
الحرب في سوريا تفاقم ظاهرة «العنوسة»
لم يكن مجتمع المرأة السورية قبل الثورة المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، خالياً من المشاكل الخاصة به، فقد كانت مشاكل الزواج المبكر، والعنوسة، والعنف ضد المرأة، من أبرز التحديات التي تواجه الجمعيات والمنظمات النسائية. ارتفاع واضح في سن الزواج قابلته ظاهرة العنوسة التي تستخدم كمصطلح يطلق على الرجال والنساء الذين تجاوزا سناً معيناً دون أن يتزوجوا.
وبعد أن كانت أسباب العنوسة وتبريرات عدم الزواج تعود إلى الأعباء التي تلقى على الشبان مثل الهجرة والمهور المرتفعة وتكاليف الأعراس الباهظة ومسؤولية العائلات، جاءت الحرب التي تعيشها البلاد لتزيد الأمر سوءاً.
ما إن تسأل أحداً عن سبب العنوسة، حتى يشير بيده الأولى إلى الأسعار المجنونة التي تلاحق مستلزمات الزواج، والأخرى للظروف الاستثنائيَة التي تعيشها البلاد، فإن تكلفة الزواج خيالية ومعظم متطلباته تضاعفت أربع أو خمس مرات، وذلك في وقت يُقلع فيه معظم الشباب السوري عن الزواج.
إذ ارتفعت ثمن غرفة النوم المتوسطة من 40 إلى 230 ألف ليرة، في حين لم ينج الذهب من الارتفاع، وينطبق الأمر أيضاً على غلاء أجرة العقارات، إذ بات الحصول على منزل في منطقة آمنة حلماً يراود الجميع.
باختصار فإنَّ تكاليف الزواج باتت خيالية ويصعب تأمينها على معظم الشباب بمن فيهم المستقرون مادياً الذين لا يعيشون تداعيات الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة.
ويعترض الدكتور النفسي غزوان سليم من ريف ادلب على مصطلح العُنُوسة، ويستبدله بواقع ارتفاع سن الزواج «لأن ما يجري حالياً هو ارتفاع سن الزواج للشاب من 26 إلى 37 سنة بشكل وسطي، في حين ارتفع سن الزواج لدى الفتاة من 23 إلى 32 سنة». ويضيف: أن سن الزواج لدى الطبقة المثقفة مرتفع أساساً، أما ما يتم تداوله عن العُنُوسة اليوم فهو غير موجود، لأن واقع الزواج بين الفئات الاجتماعية ذات المستوى التعليمي المنخفض ما زال مستمرا، بل ازداد أكثر مما كان عليه قبل اندلاع الأحداث بعد ظهور زواج الفقراء الذي أوجدته الأزمة الأخيرة، وكان نتيجته تنازلات كثيرة من جانب عائلة العروس عن اللباس ومراسم العرس والمسكن والكسوة والذهب». ويقول، أنَّ الزواج في أماكن النزوح ومراكز الإيواء مستمر ولم يتأثر بالأحداث.
مشاكل عدة باتت تطفو على السطح بشكل أسرع مع دخول الثورة عامها الخامس، ومن أبرزها، العنوسة، والتي عزاها أغلب من تحدثوا لـ «القدس العربي» إلى هجرة الشباب، أو التحاقهم بالقوات العسكرية المتصارعة على الأرض، الأمر الذي فاقم المشكلة وأصبح يترك تأثيراته النفسية السلبية على نفسية الشباب.
«د. أ» من أبناء مدينة سلقين في شمال ادلب طالبة في كلية الأداب في جامعة حلب تقول: «من المعروف أن الفتاة بعد الانتهاء من مراحل تعليمها، تنتظرها مرحلة ثانية في مسيرة حياتها، ألا وهي الزواج والاستقرار، إلا أن ما آلت إليه حال البلد وشبابها أصبح يشكل عامل قلق كبيرا لشريحة واسعة من الفتيات اللواتي على وشك الزواج» وأضافت «كما أن العادات السيئة في المجتمع الشرقي، لها دور بارز في زيادة عدد العانسات في المنطقة، فأغلب البنات يتعرضن لحصار خانق في المنزل، وكبت لحريتهن من قبل الأهل، وحتى يصل الأمر أحياناً إلى ضربهن في حال تجاوزن الحدود المرسومة لهن من قبل الأسرة. والفقر من الأسباب الرئيسية التي أدت لتفاقم هذه الظاهرة، والتي زادت بدورها من عدد العانسات، ودفعت في المقابل الشباب للهجرة خارج البلاد بحثاً عن حياة أفضل أمناً واقتصاداً وتعليماً. وتتحدث «ك. ج» من مدينة سلقين شمال ادلب قائلة: «شباب كثر طلبوا الزواج مني، ولكن الرفض كان دائماً من عائلتي، لأني أعمل في الشتاء في مواسم قطاف الزيتون والرمان، وأعيل عائلتي. وأنا حالياً تجاوزت الـ 35 عاماً، وأخاف ألا يتقدم لي بعد الآن إلا الشاب المتوفية زوجته، أو المطلق، أو من تجاوزت زوجته الخمسين».
تغيب الاحصائيات الدقيقة التي تفيد عن أعداد النساء السوريات، اللواتي تعرضن للاغتصاب، إلا أن الروايات غير الرسمية تفصح عن واقع حال صعب تعيشه النساء في الداخل السوري. كما إن النساء في سوريا تعرضن للاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والأذى البدني والتضييق والتعذيب أثناء النزاع السوري من جانب القوات النظامية والميليشيات الموالية لها، وهذا لا يبرئ جماعات المعارضة للنظام فهي أيضاً قد ارتكبت بعضاً من هذه الجرائم. كما كل تفاصيل الحياة السورية المقسمة تختلف مبررات تزويج القاصرات، تبعـــاً للطرف الذي يسيطر إن كان نظاماً أم معارضة، ولدى الطرفين مسوغات للقيام بهذا العمل بحسب الأهالي. قمر، 15 عاماً من ادلب، تزوجت من رجل يكبرها بـ20 عاماً وتعيش معه في أنطاكيا، تقول «خوف أهلي علي كان الدافع وراء زواجي، وذلك بسبب المداهمات المتكررة من رجال الأمن والشبيحة لبيتنا وبشكل شبه يومي قبل تحرير مدينة ادلب» وتتابع: قبل تحرير ادلب كان حلم كل الفتيات الخروج من المدينة التي تتوغل فيها العصابات والأجهزة الأمنية، التي لا تتوانى عن التحرش بالفتيات.
أما محمد، فكان له مبرر من نوع خاص حتى يزوج ابنته التي لم تبلغ الـ15 عاماً، مبينا أن «من الطبيعي أن تكون الفتاة أمام خيارين، الأول إكمال دراستها، والثاني زواجها، والمدارس باتت غير متوفرة في الداخل بشكل منطقي، ناهيك عن انقطاع الطلاب عنها لمدة طويلة، لذلك لم يتبق لنا أمل بمتابعة الدراسة، فلا بوادر لحل قريب للحرب، لذلك اتخذنا القرار». وأضاف «حتى الدوافع الاقتصادية كان لها دور في اتخاذي القرار، فلا مورد اقتصادي ثابتا لدينا هنا، وخسارتي للعمل جعلتني أفكر ملياً قبل رفض عرض الزواج، الذي عرض على ابنتي، في المقابل قد لا يأتيك شاب جيد في كل الأحيان».
موروثنا الشعبي العربي، قد يجعلنا نتقبل فكرة زواج القاصر، وأبعد من ذلك قد يدفعنا للتعامل مع هذه الظاهرة، على أنها أمر بديهي، وفطري أيضاً.
ولا يمكن توجيه اللوم إلى الأب العاجز عن إطعام أولاده في بعض الأحيان، بل نلوم الحرب التي تضع هذا الأب بين خيارات قاتلة.
إن الآثار الاجتماعية لزواج القاصرات غير قابلة للإحصاء، لأن القاصر وبشكل فطري قد تكون صالحة جسدياً للإنجاب والأمومة وغير مكتملة نفسياً وانفعالياً، بالتالي سوف يجلب عدم النضج مشاكل لا حصر لها، من أهمها تربية الأطفال.