مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢١ يونيو ٢٠١٧
مناطحة أمريكية ـ روسية فوق الجغرافيا السورية

لم يكن ممكناً أبداً للأطفال السوريين من سكان مدينة درعا الجنوبية الذين تحمّسوا نتيجة ما كان يجري عام 2011 في شوارع تونس ومصر وليبيا تخيل حجم الحدث الهائل الذي أطلقوه بأصابعهم الصغيرة وطباشيرهم والذي أشعل ثورة عارمة هائلة، ولكنّه، من ناحية أخرى، أطلق شياطين النظام المرعبة، وجيّش حلفاءه الإقليميين لدفن الثورة الناشبة، واستدعى بالنتيجة ردود فعل أخرى من دول عربيّة وأجنبية وصولاً إلى هذه الملحمة الهائلة التي تحوّل فيها السوريون من فاعلين راغبين بالتغيير إلى جزء من معادلة صراعات عالميّة كبيرة.

منذ ذلك الحين لم يكفّ الحراك السياسي والعسكري والاجتماعي وتداخلت فيه قضايا الجغرافيا السياسية لروسيا، والنفوذ الإقليمي لإيران، مع محاولات الدول العربية للتأثير في المعادلات الجديدة، وضياع القرار الأوروبي تحت ضغوط الهجرة والخوف من الإرهاب والفوضى بالتوازي مع عقوبات باردة ضد النظام (الذي غرق لقدميه في الإبادة الجماعية لشعبه) واتصالات أمنية لم تنقطع معه.

اكتفت الولايات المتحدة الأمريكية في ظل دورتي حكم الرئيس باراك أوباما بمحاولة إدارة الأزمة والحفاظ على شرعيّة النظام السوري ومحاولة تأطير المعارضة السورية ضمن أجندة «مكافحة الإرهاب» فحسب وهو ما سمح، عمليّاً، بإطالة عمر النظام وتسليم ملفّات المنطقة لروسيا وإيران الذي تعزّز بعد اتفاقها النووي مع طهران.

رفع انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آمال روسيا بقرب تفويضها رسميّاً بإنهاء المعارضة السورية وإعادة تطبيع نظام بشار الأسد مع الغرب، ولكن هذه الآمال ووجهت بالجدل المتصاعد عن دور الكرملين في التدخل في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، وهو ما كبّل، بالتدريج، علاقة ترامب ودبلوماسييه بموسكو وعزّز قدرة المؤسسة العسكرية الأمريكية على القرار والحركة، والتي أكّدت خلال الشهور الماضية على اتجاه وتسليح واعتماد المجموعات الكردية التابعة لحزب «الاتحاد الديمقراطي» لقتال تنظيم «الدولة الإسلامية».

الروس الذين غرّتهم التصريحات الإيجابية المتكرّرة لترامب ومسؤوليه حول النظام السوري، سمحوا بقرار الرئيس السوري بقصف بلدة خان شيخون بالسلاح الكيميائي، وهو ما أثار فزع العالم وأعاد فجأة عقارب ساعة المقارنات بين تخاذل أوباما عن خطه الأحمر الشهير الذي حطّمه الأسد باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه في آب/أغسطس 2013، وسرعة ترامب الذي قرّر قصف مطار الشعيرات الذي انطلقت منه طائرة السلاح الكيميائي السورية في 7 نيسان/إبريل الماضي.

الديناميكيات المتولّدة عن الأوضاع الداخلية الأمريكية لترامب على أرضية شبهة تواطئه مع الروس ونقطة العلام التي خلقها قرار قصف مطار الشعيرات وبعدها التزام الإدارة السياسية الأمريكية باستراتيجيات المؤسسة العسكرية ـ الأمنية في سوريا والعراق، جعلت ميزان العلاقات بين واشنطن ـ موسكو في صعود وهبوط، وحرّكت عجلات النزاع التي لا يمكن تجاوزها إلا على حساب إحدى الجهتين.

أحد العوامل المهمة في تزايد رغبة واشنطن على تأكيد وزنها، على حساب الروس، كان اندفاع حشود إيران وميليشياتها العراقية والأفغانية نحو الحدود السورية، والتوافقات التي تمّت خلال قمم ترامب السعودية الأخيرة.

وإضافة إلى اندفاعاتها الأرضية فإن طهران صعّدت النزاع العالمي ـ الإقليمي إلى ذروة جديدة مع قصفها مدينة دير الزور السورية، ليس بعيداً عن تمركز قوّات أمريكية، بصواريخ باليستية من كرمانشاه وكردستان إيران، وهي إشارة تم التقاطها في تل أبيب التي ردّت محذّرة، بينما سكتت دول الخليج العربي، المشغولة بحصارها لجارتها قطر!

«المباطحة» الأمريكية ـ الروسية، والمفاجأة الصاروخية الإيرانية، وانشغال بلدان الخليج عما يجري بالمحاولة الجنونية لتطويع قطر، مؤشرات ستحدد عمليّاً، مسار الصراع الحالي، ليس على سوريا وحدها، بل على المنطقة العربية أيضاً.

اقرأ المزيد
٢١ يونيو ٢٠١٧
سورية من دولة موحدة إلى دويلات متناحرة

بات من قبيل العبث الحديث عن سورية بوصفها دولة موحدة على غرار ما كانت عليه قبل آذار (مارس)، أي تاريخ اندلاع الانتفاضة. لا يعني نفي الوحدة عنها القول بتغيير الحدود الجغرافية للكيان كما رسا عليه في القرن الماضي، لكن وحدة البلد تقاس هنا بمدى وحدته الداخلية بما هي تآلف وتوافق بين مكوناته المجتمعية والسياسية والعرقية والإثنية، وبمدى وجود سلطة قائمة تمثل السيادة بكل معانيها المختلفة، سواء في علاقاتها الداخلية أو في العلاقات مع الخارج. بهذا المعنى، افتقدت سورية وحدتها، وباتت أشبه بكانتونات متناحرة أو سائرة على طريق التناحر.

بعد حوالى سبع سنوات من الانتفاضة، وتحت وطأة تحولها انتفاضة عسكرية قام بها النظام بشكل أساسي، تبدو سورية اليوم كياناً ممزقة أشلاؤه ونهباً لقوى خارجية تتناحر للهيمنة عليه أو على أجزاء منه. كما تشهد انبعاثاً لقوى طائفية أو إثنية، عانت طويلاً من ديكتاتورية حزب البعث ومن الحرمان الذي كانت تشعر به قياساً على ما تناله مجموعات أخرى، فرأت في الفوضى الراهنة مناسبة لطرح مطالبها الانفصالية على أساس نوع من الاستقلالية الذاتية في أي تركيبة قادمة لسورية.

تخضع سورية اليوم لتقاسم نفوذ داخلي وخارجي، فعلى جبهة النظام الذي يسجل اليوم بعض الانتصارات في الجغرافيا، والذي يطمح لبسط نفوذ جيشه على كامل الأراضي السورية، هذا النظام «القوي» شكلاً هو الأضعف في قرارات السيادة والسلطة، بعد أن بات أسير القوى التي أمّنت له الانتصارات الموقتة. في المقابل، تبدو خريطة النفوذ السياسي والجغرافي والعسكري موزعة بين قوى تجهر بسيطرتها وهيمنتها. فإيران باتت تحتل مناطق أساسية تبدأ من الشمال السوري– العراقي وتمتد إلى العاصمة دمشق، معلنة بصريح العبارة أنها المتحكم الأساسي بسورية، وأنها تحتل العاصمة دمشق، وهو أمر صحيح بمعنى احتلال القرار السياسي والعسكري للنظام. إيران استثمرت في سورية مليارات الدولارات، ودفعت آلاف القتلى من جيشها، وهي ترى سورية بوابة السيطرة على المنطقة العربية، بل تعتبر أن مصير الأمن القومي الإيراني مهدد في حال خروجها من سورية، وأن مشروعها المذهبي قد قطع أشواطا مهمة من خلال تدخلها في سورية، ما يعني أنها ستقاتل حتى الرمق الأخير للحفاظ على مواقعها.

تركيا حسمت أمرها عبر اقتطاع شريط حدودي كاف في نظرها لمنع تدفق مقاتلي حزب العمال الكردستاني الدخول إلى أراضيها، وهي تعمل اليوم لتكريس مناطق جغرافية تمنع من خلالها قيام كيان كردي ذاتي، في وقت قطع الأكراد شوطاً كبيراً في قيام كيانهم الذاتي وذلك بدعم صريح وقوي من الولايات المتحدة الأميركية. أما روسيا، التي شكلت الداعم الأساس للنظام من خلال مساهمتها في احتلال الأراضي التي كانت المعارضة تسيطر عليها، أو من خلال منع القوى الدولية من اتخاذ قرارات تمس النظام، لا يبدو أنها مهتمة باقتطاع أراض، لا راهناً ولا مستقبلاً، لكنها حاسمة في بقاء قواعدها العسكرية على الساحل السوري، وتطويرها بما يسمح لها بالتدخل العسكري وممارسة النفوذ السياسي.

في مقابل هذه القوى، عادت الولايات المتحدة الأميركية إلى سياسة التدخل العسكري، بعد أن كانت مكتفية بالتدخل السياسي أو المعنوي. أدخلت قوات على الأرض، وحددت لها مناطق نفوذ في الجنوب السوري وعلى المثلث الأردني– العراقي– السوري، بل استخدمت قواتها الجوية لمنع النظام والميليشيات المتحالفة معه من التقدم إلى هذا المثلث.

كل ذلك يجري في ظل تراجع مواقع تنظيم داعش والقوى الإسلامية الأخرى، بعد أن تكبد خسائر وفقد مواقع في العراق وسورية، ما يشي بقرب انتهاء المعارك في هذا الميدان. كما يجري ذلك وسط التقلص الشديد بل والضمور لقوى المعارضة العسكرية، بعدما نجحت ضربات المحور الروسي الإيراني في تكبيدها خسائر فادحة وخسارتها مواقعها على الأرض.

صحيح أن الأعمال العسكرية في سورية ما تزال قائمة، تخف وتيرتها وتتصاعد وفقاً للوظيفة المطلوبة من التصعيد العسكري. هذا الأمر متلازم مع البحث الدائر حالياً في مصير الكيان السوري، لجهة تحديد مناطق النفوذ لكل قوة ومجموعة خارجية بالاستناد إلى قوى داخلية تدعمها. هنا يدور الحديث عن تقسيمات وتغييرات في الديموغرافيا بما يسمح بوجود مناطق متجانسة.

لا ننسى أن سورية كانت حتى الثلث الأول من القرن العشرين مقسمة إلى أربع دول، ما يعني أن اللعب على استحضار التاريخ الماضي لتقسيمها أمر لا يغيب عن البال، بل يستحضر رغبات قوى داخلية قد لا تريد لحكم البعث المركزي العودة للتحكم بها.

قد تحتاج الأزمة السورية إلى بعض الوقت لإنجاز «القص والتلزيق» لمناطقها ومجموعاتها السكانية، لكن ما يبدو شبه واضح أن الوحدة السورية التي كانت، باتت خارج الموضوع، ما سينتج عن التسويات إقامة كيانات أو كانتونات تحمل في جوفها كل عناصر الانفجار، في داخلها وفي علاقتها بالكيانات القائمة، كل ذلك في إطار الجغرافيا الحالية الممنوع التلاعب بها، ليس في سورية فقط، وإنما في المنطقة بكاملها.

اقرأ المزيد
٢٠ يونيو ٢٠١٧
الدب الروسي والعنب السوري

تبدو روسيا اليوم باعتبارها المتدخل الأهم في القضية السورية، وهذه حقيقة بين أهم حقائق الواقع السوري، تم تكريسها عبر سياسات وخطوات تابعتها موسكو طوال سنوات ست من تطورات عاصفة، شهدتها البلاد بعد انطلاق ثورة السوريين على نظام الأسد عام 2011.

وبالعودة إلى بداية الأحداث، يمكن القول: إن علاقات موسكو مع نظام الأسد كانت علاقات تقليدية رغم الإرث القديم من العلاقات السورية – السوفياتية؛ إذ كانت تماثل الكثير من علاقات النظام مع دول أخرى بما فيها من إيجابيات وسلبيات. غير أن موسكو سرعان ما أدركت حاجة نظام الأسد إلى علاقات جديدة في ضوء ما يواجهه من تحديات الثورة عليه، وربطت ذلك بأهدافها وعلاقاتها الدولية، فقررت الوقوف إلى جانب النظام ضد معارضيه، وبدأت في تنشيط علاقاتها مع النظام، واتخذت موقف الحذر من المعارضة سرعان ما طورته إلى حد العداء.

لقد رسم الروس سياستهم السورية وفق ثلاث مراحل، كانت أولها دعم نظام الأسد والوقوف ضد المعارضة، والثانية الدفاع عن النظام وتشكيل حلف دولي - إقليمي يؤيده، وإدانة المعارضة والوقوف ضد داعميها ومؤيدها، والثالثة الانتقال إلى الانخراط العميق طرفاً في القضية السورية بصورة لا يمكن إيجاد حل للقضية دون أخذ موقف موسكو ومصالحها بعين الاعتبار.

ففي المرحلة الأولى، صعدت موسكو علاقاتها السورية، فاستمرت في تنفيذ اتفاقيات التعاون العسكري بما فيه تقديم الأسلحة والمعدات العسكرية، إضافة إلى إرسال الخبراء في المجالات الأمنية والتقنية، مما ساعد في ترميم ما أصاب النظام من انهيارات، وأضافت موسكو إلى ما سبق اتباع سياسة مراوغة مع المعارضة السورية، بالتمييز بين «معارضة الداخل» التي تمثلها القوى النشطة في سوريا ومنها هيئة التنسيق الوطنية، و«المعارضة الخارجية» التي جسدها المجلس الوطني السوري، ولاحقاً الائتلاف الوطني، فانفتحت على الأولى، وحاورت الثانية، لكن دون نتائج في الحالتين بحيث همش الروس المعارضة السورية ودورها في القضية السورية.

وطورت موسكو سياساتها في المرحلة الثانية، بالانتقال إلى بلورة سياسة إقليمية دولية داعمة لنظام الأسد، بتنسيق علاقاتها مع إيران الداعم الرئيسي للنظام، وقبلت بدور ميليشياتها خصوصا «حزب الله» في سوريا، وبلورت موقفاً دولياً يضم الصين داعماً لنظام الأسد تحت شعارات الاستقلالية ورفض التدخلات الخارجية، ووقفت ضد اتخاذ أي قرارات دولية حول القضية السورية، وفي هذا السياق مارست الفيتو في مجلس الأمن الدولي سبع مرات لصالح سياسات الأسد.

وطورت روسيا مستوى علاقاتها الإقليمية والدولية في الموضوع السوري، فأقامت بالشراكة مع إيران والعراق ونظام الأسد مركزاً في العراق لتنسيق سياسات الأطراف الأربعة، وأقامت مركز اتصال بين قاعدة حميميم وتل أبيب للتنسيق، يربط السياسيتين الروسية والإسرائيلية، وآخر في عمان ينسق سياسات الأردن وروسيا في سوريا، وبعد سلسلة من المواجهات السياسية والعسكرية مع تركيا، قامت بجلب تركيا إلى «تفاهم ثلاثي» روسي - إيراني - تركي للحل في سوريا، تضمنه «إعلان موسكو» الذي وقعته الأطراف الثلاثة في ديسمبر (كانون الأول) 2016، ليعكس تحولاً خطيراً في الموقف التركي إزاء سوريا.

لقد رفضت روسيا وقف دعمها لنظام الأسد، وفك ارتباطها معه، ووقف تعاونها مع إيران في سوريا، وقاومت كل الجهود والضغوطات العربية والإسلامية في هذا المجال، وما كان ذلك ليتم لولا وجود أمرين، أولهما عدم جدية بعض الأطراف المشاركة في تلك الجهود والضغوطات بما في ذلك أطراف المعارضة السورية، والثاني واقع التشتت وضعف المسؤولية في موقف المجتمع الدولي بمنظماته ودوله ومنها الولايات المتحدة.

ومهد نجاح سياسة موسكو السورية في المرحلتين الأولى والثانية، لانتقالها إلى المرحلة الثالثة، والتي جعلت من روسيا طرفاً رئيسياً في القضية السورية، انطلاقاً من التدخل العسكري المباشر عبر إرسال قواتها الجوية إلى سوريا أواخر العام 2015، ثم دعمتها بإرسال المزيد من القوات البحرية والبرية، ومزيد من الأسلحة والخبراء استناداً إلى اتفاق طويل الأمد، وقعته مع نظام الأسد، يسمح لها بالتدخل في كل الشؤون السورية السياسية والعسكرية والإدارية، بما ذلك إدارة الصراعات والتسويات العسكرية والسياسية في سوريا وحولها مع مختلف الأطراف.

إن أبرز معالم الدور الروسي في هذه المرحلة، سعي الروس إلى خلق مسار آستانة ومحاولة جعله بديلاً للمساعي الدولية في الحل السوري عبر مسار جنيف، وهو تحول، ما كان له أن يحدث لولا ضغوطات ومساعي موسكو على تركيا وإحداث تحولات في موقفها، سمح لموسكو بالإمساك بجماعات المعارضة السورية المسلحة، ودفعها في مسار آستانة، كما سمح لموسكو بإدخال تركيا طرفاً في ضامني اتفاق مناطق خفض الصراع الأخير.

ومن أبرز معالم الدور الروسي الراهن في سوريا، تحول موسكو إلى قوة فاعلة، ليس لجهة التأثير على سياسات النظام وتوجهاته فقط بما في ذلك إعادة تنظيم وهيكلة قواته وميليشياته، بل التأثير على سياسات إيران ومواقف الميليشيات التابعة لها، وإخضاع حركتها لخطط التحرك السياسي والميداني في الصراع السوري، وقد طور الروس دورهم في الداخل ليشمل قوى «المعارضة الداخلية»، فأثروا في تعديل بعض مواقف أطرافها، وأسهموا في خلق أطراف هي أقرب لمواقفهم مثل مجموعة حميميم نسبة إلى القاعدة الجوية الروسية، كما تدخلوا في الصراعات الميدانية، بحيث استطاعوا الدخول على خط التسويات المحلية خصوصا في مناطق محيطة بدمشق، وكان من الصعب على نظام الأسد القيام بمثل هذا الدور. خلاصة القول في سياسة موسكو السورية، هي أن روسيا هي القوة الأهم في قوى التدخل، وهي التي تملك أكثر الأوراق تأثيراً في القضية السورية، وأن ضمان دورها في حل القضية، لا بد أن يتصل بمعالجة قضايا خارج النطاق السوري كله، مما يجعل التفاهم مع الروس بحاجة، ليس فقط إلى تفاهم سوري إقليمي ودولي فقط، إنما إلى مستوى عال من الوحدة والجدية من المستويات كافة في التعامل مع الروس حول سوريا وخارجها أيضا.

اقرأ المزيد
٢٠ يونيو ٢٠١٧
هل يسلمون بخسارة درعا وانتكاسة حرب الحدود؟

الكونغرس الأميركي أقر بغالبية ساحقة مشروع قانون لتشديد العقوبات على إيران. وشمل المشروع روسيا أيضاً لاحتمال تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية وضمها شبه جزيرة القرم ودعمها نظام الرئيس بشار الأسد. والتحقيقان القضائي والاستخباري في احتمال تدخلها باتا يشملان الرئيس دونالد ترامب. وزير خارجيته ريكس تيلرسون سجل تحفظه على المشروع. لا يروقه أن تكون العلاقات بين واشنطن وموسكو في أسوأ مستوياتها. وهو يحرص على وقف تدهورها أكثر لمواصلة العمل الثنائي في مناطق معينة، مشيراً إلى جهود قائمة في سورية. ويعارض العقوبات لأن ذلك يقيد هامش التحرك، وهو يريد «أوراق ضغط لأوقات أخرى». الرئيس فلاديمير بوتين هو الآخر حريص على العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة التي لا يعتبرها «عدواً». بل لديه «أصدقاء فيها» يهتم مثلهم بالتعاون لمعالجة الملفات الملحة. وكرر استحالة تسوية الأزمة السورية والصراع في الشرق الأوسط من دون تعاون وتنسيق بين بلاده وأميركا. ولم ينس تحميل الرئيس باراك أوباما المسؤولية عن «صناعة ظروف تجعل ترامب غير قادر معها على الوفاء بوعوده لشعبه». لديه ثارات مع الرئيس السابق الذي لم يكنّ أي احترام. فقد نادى القوى الكبرى إلى سياسة التعاون لحل المعضلات والمشاكل الدولية. ونهج سياسة عدم التدخل والانخراط في الأزمات. لكنه أدرك متأخراً في آخر سنة من ولايته الثانية أن لا بد من رفع موازنة الدفاع. وكان التركيز في حيثياتها على وجوب التصدي لما سمي «اعتداءات روسيا». وخصصت إدارته مبالغ لتغطية نفقات انتشار قوات أميركية في وسط أوروبا وشرقها لمواجهة «هجوم الكرملين».

لا يزال الرئيس بوتين اليوم يأمل بعلاقات مختلفة مع الإدارة الجديدة. لكنه سينتظر طويلاً ما دام التحقيق في تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية يزداد تعقيداً ويضيق الخناق على الرئيس ترامب. في هذه الأثناء لا شيء يثنيه عن مواصلة مشروعه لاستعادة مكانة بلاده ودورها، انطلاقاً من سورية خصوصاً والمنطقة عموماً. فهو حريص على تعميق تفاهمه مع إيران شرقاً ومصر في أفريقيا، وقوى أخرى في الإقليم. ولا يرغب في حسم الموقف مع الولايات المتحدة بقدر ما يرغب في شراكتها. وهو يلتقي مع الوزير تيلرسون في وجوب الحفاظ على الحد الأدنى من التفاهم الثنائي في سورية. لكن الوقائع على أرض الشام تشي بخلاف ما يتوافق عليه الطرفان. مشروع «مناطق خفض التوتر» الذي أقر في آستانة ولقي تأييداً من واشــنطن، يكاد لا يبقى منه شيء. إيران والنظام يعملان على تقويض المنــطقة الخاصــة بالغوطة الشرقية. وكذلك تهدد اندفاعة الجيش والميليشيات في البادية شــرق حمص «المنطقة» الخاصة بهذه المحافظة. أما الحدود الجنوبية فتشهد أقسى المعارك للسيطرة على درعا، كأن المقصود تقويض الاتفاق الأميركي - الروسي الخاص بالحدود الجنوبية. بل تقويض إقامة «المــنطقة» الرابعة التي تضم درعا والقنيطرة والسويداء، بما يضمن ابتعاد النفوذ الإيراني عن الحدود مع إسرائيل والأردن، ويطمئن هذين البلدين.

هذه التطورات الميدانية لا تشكل وحدها تحدياً لما تريده إدارة الرئيس ترامب من سورية، خصوصاً من تفاهمها مع موسكو. كان يفترض أن تنتهي «مناطق خفض التوتر» إلى تقاسم سورية بين القوى المنخرطة في الصراع. وأن تنتهي حماية هذه المناطق إلى وقف العنف وتكريس واقع يسهل تسويق مشروع الفيديرالية، بحيث ينتهي الوضع في سيطرة الولايات المتحدة على حدود سورية مع العراق والأردن لتحقيق هدفها الاستراتيجي بكسر الهلال الإيراني. على أن تستأثر روسيا بدمشق والساحل... على غرار التقاسم الحاصل في أوكرانيا حيث شرقها للشرق وغربها للغرب، وعلى غرار «التقاسم» في جورجيا حيث أوسيتيا وأبخازيا لحلفاء روسيا وجورجيا للغرب. لكن إيران نجحت قبل أيام في ربط الحدود بين سورية والعراق شمال الرقة (جنوب الأنبار). وضمنت بذلك طريق إمداد الأسلحة إلى قوات النظام وميليشياتها من مصانعها حتى ساحل الأبيض المتوسط. كما ضمنت قطع التواصل بين «وحدات حماية الشعب» و «فصائل الجنوب» التي تحظى بحماية ودعم من أميركا. وكان حضور قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الجنرال قاسم سليماني مع فصيل أفغاني رسالة واضحة إلى واشنطن أن مساعيها إلى فك «الهلال الإيراني» باءت بالفشل. وكان ظهر قبل ذلك مع «الحشد الشعبي» لدى وصوله إلى الحدود مع سورية في منطقة بين نينوى والحسكة، تمتد على مساحة سبعة كيلومترات.

الدينامية الميدانية في أكثر من بقعة في سورية لم تكرس بعد واقعاً ثابتاً. فالقوات الأميركية زودت حلفاءها نظاماً مدفعياً متطوراً أثار حفيظة روسيا التي حذرت من التمادي في استهداف قوات النظام السوري. وتمددت نحو منطقة الزكف على بعد سبعين كيلومتراً شمال قاعدة التنف. أي أن معركة الحدود لم تحسم بعد. علماً أن موسكو التي تنتظر الترياق من الوزير تيلرسون، لا تقف مكتوفة. بل تواصل بناء استراتيجيتها وتنفيذ مشروعها في سورية والمنطقة وأنحاء أخرى في العالم فيما اقتصادها لا يزال يعاني ويواجه صعوبات. وعلى رغم كل ما يقال عن التحالف التكتيكي بينها وبين طهران، وإمكان تعرضه لانتكاسة إذا عقد التفاهم بين بوتين وترامب، فإن الكرملين تعامل مع مشروع طهران بإيجابية. بل يدعم ويساعد على تحقيقه، بخلاف ما يتوقع الأميركيون. والدليل دعمه قوات النظام والميليشيات التي أعادت ربط الحدود بين سورية والعراق. وسكوته عما يجرى في درعا، حيث يقاتل النظام وحلفاؤه من أجل استعادة السيطرة على المعبر القديم مع الأردن ومعبر نصيب التجاري. كل ذلك ليحبط الرئيس بشار الأسد خطة «المناطق الآمنة». وليثبت أنه لا يزال قادراً على الإمساك بالحدود. وبتوفيره ممراً بين بلاده والعراق، يؤكد وقوفه إلى جانب الجمهورية لأنها وحدها ضمان بقائه. وهو بذلك يقطع الطريق على أي تفاهم بين القوتين الكبريين ترغب واشنطن من ورائه في إنهاء دوره وإبعاده عن السلطة.

حرب «المعابر» والسيطرة على الحدود لم تنتهيا بعد. ولن تنتهيا في المدى المنظور. جل ما يرغب فيه اللاعبون الكبار وقف القتال وتجميد الأزمة إلى أن يحين وقت الصفقات، أو إقرار الجميع بوجوب قيام نظام دولي جديد يراعي موازين القوى القائمة، ويراعي المصالح والعلاقات القائمة. ومن المبكر أن يحتفل هذا الطرف أو ذاك بالنصر الحاسم. إيران مصصمة على التمسك بما حققه «الحرس الثوري» ولن تتخلى عن «العواصم الأربع» مهما كلفها ذلك. وروسيا التي تراهن على التقارب مع إدارة ترامب، تراهن أكثر على تحالف يشمل إلى الجمهورية الإسلامية، الصين الراغبة أيضاً في أداء دور في الشرق الأوسط الذي تستورد منه معظم حاجاتها للطاقة. يبقى السؤال، هل تسلّم إدارة الرئيس ترامب وحلفاؤها في قمم الرياض بخسارة أول خطوة في استراتيجية ضرب النفوذ الإيراني في الإقليم؟ وهل يسلّم الأردن الذي لا يرى ملكه عبدالله الثاني تسوية في سورية من دون توافق أميركي - روسي بانتشار إيراني على حدوده؟ وماذا عن إسرائيل التي تغير طائراتها من وقت إلى آخر على قوافل تحمل السلاح من إيران إلى «حزب الله»، هل تسلّم بالأمر الواقع؟ وماذا ستفعل قوى «الائتلاف الوطني» و «أصدقاؤها» والفصائل الأخرى على اختلافها؟ جميعهم يدركون أن خسارة «الجبهة الجنوبية» تعني نهاية المعارضة. وكانوا يعولون على دور هذه الجبهة الهادئة نسبياً من سنتين وأكثر، في الزحف إلى دمشق في اليوم المناسب وحسم الأزمة... ولكن يبدو أن قوات العاصمة تزحف إليهم؟! من الصعب أن يستسلم المنخرطون في الأزمة من ست سنوات أو أن يسلّموا بنتائج الدينامية الجديدة وإن جدد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا دعوته إلى جنيف خامسة وسادسة و...

اقرأ المزيد
٢٠ يونيو ٢٠١٧
عن البغدادي الذي قتله الروس

كشف الإعلان الروسي عن مقتل البغدادي عن رغبة موسكو في تصدر «الحرب على الإرهاب»، فركاكة الوقائع التي أوردها الإعلان وعدم حماسة وزارة الخارجية الروسية نفسها لما كشف عنها جنرالات جيشها، تدفع إلى الاعتقاد بأن الكرملين أراد من وراء الإعلان المشاركة في سبق، ذاك أن مقتل البغدادي في الخبر الروسي هو أمر محتمل بحسب البيان، وأن يصدر عن جيش محترف خبر يتضمن «احتمالاً» غير موثق، فإن ذلك يعني أن وظيفته ليست الكشف عن وقائع، بل الاستثمار فيها.

لكن الإعلان الروسي كشف عما هو أهم من ذلك، وهو هامشية أبو بكر البغدادي في التنظيم الذي يرأسه. البغدادي في «داعش» ليس أسامة بن لادن في «القاعدة» كما أنه ليس أبو مصعب الزرقاوي في «قاعدة العراق». فالرجلان شقا طريقهما إلى تصدر تنظيميهما عبر وقائع دموية وشاقة حفراها بأيديهما، أما البغدادي فقد جُهزت «الخلافة» له من خارج التنظيم، ولا يبدو أن للرجل قيمة عملانية على نحو ما كان لسلفيه بن لادن والزرقاوي. التقى مجموعة من ضباط الجيش العراقي السابق في سجن بوكا في البصرة وقرروا شكل القيادة وشعروا بالحاجة إلى صورة داعية، وبقي الرجل صورة طوال مرحلة قيادته التنظيم الممتدة حتى يومنا هذا.

الحرب الروسية على «داعش» هي تماماً حرب على صورة. نقاط المواجهة المباشرة في هذه الحرب تكاد تقتصر على بعض الجيوب في ريف حلب، وعلى غارات متقطعة على دير الزور والرقة. وتدمر، المدينة التي يتناوب على الاستيلاء عليها «داعش» وجيش النظام، تبدو الحرب فيها أشبه برقصة لا بمواجهة.

لا حرب روسية على «داعش» سوى تلك التي كشف عنها بيان الجيش الروسي الركيك. فموسكو ترى في ذلك التنظيم فرصتها لانتزاع «شرعية» لوجودها في سورية ليس أكثر، وما تصدعه سوى تهديد لمهمتها هناك. الصورة ضرورية في هذه الحرب، واهتزازها يعيد تحريك الموقع بما ينقذه من الركود. والإعلان عن مقتل البغدادي، وإن لم يكن صحيحاً، يعيد تذكير العالم بأن موسكو تحارب الإرهاب. وعلينا أن لا ننسى هنا الكشف الموثق عن تسهيل موسكو خروج مقاتلين روس من الجمهوريات الإسلامية إلى العراق وسورية عبر صفقات مع السلطات الروسية قضت بمنحهم جوازات سفر لمرة واحدة، وهو ما أدى إلى تخفف موسكو منهم في بلادهم وإلى تعزيزهم روايتها عن الحرب في سورية. قادة كبار في «داعش» وصلوا إلى سورية بواسطة جوازات سفر روسية شرعية، ونالوا تسهيلات خروج من السلطات الروسية، وتسهيلات دخول إلى سورية من السلطات التركية. ولم تقتصر هدايا الدول للـ «خليفة» على موسكو وأنقرة، فقد سبق أن أهدته طهران الموصل، وأهدته بغداد، تحت أنظار واشنطن، الحرية بأن أخلت سبيله هو والضباط الذين صنعوه.

البغدادي ليس أكثر من صورة، فالرجل لم يظهر إلا مرة واحدة. هو رجل بلا صوت، وبصورة واحدة، وباسم ملتبس أضيفت إليه ألقاب وأنساب حتى يستقيم. ما عرف عنه في تنظيمه أنه كان رجل البريد في زمن أسلافه ليس أكثر، وفجأة أسقطت «الخلافة» على رأسه وصار خليفة. موسكو أعلنت أنها قتلت هذا الرجل، وهذه الصورة. ليس مهماً ما سيحدثه فعل القتل، بل المهم ما سيحدثه الإعلان عنه.

لا أحد ينفي أو يؤكد صحة الإعلان. «داعش» لم يشعر بالحاجة إلى ذلك، إذ إن البغدادي ليس أكثر من صورة لا بأس من اهتزازها أحياناً. التحالف الدولي الذي لم يُظهر حماسة للإعلان الروسي، لم يشعر أنه بحاجة إلى التحقق من الخبر. لكن ذروة المفارقة كانت في بيان وزارة الخارجية الروسية الذي أشار إلى ضرورة التحقق من الخبر قبل إعلانه.

لطالما كانت لـ «داعش» وظيفة تتعدى الوقائع التي أحدثتها ولادة هذا التنظيم الرهيب. والمقدار الضئيل من الصحة الذي ينطوي عليه الخبر الروسي يعيد تذكيرنا بهامشية البغدادي في تنظيمه، ذاك أن الخبر أشار إلى أن مقتله ربما حصل قبل أكثر من شهر من اليوم. أكثر من شهر و «داعش» يعيش بلا «خليفة»، هذا الغياب العديم التأثير يكشف أيضاً حقيقة أن الرجل مجرد صورة، وأن وراء الصورة وهم رجل لا يعدو كونه منشداً ومجوداً، وأن ضباطاً في جيوش كثيرة صنعوا الصورة، وصنعوا لـ «داعش» خليفته.

اقرأ المزيد
١٩ يونيو ٢٠١٧
خطوات أمريكية لتقسيم سوريا

تسير أمريكا بخطوات مدروسة ومبرمجة لتقسيم سوريا، ومنها:
1 ـ إطالة عمر الأزمة السورية دون اكتراث بالقتل والموت بين أبناء الشعب السوري حتى استسلام الجميع لمشروع التقسيم.

2ـ إطلاق يد إيران وميليشياتها لزرع الفوضى، وتعطيل مشروع الثورة الشعبية، وإعطاء إيران حصة من التقسيم السياسي والأمني، الذي لا يهدد الدولة الاسرائيلية، بل يكون ضامنا للتقسيم وحارسا مرة اخرى لإسرائيل، بغض النظر عن الشعارات المستعملة.

3ـ افتعال مشاكل ونزاعات لدول المنطقة التي تعارض التقسيم، لإضعاف دورها السياسي والاستخباراتي والعسكري، وبالأخص بين الدول الخليجية الداعمة للثورة والمعارضة السورية، واستثمار الخلافات بينها ومع تركيا ومع إيران، بهدف تشتيت جهودها وإلهائها بنفسها ومشاكلها، وافتعال مشاكل مع الادارة الأمريكية أيضاً، لتكون أمريكا حرة من الالتزام السياسي والأخلاقي نحو الشعب السوري والدول المعنية بحمايتها ومساعدتها.

4ـ تجنيد قوات وميليشيات محلية لخدمة مشروع التقسيم في سوريا والعراق، ومنها حزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا مثل، حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وغيرها.

5ـ افتعال التوترات الدولية، ومنها الخلافات الأمريكية الروسية، والعقوبات المفروضة عليها، والخلافات الأمريكية مع بعض الدول الاوروبية، ومنها العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد مشروع الغاز الروسي إلى أوروبا، الذي يضر بتأمين الطاقة لأوروبا نفسها.

هذه بعض الاجراءات التي تتخذها السياسة الأمريكية لتمرير مشروع تقسيم سوريا، وليس بالضرورة أن تكون أمريكا قد خططت لإيجاد هذه المشاكل من اصلها، وإنما تقوم باستثمار الأحداث لتصب في مشروعها للتقسيم السياسي في المنطقة، وجعلها تحت الهيمنة الأمريكية بالكامل. فامريكا لم تكن الصانعة ولا المدبرة ولا المخططة للثورة السورية، ولكن أمريكا عملت على استثمار الثورة من جميع اطرافها، بما فيها بعض فصائل الثورة الشعبية وايران وجيش الأسد، بل إدخال روسيا عسكريا في ضبط المعادلة، التي تؤدي إلى التقسيم، فأمريكا وضعت شروطها على تسليح الثورة السورية ونوع الأسلحة ودورها وقدرتها على إسقاط النظام، وعندما رجحت كفة الثورة السورية، وأوشكت على اسقاط نظام الاسد، اشترطت أمريكا أن يتم الإسقاط عبر مؤتمر دولي في جنيف، بحجة عدم خروج الأحداث عن السيطرة، ولكنها استخدمت مؤتمر جنيف لصناعة مستقبل سوريا التي تريدها، وليس التي يريدها الشعب السوري، ولا سوريا التي تريدها الدول العربية الداعمة للثورة، ولا سوريا التي تريدها تركيا مؤمنة لحدودها وصديقة لها، وإنما إيجاد سوريا المنقطعة عن محيطها العربي، والمهددة للدولة التركية، لتحجيم طموحات الدول العربية الخليجية، والدولة التركية، في بناء ذاتها إلا بالشروط الأمريكية والاسرائيلية.

لقد قدمت امريكا كافة المعدات العسكرية الثقيلة والمتطورة لقوات حماية الشعب الكردية، ومكنتها من عمليات تطهير عرقي ضد السكان الأصليين من العرب والتركمان، بل السيطرة على مصادر المياه في شمال سوريا، لأنها تريد أن تمكن هذه الميليشيات من تحقيق المشروع الأمريكي بتقسيم سوريا، ولو كان ذلك على حساب الشعب السوري الذي منعت عنه التسليح النوعي، ولو كان ذلك على حساب الأمن القومي العربي والتركي معاً، فقد تمكن تنظيم «ب ي د/ بي كا كا»، من السيطرة على ثلاثة أكبر سدود ونحو 23 في المئة من الأراضي السورية، من خلال الدعم العسكري المقدم له من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبلغت مساحة المناطق المحتلة من قبل مسلحي التنظيم ما يقرب من 39 ألفا و500 كيلومتر مربع، في سوريا التي تبلغ مساحتها حوالي 185 ألف كيلو متر مربع.

وسيطر التنظيم من خلال الدعم الأمريكي على ثلاثة أكبر سدود في البلاد، وهي سد الفرات وسد البعث (غرب الرقة)، وسد تشرين (شرق حلب)، تلك السدود توفر نحو 70 في المئة من احتياجات البلاد من الكهرباء ومياه الري، واستنادًا إلى بيانات البنك الدولي ووزارة الري التابعة للنظام السوري، فإن تنظيم «ب ي د/ بي كا كا» لم يستخدم دعم الولايات المتحدة للاستيلاء على المناطق التي تضم السدود وحسب، بل على المناطق الحساسة من ناحية الإمداد الزراعي، ويتم ري الأراضي الزراعية الواسعة الممتدة من شرق حلب (شمالي سوريا) إلى الشرق، حيث الحدود العراقية بالمياه المخزنة في السدود الثلاثة سابقة الذكر، وتبلغ مساحة تلك الأراضي الزراعية التي تقع في منطقة الجزيرة السورية، نحو 30 ألف كيلومتر مربع، يسيطر التنظيم على 80 في المئة من مساحتها.

وقد ذكرت بعض المصادر الاعلامية إن الاستخبارات الأمريكية تنتهج سياسات قذرة لإثارة النزاعات والاشتباكات، بين مجموعات الجيش السوري الحر، في المناطق التي حررتها عملية «درع الفرات» شمال سوريا، بهدف إفساد جهود القوات المسلحة التركية هناك، واعتبرت المصادر أن الهدف من تلك السياسات هو إفساد التعاون القائم بين القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر، وبالتالي فتح الطريق أمام ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) للسيطرة على المنطقة، وبحسب المصادر نفسها أن البنتاغون وبالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية يقوم بالتحريض على استمرار تلك الاشتباكات في الشمال، لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وإفساد كلّ جهود القوات المسلحة التركية التي فقدت أكثر من 71 شهيدًا من أجل تحريرها، كما يهدف إلى إثارة إزعاج القوّات التركية لتضطر للانسحاب، وتستولي ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي على المنطقة من بعدها».

وفي الوقت نفسه قال تقرير لوكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول» صدر في يونيو الجاري: «إن تنظيم «بي كا كا» شنّ سلسلة هجمات ضد هيئات ومراكز ثقافية وأملاك تركية، في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، خلال العام الماضي، وتناول تقرير «حالة الإرهاب في أوروبا 2017»، الحوادث الإرهابية التي شهدتها دول الاتحاد الأوروبي خلال 2016. وذكر التقرير أن خمس هجمات بقنابل يدوية، استهدفت مباني تابعة للحكومة والجمعيات التركية في فرنسا، كما سُجلت عدة هجمات ضد أهداف مشابهة في بلجيكا، بينها إشعال حرائق وهجمات بمواد متفجرة. كما شهدت ألمانيا عدة حوادث، وقع معظمها خلال مظاهرات معارضة ومؤيدة لـ»بي كا كا»، حيث تم تخريب ممتلكات تركية باستخدام مواد حارقة، وتسببت إحدى الهجمات بخسائر قيمتها مليونا يورو على الأقل، بينما لا يزال التنظيم يواصل نشاطاته في اوروبا من خلال جمع التبرعات والدعاية واجتذاب أعضاء للمنظمة، في كل من بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، ورومانيا، وسويسرا، وقدر التقرير ما جمعه التنظيم في فرنسا وحدها، عام 2016، بحوالي 5.3 مليون يورو.

وقد افتعلت أمريكا أزمة سياسية ودبلوماسية مع تركيا بإصدارها لقرار قضائي بتوقيف عدد من أفراد حماية الرئيس رجب طيب أردوغان على خلفية أحداث وقعت أثناء زيارة الرئيس التركي لأمريكا مؤخرا، فقامت الخارجية التركية باستدعاء السفير الأمريكي لدى أنقرة، جون باس، احتجاجا على القرار القضائي الصادر في الولايات المتحدة، بتوقيفهم، وقالت الخارجية في بيان لها يوم  15 يونيو الجاري: «إن قرار السلطات الأمريكية خاطئ ومنحاز، ويفتقد للسند القانوني»، وأوضحت: «أن المناوشات التي وقعت أمام السفارة التركية في واشنطن، خلال الزيارة الأخيرة لأردوغان للولايات المتحدة، ناجمة عن عدم اتخاذ السلطات الأمنية المحلية التدابير اللازمة والمعتادة، لدى حدوث زيارات رفيعة بهذا المستوى»، وأشارت الخارجية إلى إبلاغ السفير بأنه لا يمكن تحميل المواطنين الأتراك مسؤولية ما حدث أمام السفارة، في ظل التقصير الأمني من الجانب الأمريكي، لأن السلطات الأمريكية تغاضت عن اقتراب محتجين تابعين لحزب العمال الكردستاني من السفارة التركية، وهم يحملون رايات ورموز منظمة إرهابية، وعدم القيام بأي إجراءات بحق رجال الأمن الأمريكيين، الذين اعتدوا على أفراد حماية وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمام السفارة في تلك الزيارة، فأنصار «بي كا كا» هاجموا المواطنين الأتراك، فيما لم تتخذ الشرطة الأمريكية إجراءات كافية لمنع وقوع مصادمات بين الطرفين، ثم تابعت الإدارة الأمريكية افتعال مشكلة مع الحكومة التركية بإصدارها قرارا بتوقيف 12 من أفراد حماية الرئيس أردوغان، وهذا يدخل في الإجراءات التي تفتعلها أمريكا للاساءة إلى العلاقة مع تركيا، واستثماره بفرض التقسيم في سوريا مع الأحزاب الارهابية، وفق الخطة الأمريكية، ما يفرض على الدول العربية والخليجية وتركيا، بل والدول غير المعنية بالخضوع للمشاريع الأمريكية بوقف مشاكلها البينية، والعمل معا لحل مشاكلها بنفسها ودون وساطات خارجية، فالوساطات الخارجية وبالأخص الأمريكية منها، لا تخرج عن دائرة الاستثمار في هذه المشاكل لتحقيق مصالح أمريكا منها، وليس حل المشاكل إطلاقا، سواء كانت المشاكل سورية او خليجية او روسية أو أوروبية أو تركية.

اقرأ المزيد
١٩ يونيو ٢٠١٧
كل المتحاربين على الحدود السورية – العراقية ماذا بعد؟

المشهد بات واضحاً: كل المتحاربين في سوريا والعراق اضحوا متواجدين على طول الحدود بين البلدين، وفي مناطق أخرى متفرقة، فماذا يمكن أن يحدث في الأيام والاسابيع والأشهر المقبلة؟

الولايات المتحدة متواجدة هناك براً وجواً. في البرّ لها قاعدة عسكرية قرب بلدة التنف السورية الواقعة على مسافة 18 كيلومتراً من الحدود الأردنية، وقد نقلت أخيراً إلى داخل سوريا منظومتين لراجمات الصواريخ من طراز «هيمارس» من مستودع أسلحتها الثقيلة في الأردن. في الجوّ لها طائراتها وصواريخها العاملة تحت مظلة «التحالف الدولي» والمنطلقة من حاملات طائراتها في البحر المتوسط ومن قاعدتها الجوية «انجرليك» في تركيا.

إلى ذلك، لامريكا قوات من مشاة البحرية داعمة لقوات «قسد» الكردية الناشطة في محافظة الرقة السورية، كما لها قوات برية في محافظة نينوى (الموصل) العراقية تضمّ ضباطاً بصفة «مستشارين» لمساندة الجيش العراقي.

روسيا متواجدة في سوريا براً وجواً وبحراً ايضاً. في البر لها قاعدتان في حميميم وطرطوس تضمان قوات برية وطائرات حربية، كما لها كتائب عسكرية برية تدعم الجيش السوري في أنحاء متفرقة من البلاد. وفي البحر لها سفن حربية حاملة للطائرات المروحية وقاذفات الصواريخ، بالإضافة إلى قواعدها في البر الروسي القادرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى تقع سوريا في نطاقها العملاني.

تركيا متواجدة في مواقع عدّة شمالي سوريا، ولاسيما في جرابلس والباب وقرب منبج وعلى الحدود مع محافظة ادلب السورية، وهي لا تتوانى عن استخدام طائراتها الحربية المنطلقة من قواعدها الجوية في الداخل التركي.

إيران متواجدة عسكرياً في العراق وسوريا، من خلال مجموعات من الضباط المستشارين الذين يساندون جيشيّ البلدين في معظم المواقع، التي تشهد معارك واشتباكات مع تنظيم «داعش». غير أن تطوراً لافتاً حدث قبل ايام، بحسب صحيفة «ازفستيا» الروسية، هو «أن تدفق الأسلحة الايرانية إلى القوات النظامية السورية بات سلساً، بعد وصول القوات النظامية إلى الحدود العراقية، عبر شق ممر لنقل الاسلحة عبر العراق في موقع يبعد 20 كيلومتراً من معبر التنف». كما نسبت وسائل إعلامية موالية للغرب إلى مواقع الكترونية ايرانية نشرَ صورٍ لجنود من «لواء فاطميون» الافغاني، ومعهم قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني، قالت إنهم يحتشدون في منطقةٍ على الحدود العراقية – السورية.

كل المتحاربين، اذن، متواجدون وناشطون مباشرةً بقواتهم، أو مداورةً بتنظيماتٍ تقاتل بالوكالة عنهم، فماذا يمكن أن يحدث في الايام والاسابيع والأشهر المقبلة؟

دونالد ترامب وعد بالإعلان عن استراتيجية لامريكا خلال الاسابيع الستة المقبلة، لكن مؤشراتها ظهرت سريعاً بتحريك جيشه لمنظومة من راجمات الصواريخ «هيرماس» إلى داخل سوريا، يقول ضباطٌ روس أن مداها لا يصل إلى ميادين القتال في الرقة، وبالتالي فهي غير قادرة على دعم قوات «قسد» الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وبالتالي لا يبقى لها من دور عملاني مفترض إلاّ ضرب القوات السورية الزاحفة لتحرير محافظة دير الزور من سيطرة «داعش» او المتجهة إلى استعادة منطقة التنف.

ضباط أركان روس حذروا الولايات المتحدة من مغبة الانزلاق إلى قصف القوات النظامية السورية العاملة على مدى البادية السورية كلها، من جنوب الرقة شمالاً إلى منطقة التنف جنوباً. التحذير الروسي تزامن، ربما بشكل مقصود، مع كشف صحيفة «ازفستيا» واقعة تدفق الأسلحة الإيرانية عبر ممر على الحدود العراقية – السورية، يبعد 20 كيلومتراً من معبر التنف. كل ذلك في وقت يبدو قاطعاً تصميم الجيشين السوري والعراقي على إحكام سيطرتهما على الحدود بين البلدين من الشمال إلى الجنوب.

هذه التطورات المتسارعة تطرح سؤالاً ملحاحاً: ما جدوى بقاء الامريكيين في منطقة معبر التنف الحدودي، ما دام الجيشان السوري والعراقي آمّنا معبراً سالكاً إلى الشمال منه، يمكّن ايران من نقل أسلحتها إلى الجيش السوري والى التنظيمات المساندة له؟

لا يغيب عن اذهان المراقبين أن ادارة باراك اوباما كانت وعدت «اسرائيل» بدعم التنظيمات الإرهابية المقاتلة في سوريا، بما يؤدي إلى تقسيمها أو، أقلّه، إلى تقاسم السيطرة والنفوذ فيها على نحوٍ يُضعفها، فلا يعود في وسعها كدولة سيدة أن تبقى متحالفة مع ايران، او قادرة على إمرار الاسلحة منها إلى تنظيمات المقاومة اللبنانية (حزب الله) والفلسطينية (حماس) وبالتالي عاجزة عن احتضان قواعد صاروخية ايرانية مُهدِّدة للكيان الصهيوني.

لا غلوّ في القول إن المخطط الامريكي، آنف الذكر، بات غير قابل للتحقيق بعد تقدّم الجيشين السوري والعراقي في عملية السيطرة على حدود البلدين، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن إدارة ترامب قد اسقطت المخطط المذكور من حسابها، إذ من الممكن، خلال قيامها بوضع استراتيجية جديدة للشرق الاوسط، أن تعيد إحياء المخطط القديم الرامي إلى تقسيم سوريا، ذلك يتم باعتماد سياسة حكومة نتنياهو التي تدعو إلى وقف محاربة «داعش» والتعاون معه بغية محاربة الجيش السوري وحلفائه للحؤول دون ترسيخ نفوذ ايران في سوريا.
غير أن امراً لافتاً حدث اخيراً هو قيام الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بالدعوة إلى بحث الحالة في الجولان، ضمن «العملية السياسية» الجارية في سوريا، بالتزامن مع «تأهب» القوة الدولية «اندوف» المنتشرة هناك «لزيادة متوقّعَة في علمياتها» في المرحلة المقبلة، واستعدادها لنشر كتيبة مشاة آلية خلال اسابيع قليلة في الجزء الشمالي من منطقة الفصل.

هل تحرّك غوتيريش بإيعاز من واشنطن، ما يشي بتعذّر تنفيذ مخططها آنف الذكر، أم بتشجيعٍ من دول الاتحاد الاوروبي التي لا تشاطر الولايات المتحدة سياستها العدوانية في سوريا والعراق؟

ثمة صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال قبل اتضاح توجهات القوى المتحاربةً المحتشدة على طول الحدود السورية – العراقية.

اقرأ المزيد
١٩ يونيو ٢٠١٧
إيران.. رأس حربة الإرهاب العالمي

لقد جاء في مضامين خطاب الرئيس الأمريكي الجديد (دونالد ترامب) بقمة الرياض يوم الأحد 21 مايو 2017م وبحضور أكثر من 55 رئيس دولة إسلامية وعربية بأن كل مشاكل المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية تتمثل في قضية واحدة وهي الإرهاب، وفي دولة واحدة هي إيران!!.

لقد توقف الرئيس الأمريكي في خطابه عند القادة الدينيين ومسؤوليتهم في مواجهة الفكر الإرهابي المتطرف، أو كما يطلق عليه بعض السياسيين (التطرف العنيف)، فالجميع يعلم بأن القادة الدينيين أو المعنيين بالشأن الديني عليهم مسؤولية الكشف عن خطورة تلك الأعمال، فتبرير الأعمال الإرهابية والبحث لها عن مسوغات، أو السكوت عنها هي التي دفعت بدول المنطقة إلى هذه المرحلة من الصراع، وقد قال الرئيس الأمريكي في كلمته (إن تبجيل الشر لن يجلب لك أي كرامة، إذا اخترت مسار الإرهاب)، وهذا ما عانت منه بعض الدول حين سمحت للجماعات الإرهابية من إغلاق الشوارع والطرقات، وحرق الأخشاب والإطارات، وتفجير أنبوبة الغاز، وإلقاء القنابل الحارقة وغيرها من الأعمال الإرهابية!.

من المؤسف أن بعض المعنيين بالشأن الديني يلوذون بالصمت وهم يرون الشباب والناشئة يعبثون بأمن واستقرار مجتمعاتهم، ولربما الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية منذ عام 2011م وحتى يومنا هذا لأكبر دليل بأن هناك مخططًا لتغيير هوية أبناء المنطقة، لذا المسؤولية على القادة الدينيين مثل العلماء والخطباء والدعاة والأئمة وغيرهم ممن له علاقة بالخطاب الديني بأن يتصدوا في منابرهم ومحاريبهم لتلك الدعوات التدميرية.

وهناك كذلك القادة السياسيون كما أشار الرئيس الأمريكي (ترامب)، وتقع عليهم مسؤولية تعزيز الأمن والاستقرار في وطنهم، وتحذير الشباب والناشئة من خطورة مرحلة الصراع والصدام بالمجتمع والتي كادت أن تشعل نار الفتنة الطائفية، لذا عليهم (القادة السياسيين) تأكيد أن (الأبطال لا يقتلون الأبرياء، بل يحمونهم) كما أشار الرئيس الأمريكي، وهي رسالة واضحة إلى لتعزيز مجتمعاتهم وحمايتها من السموم والأدواء والأفكار الهدامة.

وعلى المستوى المحلي فإن المسؤولية تحتم على جميع القوى السياسية والدينية العمل على تعزيز الأمن والاستقرار، ومواجهة الجماعات الإرهابية التي تحاول فرض سطوتها على الشارع البحريني من خلال الخروج على القانون والنظام، فإن السكوت عنها والتغاضي عن أفعالها الإجرامية سيفتح المجال لقوى أخرى إرهابية أن تتشكل، لذا أشار الرئيس الأمريكي في كلمته إلى الجهود الكبيرة التي تقوم بها حكومة البحرين لتقويض التجنيد والتطرف.

العمل الجماعي في مواجهة الجماعات الإرهابية أصبح اليوم ضرورة حتمية، فعلى كل الفعاليات مراقبة أتباعها وتقديم النصح لها قبل أن يصبحوا أداة طيعة في أيدي الجماعات الإرهابية وأبرزها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحزب الله اللبناني، فهذان التنظيمان هما الأخطر اليوم في الساحة، فتنظيم داعش لا زال عقبة في مسيرة الحكومة العراقية، وحزب الله اللبناني لا زال واقفًا حجر عثرة في طريق الحكومة اللبنانية، بل إن التنظيم والحزب يتدخلان في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي من خلال زرع الخلايا النائمة ودعمها بالقنابل والمتفجرات والأسلحة.

المتابع والمراقب للتنظيم والحزب يرى بأن كليهما له علاقة جينية بالنظام الإيراني الذي يسعى لإشاعة الفوضى في الدول العربية (من لبنان إلى العراق إلى اليمن) كما أشار الرئيس الأمريكي في قمة الرياض، بل وأشار إلى إرهاب النظام الإيراني بالاسم حين قال: (تقوم إيران بتمويل وتسليح وتدريب الإرهابيين والميليشيات والجماعات المتطرفة الأخرى التي تنشر الدمار والفوضى في المنطقة، على مدى عقود، غذت إيران حرائق الصراع الطائفي والإرهاب).

من هنا يجب على الدول المحبة للسلام العمل على قطع رأس الأفعى أولاً، فإيران منذ نشأتها وهي تدعم الإرهاب تحت شعار (تصدير الثورة الإيرانية) فتتدخل في شؤون الدول لتأصيل هذا المنهج التدميري، وقد وصفها الملك سلمان بأنها (رأس حربة الإرهاب العالمي).

اقرأ المزيد
١٩ يونيو ٢٠١٧
في شأن التعايش السوري

في سهرة جمعتني مع مجموعة أصدقاء تشكيليين سوريين، سأل أحدهم: هناك منظمات ثقافية دولية تمول مشاريع ثقافية وفنية، وتستهدف السوريين تحديدا، وتسعى إلى أن تضم، في هذه المعارض والورش، فنانين مختلفي الاتجاهات السياسية المتعلقة بالوضع السوري، بقصد تهيئة الأجواء للتعايش لاحقا، ما أن يتم إيجاد حل سياسي في سورية، فهل من الطبيعي أن يشارك الفنانون المدعوون ممن وقفوا مع الثورة إلى جانب آخرين وقفوا مع النظام أو صمتوا عما يحدث؟
ك
انت الردود على السؤال متنوعة ومتفاوتة في حدّتها. رفض بعضها رفضا قاطعا بحجة أن الآخرين، حتى لو لم يكونوا مصنفين "شبيحة"، إلا أنهم بصمتِهم شاركوا بسفك الدم السوري. قال آخرون: لا مانع من المشاركة، شريطة أن يقدم الفنان المؤيد للثورة عملا أو أعمالا تفضح ما يقوم به النظام وما فعله في سورية خلال هذه المدة. قال بعضهم إنه لا جواب لديه، لأنه لا يستطيع الحكم على نوايا الآخرين، فقد يكون أحدٌ ما صامتا لأسباب عديدة، لكنه في داخله أكثر ثوريةً من كثيرين من أصحاب الصوت العالي. جاء الجواب الأكثر تسامحا من فنان يعيش في سورية، وفقد أفراداً من عائلته تحت التعذيب في سجون الأسد. قال ما معناه: السوريون محكومون بالعيش معا، من لم تتلوث يداه بالدماء من السوريين سيكون شريكا في بناء سورية ذات يوم، لن تكون سورية لفئة واحدة. أضاف: من يعيشون في سورية يرون الأمور بطريقة أخرى.
ل
مّا تم طلب رأيي لم أجد ما أقوله، فكرت كثيرا بالتالي: ماذا لو دعيت إلى مهرجان شعريٍّ فيه شعراء سوريون يؤيدون نظام الأسد؟ هل سأوافق على المشاركة؟ لم يحصل هذا، لم أدع إلى أي مهرجان ثقافي فيه مؤيدون للأسد، لا سوريون ولا عرب. ولكن، ماذا لو حدث فعلا ودعيت؟ يقينا ثمة ثوابت لديّ لا أتنازل عنها، هناك من الشعراء والمثقفين السوريين من تباهى وتفاخر بتسليم الشباب المتظاهرين إلى الأمن. هناك من طالب بقصف حواضن الثورة بالكيميائي من دون تردد. هناك من أعلن اصطفافه الطائفي من دون مواربة. هؤلاء شعراء ومثقفون سوريون معروفون، منهم من تجنّد لتشويه سمعتي وسمعة آخرين وقفوا مع الثورة في السنة الأولى، من دون أن يخجل من فعلته. قد تتم دعوة بعض هؤلاء إلى مهرجانات عربية ودولية، أو إلى ورش ثقافية تستهدف السوريين للسبب السابق نفسه.

بالنسبة لي، هؤلاء ملوثون بالدم، مثل أي حامل للسلاح، وحتما لن أقبل بالمشاركة، وليذهب التعايش إلى الجحيم.

ولكن، هناك أيضا من هو صامت، لم يتكلم أبدا ست سنوات. يمكنني تفهم حال الذين قرّروا البقاء في سورية، وتفهم صمتهم، ولا مشكلة لديّ في التواصل معهم في أي مجال. ماذا بشأن من يعيشون خارج سورية منذ زمن طويل. لم تعن الثورة لهؤلاء شيئا، ولم يعن لهم مئات آلاف الضحايا، من الطرفين، شيئا. ظلوا حياديين ذلك الحياد القاتل، ما هو موقفي من هؤلاء؟ لا جواب لدي. وليس الأمر محسوما عندي، وخصوصا أن سؤالاً آخر يمكنني طرحه: ماذا بشأن المثقفين (الثوريين) الذين غرقوا في الطائفية المقابلة، وخوّنوا كل من طالب بعدم التطييف وأسلمة الثورة، ومنهم من سعى إلى تشويه سمعة من ساند الثورة من (الأقليات)، وحرّض عليه وخوّنه، صراحة وعلنا، ومنهم من شكّلوا محاكم تفتيش، منصّبين من أنفسهم حرّاسا على الثورة، ومنهم أيضا من طالب بقصف القرى والمدن التي تشكل حواضن للأسد وقتلها، بطريقة الآخرين نفسها. هؤلاء أيضا شعراء ومثقفون ملوثون بالدم، مثل حملة السلاح، هل المشاركة معهم في مهرجاناتٍ أو ورش ثقافية مشاركة أخلاقية، لمجرد أنهم في خندق الثورة؟ بالنسبة لي أيضا هنا، ليذهب التعايش إلى الجحيم.

مناسبة هذا الكلام مسلسل "أوركيديا" الذي يقولون إنه خير مثالٍ على التعايش السوري المطلوب، لأنه جمع في أثناء تصويره ممثلين من شرائح متناقضة جدا من سوريي السنوات الست الماضية.

اقرأ المزيد
١٩ يونيو ٢٠١٧
الضوضاء تتصاعد في شرق سوريا و التحضيرات لمواجهة دولية قد اكتملت

يبدو أن الضوضاء سوريا ، تحولت لصوت قذائف من النوع العابر للقارات بين الدولتين العظمتين (روسيا - أمريكا) ، في مواجهة قد تكون الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفيتي ، و يبدو أن الطرفان قد أتما الاستعدادات بانتظار شارة البدأ التي يبدو أنها قد اعلنت مع وقف التعاون بين السربين الحربين (الأمريكي - الروسي)  في السماء السورية ، بالتالي أن باب الأخطاء قد فتح على مصراعيه.

من الطبيعي أن لا تتواجه روسيا و أمريكا بشكل مباشر ووجهاً لوجه ، في هذه الكرة الأرضية الصغيرة حجماً أمام هول ما يملكون من تدمير ، و لكن الأذرع التابعة لكل طرف ستكون الأدوات الظاهرية لحرب قد تكون أشد ضراوة من كل ما شهدته سوريا (وهو الجزء الذي يهمنا) ، سيما مع قطع الشعرة الأخيرة التي كانت تربط الطرفين (غرفة التنسيق المشتركة في سماء سوريا).


يبدو أن التقدم المضطرد لقوات الأسد و المليشيات الشيعية المدعومة من ايران من الشمال الشرقي (ريف حلب) و الغربي (ريف حمص الشرقي) و الجنوب الشرقي (ريف السويداء)، يمثل الانطلاق نحو محاصرة أمريكا قبل أن تصل إلى أعلى الشجرة لتقطف ثمارها في سوريا (الرقة “نصر معنوي” - ديرالزور “النصر الاقتصادي” ) ، و يبدو أن الثمار قد حان وقت سرقتها من الحليفين الحاليين “روسيا - ايران” .


لا يمكن زج قصف  طائرات الأسد لمواقع قوات سوريا الديمقراطية في ريف الرقة ضمن اطار السعي لمحاربة “الارهاب” ، وكذلك استهداف دير الزور بالأمس بالصواريخ البالستية الايرانية ، على أنه “هبل” ايراني وغايته الانتقام لما حدث في “طهران” ، و إنما هو النقطة المسارية الجديدة على دخول لاعب قوي إلى جانب روسيا ، وهو اعلان دخول رسمي كامل من ايران في سوريا ، بعد سنوات من الاكتفاء بالحديث عن “مستشارين - متطوعين” فقط لا غير ، وطبعا الحديث على الاعلام .

الضوضاء في المنطقة الشرقية تتصاعد بشكل متوتر و متصاعد ، ولا يخفى على أحد أن حجم الدخان المتصاعد من هناك يشي بأن المواجهة في رمال البادية السورية ستكون متعبة للطرفين ، و بطبيعة الحال لا حساب للأدوات هنا ، فالجميع يحشد ، حيث بات آلاف المقاتلين من الحشد الشيعي العراقي على الحدود بانتظار الاذن الايراني للاجتياح ، فيما تواصل “قسد” حشد كل من يتمكن من حمل السلاح .


بالتزامن مع حمولات الأسلحة والذخائر التي تتجه شمالاً و جنوباً ، لمواجهة الجنون القادم .

اقرأ المزيد
١٨ يونيو ٢٠١٧
نصير “السفاحين” في مواجهة الموت .. هل نترحم على “مصطفى طلاس” أم …. !؟

الضاحك البذيئ … أو  مغرم النساء أم أب للناجحين .. تختلف التسميات التي تلحق بصاحب قائمة كبيرة من الألقاب تتجاوز عدد النياشين التي يعلقها على صدره ، والتي تعتبر بدورها أكبر لوحة فسيفساء يمكن لجسد بشري أن يحملها معه و يتنقل بها.


العماد أول مصفى طلاس ، وزير الدفاع الأطول اقامة في ذلك المنصب ، يقع اليوم بين فكي الموت ، الذي فيما يبدو أنه قد نال منه ، ليكون ذلك الضابط من جديد مثار جدال بين السوريين بين مترحم عليه تحت بند “لا يجوز على الميت إلا الرحمة” و تلك القائلة أن “لا شماتة في الموت” ، و بين لاعن كل شيء ارتبط بهذا الاسم ابتداء من الجسد و الروح وصولاً إلى الفروع و كل من ارتبط بهم.

يحار المرئ الحقيقة بين الطرفين ، فهل يقف مع “المترحمين” ووضع ما حدث في دائرة “إن ما حصل في مدينة حماة قد حصل وانتهى” ، وهي جملة حافظ الأسد بعد أن ارتكب المجزرة الأكبر في حماة ١٩٨٢ ، أم تكون مسانداً لـ “اللاعنين” لسفاح شارك في التأسيس لحكم السفاح الأكبر و كرر ذات المشهد مع السفاح الابن .


الحقيقة الدخول في الحيرة يستتبع الحديث عن تاريخ “طلاس” حتى يتم ايضاح الصورة ، فيقول ذاته “أي طلاس” وعشاقه أن يملك قائمة طويلة جداً من الشهادات و الدرجات العلمية من الماجستير وصولاً إلى البرفسور ، و بطبيعة الحال ما من شهادة في العلوم العسكرية إلا و له اسم فيها سواء من حيث “انشائها” أم اعتلاء هرمها ، و لكن مع تنويه سريع أنه بالمرتبة الثانية بعد حافظ الأسد صاحب المركز “الأول” في كل شيء.

لعب طلاس الدور الأكثر نجاعة في تنفيذ الأوامر ، دون أي مانع أو حتى معرفة ماذا يفعل ، يقول في احدى مقابلاته أن وقع آلاف أحكام الاعدام الميدانية بحق السوريين بعد مجازر حماه ، وكان له الدور الأبرز في حماية السفاح حافظ الأسد سواء عندما تولى الحكم أم عندما تهدد من أخيه آم بعد وفاته بأن قاد الأمور بيسر و سهولة لتصل إلى ابنه بشار ، بعدها قرر الاستراحة من عناء المناصب و التفرغ التام لمعشوقه “الفن” و إن تمتعنا بشيء من التحديد بما لايدع مجال للشك فالحقيقة هن “الفنانات”.

ألف كتب كثيرة منها “مرآة حياتي” التي يتمنى بعض من “لعنه” ، أن يكون في يمينه ويقدمها للحساب بعد ولوجه إلى القبر وحيداً.

“طلاس” الأب تمكن من تمييز أبناءه بين ملايين السوريين ، ووزعهم حسب رغباتهم فأحدهما تفوق في الاقتصاد  و احتكر بعض الأصناف (كقسمة عدل مع بقية الشركاء) ، الآخر اعتلى سريعاً المراتب برفقة صديقه “ماهر” ، و الاثنين انحازا عن السلطة انشقاقاً ، وتبرءوا من الجميع إلا من والدهم اذ بنظرهم هو “عضو “ في نظام سفاح و ليس فاعل (رغم أن حجم المراتب و الجرائم التي يحمل تتجاوز أصابع سكان بضع قرى سورية).

لا ضير من سرد سريع علنا جميعاً ندخل في متاهة .. هل نترحم على مصطفى طلاس أم ….!؟

اقرأ المزيد
١٨ يونيو ٢٠١٧
أم المعارك من التنف إلى دير الزور

يوم الأربعاء الماضي كانت «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تتقدم على ثلاثة محاور عند أسوار الرقة القديمة، التي اختارها تنظيم داعش عاصمة لدولته المزعومة، ما يعني ميدانياً أن المعارك ستشتد الآن في وسط الرقة، بعد إكمال السيطرة على حي الصناعة في المحور الشرقي، والتقدم نحو حي حطين في المحور الغربي، والإطباق على مصنع السكر وقاعدة «الفرقة 17» العسكرية في المحور الشمالي.

يأتي ذلك بعدما كان النظام السوري قد أعلن نهاية الأسبوع الماضي أنه حقق، بالتعاون مع حلفائه الإيرانيين، تقدماً في الريف الغربي للرقة التي اخترق حدودها الإدارية، وسيطر على قريتي خربة محسن وخربة السبع، لكن ذلك لا يعني ميدانياً حتى الآن على الأقل أن قوات «سوريا الديمقراطية» باتت على أبواب مواجهة مزدوجة مع «داعش» داخل الرقة، ومع قوات النظام المتقدمة من الغرب.

من الرقة إلى دير الزور تمتد ساحة «أم المعارك» التي لن تقرر في نتيجتها مصير النظام وشكل سوريا الجديدة «المفدرلة» على ما سبق أن اقترح فلاديمير بوتين، بعد أشهر من بداية تدخله العسكري في سوريا أو «دولة الساحل» أو «سوريا المفيدة» التي قد تعني في النهاية الذهاب إلى التقسيم، بل إنها ستقرر عملياً مستقبل التوازنات الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي.

قبل الحديث عن حدود المواجهة الأميركية الإيرانية الروسية على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية وحساباتها المستقبلية، يتعين فعلاً وضع علامات استفهام نافرة على ما أشارت إليه يوم الاثنين الماضي القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية عبر «فيسبوك»، عن أن هناك محادثات سرية ناشطة بين الأميركيين والروس تجري في الأردن، هذا في حين تواكب واشنطن «قوات سوريا الديمقراطية» بالدعم الميداني والغطاء الجوي، وتواكب المدفعية الروسية تقدم قوات النظام وحلفائه من درعا إلى غرب الرقة.

صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلت عن مسؤولين أميركيين بداية الأسبوع أن إدارة الرئيس دونالد ترمب منهمكة في محادثات سرية مع الروس في الأردن هدفها العمل على إقامة منطقة لتخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا، وفي السياق تفيد تقارير دبلوماسية بأن هذه المحادثات بدأت في أبريل (نيسان) الماضي مباشرة بعد زيارة ريكس تيلرسون إلى موسكو، وأن ضباطاً أردنيين يشاركون فيها.

لكن في حين رفضت الخارجية الأميركية إعطاء أي تفاصيل عن هذه المحادثات، قالت موسكو إن الهدف هو تحديد نقاط أساسية للمرحلة المقبلة في سوريا، والبحث في إمكان توحيد الجهود المشتركة في محاربة الإرهاب المتمثل في «داعش» و«فتح الشام»، أي «جبهة النصرة» سابقاً.

وعندما تعلن موسكو عن أنه تم تحديد عدة مواقع قد تشارك أميركا وروسيا في شنّ غارات عليها لضرب مواقع الإرهابيين، ومنها الغوطة الشرقية ودرعا وريف حماة الشمالي وإدلب وبعض النقاط في ريف اللاذقية، فإن ذلك يطرح أسئلة عميقة حول معنى ومبررات اتصال سيرغي لافروف نهاية الأسبوع الماضي بندِّه ريكس تيلرسون ليعرب عن معارضة موسكو الشديدة لشن القوات الأميركية هجمات على القوات السورية!

تتسع حلقة التناقض عندما نتذكر أن الغارة الأميركية التي استهدفت رتلاً لقوات النظام وحلفائه، كان يتقدم في اتجاه معبر التنف الاستراتيجي على الحدود السورية العراقية، حدثت عندما كانت الاتصالات قائمة في عمان بين المبعوث الرئاسي الأميركي إلى التحالف الدولي بريت ماكغورك، والمبعوث إلى سوريا مايكل رتني من جهة، والمندوبين الروس، بما يعني أن موسكو كانت على علم بهذه الغارة التي تستنكرها!

يوم الثلاثاء الماضي أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن عمليات القصف التي وقعت في الأسابيع القليلة الماضية ضد ميليشيات تدعم النظام السوري «كانت دفاعاً عن النفس»، وأن الولايات المتحدة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية قواتها في سوريا، ويأتي ذلك في سياق مبارزة في رسم خطوط حمر متبادلة بين واشنطن من جهة والنظام السوري وإيران من جهة ثانية، على خلفية سباق ميداني محموم للسيطرة على الحدود السورية العراقية، التي تشكّل معابر استراتيجية للإيرانيين.

الغارة الأميركية على الرتل العسكري للنظام، كانت تأكيداً عملياً على ما أعلنه التحالف الدولي من أن تقدم قوات النظام نحو الحدود العراقية يعتبر خطاً أحمر، وأن من غير المسموح الاقتراب من مواقع الجنود الأميركيين والبريطانيين، الذين يقومون بتدريب فصائل «الجيش السوري الحر» الذي سيملأ الفراغ بعد طرد «داعش» من البادية السورية على الحدود مع العراق والأردن من منطقة التنف إلى دير الزور.

وعندما يرد النظام السوري على التحذير الأميركي بتحذير مماثل، وأنه قد يتصدى لأي قصف أميركي بضرب مواقع أميركية، فإن ذلك يعني أن منطقة البادية السورية والمسافة الممتدة من التنف إلى دير الزور تتحول إلى ساحة لصراع كبير لا تستطيع إدارة دونالد ترمب أن تتهاون فيه، ولا يستطيع النظام الإيراني أن يخسره، لكن سيكون طبعاً في استطاعة فلاديمير بوتين أن يستمتع كثيراً بهذا الصراع وبنتائجه المحتملة، ذلك أن المواجهة من التنف إلى الزور ستقرر مصير كثيرين على المستويين السياسي والاستراتيجي، ففي ظل موقف الرئيس الأميركي الذي ركّز ويركّز بشكل خاص على السعي لضبط إيران وإنهاء العربدة الإيرانية في الإقليم، ليس في وسع واشنطن أن تترك خطوط الإيرانيين مترابطة ومفتوحة لعبور السلاح والمسلحين من العراق إلى سوريا إلى لبنان، في شوقت تقول فيه إيران إنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية. إن خسارة أميركا المواجهة هناك ستعني خسارته نقطة حيوية مهمة جداً حول سياسته الخارجية.

وفي المقابل إذا خسر النظام الإيراني ما درج على تسميته «الهلال الشيعي» الذي يرتسم عبر هذه المعابر، والذي عمل على إقامته وترسيخه منذ ثلاثة عقود، فإنه سيتراجع وسيعود إلى حجمه الفارسي، وستسقط تباعاً مساحات النفوذ الإقليمي التي كسبها بإثارة المشكلات وبالتدخل السلبي في شؤون الدول الأخرى، التي يسعى إلى توسيعها عبر دعم الانقلابيين في اليمن ومحاولة الدخول الآن على خط الأزمة الخليجية مع قطر!

أمام خريطة الصراع الأميركي الإيراني على الحدود السورية العراقية، يجلس فلاديمير بوتين مرتاحاً إلى أن النتائج ستكون لمصلحته في الحالين، فإذا خسر ترمب رهانه على ضبط إيران، فسيتذكر الإيرانيون دائماً أنهم من دون روسيا كانوا سيواجهون خسارة محققة في سوريا، وإذا خسر النظام الإيراني فإنه سيتراجع ليكون لموسكو حصرية النفوذ في سوريا، خصوصاً أن خسارة الإيرانيين ستأتي على أيدي الأميركيين، ما يجعل طهران على ارتباط أعمق مع موسكو.

السؤال الأهم: ولكن في النهاية ماذا عن خرائط سوريا التي يعكف الأميركيون والروس على دراستها في الأردن؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب