر " وشتّتهم التسميات بين فصيل وأخر لتتلاشى هذه التسميات وسط غبار المعارك، ويساند الأخ أخاه ويداوي جراحه ويدافع عنه  إن ألمت به مكربة ويحمي ظهره إن غفت عيناه ليأخذ قسطاً من الراحة وينسى أعباء الحرب وأوجاع فراق الأصحاب .


ووسط كل هذه التضحيات وبعد ألاف الشهداء ممن ارتقوا على درب النضال والجهاد والكفاح لصد تقدم قوى الشر والذود عن دين الله في الأرض يأتي من باع ضميره بحفنة من دولارات ضئيلة قدمتها له دول الغرب المدعية نصرة الشعب السوري، وهي لو أرادت ذلك لأنهت معاناته منذ سنوات ولما وقفت تترقب كل هذه المجازر بحق الأطفال والنساء لا بل إنها هي من قوت لها في سوريا مجموعات وفصائل لخدمة مشاريعها وخلخلة صفوف الثوار فينتقد هذا ويهاجم ذاك من الفصائل والقيادات ويفضح الأخطاء الصغيرة عبر وسائل الإعلام ليظهر هذا الفصيل أو ذاك في موضع العدو للشعب والثورة لغايات منها شخصية ومنها سياسية تقف ورائها دول ومؤسسات مشى ورائها دونما أدنى تفكير لحجم الضرر الذي قد يسببه في ما نشر أو روج وكان الأولى به أن يعالج هذه الأخطاء بطرق سليمة بعيدة عن الإعلام والتشهير والتطبيل بل وتعقيد الأحداث وزرع الخلاف والشقاق بين المجاهدين على الأرض ولو ترك الأمر لهم لحل في مكانه وزمانه وضمن الأصول المتعارف عليها دون أن يفضح للعلن ويشوه مسيرة شعب ثائر صامد في وجه أعتى حملات استعمارية، كان الأولى بهم أن يساندوا هذا الشعب لا أن يهربوا خارج الحدود ويعملوا على نخر عظم الثورة ودس السم والفتنة بين المجاهدين ولو كان لهم أخطاء فكل بني أدم يخطئ وليس المجاهدين بملائكة أو أنباء معصومين عن الخطأ.


وفي ظل الأحداث المتسارعة اليوم والمعارك الدائرة على طول خط المواجهة مع قوات النظام من ريف حماة شرقاً حتى سهل الغاب والجب الأحمر وريف اللاذقية غرباً، وفي ظل الانتصارات المتتالية لفصائل الثورة وتدمير عشرات الدبابات وقتل المئات من عناصر الأسد وضباطه بات لزاماً على كل ثائر أن يواجه حملات التشويه والطعن بالمجاهدين من الخلف  عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أشخاص منهم معلوم ومنهم من تخفى وراء أسماء وهمية ينهش في لحم المجاهدين ويثبط هممهم، يضخم الصغائر ويصغر العظائم متناسياً كل هذه التضحيات والبطولات على مر كل هذه الأعوام ليلاحق أخطاء فردية ومشادات كلامية يجعل منها حدثاً عظيماً وانتهاكاً للثورة تاركاً ورائه كل الانتهاكات التي اجتمعت على ممارستها كل القوى المعادية لإرادة الشعب الثائر في سوريا من تحالفات قوى الشرق وتنظيم الدولة والغرب المتخاذل والعرب النائمين عن قضيتهم التاركين لصون صلاتهم وقرأنهم وهو يحرق أمام أعينهم في كل بلاد المسلمين.

زين العمر

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٥
بوتين لم يُنذر الـ «ناتو»... إذاً الحرب وشيكة

أطلق الجيش الروسي صواريخ «كروز» من بحر قزوين إلى سورية من دون أي إنذار مسبق لحلف شمال الأطلسي. ومن المفترض أن خط سير الصواريخ الروسية كان من بوارج حربية في بحر قزوين مروراً عبر إيران والعراق ووصولاً إلى سورية. وقال مسؤول أميركي لـ «سي أن أن» أن أربعة صورايخ منها سقط في إيران من طريق الخطأ.

إذا أراد المرء أن يرتّب عناصر هذا الخبر وفق الأهمية، فإن العنصر الأول فيه هو عدم إنذار حلف شمال الأطلسي مسبقاً بالخطوة، ذاك أن خط سير الصواريخ يحفّ بمناطق عمل الحلف في العراق وفي سورية، ناهيك بأنه يستهدف مناطق محاذية لقواعد الـ «ناتو» في تركيا. إذاً ثمة قرار روسي بالمواجهة، أو باستطلاع الجاهزية الأطلسية في ظل الإنكفاءة الأوبامية. وهو استطلاع بالنار هذه المرة، ويأتي بعد خطوة ميدانية روسية في أوكرانيا كشف فيها الأطلسي تردّده وتقديمه الحصار الاقتصادي على نجدة حليفه الأوكراني ميدانياً.

يُرتّب هذا الحدث الهائل احتمالات كبرى، منها أن تصطدم الصورايخ بخطوط طيران تعتمدها مقاتلات التحالف الدولي العاملة في سورية والعراق، ومنها أخطاء في الأهداف كأن يُكمل الصاروخ سيره نحو تركيا أو إسرائيل، وهو احتمال يصبح واقعياً إذا ما تأكد خبر سقوط صواريخ في إيران.

لا يبدو أن عدم إنذار الناتو خطأ تقنياً. من المرجح أن يكون جزءاً من أهداف الحملة الروسية. وعند هذا الاحتمال المرجّح نصبح أمام حقيقة أن ما قدم الروس من أجله إلى سورية، ليس مغامرة كبرى وحسب، وإنما قرار بإحداث تغيير في المعادلات الدولية يتعدّى سورية. وإذا كان صاحب هذه الإرادة ضعيف القدرة على القيام بها، فإن احتمالات المواجهة تصبح أكبر.

نعم روسيا ليست في وضع يتيح لها أن تستعيد الموقع الدولي للاتحاد السوفياتي، وفي الوقت نفسه يحثّ رئيسها فلاديمير بوتين الخطى نحو استعادة الموقع. وفي هذا الوقت لا يمكن للـ «ناتو» أن يجري حساباته تبعاً لطموحات بوتين، إنما تبعاً لتقييمه الفعلي والواقعي لحجم موسكو، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.

إذا اعتمد المرء هذا المقياس في التوقّع فسيخرج منه بحقيقة أن المنطقة تستعدّ لمواجهة كبرى بين حلف شمال الأطلسي وبين روسيا. قبول الأطلسي بخط سير الصواريخ الروسية، وباحتمالات الأخطاء، وبعمل المقاتلات الروسية في مجالاته الجوية في سورية والعراق، وباقتراب المهمة الروسية في سورية من قواعده في تركيا، يعني قبوله بالعودة إلى قواعد لعبة الحرب الباردة التي انتصر فيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ومن المرجّح أن هذا القبول لا يقوى عليه الأطلسي بكل مكوّناته. فالمزاج الإنكفائي للرئيس الأميركي باراك أوباما لا يعني قدرة الأخير على الموافقة على أن تخسر أميركا إنجازها الأكبر في القرن العشرين، والمتمثل بانتصارها في الحرب الباردة.

ثم إن بوتين تجاوز قواعد عمل الحرب الباردة عبر إطلاقه الصواريخ من بحر قزوين إلى سورية، وعبر خطّه طريقاً لمقاتلاته على حدود خطوط عمل مقاتلات التحالف في سورية وفي المجال الجوّي التركي. فقواعد العمل تلك اقتضت إرسال صواريخ إلى كوبا في أزمة خليج الخنازير، وليس إطلاقها، ولم تخرق المقاتلات السوفياتية يوماً الأجواء الباكستانية في مرحلة المواجهات في أفغانستان.

اذاً لعاقل أن يعتقد بأن المواجهة قادمة لا محالة. وما يُعزّز هذا الاعتقاد هو أن موسكو تتصرّف مع دخولها سورية بصفته افتتاحاً لزمن ما قبل سوفياتي. إنه زمن إمبراطوري كانت فيه منافِسة رابحة في الشرق. وهو «حرب مقدسة» وفق الكنيسة الروسية. وهي، أي موسكو، استعاضت عن آلة الترويج الإيديولوجية السوفياتية بآلة ترويج قومية ودينية نجح فيها بوتين بإقناع الروس الذين يعيشون تحت وطأة حصار اقتصادي خانق بأن جيشهم سيعيد بعث أمجادهم.

أمام هذه المؤشرات عن الطموحات «الإمبراطورية»، لا يمكن للروس أن يبقوا في الجوّ. المهمة تقتضي «نصراً» برّياً. فالغارات الجويّة ستخسر «بريقها» الانتصاري بعد أسابيع قليلة، وجيش بشار الأسد لا يقوى على الإنجاز، والأميركيون بدأوا يتحدثون عن توقعاتهم بخسائر بشرية روسية وشيكة.

أمام الأطلسي خياران، إما المواجهة المباشرة، أو الانضواء في «حرب مقدسة» في مواجهة «حرب مقدسة». في أفغانستان جرّب الحلف الخيارين. خاض «حرباً مقدسة» أيام الجهاد الأفغاني، ما زال يحصد النتائج الكارثية لانتصاره فيها عبر ما ولّدته من خبرات «جهادية» قاتلة، وخاض حرباً مباشرة في العام 2001 أدت إلى احتلاله أفغانستان وفشله في اجتثاث طالبان.

لكن أن يضع المرء حسابات الحروب ونتائجها على طاولة البحث في ظل حدث هائل من نوع العودة إلى قواعد الحرب الباردة، فإن الخيبات «الصغرى» تصبح خياراً لا بد منه. المواجهة المباشرة مع الروس لا تبدو واقعية، والقول إن العودة إلى خيار «الحرب المقدسة» بصيغتها الأفغانية لن تحصد غير الخيبات، فيه تغاضٍ عن حقيقة أن هزيمة السوفيات هناك كانت مدخلاً لهزيمتهم الكبرى لاحقاً. وصحيح أن واشنطن حصدت «القاعدة» ولاحقاً «داعش» وبينهما «11 أيلول» في سياق هذه «الحرب المقدسة»، لكنها أيضاً حصدت انتصار القرن المتمثل بانهيار الاتحاد السوفياتي.

شقّ صاروخ الكروز الروسي طريقه بين كل هذه الحسابات، والأرجح أن بوتين في مسارعته إلى طمأنة إسرائيل، عبر إرسال نائب رئيس أركانه إلى تل أبيب، إنما فعل ذلك لنقل المشهد إلى سوية مختلفة عن السويّة الأفغانية، فالحروب المقدّسة على تخوم إسرائيل ستبعث رعباً هناك، وهو يعرف ما تمثله إسرائيل في الوعي الغربي. لكن الرئيس الروسي لا يستطيع تجنّب حرب مقدسة على حدود إسرائيل، والذهاب إليها على حدود تركيا.

ستجد واشنطن نفسها هذه المرة أمام خطوة لا بد منها، وهي الاستثمار بجماعات سوريّة تتولى مهمة إفشال المهمّة الروسيّة هناك. الأرجح أنها ستحاول تفادي «الأخطاء الأفغانية»، لكنها ستكتشف أنه لا يمكن ارتداء قفازات في «الحروب المقدّسة».

تركيا ستكون مستعدة اليوم للمهمة التي تولّتها باكستان في تلك الحقبة، وهي أصلاً باشرتها قبل الدخول الروسي إلى سورية، وبدأت ملامح سلاح جديد تظهر في أيدي مقاتلي «جيش الفتح».

ومثلما لن نشهد، نحن أهل المنطقة، أكثر من جهنم على أيدي قيصر الكرملن، فإن جنّة «جيش الفتح» لن تكون أكثر من «إمارة الرقة».

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٥
إنها أكبر... إنها أخطر

هذه ليست مجرد مبارزة بين فلاديمير بوتين وأبو بكر البغدادي. ليست مجرد معركة لضمان موقع روسيا في سورية. ليست مجرد محاولة للاحتفاظ بوجود عسكري على شاطئ المتوسط. ليست مجرد عملية تتعلق بحسابات النفط والغاز والأنابيب والممرات. إنها أكبر. إنها أخطر

هل ترانا نبالغ إذا قلنا إن التدخل العسكري الروسي في سورية بذيوله الإقليمية والدولية أخطر من هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وإن إطلالة بوتين الجديدة عبر الصواريخ التي أطلقتها البوارج الروسية من بحر قزوين لا تقل خطورة عن إطلالة البغدادي من الموصل. وإن ما ألحقته صواريخ البوارج بصورة أميركا في المنطقة والعالم لا يقل عما ألحقته طائرات بن لادن بالبرجين. ففي الهجومين كانت هيبة أميركا هي الهدف الأول حتى ولو تغطى الهجوم الروسي بلافتات أخرى.

من المبكر المسارعة إلى عقد المقارنات بين قرار جورج بوش الذهاب إلى الحرب رداً على جرح نيويورك وقرار بوتين الذهاب إلى الحرب دفاعاً عن مصالح بلاده وصورتها وسعيه إلى تعزيز موقعها. لم نصل بعد إلى تلك المرحلة. وأغلب الظن أن بوتين لا يريد تكرار خطأ بريجنيف في أفغانستان وخطأ بوش في العراق. لكن التجارب تقول إن أرض المعركة قد تفاجئ أبرع الجنرالات وما دبجوه على الخرائط في غرف العمليات.

حين أعلن البغدادي «دولة الخلافة» لم يتوقع أن تنهمر عليه باقات الورود والتهاني وأن يتسابق السفراء لتقديم أوراق اعتمادهم. كان يعرف أن دولته انتحارية. وأن إعلانها على أجزاء من خريطتين يشكل أوسع عملية انتحارية في التاريخ المعاصر. يرجح أن البغدادي حلم بما تعذر على أسامة تحقيقه وهو استدراج الآلة العسكرية الأميركية إلى مكان يتعذر فيه الانتصار واستنزافها ثم إرغامها على المغادرة مثخنة كما حل بـ «الجيش الأحمر» السوفياتي.

اعتبر بوتين المحنة السورية فرصة كبرى لاستنزاف هيبة أميركا. شهر سيف الفيتو في مجلس الأمن. لن يسمح بتكرار ما يعتبره «الخديعة الليبية». أصيب الرئيس الأميركي المتردد بهاجس الابتعاد عن النار السورية. حين يطالب رئيس القوة العظمى الوحيدة رئيساً أن يرحل ولا يملك إرادة إرغامه وحين يضع «خطاً أحمر» ويتجاوزه المستهدف، يخسر صاحب الإنذار سريعاً معركة الهيبة والصورة. خدعه القيصر في محطة مفصلية. حين اكتفى أوباما بنزع السلاح الكيماوي من يد النظام السوري من دون اشتراط أن يتضمن الحل إطلاق مرحلة انتقالية سلّم عملياً ببقاء النظام. وحين يوافق أوباما على معاملة إيران وكأنها دولة كبرى في مفاوضات الاتفاق النووي، لماذا لا تتقدم روسيا للثأر من الإذلال الأميركي الطويل لموقعها وأسلحتها.

بدا الرئيس الأميركي المتردد مربكاً لحلفائه وحليفاً لأعدائه. قرأ بوتين المشهدين الدولي والإقليمي وسدد ضربته. لا يريد أوباما إنهاء إقامته في البيت الأبيض مستقبلاً جثث الجنود العائدة من الشرق الأوسط. أربع سنوات من الحرب في سورية أظهرت حدود الدور الإيراني وطابعه غير الحاسم. تركيا انزلقت إلى حرب على أراضيها والإرهاب نقل النار إلى الدار. وسلوك تركيا أقل بكثير من تهديدات سلطانها. السعودية منشغلة بحربها في اليمن وروسيا بادرتها بسلوك إيجابي في مجلس الأمن. أما أوروبا فمرتبكة بأمواج اللاجئين المرشحة للازدياد. سدد بوتين ضربته.

المسألة أكبر من إنهاء البغدادي ودولته. وأكبر من تحديد مصير الرئيس بشار الأسد ونظامه. وأكبر من تحويل الهلال الإيراني هلالاً روسياً - إيرانياً. إنها عملية انقلاب واسع على التوازنات التي قامت على ركام الامبراطورية السوفياتية. إنها عملية ثأر من أميركا التي انتزعت لقب القوة العظمى الوحيدة من دون أن تطلق رصاصة. وثأر من حلف الأطلسي الذي حرك بيادقه في اتجاه حدود الاتحاد الروسي. ثأر من سياسة التأديب والعقوبات والثورات الملونة والمجتمع المدني.

ليست مجرد معركة في سورية. وليست مجرد معركة على سورية. إنها معركة تسديد حسابات تؤثر نتائجها على ميزان القوى الدولي وملامح الشرق الأوسط ودوله وخرائطه وأقلياته. يستطيع بوتين تعديل ميزان القوى على الأرض لمصلحة النظام. الحسم الكامل متعذر وباهظ. يقدم سريعاً تصوراً لحل شبه مقنع أو يغرق تدخله في «سوريستان». لم يترك لخصومه خيارات كثيرة. سيتدفق السلاح والمقاتلون. وسيتردد صدى المعارك لدى مسلمي الاتحاد الروسي وجواره. سورية فرصة الثأر قد تتحول سريعاً سورية المستنقع التي تهدد باستنزاف القيصر وبلاده.

الشرق الأوسط في أحلك أيامه. دول خائفة. وخرائط قلقة. أكثرية متوجسة. وأقليات مذعورة. دوله الرئيسية تتعرض لاستنزاف غير مسبوق يعني سلامتها ودورها واستقرارها. تحارب خارج حدودها أو داخلها.

وسط بحيرات الدم أطل القيصر وسدد ضربته. بين المغامر والمقامر خيط رفيع. يفرض سريعاً حلاً شبه معقول في سورية أو يغرق مع البغدادي في «سوريستان».

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٥
هل يغرق بوتين في الأوحال السورية؟

تهدر المقاتلات الروسية في سماء سورية، شمالاً وغرباً، وتخترق الحدود مع تركيا، لترمي قنابلها على ما تقول القيادة الروسية إنها مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فيما تؤكد تركيا والولايات المتحدة أن عشر الغارات فقط من أصل نحو مائة استهدفت فعلاً مواقع التنظيم الإرهابي. لماذا أرسل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مقاتلاته إلى سورية، وهل سيتبعها بمغامرة إرسال قوات برية؟

يؤكد بشار الأسد جازماً أن الروس أتوا لمساندته بناء على طلبه، وقد أصبحت سلطته على حافة الانهيار، وبات يسيطر فقط على 20% من الأراضي السورية، على الرغم من البطولات المتخيلة التي يتحدث عنها حزب الله الذي يعد نفسه باستعادة زمام المبادرة والتحضير لهجوم بري بغطاء جوي روسي على الخط الساحلي من دمشق، باتجاه حمص واللاذقية (وفي الطريق معركة الزبداني المعلقة منذ أشهر). أما إيران عرّابة بشار التي تعتبر جنرالها الفاشل في العراق وفي سورية، قاسم سليماني، صاحب الفضل في إقناع بوتين بالتدخل. فهي تفاخر بأنها أعادت التوازن إلى الجبهة، وعوّضت عن عدم قدرتها على التدخل المباشر والمكشوف لأسباب واعتبارات عديدة ومختلفة، جيوسياسية ولوجيستية ومذهبية وغيرها. ناهيك عمن يعتبر أنه نجح في استدراج "الدب الروسي" إلى المنطقة ليعينه على حل مشكلاته، ويريده أن يتدخل أيضا في العراق، من أجل إيجاد توازن استراتيجي مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ولكن، هل يعرف بوتين نفسه فعلاً ماذا جاء يفعل، وماذا سيواجه، وما هو الثمن المحتمل الذي يمكن أن يدفعه، وهو الوارث للإمبراطورية السوفييتية المنهارة؟
لا شك، أولاً، أن رؤية "الحصان" الذي راهنت عليه روسيا منذ بداية شرارة الثورة السورية، لكي تتمكن من لعب أوراقها والحفاظ على دور لها في المنطقة (أنظر ما حصل لها في ليبيا)، ينهار على الرغم من الدعم السياسي والعسكري الذي قدمته له. فالأسد ليس سوى "حجر" في لعبة الشطرنج ضمن الصراع على رقعة النفوذ بين الدول الكبرى، وكذلك بالنسبة لإيران الساعية إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، وتثبيت موطئ قدم لها في المنطقة العربية، وعلى ساحل المتوسط عبر البوابة السورية. وثانياً، تعاني روسيا، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، من خطر نمو التطرف الأصولي وتوسعه من حولها، تحديداً في الشيشان، وفي محاكاته المسلمين لديها.
وثالثاً، بوتين هو فعلا وريث الإمبراطورية السوفييتية التي جاء إلى السلطة من رحمها، والذي ما زال يشده الحنين إلى ذلك الزمن، وإلى عظمة السلطة القوية والتوسعية؛ وهو الذي نشأ وترعرع في حضن جهاز الاستخبارات السوفييتية (كي.جي.بي). وهذا النزوع تجسده الأزمة الأوكرانية مثالاً حياً، يجمعه، بطبيعة الحال، مع نموذج الأسد، سلطة قمعية وعقلية هيمنة ووصاية تجاه لبنان وفلسطين والمحيط. ولا بد من القول هنا إن واشنطن والحلف الأطلسي لم يوفرا منذ العام 2000 أي ضغط على موسكو، ولا أي محاولة لمحاصرتها في دول المحيط، منها جمهوريات كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق. ما دفع بوتين إلى العودة إلى أجواء الحرب الباردة، طمعاً بإحياء أمجاد غابرة.
"بوتين وريث الإمبراطورية السوفييتية التي جاء إلى السلطة من رحمها، والذي ما زال يشده الحنين إلى ذلك الزمن، وإلى عظمة السلطة القوية والتوسعية؛ وهو الذي نشأ وترعرع في حضن جهاز الاستخبارات السوفييتية"

كما أن اللافت هو عملية ترويجٍ "قيصر جديد"، رافقت التدخل الروسي المفاجئ، وانطلقت قبل أن تحط المقاتلات على الأرض السورية، في حملة تعبئة وتجييش في روسيا. وقد وصل التمجيد بشخصية بوتين الفذة وشجاعته "بطلاً قومياً" في الدفاع عن مصالح روسيا العظمى، إلى درجة وضع في التداول هاتف خليوي أطلق عليه تسمية "بوتين إيفون"، وثبّت في خلفيته رأس مذهب للرئيس الروسي. وها هي الكنيسة الأرثوذكسية تهب لنجدة سيد الكرملين، بإعلانها الوقوف إلى جانب التدخل بما هو "حق مقدس للدفاع عن الأقليات المسيحية في الشرق"، في خطوة استفزازية لمشاعر المسلمين السنة. إلا أن الوقائع التي رافقت الحملة العسكرية تظهر أن الإرباك هو سيد الموقف، على الرغم من البيانات والتصريحات اليومية التي تعدد عشرات الغارات التي تصيب أهدافها (غير الواضحة!) والبطولات التي تحققها، تماماً كما تعلن الولايات المتحدة ودول التحالف الغربي عن غاراتها، هي الأخرى، ضد تنظيم داعش. غارات كانت موسكو وطهران بالأمس تعتبرانها غير فعالة، ولن تقضي على الإرهابيين. ولماذا تركيز القصف إذاً على إدلب وحمص اللتين يسيطر عليهما "الجيش السوري الحر"، أو المعارضة المعتدلة كما يحلو لبعضهم تسميتها؟
يقول مسؤول روسي إن "الهدف من التدخل منع الإرهابيين من دخول دمشق والاستيلاء على السلطة، والدفع باتجاه قيام حوار بين الأسد والمعارضة غير المسلحة". أي المعارضة التي اخترعها النظام السوري، وتجلس معه في الحكومة، ويدور بعضها في فلك موسكو؟ ثم تستدرك القيادة في اليوم الثاني، معلنة استعداد موسكو للحوار مع "الجيش السوري الحر" المسلح، ولتؤكد أنه لا خلاف مع واشنطن حول عملية الانتقال السياسي للسلطة، وأنها على تنسيق مع الولايات المتحدة، وحتى مع تركيا التي تستفزها، في الوقت عينه، بخروق لمجالها الجوي. وفي المقابل، تطمئن إسرائيل بأن حرية الطيران ستبقى متاحة لها فوق الأجواء السورية (وهذا ما فعلته تل أبيب بعد يومين على التدخل)، وأن القنيطرة لن تكون مسرحاً لحزب الله المحتفي بالحملة الروسية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أكد لبوتين أن "لا مشكلة لنا مع الأسد"، بعد أن اطلع بدون شك على ما كرره الأخير أن "المعركة الآن هي مع الإرهاب، وليست مع إسرائيل".
فهل يسعى سيد الكرملين إلى فرض حل سياسي بالقوة عبر التدخل العسكري؟ انطلاقاً من موقف روسيا والنهج الذي سلكته في تعاطيها مع الثورة السورية، منذ اندلاعها في 15 مارس/آذار 2011، ووقوفها إلى جانب النظام، ثم دعوتها إلى تغليب حل سياسي، لا يستثني مسبقاً دوراً للأسد فيه، يصبح من المنطقي افتراض أن موسكو قررت التدخل العسكري لتعويم "ورقة الأسد" المنهارة، لتتمكن عبرها من فرض هذا الحل، وإجبار بشار على قبوله. ويجدر، في هذا السياق، لفت الانتباه الى ما صرح به الأسد نفسه لقناة الخبر الإيرانية، قبل أيام، وعبّر فيه عن استعداده للتنحي "إذا كان هذا سيساهم في حل سياسي بين السوريين".
فهل سيستعمل بوتين الأشهر الأربعة التي أعطاها لنفسه من أجل فرض تسوية سياسيةٍ، تم التفاهم عليها مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وعلى أساسها حصل على الضوء الأخضر للتدخل؟ أم فضلت واشنطن اتخاذ موقف المتفرج، وتركته يتورّط في مغامرة عسكرية سوف تغرقه في الأوحال السورية، مثلما غرق الاتحاد السوفييتي السابق في أوحال أفغانستان.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٥
مغامرة قيصر من أجل النفوذ

بغض النظر عن الأسباب المباشرة التي حملت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على التدخل الدموي الصاعق في سورية، وفي مقدمتها الخناق السياسي والاقتصادي الذي تتعرّض له روسيا منذ الحرب الأوكرانية، ويريد الخروج منها، مثلما خرج سابقاً عندما اعتلى السلطة، حين شعر أن مقاليد الأمور ليست في قبضته، فبادر فوراً إلى الحرب في الشيشان، ويومها حوّل الرأي العام الروسي من المعاناة الداخلية إلى الحرب، وتتبع الدبابات والطائرات والقتال من بيت إلى بيت.
بغض النظر عن الدوافع الداخلية لشنه حرباً كبيرة خارج حدود الاتحاد السوفييتي السابق، والتي نكرّر أنها أزمة خانقة، مؤشراتها تراجع سعر صرف الروبل، وانهيار أسعار النفط، وتهديدات واشنطن بكشف فساد الدائرة المحيطة به. يريد بوتين، الوحش المجروح والمحاصر، استغلال التهديد الأميركي الأجوف والتردد الأوروبي والعربي الفاضح، لاستعادة المجد الروسي الضائع، فاندفع يجرّب اختبار القوة مع واشنطن وتركيا، بعد أن جرّب اختبار القوة في مجلس الأمن، وفي اعتراض الدبلوماسية الأميركية مراراً.
يجرّب بوتين حالياً اختبار القوة في الجو، وربما سيجرّبها على الأرض، وهو يأمل تحقيق طموحاته التي تتمركز حول الاعتراف بمصالح روسيا الحيوية والنظام العالمي الجديد الذي يخدم "الأمة الروسية العظيمة". يعتقد القيصر أن بلاده سيكون لها كلمة في منطقة الشرق الأوسط، إذا أحرز موقعاً مؤثراً في الأزمة السورية. وهو يجدد أطماع أجداده القياصرة في بلاد الشام، والتي لم تنقطع منذ طلب السلطان العثماني، محمود الثاني، حماية من روسيا، وأبرم معاهدة معها، تتعهد فيها بالدفاع عن الدولة العثمانية أمام الهجمات المصرية، وهو ادعاء بوتين في الحالة السورية. ولم تخدم نتائج الحماية الروسية الدولة العثمانية، فقد انهار الجيش العثماني أمام الجيش المصري في معركة نصيبين عام 1839، لأن هدف الروس الحقيقي لم يكن حمايتها، وإنما أطماعهم الخاصة، ولم تهزم الدولة العثمانية المصريين، إلا بمساعدة البوارج الحربية، البرتغالية والنمساوية.
وفي الأربعينيات من القرن التاسع عشر، تدخلت روسيا، مستغلة الفتن الطائفية في بلاد الشام، وخصوصاً في لبنان، بحجة دعم الأرثوذكس، لكنه تدخل لم يكن إلا من أجل تقوية النفوذ الروسي في شرق المتوسط. ومرة أخرى، محاولة روسية لدخول بلاد الشام، حيث أبدى عام 1854 القيصر الروسي، نيقولا الأول، رغبته في اقتسام الدولة العثمانية، فعرض على بريطانيا فكرة تقاسم الدولة العثمانية بينهما، إلا أن الأخيرة رفضت، فحاول إغراء فرنسا، فرفضت أيضا.
"يعتقد بوتين، اليوم، أن هناك إعادة لتقسيم الشرق الأوسط، وأنه آن الأوان لتحصل روسيا على ما لم تستطع الحصول عليه سابقاً، حين حالت صلابة المفاوضيْن، الفرنسي والإنجليزي، والثورة البلشفية، دون تحقيق أحلام روسيا"

وكانت روسيا دائماً تهدد الدولة العثمانية، بحجة حماية المسيحيين الأرثوذكس، حتى جاء يوم ونفذت تهديدها، وأعلنت الحرب فجأة على العثمانيين، لكن الغطرسة الروسية باءت بالفشل، بسبب تدخل بريطانيا وفرنسا، وأغارت أساطيلهما على الأساطيل الروسية في شواطئ جزيرة القرم، وعلى موانئ روسيا في البحر الأسود، ولتنتهي هذه المغامرة الروسية بعقد معاهدة سلام باريس.
بقيت عند الروس غصّة أخرى، لم يستطيعوا حيالها فعل شيء، في أثناء تدخلهم، عندما تم نقل سكان المناطق الأرمنية من ولايات شرق تركيا وكيليكيا والأناضول الغربية إلى بلاد الشام، حيث لم يُفض هذا التدخل سوى عن قتل سكانٍ مسلمين في الأناضول الشرقية، على يد الأرمن المتطوعين في الجيش الروسي.
أكثر ما كان واضحاً في الأطماع الروسية في بلاد الشام ظهر عندما زار البريطاني سايكس والفرنسي بيكو سان بطرسبورغ عام 1916، للحصول على موافقة روسيا على اتفاقية تقاسم بلاد الشام بينهما، فاشترطت لذلك حصولها على ولايات أرضروم و طرابزون ووان ويتيليس، أي الولايات الأرمنية التركية، وعلى شمال كردستان، من موش وزعرت وحتى الحدود الإيرانية. واشترطت روسيا، وهذا هو المهم، حقها بالدفاع عن مصالح الأرثوذكس في الشرق الأوسط. ومن هنا، يمكن فهم موقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في دعمها موسكو لشن غارات جوية في سورية، ووصف ذلك "حرباً مقدسة".
يعتقد بوتين، اليوم، أن هناك إعادة لتقسيم الشرق الأوسط، وأنه آن الأوان لتحصل روسيا على ما لم تستطع الحصول عليه سابقاً، حين حالت صلابة المفاوضيْن، الفرنسي والإنجليزي، والثورة البلشفية، دون تحقيق أحلام روسيا. الفرصة مواتية، اليوم، حيث الحجج جاهزة، وحيث التردد الغربي والعجز العربي. وسواء كانت مغامرة بوتين في سورية لاستعراض عضلات روسيا في فضاءٍ لا يهم الدول الأخرى، وفي ظروفٍ مواتية، وبتكاليف زهيدة، كما تكتب الصحف الروسية، حيث القوات الجوية الروسية تستخدم ذخائر قديمة تعود إلى نهاية السبعينيات، وأوشكت صلاحيتها على الانتهاء، أو كانت هذه المغامرة محسوبة، من أجل أن يكون لروسيا موقع قدم، وإمكانية لفرض إرادتها ومجدها، وبالتالي، المشاركة في إعادة اقتسام الشرق الأوسط، فإنها مغامرة بكل معنى الكلمة، مشابهة، أو مختلفة عن مغامرتها الفاشلة في أفغانستان.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٥
"الإلتصاق بالعدو" السياسة الأنجع في مواجهة روسيا وأتباعها ..

مع بدء العدوان الروسي على سوريا و ثوارها ، إعلان أن هذا العدوان هو لإنهاء المعارضة المواجهة للأسد ، باتت ساحة المعارك أشد سخونة وصعوبة ووعورة ، وزاد "فجور" سلاح الجو من ضراوة المعارك ، وحوّلها لنار مشتعلة .

تتبع روسيا و المنفذين على الأرض سياسية الأرض المحروقة بشكل استباقي ، قبل تقدم القوات البرية القليلة العدد نسبياً مع حجم المطلوب استعادته و قوة المدافعين ، ولكن سياسة القصف "العمياء - الكثيفة – المبيدة" ، تجعل من المهمة أقل صعوبة .

لا يمكن لأي شخص مهما كان سلاحه أن يقف في وجه القصف الغزير جداً و الكثيف و المتنوع ، وهذا ما لحظناه من خلال بضع فيديوهات انتشرت هنا و هناك ، عن استخدام أسلحة "محرمة" وعلى رأسها العنقودي و بعيد المدى .

لكن سلاح الجو بنوعيه الطيران الحربي أو المروحي بكافة أشكاله ، وكذلك المدفعية و المجزنرات تقف عاجزة أمام أمر واحد ، وتتحول المعركة من معركة محسومة من بعيد إلى معركة طاحنة ، يثبت فيها من يستطيع الصبر و لديه الإيمان القوي .

ولعل إتباع تكتيك "الإلتصاق بالعدو" ، أي يجب أن تلتصق بالعدو لتقتله عن قرب ولا أن تمنحه فرصة قتلك عن بعد ، هذا التكتيك الأنجع في مثل هذه المواجهات ، فكلما قصرت المسافة الفاصلة بين الثوار و القوات المتعددة الجنسيات ، كلما تم إقصاء نوع سلاح وتخفيف العبء عن المدافعين عن الأرض ، والوصول إلى الإشتباكات وجهاً لوجهاً أو لمسافة تقل 75 م يحوّل سلاح المدفعية و الطيران ، إلى خردة وغير مفيدة ، وهنا تكون المعركة محسومة بشكل حتمي لأصحاب الأرض الذين يعرفونها جيداً ، على خلاف القوات التي تجمعت من مختلف بقاع الأرض لتحارب الشعب و تقضي على ثورته .

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٥
سورية على فوهة بركان الصراعات الدولية

تنفذ موسكو مخططاً واضحاً في سورية، يستهدف سحق المعارضة المسلحة وتحييد المليشيات الإيرانية واستعادة سيطرة الدولة تحت سلطة الأسد، قبل الانتقال إلى مرحلة مفاوضات تفرض فيها رؤيتها للحل، وتكرس مركزها المتفوق في المشرق العربي، في مواجهة النفوذ الأميركي الأوروبي. وهي تستفيد في تنفيذ هذا المخطط من دعم دول عربية أصبحت تتبنى موقف نظام الأسد في وسم جميع قوى المعارضة بالإسلامية، وتطمح أن تتمكن روسيا من القضاء عليها جميعاً، وتطهير المنطقة منها، كما تستفيد من دعم أطراف من المعارضة السورية، وقفت باستمرار ضد التيار الغالب في المعارضة، ورفضت الاعتراف بالقوى المسلحة التي تشكلت للدفاع عن النفس، وكرد فعل على الهمجية والأساليب الوحشية التي اعتمدتها أجهزة الأسد ومليشيات النظام في قمع المتظاهرين السلميين، ثم في المواجهة المسلحة المكشوفة لكل مظاهر الثورة والاحتجاج.

حدود المواجهة الروسية الأطلسية في سورية

على الرغم من أن المخطط الروسي، الرامي إلى تصفية المعارضة وإجبار السوريين والعالم على الاختيار بين داعش ونظام الأسد، يهدف إلى تقويض استراتيجية الدول الغربية التي تراهن على وجود شريك من خارجهما، لتبرير الانتقال السياسي، إلا أن من غير المحتمل أن يستثير هذا العمل رد فعل قوي من هؤلاء. وصحيح أن الروس، بقضائهم على المعارضة "المعتدلة"، يضعون الغربيين أمام تحدي الدفاع عن حلفائهم، ويظهرون تخاذلهم، ولا صدقية التزاماتهم في سورية والمشرق، والعالم عموما، لكنهم لا يمسّون لهم مصالح استراتيجية ملموسة، وربما ساعدهم الهجوم الروسي في حرف الأنظار عن المحنة الإنسانية التي يعيشها السوريون، منذ أكثر من أربع سنوات، بسبب سوء إدارتهم الأزمة، ويقدم لهم ذريعة جديدة لتبرير تقاعسهم وشماعة روسية يعلقون عليها فشل سياستهم وخططهم السورية، ويشكل بالنسبة لهم فرصة جديدة للتملص من التزاماتهم التي أعلنوها مراراً تجاه الشعب السوري، تماماً كما قدم لهم الفيتو الروسي من قبل الذريعة، للتحلل من مسؤولياتهم تجاه حماية المدنيين السوريين، ومساعدة الثوار على تحقيق أهدافهم التي أجمعوا على مشروعيتها.

لا يعني هذا أن الانفراد الروسي بعمل يقلب ميزان القوى في سورية، ويقوّض سمعة الغرب لن يستدعي أي رد، فهو سيدفع، لا محالة، إلى انخراطٍ أكبر للولايات المتحدة في دعم الثوار، أو إلى مرونة أكبر في التعامل مع تسليحهم بأسلحةٍ كفيلة بإفشال موسكو، ودفعها إلى التخبط في حربٍ لا أفق لها. لكن، ما لم تحصل تطورات غير محسوبة، من المستبعد أن تؤدي أزمة العلاقات الروسية الغربية الراهنة إلى مجابهة مباشرة حول سورية. وسوف يستمر الروس، من دون خوف من أي رد فعل قوي، في تحقيق ما يعتقدون أنه يخدم مصالحهم، ويرد على استثماراتهم في النظام السوري، ومن بعد، في التدخل لحمايته ومنعه من السقوط. وعلى الأغلب، سيراهن الغربيون على غرق الحملة الروسية في الوحول السورية، وينتظرون عودة الروس إلى منطق التعاون، لحل الأزمات الدولية، من دون الاضطرار إلى تقديم تنازلات استراتيجية كبرى لهم، أو الاعتراف بهم شريكاً في صوغ أجندة السياسة العالمية.

أما موسكو، فهي ليست معنية، ولم تكن في أي فترة سابقة، معنية بمصير سورية والسوريين. فسورية ليست بالنسبة لروسيا سوى فرصة للاقتصاص من الغرب، ومسرحاً لاستعراض القوة وتصفية الحسابات، وتقويض الصدقية الاستراتيجية للولايات المتحدة وهيبتها الدولية، على أمل فرض نفسها على المجتمع الدولي بمثابة دولة عظمى، من وزن الولايات المتحدة والصين، وإجبار الغرب على التراجع في مسائل العقوبات الاقتصادية وأوكرانيا، وتوسع دائرة الحلف الأطلسي في اتجاه أوروبا الشرقية.

يستخدم بوتين الأسد، مثل ما يستخدم سورية نفسها، وحياة الملايين من أبنائها، ورقة للضغط والمساومة، ولا يعنيه وجوده من عدمه في شيء. ما يهمه مصالح روسيا، وهذه اليوم في نظر بوتين فرض إرادته زعيماً عالمياً والاعتراف بمركزيته، ولا علاقة لذلك، لا بتحقيق السلام في سورية، ولا بإنقاذ اللاجئين والمشردين السوريين.

ولأن سورية لا تعني له شيئاً، فهو لا يهتم بتقديم أي عرض لحل الأزمة التي تمزقها، بل لا يعترف حتى بوجود أزمة، ولا أقول ثورة، ويقترح تحالفاً من الجيش الحر وجيش الأسد لمواجهة داعش، ويرفض الالتزام بأي رؤية للخروج من الأزمة، ويردد أسطوانة واحدة، منذ البداية إلى النهاية، هي معارضة التدخلات الأجنبية، وترك الشعب يقرر مصيره، أي ترك الأسد يقرر مصير سورية والشعب السوري معاً، ما دام الروس يعرفون أن السوريين ليسوا في وضع وظروف تسمح لهم بتقرير مصيرهم بحرية في ظل نظام خارج على القانون، يشن عليهم حرباً تدميرية.

وقد لفتني أن بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية ومستشار بوتين لشؤون الشرق الأوسط قلل، في لقاءاته أخيراً، مع معارضين سوريين، من رهانات التدخل العسكري إلى درجة مضحكة، مؤكدا أن كل ما تهدف إليه بلاده من إرسالها قواتها الجوية هو القضاء على المتطوعين الروس في المنظمات الإرهابية، قبل أن يعودوا إلى روسيا. وفي اعتقادي، إن إشاعة هذا التفسير الهزلي لهدف التدخل يعني أن الروس يبقون رهاناتهم مفتوحة، ولا يريدون تقييد تدخلهم بأي التزامات، ولا تحمل أي مسؤوليات في الأزمة السورية، ولا تقديم أي عرض، ولا إعطاء أي وعود.

ترجمة هذا الموقف على الأرض تعني أن سورية، وخصوصاً في الشمال الغربي وسهل الغاب وريف حمص ومحيطها، مقبلة على تصعيد عسكري من نوع جديد، وأن القتل والدمار سوف يصلان إلى مستويات غير مسبوقة. ولن يتردد الروس في اللجوء إلى أقصى درجات العنف، لتحقيق أهدافهم. ولن تكون هناك معايير واضحة لمعنى الربح والخسارة في العملية الروسية. ما يهم الروس هو تكبيد المعارضة أكثر ما يمكن من الخسائر، وتحقيق أوسع تدمير ممكن في البنية التحتية للبلاد. وهذه أيضا كانت، ولا تزال، حسابات الأسد. فهو يعتبر نفسه رابحاً، حتى الآن، لأنه نجح في تدمير المناطق التي لا تخضع لسلطته، أو التي خرجت عنها، كما نجح في قتل أكثر ما كان في وسعه أن يقتله من المعارضين والمحتجين والرافضين لحكمه من المدنيين. وهذه أيضا كانت سياسة بوتين في الشيشان.

الرد على التدخل الروسي

لا يطرح هذا الموقف تحديات كبيرة على الدول الأطلسية التي تنتظر فشل الحملة الروسية في سورية، من دون أن تغامر بشيء، أو يلحق بمصالحها الأساسية أي أذى، لكنه يطرح تحديات كبيرة على الدول الخليجية وتركيا، لأنه يقوّض استراتيجيتهم العسكرية والسياسية التي تراهن على تنحية الأسد، مقدمة للإعداد لمرحلة انتقال سياسي، يغير من نمط السلطة والحكم في سورية، ويحبط الأطماع الإيرانية في تحويل سورية إلى منصة للحشد والتجييش ضد بلدان الخليج وبقية البلدان العربية وتركيا. وليس أمام هذه الدول سوى الارتقاء بمستوى التنسيق والتعاون في ما بينها، وزيادة دعمها المعارضة السورية المسلحة، حتى تتمكن من مجابهة العاصفة الروسية والبقاء رقماً أساسياً في المعادلة السورية والإقليمية.

أما التحدي الأكبر فهو موجه للمعارضة السورية التي تجد نفسها أمام تهديداتٍ خطيرةٍ، لا سابق لها. فما يستهدفه التدخل الروسي هو رأس المعارضة نفسه، ووجودها، طالما أنه يعتبرها تمرداً على الحكومة الشرعية، ولا يتردّد في إعلان تغطيته الجوية هجومات النظام البرية على الفصائل المسلحة جميعا. وبمقدار ما يسعى إلى فرض الأمر الواقع بالقوة، يقوّض هذا التدخل كل الجهود الدولية، للبحث عن حل سياسي ومرجعية جنيف التي قام عليها، كما يدفع إلى إطالة أمد الحرب، ويهدّد بتحويل سورية إلى أفغانستان جديدة، مع ما يعنيه ذلك من تفاقم موجات النزوح وتفريغ البلاد من سكانها، وتنامي مخاطر تقسيم البلاد وتعميق القطيعة بين جماعاتها المختلفة. وبدل أن يقضي على الإرهاب، كما تقول بياناته، سوف يزيد التدخل الروسي من جاذبية المنظمات المتطرفة التي تجعل من الحرب ضد روسيا قضية وطنية ودينية في الوقت نفسه. وفي موازاة ذلك، سوف تعزز الحرب الدولية بالوكالة من تبعية السوريين، في الحكم والمعارضة، للدول الأجنبية الداعمة، ويقوّض أمل السوريين في التفاهم والتقارب والعودة إلى الوطنية الجامعة.

لن ينجح الروس، مهما فعلوا في فرض إرادتهم على شعب يدافع عن حقوقه على أرضه، وقدم حتى الآن أكثر من 300 ألف ضحية، لكنهم يستطيعون إسالة مزيد من الدماء، وتعميم الدمار الذي أوغل فيه من قبل بشار الأسد، صنيعتهم الدائمة، وتأخير أجل الخلاص وزيادة معاناة السوريين ومحنتهم، وتسعير النزاعات الطائفية والمذهبية، وتوتير العلاقات الإقليمية والدولية أكثر مما هي عليه الآن. وقد خسرت موسكو منذ الآن رهاناتها السياسية، بمقدار ما أججت روح العداء عند الفصائل المستهدفة، ودفعت المقاتلين إلى التقارب والالتفاف حول الأكثر راديكالية، وضاعفت من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة، ومن مكانة ودور القوى الأكثر تعصباً وتشدداً فيها. وما كان لحديث البطريرك كيريل عن الحرب المقدسة إلا أن يزيد في شحن العواطف الدينية، وتفاقم التوترات المذهبية المتفاقمة أصلاً.

لكن فشل التدخل الروسي ليس عزاءً كافياً للسوريين، ولا يمكن أن يشكل هدفاً لكفاحهم التاريخي. وليس المطلوب منهم، اليوم، تكرار أسطورة أفغانستان أو ملحمة فيتنام المأساويتين. ينبغي أن يكون هدف المعارضة وقف الكارثة، وإنهاء الحرب، وإنقاذ ما تبقى من سورية وشعبها من احتمال الانخراط في حربٍ قاتلة ومدمرة طويلة. ولا يمكن تحقيق ذلك من دون مواجهة المسألة الأبرز، ومكمن العطب الرئيس الذي لا نزال نهرب من مواجهته، والذي كان السبب الأول في خسارتنا تعاطف الدول والرأي العام العالمي، على الرغم من التضحيات الأسطورية للشعب السوري ومأساته، أعني مسألة الانقسام والتشتت والنزاع الداخلي التي جعلت الثورة تبدو، ثم بعد ذلك المعارضة، كتلة هلامية متعددة الرؤوس والأطراف، لا يمكن التعامل معها، ولا الثقة بمشاريعها وخططها والرهان عليها لإعادة بناء سورية دولةً ومجتمعاً وشعباً متفاهماً ومتضامناً. ولا يقتصر هذا التحدي على تجميع الفصائل في كتلة واحدة، أو تحت قيادة عسكرية مشتركة. ولكن، في تحويلها إلى قوة سياسية واعية، وتزويدها بمشروع وطني واضح ومتفق عليه ومقبول من الجميع، واختيارها قيادة قوية ودائمة تمثلها، منبثقة من الأرض ومرتبطة بها، وقادرة على اتخاذ القرارات الكبرى التي تعكس إرادة القوى التي تمثلها، تنال ثقة المجتمع الدولي والعالم، لأنها تحظى بثقة القوى المقاتلة على الأرض، وتستجيب لمطالبها، وتضمن مصالحها، وتدافع عن أمنها وسلامتها. من دون حل هذه المسألة الحيوية، لن نستطيع أن نتقدم، بعد الآن، خطوة واحدة في تقصير أجل الحرب وإيقافها والدخول في عصر السلام وإعادة البناء، لأننا لن نستطيع، من دونه، أن نكسب ثقة العالم الذي نحتاج مساعدته في تحقيق التغيير السياسي والاجتماعي الذي نأمله، ومواجهة الأوضاع المأساوية التي هي أوضاعنا.

ثم إن تفاقم عواقب الأزمة ومضاعفاتها والتدهور السريع في شروط الحياة في سورية ومحيطها، سوف يدفع الدول إلى ممارسة مزيد من الضغوط، من أجل إيجاد حل يوقف عملية الموت والانتحار الجماعي، ويضع حداً لعملية التدمير المنهجي الذي لا يعوّض. وفي غياب ممثل حقيقي للشعب، مسموع ومقبول، يحظى بثقة السوريين، والمقاتلين في طليعتهم، وكذلك بالضرورة بثقة العالم، سوف تأتي جميع الحلول المقترحة على حساب الشعب وضده. وفي حال استمرار الانقسام الراهن، والافتقار لقيادة معتمدة تدافع عن حقوق الشعب ورؤية المعارضة وخياراتها ومصالحها، سوف تزداد الضغوط من أجل القبول بأي حلٍ يوقف سيل الدماء الجاري، من دون أي اعتبار لميزان الحق والعدالة. وغداً لن تكون روسيا الوحيدة التي ترى المخرج في تحييد المعارضة المسلحة، واستبعادها من كل الحسابات، وفي فرض التسوية التي تراعي مصالح القوى الأخرى المحلية والدولية، ولكن سيصف إلى جانبها مزيد من الدول المحبطة واليائسة من ارتقاء المعارضة السورية إلى مستوى المسؤولية التاريخية.

لن نستطيع أن نتغلب على الموقف الروسي، وهو وضع العالم أمام الخيار الصعب بين الاستسلام لداعش أو التسليم لنظام العنف الوحشي، إلا بجعل الخيار الثالث جدياً وذا مصداقية، وأعني به خيار المعارضة، بما تشمله من جيش حر ومنظمات سياسية ومدنية مؤيدة لقيم الثورة، ونابعة منها. وهذا يتطلب ارتقاء المعارضة في وعيها وممارستها وتعاملها مع الوضع السياسي والعسكري إلى مستوى التحديات المعقدة التي يطرحها مخاض التحول والانتقال، بدءاً من كسب خيار الحل السياسي والتفاوض، ووقف الحرب، وانتهاءً بإعادة بناء الدولة، مروراً بتوحيد الشعب، وتطمين مختلف الجماعات وتنظيم شؤون المناطق والمحليات. هذا هو الخيار الذي أنكره زعيم الدبلوماسية الروسية، عندما تساءل في ما إذا كان هناك وجود لجيش حر، وهو الخيار الذي يحلم بالقضاء عليه كل من يرفض خيار التغيير والانتقال السياسي، ويسعى إلى وضع السوريين والعالم أمام الاختيار المستحيل بين نظام إرهاب الدولة وتنظيم دولة الإرهاب.

اقرأ المزيد
١١ أكتوبر ٢٠١٥
أبعاد دعوة المحيسني وعلماء دين للنفير العام في وجه العدوان الروسي

بعد تكالب كل قوى العدوان في الشرق ضد إرادة الشعب السوري وتطلعاته في الحرية والخلاص من الظلم والإستبداد وبعد أن حشدت كل من  إيران حزب الله والميليشيات الشيعة في العراق وأخرها التدخل الروسي بشكل مباشر والبدء بقصف المناطق المحررة ومناطق الثوار بتفويض من نظام الأسد تلاها محاولات التقدم على الأرض بمساندة الأسلحة الحديثة التي قدمها الروس من طائرات وصواريخ ودبابات في ريف حماة واللاذقية بهدف تشتيت قوة الثوار ومحاولة إشغال عدة جبهات على طول خطوط التماس من محور عطشان بريف حماة الشمالي شرقاً الى سهل الغاب والجب الأحمر وجبل الاكراد غرباً في محاولة لزيادة الضغط على الثوار وإستنفاذ قواهم ثم البدء بالتقدم على كافة المحاور تحت غطاء جوي كثيف من طائرات ومدافع وراجمات.


واليوم وبعد صمود أسطوري لمقاتلي جيش الفتح وكتائب الجيش الحر بمختلف تشكيلاتها والتي سطرت أروع الملاحم  في صد هذا العدوان وكبدت قوات النظام وحلفائها عشرات الدبابات والقتلى خلال أيام قليلة في معارك طاحنة مازالت تدور رحاها على عدة محاور وسط محاولات حثيثة لقوات الأسد للتقدم بالرغم من كل الخسائر التي أمنيت بها بات واضحاً عزم قوى العدوان على مواصلة المعركة وأصبح لزاماً على جميع التشكيلات العسكرية أن تتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن الدين والعرض والأرض والتخفيف عن الثوار في الشمال حيث اجتمع عدوان تنظيم الدولة وعدوان الأسد وحلفائه.


وفي كلمة صوتية وجه الشيخ عبد الله المحيسني رسالة لكل الفصائل في سوريا لإشعال الجبهات في درعا والقنيطرة وريف دمشق وحمص وحلب واللاذقية وإدلب بأعمال كبيرة تقلب المعادلة قبل ان تتمكن قوى العدوان من خطف زمام المبادرة وقلب الطاولة على جميع الفصائل داعياً للنفير العام في وجه قوى العدوان كافة في كل المحافظات لمساندة إخوانهم في ريف حماة وإدلب واللاذقية ممن يقدمون أرع البطولات في التصدي لهذا العدوان.


ودعا علماء دين وناشطين وفعاليات مدنية للتكاتف جميعاً في مواجهة هذه الحملة البربرية والوقوف صفاً واحدا في صد الهجمة المستعرة على ريف حماة وإدلب والتي تهدف للتقدم والسيطرة على بلدات خان شيخون والهبيط وتأمين الخطوط الخلفية لها لتطويق الثوار في سهل الغاب من جهتي الشرق والغرب والجنوب على محاور جوين والجب الأحمر وسلمي وبالتالي إستعادة السيطرة على ما كسبه الثوار خلال الأشهل القليلة الماضية والتي قدموا لأجلها عشرات الشهداء والجرحى.

اقرأ المزيد
١١ أكتوبر ٢٠١٥
داعش.. المحظوظة بأعدائها

بإقحام نفسها في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، تنضم روسيا، إلى أكثر من 20 دولة تزعم جميعها أنها تعمل من أجل هزيمة التنظيم المتطرف الذي لا يزال تماسكه يطرح تساؤلات عديدة، قد لا تتعلق بقوته، بقدر ما تتعلق بمدى جدية القوى التي تحاربه.

يقول الجيش الروسي بأن طائراته الحربية تواصل قصف تنظيم الدولة الإسلامية بعشرات الغارات الجوية مستهدفة مراكزه ومستودعات أسلحته. كما يفخر، وهو المصنف كثاني أقوى جيش في العالم، باستخدامه لصواريخ “كروز” شديدة التدمير في حربه على الإرهاب وقد أطلقها من سفنه الحربية في بحر قزوين. الإعلام الروسي احتفى بتلك الصواريخ وبـ”الحرب لمقدسة” على تنظيم الدولة الإسلامية الذي أصبح “على وشك الانهيار”. وبحسب ذلك الإعلام الذي يجد متسعا لإدعاء متهافت من قبيل أن قادة التنظيم المتطرف لم يخبروا عناصرهم بالتدخل الروسي “خشية الفرار الجماعي”.

تبدو تلك المحاولات لإضفاء طابع عظيم ومخيف على قوة روسيا مضحكة بالفعل، لكنه واقع الإعلام الدعائي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي ينقل “الحقيقة” بصورة مشابهة لإعلام بشار الأسد. لكن الحقيقة في مكان آخر تماما، إذ تشير كل المعلومات إلى أن تنظيم داعش لم يضعف حتى يكون قد أوشك على الانهيار. الحقيقة أن أعداد المقاتلين الأجانب ازدادت وهي تقدر في هذا العام بنحو 30 ألفا، في حين كانت تقتصر على 15 ألف مقاتل العام الماضي أي أنها ارتفعت بنسبة 100 بالمئة في غضون عام واحد.

وإذا كانت أعداد المقاتلين الأجانب القادمين من أجل “الجهاد” قد ارتفعت قبل أن ترسل روسيا بقواتها إلى سوريا، فمن المرجح أن تواصل ارتفاعها في الأشهر القادمة وبوتيرة أسرع مع دخول العدو القديم واللدود للجهاديين في العالم إلى ساحة المعركة. وباعتبار أن روسيا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المقاتلين الأجانب غير العرب الذين يقاتلون في سوريا بحسب لجنة الأمن الوطني في الكونغرس الأميركي، فإن تدخل روسيا العسكري في سوريا جعل الأرضية تكون خصبة أكثر لتدفق المزيد من الجهاديين من دول الاتحاد السوفييتي السابق. هكذا، يمكن الاستنتاج بأن تنظيم “داعش” ربما يزداد قوة في الأيام القادمة. تلك هي الحقيقة اليوم، أما “الحرب العالمية” المعلنة ضد التنظيم فهي محل شك كبير.

تقول الحقائق إن الطائرات الروسية استهدفت تنظيم الدولة في أقل من عشرة بالمئة فقط من ضرباتها الجوية، فيما وجهت معظم الضربات ضد قوات المعارضة السورية التي تقاتل الأسد. تقول الحقيقة، أيضا، إن عشرات صواريخ الكروز التي أطلقتها من سفنها الحربية قد عبرت ثلاثة بلدان وبحرا لكي تصل إلى سوريا وتصيب معاقل المعارضة بدلا من معاقل داعش. جميعها مؤشرات واضحة على أن روسيا تدخل الحرب لإسناد نظام الأسد وليس لمحاربة الدولة الإسلامية. تعلم روسيا، جيدا، أنها لو دعمت غيابا مبكرا للأسد عن المشهد السياسي عبر تسوية ما، قبل أعوام عديدة، لما وجدت داعش في سوريا. بهذا المعنى، فقد ساهمت موسكو في نشوء داعش، وهي تساهم، اليوم، بتغذيتها بدل محاربتها وذلك بدعم “الأسد إلى الأبد”.

بالمقابل، يمكن أيضا التشكيك في جدية الولايات المتحدة الأميركية في الحرب على داعش، وذلك بعد أن قادت تحالفا دوليا لهزيمة التنظيم ونفذت أكثر من 2600 غارة جوية في سوريا و4600 غارة في العراق، ولكنها لم تحقق أي نتائج ملموسة. لقد بات من الواضح تماما أن عدم وجود قوة برية في سوريا مكرسة لهزيمة داعش يجعل هذا الهدف مستحيلا، ومع ذلك تواصل الإدارة الأميركية المضي قدما في سياساتها التي اختبرت فشلها على مدار عام كامل.

لم تبذل واشنطن جهدا يذكر في إتاحة الفرصة للمعارضة السورية لقتال داعش وذلك بالتوصل إلى تسوية سياسية، ولو كانت جزئية، تؤدي إلى تحرر عشرات الآلاف من المقاتلين من مراكزهم القتالية ضد قوات النظام من أجل مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. بل فضلت قصر الحرب على داعش فقط من دون الأسد، بل حتى دون حمل الأخير على إيقاف قصف المدنيين والمعارضة التي تقاتل التنظيم المتطرف، وهو ما يثير التساؤل: لماذا تتمسك أميركا بسياسات لا تدع مجالا لا لهزيمة التنظيم المتطرف فحسب بل حتى لإضعافه؟

كان يمكن اعتبار ذلك بمثابة “خطأ” في بداية الحملة العسكرية، ولكن إصرارها على خوض معركة محكومة بالفشل يسلط الضوء على مدى جديتها في هذا الصدد. ويبدو غياب الجدية واضحا في حادثة تدريب المقاتلين السوريين، حيث اشترطت الولايات المتحدة عليهم عدم قتال الأسد فانتهى بها الأمر، بعد عام من التدريب، بمجموعة من خمسة مقاتلين. العبرة واضحة، لكن فقط لمن يريد أن يعتبر.

اقرأ المزيد
١١ أكتوبر ٢٠١٥
التدخل الروسي في سوريا يقود المسيحيين إلى المقصلة

 كما توقع الكثير من المراقبين، لم تتأخر كثيرا عواقب التدخل العسكري الروسي في سوريا تحت شعار “محاربة الإرهاب” ومباركة هذا التدخل من قبل بطريرك الكنيسة الروسية ووصفه لهذا التدخل بـ”المعركة المقدسة” على المسيحيين السوريين. وكرد مباشر وسريع على المزاعم الروسية والتصريحات غير المسؤولة لبطريرك روسيا التي تتنافى مع جوهر العقيدة المسيحية الرافضة للقتل والحروب المقدسة، أعدم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية ثلاثة مخطوفين آشوريين لدى التنظيم الإرهابي من أصل نحو 200 آشوري مازالوا في معتقلات تنظيم داعش بعد أن اختطفهم من القرى الآشورية على نهر الخابور في محافظة الحسكة عندما غزاها في فبراير الماضي.

عرض التنظيم مقطع فيديو يظهر فيه قيام مقاتلين مُلثّمين بإطلاق الرصاص على رؤوس ثلاثة شبان آشوريين مخطوفين لديه (عبد المسيح نويا وآشـور إبراهام وبسام ميشائيل)، كما ظهر ثلاثة آخرون يرتدون الزي البرتقالي المعد لتنفيذ الإعدامات عند تنظيم داعش ليوجهوا نداء استغاثة لإنقاذهم قبل فوات الأوان، ما يعني أن مصيرهم في خطر وينتظرون اقتيادهم إلى مقصلة التنظيم، ورجّح المرصد الآشوري لحقوق الإنسان أن يكون الإعدام قد تمّ تنفيذه خلال فترة عيد الأضحى الماضي.

دماء وأرواح مسيحية بريئة وقعت ضحية وثمن المزاعم الروسية حول تدخلهم في الحرب السورية لأجل حماية مسيحيي سوريا والمنطقة من إرهاب التنظيمات الإسلامية، وهذه الجريمة قوبلت بإدانات واسعة من قبل مختلف الأوساط الآشورية (سريانية/ كلدانية) والمسيحية، وكذلك لدى أوساط واسعة من المسلمين، كذلك زادت من الاستياء المسيحي على التدخل الروسي في الحرب السورية وعلى تصريحات بطريرك روسيا العبثية.

الناشط السياسي السوري سليمان يوسف الباحث في قضايا الأقليات، رأى في تصريح لـ”العرب” أن جميع أطراف وقوى الصراع في سوريا (المحلية والإقليمية والدولية) تتحمل بشكل أو بآخر مسؤولية خطف المسيحيين والمصير الدموي الذي وصلوا إليه، فالجميع برأيه “تخلوا عن آشوريي سوريا ولم يُحرّكوا ساكنا من أجل إطلاق سراح مختطفيهم الذين أصبحوا بالمئات في الحسكة والقريتين، وهذا لا يعني تبرير جرائم تنظيم الدولة الإسلامية بحق المسيحيين والمسلمين على حد سواء، سوريا كان أم عراقيا”.

    بعد التدخل الروسي وتداعياته من المؤكد أن قضية المخطوفين الآشوريين على يد داعش باتت أكثر تعقيدا وتشابكا مع الأزمة السورية

وحمّل مسؤولية إضافية للمؤسسات والهيئات والمنظمات والأحزاب المسيحية (الآشورية والسريانية وغيرها) في سوريا ودول الشتات لأنها “لم تقم بواجبها كما يجب تجاه قضية المخطوفين، ولم تتحرك من أجل الإفراج عنهم، إن كان على الصعيد الدبلوماسي وحث قوى الصراع والقوى الدولية النافذة على التحرك للإفراج عنهم، أم على صعيد جمع المال اللازم دفعه كفدية لقاء الإفراج عنهم إذا ما كان هذا هو شرط الإفراج عنهم رغم شكوكي الشخصية بهذا الأمر”.

إلى ذلك قالت مصادر آشورية سورية من مدينة الحسكة لـ”العرب” إن تنظيم الدولة الإسلامية طلب فدية 10 مليون دولار مقابل إطلاق سراح المختطفين الآشوريين من قرى الخابور شمال سوريا، وأشارت إلى أن الكنيسة المحلية لم تستطع جمع المبلغ، فيما رفض كثيرون المساهمة بدفع الفدية خوفا من أن تصبح قاعدة وتساهم في زيادة عدد المختطفين المسيحيين في سوريا.

ويرى بعض المسيحيين السوريين أن إفراج داعش عن 21 رهينة آشورية بعد أسابيع قليلة من اختطافهم وإفراجه عن بعض المسنين دون مقابل، كانت رسالة إيجابية من التنظيم للآشوريين لكن المؤسسات والكنائس والأحزاب الآشورية لم تتلق الرسالة وراهنت فقط على عامل الزمن وتركت مصير المخطوفين للمجهول.

جميل ديار بكرلي، مدير المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، قال لـ”العرب”: هذه الجريمة الأولى من نوعها بحق مختطفين مسيحيين في سوريا لدى تنظيم الدولة الإسلامية، ويجب أن لا ننسى أن لدى داعش بالإضافة إلى 185 مختطفا آشوريا مسيحيا من محافظة الحسكة، أكثر من مئة أسرة مسيحية مختطفة من بلدة القريتين المتاخمة للبادية السورية والتابعة لمحافظة حمص اختطفهم بعد سيطرته على البلدة في أغسطس الماضي. ويبقى لتنظيم الدولة الإسلامية حساباته السياسية وغير السياسية في طريقة تعاطيه مع المخطوفين لديه، لكن المؤكد أن فرص الإفراج عن المختطفين المسيحيين كان من الممكن أن تكون أكبر قبل التدخل الروسي في الحرب السورية وقبل التصريحات التي أطلقها بطريرك روسيا.

بعد التدخل الروسي وتداعياته من المؤكد أن قضية المخطوفين الآشوريين على يد داعش باتت أكثر تعقيدا وتشابكا مع الأزمة السورية، ويطالب السوريون الكنيسة الروسية بسحب تصريحات البطريرك وأن يُقدّم اعتذاره للسوريين، مسلمين ومسيحيين، وهو ما طالب به سليمان يوسف أيضا حيث قال “نطالب من بطريرك روسيا سحب تصريحاته والاعتذار عمّا قاله لأجل تسهيل عملية الإفراج عن الآشوريين المخطوفين لدى تنظيم الدولة، ورغم عدم معرفتنا إن كان التنظيم يقبل الوساطات أو الفدى المالية للإفراج عن المخطوفين، لكن ما نخشاه بعد بدء الهجمات الروسية أن يستخدم التنظيم المخطوفين كدروع بشرية يحتمي بهم من الضربات الروسية”.

التدخل الروسي العسكري و(الديني) في سوريا بدأ يجر الويلات على أكثر من صعيد، وأول الغيث قطرة، وإن لم تضع روسيا حدّا لتدخلها الفوضوي المنحاز بعبثية للدكتاتورية فإنها لا شك ستقود المنطقة برمتها إلى حروب مذهبية دميمة بلا نهاية.

اقرأ المزيد
١١ أكتوبر ٢٠١٥
روحاني وسورية

تحدث رئيس إيران، حسن روحاني، عن قضايا ثلاث في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الاتفاق النووي مع أميركا أنقذ العالم من حرب شرق أوسطية، وأن بلاده ساعدت العراق على إقامة الديمقراطية، وأنها على استعداد لمساعدة سورية على الوصول إلى حلٍّ، يتيح لمختلف أطياف المعارضة التعبير عن رأيها.
أود أن أذكر الرئيس روحاني بقول نصيره الأكبر في إيران، هاشمي رفسنجاني، قبل مفاوضات النووي بأيام: إن إيران تقف أمام أحد خيارين، الاستسلام أو سقوط النظام، وعليها لإنقاذ نفسها أن تسلم برنامجها النووي لأميركا. أنقذت إيران نظامها ولم تجنب العالم الحرب، والفرق بين الأمرين هو الفرق بين الكذب والصدق.
أما مساعدة العراق على الديمقراطية، فيشهد عليها رئيس وزرائه حيدر العبادي، والزعيم الشيعي مقتدى الصدر، فقد كرّر الأول أحاديثه عن عصابات شيعية ستقتله إن هو أجرى إصلاحاً يطالب به معظم الشعب. ووصف الثاني المليشيات الشيعية التي يعرفها، أكثر من أي شخص آخر، بـ "الوقحة"، وطالب بحل قطاعات منها. ولعل روحاني يعلم أن "المرجعية" التي تعتبر معصومة وواجبة الطاعة، أفتت بضرورة الحد من طائفية النظام العراقي، من دون أن يطيعها أحد، والسبب أن إيران التي تدعم مليشياتٍ بلغ من ديمقراطيتها أنها صفت عشرات آلاف الأبرياء على الهوية والشبهة، وقتلتهم من دون محاكمة وخارج أي قانون، بالطرق التي علمهم إياها "جيش القدس والباسيج" الإيرانيين، حرقاً وشنقاً وخنقاً وتقطيعاً بالمناشير وذبحاً بالسكاكين ودفناً وهم أحياء، في داعشية صارخة لا يشن أحد الحرب عليها، لأن إيران الديمقراطية تحميها، بينما يكثر الحديث عن "داعشية السنة"، مع أن الداعشيتين تتبنيان أيديولوجيا مذهبية خلاصية، تقول بإقصاء المختلف، وتجعل قتله واجباً مقدساً.
تبقى المسألة الثالثة، أن إيران تريد مساعدة السوريين: هل روحاني جاهل إلى الحد الذي لا يعلم معه كم ساعدتنا دولة وكيل الإمام الغائب، أو وكيل الله الذي يفترض أنه لا يغيب؟ ألم ير روحاني مواكب جنرالاته القتلى الذين ضحوا بأرواحهم، وهم يعلمون السوريين الديمقراطية؟ ألم يسمع أنشودة حزب الله "الديمقراطي" "رصاصة منك ورصاصة مني ما منترك ع الأرض سني"؟ ألا يعلم النية الكامنة وراء المفاوضات التي خاضتها بلاده لتهجير أهل الزبداني ومضايا وسرغايا وبلودان وسوق وادي بردى وغوطتي دمشق، واستبدالهم بـ "ديمقراطيين" مستجلبين من إيران، ليشكلوا حلقة في سلسلة بشرية يقيمها ملايين المستوطنين الإيرانيين، فيمتد بهم وجود إيران المذهبي الموحد بين أفغانستان وجنوب لبنان مرورا بسورية والعراق؟ أخيراً، لو امتلك روحاني ذرة احترام واحدة لعقول سامعيه وذاكراتهم في أعلى محفل سياسي دولي، يعرف أعضاؤه "البير وغطاه"، لما سرد على مسامعهم، من دون أدنى خجل أو حرج، ترّهاته عن تجنيب العالم الحرب، وحديثه عن الديمقراطية التي أقامتها بلاده في العراق، ولما نسي أقواله هو نفسه عداء أطرافٍ حاكمة فيها للديمقراطية وحقوق الإنسان، وللمواطنة مبدأ وممارسة، ولشعر بحرج شديد قبل الإعلان عن استعداد نظامه لمساعدة سورية، كأنها توقفت يوماً عن مساعدة نظام الأسد على إبادة شعبه، وتدمير دولتها ومجتمعها، والقضاء على جميع مظاهر العمران والإبداع الإنساني فيها، ما اتصل منه بالحاضر أو بالماضي.
سيد روحاني: كنت أعتقد أنك رجل دين لا يكذب. أشكرك شخصياً، لأنك أخبرت العالم كله أن دينك هو الكذب.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان