مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٦ أكتوبر ٢٠١٥
الإعلام الروسي المرافق للعدوان .. نكت أطفال و أغاني جبلية..

يلحظ المتابع للبيانات الروسية المتعلقة بشأن العدوان الروسي على سوريا ، مناحٍ عديدة ، من حيث الكم و النوعية و الآلية التي تقود الماكينة الإعلامية المرافقة للعدوان التي تتشابه مع الآلة العسكرية الروسية الجلفة و الضخمة بفعالية ضعيفة .

مع عشرات البيانات و التصريحات التي تنثر على مدار الساعة في وسائل الإعلام الروسية ، تؤكد لنا أن هذا الضخ يأتي من فراغ تام و من عدم ، و هو عبارة عن مساحات في إعلام مغيب منذ قرون و تحول فجأة لدائرة الضوء ، كراقصة هرمة.

و لكن درجة التغابي في التعامل مع الغارات ، تحول البيانات التي من المفروض أن تكون رصينة أو عسكرية متينة ، إلى عبارة عن "نكتة" و مزحات يداعب بها الأطفال بعضهم البعض ، و تتحول إلى كلمات أغنية جبلية غبية يرقص عليها الموالين للنظام و يعتبرونها دليل تفوق .

بالعودة إلى البيانات و التصريحات المتراشقة من كل مكان و بكل الإتجاهات ، يأتي حديث المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوفعن أنه " لا نستبعد قيام إرهابيي داعش بنسف المساجد في تدمر وغيرها من المدن السورية من أجل فبركة تصويرات مزورة بهدف إتهام روسيا بذلك" ، و هذا تكرار جيد لمجسمات دمشق و ساحة العاصي في حماه ، و كذلك كذبة حمزة الخطيب و القاشوش و الـ300 ألف شهيد ، فكلها فبركات ، ليبقى الأسد و صحبه و الآن روسيا و عبيدها ، هم زارعي الورود و الشعب هو العشب الضار .

و يمضي الإعلام الروسي "المتخلف" و الراكضين معه من النظام التبعي ، لينقل تصريح مدير عام الآثار في نظام الأسد الذي طالب بتنفيذ ضربات جوية روسية على مدينة تدمر للقضاء على تنظيم الدولة لإنقاذ ما تبقى من آثار ذات قيمة حضارية كبيرة ، و كيف يحمي الأثار بالقصف بالطيران ، و كيف لم يطلب هذا الأمر من نظامه ، و كيف سبق و أن هاجم التحالف الدولي عندما قصف تدمر ، و لماذا غاب هو والعالم بأسره عندما تعرض 40% من تدمر للتدمير .

الحرب الإعلامية التي تترافق مع العدوان العسكري على سوريا ، هي دليل إضافية على أن هذه الحرب ماهي إلا عبارة عن كلمات و بعثرة نشاط ، ومحاولة يائسة لإعادة أمجاد دب تحول إلى تمثال شمع .

اقرأ المزيد
٦ أكتوبر ٢٠١٥
يا حكام الخليج : ادعموا الثورة قبل أن تندموا

رسالة موجّهة إلى حكام الخليج، أعني منهم من دَعم أهل السنة في اليمن، وحرّك أساطيل الجو في عاصفة حزمٍ أفرحتْ قلوب المؤمنين، وأغاظت الخونة والمجرمين.

...

نقول لكم يا من ائتمنكم الله على رقاب المسلمين ودمائهم وأعراضهم، إن الله سائلكم على دماء مسلمي سورية، الذين يبادون منذ خمس سنوات، أمام مرأى ومسمعٍ منكم ومن العالم أجمع، على يد العصابة الأسدية وميليشياتها من المرتزقة، وعلى يد قوات الاحتلال الإيرانية والروسية.

..

فماذا قدّمتم لنصرة هذا الشعب الذي له عليكم حق العروبة والإسلام؟

هل قدّمتم له بعضاً من سلل الإغاثة والطعام والدواء؟ شعبُنا لا يحتاج ذلك لو أنكم ساعدتموه على إنجاح ثورته، الشعب السوري لم يقم بثورته من أجل طعامٍ وشراب، إنما ثار ليتسرد حريته وكرامته السليبة على يد مجرمٍ سفاحٍ مغتصب للسلطة، فلو أنكم وقفتم معه بقوة لنيل حريته، وتحرير بلده، لكان الآن هو من يوزّع سلل الأغذية والمعونة على فقراء العالم من خيرات بلاد الشام.

..

هل قدّمتم له بعض الدعم لتسليح بعض الفصائل؟ ما قيمة هذا التسليح إذا لم يكن بالقدر الكافي لمواجهة ترسانة النظام المجرم الذي أمدّه حلفاؤه من إيران وروسيا وغيرها بأضعاف أضعاف ما قدمتم للفصائل؟ بل ما قيمة هذا الدعم إذا لم يتضمن مضادات للطائرات التي تقصف المدنيين وتدمر المباني فوق ساكنيها، وتزرع الرعب في قلوب أطفال سورية، وتهجّر الملايين من السكان خوفاً من الموت ببراميلها وصواريخها؟

..

هل استقبلتم بعض قادة الفصائل عندكم وزودتموهم ببعض احتياجاتٍ ورواتبَ لعناصرهم؟ فماذا يُغني ذلك إن كان ما قدّمتم لهم من دعم سبباً في ترسيخ فُرقتهم، وزيادة الشرخ بينهم؟ ألم يكن حريّاً بكم أن تقدّموا هذا الدعم مشروطاً بالوحدة؟ أو أن تتفقوا فيما بينكم على دعم جسمٍ موحدٍ لا تدعمون سواه عوضاً عن دعم فصائل متناحرة؟

..

هل قدّمتم لهذا الشعب وعوداً وخطابات وتصريحات متضامنة مع الثورة في المؤتمرات والمحافل الدولية؟ فماذا أغنت هذه التصريحات والوعود والمأساة تتفاقم يوماً بعد يوم، وآمال الكثيرين تتضاءل يوماً بعد آخر، حتى يأس كثير من الشباب من هذه الوعود وراح يضرب في الأرض مشرقاً ومغرّباً لا يهمه أستقبله غرب أم شرق أم بلاد كفر أم بلاد إسلام؟

....

لقد تابع العالم باسره كيف تدخلتم - مشكورين- في بلاد اليمن نصرة لأهل السنة ضد عصابة الحوثيين المدعومة من إيران المجوسية، وأفشلتم مخططاتها في احتلال اليمن وجعلها تحت سلطة الاحتلال الإيراني.

لكن الشعب السوري يسأل:

هل أهلنا في اليمن يختلفون عن أهل الشام؟ لماذا فرّقتم في النصرة بين من جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في البركة حين قال: " اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا"؟

هناك تدخلتم للحفاظ على الشرعية، وهنا لماذا لا تتدخلون لخلع من فقد الشرعية؟ هناك تدخلتم لوجود عدوٍّ خفيٍّ يقود الحرب ضد أهل السنة، وهو إيران المجوسية، فيما هي في الشام عدوٌ ظاهر يصول ويجول ويضرب ويفاوض؟

أليس جنودها وزبانيتها في الشام هم أضعاف أضعاف ما لديها في اليمن؟ ألم تحشد على أهل الشام حزب اللات والحرس الثوري الإيراني وميلشياتها من العراق وأفغانستان وغيرها؟

...

إيران التي هددت أمنكم، وجاهرتكم بالعداء، ها هي فضائحها في البحرين تتكشف بعد ثبوت تورّطها في الهجمات الأخيرة وضلوعها بتجهيز مصانع الذخيرة في البحرين لضرب استقرار هذا البلد.

ها هي تهدد المملكة العربية السعودية على لسان خامنئي الذي طالب بوضع مكة تحت الوصاية.

فإلى متى تنتظرون الرّد عليها في الشام، هل تنتظرون إذناً من دول الغرب التي صالحتها على مصالحكم؟ وأغلقت لها ملفاً يؤرّقكم دون حلٍّ يرضيكم؟

...

والآن ها هو العدوّ الروسيّ يصول بطائراته متحدياً كل الأعراف والمواثيق، ليمارس دوره في قتل أكبر عددٍ من مسلمي سورية، في احتلالٍ واضحٍ لسورية، فيما غضّت الدول الكبرى الطرف عنه، فماذا أنتم فاعلون؟

...

لو كان الروس والإيرانيون يشنون هجوماً على مسيحي سورية لناصرتْهم كل دول الغرب ولقامت الدنيا وما قعدت لأجلهم، أما وأن الهجوم على أهل السنة فمن تنتظرون أن ينصرنا؟ ألا يقع الواجب في ذلك عليكم بالدرجة الأولى؟

...

لقد كنّا وما زلنا وسنظل ننتظر النصر من الله وحده، لكننا نقول لكم يا حكام الخليج:

إنَّ تدخلكم الآن لنصرة أهل الشام ولضرب النظام القاتل وأعوانه في سورية، هو واجبٌ عليكم، إن قصّرتم في أدائه فلن يرحمكم التاريخ، ولن تغفر لكم شعوبُكم.

نعم قد يخسر أهل الشام مزيداً من الأرواح والدماء، لكن الخسارة الأكبر لن تكون بعيدة عنكم، بل ستكون من نصيبكم أنتم عندما يرى العدوّ الإيراني والروسي أنه قد كسر خط الدفاع الأول عن أهل السنة في المنطقة، وسيأتي وقتها ليفرض عليكم ما يريد دون أن تجدوا عندئذٍ من يناصركم.

...

لذا أقول لكم: لا تفرّطوا بأهل الشام، فإنهم يدافعون عن الأمة، وعن شرف الأمة، وعن كرامة الأمة، وعن بلاد الخليج، وعن بلاد الحرمين، فلا تخذلوهم، ولا تُسْلِموهم لعدوهم، فالمسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يُسلمه.

ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ".؟

...

يا أيها الحكام: اتقوا الله في دماء أهل سورية، وهبّوا لنصرتهم، واضربوا عدوهم وعدوكم ضربة حزمٍ دون هوادة، فما نفع أساطيلكم وسلاحكم وعواصفكم إن لم تنصر أهل سورية في هذا الوقت العصيب؟

لا تخشوا من أمريكا وغيرها فوالله إن الشعوب المسلمة في العالم تتحرق لتأييدكم إن فعلتم، وإن الله سيعينكم إن صدقتم، والشعب السوري سيشكر لكم صنيعكم، والتاريخ سيحفظ لكم وقفتكم، وأما إن تخاذلتم فانتظروا من الله الخذلان في الدنيا والآخرة، وانتظروا الهوان في أعين عدوّكم.

...

أسأل الله أن يوفق من كان منكم في خدمة الإسلام والمسلمين وأن يعينه على ذلك، وأن يستبدل منكم من خذل المسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اقرأ المزيد
٥ أكتوبر ٢٠١٥
«الشيطان الأكبر» الروسي

 

الذهاب إلى الحرب أسهل بكثير من العودة منها. هكذا يقول التاريخ. ومن عادته ألا يكذب. تحتاج الطلقة الأولى إلى شجاعة أو تهور. تحتاج الطلقة الأخيرة إلى واقعية تساعد على تجرع الخيبات ومرارات التسويات. وفي الحروب التي يمكن أن ترتدي ولو زوراً نكهة دينية أو مذهبية تتقدم الخسائر على الأرباح حتى لدى المنتصر. ففي هذا النوع من الحروب لا مكان لضربة قاضية أو أخيرة.

على الذين يستعدون للاحتفال بتورط الجيش الروسي في أفغانستان جديدة أو فيتنام عربية أن يتمهلوا قليلاً. المسرح مختلف بتركيبته وموقعه فضلاً عن تغير المشهد الدولي. ثم أننا لا نزال في بدايات هذا التدخل. ومن المبكر الخروج باستنتاجات من هذا النوع. وإذا كان يمكن وصف فلاديمير بوتين بالمغامر لتدخله عسكرياً في نزاع بهذا التعقيد فإن من التسرع اعتباره حتى الآن مقامراً ألقى ببلاده في حرب بلا حدود. لا بد من الانتظار فهو أفضل مستشار.

على الذين يستعدون للاحتفال بقلب المعادلة في سورية وطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط الرهيب أن يتمهلوا قليلاً. لا يعلن النصر في مطلع الحرب وقبل اتضاح مجرياتها وخواتيمها. الوضع السوري شديد التعقيد ولا يسمح بانتصارات مدوية. ويصعب الاعتقاد أن بوتين يخطط لإعادة الوضع السوري إلى ما كان عليه قبل أربعة أعوام لأن ذلك متعذر. ويصعب تصور أنه يخطط لطحن المعارضة السورية بمجملها ولو كلفه ذلك انهيار علاقات بلاده بالعالم السني. ثم أن معركة بهذا الحجم تلقي على روسيا مسؤولية إعادة إعمار ما دمرته الحرب ولا شيء يوحي بأن اقتصادها قادر على النهوض بمثل هذه الأعباء. هنا أيضاً الانتظار أفضل مستشار.

على الذين يعتقدون أننا في الطريق إلى أزمة تشبه أزمة الصواريخ الكوبية أن يتمهلوا قليلاً. سورية ليست قبالة السواحل الأميركية. إنها بعيدة. ولم تكن أصلاً في المعسكر الأميركي. ثم أن هذه المقتلة الواسعة تدور على أرض بلد تبدو حكومته مرشحة حالياً للعيش تحت قبعتين روسية وإيرانية أو الوقوع تحت انتدابين. سورية ليست كوبا. وبوتين ليس خروتشوف. وأوباما ليس جون كينيدي. تحمل الأزمات ملامح مكانها وزمانها على رغم عبر الماضي أو مراراته.

لا بد من الانتظار لمعرفة أهداف التدخل العسكري الروسي وحدوده. هل جاء الجيش الروسي لمحاربة «داعش» أم لقصم ظهر المعارضة السورية؟ هل جاء لضمان حدود «سورية المفيدة» وإجراء تعديلات طفيفة عليها أم لدفع المنطقة غير المفيدة نحو المزيد من التشرذم والانهيار والأفغنة والصوملة؟ هل جاء للمرابطة في مناطق النظام لحجز مقعد في الحل حين تنضج ظروفه أم أنه دخل الحرب وفي جيبه حل سيقدمه؟ هل يراهن على إعادة إنتاج النظام نفسه مع عمليات تجميل محدودة أم أنه يخطط للحصول من النظام الذي أنقذه وطمأن قاعدته الصلبة على تنازلات جدية تسمح بعملية سياسية يمكن تسويقها عربياً ودولياً؟

أسئلة أخرى لا بد منها. هل سيدفع النظام ثمن المظلة الروسية تنازلات تفتح باب الحل أم سيستنتج عكس ذلك؟ وهل تقبل إيران حلاً تحت قبعة الجنرال الروسي بعدما كانت تراهن على انتصار النظام تحت قبعة الجنرال سليماني؟ ليس هناك حل في سورية يمكن أن يعطي إيران ما كانت تتمتع به قبل اندلاع الأحداث. وليس هناك حل يوفر لـ»حزب الله» ما كان متوافراً له عشية الأحداث.

بكلام أوضح. الحل القابل للعيش لا بد أن يتضمن شراكة فعلية بين المكونات. هذه المشاركة تدخل بالتأكيد تعديلاً في سياسات سورية الداخلية وفي علاقاتها العربية والإسلامية والدولية. تستطيع موسكو التعايش مع حل من هذا النوع لكن السؤال هو عن طهران. ثم إذا كان الحل في سورية يقوم بالضرورة على تعديلات في الشراكة فان حلفاء إيران في بغداد سيجدون أنفسهم مطالبين بجعل مشاركة السنة في السلطة فعلية وحقيقية على رغم اختلاف النسب السكانية بين البلدين. لا انتصار على «داعش» من دون معالجة قلق السنة في «الهلال».

وجه التدخل العسكري الروسي في سورية صفعة جديدة إلى صورة أميركا وصدقيتها. تردد أوباما متعب لحلفاء بلاده وأصدقائها. لكن بوتين لا يملك ترف إخفاء نواياه طويلاً. يقدم خلال أسابيع مشروعاً مقنعاً للحل أو ينزلق إلى حرب يصعب حسمها أو الخروج منها. طريقة دعم الكنيسة الروسية لحربه لم تكن حصيفة. أي دخول له في مواجهة طويلة مع مشاعر العالم السني ستجعل بلاده تفوز بلقب «الشيطان الأكبر». لتفادي اللقب يحتاج إلى تنازلات جدية من النظام الذي جاء لإنقاذه. لغرقه في حرب طويلة على أرض سورية أثمان على أرض روسيا نفسها وفي الحزام الإسلامي على حدودها.

التاريخ شيخ وقور علمته الأيام. على من يرتكب الطلقة الأولى أن يمتلك تصوراً فعلياً لتقريب موعد الطلقة الأخيرة. اندفع القيصر في مجازفة كبرى. يخرج بكأس صانع الحل أو يرجع بلقب «الشيطان الأكبر».

اقرأ المزيد
٥ أكتوبر ٢٠١٥
المسرح السوري وتقسيم العمل الإيراني الروسي

تشهد الأزمة السورية نقلة كبيرة مع وصول مئات الجنود الروس إلى سورية، برفقة أحدث ما لدى الجيش الروسي من طائرات ودبابات. تذكّر هذه النقلة بنقلة أخرى، مرت بها الأزمة عقب انخراط إيران، وحلفائها من المليشيات العراقية واللبنانية، إلى جانب النظام بعد معارك صيف 2012.

تعلم روسيا التي راقبت انتكاسات النظام في الأشهر القليلة الماضية أن الجيش النظامي فقد كل رغبة أو قدرة على تحقيق اختراق ذي معنى في الحرب الدائرة داخل سورية، وأن سياسة دعم الجيش بقوى غير نظامية من عناصر سورية في البداية، ومن ثمّة، رفده بعناصر عراقية ولبنانية في مرحلة ثانية، وأفغانية ثالثاً ثم إيرانية في النهاية، لم تعد تجدي نفعاً سوى في المحافظة على بعض المناطق، واستعادة بعضها، ما يعد "حيوياً ومهماً"، لكن، من وجهة نظر إيران.
ولكي يرد حلفاء النظام على الانتكاسات التي تعرّض الجيش النظامي لها، وخصوصاً في إدلب ودرعا، فإن الاختيار انحصر في واحد من أمرين: إيفاد قوات عسكرية من عشرات آلاف العناصر، إلى ساحة القتال، تواجه، كتفاً إلى كتف الجيش النظامي، الثوار، أو الرضوخ لمنطق التسوية الأميركي السعودي.
وقد عرضت إيران، بشكل علني، إرسال قواتها إلى سورية. وبالفعل، وصل مئات الجنود الجدد إلى سورية، بعد زيارة وزير دفاع النظام، فهد الفريج، إلى طهران في أبريل/نيسان الماضي، وانتشروا في الساحل وحماة وحمص ودمشق. وعلى أية حال، فقد ظلوا بعيدين عن الأنظار. ومنذ ذلك الحين، غدت التصرفات الإيرانية أكثر إحراجاً للنظام. ولكن، لم يكن هناك بدّ من السكوت. وطرأ تحول على استراتيجية النظام في شهر مايو/ أيار، عندما طلب بشار الأسد، في مقابلة مع وسائل إعلام روسية، من روسيا تعزيز وجودها في سورية. لم يكتف بهذا الطلب، بل أرسل موفدين أمنيين وعسكريين رفيعين إلى موسكو، لمناقشة الطلبات السورية.
ولأن موسكو لم تكن تريد أن تتنازل بسهولة أمام خسائر النظام، أو أن تغطي تدفق عشرات الآلاف من جنود الحرس الثوري الإيراني، والذي قد ينتهي بتفاهم إيراني أميركي بشأن سورية، فقد أخذت قرارها بالتدخل لصالح النظام. مع ذلك، اقتضى القرار الروسي حصول اتفاق بين روسيا وإيران على خطة التحرك وتقسيماً للعمل. لذلك، أوفدت طهران رجلها، قاسم سليماني، إلى موسكو لعقد التفاهمات الرئيسية.
ولفهم مجريات العمليات العسكرية المستقبلية، وتحليل عناصر تقسيم العمل بين موسكو وطهران، على الأرض السورية، لا بد من استقراء المصالح الروسية والإيرانية في سورية والمنطقة.

تقسيم العمل
تعد منطقة الساحل السورية نقطة انطلاق للاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط. ولموسكو قلق وهواجس من دور تركيا في شمال سورية، لانعكاساته المحتملة على استراتيجيتها البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وموسكو مهتمة بالتطبيقات الجيوسياسية للجغرافية السورية التي تشكل "مسرحاً استراتيجياً" يؤثر في قضايا حيوية عديدة للنظامين الدولي أو الإقليمي: (الصراع العربي الإسرائيلي، القضية الفلسطينية، القضية الكردية، الصراع العربي الفارسي، الصراع التركي الفارسي، الصراع السني الشيعي، أنابيب النفط والغاز، أمن الخليج).
"الخطورة في مشروع إيران السوري أنها تعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية، من قبيل تهجير سكان منطقة ما، وإحلال سكان آخرين مكانهم"

هذه العوامل تجعل الاهتمام الروسي يطاول جميع أجزاء الجغرافية السورية، على أن يتم التعامل مع هذه الأجزاء وفق أولويات متدرجة، تشمل الساحل ومتعلقاته في إدلب في البداية، وفي الأهمية نفسها، زيادة طوق الأمان حول دمشق، ولاحقاً مدينة حلب، ثم تأتي بقية المناطق.
في المقابل، تعتبر طهران أن السيطرة على منطقة دمشق الكبرى، والتي تضم مدينة حمص بطبيعة الحال، أولوية لاتصالها بلبنان عبر القلمون وريف حمص، واتصالها بالعراق عبر البادية، وبفلسطين عبر سهل حوران والقنيطرة. وتقلق إيران من الاستراتيجية السعودية، عدوتها الإقليمية التي تحاول الانقضاض على دمشق، عبر رؤوس جسور تنطلق من غوطة دمشق وسهل حوارن. فالاستراتيجية الإيرانية في سورية لا تهتم بكامل الأراضي السورية، بل بتحقيق التواصل بين سورية والعراق عبر حمص، وبين لبنان وسورية عبر حمص وريف دمشق، وجنوب سورية مهم بالنسبة لطهران للضغط على إسرائيل. والخطورة في مشروع إيران السوري أنها تعمل على إحداث تغييرات ديمغرافية، من قبيل تهجير سكان منطقة ما، وإحلال سكان آخرين (شيعة على الأغلب) مكانهم.
وبناءً على ذلك، يمكن توقع أن تركز إيران عملياتها في أي تقسيم عمل على جنوب سورية وشرقها، في مقابل تركيز روسيا على الأقل في المرحلة الأولى، على شمال سورية وغربها. حيث ستعمل روسيا على زيادة تأمين منطقة الساحل، عبر استعادة السيطرة على مدينة جسر الشغور في ريف إدلب، ومن هناك، تدمير الاستراتيجية التركية المنادية بـ"حلب أولاً"، عبر إسقاط للقوة من الساحل إلى المدينة عبر طريق اللاذقية - حلب المار من سراقب وأريحا. لكن موسكو ستكون حريصة على زيادة تأمين النظام في دمشق، بمساعدته على حسم بؤر درعا وغوطة دمشق.
وعلى أية حال، يؤكد وصول قوات روسية إلى العاصمة دمشق وانتشارها في العباسيين وانتقال قيادة العمليات على جبهة جوبر من الإيرانيين إلى الروس، نيات روسية حيال غوطة دمشق الشرقية عموماً.

انعكاسات.. وخطوط حمر جديدة
أعاد الانتشار الروسي في سورية التأكيد على خطوط موسكو الحمراء في الأزمة السورية. وجاء الوجود العسكري ليوفر ضمانة صلبة لمصالح روسيا الحيوية في سورية، سواء في استمرار النظام، أو في ضمان أمن الساحل السوري.
انهارت الضمانات التي قدمتها واشنطن لموسكو، بخصوص عدم تعريض الساحل لتهديد
"ستضطر كلّ من واشنطن وأنقرة والرياض وعمّان وإسرائيل للتكيّف مع الوجود الروسي العسكري، وربما التنسيق مع موسكو"
عسكري، عقب سيطرة "جيش الفتح"، مدعوماً من تركيا والسعودية، على إدلب، وهجومه لاحقاً نحو سهل الغاب. وترافق ذلك مع المعادلة التي أعلنتها السعودية، القاضية برحيل بشار الأسد بحل سياسي، أو بعد هزيمة عسكرية للجيش الذي استثمرت فيه موسكو سياسياً وعسكرياً أكثر من 60 عاماً، ما يقضي على نفوذ روسيا في الشرق الأوسط تماماً.
في المقابل، ستشدد طهران على خطوطها الحمراء السابقة، والتي تشمل خطوط التواصل بين النظام وحزب الله وحمص والسيدة زينب في ريف دمشق، بينما ستضطر كلّ من واشنطن وأنقرة والرياض وعمّان وإسرائيل للتكيّف مع الوجود الروسي العسكري، وربما التنسيق مع موسكو.
فتحت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أبواب التنسيق العسكري مع روسيا. وبينما ما زال من المبكر القول إن واشنطن وموسكو وصلتا إلى تقسيمٍ يحصر الجهد الحربي الأميركي في العراق، والروسي في سورية، فقد دلت عدة مؤشرات على نية إسرائيل حصر عملياتها في محافظة القنيطرة، وربما في محيط قرية حضر فقط، حيث أسس حزب الله وإيران بنية مؤيدة لهما. في المقابل، انسحبت عمّان إلى موقع الحياد وقررت تفكيك غرفة "الموك"، وهو قرار يبدو أن واشنطن ليست بعيدة منه. وربما كانت السعودية وتركيا أكثر الأطراف المستهدفة من الانتشار العسكري الروسي. السعودية التي تعتقد أن دمشق لا بد أن تُنتزع من براثن النفوذ الإيراني، وتعود عربيةً كما كانت، سيكون عليها تأكيد خطها الأحمر حول غوطة دمشق الشرقية وحوران، بينما ستجد تركيا نفسها أمام تحد كبير فيما يتعلق بإدلب، وأكبر فيما يتعلق بحلب.
وسبق لسورية أن اجتازت مرحلة مماثلة، في مطالع العام 2013، إبّان بدايات الدخول الإيراني العسكري إلى البلاد، حيث تم تحديد دوائر وخطوط حمر لتقييد الحركة الإيرانية في الميدان السوري، وخصوصاً في شمال البلاد وجنوبها. وأدى خرق إيران، في مطلع العام الجاري، هذه الخطوط الحمراء، إلى تفعيل التحالف التركي السعودي، والذي تمكّن من كسر الهجمة الإيرانية نحو درعا وحلب في البداية، ومن ثمة قلب الطاولة على الإيرانيين والنظام، عبر هجومين في إدلب ودرعا، استدعيا الانتشار الروسي الحالي.
لكن، هناك هذا الفارق الأساسي بين التدخليْن، الإيراني والروسي، بالنسبة لكل من تركيا والسعودية. لقد عرّفت أنقرة والرياض التدخل الإيراني بوصفه "احتلالاً لسورية"، و"عدواناً" على مصالحهما، لكنهما ارتبكتا إزاء التدخل الروسي، على الرغم من محاولات الرياض المنفردة لوضع حدود معينة.
وفي النهاية، فإن التدخل الروسي، بشكله الحالي، حسّن مواقع إيران الإقليمية، إذ بينما وجدت طهران حليفاً دولياً (روسيا) تشد أزرها به في المواجهة على النفوذ في الهلال الخصيب، وسط تهافت أميركي وغربي على التعاون مع نظام الملالي في المنطقة، فإن أنقرة والرياض لا تثقان كثيراً بحليفهما الدولي (الولايات المتحدة)، وربما اضطرّتا، تحت تأثير ذلك، إلى إطلاق مشاورات سياسية مع موسكو بشأن عملياتهما الإقليمية.

بوتين.. بريجينف أم أندروبوف؟
يرسم بعضهم سيناريو مستقبلياً لسورية بعد التدخل الروسي، مشابهاً لما جرى في أفغانستان عقب الغزو السوفييتي، وهم بذلك يغفلون عن فوراق كبيرة بين الحالتين، ربما في مقدمتها الفارق بين فلاديمير بوتين "الواقعي القاسي"، والرئيس السوفييتي الأسبق، ليونيد بريجنيف "الأيديولوجي المتعصب". وربما كان من الصواب تشبيه بوتين بالزعيم السوفييتي، يوري أندروبوف، وتدخل الأول في سورية، بتدخل الأخير في الأزمة اللبنانية عام 1983، إلى جانب حافظ الأسد المهزوم.
فإثر تحطيم الجيش الإسرائيلي الجيش السوري العامل في لبنان، وتدمير منظومات السلاح السوفييتية المضادة للطائرات والطائرات السوفييتية التي كانت في حوزة حافظ الأسد فوق الأراضي والأجواء اللبنانية، تدخل أندروبوف، بكل قوة، لترميم القوة السورية، بينما لعبت طهران دوراً مهماً في بناء حزب الله الذي عمل على إخراج الإسرائيليين من المناطق الشيعية في لبنان.
يشابه وضع النظام العسكري في مواجهة خصومه وضعه في تلك المرحلة من حرب لبنان. ويعتقد بوتين أنه أندروبوف آخر، سيعيد إنقاذ أسد آخر من مصيره أمام القوى الغربية. وعلى أية حال، لا يبدو أن في وسع روسيا تكرار تجربة أندروبوف في لبنان، وعلى الأرجح، أن يقود التدخل الروسي سورية إلى تجارب مشابهة لما جرى في بلدان أخرى، دخلها الجنود الروس في هذا العقد، مثل جورجيا وأوكرانيا.
-

اقرأ المزيد
٤ أكتوبر ٢٠١٥
التدخل الروسي بسوريا سيسرع بنهاية النظام

احتل التدخل الروسي الأخير في سوريا مساحات واسعة في الصحف ومواقع الإنترنت ما شكل قلقا لدى السوريين المعارضين للنظام من أن تستخدم هذه الضجة في حرب نفسية جديدة على السوريين، ولعب الإعلام اللبناني المحسوب على محور “الممانعة والمقاومة” دوراً كبيراً في تهويل الأمر منذ البداية متابعاً نهجه المناهض للثورة السورية منذ انطلاقتها، وشارك في ذلك بعض الجهات الإعلامية المعارضة للنظام، وكان إعلام النظام السوري أبرز المشاركين في هذه الحملة ووصل الأمر به إلى بث أغان وطنية روسية على قنواته الرسمية مقرونة باستعراضات عسكرية للجيش الروسي، وساعدت المعلومات التي بثتها المصادر الأميركية عبر تسريبات لوكالات الأنباء في توفير مادة غنية لتوجيه الأنظار نحو التدخل الروسي في سوريا، حيث تحدثت التسريبات الأمريكية عن رصد تحركات روسية في الساحل السوري شملت وصول طائرات روسية جديدة إلى سوريا ووصول عسكريين روس ومدرعات وأرفقت المصادر الأمريكية كل ذلك بصور التقطتها الأقمار الاصطناعية تثبت ذلك، آتت هذه الحملة أكلها عند بعض المعارضين السوريين فأصبح شغلهم الشاغل حجم الترسانة العسكرية الروسية ومدى فعالية طائراتها وصواريخها!.


لا أريد التقليل من أهمية الحدث ولكنه في الحقيقة لا يعدو أن يكون عائقاً جديداً يضاف للمعوقات التي حالت بين الشعب السوري وحريته، فالوجود الروسي في سوريا هو كوجود ميليشا حزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية الأخرى و”داعش”، وكما تمكن السوريون من التكيف مع وجود هؤلاء سيتكيفون مع الوجود الروسي.


وبالعودة إلى ما يبثه إعلام النظام فإنه من البديهي أن الامكانات العسكرية يجب أن تبقى سراً فلا تريد أي دولة أن يعلم أعداؤها عن مدى قوتها وحجم ما تمتلكه من سلاح، لكننا نرى النظام السوري يذيع أخبار ما يصل إليه من سلاح ويكشف عن أنواع جديدة من الأسلحة الروسية لم يتم استخدامها من قبل، فلماذا يفعل النظام السوري ذلك؟

إن كل ما يقوم به اعلام النظام السوري والروس لا يعدو أن يكون حرب روسية باردة جديدة وروسيا لديها خبرة قديمة في هذا المجال، وتهدف هذه الحرب لكسر شوكة الثوار السوريين في ظل تنامي قوتهم بعد سيطرتهم على إدلب بشكل كامل وتوجههم إلى معقل النظام في الساحل السوري.


من جهة أخرى فإن أياً من الأطراف الدولية لن يقبل بتفرد روسيا في القضية السورية ونشر قواتها على أراضيها بسوريا، فإيران التي أنفقت أموالا طائلة في دعمها للنظام السوري مقابل حفاظها على نفوذها في المنطقة وتأمين خط إمداد لحزب الله لن تقبل بتنحيتها جانبا وتسليم الدفة للروس، والولايات المتحدة لن تقبل أيضا من منافسها القديم الدائم أن يسيطر على إحدى أهم دول الشرق الأوسط و لن تقبل كذلك بنشر قوات روسية بالقرب من حدود حليفها العراقي.

إن كل ما يطمح إليه الروس هو الظهور بمظهر القوي المنافس للولايات الأميركية المتحدة والحفاظ على أسطولهم مقابل سواحل مدينة طرطوس السورية وربما أصبح الروس يرون أن تقسيم الدولة السورية بات قريباً فأرادوا أن يكونوا أحد اللاعبين فيه بتثبيت مناطق نفوذ لهم في سوريا، خاصة أنهم باتوا مقتنعين بأنهم لن ينالوا ذلك بالسياسة بعد وقوفهم الطويل ضد الثورة السورية وبعد فشل كل محاولاتهم الرامية لإجهاضها، لقد ظهرت هذه النوايا الروسية مؤخرا خاصة في الاجتماعات التي جرت بين بوتن أوباما مؤخراً حيث أكد بوتن عن عدم نيته إرسال جنود إلى سوريا، وهذا ما يفسر عدم وجود قلق أميركي حيال الأمر منذ البداية،  يبدو أن الأمريكيين قد كانوا مطلعين على نية روسيا بالتدخل منذ البداية ومتفهمين لرغبة روسيا في أن يكون لها حصة في “كعكة سوريا” لتقبل روسيا بتغيير النظام السوري.


الأكيد أن إرسال روسيا لطائراتها لن يؤدي إلى تغيير عسكري حقيقي لصالح النظام السوري على الأرض لكن هذا التدخل ربما يفسح المجال أمام استلام الروس للملف السوري من جانب النظام الأمر الذي سيقصر من عمر النظام على عكس ما يريد مؤيدو النظام السوري والنظام نفسه من هذا التدخل.

اقرأ المزيد
٣ أكتوبر ٢٠١٥
سوريا.. إنها الحرب غير المقدسة

لا يمكن أن يكون العدوان الروسي، والإيراني، على سوريا «حربًا مقدسة»، كما نُسب للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي أيدت قرار الرئيس بوتين بالتدخل العسكري، بل هي مغامرة ذات عواقب وخيمة تنبئ بحالة نفاق صارخ!
طوال الأزمة السورية كان العقلاء يحاولون جاهدين أن لا تنحو الأزمة منحى طائفيًا، وضرورة عدم استخدام الفتاوى، والشعارات المتطرفة، ورغم كل ما فعله، ويفعله، بشار الأسد، وخلفه إيران، كانت روسيا، ومعها الغرب، يصرون على أن تكون سوريا دولة علمانية يحافظ فيها على حقوق الأقليات، ورغم كل الجرائم التي ارتكبها الأسد، ومعه إيران، بحق الأغلبية السنية. وقبل يومين فقط قال وزير الخارجية الروسي إنه اتفق مع نظيره الأميركي على ضرورة أن تبقى سوريا علمانية، إلا أن المفاجأة كانت بإعلان الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تأييدها العدوان الروسي بسوريا، والقول إن القتال ضد «الإرهاب»، والذي لا نعلم ما هو التعريف الروسي له، خصوصًا بعد قصف الروس للمعارضة السورية، هو «معركة مقدسة»، وإن التدخل المسلح ضروري، كون «العملية السياسية لن تؤدي إلى أي تحسن ملحوظ في حياة الأبرياء المحتاجين إلى الحماية العسكرية»! وعلى أثر هذا التصريح الذي يظهر تخبط موسكو، سارعت جهات روسية للقول بأن ترجمة تصريح الكنيسة لم تكن دقيقة! وأيًّا كانت الترجمة الدقيقة، فإن تدخل الكنيسة خاطئ مثله مثل التهور الروسي.
لماذا تهور؟ الأسباب واضحة، فعندما تفاخر الصحافة الإيرانية بأنها من أقنع الروس بالتدخل في سوريا، من خلال زيارة قاسم سليماني لموسكو، وهو ما تؤكده صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي نقلت عن دبلوماسي مقيم بدمشق قوله إن الإيرانيين أبلغوا الروس أنه «إذا لم تتدخلوا لإنقاذ الأسد الآن فإنه سيسقط، وليس بمقدورنا دعمه»، الآن، وبعد العدوان الروسي، بدأت التقارير تتحدث عن تدفق مقاتلين إيرانيين إلى سوريا، كل ذلك يعني أن الروس قد منحوا قبلة حياة للتطرف، والمتطرفين، وخصوصًا عندما استهدف الروس بضرباتهم المعارضة السورية، وليس «داعش»، ويحاولون إنقاذ الأسد، فهل هناك وصفة دمار، وجنون، أكثر من هذه؟ الروس، وكما قال وزير الدفاع الأميركي: «يصبون الزيت على النار»، كما أنهم «يستعدون السنة»، كما قال أيضا وزير الخارجية الأميركي. ولذا فإن على الروس الآن توقع ما هو أسوأ من «داعش».
خلاصة القول هي أن هذا التهور الروسي، وإن حقق مكاسب آنية، فإنه لن ينقذ الأسد بمقدار ما سيقود المنطقة ككل إلى كارثة لا تقل عما حدث بأفغانستان إبان العدوان السوفياتي، وعلينا ألا نتعجب في حال أولم مقاتلو «داعش» وليمة كبيرة، وبحضور سبايا، لزعيمهم البغدادي، احتفالاً بهذا العبث الروسي – الإيراني الذي قدم للتطرف ككل حافزًا لحرب غير مقدسة سببها جرائم الأسد وإيران، والتهور الروسي!

اقرأ المزيد
٣ أكتوبر ٢٠١٥
داعش» ليس هدف بوتين

حصل كل من توقع أو أمل في امتلاك الرئيس الروسي بوتين لمفتاح هزيمة «داعش» أو إحلال السلام في سوريا على جوابهم: لم تستهدف الضربات الجوية الروسية الأولى داخل سوريا مواقع التنظيم الإرهابي مطلقًا.
بدلاً من ذلك، تابع بوتين عن كثب تنفيذ قواعد اللعبة التي وضعها الرئيس السوري بشار الأسد. نادرًا ما شنت قوات الرئيس السوري هجومًا حادًا وحقيقيًا على قوات «داعش» ما لم تُجبر على ذلك إجبارًا. وفي واقع الأمر، ظل الأسد ينظر إلى قوات التنظيم المتطرف باعتبارها من أوثق حلفائه، في محاولة من جانبه لإقناع المجتمع الدولي أن الحرب السورية تتألف من أحد خيارين لا ثالث لهما؛ إما الأسد أو الهمجية الوحشية. وقال بوتين في خطابه أمام الجمعية العامة هذا الأسبوع إن «الأسد يحارب الإرهاب بكل بسالة وشجاعة ووجهًا لوجه».
كلا، فالأسد لا يفعل شيئًا من ذلك أبدًا. لخلق حالة الخيارات الثنائية التي يسعى إليها الأسد، ولإلغاء أي معارضة محتملة من جانب الولايات المتحدة قد تعتبرها أوروبا معارضة مقبولة، وجّه الرئيس السوري قواته لمحاربة قوات المعارضة بدلا من «داعش»، مما يجعل منه حليفًا محتملاً بالنسبة للتنظيم الإرهابي. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجماعات التي يحاربها الأسد، والتي وجهت روسيا إليها ضرباتها أول من أمس (الأربعاء)، تعمل وبشكل روتيني على محاربة «داعش».
إن بعضًا من تلك الجماعات هم إرهابيون كذلك. ولكن الجماعات الأخرى ليست إرهابية، بل هي ميليشيات محلية تدافع عن مناطقها ضد عمليات السلب والنهب والقتل من آلة الحرب الرهيبة للأسد.
يُعتبر اقتراح الرئيس بوتين ودعوته العالم للانضمام إلى روسيا والأسد في هزيمة «الإرهابيين» وإعادة إعمار الدولة السورية اقتراحًا معيبًا يشبه في كثير منه خطة الرئيس أوباما، سيئة الحظ، لتدريب وتجهيز جميع ميليشيات المعارضة الجديدة. ولقد انقضى ذلك المجهود المزعوم إثر تراجع عدد المستعدين لمحاربة تنظيم داعش فحسب، ونبذ حربهم مع نظام الأسد.
كيف تحول ذلك الموقف إلى مفاجأة؟ هو أمر يصعب الوقوف عليه أو تصديقه. فلقد استخدمت قوات الأسد الاعتقال، والتعذيب، والأسلحة الكيماوية، والبراميل المتفجرة، في عمليات الأرض المحروقة لاستعادة السيطرة بأي وسيلة.
من غير المعقول أن ترضى الأغلبية السنية في سوريا وبخنوع إعادة فرض حكم نظام الأسد عليهم، أو مجرد اعتباره شريكًا في القتال ضد أي شر أكبر في المستقبل. وإلى الحد الذي يتمكن من خلاله بوتين من سحق كل أوجه المعارضة الأخرى ضد الأسد، فإن الأغلبية السنية السورية سوف تلتحق بالقوة الوحيدة المتبقية والمستعدة لحمايتهم، أي «داعش».
بصرف النظر عن مقدار الوعود التي يمنحها بوتين في محاولة لإضفاء الشرعية من جانب الولايات المتحدة وغيرها من الدول على الحملة الجوية التي يشنها في سوريا، والتي تبدو كمحاولة لتقاسم السلطات، والتعهد بحكومة انتقالية متعددة الأعراق في سوريا بمجرد استعادة النظام هناك، أو حتى الرحيل النهائي للأسد ونظامه، فإن تلك العروض والوعود تتسم بقدر كبير من الخواء حتى تعكس تصرفاته على الأرض أنه تقبل الحقيقة الأساسية لذلك الصراع.
أولا، يتعين على بوتين الإقرار بأن الأسد جزء من المشكلة.
ثانيا، عليه الاعتراف بالتمييز ما بين تنظيم داعش من جانب، والميليشيات المعارضة للنظام من جانب آخر.
وأخيرًا، عليه إدراك أن أي تسوية سياسية سوف تتضمن وضع المناطق السنية تحت السيطرة السنية أو الدولية، وربما مؤقتًا، في ظل وجود الأسد من عدمه في دمشق.
ومن دون تلك الالتزامات من جانب بوتين، فلن يمكنه التعبير عن القوة الكافية لإحلال السلام على الأراضي السورية.

اقرأ المزيد
٣ أكتوبر ٢٠١٥
التدخل الروسي يفرض الأمر الواقع على الجميع


وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة والدول الأوروبية والعربية أمام أمر واقع بأن لا خيار أمامهم سوى ما اختاره، لكنه قد يكون زج نفسه في زاوية. الرئيس الأميركي باراك أوباما صمم أنه لن ينجرّ الى سورية ولا حلول في جعبته لما آلت إليه الأمور، فإذا كان بوتين يعتقد بأنه يملك الحل، ليتفضل وبالتوفيق إذا نجح تكون واشنطن قادرة على القول إنها ساهمت في الإنجاح، وإذا فشل يكون مستنقع سورية مستنقعه و «أفغانستانه». انخراط وزير الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في مفاوضات في أربع جولات أثناء تواجدهما في نيويورك هذا الأسبوع يوحي بأن لدى الطرفين قواسم مشتركة ومواقع اختلاف فهما في صدد التنسيق عسكرياً واستخباراتياً لتجنب التصادم بين غارات كل منهما في سورية وهما في اختلاف على موقع بشار الأسد في الترتيبات السياسية، اذ تتمنى واشنطن لو تتخلى موسكو عن الأسد في نهاية المطاف وليس بالضرورة في بدء المرحلة الانتقالية، فيما تود موسكو أن تكف واشنطن عن إضاعة وقتها في هذه المسألة لأن الأسد هو رجل روسيا في سورية ولن تتخلى عنه. وهنا العقدة. واشنطن مُحرَجَة لأن حلفاءها العرب ليسوا جاهزين للموافقة على تفاهمات تقضي بغض النظر عن مصير الأسد والقفز على «عقدة الأسد» وهم يصرّون على إيضاح ووضوح والتزام وضمانات بأن الأسد لن يبقى في السلطة في نهاية المطاف إذا وافقوا على التراجع عن الإصرار بأن عليه الرحيل كنقطة انطلاق. وموسكو تقول لواشنطن إن موقفها هو الأهم وأن حلفاءها لعرب سيخضعون للأمر الواقع ويوافقون على التفاهمات الأميركية - الروسية لأن لا خيار آخر أمامهم سوى ذاك. التصدّع بدأ يشق طريقه الى الصفوف العربية وبدأ بعضهم يقول إن لا خيار أمامه سوى ما فرضته روسيا على الولايات المتحدة ولبّته الإدارة الأميركية. بعضهم الآخر يرفض قطعاً أن يكون طرفاً في صيغة أميركية - روسية تؤدي، عملياً، الى الشراكة مع بشار الأسد في سحق المعارضة السورية العسكرية - وليس سحق «داعش» وأمثاله فقط. ثم هناك من يشتري المقولة الأميركية بإعطاء بوتين فرصة التورط في سورية ليكون موقع قدم انزلاقه الى حرب تشابه حرب أفغانستان التي أسقطت الاتحاد السوفياتي برمته. فالتورط السوفياتي حينذاك عسكرياً في أفغانستان أسفر عن حرب «الجهاديين» ضد «الإلحاد الشيوعي» بتشجيع اميركي وعربي ساهم جذرياً في خلق التنظيمات الأصولية المتطرفة على نسق «القاعدة» و «داعش» وأمثالهما. وأفغنة سورية اليوم لن ترحم أحداً، لكنها ستطاول روسيا التي تزج نفسها في الزاوية السورية اليوم وتنصب نفسها طرفاً مباشراً في حرب أهلية وقائداً للحرب على الأصولية والإرهاب.

جون كيري تأبط نوعاً من المكوكية وهو يأتي ويذهب من وإلى اجتماعات على المسألة السورية. فإلى جانب اجتماعاته واتصالاته الهاتفية مع لافروف اجتمع كيري مرات عدة مع مجموعة وزارية ضمّت كلاً من السعودية والأردن والإمارات وقطر وتركيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واستمع هناك الى مقاومة عربية وتركية لطروحاته. فلقد شعر عدد من الوزراء أن كيري أتى إليهم بتفاهم ضمني بينه وبين لافروف وإن ما أراده هو «تمرير» ذلك التفاهم على رغم المواقف الأميركية العلنية التصعيدية ضد بشار الأسد على لسان الرئيس أوباما نفسه. وعندما واجه كيري تلك المقاومة، شعر أن عليه أقله التأقلم قليلاً كي لا يبدو أنه يفرض تفاهماً أميركياً - روسياً له نكهة الاتفاق الثنائي لكيري ولافروف على السلاح الكيماوي الذي توّج تراجع أوباما عن «الخط الأحمر» الشهير الذي توعّد به.

التصريحات العلنية، الأميركية والبريطانية، صعّدت تارة وتراجعت تارة وكان فحواها، كما أوضح وزير الخارجية البريطاني هاموند، أن لندن مستعدة لتعديل مفهوم بيان جنيف - 1 وآلية جنيف - 2 لتقبل بالأسد في المرحلة الانتقالية بصورة غير تلك التي سبق وتمسكت بها، هذا مع التصعيد اللفظي بأنه فقد الشرعية وعليه أن يرحل ولا يمكن العودة الى وضع ما قبل الثورة السورية ولا يجوز إعادة تأهيل رجل ساهم في قتل 300 ألف من شعبه وتهجير الملايين.

أقطاب النظام السوري في غاية الارتياح إلى ما آلت إليه المواقف الروسية وإفرازاتها على المواقف الأميركية والبريطانية. وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال: «إن تصريحات المسؤولين الأميركيين مثل المروحة ولا يعوّل عليها. فهي صباحاً شيء ومساءً شيء آخر، وهكذا شأن حلفائهم الأوروبيين. إنما لا خيار أمامهم سوى الخيار الروسي إذا كانوا جادين في مكافحة داعش».

واضح أن الأولوية الآن هي للاتفاق الأميركي - الروسي على تشكيل «آلية اتصال» لتفادي أي تصادم في سورية على ضوء الغارات الروسية المتزايدة وغارات «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة. هذا ما أعلنه كيري ولافروف معاً في أعقاب اجتماعهما الثالث. روسيا تتمسك بموقفها القائل إنها تقوم بغاراتها في سورية «بناء» على طلب الحكومة «السورية» التي تعتبرها الحكومة الشرعية ذات حق السيادة، وهي تشير إلى الدعوة من الحكومة العراقية لقوات «التحالف» كمثال موازٍ.

سياسياً، توافق كيري ولافروف على أنهما يريدان «سورية ديموقراطية موحّدة وعلمانية» لكنهما اختلفا على «كيفية الوصول الى ذلك». اتفقا على «خطوات محددة تقريباً» وفق قول لافروف «مع دول أخرى، وبمشاركة الأمم المتحدة، لإيجاد الظروف المناسبة لخيارات تستخدم في المستقبل لتعزيز الحل السياسي»، واتفقا أيضاً على التواصل بينهما في الشأن السوري «في شكل دائم». ووفق كيري، تم الاتفاق على «اتخاذ عدد من الخطوات التي تقود إلى تقدم» نحو الحل السياسي وبصورة سريعة نظراً إلى تأثير أزمة اللجوء الى أوروبا وتفاقم أزمة اللاجئين السوريين.

موسكو الآن اتخذت قرار التدخل العسكري المباشر دعماً للنظام في دمشق وبالتنسيق معه عند شن الغارات على مواقع يبدو واضحاً أنها لن تنحصر في استهداف «داعش» حصراً - أقله سهواً، وافتراضاً. التغيير في الإستراتيجية الروسية ليس عابراً أبداً. فموسكو اليوم تتحدث بلغة «الأمن القومي الروسي» وراء تصعيدها العسكري في سورية. يقول الروس «لا نريد ولا نقبل بأن تتحول سورية إلى ليبيا « - وكأن الوضع في سورية أفضل مما هو عليه الآن في ليبيا. يقولون إن لا مناص من الشراكة مع النظام السوري لأنه هو القادر ميدانياً على سحق «داعش» وإن الذي لديه «بديل» عن الأسد، ليتفضل به. يقولون: تعالوا معنا، لأن لا خيار لكم سوانا. فنحن العنوان الرئيس في سورية، وأنتم غير جاهزين للانخراط أساساً، فابصموا.

موسكو تراهن على خضوع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للأمر الواقع الذي تمليه الإستراتيجية الروسية في سورية لأن واشنطن غير راغبة في تولي هذا الملف الصعب ولأن أوروبا تريد إيقاف الهجرة إليها.

واشنطن لا تمانع القيادة الروسية في سورية ضد «داعش» والتنظيمات المشابهة لكنها لا تريد مباركة ضرب المعارضة السورية العسكرية أو المشاركة في إعادة تأهيل الأسد. هي أيضاً لا تريد أن تبدو لأصدقائها العرب أو لتركيا بأنها أكملت «الطبخة» مع موسكو وباتت، كأمر واقع، حليفاً لموسكو ولإيران ولـ «حزب الله» وللنظام في دمشق في الحرب السورية.

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير شرح في حديثه إلى «الحياة» الأطر الرئيسية للمواقف نحو الطروحات المعنية بسورية ومصير بشار الأسد. قال إن لا خلاف على «مبدأ الحفاظ على المؤسسات المدنية والعسكرية في سورية كي لا تعم الفوضى والانهيار، ولكي تستطيع الحكومة السورية أن تحافظ على الأمن وتوفر الخدمات لشعبها ومواطنيها وتواجه التطرف الموجود». إذاً، لا خلاف على تمكين مؤسسات النظام في دمشق. قال أيضاً إن هناك اتفاقاً عاماً على أن «لا دور لبشار الأسد في مستقبل سورية» وإن «الحل لا يعتمد على روسيا»، التي تعارض وترفض الموافقة على ذلك الاتفاق العام بأن لا دور لبشار الأسد في مستقبل سورية. الخلاف إذاً مستمر في شأن مصير دور الأسد ما بعد المرحلة الانتقالية، وليس فقط أثناءها.

الجبير يقول إن البحث جار الآن في ما إذا كان الرئيس السوري «سيترك الحكم في بداية المرحلة الانتقالية أو يبقى في سورية من دون أي صلاحيات أو امتيازات». يقول إن السعودية مصرة على أن «نعرف النهاية» المتعلقة بالعملية السياسية وأن «مبادئ جنيف ليس لها معنى إن لم يكن هناك قبول بتنحي بشار الأسد من السلطة في سورية».

الرد الروسي واضح تماماً وخلاصته: رفض الدعوة إلى تنحي الأسد. قراءة بيان جنيف خاطئة إن كانت تنص على إبعاد الأسد. لا تخلّ لموسكو عن بشار الأسد، لا في البداية ولا في النهاية لأية عملية سياسية. باختصار، موسكو تقول: لا للتعهد المسبق حول مصير الأسد. ولا للشرط المسبق برحيل الأسد. تقول إن العملية السياسية والانتخابات هي التي تملي المصير. تقول ذلك وهي تدخل الحرب السورية مباشرة دعماً لبقاء الأسد تحت عنوان مواجهة «داعش» في الوقت الذي تنتقي مَن تعتبره معارضة سورية «صحيّة» بديلة من «الائتلاف» والمعارضة العسكرية.

جون كيري حذّر كلاً من روسيا وإيران من مغبة التمسك بالأسد وربط مصير سورية برجل واحد اسمه الأسد. قال إن «على روسيا وإيران الكف عن العناد وعن ربط المصير برجل واحد». قال إن على موسكو أن تفهم عواقب دعمها فرض حكم الأقلية العلوية في بحر «65 مليون سني بين بغداد والحدود التركية يرفضون قطعاً القبول بالأسد كقائد شرعي لهم».

قال أيضاً إن على روسيا أن تخاف وأن تخاف كثيراً من الاستفراد بالحرب على «داعش» ذلك لأن «روسيا ستصبح هي الهدف» وستصبح أيضاً «معاً مع الأسد المغناطيس الذي يشدّ الجهاديين ضدها».

خلاصة الموقف الأميركي نحو الطرح الروسي هو أن القرار في يدكم - فإما تستفيقون إلى أخطار التمسك برجل والتضحية ببلاد، أو إنكم ستستيقظون يوماً وأنتم في الزاوية التي رسمتموها لأنفسكم في حرب أهلية وفي حرب مباشرة مع الجهاديين في سورية لها نكهة تجربتكم الأفغانية.

اقرأ المزيد
٣ أكتوبر ٢٠١٥
ما دخلت روسيا حرباً إلا وخسرتها وما دعمت دولة إلا ودمرتها

دائماً ما تكون السياسة لعبة قذرة شعارها النفاق في العمل والإخلاص في الكذب لأن الصدق في هذه اللعبة بمثابة اعلان للفشل الضمني الذي ينتظر الصادق الأمين المحب للخير لكل الكائنات الحية على وجه الأرض.

فبعد نفي الحكومة الروسية وكبار سياسييها وإعلامييها في منتصف الشهر الماضي عن نيتها التدخل المباشر في سوريا عسكرياً، ورفضها للاتهامات الموجهة لها بقيامها بتزويد قوات الرئيس السوري بشار الأسد ببعض الأسلحة النوعية، وتفنيدها للأخبار المتداولة عن بداية حشد بعض القوات الخاصة ومستشارين عسكريين وأسلحة وطائرات في مناطق مختلفة من محافظتي اللاذقية وطرطوس، سرعان ما بان كذبهم وكذب بيادقهم عندما أقروا بتدخلهم الفعلي في سوريا من أجل إنقاذها من الجهاديين الذين أصبحوا يشكلون خطراً على العالم بأسره.

وبعد أن تم الاتفاق والإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة بين العرب والعجم بمختلف ألوانهم على ضرورة التصدي للدولة الاسلامية، وإجبارها على ترك مواقعها في المدن التي تسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، بدأ التدخل الروسي يوم الثلاثاء 30 سبتمبر فعلياً بقصف جوي استهدف مناطق متفرقة تسيطر عليها المعارضة السورية، سقط من جرائه قتلى وجرحى وهدمت منازل على أصحابها بدعوى أنها مستودعات أسلحة يستخدمها مسلحو تنظيم الدولة، في حين أن الصور الواردة من هذه المناطق والتقارير الإعلامية العربية والأجنبية وتأكيدات المعارضة السورية تكاد تجمع على أن هذه المناطق لم تكن خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية؛ ما فتح الباب أمام المراقبين للتساؤل عن هذه الخطوة الروسية هل هي مناورة لتبرير قصف كل الفصائل المسلحة على الأراضي السورية التي تقاتل النظام بدعوى أنهم من مسلحي تنظيم الدولة؟ أم أنه خطأ استخباري في تحديد الأهداف؟ وهو ما يضع الروس في مأزق كبير خاصة بعد تأكيداتهم وتطميناتهم للعالم وللنظام السوري أن لهم بنك أهداف محدداً وخاصاً بتنظيم الدولة الإسلامية.

من المرجح أن الروس يتخبطون منذ أول وهلة فلن يغير قصفهم أي شيء على الأرض؛ فقد أجمع الخبراء والمتابعون للشأن السوري أن الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي بدون أي دعم وتدخل بري لن يغير أي شيء على الأرض، خاصة وأن أكثر من سنة من القصف المتواصل وآلاف الطلعات الجوية والأطنان من المتفجرات والصواريخ لم تغير أي شيء على الأرض، بل واصل التنظيم تمدده وحافظ على أغلب المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، وقام باستنزاف التحالف الستيني الذي خسر مليارات الدولارات في حين لم تتجاوز خسائره بضع ملايين من الدولارات ومئات المقاتلين وبعض البنية التحتية.

لا شك أن الروس لن يكونوا أفضل من أقرانهم في التحالف؛ فالأسلحة الروسية لم تكن في يوم من الأيام أفضل من نظيرتها الأمريكية التي عجزت عن رصد أرتال الدولة الإسلامية التي تتنقل بحرية في صحاري الأنبار وصلاح الدين، مستغلين وسائل تمويه بدائية وفعالة في نفس الوقت. ولا نشك أبداً أن طائرات السلاح الجوي الروسي أكثر تطوراً وأنجع من الf35 وf22و f16 الأمريكية التي سبحت كثيراً في المجال الجوي السوري والعراقي وعادت في أكثر المرات بخفي حنين.

كما أن الأسلحة الروسية لم يخض بها أي جيش في العالم العربي حرباً إلا وخسرها، ولا داعي لاستعراض سلسلة الهزائم العربية والدولية التي كانت هذه الأسلحة سبباً في التنكيل بجيوشهم، لكن يكفي مثالا على ذلك أن الجيش السوري أحد هذه الجيوش.

إن الحرب الكبرى ستشتعل في الشرق الأوسط، ونحن متأكدون أن "الدولة الإسلامية" وإن كانت تضررت بسبب القصف المتواصل على المناطق التي تسيطر عليها، إلا أنها تمكنت من الصمود لسنة كاملة بفضل مواردها المالية والبشرية الكبيرة التي مكنتها من تعويض المقاتلين والخسائر المادية في أسرع وقت، والخبر اليقين الذي لا جدال فيه أن التدخل الروسي ما هو إلا محاولة لذر الرماد في العيون، وتحد للأمريكان أكثر منه إنقاذاً للأسد فلا بشار يهمها ولا الجيش الحر يخوفها، بل إن الأمريكان هم أعداؤها الذين كانوا سبباً في انحلال امبراطوريتها، وإن "الدولة الإسلامية" لا تمثل خطراً كبيراً عليها في سوريا بل أكثر منه في القوقاز والشيشان وأفغانستان؛ لأن الانتصار في سوريا وتواصل تدفق المقاتلين والأموال على التنظيم فيها وفي العراق سيكون بالضرورة انتعاشاً للجماعات الموالية لها في تلك المناطق، دون أن ننسى إمكانية عودة بعض المقاتلين إلى روسيا لقيامهم بعمليات تستهدف المناطق الحيوية فيها، ما يمكن أن يكرر كوارث أكبر من تلك التي حصلت في مسرح موسكو في 23 من أكتوبر 2002.

فالى أين يتجه العالم اليوم؟ وهل الحرب الباردة سابقاً أصبحت ساخنة؟ أم أن البرودة ستتواصل إلى حين القضاء على "الدولة الإسلامية"؟

اقرأ المزيد
٣ أكتوبر ٢٠١٥
عناق الدب الأوحد

لم يعد الحديث، الآن، مجرد تكهنات أو تسريبات أو تلميحات. بات حقيقة ملموسة، لن يكون ما بعدها مماثلا ما قبلها. ليس على الصعيد السوري فحسب، بل على مستوى توازنات القوى الدولية. لم يعد التدخل العسكري الروسي في سورية مجرد فرضيات، فها هي الطائرات الروسية تصول وتجول في الأجواء السورية، وتقصف ما طاب لها من الأهداف أمام أنظار الولايات المتحدة وتحالفها الدولي الذي أطبق عامه الأول في محاربة داعش، من دون أن يحقق أي نتيجة، لا في العراق ولا سورية.
استغل الروس بالتأكيد هذه الرمزية في هذا التوقيت، للدخول على خط الحرب العالمية السورية، وليلعبوا دوراً طال انتظاره بالنسبة لهم، تحت مسمى "محاربة داعش". وهو عنوان عريض جديد ومطاط، ومفتوح على احتمالات نسبية، وتأويلات لا تعد ولا تحصى، خصوصاً بالنسبة إلى موسكو التي تتبنى، بشكل كامل، رواية النظام السوري وحلفائه. ومن هنا، تكون من السذاجة الإشارة الأميركية والفرنسية، وغيرهما من الإشارات إلى أن الغارات الروسية لم تستهدف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية، بل ضربت أهدافاً للمعارضة السورية والجيش الحر. من قال إن الروس يفرّقون بين هذا وذاك، طالما أنهم يسيرون وفق التعريف السوري الرسمي لـ "داعش". فبحسبه، كل معارض للنظام يطالب بالتغيير هو من "الإرهابيين" الذين يستحقون القتل والسحق. كان هذا الكلام قبل ظهور داعش بكثير، وحتى قبل بروز قطعة سلاح في يد أي معارض سوري. كل من يعارض إرهابي ويستحق القتل؛ كانت هذه التعليمة السورية للأنصار الإعلاميين وغيرهم من الحلفاء، ولا تزال قائمة، وبالنسبة إلى الروس هذا هو المنهج الحق الذي يجب السير عليه، أي قتل كل من هو معارض للنظام، كان من داعش أو غيرها، لا فرق، فهذه هي رؤية النظام السوري التي يطبقها الروس بحذافيرها.
ثم من كان يتوقع دقةً من الروس في غاراتهم على الأراضي السورية، ومن قال إن الروس حريصون على أرواح الأبرياء السوريين أو المقاتلين المعارضين غير المنتمين إلى داعش. هم على أراضيهم لا يقيمون وزناً لهذه المعايير، فما بالك في الأراضي الخارجية. لنتذكّر، على سبيل المثال لا الحصر، حادثتي مسرح موسكو في 2002 ومدرسة بيسلان في 2004. في الأولى، وأثناء التعاطي مع أزمة احتجاز مسلحين شيشان رهائن، أطلقت الشرطة الروسية غازاً ساماً في المسرح للانتهاء من القضية بعد مفاوضات عقيمة، فقتلت القوات الروسية 39 من المهاجمين، وما لا يقل عن 129 من الرهائن، معظمهم بفعل المادة السامة. وفي الثانية، أيضاً بعد ثلاثة أيام من المفاوضات مع مسلحين اقتحموا مدرسة في مدينة بيسلان الروسية واحتجزوا أكثر من 1100 شخصٍ. اقتحمت القوات الروسية المدرسة، مستخدمة الدبابات والأسلحة الثقيلة، وانتهت العملية بمقتل 396 رهينة على الأقلّ، من بينهم 186 طفلاً.
هذا هو المنطق الروسي في التعاطي مع الأزمات، وهو شبيه، إلى درجة كبيرة، بما يقوم به النظام السوري منذ أربع سنوات. وإذا كان هذا أسلوب موسكو في الداخل، وفي زمن "الانكفاء إلى الداخل" الذي كان قائماً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام نظام القطب العالمي الأوحد، فكيف من الممكن أن تكون عليه الأمور، بعدما وجدت موسكو الفرصة سانحة، ليس لاستعادة مرحلة الحرب الباردة والقطبين فحسب، بل ولعب دور القطب الأوحد، بعدما أخذت السياسة الأميركية في عهد باراك أوباما بالانسحاب تدريجياً من الصراعات والنزاعات الخارجية؟ هي فرصة موسكو التي لا تعوّض لإثبات أن في مقدورها ملء الفراغ الأميركي، والنجاح حيث فشل الآخرون، سواء في محاربة داعش أو في إنهاء الأزمة السورية التي تثير قلق الدول الغربية التي باتت تبحث عن حل بأي ثمن، وليكن على الطريقة الروسية.
عناق الدب الروسي كان مكلفاً داخلياً في مراحل الصعود الجديد للدولة الاتحادية، وسيكون مكلفاً جداً في زمن التمدد الإمبراطوري الساعي إلى البروز قطباً عالمياً وحيداً، لا حل من دونه.

اقرأ المزيد
٣ أكتوبر ٢٠١٥
حرب "مقدسة" على ملايين السوريين

في سياق تنفيذ التوجهات الروسية الفعلية في سورية، قام الطيران الروسي، قبل ظهر الأربعاء، الثلاثين من سبتمبر/أيلول الماضي، بأولى عملياته الجوية، مستهدفا خمس مناطق حول حمص. العملية الجوية أودت بحياة 36 مدنياً من المحاصرين منذ نحو عامين. ويأتي سقوط هؤلاء الضحايا متسقاً مع خط بياني مستقر للاستهداف المنهجي والمنظم للمدنيين السوريين، منذ شرع النظام في شن حربه على شعبه. وبما أن هناك تلاقياً في الرؤى والسياسات بين موسكو ودمشق، لم يكن غريباً أن يلتزم الطيران الروسي بأمر العمليات الثابت والدائم باستهداف المدنيين باعتبارهم "حاضنة للإرهاب". وعلى النحو نفسه، جرى ويجري، وبأسلحة روسية، تدمير المدن التي توفر "بيئة للإرهاب". وتم قذف عشرة ملايين سوري خارج الحدود، مع مطاردتهم بالمقاتلات والشتائم، لأنهم "دواعش يؤيدون الإرهاب". وحدث، خلال 54 شهراً من هذه الحرب، أن قضى نحو عشرين ألف طفل سوري (بعضهم تحت التعذيب)، لأن هؤلاء مرشحون لأن يصبحوا، في مستقبل الأيام، "ارهابيين". والقضاء على الإرهاب، في منظور النظام، يستلزم فعل كل شيء، بما في ذلك العمل على إبادة أغلبية الشعب واستئصالها. والقيادة الروسية، كما ثبت من شواهد عديدة، معجبة بهذا التحليل، وما يرافقه من أداء عسكري ضد كل مظاهر الحياة والطبيعة والعمران في سورية (خارج مناطق "سورية المفيدة").
تبين للقيادة الروسية، وقبلها القيادة الإيرانية، أن الاستغناء عن غالبية الشعب السوري أمر حيوي من أجل تثبيت تحالف بلديهما في وجه الغرب. ويجري استخدام عبارة الحرب على داعش والتكفيريين كلمة سر معلنة، لخوض حرب ضارية، بمختلف أنواع الأسلحة، وبلا توقف، ضد المدنيين والمرافق المدنية، بما فيها دور العبادة والمستشفيات والمدارس والأسواق الشعبية. أما داعش نفسها فكنز استراتيجي، يجري استثماره والحفاظ على وجوده، من أجل استكمال "الحرب المقدسة" على السوريين، بأغلبيتهم المسلمة، وبما يتعدّى هذه الأغلبية من الطوائف والأقليات الأخرى التي تعترض على هذه الحرب، وتنشد الحرية والكرامة والسلام لشعبها. وجدت القيادة الإيرانية مبكراً، في المنظور الطائفي المذهبي، مدخلاً صالحاً، لخوض هذه الحرب والتعبئة "الثورية" من أجلها. أما داعش فمتروكة في مركزها، وقد تركها النظام أكثر من عام في الرقة، كي تثبت أقدامها. الميليشيات الإيرانية، ومنها ميليشيا حزب الله وأبي الفضل العباس وغيرها، تقاتل المعارضة المعتدلة وبيئة "الإرهاب"، والمقصود السوريين السنة في أماكن إقامتهم، حتى لو كان بينهم من ينتمون إلى طوائف أو أقليات أخرى.
الخطابات المتناسلة للقيادة الروسية حول الحملة على داعش والإرهاب، لا يُراد منها محاربة
"تبين للقيادة الروسية، وقبلها الإيرانية، أن الاستغناء عن غالبية الشعب السوري أمر حيوي من أجل تثبيت تحالف بلديهما في وجه الغرب"
هذا التنظيم الإرهابي، كما يدل الواقع وتوضح الوقائع، إلا هدفاً متأخراً ومفترضاً، أما الهدف الأول والأكبر فهو فك عزلة النظام ومكافأته على الحرب التي يشنها على شعبه، بإقامة تحالف دولي واسع، يشارك فيه هذا النظام، كما لا تكتم القيادة الروسية ذلك، وهي التي كانت قد رفضت قيام تحالف دولي إقليمي ضد داعش، وترفض، حتى الآن، الانضمام إليه، ذلك أنها، في واقع الحال، معنية بأمر آخر، بالغنيمة الذهبية التي حازتها بتوسيع وجودها العسكري وتثبيته على الأرض السورية، ومن دون قيد أو شرط عليه. وخلال ذلك، تخوض حرب النظام العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية ضد حقوق السوريين في الحياة والحرية والعدالة والكرامة، باعتبار هذه الأهداف تنتمي إلى عالم الإرهاب.
جرّب السوريون، على مدى الأعوام الأربعة الماضية، الأسلحة الروسية من طائرات ميغ وسوخوي وصواريخ غراد وسام. وبهذه الأسلحة، تم تدمير حماة وحلب وحمص ودير الزور ودرعا ريف دمشق، وها هم الروس بأنفسهم قد أتوا بأسلحة أكثر تطوراً، لتقويض ما تبقى من مظاهر الحياة والعمران، وللفتك بمن تبقى من السوريين، جنباً إلى جنب مع قوات النظام. وتجري تسمية هذه الحرب بأنها حرب على الإرهاب، وهي شبيهة بالحروب الاستعمارية في القرن التاسع عشر، وبحروب المستوطنين الأوربيين في أميركا وأستراليا وكندا ونيوزلندا على السكان الأصليين في القرن السابع عشر، وبالحرب الصهيونية البريطانية على شعب فلسطين.
تضيف الاستهانة المطلقة بأرواح مئات آلاف البشر في هذه الحرب على السوريين العنصرية إلى البربرية، فقد استقر، في أذهان القائمين على هذه الحرب، أن وجود الشعب السوري، بأغلبيته الغالبة، غير مفيد، ومن الحيوي الاستغناء عنه، والتخلص منه، وتسمية هذه الحرب بأنها حرب على الإرهاب. وبما أن لدى البشرية حساسية شديدة ضد الإرهاب، وبما أن الإرهاب يلتصق بالمسلمين السنة دون غيرهم، وبما أن السوريين، في غالبيتهم، مسلمون سنة، فسوف تكون هذه الحرب، من الناحية الدعائية، سهلة، ويجب أن تجمع روسيا وإيران والغرب معا، بما يفيد في النتيجة باعتراف غربي بمناطق النفوذ الإيرانية والروسية في الشرق الأوسط. وهكذا، تتم هزيمة أميركا والغرب بإزاحة عقبة الشعب السوري الذي يزعج النظام في بلده. ويتاح لإيران خوض حربها المقدسة التي طالما منّت النفس بها، الحرب ضد أكثرية المسلمين (مليار مسلم فقط) مرموزاً لهم بالسنّة في سورية واليمن، الذين تساندهم المملكة العربية السعودية وقوى سنيّة أخرى. مع السعي، في الأثناء، إلى اجتذاب قوى سنيّة، وإقامة علاقات معها، مثل حركة حماس، أو القاهرة، على الرغم من التباعد بينهما، من أجل التغطية والتمويه، ونفي العامل الطائفي المذهبي (الحاضر بقوة وسطوع) عن هذه الحرب "المقدسة". وقد لوحظ أن طهران انفردت بين دول العالم، ورحبت ترحيباً حاراً، الأربعاء الماضي، بالغارات الجوية الروسية التي قتلت عشرات المدنيين.
في هذه الأثناء لا تمانع القيادتان، الروسية والإيرانية، في الحديث عن أن الشعب السوري هو من يقرر مصير الحكم في بلاده. إبادة الشعب واقتلاعه وتشريده، ثم الاحتكام اللفظي إليه! استخدام هذه العبارة مفيد، لأنه يتماشى مع مفهوم كوني عالمي، فلماذا لا تُستخدم؟ البشر كثيراً ما يتوقفون عند الألفاظ والعبارات والتصريحات والأقوال، بأكثر من تركيزهم على الوقائع والممارسات والمجريات. وبهذا، من المفيد والحيوي خداعهم بمثل هذه العبارة، وبغير أن تتوقف الحرب المقدسة على ملايين المدنيين السوريين. وهذا ما دأبت عليه طهران وموسكو.
سوف يذكر التاريخ، ابتداء من مقبل السنوات القريبة، أن القيادة الروسية خاضت حرب إبادة وتطهير ضد شعب عربي عريق، وأنها ألحقت إساءة بالغة جداً، وضرراً جسيماً بالعلاقات الروسية العربية، وانتهجت نهجاً استعمارياً ضد شعب بريء ومضطهد، في زمن طوى فيه العالم الحقبة الاستعمارية، واعتبرها من الشرور الأخلاقية الواجبة التصفية.

اقرأ المزيد
٣ أكتوبر ٢٠١٥
سورية ورقة مقايضة

توقفت سورية عن أن تكون بلداً كامل السيادة، منذ تولت إيران شؤون الأمن الداخلي للبلد في بداية الثورة السورية عام 2011، غير أن الأمر، في ذلك الوقت، لم يكن ظاهراً للعيان، وبقيت التدخلات الإيرانية تتم بعيداً، وفي سرية تامة، لأنها كانت ترتكز على عمليات أمنية استشارية، وخصوصاً تصدير خبرات الأجهزة الإيرانية في مجال القمع التي اكتسبتها، بصورة خاصة، من مواجهة ثورة 2009 الخضراء. وتسرّبت في ذلك الوقت معلومات، على نطاق ضيق، عن إنشاء إيران غرف عمليات أمنية في المدن السورية الكبرى، مثل دمشق وحمص ودرعا، هدفها رصد المتظاهرين على الأرض وتصويرهم، ثم تقديم المشورة للأجهزة السورية لمطارداتهم. وهكذا تم القضاء على الصف الأول من قيادات التنسيقيات السلمية، واعتقال الصفين الثاني والثالث، وشملت المساعدات الإيرانية، في تلك الفترة، أدوات التجسس على الهواتف وشبكات الإنترنت، وكثيراً ما جرى اعتقال ناشطين من مقاهي إنترنت في أحياء بعيدة عن مراكز المدن، بفضل تكنولوجية الرصد الإيراني، الصينية المنشأ.

وحين اتسع نطاق الثورة، صارت التدخلات تأخذ الطابع المباشر، من خلال إرسال الخبراء العسكريين والأسلحة والمليشيات، ووصل الأمر إلى الحراسات المكلفة بأمن الرئيس السوري شخصياً. ويقول العارفون، إن الدائرة الأمنية المكلفة بأمن بشار الأسد إيرانية مائة في المائة. وامتدت التدخلات الإيرانية إلى الشأن الاقتصادي، من خلال الديون والمساعدات، حتى صار مطلعون يتحدثون عن شراء إيران ضواحي في بعض المدن السورية، مثل دمشق وحمص، مقابل ديون على النظام، وهذا ما يفسر الإصرار الإيراني على نقل سكان كفريا والفوعة الشيعة إلى الزبداني، ونقل سكان الزبداني السنة إلى ريف إدلب، وهذه المقايضة ذات بعد طائفي مباشر، ضمن مخطط إيراني، يمتد من الساحل السوري حتى جنوب لبنان.
لم تكن روسيا بعيدة عن هذه المقايضات، فهي طرف في جانبيها السياسي والأمني، فدعمها النظام السوري لم يتوقف طوال السنوات الأربع الماضية، وبات النظام يدين لموسكو بمليارات الدولارات، ويعلم الروس أن تحصيل هذه الديون ليس مطروحاً في الوقت الراهن، وأنهم سيحصلون مقابلها على قواعد عسكرية وحضور أمني، لكن الأمر تطور، في الآونة الأخيرة، إلى حد أن الروس صاروا يلوحون بالورقة السورية في مفاوضاتهم مع الولايات المتحدة وتركيا والسعودية. وللأطراف الثلاثة، أيضاً، كلمتها المسموعة جداً في الشأن السوري، بفضل حلفائها من الفصائل المسلحة على الأرض. وتبدت المقايضات الروسية الأميركية خلال أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في كلمتي الرئيسين الأميركي، باراك أوباما، والروسي، فلاديمير بوتين، فكلاهما ضرب على الوتر الحساس، وهو عقدة الأسد التي باتت أثمن ورقة مساومة بالنسبة للروس، وهما اختلفا عليها، في اليوم الأول، ثم عادا إلى تخفيض سقف المساومات، في اليوم الثاني، وتبيّن أن الروس لا يريدون بيع هذه الورقة الآن، لأنهم لم يحصلوا على السعر المناسب بعد، وليست ورقة بشار الوحيدة التي يملكها الروس، بل إن الكثير من أوراق التفليسة السورية صارت في يدهم، وهم كتجار بازار سيستثمرون الوضع السوري سنوات طويلة، مستفيدين من وجود الأسد وداعش، وكان أطرف ما تسرب عن لقاء أوباما بوتين، أن الرئيس الأميركي طلب من نظيره الروسي وقف قصف المدنيين بالبراميل "مقابل شيء ما" تحصل عليه روسيا.
واقع الحال يقول، إن سورية تحولت إلى ورقة مساومة، بكل ما فيها، وهي مفتوحة لكل من هو قادر على البيع والشراء. وحتى لو انتهت الحرب قريباً، فإن السنوات الأربع الماضية أفرزت حالة من التمزق التي ستظل تتغذى من ميراث حروب الداخل والخارج. ولكي تعود سورية بلداً مستقلاً ذا سيادة، فإنها بحاجة إلى أكثر من حرب تحرير.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان