مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٢ نوفمبر ٢٠١٥
ما الإنجازات الروسية في سوريا؟!

شهران مرا على بدء العمليات الجوية الروسية في سوريا، والنتيجة لا تبدو منسجمة مع الأهداف المعلنة، ولا مع الزفة الضخمة التي رافقت الإعلان عن انطلاقها، والتي شارك فيها شبيحة إيران وبشار في كل قُطر عربي على نحو بدا معه أن المعتصم قد استجاب لنداء المرأة المظلومة، وجاء بجيوشه الجرارة كي يخلصها من الظلم!!

يوميا تتحفنا وسائل الإعلام الروسية بإحصائية عن عدد الضربات التي تم توجيهها لـ «الإرهابيين» في سوريا (كل من يقاوم النظام هو إرهابي بطبيعة الحال)، وغالبا ما يقال إنها لمواقع تنظيم الدولة بهدف الإخراج الإعلامي، بينما تقول الوقائع إن أعدادا هائلة من النساء والأطفال وعموم المدنيين قد قتلوا أو جرحوا جراء تلك الغارات.

الطيران الروسي وجَّه ضربات في مختلف مناطق سوريا التي يسيطر عليها الثوار من كل الفصائل، بما في ذلك مناطق الجنوب، ولكن بعد تنسيق واضح مع الصهاينة لأن الأمر هنا يعنيهم، وهو أمر لا يمكن أن يستوقف شبيحة بشار الذين يرددون كالببغاوات يوميا قصة جرحى المعارضة الذين يعالجون في المستشفيات الإسرائيلية، وهم قلة قليلة كانوا برسم الموت، وعلاجهم جزء من تسويق الوجه الإنساني للعدو لا أكثر، ولو ذهب إليهم جندي سوري أو أحد شبيحة النظام، وقد حصل ذلك، لما تغير الموقف.

على الأرض يتحرك مقاتلو حزب الله، وما تبقى من جيش النظام، إلى جانب عناصر الحرس الثوري والمرتزقة الذين جلبهم سليماني بحشد مذهبي واضح من كل أصقاع الأرض، بينما يكتفي الروس (حتى الآن) بالجهد الجوي، ولكن النتيجة لم تتجاوز بعض التقدم هنا وهناك، مقابل تقدم أكبر للثوار في عدد من المناطق، مع تكبيد خسائر كبيرة للعدو، وها إننا نسمع يوميا عن خسائر في صفوف الحرس الثوري وحزب الله.

لندع هنا الجدل الدائر حول الخلاف بين إيران وروسيا في سوريا، والذي بدأ يخرج عمليا إلى العلن، ونتوقف قليلا عند قول أحد المحللين المقربين من النظام (طالب إبراهيم) إن قرار الذهاب إلى فيينا لم يكن قرار النظام، بل قرار الروس، وبالطبع على غير رغبة من محافظي إيران الذين ربما اعتقدوا أن عليهم تحقيق بعض التقدم قبل الذهاب نحو خطوة من هذا النوع، تماما كما فعلوا في اليمن حين صبوا جهدهم مع الحوثيين من أجل إحداث بعض التقدم، ومن ثمَّ الذهاب إلى جنيف بوضع أفضل.

القرار الروسي لا يعكس العقلية التجارية لبوتين الذي لا يريد أن يخسر أكثر في علاقاته مع العرب وتركيا، والاكتفاء من الوضع العربي والإسلامي بإيران وحلفها، بل يعكس بدرجة أكبر إدراكا لحقيقة أن الضربات الجوية ليست كافية، حتى لو واكبها فعل على الأرض من قبل إيران وأتباعها، بدليل ما جرى منذ التدخل الجوي ولغاية الآن. وها إن بوتن نفسه يعترف في تصريح نادر بهذه الحقيقة بقوله: «المهام تنفذ، وتنفذ بشكل جيّد... لكن هذا غير كافٍ بعد لتطهير سوريا من المسلحين والإرهابيين، وحماية روسيا من الهجمات الإرهابية المحتملة».

هذا يؤكد أن بوتن ليس بعيدا عن إدراك الأبعاد الكبيرة لفشله في سوريا، فضلا عن إمكانات ذلك الفشل في ظل ميل أميركا والغرب لذلك، ولا شك أن بعض الاتصالات التي جرت خلال الأسابيع الأخيرة قد بلغته، والتي لا يمكن إلا أن تنطوي على توافق خليجي تركي على زيادة تسليح المعارضة دون اعتراض أميركي غربي، وما يعنيه ذلك على صعيد ميزان القوى الاستراتيجي، ولا شك أن قصة الطائرة الروسية لم تكن خارج دائرة الحسابات، وما تعنيه من إمكانية استهداف المصالح الروسية في كل مكان.

خلاصة القول هي أن أفق الإنجاز الروسي في سوريا يبدو مسدودا، ولا مجال لغير نزيف طويل، لهم وللإيرانيين، من دون أن يعني ذلك وضعا جيدا للآخرين، وإن كانوا أقدر على احتمال النزيف. وما دام الأمر كذلك، فإن التسوية هي الحل، وهي تسوية سيحددها ميزان القوى، وإن بدا أن استمرار الحرب هو الخيار المرجح، في المدى القريب على الأقل، لكن ميل بوتن للتسوية لم يعد يخفى، مقابل تشدد إيراني قد يتراجع بمرور الوقت، ولا يُستبعد أن يتم التفاهم عليه في لقاء الغد بين «القيصر» وبين «المرشد» خامنئي في طهران.

اقرأ المزيد
٢٢ نوفمبر ٢٠١٥
فيينا وهجمات باريس تباعدان بين الأسد وموسكو

مع ارتفاع حصيلة ضحايا هجمات تنظيم داعش على العاصمة الفرنسية باريس لتكون الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية في أوروبا، استفاق العالم على صدمة القوة الاستثنائية والانتشار السريع لتنظيم داعش بصورة لم يعرفها أي من التنظيمات الإرهابية على مر التاريخ الحديث.

ويعود جزء كبير من الفضل في ذلك إلى حرب الإبادة الجماعية التي قادها الرئيس السوري بشار الأسد ضد الشعب السوري من جهة، ولتغذيته للتطرف والإرهاب في سوريا بالتعاون مع إيران والميليشيات الطائفية اللبنانية من جهة أخرى.

الهجمات غير المسبوقة كان لها تأثير سلبي ومباشر على الملايين من اللاجئين السوريين الذين باتوا موضع تدقيق أمني من قبل السلطات الأوروبية، فضلا عن ردود الفعل العنصرية تجاههم من قبل جمهور اليمين المتطرف.

بالمقابل، حصد بشار الأسد بعض المكاسب وخصوصا على المستوى الإعلامي، حيث تركزت الأضواء على إرهاب داعش وابتعدت عن إرهاب الأسد والميليشيات الطائفية التي تدعمه، كما وجهت هجمات باريس ضربة قوية للدول التي كانت لا تزال تعترض على إشراك الأسد في العملية السياسية المنتظرة، ودفعتها إلى إسقاط شرطها بتنحيه قبل بدء عملية التفاوض.

أنهت أحداث باريس التردد الذي كان يحكم التقارب في وجهات النظر حول الصراع في سوريا بين روسيا من جهة، وأميركا وأوروبا من جهة أخرى.

كان ذلك التردد يثقل الخطوات الأولى للسير في عملية سياسية على الرغم ممّا بدا كتنازلات هامة قدمها الغرب خلال الشهرين الماضيين في ما يخص مصير بشار الأسد. فالشرط المتمثل بإبعاده عن السلطة أو بتقديم ضمانات لرحيله تراجع نسبيا قبل أحداث باريس، ولكنه لم يسقط تماما، إذ بقيت بعض الدول تعتبره أساس أي مفاوضات جادة وهو ما أعاد الحديث عن المسار السياسي من دون السير قدما وبشكل جديّ فيه.

لكن المجزرة المروّعة في فرنسا جعلت هدف التخلص من داعش أهم الأولويات وطوت صفحة نقاش مصير بشار الأسد وخصوصا خلال نقاشات مؤتمر فيينا الذي جرى بعد يوم واحد فقط من وقوع المجزرة، وهو ما اعتبر أهم مكاسب النظام السوري.

لكن نتائج أحداث باريس لم تكن إيجابية على النظام السوري إلا في ما يخص رضوخ الغرب للتعاون معه. ذلك أن فحوى هذا التعاون حملت آثارا سلبية بل كارثية على نظام عائلي تسلّطي كنظام الأسد. ففي حين يريد الأسد من الغرب التعاون معه للقضاء على “الإرهاب”، يريد الغرب من الأسد التعاون لتغيير النظام السياسي بما يقود في نهاية المطاف إلى دفن “سوريا الأسد”.

سرّعت أحداث باريس الخطوات نحو الدخول في عملية سياسية لطالما وافقت عليها مختلف قوى المعارضة في حين كان يرفضها النظام وحلفاؤه. لقد أسفر مؤتمر فيينا عن إحداث شرخ واضح، يبدو أنه سيتّسع بمرور الوقت، بين رؤية النظام السوري للحل ورؤية موسكو، وقد كانتا متطابقتين إلى حد بعيد طيلة سنوات الثورة.

الأسد أكد على رؤيته من جديد قبل يومين فقط في تصريح لمحطة التلفزيون الإيطالية الرسمية (راي)، إذ اعتبر أن الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية “يبدأ بعد إلحاق الهزيمة بالإرهاب” والمقصود بالإرهاب وفق قاموس الأسد كل المعارضين لنظامه.

لأول مرة بدا صوت الأسد ناشزا بالكامل عن حلفائه، إذ ينص اتفاق فيينا بشكل واضح وبموافقة موسكو وإيران، على أن الحل السياسي سوف يسبق إطلاق معركة القضاء على الإرهاب.

والحال أن ما سيشكل التغيّر الأهم في موقف روسيا وإيران من الصراع السوري هو الاتفاق على قائمة موحدة للتنظيمات الإرهابية في سوريا، إذ تجري الأردن الاتصالات بين الدول المعنية للتوصل إليها.

وفي حال صدرت تلك القائمة من دون أن تشمل كبرى فصائل المعارضة السورية، مثل حركة أحرار الشام وجيش الإسلام، فسيكون ذلك بمثابة الانفصال التام لرؤية موسكو وطهران عن رؤية الأسد.

سيؤدي العمل الجاد على تلك القائمة إلى إحداث هزة عنيفة، بالمعنى الإيجابي، في صفوف قوات المعارضة السورية. هزة تعيد فرز تلك القوى وتطلق عمليتي دمج وإعادة هيكلة على أساس خطاب وطني عام بعيدا عن الخطاب الطائفي والأصولي الذي شكل دوما أحد حبال النجاة الكثيرة التي قدّمت للأسد وحلفائه.

هكذا، ورغم ما بدا من مكاسب إعلامية ودبلوماسية قد حققها الأسد على خلفية هجمات باريس، فإن الهجمات قد دفعت بصورة جادة، لأول مرة، باتجاه أسوأ كوابيس الأسد: التسوية السياسية.

اقرأ المزيد
٢٢ نوفمبر ٢٠١٥
الاختراق الروسي المطلوب سوريا

ه هل يستطيع فلاديمير بوتين اقناع العالم، والسوريين أوّلا، بأنّ التدخل العسكري الروسي يمكن أن يساعد في إيجاد مخرج سياسي في سوريا؟ هذا على الأقلّ ما يحاول الرئيس الروسي تسويقه لدى الآخرين طالبا وساطة مع المملكة العربية السعودية وأطراف عربية وغير عربية أخرى من أجل إقناع الثوّار في سوريا بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار “ولو على جبهة واحدة”.

نظريا، يبدو الموقف الروسي منطقيا. لكنّ التنظير شيء والواقع شيء آخر، خصوصا أنّ الواقع يشير إلى أن الأحداث تجاوزت السياسة الروسية التي لم تستطع في يوم من الأيّام تقديم أيّ إيجابية على الصعيد الإقليمي. بقيت هذه السياسة في كلّ وقت أسيرة أيديولوجية عقيمة في أيام الاتحاد السوفياتي، السعيد الذكر، وردود الفعل التي لم تأخذ في الاعتبار التغييرات على الأرض السورية في عهد فلاديمير بوتين.
    
الأحداث تجاوزت السياسة الروسية التي لم تستطع في يوم من الأيام تقديم أي إيجابية على الصعيد الإقليمي
    

من خلال اللقاءات التي عقدها بوتين مع عدد لا بأس من كبار المسؤولين العرب، رشّح أنّه يؤكد على ثلاث نقاط. يؤكّد في البداية أن التدخل العسكري الروسي الذي تمثّل في إرسال طائرات إلى الساحل السوري من أجل قصف “داعش”، إنما يستهدف “استعادة التوازن على الأرض” تمهيدا لتسوية سياسية.

يشدّد بوتين، في الغرف المغلقة، على أن روسيا مقتنعة ثانيا بضرورة رحيل الأسد الابن في مرحلة معيّنة وذلك عن طريق إقناعه بعدم الترشّح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. لكنه يشدّد ثالثا، وأخيرا، على أنّ المطلوب في المرحلة الراهنة تثبيت الهدنة على إحدى الجبهات لتسهيل البحث عن حلّ سياسي. إنّه الاختراق الذي يبحث عنه الكرملين من دون أن يدرك أنّ لبّ المشكلة في مكان آخر، أي في العلاقة بين “داعش” والنظام السوري، وهي علاقة عضوية. تلك هي الحلقة المفقودة في المنطق الروسي.

لا شكّ أن هناك ما يدعو إلى البحث عن تسوية سياسية في سوريا في ظلّ ما بات “داعش” يشكّله من خطر على الأمن في الشرق الأوسط وفي أوروبا. لا حاجة إلى تأكيد أنّ “داعش” أثبت مدى خطورته بعد تفجير طائرة الركّاب الروسية في الجوّ وبعد تفجيرات برج البراجنة في بيروت.. وبعد “غزوة باريس″. ثمّة حاجة إلى اقتلاع “داعش”. ولكن هناك أيضا حاجة إلى التواضع قليلا بدل الهرب من الواقع المتمثّل في أن لا فائدة من أيّ بحث جدّي في شنّ حرب على “داعش” بوجود النظام السوري.

من يعود قليلا إلى خلف، يتذكّر أن “داعش” لم ينم ويتمدّد إلّا في ظل استمرار الحرب السورية. بقي وجود “داعش”، وما يشبه “داعش” محدودا في بداية الثورة الشعبية في سوريا في مارس من العام 2011 وقبل ذلك. ما غيّر المعادلة إطلاق النظام السوري مجموعات متطرّفة من سجونه في مرحلة معيّنة كان فيها العراق يشكو من إرهابيين يدخلون من الأراضي السورية. بقدرة قادر أطلقت حكومة نوري المالكي، لاحقا، مجموعات متطرّفة كانت في سجن أبو غريب. جاء ذلك بعدما صار المالكي في مرحلة معيّنة تحت السيطرة التامة لطهران. نسي فجأة أنّه كان يشكو قبل فترة قصيرة من دور النظام السوري في إرسال إرهابيين إلى العراق!

لكنّ العامل الأساسي الذي لعب دورا في تمدّد “داعش”، إضافة إلى استثمار النظامين السوري والإيراني فيه، كان زيادة الشرخ المذهبي السنّي ـ الشيعي اتسّاعا. أزال “داعش”، قبل أن يحتلّ الموصل وتدمر بتواطؤ واضح مع حكومة نوري المالكي ونظام بشّار الأسد، الحدود بين سنّة العراق وسنّة سوريا.

لم يكن “داعش” قادرا على ذلك لولا إزالة الحدود بين لبنان وسوريا من منطلق مذهبي ليس إلّا. تدخّل “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني عناصره لبنانية، إلى جانب النظام السوري. لم يأخذ في الاعتبار أيّ عامل ذي علاقة بالسيادة اللبنانية أو بالحدود المعترف بها بين “الجمهورية العربية السورية” و”الجمهورية اللبنانية”. صار الرابط المذهبي فوق كلّ ما عداه. هل هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي لا تريد روسيا الاعتراف به والذي باتت تقيم فيه “داعش”.

هناك تركيبة معيّنة صنعت “داعش”. لا يمكن اعتبار “داعش” غريبا عن هذه التركيبة التي لا يمكن تفكيكها بوجود النظام السوري. “داعش” والنظام السوري توأمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر بأيّ شكل وفي أيّ ظروف.

في حال كان بوتين جدّيا في إيجاد تسوية في سوريا، لا يمكنه الاكتفاء بتقديم ضمانات من تحت الطاولة بأن بشّار الأسد لن يترشّح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. النظام السوري ليس ورقة يمكن استخدامها في أيّ مفاوضات تتعلّق بمستقبل سوريا. النظام السوري انتهى منذ اليوم الذي قال فيه مراهقون سوريون لآبائهم إنّهم لن يقبلوا الذل الذي قبل به هؤلاء الآباء. هذا كلّ ما في الأمر. انتهى النظام في اليوم الذي لم يفهم فيه بشّار الأسد أن الردّ على التلامذة الذين كتبوا شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” في مدارس درعا لا يكون باعتقال هؤلاء وتعذيبهم وإهانة ذويهم الذين طالبوا بهم..

في النهاية، هل تريد روسيا التعاطي مع الأزمة السورية من زاوية تكشف أن موسكو في 2015 ليست موسكو المستعدة في 1977 للتغاضي عن جرائم النظام السوري، بما في ذلك اغتيال شخص مثل كمال جنبلاط، حامل وسام لينين. وقتذاك تجاهل الاتحاد السوفياتي الجريمة ومرّ عليها مرور الكرام من منطلق أن علاقته بدمشق أهمّ بكثير من علاقة تربطه بشخص معيّن، مهما كان هذا الشخص قريبا من موسكو.

لا تُخاض الحرب على “داعش” بمعزل عن المعطيات الإقليمية، بما في ذلك الشرخ المذهبي الذي بات هذا التنظيم يقتات منه. هناك المشروع التوسّعي الإيراني الذي يستثمر في الغرائز المذهبية. هناك أيضا تصرّفات النظامين في سوريا والعراق التي تصبّ في خدمة كل ما له علاقة بإثارة السنّة العرب في المنطقة. هناك، أيضا وأيضا، الميليشيات المذهبية واللبنانية والعراقية والأفغانية، التي تدعمها إيران والتي لم تؤد تصرّفاتها سوى إلى تغذية كلّ ما له علاقة بالتطرّف المذهبي من قريب أو بعيد.

لا ينفع مع “داعش” سوى الكيّ. تكون بداية الكيّ بتحقيق موسكو لاختراق في غاية الأهمّية. مثل هذا الاختراق لا يكون بالتوصّل إلى اتفاق لوقف النار على هذه الجبهة أو تلك. الاختراق يكون بالإعلان صراحة أن لا مستقبل لسوريا بوجود بشّار الأسد ولا حرب ناجحة على “داعش” ما دام النظام السوري قائما.

هذا النظام الذي يلفظ أنفاسه لم يبق له سوى “داعش”. كلّ ما تبقّى تفاصيل ودوران في حلقة مغلقة تفاديا للإجابة عن سؤال في غاية البساطة فحواه هل من أمل في بقاء سوريا موحّدة أم كلّ ما هو مطلوب إطالة الأزمة بغية الإمعان في تفتيتها عن طريق التذرع بـ”داعش” من جهة و”شرعية” بشّار الأسد من جهة أخرى؟

اقرأ المزيد
٢١ نوفمبر ٢٠١٥
سياسة أوباما في الشرق الأوسط.. نعي يتلوه جون كيري

عندما جاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إحدى الأمسيات بمدينة نيويورك لكي يتحدث عن السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما، ظن الجميع أنه قدم ليثني عليها. لكن بعد مرور ساعة وإلقاء 6 آلاف كلمة، أصبح من الواضح أنه جاء لكي يدفنها. لقد تحول المديح المتوقع إلى نعي غير مقصود.

كيري استهل كلمته ببناء صرح من الحجج والأعذار لما كان يعلم، لكن لا يريد الاعتراف به، أنه فشل من العيار الثقيل. ولكي يسلط الضوء على سيرته الشخصية، أبلغ كيري الحضور أنه تناول العشاء لتوه مع هنري كيسنجر الذي أقر بأن العالم اليوم أكثر تعقيدًا مما كان عليه في الأيام الخوالي الطيبة.

وقال كيري مشددًا على كلامه إن كيسنجر «لم يجابه هذا العدد من الأماكن والأزمات المختلفة» التي يتعين على وزير الخارجية الحالي أن يواجهها. ويضيف أنه في «عالم الحرب الباردة ثنائي القطب، كان الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة والغرب واضحين تماما إزاء الخيارات المتاحة». ويتابع كيري بأن عالم اليوم «متعدد الأقطاب» مما يجعل الخيار صعبًا، بيد أنه من الناحية اللغوية يعتبر مصطلح «متعدد الأقطاب» من قبيل الاستنباط الذي لا يتفق منطقيًا مع المقدمات، لا يوجد نظام يمكن أن يحتوي على أكثر من قطبين. لكن بما أننا نستخدم اللغة غير آبهين بالحيرة والارتباك الذي يمكن أن تحدثه ألفاظنا، فلا تلقوا بالاً للأمر.

وبدأ كيري كلامه بمحاولة إثبات أن واشنطن ما زالت مهتمة بمنطقة الشرق الأوسط، وقال في هذا الصدد: «ينبغي أن نتذكر أن الشرق الأوسط يضم بعضا من أقدم أصدقاء أميركا، بما في ذلك حليفتنا إسرائيل، ولكن أيضًا الكثير من الشركاء العرب». ويعني ذلك أنه بينما تعتبر إسرائيل «حليفة»، فالعرب مجرد «شركاء». ورغم ذلك، لا تعامل إسرائيل كدولة حليفة ولا العرب كشركاء.

وبعد يومين من بداية ولايته الرئاسية الأولى، عين أوباما السيناتور جورج ميتشل كمبعوث سلام للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، كما تباهى أيضًا بأنه «عندما نلتقي العام المقبل» ستكون هناك دولتان: واحدة إسرائيلية والثانية فلسطينية.

لكن بعد مرور 7 سنوات، يقدم كيري نسخة مقتضبة جدًا من طموح أوباما. إن الهدف السامي المتمثل في إنشاء دولتين لا يأتي على ذكره إطلاقًا. ويقول عوضًا عن ذلك: «نحاول أن نقلص العنف... حول الحرم الشريف في القدس».

إن المهندس المعماري الطموح تنازل إلى مستوى رجل إطفاء يحاول إخماد ألسنة اللهب، ودون أن يدرك النجاح حتى الآن.
أما بالنسبة إلى «الشركاء العرب»، فلم يعد هناك حديث عن الخطط الكبرى الرامية إلى العضوية المنتسبة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتفاقات الجماعية للتجارة والتبادل التقني.

إن ما يعرضه كيري ما هو إلا شعر متواضع المستوى. ويقول: «تخيلوا مستقبلاً يستطيع فيه الناس من النيل إلى نهر الأردن إلى الفرات أن يعيشوا ويعملوا ويسافروا بحرية وكيفما شاءوا، مستقبلاً يحصل فيه كل صبي وفتى على تعليم جيد، مستقبلاً يستطيع فيه الزوار أن يأتوا من دون خوف».

حسنًا، الخيال لا يكلف شيئًا (وبالمناسبة، على المرء أن يتساءل: لماذا يتوقف عالم كيري التخيلي عند الفرات؟ هل يعني ذلك أنه لا ينبغي أن يذهب أحد إلى بغداد على نهر دجلة؟). على أي حال، ما الذي تفعله إدارة أوباما لكي تحقق هذه اليوتوبيا؟

إجابة كيري تتلخص في التالي: «طلبنا من شركة ماكينزي أن تدرس آفاق الاقتصاد في الأردن وسوريا وإسرائيل ومصر والضفة الغربية. ما يثير الاهتمام أن صديقي العزيز وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، عبد الله بن زايد، طلب مؤخرًا أيضًا إعداد دراسة منفصلة «لكي يراجع» كل القطاعات بدءا من الزراعة وحتى السياحة». أي أن الولايات المتحدة تشتري دراسات تسويقية بدلاً من أن تطور سياسة خارجية في الوقت الذي تشتعل فيه الحرائق بالمنطقة. لكن الموقف الهزلي لا يتوقف عن ذلك الحد.

ويواصل كيري ليكتب منشورًا دعائيًا مصغرًا حول المعالم السياحية الجاذبة في المنطقة. ويقول: «أعني، فكروا في أعظم المعالم السياحية بالعالم. لقد زرتها... المكان الذي عمد فيه يوحنا المعمدان أناسًا كثيرين بما في ذلك السيد المسيح، المعبد القريب منه، وأحد أقدم المساجد في المنطقة... الجميع لديه شيء هناك، حتى الملحد إذا كان مهندسًا معماريًا ناشئًا لن يجد صعوبة في قضاء وقت ممتع هناك».

هل هناك أي مقترحات ولو على الأقل عن إعادة إطلاق «محادثات السلام» بين إسرائيل والفلسطينيين؟ لا يوجد. إذن ماذا عن أي أفكار حول سبل إنهاء المأساة السورية؟ لا يوجد. ماذا عن سياسة لهزيمة وتدمير «داعش» التي تعهد بها أوباما قبل 18 شهرًا؟ إجابة كيري كانت: «رأينا أن الأفكار التي يبثها الإرهابيون في الرقة والموصل يمكن أن تصل إلى عقول البسطاء في مينيابوليس وميسيسبي. نحن ندرك تمامًا أن الأحداث الجارية في الشرق الأوسط يمكن أن تؤثر على التصورات في جميع القارات لأن الناس يتأثرون بالتقاليد الروحية والأخلاقية التي تعود جذورها إلى تلك الأراضي القديمة». إذن، هل يمثل «داعش» تقاليد «روحية وأخلاقية»؟ حسنًا. لكن ماذا تنوي أن تفعل إزاء ذلك؟ لا يمتلك أوباما جوابًا.
لقد وعد أوباما بأن يدمر «داعش»، بيد أنه هذه هي إنجازات الإدارة الأميركية حتى الآن التي يوردها كيري: «لقد شننا أكثر من 7300 غارة جوية. أجبرنا (داعش) على أساليب تنفيذها للعمليات العسكرية... أمنا الحدود التركية - السورية شرق الفرات التي تمثل 85 في المائة من الحدود التركية. الرئيس يجيز أنشطة أخرى لتأمين المساحة المتبقية... صعبنا من مهمة (داعش) في إعادة تزويد مقاتليها في الرمادي بالمؤن». لكن كيري أمضى بعض الوقت في التباهي بـ«اتفاق» أوباما مع إيران بوصفه إنجاز الإدارة الوحيد في الشرق الأوسط.

ولذلك قال أوباما في 2008: «لا يمكننا السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي... سأبذل كل ما في وسعي لمنع ذلك»، بيد أن إيران تحتفظ، بموجب «الاتفاق» الذي يتباهى به، بقدرتها كاملة على إنتاج ترسانة نووية في غضون عام واحد. وحتى مع ذلك، لم توقع إيران على أي شيء وترفض إقرار «الاتفاق» عبر آلياتها القانونية.

إن النجاح الوحيد الذي يورده كيري لا علاقة له على الإطلاق بالولايات المتحدة. «وبالنسبة إلى المتشككين، سأرد بكلمة واحدة: تونس».
إن تونس تبلي بلاء حسنًا إلى حد كبير في الوقت الراهن، لكن ما علاقة ذلك بأوباما؟ إن نعي كيري لسياسة أوباما في الشرق الأوسط زاخر بالجواهر. إليكم القليل منها:
• «الإسرائيليون ينبغي أن يحظوا بالأمن، الفلسطينيون ينبغي أن يحظوا بالأمن، الناس في غزة ينبغي أن يحظوا بالأمن، الجميع ينبغي أن يحظوا بالأمن».
• «العنف يؤذي الجميع: الأبرياء وعائلاتهم، اليهود والسكان العرب في إسرائيل...يؤذي الجميع».
• «في العراق، يعرض (داعش) النساء والفتيات في المزاد العلني، ويعلم الناس أن اغتصاب الإناث غير المسلمات هو شكل من أشكال العبادة».
• «الرئيس أوضح بما لا يدع مجالاً للشك أننا مصممون على تفكيك (داعش) على نحو أكثر سرعة».
• أرجوكم لا تتقبلوا رؤية القائلين بأنه ينبغي تقسيم الشرق الأوسط على أسس طائفية».
• «علينا جميعًا أن نبذل المزيد، لأن الناس بدأوا ببساطة يفقدون الإيمان بأي من زعمائهم».
بدأوا فحسب؟!

اقرأ المزيد
٢١ نوفمبر ٢٠١٥
مهمّة سورية حسّاسة على الأردن

ليست يسيرة المهمة التي أوكلها مؤتمر فيينا 2 الإقليمي الدولي حول سورية إلى الأردن، بتنسيق تصنيف الجهات الإرهابية على الأرض السورية، وذلك لأسباب عدة. أولها أن الدول المعنية بالأزمة تتباعد تصوراتها حول هذا التصنيف، وهي دول يرتبط معها الأردن بعلاقات مختلفة. ولن ترضى هذه الدول مجتمعةً بقائمة واحدة بعينها، ولو كان ذلك ممكناً، لما تباعدت في الأصل المواقف والرؤى الإقليمية والدولية حيال الأزمة، وإزاء كل من النظام وقوى الثورة والمعارضة والأطراف الجهادية. ثاني الأسباب، أن موسكو هي التي اقترحت الأردن طرفاً منسقاً، وهو ما أثار ارتياحاً في عمّان التي اعتبرت اختيارها تزكيةً لوزنها الإقليمي المهم، على أن موسكو، كما هو معلوم، طرف في الأزمة، وشريك أساسي في محورٍ، يضمها مع طهران ومع الحكم في دمشق، وإلى حد كبير مع بغداد. وبينما ترتبط عمّان بعلاقات متنامية مع موسكو، إلا أنها ليست جزءاً من هذا المحور الذي تسبب عملياً في أعباء جسيمة على الاقتصاد الأردني، جرّاء موجة اللجوء السوري الكثيفة إلى أراضيه، والضعف الذي اعترى التبادل التجاري عبر الحدود السورية الأردنية منذ نحو خمسين شهراً مضت.
في واقع الأمر، أريد بالمقترح الروسي الذي قوبل باستجابة كبيرة في فيينا، تسمية الأردن طرفاً منسقاً، تعزيز علاقات موسكو بعمّان، وجذبها ما أمكن إلى محور موسكو طهران. وفي هذا الخصوص، افتتحت موسكو مركزاً إعلامياً لها في الأردن (يرث المركز الثقافي السوفييتي الذي عمل عقوداً)، وقد نجم عن ذلك موقف أردني، بدأ يتعامل مع التدخل العسكري الروسي أمراً واقعاً، وكما دلت على ذلك تصريحات أردنية على أعلى مستوى. فيما ذهبت تصريحات روسية إلى أبعد من هذا، بالقول بتنسيق عسكري مع الأردن، بخصوص جبهة جنوب سورية المحاذية للأردن ضد الجماعات الإرهابية بمختلف ألوانها. تشدد موسكو على توسيع البيكار (الفرجار) في تصنيفها الإرهاب، بحيث لا يقتصر على داعش، خلافا للموقف الإقليمي والدولي الذي يضع داعش، وإلى حد أقل، جبهة النصرة في مركز الإرهاب، ومن أجل أن تسوغ موسكو تركيزها على قصف منظمات مسلحة معارضةٍ، بصورةٍ فاقت بأضعاف قصفها داعش. ولا يتوقف الأمر عند هذا، فبينما عكفت الجهات الأمنية المختصة على المهمة الموكلة إليها، حتى انبرت موسكو لإصدار ما يشبه إيحاءات توجيهية، من قبيل القول إن حزب الله خارج تصنيف الجماعات الإرهابية في سورية.
ليس الأردن جزءاً من المحور الروسي الإيراني، ولا هو كذلك جزء مما يسمى المحور التركي
"في الأردن، جماعات جهادية متشددة، انزلق بعضها إلى الإرهاب، وعصم بعضها الآخر نفسه عن هذا المنزلق"
السعودي القطري، ولعله بات قريباً من مواقف دول كمصر ودولة الإمارات، من دون أن يشكل محوراً مع الدولتين بخصوص الأزمة السورية. نجح في البقاء خارج المحاور، واعتمد سياسة تقوم على ممارسة ضغوط من أجل التوصل إلى حل سياسي جدّي، بيد أن السنوات الأربع الماضية شهدت أن الأردن كان على الدوام جزءاً من مجموعة أصدقاء سورية، وخلال سنتي 2011 و2012، اختار عسكريون سوريون منشقون كثيرون اللجوء إلى الأردن، وفي أحيان كثيرة، لأسباب لوجستية تتعلق بقرب الحدود الأردنية من مدن سورية.
مخيما الزعتري والأزرق شاهدان على تأثر الأردن بالأزمة السورية، حيث قذف النظام في دمشق بشطر كبير من شعبه خارج الحدود، وكانت مساهمة ذلك النظام الوحيدة في التعامل مع هذه المشكلة غير المسبوقة عربياً، هي الطلب من الدول المجاورة عدم إقامة مخيمات للاجئين السوريين! وقد استجابت الحكومة اللبنانية لذلك الطلب، تحت ضغوط شرسة من حزب الله، وترك اللاجئون يهيمون على وجوههم، وينامون في المدارس والحدائق والشوارع وفي العراء، بحجة عدم تسييس المسألة!. أما الأردن، فاتخذ الخطوة المنطقية التي تنسجم مع القانون الإنساني الدولي، ومع دواعي الأخوة العربية، بتأمين إقامتهم في مخيمات، وضمان الحد الأدنى من احتياجاتهم الإنسانية، وهو ما أوضحه الناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، في محاضرة له، أخيراً.
قد يثير تصنيف الجماعات والمنظمات في سورية تحدياً أمنياً للأردن من تلك الجماعات التي سوف تندرج في التصنيف، وهذا وجه الصعوبة الثالث.
ولمواجهة هذه الصعوبات وغيرها، أمام عمّان فرصة التشديد على أن دورها تنسيقي بالفعل بين خيارات الأطراف الإقليمية والدولية وتصنيفاتها، وأن أية قائمة قد يتم التوصل إليها هي حصيلة توافقات تصنيفية من دول عديدة في الإقليم وخارجه، وأن القائمة ليست بالتالي "قائمة أردنية"، وإن كان ثمة جهد أردني ملموس في تنسيقها. يمكن أيضا التمييز في القائمة المزمعة بين ما هو متشدّد وما هو إرهابي، في التصنيف. فثمة أطراف متشددة يصعب حقاً انضواؤها في حل سياسي، أو انخراطها في مفاوضات، لكن سجلها يشهد أنها لا تستهدف المدنيين، ولا أتباع الديانات الأخرى، ونشاطها عسكري محض على جبهات القتال، خلافاً للإرهابيين الموصوفين الذين يستهدفون المدنيين، والأعراق وأتباع الديانات. فالمتشدد ليس إرهابياً بالضرورة، ولا بالتعريف. والتطرّف الأيديولوجي ظاهرة قائمة في سائر المجتمعات، بما فيها المتقدمة ومُعترفٌ بها! ووصل بعض ممثليها إلى مقاعد برلمانات أوروبية. في الأردن، جماعات جهادية متشددة، انزلق بعضها إلى الإرهاب، وعصم بعضها الآخر نفسه عن هذا المنزلق.
يبقى أن وضع قائمة كهذه ليس بديلاً عن حل سياسي شامل وجدّي للأزمة السورية. هناك من يريدون اختزال الأزمة على هذا النحو المبتسر، بل والملتوي، من أجل مواصلة الحرب وتسويغها. وبيان فييينا 2 أوسع من ذلك بكثير، ويقوم أساساً على وقف إطلاق نار برعاية دولية، ومفاوضات سورية بين النظام والمعارضة، تستند إلى بيان جنيف، وفق جدول زمني وبرعاية الأمم المتحدة، ويلي ذلك تشكيل حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد لدولة مدنية ديمقراطية، ويلي ذلك إجراء انتخابات.
دأب الأردن، في جميع المناسبات، وعلى سائر المنابر، على تأكيد التزامه بحل سياسي. الآن، تبدو الظروف سانحة مبدئياً لشق الطريق نحو هذا الحل الذي يستجيب لتطلعات السوريين. التقدم على هذا الطريق وفق مرجعية واضحة وجدول زمني محدد، يوفر بيئة لوضع حد للعنف المستشري، ويفرز الراغبين في الحل عن أولئك الذين يستثمرون في العنف، ويمارسونه بدون توقف وبكل الأسلحة، وعلى أوسع نطاق، وبغير قيود وضوابط من "أخلاقيات الحرب"، والضحية هو الشعب السوري المثخن بالجراح، والدول المجاورة التي تنوء بالأعباء، ومنها على الخصوص الأردن.

اقرأ المزيد
٢١ نوفمبر ٢٠١٥
سورية... من جنيف إلى فيينا

 بعد اجتماعات فيينا وغزو روسيا بلادنا، صار من الضروري أن نطرح على أنفسنا أسئلة، منها: هل خرجت قضيتنا السورية من أيدينا إلى الحد الذي يضيّع مكاسب الجيش الحر، ويضعنا على الطريق إلى ما بعد الحل السياسي العادل الذي نريده؟ وهل وجدت الدولتان الكبريان، أميركا وروسيا، مدخلا إلى حل يختلف عن مدخل وثيقة جنيف واحد، وهو بالاسم "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، وعن آليات ونتائج الحل الديمقراطي الذي تقترحه؟ وهل تخلت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي عمّا أقرته في جنيف في يونيو/حزيران من عام 2012، لصالح شيء مختلف، هو "توافقات فيينا وتوصياتها"؟. ما معنى دعوة وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، إلى تصنيف المعارضة لتحديد الإرهابية منها، والدعوة التي وجهتها بلاده إلى لقاء معارض جديد في موسكو؟. وهل يلتقي مع نهج موسكو إعلان واشنطن جهلها بهوية المعارضة التي ستحضر مفاوضات السلام مع النظام؟. أخيراً، هل أخطأ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بامتناعه عن المشاركة في خطة ولجان مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، وبتمسكه بوثيقة جنيف وآلية قرار مجلس الأمن الدولي 2118 للحل السياسي؟
بداية: توافق المجتمعون في فيينا على نقاط تسع، اعتبروها نوعاً من إطار مبادئ، يعني قبوله من الطرفين السوريين المتصارعين تأسيس أرضية مشتركة بينهما، يمهد تطبيقها لإيجاد أجواء من الثقة، يستحيل تفاهمهما على الحل بدونها. ومع أن "فيينا" تعتبر وثيقة "جنيف 1" وقرار مجلس الأمن رقم 21118 مرجعية للتفاوض، وتالياً للحل السياسي، فإنها لا تورد، تصريحاً أو تلميحاً، مما يشير إلى أن "الهيئة الحاكمة الانتقالية" أداة يبدأ الحل بتراضي الطرفين على تشكيلها، مهمتها نقل سورية إلى الديمقراطية بضمانة الخمسة الكبار. بعد نقاطها التسع، تقرر تفاهمات فيينا تكليف الأمم المتحدة (دي ميستورا) بجمع ممثلي الطرفين، الحكومة والمعارضة، في عملية سياسية، تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، يعقب تشكيلها (من بشار الأسد بطبيعة الحال) وضع دستور جديد، وانتخابات تتم تحت إشراف الأمم المتحدة وبموافقة الحكومة، وبمشاركة جميع السوريين، بمن في ذلك "المغتربون"، حسب نص فيينا.

علمانية أم ديمقراطية؟
سأتجاوز الدولة العلمانية التي يقرّر النص إقامتها في سورية بعد الحل، ولن أتوقف عند الفارق الكبير بينها وبين الدولة الديمقراطية التي طالب بها السوريون، لأقول إن إجرائيات مسار فيينا التطبيقية، بمسمياتها المختلفة والمختصرة، سبق لها أن وردت بتفصيل ودقة أكبر في مذكرة حول مستلزمات الحل ومراحله، قدمها وفد "الائتلاف" إلى المبعوث الأممي السابق، الأخضر الإبراهيمي، في مفاوضات مؤتمر جنيف الثاني، غير أن النظام رفضها جملة وتفصيلاً، وأصر على أن الحل يكمن في محاربة الإرهاب، ممثلا بالجيش الحر والمعارضة الديمقراطية بوصفهما كيانه الرئيسي الذي تستهدفه بتركيز خاص هذه الأيام غارات طيران روسيا الحربي، وتصنيفات لافروف للإرهابيين في سورية. هذه نقطة لا بد من الوقوف عندها، لوضع أيدينا
" لايجوز أن ننسى حقيقة أن جنيف كان سوري الطابع، عطلته الخلافات الدولية، وفيينا دولي الطابع، ومن المرجح أن تعطله هو أيضاً"
على ما هو قائم من فروق بين مبادئ فيينا وما تعتمده المعارضة من رؤية للحل ومبادئه، وما يمكن أن يتمخض في الواقع عن هذه الفروق، وإلى أين يمكن أن تقود بنواقصها، وما يراد بها، ليس فقط بالنسبة لبشار الأسد ونظامه، بل كذلك بالنسبة إلى الانزياح الواضح عن وثيقة جنيف، الذي يبدو في الظاهر محدوداً ومقبولاً، لكنه قد يتحول إلى هوة سحيقة في البحث عن أشكاله التطبيقية التي ستتعين بموازين قوى، دخلت روسيا بكامل قوتها إليها، يسبقها إعلان عن تصميمها على تغييرها. ومع أننا لا نستطيع تحديد الملامح الواقعية لهذا التغيير، فإن ملامحه تبدو جلية في أهداف روسيا السورية، القائمة في حدها الأدنى على أوضاع تمكن النظام من احتواء المعارضة، وفي حدها الأعلى، على شطب الجيش الحر والمعارضة السياسية المتحالفة معه، من معادلات القوة والسياسة. وفي الحالتين، لا "جنيف"، ولا استجابة لما أعطاه لشعب سورية من حرية ونظام ديمقراطي، بل هجانة سياسية، تضع قابليها من المعارضين في حضن استبداد متجدّد، دمر مجتمعنا، عدوه الرئيسي، وقتل قطاعات واسعة من شعبنا أو طردها من وطنها، سيحتوي ذلك الصنف من المعارضين الذين يقبلون القراءة الروسية لوثيقة فيينا التي ستكون أسوأ بكثير من نصوصه المعلنة، فلدى الروس قراءة خاصة للحل، دولياً كان أم محلياً، هي التي أفشلت جنيف وستفشل فيينا، في حال خالفت ما يريدونه لسورية، ومن تسويات مع الأميركان والأوروبيين على المستوى الدولي، مما لا يرتبط بعلاقة الشعب السوري مع النظام الأسدي، وإنما يتفرع عن مصالح ومشكلات كونية متنوعة جداً ومزمنة، متنازع عليها بقوة مع واشنطن والدول الغربية، لكن قبول الحل السياسي ونمطه يتوقف على معالجتها بما يلبي مصالح روسيا من جهة، وأطراف متصارعة معها، تستطيع بدورها تخريب الحل، بعضها دولي أو إقليمي وبعضها الآخر عربي، فإن لم تجد هذه العقد المتشابكة جداً من المصالح المتضاربة والإرادات المتصارعة حلاً توافقياً مقبولاً من الجميع، فشل حل فيينا السياسي، أو تأجل الحل عامة، أو غدا تحقيقه ضرباً من الاستحالة، واستمر الصراع في سورية، وتم إلقاء وثيقة فيينا إلى سلة المهملات، وأخلت مكانها لوثيقة أخرى، تعبر عن موازين القوى التي ستكون قد شرعت تحكم العلاقات بين المتصارعين الكبار، دولياً وإقليمياً، كما يتم، منذ نيف وشهر، رمي أجزاء مهمة ورئيسية من وثيقة جنيف إلى هذه السلة بفضل وثيقة فيينا.

الفشل والمعوقات
يضع ما سبق يدنا على نقطة مهمة، تتعلق بمعوقات، يرجح أن يفضي تفعيلها المحتمل في أي وقت إلى فشل نمط الحل الذي اقترحته وثيقة فيينا، ولها مصادر ثلاثة، أتحدث عنها فيما بعد، بعد التوقف قليلاً عند النقطة التالية: بينما انصب جنيف بوثيقته، وباللقاء الذي ترتب عليه في فبراير/شباط من عام 2013 على الشأن السوري، على علاقة الشعب بالنظام والبديل المقترح بعد رحيل الأسد، المؤكد بقرار من مجلس الأمن الدولي يفسر معنى "الصلاحيات التنفيذية الكاملة"، يقول إنها صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السوريين التي ستنتقل حتماً إلى "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، جاعلة وجودهما على رأس السلطة نافلاً، ولا لزوم له، بمجرد قيامها. هذا التركيز على القضية السورية دون غيرها من قضايا ومشكلات دولية وإقليمية وعربية متداخلة معها، هو الذي دفع كتلة "الائتلاف" الرئيسية إلى اتخاذ قرارها بالذهاب إلى جنيف 2، الذي أحبطه الروس، بحجة أن وثيقته أنتجتها أوضاع ميدانية، لكنها تغيرت، وأن الحل يجب أن ينطلق من الوقائع، وليس من الوثائق. اليوم، ومع فيينا ووثيقته، تدور الأمور، بدرجة رئيسية، حول المصالح والصراعات الدولية التي تترجم إلى خلافات شديدة حول الحل المقترح للمعضلة السورية، وتأخذ صورة صراع حول تقاسم البلد والمصالح، كغنائم متنازع عليها. هذا الفرق مهم إلى درجة تحتم مطالبة "الائتلاف" بتوضيح القراءات المتباينة التي أملت وثيقة فيينا، وترجمتها المحتملة في المفاوضات بيننا وبين النظام، بالنظر إلى أن هذه القراءات هي التي ستترجم مصالحها ومطالبها، التي يجب أن نعرفها بدقة، وأن يكون لنا دور في جعل أصحابها يترجمونها بطرق تخدم الحل الذي يريده شعبنا.
هذا عمل علينا إنجازه عبر اتصالات نجريها مع جميع الأطراف، وقراءات صحيحة لمواقفها،
"واشنطن ليست "ابنة عمنا الربعي"، ومصالحها لا تتفق مع ما نريده لبلادنا، وهي تتلاعب بنا منذ نيفٍ وأربعة أعوام، ويمكن أن تضحي بنا في أية صفقة دولية؟ "
أي لمصالحها، وإلا مرر خصومنا ما يريدونه، ونحن في غفلة من أمرنا. في هذا السياق، لا يجوز أن ننسى حقيقة أن جنيف كان سوري الطابع، عطلته الخلافات الدولية، وفيينا دولي الطابع، ومن المرجح أن تعطله هو أيضاً، إلا إذا أجبرنا الروس والإيرانيين، بدعم نوعي وكثيف من إخوتنا العرب وأصدقائنا الإقليميين والدوليين، على تقديم قراءة لمصالحهم، تلبي مطالبنا، وهذا احتمال ضعيف بالنسبة لروسيا، ومستحيل بالنسبة لإيران. هل نبادر إلى تركيز عملنا على الوصول إلى مثل هذا الدعم الذي سيساعدنا على تحقيق أهدافنا، من دون إغلاق باب الحوار مع موسكو، آخذين في الاعتبار أن واشنطن ليست "ابنة عمنا الربعي"، ومصالحها لا تتفق مع ما نريده لبلادنا، وأنها تتلاعب بنا منذ نيفٍ وأربعة أعوام، ويمكن أن تضحي بنا في أية صفقة دولية؟
أما المعوقات فتنبع جميعها من أولوية المشكلات الدولية على المشكلة السورية، مشكلتنا كشعب مع نظامه:
يخضع الحل في سورية لصراعات وخلافات التيارات والأجنحة المنضوية في السلطة الإيرانية، التي ترى جميعها في تحقيق مطالب الشعب السوري تهديداً استراتيجيا لمصالحها، ولمكانتها في بلادنا، التابعة اليوم لها، وتريد لأي حل سياسي أن يبقيها تابعة لها. بقول آخر: يلعب الموقف الإيراني من المسألة السورية دوراً كبيراً في توحيد تيارات السلطة، ويرجع جزء من تشدد إيران حيالنا إلى خوفها من انفراط عقد نظامها، تحت وطأة ما سينشب بين تياراته من صراعات، في حال وافقت حتى على حل وسط سوري. أرجح أن تفعل إيران المستحيل لفرض حلها، العسكري، ولتنفيذ خططها السورية التي تعتبر العمود الفقري لحضورها ونفوذها، في المشرق خصوصاً، وبلادنا العربية عموماً، والمرتكز الذي ستواصل منه معركتها لإخضاع الخليج وإكمال سيطرتها على الوطن العربي.
ويخضع الحل في سورية لمصالح روسيا وصراعاتها مع أميركا والدول الغربية، وهي معقدة إلى أبعد الحدود، ومن المستبعد أن تتنازل الدول الغربية فيها، بالنظر إلى ضعف روسيا وارتفاع سقف مطالبها، وقدرة الغرب على إنهاكها وزيادة تورطها المكلف في سورية. ما لم تتنازل الدول الغربية، فإن روسيا ستربط الحل في سورية بها أكثر فأكثر، مما سيدفع الغرب الى التشدد، إلا إذا قررت قبول حل يراعي وضعها الصعب، يفتح الباب أمام تفاهم لاحق حول خلافاتها مع بقية العالم، وهي كثيرة، وهذا مستبعد على الأرجح، لأنه سيفقدها الورقة السورية، ولأن بوتين يمارس سياسات مغامرة، يريد بها الظهور بمظهر الطرف القوي القادر على فرض ما يريده، بينما سيرى في أية خطوة تصالحية يقوم بها في سورية تنازلاً مجانياً، ولا مبرر له، خصوصاً وأن الحل سيأتي في هذه الحال بغير قراءته.

إرهاب النظام الأسدي
ويخضع الحل في سورية للبلبلة السياسية والعسكرية التي ترتبت على قرارت أوباما إعطاء الحرب ضد الإرهاب الأولوية على إزالة جذره الحقيقي: نظام الاستبداد الأسدي في سورية،
"لا بد من جعل تغيير النظام الأسدي وإسقاط الأسد أولوية دولية، وإلا ستفشل الحرب ضد الإرهاب"
والنظام المذهبي /الطائفي في العراق، وحزب الله، التابع لقلعة الاستبداد الأخطر في المنطقة والعالم، ايران الملالي. واليوم، يدخل الروس على الخط، ويسعّرون هوس الإرهاب على المستوى الدولي، وفي علاقاتهم مع المسألة السورية، ليس لأنهم ضده، بل لدفع العالم إلى قبول قراءتهم حلاً سياسياً، يبقي على جذره الأسدي/ الاستبدادي في بلادنا ومنطقتنا، ويجدده، بحيث يعزّز معركته، ومعركة إيران ضد بلدان الخليج العربي. لا بد من جعل تغيير النظام الأسدي وإسقاط الأسد أولوية دولية، وإلا ستفشل الحرب ضد الإرهاب، كما فشلت حرب أميركا خلال العام الماضي، على الرغم من أنها ألقت طيرانها إلى المعركة، وتحالفت مع حزب العمال الكردستاني وأتباعه في سورية، وسلحتهم ومولتهم. ومع ذلك، فإن قتالها، بمعونة هؤلاء، ضد الإرهاب قد يستمر فترة طويلة جداً، من دون القضاء عليه. لا بد من نهج يقوم على فضح العلاقة بين النظام الأسدي والإرهاب، وتحديد صحيح لأولويات المعركة ضدهما، ينطلق من كون الأسدية هي الأصل والإرهاب هو الفرع، ويدفع دولياً وإقليمياً وعربياً لتطبيق ما قاله الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عقب لقائه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، حول استحالة هزيمة الإرهاب، ما دام بشار الأسد في الحكم، وما دامت جرائمه هي التي تدفع آلاف السوريين إلى الالتحاق بـ "داعش" أو التعاطف معها. من دون دمج المعركة ضد الإرهاب بالمعركة ضد الأسد وبالعكس، لن يكون هناك حل سياسي قادر على دحر الأسد وعصاباته وكسر شوكة الإرهاب، الذي تغذّى من حلوله الأمنية أمس، ويتغذّى اليوم من غزو روسيا بلادنا، وقتلها شعبنا، وشطب الجيش الحر والقوى الديمقراطية من معادلات الحل فيها، لاعتقادها أنها ستجبر بذلك العالم على قبول الأسد، بعجره وبجره، بوصفه الخيار الوحيد المتاح.
وفي نهاية كل أمر، سيتوقف تحقيق الحل العادل على اقتناع روسيا بأن معركتها خاسرة حتماً، وبأنها لن تستطيع إنقاذ الأسد ونظامه، وأن عليها البحث عن حل يلبي مصالحها، ليس لأنه ينقذ الأسد، بل لأنه يتفق مع ما يطالب به الشعب السوري، صديقها التاريخي الذي باعته لمجرم يقتله بثلاثين من الفضة، في صفقة هي الأسوأ في تاريخ روسيا الحافل بالصفقات السيئة.

اقرأ المزيد
٢٠ نوفمبر ٢٠١٥
إهمال النفايات الطبية يهدد سكان الشمال السوري بالأوبئة والأمراض

يشكل إهمال النفايات الطبية وخلطها بالنفايات المنزلية العضوية في مكبات القمامة خطراً كبيراً على عمال النظافة والسكان نتيجة احتواء النفايات الطبية على مواد كيميائية سامة وتبدو جهود التصدي لمخاطر هذه النفايات قاصرة في ظل انتشار أمراض وأوبئة يعزي البعض سبب انتشارها إلى إهمال إتلاف النفايات الطبية بصورة صحيحة.

إدلب – عبد الغني العريان

بالرغم من أن معايير السلامة تقضي بإتلاف النفايات الطبية والصيدلانية بطرق وأماكن خاصة ما تزال هذه النفايات ترمى في مكبات النفايات العادية بريف إدلب الأمر الذي يشكل خطراًعلى البيئة وعلى عمال النظافة أو من قد تكون له صلة مباشرة بها، ذلك أن وجودها في المكبات العادية قد يتسبب بالإصابة بأمراض مزمنة وأوبئة معدية،كالتهابات الكبد الفيروسية والعدوى المعوية وأمراض الجهاز التنفسي وفطريات الالتهابات الجلدية والتسمم وأمراض الدم.

خطر محدق بسبب النفايات الطبية

معظم النفايات الطبية توضع في أكياس القمامة وترمى في المكابات العادية ما يشكل خطرا على صحة السكان

معظم النفايات الطبية توضع في أكياس القمامة وترمى في المكابات العادية ما يشكل خطرا على صحة السكان

الطبيب طه الغريبي أحد أطباء المشافي الميدانية في ريف ادلب يتحدث للغربال عن النفايات الطبية قائلاً: “على الرغم من القفزات الهامة في عالم الطب والتي كان لها أثر إيجابي في المحافظة على صحة الإنسان ومحاربة الأمراض المختلفة، إلا أن هناك جانب سلبي للتقدم في الطب وإجراءاته وهو تلوث البيئة بمختلف الملوثات الطبية التي قد تؤدي بدورها إلى إصابة الإنسان بأضرار خطيرة ومميتة في أغلب الأحيان، وتتنوع المخلفات الطبية بشكل كبير لتشمل الإبر والحُقن والقطن والشاش وبقايا العينات الملوثة بسوائل ودماء المرضى ومخلفات صيدلانية وكيميائية وأحياناً مخلفات مشعة ومخلفات العمليات من أعضاء بشرية وغيرها، ولا يخفى على أحد أيضاً أن تلك المخلفات مصدرها المريض، لذا فهي تحتوي على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، دفع وجود هذا الكم من المخلفات الطبية العديد من المنظمات لطبية خلال الحرب في سوريا إلى الاهتمام بهذه المشكلة، بعدما أثبتت بعض الدراسات والبحوث مسؤولية هذا النوع من المخلفات عن إحداث أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الانتشار”.

ويضيف الطبيب الغريبي قائلاً: “يمكننا تعريف النفايات الطبية بأنها كل المواد المستخدمة للتشخيص أو للعناية بالمرض ىِداخل المرفق الصحي أو خارجه، وغالباً ما يتم استثناء الأطعمة والأوراق التي يستهلكها المرضى خلال فترات العناية بهم من المخلفات الطبية”.

وتصنف النفايات الطبية على النحو التالي:

أولاً:نفايات عادية:

وهي النفايات التي لا تشكل أي خطورة على صحة الإنسان، مثل الأوراق والزجاجات الفارغة المحتوية على مواد غير خطرة، وبعض المواد البلاستيكية والعلب الفارغة وبعض بقايا الأدوية العادية غير الخطرة وبقايا المطهرات مثلاً، وكلها نفايات عادية وغير سامة أو ضارة وهذه لا أثر سلبي منها على البيئة.

ثانياً: نفايات خطرة:

وهي بدورها تنقسم إلى النفايات الباثولوجية وهي خطرة جداً حيث تتضمن بقايا غرف العمليات الجراحية، وتشمل أعضاء بشرية مستأصلة تحوي المرض طبعاً وسوائل الجسم من أثر العمليات، والدم الناتج عن العمليات أيضاً والذي قد يحتوي على الكثير من الأمراض، ويشمل ذلك أيضاً بقايا المختبرات من سوائل التحليلات وبقايا العينات التي تستخدم في التحاليل بالإضافة إلى نتائج التفاعلات الكيميائية التي تلقى بعد معرفة نتائج التحاليل وكلها مخلفات غاية في الخطورة، ولايجب أن تعامل مثل هذه النفايات معاملة النفايات العادية بل يجب أن توضع في علب خاصة محكمة الغلق وتعامل معاملة خاصة للتخلص منها ولا يكون ذلك بإلقائها مع النفايات العادية حيث يشكل ذلك وسطاً جيداً لنمو الجراثيم أو يكون بمقام مزرعة خاصة لتكاثرها ومن ثم نشر الأمراض المختلفة إلى العالم الخارجي.

وتشمل النفايات الخطرة أيضا على النفايات الملوثة وهي تلك النفايات الناتجة عن مستلزمات الجراحة مثلا لضمادات الملوثة التي استهلكت ويجب التخلص منها، والملابس التابعة للمرضى والتي يتم ارتداؤها في غرف العمليات وقفازات الأطباء التي يستخدمونها في الجراحة ثم تلقى بعد ذلك والقطن الملوث والإبر البلاستيكية والحقن الشرجية وغيرها من النفايات الملوثة بحد ذاتها والتي قد تشكل مصدراً للعدوى في حالة تعرض الإنسان العادي إليها بشكل أو بآخر،وبهذا فهي مصدر لخطورة كبيرة إذا لم يتم التعامل معها بحرص شديد.

كما تشمل النفايات الخطرة أيضاً النفايات المشعة وهي تتضمن بقايا غرف الأشعة، والمختبرات المتخصصة، والمحاليل المشعة المستخدمة في التحاليل الطبية كاليود المشع وغيره، وهذه البقايا قد تكون مواد مشعة ذات نصف عمر قصير وقد تكون ذات نصف عمرطويل، وهي تكون ذات خطورة بالغة على صحة الإنسان وعلى البيئة المحيطة به.

غياب الاهتمام يفاقم المشكلة  ‏

الصيدلاني علي الأحمد من ريف إدلب عبّر للغربال عن أمله في قيام المنظمات الطبية والبلديات والمجالس المحلية بريف إدلب بإحداث وحدات لمعالجة النفايات الطبية على مستوى كلمنطقة من مناطق ريف ادلب بأسرع وقت وذلك من أجل تفادي أخطار التلوث الكيميائي الذي يشكله رمي النفايات الطبية في مكبات القمامة العادية، مؤكداً للغربال خطورة ذلك على نوعية الهواء والماء والتربة. ‏

‏وينتقد كثيرون ظاهرة رمي النفايات الطبية من قبل العيادات والمشافي الميدانية التي تنتشر في ريف ادلب في أماكن رمي القمامة العادية، يقول “علي” وهو أحد المدنيين في مدينة سلقين بريف ادلب للغربال: “يومياً نشاهد بالعين المجردة عشرات العلب الطبية الفارغة ترمى من قبل المشافي الميدانية ومراكز التحاليل الطبية في أماكن رمي القمامة العادية، وصل الأمر أخيراً إلى انبعاث رائحة الأدوية الطبية من حاويات القمامة الموضوعة جانب تلك المشافي والمراكز في ريف ادلب كاملاً، ومع انتشار الأوبئة والأمراض فنحن نحمّل المسؤولية للمجالس المحلية والمنظمات الطبية التي تعمل بالداخل السوري والتي تنشط أكثرها بريف إدلب‏‏‏. ‏‏‏

جهود قاصرة للحد من خطر النفايات الطبية

حراق صغير لحرق إبر الحقن الطبية

حراق صغير لحرق إبر الحقن الطبية

تحدث للغربال الطبيب “أبو محمد” وهو مدير أحد المشافي الميدانية في ريف إدلب، طالباً عدم ذكر اسمه الكامل، عن طرق الدفن الصحيحة للنفايات الصلبة وعن تقصير المنظمات الطبية في هذا المجال قائلاً: من المفروض أن تدفن النفايات الطبية الصلبة مع النفايات الأخرى بعد معالجتها بالتقنيات الحديثة مثل الأوتوكليف والميكرويف أو المحارق ذات الجودة العالية وبدرجة حرارة كبيرة تصل إلى 1200 درجة، وذلك من قبل أشخاص مدربين وعلى كفاءة عالية، وتعتبر الطريقة الأفضل لمعالجة النفايات الطبية والتخلص منها هي معالجتها عن طريق الأوتوكليف لأن الميكرويف يقوم بالتسخين فقط ولدرجة أقل من درجة حرارة التعقيم ذلك أن درجة حرارة التعقيم لا تقل عن 138 درجة مئوية ويمكن أن تتم معالجة النفايات الطبية عن طريق المحارق وهي غير متواجدة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار بالشمال السوري.

ويوضح “أبو محمد” أنه يوجد جهاز محرقة للنفايات الطبية اسمه Ecodas من إنتاج شركة فرنسية يعالج النفايات الطبية عن طريق الفرم والبخار تحت درجة حرارة 138 درجةوضغط 3,8 بار، وقد تم عرض مشروع اقتناء هذا الجهاز على أكثر من منظمة طبية تعمل في ريف ادلب  لكنهم رفضوا تزويدنا به دون توضيح سبب الرفض مكتفين بتقديم حارق صغير لحرق “الإبر” فقط، أما النفايات الأخرى فنحن نتعامل معها بطرق غير آمنة عن طريق وضعها بأكياس القمامة ورميها في أحد المكبات الغير منظمة والغير مدروسة ويوجد مشافي ميدانية وعيادات طبية ترميها مع القمامة المنزلية ما يرفع احتمال انتشار أوبئة وأمراض نحن بغنى عنها.

وقد أوضح مسؤول المكتب الخدمي سابقاً في منظمة “ميديكال ريليف” الطبية “بدر غزال” للغربال: لقد نفذنا مشروع مكب مخدم للنفايات الطبية خاص في مدينة سلقين بالقرب من مشفى سلقين الميداني من أجل ردم وحرق النفايات الطبية الصلبة وعيرها من النفايات الطبية وقد نفذ المشروع منذ سنة ونصف تقريباً ويتألف المكب المخدم من ثلاثة أقسام.
القسم الأول هو عبارة عن حفرة مربعة من الإسمنت يوجد فيها حراق تحرق كل ما في داخلها وتحولها الى رماد وهي مخصصة للأطراف المبتورة أو الاشلاء الناتجة عن القصف أو عن الولادة “المشيمة”. أما  القسم الثاني فهو حفرة مربعة تحوي على إسمنت مكثف وهي مخصصة للسوائل أي لدماء المرضى الزائدة وللسوائل التي تخرجها أجهزة غسيل الكلى، والقسم الثالث هو حفرة مستطيلة تحوي على الرمل والإسمنت مخصصة لدفن النفايات الصلبة أي الإبر والمشارط والشاش والقطن ويتم حرقها بين الحين والآخر
.

وقد افاد أحد سكان مدينة سلقين رافضاً ذكر اسمه للغربال: منذ سنة تقريبا في فصل الشتاء حين هطلت الأمطار بشكل كبير انتشر وباء الحمى التيفية واليرقان “أبوصفار” بشكل غريب بمدينة سلقين وبالأخص بين الأطفال وشك السكان حينها أن تسرب مياه الأمطار لمكب النفايات الطبية هو ما تسبب بانتشار هذه الأمراض، لا يوجد أي تفسير آخر لانتشار هذه الأمراض سوى هذا المكب الذي كان من المفترض أن يكون محمياً من تسرب مياه الامطار الغزيرة إليه لتصطحب معها المواد العضوية لتتحلل في التربة، لكن مع ذلكهذه مجرد شكوك ولا يوجد شيء مؤكد إلى الأن ونحن في مدينة سلقين نطالب أي جهة مختصة من منظمات طبية وغيرها بأخذ عينات في التربة وفحصها, فلدينا خوف كبير من تكرار الأمر في الشتاء القادم.

ويذكر أن أعضاء المكتب الطبي في المجلس المحلي بمدينة سلقين طلبوا بعد إنشاء المكب المخدم من أصحاب العيادات الصحية ومراكز التحليل رمي النفايات الطبية والصلبة ضمن هذا المكب، لكن أحداً منهم لم يلتزم برمي النفايات الطبية ضمن المكب باستثناء المشفى الميداني والمستوصف الطبي في مدينة سلقين.
 

اقرأ المزيد
١٩ نوفمبر ٢٠١٥
رقص دولي على قبور السوريين !

من نصدق باراك أوباما المخاتل عندما يقول إنه حصل " تقدم متواضع" في الإجتماع الوزاري الخاص بسوريا في فيينا، تمثل بإتفاق المشاركين على خريطة طريق للعملية الإنتقالية في سوريا، أم نصدق وزير خارجيته جون كيري الواهم، الذي لم يتردد أمس في الحديث عن "عملية إنتقال سياسي كبير [كبير؟] في غضون أسابيع بين النظام والمعارضة، وذلك أثر التسوية الدولية التي تم التوصل اليها في ختام مفاوضات فيينا"؟

قياساً بالوقائع الواضحة ليس علينا ان نصدّق شيئاً من هذه الترهات، فإذا كان كيري يزعم "اننا على مسافة أسابيع من إحتمال إنتقال سياسي ونحن نواصل الضغط في هذه العملية"، فليس علينا سوى ان نتأمل الروزنامة التي حددها لهذا الموضوع، لكي ندرك ان العملية بعيدة جداً وقد يصبح اوباما وكيري خارج السلطة وربما خارج الذاكرة، قبل موافقة الروس ومن بعدهم الإيرانيون على عملية انتقال سياسي تنهي سلطة بشار الاسد على ما تقتضيه العناصر الأولية لأي حل.
يتحدث كيري عن عقد إجتماع بين النظام وأعضاء المعارضة السورية قبل نهاية الشهر المقبل، ولكن من الذي سيحدد أعضاء وعناصر هذه المعارضة، هل يحددها سيرغي لافروف الذي يحمل قائمة تقتصر على ٣٨ أسماً من أولئك الذين يسمّون معارضة الداخل التي تنام في أحضان النظام، وماذا نفعل بمعارضات الخارج؟
ويتحدث كيري عن الحاجة الى وقف لإطلاق النار، ولكن من سيضمن التوصل الى وقف اطلاق النار أو الى إلحاق الهزيمة بالإرهابيين من الآن حتى نهاية كانون الأول المقبل، أم ان علينا ان نصدق أوهام فلاديمير بوتين الذي يدعو الى جبهة دولية لمحاربة الأرهاب و"داعش"، وهو الذي بدأ حربه ضد المعارضة دعماً لبشار الاسد قبل ٤٩ يوماً تحديداً، من دون أي تعديل كبير في سيطرة "داعش" الميدانية؟
ثم هل نسي كيري الملاكمة الكلامية بينه وبين لافروف في المؤتمر الصحافي بعد مفاوضات فيينا حول مصير بشار الأسد، وهل يظن هو واوباما ومعهما بوتين ان عملية الإنتقال السياسي التي يتحدث عنها يمكن ان تعني ان السلطة تنتقل من الاسد الى الأسد، وان مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين وسوريا المدمرة، مجرد تفصيل في سياق التسوية التي يتوهمونها؟
هل يمكن الحديث عن حل أو عن عملية إنتقال سياسي، عندما يحاول بوتين مثلاً وبكل فظاظة توظيف دماء الفرنسيين بدعوته فرنسوا هولاند الى إعادة النظر في موقف فرنسا المعروف من ضرورة الرحيل الفوري للاسد، بالقول إن هذا الموقف لم يحمِ باريس من الإعتداء الإرهابي، لكأن موقف بوتين المتمسك ببقاء الاسد حمى الطائرة الروسية من التفجير الإرهابي؟
غريب إستمرار الرقص الدولي فوق قبور السوريين.

اقرأ المزيد
١٩ نوفمبر ٢٠١٥
نحن شركاؤهم في الجريمة

كان الرئيس الأميركي باراك أوباما منهمكاً، بعد تحرير النظام السوري من ترسانته الكيماوية، باللهاث وراء تسجيل إنجاز الاتفاق النووي مع إيران، بوصفه «ضمانة» لعالم أكثر أمناً، ولأمن إسرائيل... فيما استعرت حملات الإبادة في سورية. كان أوباما منشغلاً بمعالجة الحصبة في أميركا، والنظام السوري يحصد يومياً عشرات من أرواح المدنيين الأبرياء الذين لم يفارقوا منازلهم، ولم يحملوا السلاح في صفوف المعارضين.

كان سيد البيت الأبيض شديد الحرص على التنديد بنظام دمشق، لكنه أكثر حرصاً على النأي بالأميركيين وجنودهم من ساحات القتل بعد «الربيع العربي». شجّع بتردده وضعفه، تمادي طهران وموسكو في الدفاع عن النظام السوري بكل الوسائل القتالية وبـ «التطهير» والتشريد، بذريعة «تنظيف» سورية من «الإرهابيين».

حتى في مواجهة «داعش» وفظائعه، اكتفى البيت الأبيض بالحرب من الفضاء، فتمادى التنظيم، إلى أن انكشف رهان واشنطن على خطوات أوروبية «أكثر جرأة»... لاستئصال التنظيم. وقد يكون جلياً عدم اكتراث أوباما بتوريط الأوروبيين في القتال على الأرض السورية، بعد مجزرة باريس، ليمحو فضيحة تدريب إدارته 50 مقاتلاً من المعارضة السورية على مدى سنة. وبحساب بسيط يتبين أن نظام دمشق المطمئن وحلفاءه إلى العجز الأميركي الفاضح عن وقف المأساة السورية، وإلى الحماسة الروسية إلى تلقين أميركا والغرب عموماً درس الانتقام بعد أوكرانيا... انتقل الى مرحلة قضم مناطق المعارضة.

أما الاتكاء على تبدُّل مقتضيات المصالح الروسية لاحقاً، للرهان على إمكان تخلُّص موسكو من حماية مصير الرئيس بشار الأسد، فيثبت يوماً بعد يوم أنه ما زال مبكراً، فيما طهران لا تتردد في الدفاع علناً عن «حق» الأسد في الترشُّح مجدداً للانتخابات. بحساب بسيط أيضاً، يتضح أن روسيا وإيران تحجّمان المأساة السورية إلى عاملين: إصلاحات سياسية مع معارضة «وطنية»، ومعارضة لا بد أن تقاتل مع النظام لحمايته من «الإرهابيين».

ولكن، ما الذي تبدّل بعد مجزرة باريس، وجرّ «داعش» فرنسا إلى حال الطوارئ؟ ما تبدّل هو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كسب الرهان على أولوية الحرب على «داعش»، بدلاً من حتمية تغيير رأس السلطة في دمشق. كسب تحالفاً مع الرئيس فرنسوا هولاند الذي بات معه في خندق الاقتصاص من «دولة» أبي بكر البغدادي. الأول أدمت هيبته كارثة تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء، والثاني اهتز كل الأمن في بلاده بعدما نقلت «داعش» المعركة إلى أرضها.

وقد يكون بين العرب مَنْ يتساءل الآن: هل يستحق تبديل الأسد التضحية بأرواح ألوف أخرى من السوريين، من دون أن يتبادر إلى ذهنه حجم الثمن المتوقّع لتثبيت سلطة متجدّدة لنظامه... ولو قاتل معه بعض المعارضين!؟

أبعد من ذلك، وإن كانت مجزرة باريس أو 11 أيلول (سبتمبر) الفرنسي كشف حجم الكارثة المتجددة مع أجيال البغدادي و «دولة الخلافة» التي تجر الجميع سريعاً إلى صدام مريع بين الحضارات والثقافات، ألم يكن حرياً بالعرب والمسلمين أن ينبشوا جذور التطرُّف والتعصُّب والجنون، على مدى سنوات طويلة بعد 11 ايلول 2001؟

لا يعفيهم جميعاً من هذه المهمة، تصنيف مبسّط لاختراقات في مجتمعات لطالما تردّد أنها لم تشهد استقراراً إلا في مراحل جمهوريات الاستبداد.

وهذه جمهوريات تواطأنا جميعاً في تجديد شبابها، إذ ركبنا ردحاً أمواج الاتجار بشعارات فلسطين، وتباهينا طويلاً بالدفاع عن حقوق الفقراء من دون أن نبني مصنعاً يحمي رغيفهم وكراماتهم... شيّدنا عشرات بل مئات الجامعات على امتداد خريطتنا البائسة، حتى إذا حلّ نجم أسامة بن لادن أرغمنا ألوف الخريجين على تسخير علمهم وكفاءاتهم لتوسيع مدارس «القاعدة»، وزرع معسكرات الخراب.

هي محنة العقل العربي الذي ما زال تائهاً بين أمواج الجهل، واقتناص فرصة للانتقام من الفقر بالانتحار. يحدث كل ذلك، ومعه اتجار منتعش بالدين وفِرَقه.

نحن شركاء في الجريمة في سورية، منذ تواطأ كثيرون في زرع «حدائق البعث» في كل منزل، طمعاً بحماية النظام للتجارة «النظيفة»... وتواطأوا في تدريب الابن على التجسس لكشف «إخلاص» أبيه. لو انتفض السوريون قبل عشرين أو ثلاثين سنة، ألم يكن ذلك أجدى في إنقاذ أرواح عشرات الألوف؟ لو هبّ الليبيون على جمهورية العقيد قبل عقدين أو أكثر، هل كانت المسافة بين طرابلس وبنغازي لتصبح مثلما هي اليوم، أطول بكثير من المسافة بين القطبين؟

نحن شركاء في الجريمة؟ لعلنا أكثر جُبناً من أوباما.

اقرأ المزيد
١٩ نوفمبر ٢٠١٥
روسيا تقبل إرادة الشعوب؟

 تتمثل مشكلة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في وضع بشار الأسد، في أنه يرى أنه ليس من حقه تنحيته. وقد كرَّر أكثر من مسؤول روسي ما يشبه ذلك، حيث ليس من حق روسيا تغيير النظم، وأن من يقرر مصير بشار الأسد هو الشعب السوري، وكثير من هذا الكلام المرسل. لكن روسيا سحقت الشيشان، لأن الشعب قرَّر "الاستقلال". وتدخلت في جورجيا لأنها تريد استقلال مجموعة قومية لها ارتباط بروسيا. وأخيراً، ضمت شبه جزيرة القرم، ودعم استقلال شرق أوكرانيا بالتدخل العسكري المباشر. وذلك كله لأن القيادة الروسية، خصوصاً مع بوتين، تنطلق من أن الشعب هو الذي يقرّر مصيره.
دعمت روسيا، في سورية، النظام منذ اللحظة الأولى، أي حين كان واضحاً أن الشعب يثور سلمياً من أجل إسقاط النظام. وقد رفعت الفيتو (مع الصين) مراتٍ، لمنع فرض عقوبات على النظام، وأمدته بالسلاح إضافة إلى الدعم السياسي، بمعنى أنها كانت تدافع عن نظامٍ يريد الشعب إسقاطه، قبل كل الحديث عن "التدخل الخارجي" ومحاربة الإرهاب. ولقد استغلت أزمة النظام ومأزقه أمام ثورة شعب، لكي تحصل على مصالح اقتصادية وعسكرية كبيرة، وهو ما ظهر الآن في توسيع القاعدة البحرية في طرطوس، وقاعدة جوية في اللاذقية، وحتى وجود قوات برية. وتنتظر الحصول على السيطرة على النفط والغاز، وعلى مشاريع اقتصادية عديدة.
ربما كانت المسألة الأخيرة هي التي تجعله يدافع عن النظام، ويقرّر بقاء بشار الأسد، فحين أرسل طيرانه وقواته، على الرغم من أن المبرر المطروح هو الحرب ضد داعش، ومحاربة الإرهاب، فقد أعلن أكثر من مسؤول أن الهدف هو "مصالح روسيا"، وجرت الإشارة إلى أن التدخل جاء لمنع سقوط النظام. بمعنى أن روسيا دعمت النظام لسحق الثورة، وهي شعبية واضحة، من دون سلاح، ومن دون تدخل خارجي أو وجود إرهاب وأصولية (أي إلى نهاية سنة 2012)، وبات لها نتيجة ذلك مصالح لم تستطع الحصول عليها قبل الثورة، بعد أن قطع النظام العلاقة الاقتصادية، وهمّش العلاقة السياسية، معها. ودعمت تدخل إيران بإرسال قوات حزب الله، ومن ثم قوات طائفية من العراق وغيرها، ثم من الحرس الثوري، لحماية النظام من الشعب. وأيضاً سهلت وجود داعش، كما فعل النظام وفعلت إيران، وأمدها بفيض من "المجاهدين" الشيشان. وبعد فشل ذلك كله في منع سقوط النظام، تدخلت هي التي ترفض "التدخل الخارجي"، حيث من الواضح أنها تعرف جيداً أن تحقيق مصالحها مرتبط ببقاء بشار الأسد، ربما بعد أن فشلت في إيجاد بدائل تحقق الهدف نفسه.
هنا، إذا كانت معنية بأن يقرر الشعب مصير الأسد، لماذا تدخلت لمنع سقوطه؟ طبعاً على الرغم من أن وضع الثورة المسلح لم يكن يسمح بالوصول إلى سقوط النظام، نتيجة موقف "الدول الداعمة" التي أرادت تعديل ميزان القوى العسكري، لكي تقبل روسيا وإيران تنحية بشار والوصول إلى حل، لم ينافس أحد في أن تكون روسيا هي الراعي له. لكن، من الواضح أن تمسك روسيا ببشار الأسد هو الذي جعلها ترفض التوافق، وأن ترسل قواتها لحماية النظام، وفرض الأسد رئيساً. لكن، لن تختلف النتيجة على الرغم من ذلك، سوى أن الدمار والقتل العشوائي سوف يتزايدان، بعد أن أدخلت روسيا أسلحة متطورة وشديدة القوة. وباتت طائراتها والقوات الإيرانية هي التي تحمي النظام من السقوط بقوة الشعب المحاصر من كل الدول العدوة والصديقة.
في الأخير، في الانتخابات التي جدد بشار الأسد فيها رئاسته، في 2014، لم تكن نسبة المشاركة أكثر من 10% على الرغم من كل الأرقام التي أذيعت. وفي التصويت على الدستور، كانت النسبة أقل. وفي أي انتخابات جديدة ستكون أقل كذلك، لكن السؤال يتمثل في السلطة التي تفرض أرقامها. بالتالي، لا تحقق هذه النظم انتخابات حرة، بل تخضع لسطوة الأمن.
في كل الأحوال، لماذا يخاف الروس من المرحلة الانتقالية التي تقود حتماً إلى انتخابات حرة؟ ففي كل الأحوال الشعب سيختار.

اقرأ المزيد
١٩ نوفمبر ٢٠١٥
الإرهاب أمام معيار الأخلاق والحق والسياسة

الإرهاب حرب، ولكنْ بوسائل غير نظامية. وعدم نظاميتها نابع من أنها، بعكس الحرب "القانونية"، لا تستهدف المقاتلين من الخصوم، وإنما توجه عنفها نحو الأبرياء، بهدف إضعاف موقف المقاتلين الخصوم، وإجبارهم على دفع ثمن، وتحمل مخاطر غير محسوبة، وإثارة البلبلة والخوف في حاضنتهم الشعبية. لذلك، نظر الرأي العام العالمي إلى حرب الإرهاب على أنها، بالتعريف، عمل غير مشروع. وهي في جميع المقاييس عمل مناف للحق، ومدمر لأسس المدنية، وفي مقدمها الدولة التي لا تقوم من دون حكم القانون، ومفهوم مقبول للعدالة، أي من دون سلطة تعاقب المسيء وتحمي البريء. ولذلك، ليس لتحريم الإرهاب حدود جغرافية أو سياسية أو ثقافية، فهو محرّم في كل مكان، وهو شر جميعه، سواء حصل داخل المجتمع الواحد، أو نقل إلى مجتمعات أخرى.
ولا تختلف العمليات الإرهابية التي نفذها داعش في فرنسا، واعترف بمسؤوليته عنها، في مضمونها عن جميع العمليات الإرهابية التي ينفذها التنظيم نفسه في سورية والعراق، وغيرها من البلاد العربية، وهي مدانة بالدرجة نفسها التي ينبغي أن تدان بها جميع العمليات الإرهابية في العالم. ولا يخفف من هذه الإدانة أن هذه الجرائم تمس شعوباً أخرى، لعبت حكوماتها، في هذه الفترة أو تلك، دوراً سلبياً في حياة الشعوب العربية، ولا يقلل من طابعها اللامشروع أنها تأتي في سياق الحرب الإرهابية الشاملة التي يشنها نظام الأسد وحلفاؤه على السوريين، ويدمرون من خلالها الدولة والمجتمع والبلاد. فلا يمكن للشر أن يبرر الشر، والرد على الظلم لا يكون بظلم مثله، وإلا انتفى الحق، وزهقت مبادئ العدل، وانعدمت فرصة السلام والأمن والاستقرار التي لا تقوم من دونها مدنية، ولا تزدهر حضارة. ونحن الذين لم نتوقف عن تحمل آثار حروب الإرهاب التي قضت في بلداننا على الدولة والمجتمع والدين والحضارة، بدءاً بالإرهاب الإسرائيلي الذي شكل الأم المرضعة والحاضنة لكل إرهاب لاحق، وانتهاءً بإرهاب داعش الذي يريد تدمير ما تبقى من المجتمع والتاريخ في بلادنا، مروراً بإرهاب الأنظمة السياسية القمعية، لا يمكن إلا أن ندينه، ونستنكر عملياته الإجرامية في فرنسا، كما في جميع مناطق العالم الأخرى. وأي تهاون في مثل هذه الإدانة يعني إيجاد الأعذار والمبررات لانتشاره، وبصورة غير مباشرة، تقديم ذرائع ومبررات للإرهاب المحلي والدولي الموجه إلينا. إن قتل الأبرياء، مهما كان دافعه وهدفه، عمل لا أخلاقي، يعكس انهيار معنى الإنسانية عند فاعليه، ويعبر عن عودة البربرية وسيطرة معاني الانتقام والحقد والموت على الأمل والتفتح والحياة. وفي القرآن: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".

في أصل الإرهاب وأسباب انتشاره
لكن إدانة الإرهاب بصورة مطلقة، وعدم إعطائه أي مبررات مهما كانت، وعدم قبول أي تسامح معه، لا ينهي الإرهاب، ولا يمكن التوقف عنده. تستدعي مكافحة الإرهاب أن نفهم أسباب وجوده، حتى نستطيع أن نقضي على جذوره. والطروحات التي تبثها معظم أجهزة
"ليس التطرف والإرهاب سمة خاصة بأي شعب أو ثقافة أو دين. إنه ثمرة الانسدادات والمآزق والصراعات التي لا حل لها"
الإعلام العربية والدولية التابعة للأنظمة شبه الاستعمارية أو الاستبدادية، تزيد في تفاقم ظاهرته، بمقدار ما تلقي المسؤولية فيه على جماعاتٍ، أو أديان كاملة، وتوجه الرأي العام العالمي ضدها، وتعمل على عزلها وتأبيد الظلم الواقع عليها، أو التغطية عليه، كما تشجع ضحايا الإرهاب على الخلط بينه وبين هذه الأديان والشعوب، لتمدد في عمر النزاع، وتسعر روح الحرب المستمرة بشكل أو آخر منذ عقود. والواقع أن هذه الطروحات لا تهدف إلى فهم أسباب الإرهاب الموضوعية، لكنها تستغل معاناة ضحاياه للتغطية على مسؤوليات الحكومات والنظم والطغم الحاكمة والتيارات الأيديولوجية العنصرية، أو شبه العنصرية في نشأته وانتشاره. وتعمل أغلب هذه الطروحات على الخلط المتعمد أو العفوي بين الأعمال الإرهابية التي تشكل انحرافاً عن المقبول في أي ثقافة أو جماعة أو دين، والثقافة أو الجماعة أو الدين نفسه. فتربط بين الأعمال الإرهابية التي تقوم بها منظمات أو جماعات معينة وبعض المذاهب أو الأديان. والواقع أن التركيز المستمر على طروحات ثقافوية مسيطرة اليوم في الغرب لا ترى للإرهاب سبباً سوى ثقافة المسلمين أو دينهم، بدل أن ترى في الإرهاب انحرافاً يمكن معالجته بتطبيق القانون والتربية المدنية، يزيد من الشعور بالظلم لدى المسلمين، ويخلق التربة الآسنة في العلاقات التي تربطهم بالغرب، والتي تضاعف مقدرة الإرهابيين المحترفين على اصطياد مزيد من الشبان الأبرياء، وتوريطهم في الجريمة والانحراف. وهو يؤكد، في ما وراء ذلك، استمرار منطق الحرب التي لا تزال تطبع العلاقات العربية الغربية، والتي لا يشكل الإرهاب إلا أحد تجلياتها الكريهة.
ليس التطرف والإرهاب سمة خاصة بأي شعب أو ثقافة أو دين. إنه ثمرة الانسدادات والمآزق والصراعات التي لا حل لها، وليس هناك إمكانية، بعد، لحسمها. وليست هذه الانسدادات إلا نتيجة خيارات سياسية واستراتيجية خاطئة، قامت بها حكومات وأنظمة ومسؤولون رسميون، في إطار البحث عن تعظيم مكاسبهم وامتيازاتهم، على حساب المصالح الحيوية للآخرين، وتحطيم آمالهم وتهديد أمنهم وسلامتهم. ففي التعفن واليأس من الخلاص والخوف المتفاقم على الحياة، يولد التسليم والاستسلام للأمر الواقع من الشعوب المغلوبة على أمرها، كما يولد بموازاته التطلع إلى تقويض مبدأ النظام والسلام والاستقرار عند جماعاتٍ ترفض الأمر الواقع، ولا ترى وسيلة لتغييره سوى بالتخريب وتقويض قدرة المنتصر على التمتع بانتصاره. ولا توجد وسيلة لمحاصرة الإرهاب والحد من انتشاره، من دون تغيير هذه الخيارات، وتبني خيارات جديدة، تحترم الحد الأدنى من قيم المساواة التي هي اليوم القيم الأساسية التي تضمن الكرامة والعدل في عصرنا، بعد أن تحول العالم بالفعل إلى قرية صغيرة، تتشابك فيها مصائر الشعوب. ولم يعد من الممكن للظلم والإجحاف وامتهان كرامة الشعوب، أو تجاهل حقوقها أن يمر من دون عواقب وخيمة، يشكل الإرهاب الأشد قسوة منها. وإذا كانت المعالجة القانونية للإرهاب أساسية لردع الأفراد عن المشاركة في أعمال إجرامية، فإن المعالجة السياسية التي تهدف إلى عزل الإرهاب وحرمان محترفيه من أي حاضنة اجتماعية، لا يمكن أن تنجح ما لم يستعد العالم قدرته على الرهان على التضامن الدولي، وإعادة تعزيز حكم القانون، واحترام إرادة الشعوب وحقوقها الأساسية. وهو ما لا يتفق مع سياسات دعم النظم الديكتاتورية، وغض النظر عن المظالم والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وحروب الإبادة الجماعية التي درجت عليها السياسات القومية للدول والنظم الديكتاتورية، من أجل تحييد الشعوب، وشل إرادتها والتلاعب بمصائرها.

في مخاطر الخلط بين الإرهاب وأي دين
وفي المشرق الراهن، يستمد الإرهاب قوته وانتعاشه ويزيد من جرأته على شن هجومات منسقة ترقى إلى مستوى الحرب، من أسباب متعددة، في مقدمها تقويض السلام والأمن القومي
"جذبت الحالة السورية الانتحاريين والمتطرفين من كل مكان، وأنتجت منهم الكثير أيضاً داخل المشرق كله"
والاجتماعي من حكومات دول طامحة في التوسع والهيمنة، ونظم سياسية فاسدة تستفيد من التحالف معها، لتجريد الشعوب من حقوقها، وفرض الخنوع والإذعان عليها، وحرمانها من مواردها وآمالها. ومنها غياب الإرادة الدولية وفشلها، ممثلة بمجلس الأمن، في حماية الشعوب والتضامن معها لضمان حقوقها الأساسية. وأخيراً، ومن وراء ذلك كله فقدان القيادة العالمية، وتخلي الدول الكبرى عن مسؤولياتها، والتساهل مع المظالم والاختلالات والجرائم ضد الإنسانية التي تتعرض لها الشعوب في أكثر من مكان ومنطقة. وقد جذبت الحالة السورية الانتحاريين والمتطرفين من كل مكان، وأنتجت منهم الكثير أيضاً داخل المشرق كله، بمقدار ما جسّدت النموذج الأكثر بشاعةً، لسيطرة روح الأنانية وشره التسلط والهيمنة وانعدام التضامن وغياب الشعور بالمسؤولية لدى الدول الكبرى والإقليمية معاً، والتضحية بحياة شعب كامل، من أجل الاحتفاظ بمصالح وامتيازات خاصة، أو النزاع عليها. كما كشفت هشاشة مؤسسات المجتمع الدولي، وهي الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، وعجزها المحزن عن ضمان الحد الأدنى من التضامن والعدالة واحترام حقوق الشعوب ومصالحها الحيوية في حقل العلاقات الدولية.
لم يكن الإرهاب بحاجة إلى ولادة جديدة بعد أن أكملت الحرب الاستعمارية الدموية في أفغانستان مراحل إخصابه وولادته. فهو موجود اليوم في العالم بنية قائمة بذاتها وثابتة، من خلال شبكات وتنظيمات وأسلوب عمل وتفكير مجربين. ما يقدم له الوضع المأساوي الذي آلت إليه الأحوال في المشرق، بسبب سياسات الدول الكبرى، واستهتارها بحقوق الشعوب وحياتها ومصائرها هو إسعافه بدفعةٍ لاحدود لها من الأوكسجين الذي قاده، هو الفعل المؤسس على تقويض مبدأ الدولة، إلى الحلم بالتحول إلى دولة، وإقامة إمارة يريدها أن تكون على مثال الخلافة الإسلامية الأولى، وهي ليست في الواقع سوى الضد الخالص لها.
ويهدد التفسير السياسوي والثقافوي للإرهاب، في شروط الانفجار الذي يعيشه المشرق والشرق الأوسط، وانفراط عقد الدول والمجتمعات، واندفاع ملايين اللاجئين إلى أوروبا بحثاً عن ملاذ آمن، يحميهم من القصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والعنقودية وسكاكين داعش الارهابية وانتحارييها، بتحويل الجاليات الإسلامية في أوروبا إلى كبش فداء، وتوجيه أصابع الاتهام إليها، وتبرير المعاملة السيئة التي كانت تحلم بإنهائها، كما تزيد من غرق الشرق الأوسط في المياه الآسنة للحروب الداخلية والخارجية، فهو يمثل أفضل تبرير للتطرف المضاد الذي يدفع العنصريين، أو المعادين للعرب والأجانب في الغرب، إلى ممارسة مزيد من الضغوط المادية والمعنوية على هذه الجاليات، اعتقاداً منهم بأن ما لا يتحقق بعنف قليل يتحقق بعنف أكثر، وأن العنف هو أفضل طريق لردع المتطرفين "الإسلاميين"، وثنيهم عن القيام بأفعالهم. والنتيجة هي العكس تماماً، أي زيادة مشاعر العداء ومناخ الحرب الطائفية المولدة لليأس والتطرف والانتقام.
لا تساهم هذه الطروحات في الحقيقة إلا في تسعير مناخ الحرب، وتعميق منطق الضحية وكبش الفداء الذي يقوم عليه الإرهاب والتطرف.
ما يجمع بين الإرهابيين المحترفين وخصومهم من الطغاة والمتجبرين، أو العنصريين
"ما يجمع بين الإرهابيين المحترفين وخصومهم من الطغاة والمتجبرين، أو العنصريين المحرّضين ضد الجاليات الأجنبية باسم محاربة الإرهاب، هو استهداف الأبرياء للتأثير على الفاعلين المذنبين"
المحرّضين ضد الجاليات الأجنبية باسم محاربة الإرهاب، هو استهداف الأبرياء للتأثير على الفاعلين المذنبين، الغربيين من دون تحديد بالنسبة للمتطرفين المسلمين، والمسلمين جميعاً بالنسبة للعنصريين والمتطرفين الغربيين، وفي ما وراء ذلك الخلط بين المذنب والبريء والفرد والجماعة، والفكر الإرهابي والدين أو المذهب. وهم يتعيّشون معاً على تحطيم علاقات الثقة والتعايش بين الأفراد والشعوب والجماعات، واليوم بشكل رئيسي بين العرب والمسلمين والشعوب الأخرى، في العالم العربي والعالم، من أجل جر أكبر عدد من اليائسين إلى صفهم، وتحييد الإرادة الواعية والتفكير العقلاني عند الجميع، وتعزيز منطق ردود الأفعال وروح العصبية والامتثال الأعمى. بذلك، يمكنهم إيجاد العناصر المتطرفة التي تمكنهم من تحقيق مخططاتهم وإيجاد نظام قائم على العنف بدل القانون، والتعصب بدل التسامح، والعدوان بدل التضامن، والموت بدل الحياة. وبالنسبة للإرهاب الذي يهدد بالاستيطان بشكل متزايد في أوروبا والغرب، الذي فقد السيطرة، أو في سبيله إلى ذلك، ولا يزال يرمز لسياسات السيطرة التقليدية، ويتخبط في إدارة أزمة تراجعه التاريخية، ليس هدف الإرهابيين حماية الأقليات الإسلامية. ولكن، بالعكس توريطها في حربٍ ضد مجتمعاتها، وعزلها عنها لتبرير أعمالهم، وجذب العناصر القلقة والضعيفة إليهم، وإعادة تأهيلها للقيام بالعمليات الانتحارية في العالم أجمع.
لذلك، ليس هناك أكثر دعماً للإرهاب من الخلط بين الجريمة التي يمثلها والتي ينبغي أن يحاسب عليها مرتكبها كأي مجرم منتهك للقانون، وللجماعة القومية أو الدينية التي ينتمي إليها. وللأسف، هذا ما يحصل اليوم في الإعلام الغربي، حيث يصبح الإرهاب من سمات مجتمعات المسلمين، أو أحياناً، أكثر من ذلك من عقائدهم. وفي المقابل، ليس هناك أكثر تشجيعاً لهذا الخلط بين الإرهاب الذي هو من صنع مجموعة محددة فقدت إنسانيتها، مهما كان دينها ومذهبها، والمسلمين المقيمين في الغرب، من تأييد بعضنا مخططات الإرهاب وأعماله، بحجة الدفاع عن المسلمين أو رد الظلم عنهم.
فكما أنه ليس هناك أي مبرر لتحويل التهمة من مرتكبيها إلى الجماعة القومية، أو الدينية التي ينتمون إليها، سوى العنصرية وروح الحرب، فليس هناك أي سبب للتغطية على جريمة الإرهاب باسم القومية أو الوطنية أو الانتقام للنفس. مثل هذا الموقف في الحالتين يعيد البشرية إلى قانون العصبية القبلية، ويقضي على أسس أي حياة قانونية، ومن ورائها أي حياة مدنية إنسانية.

اقرأ المزيد
١٨ نوفمبر ٢٠١٥
إتفاق "وقف الموت" مؤقتاً .. الغوطة تعقد وتستعد للتنفيذ .. الخلاف ينشب ..

فتح للمعابر ودخول المواد الإغاثية ووقف إطلاق النار وفك تدريجي للحصار يبدء بمدينة المجازر "دوما" ، ليتم التعميم في حال النجاح ، تضارب في بقية التفاصيل حول الراعي و المهندس و المفاوض ، و لكن الخلاف نشب على المنصات الإعلامية فورا إعلان "الهدنة" التي تعني الهدوء و لكنها أثارت الجنون .

الغوطة الشرقية التي تضم قرابة 600 ألف محاصر منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات ، حصار بري لم تشهده البشرية ، قصف جوي بكل شيء ، و استخدامٌ لأقذر الأسلحة من الكيماوي وصولاً إلى العنقودي .

الغوطة اليوم تبرم الإتفاق مع قوات الأسد ، للدخول في هدنة مبدئية لـ15 يوماً ، يتلوها تعزيز و استمرار و توسع لها في حال النجاح ، هذه الهدنة التي ستفتح الآفاق أمام كل المنظرين و المتهمين و الجالسين على الأطراف لتوجيه اللوم و التخوين ، وسيكون هناك مساحات للشتم وأخرى للبكاء و العويل ، فهنا الغوطة بنظرهم قد خانت و خرجت من الملة و باتت من الأعداء .

بعيداً عن اتهامات المشكيين ، فالهدنة تعتبر ، جزء أولي من عمل قد يكون طويل في طريق تنفيذ خارطة الطريق لـ"فيينا 14/11/2015" الذي أقرّ و إعتمد الأسلوب الذي سيسير عليه الحل ، وصولاً إلى الهدف الذي يرضي الجميع كما سبق و أن قال وزير الخارجية الإيراني "لنكون جميعنا رابحين".

إتفاق اليوم هو بداية الخطوة التي قال عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن "الإنتقال في سوريا و بداية العملية ستكون أسرع مما تتخيلوا ، و لن أقول أشهر ، و إنما هي أسابيع قليلة" .

بعيداً عن الحقل السياسي و التصريحات ، فهذه الهدنة و لو مؤقتة ، و لو فشلت ، و لوكانت بناء على أي مسمى أو توافق ، هي استراحة من منصات الموت التي يرتقي عليها مئات الشهداء ، هي فرصة لإستراجع جزء من الحياة الطبيعية ، هي فرصة لأن يكون هناك بطون قد أكلت بعضاً مما تشتهي ، قد نختلف كثيراً و نخوص في نقاشات إلى ما لانهاية .. و لكن يجب أن يكون هناك في دواخلنا بسمة بأن المحاصرين سيكونون سعداء لبعض الوقت .

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان