ما إن أعلنت روسيا اليوم عن تمكنها من اعادة الطيار الروسي الذي أسقطت طائرته أمس ، بصاروخ تركي من سلاح الجو ، حتى تسابق الجميع ليعلن أن عناصره هم من أنقذوا الطيار ، ولم يبق إلا إسرائيل لتعلن أنها شاركت في هذه العملية ، التي تمت في أراضي ملاصقة جداً للمناطق المحتلة من قبل قوات الأسد و حلفاؤها .
ففي البداية قالت وسائل إعلام نظام الأسد أن مجموعة من القوات الخاصة تولت الأمر إعادة الطيار المعجزة ، سرعان ما امتعض ما يسمى "القوات الرديفة" ، فتم زج إسمها إلى جانب أؤلائك .
إلا أن هذه الرواية دفعت بالروس للغضف فهم أصحاب الأولوية ، فتم إدراج مشاركة فعالة لمشاة البحرية الروسية في العملية الإسطورية ، برياً و في التغطية الجوية .
إلى هنا و الأمور كانت تسير بشكل جيد واستطاع الراوي أنه يرضي الجميع ، و لكن نسيان حزب الله الإرهابي ، دفع بالمتحدثين إلى مسح النقطة في أخر خبر الإنقاذ ، وفتح القوس من جديد لإدخال ست عناصر من الحزب كانوا ضمن الجوقة المشاركة ، و لكن الحرس الثوري الإيراني شعر بغيابه ، فتم من جديد تدارك هذه الهفوة ، ووضع مستشارين من الحرس الثوري ضمن القافلة .
ومن المنتظر أن يخرج الموساد في القريب العاجل ليعلن عن تقديمه معلومات استخباراتية ، و بالتالي سيكون هناك حضور لها ، و لكن خارج القوس طبعاً ، فقوس الممانعة لا يجمتع مع الصهاينة على العلن.
دخلت الدبلوماسية الإيرانية على الخط لتحاول وبصفاقة ليس لها نظير، رسم سيناريوهات المستقبل السوري ،كما فعل ويفعل في كل فرصة تسنح له معاون وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان .
وجاءت الدبلوماسية الروسية بمنهجها العدواني المترافق مع الهمجية العسكرية العدوانية الروسية لتكمل الطوق، فوزير الخارجية الروسي لافروف لم يتردد أبداً عن رفض أي حلول تتضمن شرط رحيل بشار الأسد عن السلطة.
حيث يعيش الدب الروسي اليوم حالة من النشوة على الرغم من مرور شهرين على بدء العمليات الجوية الروسية في سوريا، و لا تبدو النتيجة منسجمة مع الأهداف المعلنة، ولا مع الزفة الضخمة التي رافقت الإعلان عن انطلاقها، والتي شارك فيها شبيحة إيران وبشار في كل مكان ، فهو ما فتئ يظهر عضلاته ويكشر عن أنيابه، ويبرز مخالبه، في محاولة يائسة لإرهاب الشعوب فضلا عن ممارسة الابتزاز في أقصى حالاته، فالرئيس الروسي (بوتين) وهو يستمر في جرائمه الموجهة ضد البشرية في أرض الشام، وفي التحول الفظ من الدعم السياسي للدعم العسكري المباشر في حرب النظام الإرهابي السوري ضد شعبه، قد غادر تماما حدود الحصافة والمسؤولية واحترام خيارات الشعوب، ودخل فعلا في مرحلة الحماقة واللجوء للقوة المفرطة ضد شعوب مقهورة، لا تمتلك سوى شرف الدفاع عن مبادئها ومقدساتها وحقها في العيش الكريم بعيدا عن الظلم والإقصاء.
فطهران وموسكو تقيمان علاقات متقلبة منذ الثورة الإيرانية في 1979، وكانت روسيا في إطار اتحاد الجمهوريات السوفياتية الشيوعية -إحدى أولى الدول التي اعترفت بإيران ، لكن موسكو قدمت بعد ذلك دعمها للعراق في ظل نظام صدام حسين في حربه ضد إيران بين 1980 و1988،وعلى الرغم أن المحادثات الروسية – الإيرانية طغى عليها الشق الإقتصادي لأهميته لكل من موسكو وطهران، بعد أن وافقت موسكو على منح حكومة طهران قرضا تقدر قيمته بنحو 7 مليارات دولار، لتنفيذ مشروعات إعادة تشييد البنية التحتية لقطاع الطاقة والكهرباء الإيرانية بمشاركة الشركات الروسية ،ولأن مساعي إيران لزيادة صادراتها النفطية ستؤثر سلباً على عائدات روسيا من تصدير النفط ، فبحسب البيانات الحكومية ستزيد طهران من إنتاج النفط خلال الشهور الستة القادمة ليصل إلى مليون برميل يومياً، وستعمل على تسويق منتجاتها في أسواق وسط آسيا، التي تعتبر الأسواق التقليدية لروسيا ، كما تناولت محادثات بوتين – روحاني التعاون في المجال العسكري لأن الجانبين قد اتفقا على أن تسحب إيران الشكوى المقدمة في محكمة التحكيم الدولية بجنيف، والتي تطالب فيها بتعويض من روسيا قيمته أربعة مليارات دولار بسبب عدم تنفيذها عقد توريد “أس-300” الموقع عام 2007، وأوقفت موسكو تنفيذه استناداً لقرار مجلس الأمن عام 2010 بحظر توريد الأسلحة إلى إيران.
إضافة إلى ذلك اعتبر في وقت سابق قائد القوات البحرية السابقً في «الحرس الثوري» حسين علائي أن إطلاق الروس صواريخ «كروز» من بحر قزوين نحو الأراضي السورية «خطأ استراتيجي» يجب ألّا يحصل بسبب تأثيره علی المصالح الإيرانية، علماً أن هذه الصواريخ لا بد أن تعبُر الأجواء الإيرانية قبل وصولها إلى سورية. كما أن تقارير أشارت سابقاً إلى أن بعضها سقط في إيران بعد إطلاقه من بوارج في بحر قزوين، ونفی مصدر مطلع في القوات المسلحة الإيرانية إطلاق الجيش الروسي خلال الأيام الأخيرة أي صاروخ «كروز» من «المياه الإقليمية الإيرانية» في بحر قزوين في اتجاه أهدافٍ في سورية عبر الأراضي الإيرانية، وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت إطلاق عدد من هذه الصواريخ من بحر قزوين على أهداف في سورية.
في ظل هذا الجو المشحون بين الطرفين وصفت أوساط إيرانية بوجود العديد من «المعطيات الإيجابية» للتدخّل الروسي في سورية وهناك من رأی أن الجانب الروسي لا يمكن الاعتماد عليه، على المدى الطويل، في ضوء ما تحتفظ به الذاكرة الإيرانية تاريخياً من سلبيات في شأن العلاقات بين موسكو وطهران.
وبحسب مصادر إيرانية أن بوتين سمع من خامنئي «كلاماً واضحاً» في شأن الأوضاع في سورية وضراوة المعارك ،والتصور الإيراني لطريقة حل أزمة هذا البلد، إضافة إلی موقف طهران من الأزمة اليمنية، وتعرب المصادر ذاتها عن أمل الإيرانيين بأن تكون زيارة بوتين قد بددت قلقهم في شأن الخطط الروسية حول مستقبل سورية.
خلاصة القول هي أن أفق الإنجاز الروسي في سوريا يبدو مسدودا، وهذا ما تعكسه تصريحات بوتين ومحللي بلاده السياسيين التي تشي بفشل مهامهم في سورية وتغطية إعلامية عليها ولا مجال لغير نزيف طويل، لهم وللإيرانيين، والحالة الإقتصادية المتأزمة لكلا البلدين مقابل طرف أقدر على احتمال النزيف منهما ، لم يعد يخفى ميل بوتين لتسوية تحفظ ماء الوجه له ولقوات بلاده ، مقابل تشدد إيراني قد يتراجع بمرور الوقت، ولا يُستبعد أن يكون تم التفاهم عليه في لقاء بوتين - خامنئي في طهران إن نجحا في تذويب خلافاتهما المزمنة ،إلا أن هذه الخلافات على ما يبدو لاتزال قائمة بدليل أن كل من الكرملين وبوتين أدليا بتصريحات ضبابية للاستهلاك الإعلامي ليس إلا.. ليتلقى نبأ إسقاط طائرتين لقوات بلاده الجوية ويبدأ بتحليل كيفية سقوطهما ووعيد وتهديد لا يغني ولايسمن من جوع وهو بذلك يكون قد اختار نفس المصير الذي لاقاه الاتحاد السوفياتي سابقا .
بقلم النقيب رشيد حوراني
ضحك القيصر الروسي، فلاديمير بوتين، والمرشد الإيراني، علي خامنئي، وطواقم وفديهما المشاركة في اجتماعهما في طهران، وقضوا النصف الأول منه يتبادلون المفارقات الطريفة التي حصلت في أثناء الشهر الفائت وما تلاه، في عالم الدبلوماسية الدولي. وفي النصف الثاني، اتفقوا على استراتيجية موحدّة لاستكمال الفصل الثاني من هذه الملهاة الممتعة، للمؤدين والمتلقين. وكانت مادة الضحك كيف استطاعا أن يمرّرا على العالم أفكاراً ساذجة، ليست مشغولة بحرفية، عن إمكانية تحقيق عملية سلام في سورية. ضحكا لأنهما فوجئا بأن العالم هو من أكمل سرد نصف الكذبة بنفسه، وزاد عليها تفاصيل، لو أنهما استعانا بالشيطان، لما استطاع إرشادهما عليها، فهنا وزير يثق بجدية روسيا في صناعة السلام في سورية، وهناك وزير آخر يبشر بعملية انتقال في سورية في الأسابيع المقبلة؟
ضحكوا أكثر، عندما تساءلوا: كيف أغرقناهم بالتفاصيل، وكم هم مشغولون بترتيباتٍ لن ترى النور، ولن نسمح لها بالتشكّل على أرض الواقع، فيما نحن ننجز مهمة تطهير سورية من شعبها، وما استطعنا من مقاتليها، وكيف أجبرناهم على كشف أوراقهم، وطلبنا منهم كشف براءة من تهمة الإرهاب، عندما فرضنا عليهم قائمة بالتنظيمات الجيدة، والأخرى السيئة، وراحوا يلهثون ويتوسطون، لكي نقبل استثناء بعضها، وأعطونا فرصة لتوبيخهم على السكوت عن التي سيقرّون بأنها إرهابية فعلاً. فعلنا ذلك كله، ولم يستطع الطرف المقابل سوى الامتثال لطلباتنا واشتراطاتنا.
ولعلّ الطرفة التي أشعلت قصر المرشد ضحكاً، إلى درجة أن جنرال فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، سقط مغشيّاً عليه من الضحك، واحتاج عملية إنعاش، عندما قال بوتين إنّه أقنع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في لقائهما في أنطاليا، الأسبوع الماضي، بأنّه سيدعم عملية انتقالية بعيدة عن نظام الأسد. وهنا، سيعترف بوتين بأنه كاد يتلعثم وهو يخوض هذه المغامرة، وكان يعتقد أن يقاطعه أوباما ويطلب منه احترام عقله مستمعاً، لكن بوتين يتابع أنه، وعندما رأى الانشراح في ملامح أوباما، رفع عيار مغامرته بالقول إنّه أيضاً سيدعم أطراف المعارضة السورية بالضربات الجوية.
أما خامنئي الذي أراد إثبات براعته في المناورة أيضاً، وأنّه لا يقل عن بوتين ووزير خارجيته،
"ليست مشكلة روسيا وإيران أنّ العالم بهذه السذاجة، إلى درجة يعتقد أنهما ذاهبتان إلى ترتيب الأوضاع في سورية، لكي يستفيد منها الشعب السوري أولاً، والأطراف التي تدعمه ثانياً"
سيرغي لافروف، في الحنكة والظرافة، فاستشهد بمقال لوزير خارجيته، جواد ظريف، في صحيفة السفير اللبنانية، أشار فيه إلى احترام حق الشعب السوري في تقرير مصيره. وهنا، لا بد أن بوتين سأله: هل وصلت حذاقتكم إلى هذه الدرجة؟ فيرد خامنئي: بل أكثر من ذلك، بدليل أننا طالبنا بعدم تدخل الدول الأجنبية في الشأن السوري. وعندما عقد بوتين حاجبيه اندهاشا من هذه القدرات الخارقة، زاده خامنئي من الشعر بيتاً، بأن أخبره بأننا أيضاً طالبنا بضرورة مساعدة اللاجئين السوريين.
ربما ذلك مجرد سيناريو متخيّل لأجندة لقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، علي أكبر خامنئي. لكن، حسناً لو أرد المراقب أن يكون أكثر جدية، وينحو صوب التحليل الاستراتيجي الأعمق، سيجد نفسه أمام جملة من الوقائع غير منطقية، مطلوب منه إلباسها ثوباً مزركشاً برغبات وأحلام واحتمالاتٍ، نصفها غير واقعي، ونصفها الآخر مدسوس، بالاعتماد على ماكينة الدعاية الروسية الإيرانية عن إمكانية حصول خلاف بين الطرفين، بسبب وجود طلب كبير على التحليلات التي تستكشف مكامن الخلاف بين روسيا وإيران، ولا تتحدث عن سواها.
تتحدث الوقائع في التحالف الروسي الإيراني عن نفسها، ولا تحتاج إلى استخدام آليات تحليل الإشارات والتلميحات والتسريبات ولا حركات الجسد. تنطلق موسكو وطهران من قاعدة واحدة في التعامل مع الواقعة السورية، هي فرصة تتسع لكليهما، وتحقق طموحاتهما، كما تشكل الضلع الناقص في قوس مشاريعهما الاستراتيجية، وهي فرصة لابتزاز العرب والأوروبيين، حيث يشكلان المكوّن الأساسي لتصريف مصالحهما الدولية، وهي فرصة تتيح لهما تنظيف ملفاتهما الإشكالية مع البيئة الدولية، وأنهما سعداء، لأن أوباما يجلس على المدرجات، ينتظر غرقهما. حسناً، فلتبق، يا سيد أوباما، تنتظر، ودعنا نغرق أكثر في بحر الفرص.
ليست مشكلة روسيا وإيران أنّ العالم بهذه السذاجة، إلى درجة يعتقد أنهما ذاهبتان إلى ترتيب الأوضاع في سورية، لكي يستفيد منها الشعب السوري أولاً، والأطراف التي تدعمه ثانياً. إنه أكثر من فانتازيا إمكانية تصوّر وجود لروسيا وإيران في ظل نظام جديد لسورية؟ وهل هما بهذا القدر من السذاجة، ليتصورا ذلك؟ وهل هما حمائم سلام، حتى يجهزا سورية لغد لن يكونا فيه؟ وهل نظام الأسد قادر على التعايش مع سورية، بعد أن تستعيد لاجئيها؟ أليس ذلك نوعاً من الانتحار المجاني؟
في النصف الثاني من اجتماعهما، توقف القيصر والمرشد عند قضية ما إذا كانت هناك ضرورة لوضع استراتيجية محبوكة، لاستمرار نجاحهما المبهر في سورية، غير أن عضواً في الوفد كانت له التفاتة حاذقة، حيث قال إن من شأن أي تدخل التأثير في انسيابية الأحداث وسهولتها. وعليه، من الأفضل ترك الأمور تسير وفق ما كانت عليه، وذلك أكثر ضمانة. وكانت حجته أن مساهمات الأطراف تشكل إضافات رائعة، وتعطي للأمر حركة أكثر مما لو تعمد الروس والإيرانيون صبها في قوالب وخطط، خصوصاً أنه معروف عنهم الصلابة والجدية اللازمة، وميلهم إلى التراجيديا والكآبة.
بعيداً عن نظريات المؤامرة التي تنسج سيناريوهات كثيرة حول من يقف وراء تنظيم داعش، ومن يدعمه ويموله ويحميه، لأن كل الفرضيات التي تُساق، اليوم، لا وجود لما يسندها على أرض الواقع، وقد يأتي اليوم الذي تنكشف فيه حقيقة هذا التنظيم. لكن، حتى قبل أن تنكشف حقيقة من يقف خلفه، ومن "خلقه"، ومن يموله، يمكن من الآن معرفة من يستفيد اليوم من وجوده، ومن خدماته، ومن أعماله الإرهابية، ومن هم ضحاياه، وهم في كلا الجانبين كثر.
المستفيدون من هذا التنظيم كثيرون، حتى وإن ادعوا معاداته وشن الحرب ضده. إنهم دولاً وأنظمة، يعادونه في العلن، وهم مرتاحون مما يدرّهم عليهم وجوده واستمراره من فوائد وأرباح سياسية، لا تعد ولا تحصى. أول هؤلاء المستفيدين سياسياً من وجود "داعش" هو نظام بشار الأسد الذي ظل يحمي معاقل التنظيم في الرقة، وجنّبها براميله المتفجرة، وتركه ينمو ويترعرع، لكي يخلط النظام المذكور الأوراق، ويقنع العالم بـ "أطروحته" أنه يشن حرباً لا هوادة فيها ضد ما يسميه هو "الإرهاب". لذلك، وبعد أن خرج الغول من القمقم، لا غرابة أن نسمع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تخطب ود الأسد، وتعتبر التحالف معه مهماً في محاربة إرهاب "داعش" الذي وصل إلى قلب عواصم أوروبا، وأغرق دولها بمئات آلاف من اللاجئين.
المستفيد الثاني من وجود "داعش" هو النظام الإيراني الذي نجح في أن يُجبر الغرب، بعد سنوات من المفاوضات الماراثونية، على التوقيع على اتفاق نووي، يحفظ لإيران برنامجها النووي. فمباشرة بعد سقوط الموصل في يد "داعش"، ارتعب الغرب من المد الإرهابي "الداعشي"، وسعى إلى وضع يده في يد ملالي إيران، لوقف الخطر "الداعشي"، ووأده في معقله. وقد اتضح، الآن، بعد مرور أكثر من سنة، أن "الدعم" الإيراني في الحرب ضد "داعش" لم يغير كثيراً من المعطيات على أرض الواقع، وكل ما فعله هو حماية النظام الطائفي الشيعي في بغداد، وتبييض صفحة النظام الإيراني في الغرب الذي خفّض من سقف انتقاداته التجاوزات التي تطال حقوق الإنسان في إيران.
المستفيد الثالث من الحرب العالمية ضد "داعش" هي روسيا، وقيصرها فلاديمير بوتين، الذي
"باسم "الحرب ضد الإرهاب" ستزيد الأنظمة السلطوية إحكام قبضتها على شعوبها، غير مكترثة بانتقادات الأصوات القليلة التي ما زالت ترتفع في الغرب"
نجح في أن ينسي الغرب جرائم قواته في أوكرانيا، واغتصابه جزيرة القرم، وهو الآن بصدد تكسير الحصار الاقتصادي الغربي المضروب حول إمبراطوريته. وها هو اليوم يربح فرنسا، الدولة التي كانت متحمسة في فرض أقصى العقوبات ضده، بعد ما فعله في أوكرانيا، ورفضت إتمام صفقة بيع سفينة حربية له، تتوسل التنسيق معه في هجماته الجوية والصاروخية في العراق وسورية، والتي غالباً ما تستهدف المعارضة التي توصف بالمعتدلة، وأغلب ضحاياها من المدنيين، أما "الدواعش" فمازالوا أحراراً طلقاء، وأرض خلافتهم تتسع براً و"فكراً".
المستفيد الرابع من جرائم "داعش" إسرائيل التي استغلت اهتمام العالم ببشاعة جرائم هذا التنظيم لتطبيق مخططاتها الاستيطانية، وتنفيذ جرائمها التي لا تقل فظاعة عن جرائم "داعش" بعيداً عن أضواء الكاميرات. وحتى عندما انفجرت ثالث انتفاضة شعبية على أرض فلسطين، وشملت حتى الأراضي الواقعة داخل "إسرائيل"، جاءت تفجيرات باريس التي تبنتها "داعش"، لتحول الأنظار عنها، وتترك إسرائيل تنفذ جرائمها ضد الشعب والأرض الفلسطينية، بعيدا عن الأنظار، كما ألفت أن تفعل دائما.
المستفيد الخامس من وجود خطر داهم اسمه "داعش" هي الأنظمة السلطوية التي ما زالت تخنق أنفاس شعوبها في المنطقة العربية، فباسم "الحرب ضد الإرهاب" ستزيد هذه من إحكام قبضتها على شعوبها، غير مكترثة بانتقادات الأصوات القليلة التي ما زالت ترتفع في الغرب الذي أرهبته جرائم "داعش"، بعدما وصلت إلى قلب عواصمه.
أما ضحايا جرائم "داعش" وحروبها العبثية فكثر، أولهم الأبرياء السوريون والعراقيون ممن يقعون تحت حكم أمراء هذا التنظيم الدموي، أو ممن يموتون يومياً تحت قصف كل الدول التي تكالبت عليهم لإنقاذهم (!). وضحايا هذا التنظيم، هم أيضاً الأبرياء المهجرون واللاجئون الذين يموتون في عرض البحار، أو يقاسون من البرد والجوع وقوفاً على معابر الحدود المغلقة في وجوههم. إنهم أيضا الضحايا الذين يموتون يومياً بعيداً عن أعين العالم في فلسطين المحتلة، وفي سجون الاحتلال. وهم، أخيراً وليس آخراً، الضحايا الأبرياء الذي قتلوا في شوارع باريس ومقاهيها ومسارحها. وهم أيضا الملايين من المهاجرين العرب في بلاد الغربة الذين بات يُنظر إليهم إرهابيين مفترضين، ومشتبهاً بهم، إلى أن يثبتوا براءتهم، بعودتهم من حيث أتوا، كما تدعوهم إلى ذلك أصوات المتطرفين اليمينيين في الغرب.
شكلت صفعة اسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الجو التركي ، اليوم ، منحى جديد تدخل فيه معارك الدول على الأرض السورية ، و التي لن يكون فيها اي رد مباشر على بعضهم إلا من خلال الأرض السورية و داخلها وفي نطاقها لا أكثر ، و أي حديث غير هذا يعتبر كـ"دق المياه لتشتعل ناراً".
ومع إشتعال الطائرة في الأجواء و سقوطها على الأرض السورية ، إشتعلت المنابر السياسية في العالم ، بين غاضبٍ ، وسعيدٍ ، ومتسائلٍ ، ومصر ومصمم ، و لكن هذه المشاعر لم تتجاوز حدود الشاشات و الكلام في الفضاء الإعلامي ، و إن رافقه حركة في الأروقة السياسية .
هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا بكل عنجهية و بشكل "وقح" و توعد و أزبد ، و لكن هل سيكون لهذا الوعيد ، إنعكاساته الجدية التي تصل لحد الإشتباك ..!؟
بالطبع تركيا ليست من هواة السياسة أو العابثين فيها ، و هي تعرف تماماً ما قامت به و قد احتسبت للأمر جيداً ، و حراكها المكثف خلال الأيام القليلة الماضية يدل على أن هكذا الأمر سيحدث لامحال ، وأن مواجهة تبعياته سيكون من ضمن المسيطر عليه .
فقد دأبت الآلة السياسية التركية على حشد الآراء ، و التحشيد الشعبي ، لما يحدث في "جبل التركمان" ، و أبلغت الأمم المتحدة و الإتحاد الأوربي و الناتو و أمريكا و حتى روسيا ذاتها ، أنها لن تصمت أكثر ، فالتركمان في تلك المنطقة يعتبرون جسراً تركياً ، و الأهم فاصلاً مهماً بين العلويين في جبال اللاذقية و أصحاب ذات المذهب في لواء اسكندرون ، وأن التهجير و الدخول إلى أراضي التركمان السنة ، يعني أن الفاصل "السني" بين العلوين سينتهي ، و بالتالي ستكون المنطقة بؤرة مشاكل مستقبلية لتركيا .
العزف الروسي على هذا الوتر ، ضرب كل هدوء مارسته تركيا طوال السنين السابقة ، وجاء في وقت أعلن حزب العدالة و التنمية السيطرة الكاملة على مفاصل القرار في تركيا ، فجاءت الضربة كصفعة محكمة ، وجهت لـ "دب أخرق" سيقف عاجزاً عن الرد .
روسيا ستكتفي بالتصريحات و الكلام السياسي ، و لن يكون لها اي رد مباشرعلى تركيا ، التي تتحصن بالناتو ، ومابين روسيا و الناتو يوجد من الملفات الكثيرة التي تجعل أي تصرف روسي إلى إشتعال حرب واسعة تنطلق في سوريا ، و تستمر إلى اوكرانيا وما بعدها لن يكون هناك حدود للنيران .
يبدو الموقف الروسي من سورية مرتبكاً أحياناً، وحاسماً أخرى، حيث يصرّ على دور بشار الأسد، ومن ثم يناور من أجل الوصول إلى حل. إن متابعة الموقف الروسي تميل إلى التأكيد على أنه ينطلق من التمسك ببشار الأسد، ويناور من أجل الوصول إلى حل يبقيه في السلطة. ولا شك في أن الخيار الأساسي لروسيا هو بقاء الأسد، فهو "الشرعية" التي حصلت عبره على أكثر من مصلحة، وهو الذي كان وراء كل دورها السوري، على الرغم من أن بشار الأسد نفسه هو الذي أبعد كل "مداخلها" إلى الدولة، وكل الضباط الذين تدربوا في الاتحاد السوفييتي، وأهمل كل علاقة معها، ليصل التبادل التجاري إلى أقلّ من مليار دولار، قبيل بدء الثورة.
لكن، اختلف الأمر بعد الثورة السورية، حيث كان النظام بحاجة إلى "حماية دولية"، انطلاقاً من الخوف من أن تكون الثورة مدخلاً لتدخل أميركي، كما جرى في ليبيا أو في العراق سابقاً. وكانت هذه الفكرة رائجة، بعد سياسة أميركية قامت على التدخل والاحتلال، بعد أحداث "11سبتمبر" سنة 2001. وهي الفكرة التي حكمت، أيضاً، تركيا وأحزاباً عربية "ممانعة"، على الرغم من أن أزمة سنة 2008 فرضت تحولاً كبيراً قام على "الانسحاب" من الحروب، في "الشرق الأوسط" خصوصاً. وكما ظهر، إلى الآن، إن تدخلها اعتمد على القصف الجوي، كما قررت الإستراتيجية التي صيغت سنة 2012.
فرض هذا التوهم على النظام عقد "صفقة" مع روسيا، كما فعلت إيران قبل ذلك.
لهذا، عقدت موسكو صفقة تقوم على "حماية" النظام في المحافل الدولية، ومنع صدور قرارات من مجلس الأمن، تفرض التدخل العسكري في سورية، ومن ثم دعمه عسكرياً بعد ذلك، في مقابل الحصول على مصالح اقتصادية، تعلقت بالنفط والغاز ومشاريع أخرى من جهة، والحصول على توسيع القاعدة البحرية في طرطوس التي كانت قد جرت إعادة العمل فيها سنة 2010. وقد جرى التوقيع على الاتفاقات الاقتصادية في أغسطس/آب سنة 2012 من نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، قدري جميل. والصفقة هي مع بشار الأسد. لذا، يظل هو الضامن لها في كل الأحوال. وقد ظل السؤال الأساسي لروسيا، في المفاوضات والحوارات الماضية، يتعلق بالموافقة على هذه المصالح.
ثم، بعد ضعف وضع النظام، وفشل تدخل إيران بأدواتها المتعددة في إنقاذه، تدخلت عسكرياً، وأقامت قاعدة جوية في اللاذقية، وأرسلت قوات برية، قالت إنها بناء على دعوة بشار الأسد. والروس يتعللون بهذه الشرعية، في وجودهم العسكري في سورية. بالتالي، هي تنطلق من شرعية مصالحها ووجودها العسكري، بالضبط لأنها حصلت عليه بـ "قرار" من بشار الأسد. وروسيا تعتقد أنها تلتزم الشرعية الدولية، بعكس أميركا التي تتدخل من دون قرار من مجلس الأمن. ولهذا، تعتقد أن كل ما قامت به في سورية شرعي، لأنه جاء "بطلب من رئيس الدولة" بشار الأسد. بالتالي، تنطلق من أن بشار الأسد شرعي، بغض النظر عن رفض الشعب له، وعن الثورة التي أفقدته شرعيته، فهي لا تعترف بالثورة، أصلاً، حتى وإنْ كان هذا يناقض موقف الشعب. لهذا، وقفت مع حسني مبارك، لأنه "رئيس منتخب"، أي "شرعي"، وكذلك في تونس. وتتمسك بأن النظام لا يزال ممثلاً في الأمم المتحدة، على الرغم من اعتراف أغلبية الأعضاء بالمعارضة، لتقول إنه، وفق القانون الدولي، ما زال شرعياً.
"روسيا تتمسك بشرعية شكلية، لكي تطمئن إلى أنها ستحصل على مصالحها، على الرغم من أنها فرضت، بحكم الأمر الواقع، توسيع قاعدة طرطوس، وإقامة قاعدة أخرى، وربما قواعد جديدة"
هذه الرؤية التي تحكم روسيا التي تتمسك بـ "رئيس شرعي"، وقّع معها اتفاقات هي شرعية، نتيجة ذلك، هي التي تجعلها تتمسك ببشار الأسد، وتخاف من سلطة أخرى، حتى وإنْ كانت قد أتت من داخل النظام نفسه. بالتالي، هي تتمسك بشرعية شكلية، لكي تطمئن إلى أنها ستحصل على مصالحها، على الرغم من أنها فرضت، بحكم الأمر الواقع، توسيع قاعدة طرطوس، وإقامة قاعدة أخرى، وربما قواعد جديدة، ليس في الساحل فقط. إنها تمارس عملية احتلال كاملة، وربما تفكّر في أن يسحق جيشها الثورة، للحفاظ على الوضع القائم، من دون حاجة إلى مساوماتٍ، لا مع أميركا، ولا مع السعودية وتركيا، ولا مع المعارضة. أظن أن هذا هو الخيار الرئيسي لروسيا، والتي لا زالت تحاول تغيير ميزان القوى على الأرض، حتى بعد الاتفاق في فيينا 3. وتعلن، الآن، أنها سترسل قوات برية إلى سورية، بعد أن توضّح أن لديها قوات برية، قدّرتها أميركا بأربعة آلاف جندي، وبعد أن طُرح هذا الأمر على مجلس الدوما لإقراره، يمكن أن ترسل قوات أكبر. بالتالي، ربما نشهد، قبل بدء المفاوضات، من أجل الحل محاولة كبيرة، لتغيير ميزان القوى، لكي تُفرض الحكومة الانتقالية، حكومة يديرها بشار الأسد التي لم ينص اتفاق فيننا على تنحيته، على الرغم من أنه نص على أن تمارس الحكومة الانتقالية كل الصلاحيات التنفيذية، ليبقى "الرئيس الشرعي".
لكن تعقيد الوضع بوجود تدخلات إقليمية ودولية كبيرة، ومن دول تحاول روسيا تطوير العلاقات معها، مثل تركيا والسعودية، لها مصالح مباشرة في سورية، وتدعم أطرافاً في المعارضة المسلحة، وهو ما يمكن أن يخيف روسيا من التورط في "مستنقع أفغاني"، يجعلها تدخل في مسار الحل السياسي.
وفي هذا المسار، يظهر أنهم يريدون الإبقاء على ورقة بشار الأسد ضمن الحل، على أمل أنه إذا لم ينجح الحل العسكري، يمكن أن تظل الورقة قائمة في مسار الحل، لكي تستخدم في اللحظة التي ترى روسيا أن النتيجة ليست في صالحها. لهذا، ظلت المساومات على وضع بشار الأسد في الحل، وسعت روسيا إلى أن تتجاوز مبادئ جنيف1 التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ما يعني القطع مع الحكم الحالي، وبالتالي، نهاية حكم بشار الأسد.
وسنجد أن بيان فيينا يلغي هذه الصيغة، لمصلحة حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية. وكما نشر الروس، لا يكون لبشار الأسد أي دور فيها، ويكون من حقه الترشّح في الانتخابات التي ستنجزها هذه الحكومة، بعد إقرار دستور جديد. وفي هذه الوضعية، يبقى شبح بشار الأسد "رئيساً" قائماً، ويظل ورقة بيد الروس الذين يعملون على أن تكون الحكومة الانتقالية منفذاً لسياساتهم، ومقرّرة لكل الاتفاقات التي وُقِّعت مع النظام الحالي.
في حال تحقق لهم أن يصوغوا "النظام الجديد" وفق مصالحهم، سيلقون بشار الأسد خارجاً، أو سيعاد "رئيساً شرعياً" في حال خرج الأمر من يدهم، واختطت الحكومة الانتقالية سياسة أخرى، بدعم من أميركا، أو من دول إقليمية. لهذا، ستبقى تلعب بورقة "الشرعية"، على الرغم من أن الثورة أسقطت شرعية الرئيس.
في هذا المجال، يمكن الحديث عن فوبيا الخوف لدى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يتصرّف وكأن مؤامرة دولية تحاك ضده. لهذا يميل إلى القوة لفرض سياسة روسيا. ولم يقتنع بعد أن أميركا سلمته سورية منذ ما يقارب الثلاث سنوات، لكي تُخرج إيران منها، وضمن تقاسم العالم الذي بدأ من جديد. هذه الفوبيا هي التي تجعله يتمسك، أولاً، بخيار بقاء بشار الأسد، ثم، في حال فرض تحقيق حل سياسي، أن تبقى كل الأوراق بيده، هذه هي قيمة وجوده العسكري في سورية الذي مثّل حالة احتلال، كما فعلت أميركا في أفغانستان والعراق.
وهذا تعبير شديد الوضوح عن سياسة إمبريالية، تمارسها روسيا، حيث باتت تفرض بالقوة مصالحها، وأخذت تقيم قواعد عسكرية. ولسوف تسعى إلى التوسع في ذلك، كأي إمبريالية، تريد السيطرة والنهب، لكي تراكم الثروة.
في كل الأحوال، لم يعد ممكناً استمرار السيطرة الإمبريالية بمجملها، حيث فتحت الأزمة المالية على انهيارات مستمرة، وضعف متزايد لكل الإمبرياليات.
بالتالي، لا إمكانية لسيطرة روسيا على سورية، فقد أتت في وقت متأخر جداً في عالمٍ ينزع إلى تجاوز الرأسمالية. وإذا كانت السياسة الروسية هذه سوف توقعها في "مستنقع أفغاني" آخر، في ظل تصارع قوى دولية، للسيطرة على سورية، كذلك فإن الثورة سوف تستمر، وليس من الممكن أن يستطيع الروس فرض استمرار بشار الأسد، على الرغم من كل تدخلهم العسكري. ولن ينجح تكتيكهم في اللعب بالحل السياسي، وهم يطوّرون دورهم العسكري ضد الثورة، فقد انتهى بشار الأسد
يتعرّض الشعب السوري لظلم مضاعف، محلي ودولي، فموجة اللاجئين السوريين جاءت نتيجة الحرب العبثية في الداخل، المسؤول الأول عن هذه الحالة المفجعة، والمرشحة لأن تصبح كارثة إنسانية ووطنية. وقد كبرت بحكم استمرار الأزمة، واستعصاء حلها، بحكم تداخل عواملها المحلية والإقليمية والدولية، الأمر الذي أدى إلى استفحال نزيف النزوح والهجرة الذي تفجر في أوروبا.
ثم جاء مسلسل العمليات الإرهابية الذي بدأ في بيروت، ثم في شرم الشيخ، وقبل أكثر من أسبوع في باريس، وأخيراً في مالي. بذلك، دخلت الهجمات الإرهابية طور المباغتة التي أربكت الدول المعنية، بل المجتمع الدولي بكامله. وكان من نتائج هذه الهجمة، وما آلت إليه من أجواء متوترة، أن بدأ يتراجع الترحيب باللاجئين الذي كان قد بدأ في ألمانيا خصوصاً، وأوروبا عموماً، ليحل مكانه تيار مضاد، يحمل مسحة عنصرية، ويرفض الانفتاح على هذه المشكلة.
ففي أميركا مثلاً، بدت هذه النزعة بأبشع صورها في خطاب عدائي، ليس فقط ضد اللاجئين السوريين، بل أيضاً معاد للمسلمين والعرب. المرشح الجمهوري دونالد ترامب دعا إلى إقفال المساجد في أميركا، أو وضعها تحت المراقبة؛ كما دعا إلى وجوب تزويد المسلمين ببطاقات خاصة لتمييزهم، وبما يشير إلى أنهم "متهمون" حتى تثبت براءتهم. أما المرشح الجمهوري، بان كارسون، فقد تحدث عن اللاجئين بلغةٍ فاقعة بعنصريتها، عندما قارنهم "بالكلاب المسعورة". وما هو مقلق بشدة أن هذين المرشحين لا يزالان يتربعان على رأس قائمة المرشحين الجمهوريين، فيما يزداد تهميش المرشحين المحسوبين على الخط التقليدي المحافظ، أمثال المرشح جيب بوش، وحاكم ولاية أوهايو جون كاسيك، ما يشير إلى أن قواعد الحزب الجمهوري تتجه نحو اختيار مرشح متطرف.
ولم يقتصر هذا الخطاب على المرشحين الجمهوريين، بل شمل الغالبية الجمهورية في الكونغرس، فقبل أيام، صوت مجلس النواب بأكثرية واسعة على مشروع قانونٍ، يضع من القيود ما يكفي، لمنع دخول اللاجئين السوريين بالطريقة المعتمدة لدخول اللاجئين، مع أن الرئيس باراك أوباما هدد باستخدام النقض "الفيتو" لو تحول هذا المشروع إلى قانون، وقد هاجم الجمهوريين بقوة، من باب أن مثل هذا الإجراء لا يتفق والقيم الأميركية في الانفتاح، واستقبال اللاجئين، فبمقدار ما صار هناك من جنون في الحالة السياسية الأميركية، صارت عقلانيته اقتحامية، وبما ينسجم مع الحقوق المدنية والقيم الإنسانية التي ميزت تفهم الشعب الأميركي وممارسته المدنية.
في هذا الخصوص، يلتقي الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، اليوم الثلاثاء، مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض، للتشاور ووضع خطة تجعل من قرار مجلس الأمن الذي اتخذ، في أواخر الأسبوع، قابلاً للتنفيذ، وبما يحول دون استفحال خطر العنف العبثي، وإيجاد الوسائل الناجعة للتصدي له.
في كل حال، يبقى على مجلس الأمن، والدول الخمس الكبرى خصوصاً، اتخاذ قرارات رادعة ضد منطق وموجة العنف وتفعيلها من خلال الآليات والصلاحيات التي ينص عليها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما أن من المطلوب معالجة جذور الانحرافات التي تتكاثر، لأسباب ودواع متنوعة ومعقدة، منها ما يأتي بتأثير البيئة، وما عانته من كبت وإحباط وفقدان البوصلة المستنيرة التي تضمن صوابية المعالجة، وقطع الطريق على الشطط الذي بلغ درجة غير معقولة، ولا بالطبع مقبولة، بل إنها باتت ترسخ اليأس، وما يولده من ممارسات كثيراً ما تكون مدمرة.
أما الآن، وقد واجهنا فقدان المسؤوليات الإنسانية والقومية، فقد بات لزاماً، وقبل فوات الأوان، الإسراع في استعادة الفاعلية لوحدة المصير العربي، ليبقى هناك ما نؤسس عليه، بعد الخروج من هذه المحنة المتوالية فصولها.
عوامل عديدة تجعل من مصير بشار الأسد نقطة خلاف جوهرية في كل المفاوضات الدولية والإقليمية حول الأزمة السورية ومستقبلها، بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي.
فالعوامل الخارجية ترتبط أساسا بمستوى الدعم الذي يتلقاه النظام من روسيا وإيران، أما العوامل الداخلية فتتعلق بطبيعة النظام السوري ذي البنية والتوجه الشمولي ومكانة رأس النظام الممسك بكافة الصلاحيات والسلطات؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وهي عوامل أفرزتها تحولات السلطة داخل منظومة الحكم، وانزياحها وفق شروط ومعطيات كل مرحلة من مراحل احتلال "البعث" لسلطة "الدولة والمجتمع" نحو تهيئة المناخ المناسب لحدوث التصفيات الدموية بين حفنة من العسكر، وولادة ديكتاتورية الأسد "الأب والابن".
بهذا المعنى، لم تكن "عقدة الأسد" وليدة اللحظة الثورية في سوريا عام ٢٠١١، بل نتاج عقود من الاستلاب والاستبداد، سخر النظام السلطوي من أجلها جميع الأدوات الأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية، وربط خلالها معيار الاندماج بالدولة بمستوى الولاء والتقرب من "الأسد" وعائلته.
"لم تكن "عقدة الأسد" وليدة اللحظة الثورية في سوريا عام ٢٠١١، بل نتاج عقود من الاستلاب والاستبداد، سخر النظام السلطوي من أجلها جميع الأدوات الأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية، وربط خلالها معيار الاندماج بالدولة بمستوى الولاء والتقرب من "الأسد" وعائلته"
وهو الأمر الذي أثر على منظومة القيم الثقافية والسياسية، بحيث لم يتوان مريدو السلطة وسلطانها عن اختصار سوريا كدولة وكيان، في شعار "سوريا الأسد"، التي أسست لظهور معتنقي مقولة "الأسد أو نحرق البلد"، كتعبير عن أيديولوجيا دوغمائية وبنية تفكير فاشية.
هكذا ومع إرساء قواعد الحكم السلطاني المستبد، أصبحت "عقدة مصير الأسد" الهاجس المركزي والفعلي لنظام دأب على تقديم نفسه للغرب والقوى الدولية على أنه نظام وظيفي يقدم الخدمات في الإقليم، من أجل التغاضي عن بطشه الداخلي ومشروعه السلطوي القائم على تمايز "طائفي" ومصالح "أقلوية".
من هنا يمكن فهم الموقف الإيراني المتمسك "بالأسد"، بحجة أنه يشكل مع نظام حكمه الحلقة الرئيسية في "محور الممانعة" ومواجهة إسرائيل، من دون الاعتراف بحقيقة هذا النظام وما يقدمه من نموذج مثالي للاستئثار بالحكم على أسس "طائفية"، تلك الأسس التي توفر المناخ الأنسب لاستمرارية نفوذ طهران في سوريا والمنطقة.
وإذا كان الموقف الإيراني يعتمد في جوهره على اعتبارات "طائفية" فإن حقيقة المواقف الدولية والإقليمية من "عقدة مصير الأسد" منذ عام ٢٠١١ كانت وما تزال مرتبطة بمسألتين مهمتين: الأولى تتعلق بالموقف من الثورة السورية وتحولاتها، والثانية ترتبط بالموقف من الجماعات المتطرفة وعملية مكافحة "الإرهاب".
وعليه، يمكن انطلاقا من ذلك فهم المواقف المتباينة والمتحولة من "عقدة مصير الأسد". إذ تعاطت أغلبية الدول العربية والغربية مع الحدث السوري بكونه نتاج ثورة شعبية تطالب بانفكاك سوريا من العقدة "الأسدية" ورحيل النظام.
في الوقت الذي دعمت فيه روسيا وإيران ذات النظام بكل أسباب البقاء، مع تبني خطابه حول المؤامرة والجماعات "الإرهابية" المسلحة حتى في زمن سلمية الثورة، بل وزادت على ذلك محاولة تهيئة الظروف الدولية والإقليمية لإنجاح إستراتيجية النظام في محاربة المعتدلين وخلق بيئة مواتية لظهور تنظيمات إرهابية، وإظهارها بديلا وحيدا عن نظام "الأسد".
وتحقق ذلك الطموح الروسي والإيراني مع ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي شكل تمدده العامل الأكثر تأثيرا على مواقف الدول الغربية المطالبة بتنحية "الأسد"، حيث دخلت تلك المواقف طور التبدل والتغيير، وتحول الحديث من رفض إشراك "الأسد" في العملية الانتقالية إلى رفض إشراكه في المستقبل السياسي لسوريا، مشجعة بذلك الاستثمار الإستراتيجي لروسيا في "عقدة مصير الأسد".
صحيح أن موسكو باتت تبدي مرونة في اتجاه حلحلة هذه "العقدة" من خلال ما تصرح بها خارجيتها، إلا أن ممارساتها وتدخلها العسكري زاد من معدل الخشية في أن تكون هذه "المرونة" مشفوعة بشراء عامل الوقت، يتم خلالها إنهاك المعارضة المعتدلة وخلق حقائق جديدة على الأرض بقوة السلاح والتدمير يتبعها مطالبة الغرب بالتفضيل بين حكم الأسد أو حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
واقع الحال، أن روسيا لا تعتبر "عقدة مصير الأسد" هي جوهر الأزمة السورية، لذا تروج لأفكار تستند إلى أن دور الأسد جوهري في أي سلطة انتقالية، وتربط مصيره بانتخابات مستحيلة، كخطوة تبقي حليفها في السلطة أطول فترة ممكنة، أو في أحسن الأحوال إزاحته ضمن ترتيبات طويلة الأمد.
"لا يمكن الوثوق بأي اتفاق ما دام لا تتوفر فيه الضمانات الكافية بعدم ترشح الأسد لانتخابات قادمة، كما لا بد أن تنص وبشكل واضح على طريقة وتوقيت رحيله، وذلك لأن أولوية تفكيك العقدة الأسدية عن رقاب ومستقبل السوريين تسبق كل الأولويات"
لذا يعتقد البعض بأن التحرك الروسي الأخير وطرحه الخيارات المتعلقة بمصير الأسد يشكل الاختبار الحقيقي والفعلي لجدية موسكو وقوة نفوذها السياسي في المنطقة، خاصة على إيران ومليشياتها الطائفية، وعلى النظام السوري وأوهامه السلطوية حول "الأبدية".
ويقابل الموقف الروسي موقف الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الراغبة في تقليص صلاحيات الأسد ودوره في المرحلة الانتقالية تمهيدا لخروجه النهائي والكامل من السلطة مع نهاية ذات المرحلة، دون التركيز على مدتها، بينما تصر الأطراف العربية الداعمة لثورة السورية ومعها تركيا على رحيل الأسد فور بدء عملية الانتقال السياسي وفقا لبيان جنيف١، ذلك أن رحيل الديكتاتور ضروري لإقناع المقاتلين بترك السلاح والتوحد ضد الإرهاب.
في حين يبدو الموقف الإيراني أكثر تشددا، إذ تصنف "مصير الأسد" ضمن خطوطها الحمراء، انطلاقا من رفضها "تغيير الأنظمة من الخارج"، وإمكانية إجراء انتخابات في المستقبل بمشاركة الأسد، "انتخابات" لا تعتبرها طهران جزءا من سيناريو الانتقال السياسي المنصوص عليه في مقررات "جنيف"، بل عملية ترميم لبعض أوجه النظام من أجل إعادة تأهيله و"تعويمه"، وهو ما يوضح أن "عقدة مصير الأسد" ومقارباتها الروسية والإيرانية وفقا لمصالحهما الإستراتيجية وعلى حساب حرية وكرامة السوريين، باتت المعطل الرئيسي لأي تسوية سياسية، خاصة أن حل هذه "العقدة" سيشكل بوابة العبور إلى شكل وطبيعة النظام السياسي المستقبلي في سوريا.
على أي حال، لا يمكن الوثوق بأي اتفاق ما دام لا تتوفر فيه الضمانات الكافية بعدم ترشح الأسد لانتخابات قادمة، مثلما لا بد أن تنص وبشكل واضح على طريقة وتوقيت رحيله، وذلك لأن أولوية تفكيك العقدة الأسدية عن رقاب ومستقبل السوريين تسبق كل الأولويات.
وما سميت "بسوريا الأسد" تجاوزتها الأحداث والعقول منذ انطلاقة الثورة، ولم يعد لها أي وجود إلا في ذهن شبيحة النظام وقادة "الحرس الثوري" الإيراني، وقد أصبح المستقبل الوحيد الذي يمكن الحديث عنه، بعد نحو ربع مليون قتيل، هو مستقبل سوريا وليس مستقبل الأسد.
السؤال الكبير الذي يدور في ذهني هذه الأيام: هل روسيا وأميركا تسعيان بالفعل إلى إنهاء الصراع في الشرق الأوسط؟ وهل دول المنطقة على دراية بحقيقة الأجندة الخفية للدولتين الكبيرتين؟
العالم المثالي الذي لا صراعات فيه هو عالم خطير. عالم قابل للانفجار في أي وقت، وبأشكال مفاجئة وغير متوقعة، لا زمانياً ولا مكانياً، لهذا تحرص الدول العظمى على إبقاء بعض الصراعات العالمية مشتعلة في أماكن مختارة على الخريطة العالمية وإدارتها بما يتناسب مع مصالحها العليا.
تعتمد هذه الدول في اتصالها وتعاملها مع الصراعات الدولية مفهوم «إدارة المتوقَع» كي تخنق كل احتمالية لظهور «الحدث غير المتوقَع» الذي قد يصعب التعامل معه مباشرة. بل إنها أحياناً قد تُفجر الصراع في منطقة معينة من العالم في شكل متعمد، ليبقى تحت رعايتها وإشرافها المباشر، بدل انتظار الانفجار الذي قد يأتي بتفاصيل زمانية ومكانية غير متوقعة.
وتتراوح مصالح الدول الكبرى من خلق الصراعات العالمية وإدارتها بين ما هو داخل في مفهوم «الحاجة إلى الصراع من أجل ديمومة الحياة»، وبين ما هو من صميم الأمن القومي الخاص بكل دولة على حدة. ويمكن لي في هذا السياق أن أعدد بعض المصالح التي تتصادم مع مفهوم السلام وتشتبك معه، جاعلة من الحروب والصراعات مشتهى دولياً غير معلن.
أول هذه المصالح هو حاجة الأرض إلى الحروب بين الحين والآخر لتتطهر وتبتعد عن مسببات الفساد. الحروب عبر التاريخ كانت بمنزلة الأفران عالية الحرارة التي تنفي الخبائث والشوائب من منظمات ومكونات الأرض الأممية، ولطالما جاء السلام «الطلق يختال ضاحكاً» بعد الحروب المدمرة، صانعاً صيغة عيش مناسبة لمتحاربين كانوا قبل الحرب يعيشون في حال غياب توازن دائمة.
الكثير منا يرى أن قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتجويع الأمم وتشريدها، أمر غير إنساني ولا أخلاقي ويتصادم مع طبيعتنا البشرية الجانحة نحو السلام في كل الحالات، لكن هناك من المفكرين الاستراتيجيين وصنّاع السياسة في الدول الكبرى، من يرى أن هذا أمر لازم لديمومة الحياة وبقاء دول بعينها لأطول فترة ممكنة.
ثاني المصالح يتعلق بمصانع السلاح، فالغرب هو المزوّد الرئيس للسلاح على الأرض، ومتى ما توقفت الحروب فإن ذلك يعني أن آلاف المصانع في أوروبا وأميركا وروسيا ستقفل أبوابها، وسيجد ملايين العاملين أنفسهم بلا عمل، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى أزمات اقتصادية واجتماعية خطيرة قد تقود إلى فوضى غير مرحب بها.
لا بأس إذاً من إشعال حرب هنا وحرب هناك، بالقدر الذي يُبقي هذه المصانع مفتوحة لتصرف على موازنة الدولة من جهة، وتطعم أفواه ملايين «الأطفال الأبرياء» الذين يعمل آباؤهم في هذه المصانع من جهة أخرى. لا بأس من أن يموت طفل في الشرق الأوسط أو أفريقيا من أجل أن يتذوق طفل أوروبي أو أميركي طعم الحياة المرفهة بعيداً من أماكن الصراع! لا بأس من أن يصنع الغربي آلة الموت ليشحنها إلى الشرق الأوسط لتزهر الحياة وتنثر ألوانها وروائحها العطرة في النصف الآخر من العالم!
ثالث المصالح في إذكاء الصراعات وإشعالها في أماكن معينة من العالم، هو إبقاؤها بعيدة من حدود الدول الكبرى، فكلما كانت الصراعات مشتعلة على بعد آلاف الأميال، صعّب ذلك من انتقالها إلى حدود هذه الدول. كما أن وجود الصراع في منطقة معينة وتغذيته بالمناورات الديبلوماسية والسلاح، سيشغل المتحاربين «الأشرار»، كما تصفهم الأدبيات الغربية، ويجعلهم غير قادرين في المستقبل القريب على مهاجمة الغرب «الكافر»، أو الغرب «اللاأخلاقي»، أو الغرب «الإمبريالي»!
أما رابع المصالح فهو إجبار دول المنطقة على عقد تحالفات معينة وبناء اصطفافات مرسومة سلفاً في الدوائر الغربية، بما يتناسب مع مصالح الدول الكبرى، وكل ذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب والقضاء على مسببات الحروب والصراعات.
والأهم من ذلك كله أن الدول الكبرى لا تغيب أبداً عن كل شاردة وواردة في هذه الصراعات من خلال تنظيم الملتقى بعد الملتقى، والمؤتمر بعد المؤتمر، وجمع أطراف الصراع كلهم، وتفريغ ما في جعبتهم، ونقله إلى حيث تصنع الاستراتيجيات الغربية، ثم العودة من جديد بـ «حلول» تعقّد أية حلول محتملة.
علينا دائماً أن نعرف أن الدول العظمى هي دول مثالية في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان على شعبها، وهي عظيمة كذلك في تفعيل الآليات الديموقراطية في مؤسساتها كافة، لكن علينا أن نعرف أيضاً أن الديموقراطيات وحقوق الإنسان تأتي في مراتب متأخرة في اهتمام هذه الدول عندما تتعامل مع دول العالم الثالث.
والآن أعود إلى السؤال الذي بدأت به هذه المقالة: هل فعلاً تريد الدول الغربية إنهاء صراعات منطقة الشرق الأوسط؟
بعد أن اهتز قلب العاصمة الفرنسية باريس بسلسلة الهجمات الارهابية التى أودت بحياة مئات الأبرياء عاد الحديث مجددا عن ضرورة التكاتف العالمى للحرب على الإرهاب لتعود نفس الأسئلة المتكررة حول تعريف الإرهاب وتحديد أسبابه ودوافعه، ودائما ما نسهب جميعا فى الحديث عن دور التطرف الدينى فى صناعة الإرهاب دون أن نتحدث عن مقابله الأساسى وهو تأثير الأنظمة السلطوية وكونها شريكة أساسية فى صناعة جذور الإرهاب.
بادىء ذى بدء إدانة الإرهاب واجبة و غير مشروطة والتعاطف مع الأبرياء والضحايا لا يحتاج لقيد ولا ظرف ولا استثناء لكن الحرب الحقيقية على الإرهاب يجب أن تكون حربا منهجية تعنى بالمسببات والجذور الحقيقية ، لذلك من الحماقة أن نعتقد أن العالم سينتصر على داعش وأخواتها بينما يحمى ويبقى على بشار الأسد وأمثاله من المستبدين و القتلة لشعوبهم.
إن القضاء على داعش لن يتحقق فى وجود القاتل بشار فى سدة الحكم ، نظام بشار هو الظهير لداعش والحاضنة الأساسية لتمدده ووجوده مثلما كان نظام المالكى الطائفى فى العراق فكلاهما مهد الطريق لظهور هذه العصابات الاجرامية التى تنتحل ثوب الدين وتبرر به جرائمها بينما تظهر الأحداث أنهم مجموعة من اللصوص وقطاع الطريق والباحثين عن الشهوات والمطامع الإنسانية الرخيصة والمتدنية
يخرج علينا بشار قبل عدة أيام ليقول أن من "حقه" الترشح لدورة رئاسية جديدة، مشيراً إلى أنه "من المبكر جداً القول، سأترشح أو لا أترشح ". ، كما أثنى على الدعم الروسى العسكرى الذى كان سببا فى تقدم قواته على كل الجبهات على حد قوله ! ، وأخيرا أعلن الرئيس الأمريكى المتردد أوباما صراحة أن الغارات الروسية في سوريا ساعدت تنظيم داعش باستهداف فصائل بالمعارضة السورية يقوم التنظيم بقتالهم أيضا!
على الجانب الأخر تبدو أحاديث روسيا عن محاربة الإرهاب كفكاهة سخيفة وهى تدعم الإرهابى العالمى بشار وتقاتل من يقاومه تحت زعم محاربة داعش، وهناك أيضا علامات استفهام كثيرة حول الموقف الأمريكى والأوروبى من بقاء بشار الأسد خاصة مع حالة الميوعة السياسية التى تم التعامل بها مع التدخل العسكرى الروسى الذى منح قبلة الحياة لنظام بشار الذى كان على وشك السقوط بأيدى المعارضة الوطنية التى كانت تدق أبواب دمشق.
منح بشار قبلة الحياة يعنى مزيدا من التمدد الداعشى ومضاعفة المبررات لتجنيد إرهابيين جدد من مختلف بلاد العالم لتحقيق اسطورة الخلافة المنشودة فى نفس الوقت الذى يتم فيه كسر عظام المقاومة الوطنية السورية المسلحة التى لها إطار سياسى يمكن التعامل معه كبديل فى ترتيبات ما بعد رحيل بشار.
على الغرب أن يفهم أن سكوته أو دعمه أوتواطؤه مع أنظمة استبدادية هو قنبلة موقوتة ستنفجر فى وجهه عاجلا أم آجلا ، هذه الأنظمة الاستبدادية تقوم بتفريخ أجيال من المتطرفين والارهابيين الذين يتشبعون بالكراهية وينطلقون فى كل مكان بالعالم يحملون الموت للأبرياء.
لا يمكن اعتبار أن داعش وحدها هى المسئولة عن تفجيرات باريس بل يقتضى الإنصاف أن يتحمل المسئولية كل طاغية أجهض حلم الديموقراطية فى بلاده وخلق للتطرف والارهاب مناخا يعيش فيه ويزدهر، المقارنات التافهة التى تدعى أن غياب الديموقراطية ليس أحد أهم أسباب الإرهاب بدعوى انضمام بعض أبناء الدول الأوروبية الى داعش رغم أن مجتمعاتهم تحققت فيها الديموقراطية هونوع من التدليس، فهنا فى منطقة الشرق الأوسط ترقد خميرة التطرف والارهاب التى غذتها ورعتها هذه الأنظمة الشمولية المتعفنة ومن هنا خرجت الأطروحات الفكرية العنيفة والمتوحشة التى جمعت غير الأسوياء من كل أنحاء العالم ليلتحقوا بجيش الخلافة الداعشى المزعوم وما تنظيم القاعدة عنا ببعيد !
لا يعنى هذا أن التطرف يأتى من بلادنا فقط ، ففى كل ديانة وكل بلد نجد بعض المتطرفين لكن هذا لا ينفى أن حال بلادنا وأقطارنا العربية يشجع بشكل متزايد على نمو التطرف والارهاب ، المرحلة القادمة سيخرج علينا جيل جديد من الارهابيين المرتزقة بمعنى الكلمة الذين لا يحملون فكرا عقائديا ولا اتجاها ايدلوجيا وإنما جمعهم الفقروالقهر وألهب رغبات انتقامهم التى ستنعكس فى موجات جديدة من الارهاب تزيد من قوة المتطرفين دينيا وتخلق لهم روافد جديدة لضم مزيد من الأنصار.
لن ينتصر العالم على الارهاب وهو يدعم ارهابيين لا يختبئون فى المغارات والجبال بل يقيمون فى قصور رئاسية ويحكمون شعوبا مغلوبة على أمرها بقوة النار والسلاح ، من يريد الانتصار على الارهاب فليتوقف عن دعم الاستبداد !
أظن أن المعركة التي تم إطلاقها اليوم في ريف حلب الجنوبي ، و الهادفة لتحرير ما سيطرته عليه إيران و مليشياتها ، ستخلط الأوراق بشكل كبير ، سواء سياسياً أو تنظيماً ، و طبعاً ستؤثر على تركيبة المعارضة المزمع تجميعها لقيادة المفاوضات مع النظام .
بعيداً عن جانب العسكري و ماحققه الثوار بمختلف أصنافهم ، خلال الهجوم الواسع الذي انطلق منذ ساعات و حقق نتائج كبيرة جداً احتاجت ايران و مليشياته و روسيا و طائراتها و صواريخها أكثر من شهر لتحقيقها ، لكن الأمر يبدو أكثر أهمية من حيث التركيبة التي جمعت بين المهاجمين .
فاليوم كتلة جيش الفتح ، التي يلقى غالبية فصائلها الرفض عالمياً تحت مسمى "التنظيمات الإرهابية" ، بكامل ثقله في المعركة ، و كذلك جيش النصر الذي يحسب على الجيش الحر ، و كذلك فصائل فتح حلب بكامل فصائلها تشارك بشكل مباشر في المعارك ، و إن كان ليس بذات الجغرافيا ، و لكن تتحد بنفس الهدف عبر الإشغال و إشعال الجبهات البعيدة و التشويش و التشتيت.
فالإختلاط بين الفصائل "المتشددة" أو"الإرهابية" وفق التصنيف العالمي ، طبعاً ، و الفصائل التي تنضوي تحت مسمى "المقبول" أو "المعتدل" ، جعل من الفصل بين هذين المسمين في هذه المرحلة شيء من ضروب الخيال ، و أي تقييم سيفرض من الخارج على هذا الفصيل أو ذلك ، سيلقي بثقله على الجميع الذين تعاضدوا و اتفقوا على أن العدو لايمكن مواجهته على طاولات المفاوضات ، و إنما الضرب سيكون في ساحات المعارك و القضاء عليه يكون في مفاوضات الإستسلام .
الأيام القليلة القادمة سيكون الإجتماع الإعلاني ، عن أسماء الفصائل التي المتبتلية بـ"الإرهاب" ، والتي تولت الأردن التنسيق فيها ، و سربت اليوم مسودة تضم سبعة فصائل على رأسها الاحرار و النصرة و جند الأقصى و جند خرسان و فصيلين آخرين و طبعاً داعش هي الأساس ، و لكن هل سيصمت من تشارك اليوم و يتشارك في معارك حلب على تجزأة القوات ، و تشتيتهم أكثر ، و تحويلهم من حلفاء متعاضدين ، إلى أعداء متواجهين في طرفين متناقضين ...!؟
ساء الجمعة 13 نوفمبر/تشرين الثاني، نفّذ قتلة من داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) هجمات في عدة مواقع في باريس، وحصدوا بذلك أرواحا بريئة في مسعاهم لتنفيذ أجندتهم القائمة على الكراهية وبث بذور الشقاق والخوف من الآخر. وقد جاءت تلك الهجمات في أعقاب تفجيرات لا تقل إجراما نفذت في بيروت وبغداد وأنقرة ومدينة سوروتش التركية، وعدة أماكن أخرى مع الأسف.
انطلاقا من قواعدهما في سوريا، تلحق داعش ونظام بشار الأسد الدمار والبؤس بالشعب السوري، ويشيعان معا الإرهاب ويتسببان بزعزعة الاستقرار في محيط أبعد بكثير من نطاق الحدود السورية.
إن داعش والأسد وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يستخدم الإجرام والترويع لتعزيز قبضتيهما على الحكم. وفيما كان تنظيم داعش يضرب ضربته في باريس، كانت قوات نظام الأسد تمطر الشعب السوري بالقنابل المتفجرة. وكما هو حال داعش، فإن الأسد لا يبالي بمن يكون أولئك الذين يقصفهم طالما أنه باق في سدة الحكم.
تلك مقدمة مطوّلة يمكن إيجازها بالقول إن على المجتمع الدولي أن يساعد الشعب السوري لإنقاذ سوريا، ولا بد من فعل ذلك الآن.
وفعلا تعهد المجتمع الدولي بتقديم المساعدة المنشودة في اجتماع عقد صبيحة السبت 14 نوفمبر/تشرين الثاني في العاصمة النمساوية فيينا. ضم ذلك الاجتماع وزراء وممثلين عن سبع عشرة دولة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، اجتمعوا للاتفاق على طريقة لإنقاذ سوريا من الجحيم الذي باتت تمثله اليوم. وقد كنت أحد الذين حظوا بالمشاركة في ذلك اللقاء.
كان ذلك اللقاء الثاني للمجتمع الدولي في فيينا، وهذه المرة أسّس مجموعة الدعم الدولية لسوريا. اللقاء الأول عُقد قبل أسبوعين، وعبر من خلاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري بوضوح أن الوضع في سوريا قد أصبح ملحا ولا يحتمل التأجيل.
وهو الآن يوضح بأن الهجمات التي نفذتها داعش في باريس، وقبلها بيومين في بيروت، تؤكد أن الحاجة العاجلة لمعالجة الوضع في سوريا باتت أقوى. ينبغي علينا أن نشحذ المبادئ التي تم الاتفاق عليها في اجتماع 30 أكتوبر/تشرين الأول، وأن نجعلها أكثر إحكاما ونحولها إلى خطة عمل.
وقد تمخض النقاش الذي استمر طيلة اليوم عن تلك الخطة المتمثلة بورقة فيينا الثانية، وكذلك عن اتفاق لتأسيس مجموعة الدعم الدولية لسوريا والتي ستتولى الانطلاق بهذه الخطة.
لكن الكمال غاية لا تدرك، وقد سارع المنتقدون لإيجاد الثقوب والمثالب في الخطة، وسوف يستمرون في محاولاتهم لتمزيقها (فهذا ديدنهم في نهاية المطاف). ولكنني أعتقد أن الخطة جيدة للأسباب التالية:
أولا، لأنها تلتزم بتحقيق الانتقال في سوريا. والانتقال هنا ليس مصطلحا ضبابيا مثل "التحول" أو "التطور" بل انتقال. وأقول بوضوح: انتقال من نظام الأسد وطغمته الحاكمة إلى شيء آخر، شيء أفضل، كخطوة أولى إلى نظام حكم ذي مصداقية، جامع شامل وغير طائفي. (ونعم، حكم الأسد طائفي يتدثر بعباءة العلمانية).
ثانيا، مجموعة الدعم التزمت بجدول زمني واضح: تاريخ محدد لبدء مفاوضات رسمية، ليس حوارا، ولا طرح أفكار، بل مفاوضات تُعقد بحلول الأول من يناير/كانون الثاني بين المعارضة و"الحكومة" (علامة التنصيص من الكاتب)، وإنشاء صيغة حكم خلال ستة أشهر، ويعقبها صياغة دستور وترتيبات انتخابية، وإجراء انتخابات بعد ثمانية عشر شهرا أو، لكي يبدو الأمر واقعيا أكثر، في منتصف عام 2017.
ثالثا، تحمل الخطة أملا حقيقيا للمدنيين السوريين، حيث تتضمن تدابير لبناء الثقة تجعل العملية السياسية ممكنة وتمهد الطريق لوقف إطلاق النار في أنحاء سوريا كلها، وترافقها ضغوط لإنهاء العنف العشوائي ضد الشعب (نعم، نظام الأسد هو الضالع الأساسي فيه).
ويجدر القول إن الخطة واقعية في أهدافها. فلا يمكن تصور وقف إطلاق النار دون ربطه بعملية سياسية ذات مصداقية، فالثقة لا تزال غائبة لحد الآن. وتدابير بناء الثقة هي التي سوف تساعد في تحقيق وقف إطلاق النار.
رابعا، هناك عزم أكيد واضح على دعم المعارضة السورية كي تتمكن من الوقوف كالند للند ومرفوعة الرأس في مواجهة النظام بالمفاوضات. وإحقاقا للحق، فإن الدول التي تقف إلى جانب الشعب السوري تعترف بالائتلاف الوطني السوري بأنه "قلب المعارضة وقائدها".
ويعرف الائتلاف ما ينبغي عليه فعله لكي يتواصل مع كافة الفصائل السورية والشعب للوصول إلى رؤية وأهداف موحدة وموقف تفاوضي متناغم بحلول يناير/كانون الثاني القادم. ونحن نمد لهم يد العون في ذلك وسوف نبقى إلى جانبهم. ذلك كان مضمون رسالة وزير الخارجية البريطاني خلال لقائه مع رئيس الائتلاف خالد خوجة أثناء زيارته في وقت سابق من الشهر الجاري.
خامسا، سوف تساهم مجموعة الدعم الدولية في التوصل إلى تفاهم مشترك حول تحديد من هم الإرهابيون في سوريا. تنظيم داعش هو أحد تلك الجماعات الإرهابية. وهناك أيضا جبهة النصرة الموالية للقاعدة. وسوف نستخدم ذلك التفاهم لممارسة المزيد من الضغوط على روسيا، بل وسنمارس ذلك الضغط فعلا، لكي تتوقف عن قصف أولئك الذين يدافعون عن الشعب السوري. وأفعال روسيا هي التي سوف تحكم على مدى التزامها بالعملية السياسية.
سوف ينصب تركيزي على نحو أكبر على الأطراف التي لديها الاستعداد للالتزام بالعملية السياسية الجديدة وبالقيم التي يتطلع إليها غالبية السوريين: سوريا واحدة بدون الأسد، غير مقسمة، تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها، ولديها حكومة جامعة تسمح بالمشاركة للجميع على قدم المساواة، وتساوي بالحقوق والواجبات وتوفير الحماية للجميع، وحيث تكون التعددية السياسية وحكم القانون مبادئ جوهرية وليست مجرد "مسائل ثانوية من المحبب أن تتوفر".
سادسا، سوف يقدم مجلس الأمن الدعم لكل ذلك. حيث سوف يعطي صلاحيات كافية للجنة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار ويطبقها. كما سيدعم العملية الانتقالية. وستكون له الكلمة الأخيرة في تصنيف الجماعات الإرهابية التي لم يتم تصنيفها بعد.
أود أن أتطرق هنا مباشرة إلى نقطتين أساسيتين:
لم يرد اسم الأسد في أي مكان في الورقة. وبالنظر إلى تشكيل المجتمعين حول الطاولة فإن ذلك ليس مستغربا. لكن يبدو جليا أن العملية الانتقالية التي تمت صياغتها في الخطة الأخيرة لا مكان للأسد فيها. فقد أقصى نفسه بنفسه عن مستقبل سوريا بحكمه الوحشي واستخدامه الغازات السامة وقصفه للمدنيين وتعذيبهم حتى الموت. وبذلك فإن المفاوضات الرسمية لن يكون لها سوى موقف واحد بهذا الشأن.
وللمرة الثانية، لم يكن للسوريين أي حضور في غرفة الاجتماع. يمكنني تصور مقدار الإحباط الذي يشعرون به حين يرون الآخرين يضعون لهم خطة حول مستقبل بلدهم. ولكن السوريين يعلمون أكثر من سواهم لماذا جاء اجتماع فيينا بهذه الصيغة، إذ أن المنطقة والمجتمع الدولي أدركا الحاجة لصياغة تصورهما لكيفية إنهاء الصراع في سوريا، والذي هو حرب بالوكالة بقدر ما هو حرب أهلية. وما نحتاج أن نركز عليه الآن هو عودة السوريين ليتولوا بثبات زمام مصيرهم بأنفسهم، ودور مجموعة الدعم هو مساندتهم في ذلك وليس وضع العقبات أمامهم.
إذن هذا هو نص الخطة، فما الخطوة التالية؟
أولا، نحن بحاجة كمجموعة دعم لإبقاء هذه العملية حية. ولعل أهم مهمة تواجهنا هي دعم المعارضة لمساعدتها للاستعداد للمفاوضات القادمة.
ثانيا، سوف يظل السوريون بحاجة إلى مساعدتنا، وبشكل فوري. إن المملكة المتحدة ثاني أكبر دولة مانحة لسوريا (بعد الولايات المتحدة). ومساهماتنا الإنسانية ضخمة، كما أننا نقدم دعما أوسع لمساندة الأطراف السورية المعتدلة التي تعمل لخدمة مجتمعها ولتحقيق انتقال حقيقي.
ثالثا، لا بد لنا أن نكون واقعيين بثبات فيما تتطلع عقولنا وأفئدتنا إلى تحقيق عملية انتقال نحو مستقبل أفضل. فالنظام والداعمون له يواصلون اعتداءاتهم الوحشية على السوريين. وجاء التدخل العسكري الروسي ليزيد الصراع تعقيدا في سوريا، ويجعل التسوية السياسية أبعد منالا، حيث تزعم روسيا أنها تهاجم داعش ولكنها تستهدف أساسا المعارضة السورية المسلحة.
وبالتالي، بينما تحقق عملية فيينا تقدما، سوف نساند المعارضة، ونسلط الضوء على الضربات العسكرية الروسية ضد جماعات غير داعش، وعلى وحشية الأسد، ودعم مساعي المبعوث الخاص للأمم المتحدة دي ميستورا وفريقه رغم إدراكنا أن تلك مهمة شاقة.
عندما رجعت إلى منزلي من فيينا، وجدت شارة "عضو وفد - فيينا" في قاع حقيبتي، فلم أرمها بل احتفظت بها في مكان آمن لأنني أريد إخراجها في السنوات المقبلة لكي أقول لنفسي "كنت موجودا هناك عندما تمكنا أخيرا من إطلاق خطة ساهمت في إنقاذ سوريا". إذا دعونا نتمسك ببعض الأمل المقترن بجرعة سخية من الواقعية لنضمن بأن الأسد لن يفلت من العقاب عن جرائمه.