مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٩ نوفمبر ٢٠١٥
الإرهاب أمام معيار الأخلاق والحق والسياسة

الإرهاب حرب، ولكنْ بوسائل غير نظامية. وعدم نظاميتها نابع من أنها، بعكس الحرب "القانونية"، لا تستهدف المقاتلين من الخصوم، وإنما توجه عنفها نحو الأبرياء، بهدف إضعاف موقف المقاتلين الخصوم، وإجبارهم على دفع ثمن، وتحمل مخاطر غير محسوبة، وإثارة البلبلة والخوف في حاضنتهم الشعبية. لذلك، نظر الرأي العام العالمي إلى حرب الإرهاب على أنها، بالتعريف، عمل غير مشروع. وهي في جميع المقاييس عمل مناف للحق، ومدمر لأسس المدنية، وفي مقدمها الدولة التي لا تقوم من دون حكم القانون، ومفهوم مقبول للعدالة، أي من دون سلطة تعاقب المسيء وتحمي البريء. ولذلك، ليس لتحريم الإرهاب حدود جغرافية أو سياسية أو ثقافية، فهو محرّم في كل مكان، وهو شر جميعه، سواء حصل داخل المجتمع الواحد، أو نقل إلى مجتمعات أخرى.
ولا تختلف العمليات الإرهابية التي نفذها داعش في فرنسا، واعترف بمسؤوليته عنها، في مضمونها عن جميع العمليات الإرهابية التي ينفذها التنظيم نفسه في سورية والعراق، وغيرها من البلاد العربية، وهي مدانة بالدرجة نفسها التي ينبغي أن تدان بها جميع العمليات الإرهابية في العالم. ولا يخفف من هذه الإدانة أن هذه الجرائم تمس شعوباً أخرى، لعبت حكوماتها، في هذه الفترة أو تلك، دوراً سلبياً في حياة الشعوب العربية، ولا يقلل من طابعها اللامشروع أنها تأتي في سياق الحرب الإرهابية الشاملة التي يشنها نظام الأسد وحلفاؤه على السوريين، ويدمرون من خلالها الدولة والمجتمع والبلاد. فلا يمكن للشر أن يبرر الشر، والرد على الظلم لا يكون بظلم مثله، وإلا انتفى الحق، وزهقت مبادئ العدل، وانعدمت فرصة السلام والأمن والاستقرار التي لا تقوم من دونها مدنية، ولا تزدهر حضارة. ونحن الذين لم نتوقف عن تحمل آثار حروب الإرهاب التي قضت في بلداننا على الدولة والمجتمع والدين والحضارة، بدءاً بالإرهاب الإسرائيلي الذي شكل الأم المرضعة والحاضنة لكل إرهاب لاحق، وانتهاءً بإرهاب داعش الذي يريد تدمير ما تبقى من المجتمع والتاريخ في بلادنا، مروراً بإرهاب الأنظمة السياسية القمعية، لا يمكن إلا أن ندينه، ونستنكر عملياته الإجرامية في فرنسا، كما في جميع مناطق العالم الأخرى. وأي تهاون في مثل هذه الإدانة يعني إيجاد الأعذار والمبررات لانتشاره، وبصورة غير مباشرة، تقديم ذرائع ومبررات للإرهاب المحلي والدولي الموجه إلينا. إن قتل الأبرياء، مهما كان دافعه وهدفه، عمل لا أخلاقي، يعكس انهيار معنى الإنسانية عند فاعليه، ويعبر عن عودة البربرية وسيطرة معاني الانتقام والحقد والموت على الأمل والتفتح والحياة. وفي القرآن: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".

في أصل الإرهاب وأسباب انتشاره
لكن إدانة الإرهاب بصورة مطلقة، وعدم إعطائه أي مبررات مهما كانت، وعدم قبول أي تسامح معه، لا ينهي الإرهاب، ولا يمكن التوقف عنده. تستدعي مكافحة الإرهاب أن نفهم أسباب وجوده، حتى نستطيع أن نقضي على جذوره. والطروحات التي تبثها معظم أجهزة
"ليس التطرف والإرهاب سمة خاصة بأي شعب أو ثقافة أو دين. إنه ثمرة الانسدادات والمآزق والصراعات التي لا حل لها"
الإعلام العربية والدولية التابعة للأنظمة شبه الاستعمارية أو الاستبدادية، تزيد في تفاقم ظاهرته، بمقدار ما تلقي المسؤولية فيه على جماعاتٍ، أو أديان كاملة، وتوجه الرأي العام العالمي ضدها، وتعمل على عزلها وتأبيد الظلم الواقع عليها، أو التغطية عليه، كما تشجع ضحايا الإرهاب على الخلط بينه وبين هذه الأديان والشعوب، لتمدد في عمر النزاع، وتسعر روح الحرب المستمرة بشكل أو آخر منذ عقود. والواقع أن هذه الطروحات لا تهدف إلى فهم أسباب الإرهاب الموضوعية، لكنها تستغل معاناة ضحاياه للتغطية على مسؤوليات الحكومات والنظم والطغم الحاكمة والتيارات الأيديولوجية العنصرية، أو شبه العنصرية في نشأته وانتشاره. وتعمل أغلب هذه الطروحات على الخلط المتعمد أو العفوي بين الأعمال الإرهابية التي تشكل انحرافاً عن المقبول في أي ثقافة أو جماعة أو دين، والثقافة أو الجماعة أو الدين نفسه. فتربط بين الأعمال الإرهابية التي تقوم بها منظمات أو جماعات معينة وبعض المذاهب أو الأديان. والواقع أن التركيز المستمر على طروحات ثقافوية مسيطرة اليوم في الغرب لا ترى للإرهاب سبباً سوى ثقافة المسلمين أو دينهم، بدل أن ترى في الإرهاب انحرافاً يمكن معالجته بتطبيق القانون والتربية المدنية، يزيد من الشعور بالظلم لدى المسلمين، ويخلق التربة الآسنة في العلاقات التي تربطهم بالغرب، والتي تضاعف مقدرة الإرهابيين المحترفين على اصطياد مزيد من الشبان الأبرياء، وتوريطهم في الجريمة والانحراف. وهو يؤكد، في ما وراء ذلك، استمرار منطق الحرب التي لا تزال تطبع العلاقات العربية الغربية، والتي لا يشكل الإرهاب إلا أحد تجلياتها الكريهة.
ليس التطرف والإرهاب سمة خاصة بأي شعب أو ثقافة أو دين. إنه ثمرة الانسدادات والمآزق والصراعات التي لا حل لها، وليس هناك إمكانية، بعد، لحسمها. وليست هذه الانسدادات إلا نتيجة خيارات سياسية واستراتيجية خاطئة، قامت بها حكومات وأنظمة ومسؤولون رسميون، في إطار البحث عن تعظيم مكاسبهم وامتيازاتهم، على حساب المصالح الحيوية للآخرين، وتحطيم آمالهم وتهديد أمنهم وسلامتهم. ففي التعفن واليأس من الخلاص والخوف المتفاقم على الحياة، يولد التسليم والاستسلام للأمر الواقع من الشعوب المغلوبة على أمرها، كما يولد بموازاته التطلع إلى تقويض مبدأ النظام والسلام والاستقرار عند جماعاتٍ ترفض الأمر الواقع، ولا ترى وسيلة لتغييره سوى بالتخريب وتقويض قدرة المنتصر على التمتع بانتصاره. ولا توجد وسيلة لمحاصرة الإرهاب والحد من انتشاره، من دون تغيير هذه الخيارات، وتبني خيارات جديدة، تحترم الحد الأدنى من قيم المساواة التي هي اليوم القيم الأساسية التي تضمن الكرامة والعدل في عصرنا، بعد أن تحول العالم بالفعل إلى قرية صغيرة، تتشابك فيها مصائر الشعوب. ولم يعد من الممكن للظلم والإجحاف وامتهان كرامة الشعوب، أو تجاهل حقوقها أن يمر من دون عواقب وخيمة، يشكل الإرهاب الأشد قسوة منها. وإذا كانت المعالجة القانونية للإرهاب أساسية لردع الأفراد عن المشاركة في أعمال إجرامية، فإن المعالجة السياسية التي تهدف إلى عزل الإرهاب وحرمان محترفيه من أي حاضنة اجتماعية، لا يمكن أن تنجح ما لم يستعد العالم قدرته على الرهان على التضامن الدولي، وإعادة تعزيز حكم القانون، واحترام إرادة الشعوب وحقوقها الأساسية. وهو ما لا يتفق مع سياسات دعم النظم الديكتاتورية، وغض النظر عن المظالم والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وحروب الإبادة الجماعية التي درجت عليها السياسات القومية للدول والنظم الديكتاتورية، من أجل تحييد الشعوب، وشل إرادتها والتلاعب بمصائرها.

في مخاطر الخلط بين الإرهاب وأي دين
وفي المشرق الراهن، يستمد الإرهاب قوته وانتعاشه ويزيد من جرأته على شن هجومات منسقة ترقى إلى مستوى الحرب، من أسباب متعددة، في مقدمها تقويض السلام والأمن القومي
"جذبت الحالة السورية الانتحاريين والمتطرفين من كل مكان، وأنتجت منهم الكثير أيضاً داخل المشرق كله"
والاجتماعي من حكومات دول طامحة في التوسع والهيمنة، ونظم سياسية فاسدة تستفيد من التحالف معها، لتجريد الشعوب من حقوقها، وفرض الخنوع والإذعان عليها، وحرمانها من مواردها وآمالها. ومنها غياب الإرادة الدولية وفشلها، ممثلة بمجلس الأمن، في حماية الشعوب والتضامن معها لضمان حقوقها الأساسية. وأخيراً، ومن وراء ذلك كله فقدان القيادة العالمية، وتخلي الدول الكبرى عن مسؤولياتها، والتساهل مع المظالم والاختلالات والجرائم ضد الإنسانية التي تتعرض لها الشعوب في أكثر من مكان ومنطقة. وقد جذبت الحالة السورية الانتحاريين والمتطرفين من كل مكان، وأنتجت منهم الكثير أيضاً داخل المشرق كله، بمقدار ما جسّدت النموذج الأكثر بشاعةً، لسيطرة روح الأنانية وشره التسلط والهيمنة وانعدام التضامن وغياب الشعور بالمسؤولية لدى الدول الكبرى والإقليمية معاً، والتضحية بحياة شعب كامل، من أجل الاحتفاظ بمصالح وامتيازات خاصة، أو النزاع عليها. كما كشفت هشاشة مؤسسات المجتمع الدولي، وهي الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، وعجزها المحزن عن ضمان الحد الأدنى من التضامن والعدالة واحترام حقوق الشعوب ومصالحها الحيوية في حقل العلاقات الدولية.
لم يكن الإرهاب بحاجة إلى ولادة جديدة بعد أن أكملت الحرب الاستعمارية الدموية في أفغانستان مراحل إخصابه وولادته. فهو موجود اليوم في العالم بنية قائمة بذاتها وثابتة، من خلال شبكات وتنظيمات وأسلوب عمل وتفكير مجربين. ما يقدم له الوضع المأساوي الذي آلت إليه الأحوال في المشرق، بسبب سياسات الدول الكبرى، واستهتارها بحقوق الشعوب وحياتها ومصائرها هو إسعافه بدفعةٍ لاحدود لها من الأوكسجين الذي قاده، هو الفعل المؤسس على تقويض مبدأ الدولة، إلى الحلم بالتحول إلى دولة، وإقامة إمارة يريدها أن تكون على مثال الخلافة الإسلامية الأولى، وهي ليست في الواقع سوى الضد الخالص لها.
ويهدد التفسير السياسوي والثقافوي للإرهاب، في شروط الانفجار الذي يعيشه المشرق والشرق الأوسط، وانفراط عقد الدول والمجتمعات، واندفاع ملايين اللاجئين إلى أوروبا بحثاً عن ملاذ آمن، يحميهم من القصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والعنقودية وسكاكين داعش الارهابية وانتحارييها، بتحويل الجاليات الإسلامية في أوروبا إلى كبش فداء، وتوجيه أصابع الاتهام إليها، وتبرير المعاملة السيئة التي كانت تحلم بإنهائها، كما تزيد من غرق الشرق الأوسط في المياه الآسنة للحروب الداخلية والخارجية، فهو يمثل أفضل تبرير للتطرف المضاد الذي يدفع العنصريين، أو المعادين للعرب والأجانب في الغرب، إلى ممارسة مزيد من الضغوط المادية والمعنوية على هذه الجاليات، اعتقاداً منهم بأن ما لا يتحقق بعنف قليل يتحقق بعنف أكثر، وأن العنف هو أفضل طريق لردع المتطرفين "الإسلاميين"، وثنيهم عن القيام بأفعالهم. والنتيجة هي العكس تماماً، أي زيادة مشاعر العداء ومناخ الحرب الطائفية المولدة لليأس والتطرف والانتقام.
لا تساهم هذه الطروحات في الحقيقة إلا في تسعير مناخ الحرب، وتعميق منطق الضحية وكبش الفداء الذي يقوم عليه الإرهاب والتطرف.
ما يجمع بين الإرهابيين المحترفين وخصومهم من الطغاة والمتجبرين، أو العنصريين
"ما يجمع بين الإرهابيين المحترفين وخصومهم من الطغاة والمتجبرين، أو العنصريين المحرّضين ضد الجاليات الأجنبية باسم محاربة الإرهاب، هو استهداف الأبرياء للتأثير على الفاعلين المذنبين"
المحرّضين ضد الجاليات الأجنبية باسم محاربة الإرهاب، هو استهداف الأبرياء للتأثير على الفاعلين المذنبين، الغربيين من دون تحديد بالنسبة للمتطرفين المسلمين، والمسلمين جميعاً بالنسبة للعنصريين والمتطرفين الغربيين، وفي ما وراء ذلك الخلط بين المذنب والبريء والفرد والجماعة، والفكر الإرهابي والدين أو المذهب. وهم يتعيّشون معاً على تحطيم علاقات الثقة والتعايش بين الأفراد والشعوب والجماعات، واليوم بشكل رئيسي بين العرب والمسلمين والشعوب الأخرى، في العالم العربي والعالم، من أجل جر أكبر عدد من اليائسين إلى صفهم، وتحييد الإرادة الواعية والتفكير العقلاني عند الجميع، وتعزيز منطق ردود الأفعال وروح العصبية والامتثال الأعمى. بذلك، يمكنهم إيجاد العناصر المتطرفة التي تمكنهم من تحقيق مخططاتهم وإيجاد نظام قائم على العنف بدل القانون، والتعصب بدل التسامح، والعدوان بدل التضامن، والموت بدل الحياة. وبالنسبة للإرهاب الذي يهدد بالاستيطان بشكل متزايد في أوروبا والغرب، الذي فقد السيطرة، أو في سبيله إلى ذلك، ولا يزال يرمز لسياسات السيطرة التقليدية، ويتخبط في إدارة أزمة تراجعه التاريخية، ليس هدف الإرهابيين حماية الأقليات الإسلامية. ولكن، بالعكس توريطها في حربٍ ضد مجتمعاتها، وعزلها عنها لتبرير أعمالهم، وجذب العناصر القلقة والضعيفة إليهم، وإعادة تأهيلها للقيام بالعمليات الانتحارية في العالم أجمع.
لذلك، ليس هناك أكثر دعماً للإرهاب من الخلط بين الجريمة التي يمثلها والتي ينبغي أن يحاسب عليها مرتكبها كأي مجرم منتهك للقانون، وللجماعة القومية أو الدينية التي ينتمي إليها. وللأسف، هذا ما يحصل اليوم في الإعلام الغربي، حيث يصبح الإرهاب من سمات مجتمعات المسلمين، أو أحياناً، أكثر من ذلك من عقائدهم. وفي المقابل، ليس هناك أكثر تشجيعاً لهذا الخلط بين الإرهاب الذي هو من صنع مجموعة محددة فقدت إنسانيتها، مهما كان دينها ومذهبها، والمسلمين المقيمين في الغرب، من تأييد بعضنا مخططات الإرهاب وأعماله، بحجة الدفاع عن المسلمين أو رد الظلم عنهم.
فكما أنه ليس هناك أي مبرر لتحويل التهمة من مرتكبيها إلى الجماعة القومية، أو الدينية التي ينتمون إليها، سوى العنصرية وروح الحرب، فليس هناك أي سبب للتغطية على جريمة الإرهاب باسم القومية أو الوطنية أو الانتقام للنفس. مثل هذا الموقف في الحالتين يعيد البشرية إلى قانون العصبية القبلية، ويقضي على أسس أي حياة قانونية، ومن ورائها أي حياة مدنية إنسانية.

اقرأ المزيد
١٨ نوفمبر ٢٠١٥
إتفاق "وقف الموت" مؤقتاً .. الغوطة تعقد وتستعد للتنفيذ .. الخلاف ينشب ..

فتح للمعابر ودخول المواد الإغاثية ووقف إطلاق النار وفك تدريجي للحصار يبدء بمدينة المجازر "دوما" ، ليتم التعميم في حال النجاح ، تضارب في بقية التفاصيل حول الراعي و المهندس و المفاوض ، و لكن الخلاف نشب على المنصات الإعلامية فورا إعلان "الهدنة" التي تعني الهدوء و لكنها أثارت الجنون .

الغوطة الشرقية التي تضم قرابة 600 ألف محاصر منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات ، حصار بري لم تشهده البشرية ، قصف جوي بكل شيء ، و استخدامٌ لأقذر الأسلحة من الكيماوي وصولاً إلى العنقودي .

الغوطة اليوم تبرم الإتفاق مع قوات الأسد ، للدخول في هدنة مبدئية لـ15 يوماً ، يتلوها تعزيز و استمرار و توسع لها في حال النجاح ، هذه الهدنة التي ستفتح الآفاق أمام كل المنظرين و المتهمين و الجالسين على الأطراف لتوجيه اللوم و التخوين ، وسيكون هناك مساحات للشتم وأخرى للبكاء و العويل ، فهنا الغوطة بنظرهم قد خانت و خرجت من الملة و باتت من الأعداء .

بعيداً عن اتهامات المشكيين ، فالهدنة تعتبر ، جزء أولي من عمل قد يكون طويل في طريق تنفيذ خارطة الطريق لـ"فيينا 14/11/2015" الذي أقرّ و إعتمد الأسلوب الذي سيسير عليه الحل ، وصولاً إلى الهدف الذي يرضي الجميع كما سبق و أن قال وزير الخارجية الإيراني "لنكون جميعنا رابحين".

إتفاق اليوم هو بداية الخطوة التي قال عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن "الإنتقال في سوريا و بداية العملية ستكون أسرع مما تتخيلوا ، و لن أقول أشهر ، و إنما هي أسابيع قليلة" .

بعيداً عن الحقل السياسي و التصريحات ، فهذه الهدنة و لو مؤقتة ، و لو فشلت ، و لوكانت بناء على أي مسمى أو توافق ، هي استراحة من منصات الموت التي يرتقي عليها مئات الشهداء ، هي فرصة لإستراجع جزء من الحياة الطبيعية ، هي فرصة لأن يكون هناك بطون قد أكلت بعضاً مما تشتهي ، قد نختلف كثيراً و نخوص في نقاشات إلى ما لانهاية .. و لكن يجب أن يكون هناك في دواخلنا بسمة بأن المحاصرين سيكونون سعداء لبعض الوقت .

اقرأ المزيد
١٨ نوفمبر ٢٠١٥
حان وقت تحرير سورية من الاحتلالين الروسي والإيراني

طغت في أوساط المعارضة السوريّة في الآونة الأخيرة، لا سيّما مع التصعيد العسكريّ الروسي، روحُ انهزاميّة توحي بحتميّة فرض حلول سياسية مُعلّبة جاهزة للتطبيق، وعبثيّة مقاومة هذه الحلول أو الوقوف في وجهها، الأمر الذي أدّى إلى دخول الثورة السورية في منعطف جديد. ولا يخفى على أحد أنّه ليس أوّل منعطف حرج ولن يكون بالضرورة المنعطف الأخير.

تمكّن الثوّار من امتصاص جميع الصدمات العسكرية التي تعرّضوا لها في السابق من جيش النظام و «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني، كما تمكنت الثورة، على رغم ضعف الأداء السياسي للمعارضة السورية بشكل عام مقارنة بالأداء العسكري، من تجنّب الوقوع في عدد كبير من المصائد السياسية التي نُصبت لها رغم وجود طابور خامس كبير.

لكنّ التدخل الروسي المُترافق مع غياب الدور الأميركي المعاكس له، إضافة إلى دخول المنطقة بأسرها في مرحلة جديدة لم تكتمل ملامحها بعد، يُحتّم على الثورة السورية أن تُنجز نقلة نوعية في أدائها على الصعيدين السياسي والعسكري، وأن تقف وقفة صادقة تقيّم فيها مسيرتها حتى الآن، كي تصبح قادرة على مواجهة تحديات المستقبل. فالمرحلة المقبلة مليئة بالاستحقاقات ومحفوفة بالمخاطر والمنزلقات، ولعل أول هذه الاستحقاقات قد بدأ في مؤتمر فيينا الذي يمكن اعتباره أكثر محاولة جدّية حتى الآن من المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي في سورية أو فرضه، ومن الخطأ النظر إلى هذه المحطة السياسيّة بمعزل عن التصعيد الروسي العسكري الأخير.

لن نخوض في هذا المقام في تحليل مستفيض لأسباب هذا التصعيد ومآلاته، فمن الواضح أنّ الهدف الرئيسي منه هو فرض حل سياسي بالقوة العسكرية بشكلٍ يتماشى مع مصالح روسيا، وفي ذلك درس عظيم للثورة السورية عن كيفيّة توجيه العمل العسكري المؤثّر وفي لحظات حاسمة لتحقيق أهداف سياسية طويلة الأمد، وهو ما عبّر عنه كلاوزفيتز بقوله: «الحرب هي امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى»، وهذا ما عجز عن تحقيقه الثوار حتى الآن على المستوى المطلوب. فعلى رغم البطولة المنقطعة النظير للشعب السوري والتضحيات الأسطورية في ساحات القتال إلا أنّ المردود السياسي كان ضعيفاً في غياب ثلاث ركائز أساسية تتمثّل بالاستراتيجية العسكريّة المركزيّة، والتمثيل السياسي الموحّد وأخيراً بالقيادة الموجّهة والمُلهمة للثورة.

أصبحت الحاجة ماسّة لإدارة المعركة العسكرية بطريقة مركزيّة بحيث تغطّي كامل التراب السوري وليس فقط جبهات مناطقيّة منفصلة، لا سيّما أنّ المعركة أصبحت اليوم وبعد التدخل الروسي المُباشر أقرب إلى حرب شاملة على مختلف الجبهات وفي آن واحد. وعليه يجب تحديد الأهداف الاستراتيجيّة التي ينبغي التمسك بها مهما كان الثمن وتقليل الخسائر الجانبية ما أمكن، حتى يتم امتصاص الصدمة الروسية والوصول إلى حالة الاستقرار والقدرة على الهجوم المعاكس من جديد، فالمآل العسكري للأشهر الثلاثة المقبلة سيحدّد جزءاً كبيراً ومهمّاً من مستقبل سورية والمنطقة، الأمر الذي سينعكس بطريقة مباشرة على الخيارات السياسيّة للثورة.

ولعل من نافلة القول التأكيد على ضرورة وحيويّة إنشاء تمثيل سياسي جامع للثورة، فغياب الثورة السورية، بل السوريين بشكل عام، عن اجتماعات فيينّا الذي تتمُّ فيها مناقشة مصير سورية، أمر يجب أن يستوقف المعارضة بأكملها، خصوصاً أنها ليست المرّة الأولى التي يغيب فيها صوت الثورة عن اجتماع من هذا الطراز. ومن الخطأ إلقاء المسؤولية على المجتمع الدولي فقط، فالأمر يحتاج إلى النظر في المرآة ولو قليلاً.

التمثيل السياسي الموحّد يجب أن يبدأ بخطوة أولى تجمع من جهة بين كبرى الفصائل الثورية المسلحة والتي تعتبر «إسلاميّة» التوجُّه وفصائل الجيش الحر من جهة أخرى. لقد أثبتت معارك حماة الأخيرة أن الثورة تحتاج إلى عودة الرّوح التي سادتها في أشهرِها الأولى، وأنّ التمايز بين الفصائل الإسلامية والجيش الحر والذي عملت على تعميقه أطراف خارجية لا يخدم الثورة، فضلاً عن كونه مصطنعاً في غالب الأحيان، فالفصائل الإسلامية سوريّة وفصائل الجيش الحر أيضاً مسلمة، وسورية تحتاج إلى جيش ثورتها المسلم الذي يحمل هويّة البلد ويدافع عنها.

كما يتوجّب على الفصائل الكبرى في هذه المرحلة العصيبة، سواءً على الصعيد العسكري أو السياسي، أن تعطي أولويّة كاملة للمشروع الجامع وهو مشروع «تحرير سورية» من الاحتلالين الإيراني والروسي، وتأجيل المشاريع الفصائلية إلى مرحلة لاحقة بعد أن يتحقق الهدف الأكبر. كما لابدّ من أن تُدرك فصائل الجيش الحر أنه سيتم ممارسة ضغوط كبيرة عليها من الرّوس وحلفائهم لاستدراجها إلى طاولة المفاوضات، ظنّاّ منهم أنهم بذلك سيصبحون قادرين على إجبار الثوّار على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بالقوّة العسكريّة.

المخرج الوحيد من هذا المأزق لجميع الأطراف هو المسارعة إلى تشكيل تمثيلٍ سياسيٍّ موحّد، والعمل على تعميق التنسيق العسكري المركزي، مستفيدين من تجارب الماضي لتجنب النماذج المثالية التي فشلت، والتركيز على النماذج العمليّة التي يمكن أن تضمن تحقيق الأهداف المرجوّة بأسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة.

وعليه يتوجّب أن يكون جليّاً عند الثوّار بشكل عام والفصائل الثورية المسلّحة بكافة توجهاتها بشكل خاص، أن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الروس بشكل منفرد هو خط أحمر ومنزلق سياسي خطير، وسيكون بمثابة قبول بقواعد لعبة سياسية أُعدّت بهدف تمييع الثورة وإنهائها وفرض حلٍّ سياسيّ يضمن استنساخ النظام من جديد وترسيخ هيمنة الأقليّات على حساب الغالبية وهو نموذج قادنا إلى ما آلت إليه الأمور ويهدّد مستقبل سورية واستقرارها.

لقد انتصرت الثورة ودخلت مرحلة حرب التحرير والاستقلال، ورحلة «موظف الكرملين» بشّار الذي قادوه إلى سيّده في موسكو على متن طائرة عسكرية في جنح الليل ليعنّفه ويشرح له المستقبل السياسي الذي ينتظره، تؤكّد أن النظام الأسدي انتهى وتحول إلى «حكومة فيشي» عميلة. وهذه المرحلة الجديدة تتطلّب من قيادات الثورة أن ترتقي إلى مستوى الحدث، والأهم أن ترتقي إلى مستوى تضحيات الشعب السوري العظيم الذي ينتظر القيادة التي تليق به. كما ينبغي أن تعترف بأزمة القيادة التي عانتها الساحة الثوريّة حتى الآن، وبالأخطاء والتقصير الذي حصل وأن تقوم بمراجعة صادقة ونقد ذاتي متجرِّد، فإن عجزت الفصائل الثورية المسلحة والمعارضة عن أن تجتمع على قلب رجل واحد فلتجتمع على قلب فكرة واحدة، وهي تحرير سورية والحفاظ على هويّتها ووحدة أراضيها.

آن الأوان لأن تكون الثّورة السورية شريكاً أساسياً مؤثّراً وفاعلاً في حلفٍ إقليمي مع تركيا وقطر والسعودية في وجه ما يحاك للمنطقة، وأن يكون السوريون جزءاً من القرار وليس مجرد متفرجين، لكن هذا كلّه يتوقّف على قدرة الفصائل المسلّحة على إنتاج قيادة سياسيّة-عسكريّة جامعة ومسؤولة، تنال ثقة السوريين والمجتمع الإقليمي والدولي، وأن تعي تماماً أولويّات المرحلة وتطلّعات الشعب السوري الثائر العظيم.

أخطأت روسيا للمرة الثانية في قراءة المشهد السوري وراهنت على الحصان الخاسر، وبدأت تدرك ذلك بعد أن تورّطت في حربٍ مع ثوّار سورية، ولو أنها حاورتهم منذ بداية الثورة لكان أنجع لها. لقد انتهى النظام فعليّاً ولن ينقذه التصعيد العسكري الروسي، وليس أمام الثورة الآن إلّا توحيد صفها السياسي والعسكري والثبات على الأرض والتمسك بالخطوط الحمراء أكثر من أيّ وقت مضى. ولكل من بشّروا بانتهاء الثورة وسارعوا إلى حجز مقعد لهم في المرحلة المقبلة نقول لهم: «كذبوا! الآن، الآن جاء وقت القتال».

* المسؤول عن العلاقات الخارجية في «حركة أحرار الشام الإسلامية»

اقرأ المزيد
١٨ نوفمبر ٢٠١٥
تصعيب السلام في سورية

 لا لأنه ليس لإيران دور في سورية، بل لأن دورها هو الأكثر أدلجة وانشحاناً بما لا علاقة للثورة السورية به. وبالتالي، هو الأخطر والأكثر قدرة على إغلاق درب الوصول إلى حل سياسي، يوقف قتل شعب عارضت أغلبيته دعوتها إلى مداولات الحل السياسي التمهيدية بين روسيا وأميركا ودول إقليمية وعربية في فيينا، والمشكلة أن الدعوة جاءت في ظل عملية خلط أوراق شاملة أنتجها: أولاً، الانهيار الذي بدا وشيكاً لجيش النظام، وما ترتب على هزائمه المتعاقبة من تبدل ملموس في ميزان القوى، لصالح انتصارٍ يستجيب لحرية السوريين، ويحسم الصراع في بلادهم. ثانياً، التدخل العسكري الروسي الذي استهدف الجيش الحر، وصولا إلى شطبه من الساحة، وإعادة إنتاج رهان الأسد والروس القديم، الساعي إلى إنتاج وضعٍ حدّاه النظام والإرهاب، لا يترك للعالم من خيار غير الحل الروسي الذي يقول بتشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة الأسد، وضم بقايا الجيش الحر إلى جيش جديد، يتكون من الشبيحة وبقايا مسلحي النظام، ووضع دستور يتم بعده إجراء انتخابات تضفي "شرعية شعبية" على الأسدية. ثالثا: تكثيف الاحتلال الإيراني لسورية، وما أدى إليه من حرب تخوضها طهران بدل جيش النظام، وسعيها إلى إدامة حربها أطول فترة ممكنة، لعل ذلك يقوّض قدرة السوريين على الدفاع عن أنفسهم، ورغبتهم في مواصلة النضال من أجل حريتهم.
في هذه الأجواء من التحول السياسي والتصعيد العسكري المشحون بالمخاطر، الذي يمكن أن يطوي صفحة تقادمت من علاقات الأطراف المنخرطة في الصراع على سورية، تمت دعوة طهران إلى فيينا، على الرغم من أن حضورها سيزيد الأمور تعقيداً، وأنه كان حرياً بالداعين التريث، ريثما تتضح مرحلة ما بعد الغزو الروسي لسورية، ويقع بعض التقارب حول مشاريع الحلول، وتقتنع إيران بالتخلي عن دورها التخريبي الحالي، أو بتقييده. ومع أن وزير خارجيتها، جواد ظريف، وافق باسمها، ولأول مرة، على اعتبار وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 مرجعية الحل السياسي، فإن هذا لا يعني أن موقفها سيشهد تبدلاً إيجابيا تجاه
"إيران دولة بلا أصدقاء، تتعامل بمنطلقات وسياسات صراعية مع الآخرين عامة، وجيرانها العرب خاصة"
المسألة السورية، بل يرجح أن "يصعب" حلها، عبر ربطه بتناقضات وصراعات أطراف السلطة العسكرية والأمنية/ السياسية والدينية فيها، وبالتشدد كآلية توحيد لمواقفها، وبتوافقها على اعتبار نظام الأسد "درة إيران الاستراتيجية"، وخطاً أحمر، يطاح بمن يتخطاه من مسؤوليها، يجب التمسك به، وإن أدى ذلك إلى حرب عالمية ثالثة، كما قال عدد من قادتها. هذه المواضعات الإيرانية تجعل بلوغ الحل أكثر تعقيداً مما يظن ساسة الغرب، وتحول دون تحقيق حل عادل ومتوازن، يقلص قدرة نظام طهران على إدارة خلافاته، وتوحيد أطرافه.
إلى هذا العامل الداخلي، يضاف عامل دولي، يعبر عن نفسه في حقيقة أن إيران دولة بلا أصدقاء، تتعامل بمنطلقات وسياسات صراعية مع الآخرين عامة، وجيرانها العرب خاصة، وترفض التعامل معهم من مواقع التكامل والمشتركات، بسبب أيديولوجيتها المذهبية التي تضفي العصمة على شخصٍ لا يُساءَل، ولا يحاسب، ولا يلتزم بقانون، هو "مرشد"، يستمد سلطانه من مصدر قدسي ورباني. لذلك، تعد مخالفته بما هو ولي فقيه معصية وكفراً. هذه الأيديولوجية تجعل الجمهورية الإسلامية دولة مختلفة عن باقي دول الأرض، محكومة بنواظم ومعايير، لا تشاركها فيها دولة أخرى، من غير الجائز مقارنتها بأية نواظم ومعايير وضعية؟. ستأتي إيران بهذه الأيديولوجية، وبالصراعات التي تنتجتها مع الدول الأخرى، بما في ذلك مع روسيا، إلى الساحة السورية، ليصير الحل السياسي فيها تابعاً لصراعاتها مع العالم، ومرتبطا بأهدافها، وبما تريد الحصول عليه، ما سيصعب الحل ويأخذه إلى ميادين لا علاقة للسوريين بها، إن ذهب إليها، وقع في الاستعصاء والاحتجاز.
أخيراً، يعزز موقف طهران أوهام روسيا حول انتصارٍ، لا تسقط فيه طائراتها، أو يقتل جنودها، تحرزه بمعونة جند طهران وجنرالاتها الذين يرسلون يومياً إلى ميادين الحرب، ليس من أجل أن تنتصر روسيا، وإنما العكس: كي تبقى يد إيران هي العليا في سورية، وتحول بين روسيا والتلاعب بمصير الأسد. أليست هذه العلاقة عاملاً إضافيا يصعّب الحل السياسي؟. من اللافت أن طهران لم تعلن عن مشاركة جيشها في الحرب، إلا بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، ودعوتها إلى جنيف، فهل فعلت ذلك لتصلب موقف روسيا التي دخلت في طور من التشدد باحتلال سورية، والشروع في قصفها من دون تفويض دولي، أو طلب من نظام شرعي، وليست بحاجة إلى من يشجعها على التشدد، أم فعلته لتعامل طرفاً في الحرب، لن يقبل أن يُعامل مثل غيره من المدعوين، أي كباحث عن حل سياسي، سيصعب حلاً لا يلبي مصالحه، وفي المقدمة منها ضمان وجوده العسكري/ الأمني في سورية.
إيران طرف في الحرب، طالما رفض الحل السياسي. وكان من المبكر جداً دعوتها إلى فيينا، إلا إذا كانت قد دعيت، لتشارك في التهام ضحيتها أو تقاسمها.

اقرأ المزيد
١٧ نوفمبر ٢٠١٥
بدأت مرحلة "ضرب الرؤوس" الكبرى .. والجميع أهداف مشروعة

تتسارع الحشود باتجاه سوريا لتبلغ ذروتها خلال الأيام القليلة القادمة مع وصول حاملة الطائرات الفرنسية إلى مقربة من سوريا ، و تصل الإمدادات الروسية المتمثلة بعشرات الطائرات ، إضافة العديد من الدول التي ستتخذ قرارها بالدخول في الحرب ضد "داعش" كإسم عام ، وضد الجميع في الحقيقة ، مع استثناء بسيط يخص اسم بعينه وهو "الأسد" .

فخلال الأسابيع الست الماضية على بدء القصف الروسي كان نصيب الفصائل المعارضة للاسد ما يقارب 85% ، فيما لم ينل العدو المعلن للجميع "داعش" إلا اليسير الذي لم يؤثر على رقعة سيطرته إلا القليل .

واليوم تشهد الساحة أصوات أعلى من أي وقت سابق ، لأخذ الحيطة و الحذر ، وتوقع القصف بأي لحظة و في أي مكان ، ولأي شخص يتصل مع القوات المعارضة للأسد تحت أي مسمى عام ، على وجه الخصوص من يحمل طابع إسلامي ، الذي تأتي على رأس قائمته "جبهة النصرة" ومن يوافقها بالنهج ، و يتلوهم بالترتيب "أحرار الشام" .

فهذه الأيام هي أيام تسبق ، الأسابيع التي حددها وزير الخارجية الأمريكي للبدء بالسير على طريق تطبيق خطة فيينا ، و تنفذ على الأرض دون وجود معترض أو مخالف لها فكرياً أو إيدلوجياً ، أما من يقبل بها وفق ماتم إقراره ، فإنه كمن يمسك ، سترة نجاة في بحر متلاطم الأمواج .

الحقيقة تكمن أن التصفية ستتم وفق دراسة تمت قبل فترة زمنية قصيرة سبقت ، فيينا 3 (14 الشهر الحالي) ، حيث تم مناقشة الأمر مع معظم الفصائل ، فمنها من وافق و استعد للذهاب إلى فيينا "فحظي بالقبول المرحلي" ، ومنهم من اختلف و رفض "فدخل في القائمة السوداء" ، وسيكون دوره مقدماً في قريب الأيام ، على أن يكون الموافقين على القائمة أيضاً و لكن بعد حين ، و بعد الإطمئنان أن الإتفاق ، قد دخل مرحلة التنفيذ .

القضية اليوم جداً شائكة ، فالخطة التي وضعت منذ شهور كانت تقضي بأن يتم تصفية قيادات الصف الأول في كل الفصائل بشتى أنواعها ، و استبدالها بقيادات أخرى تقبل بما يتم إعطائها من تعليمات ، و في الوقت نفسه تملك السلطة للتنفيذ الأرض ، وقد بدأ بمسلسل الإغتيالات التي قضت على جزء ، و ساهمت المعارك والقصف الروسي في انهاء جزء آخر ، وهذه المرحلة ستكون لتصفية ماتبقى .

فعنوان المرحلة "ضرب الرؤوس" الكبرى ، و تشتيت الأجساد و إعادة ترتيبها ، وفق ما رُسم و خُطط .

اقرأ المزيد
١٦ نوفمبر ٢٠١٥
الإرهاب في طور جديد

هل يمثل ما ترتكبه داعش من جرائم مرعبة ردّها على ما يلوح من هزائم تنزل بها في العراق وسورية، وتحسبها لما ستواجهه من تحديات؟ وهل هو المرحلة المقبلة من نشاطٍ قد تحرم فيه من حالها الراهنة كـ"دولة"، وتجبر على العمل في ظروف مختلفة تماماً عن ظروفها الحالية التي تتيح لها خوض معارك عسكرية، تتطلب قوى كبيرة تقاتل على جبهات محددة ومعروفة، منظمة عسكرياً، جيشاً يخوض معارك كالتي تخوضها جيوش الدول؟
إذا كان هناك من تفسير سياسي لعمليتي بيروت وباريس، فإن التفسير الصحيح لا يعقل أن يتجاهل انتقال قوى داعش العسكرية من العمليات الحربية، أو شبه الحربية التي يشنها مقاتلون كثيرون، إلى عمليات أخرى، مختلفة، يقوم بها أفراد متفرقون، أو تحققها تجمعات أفراد صغيرة، يعيش أعضاؤها خارج أراضي الدولة "السابقة"، في المجتمعات المطلوب مهاجمتها، أو يسربون إليها من خارجها، تشرف عليهم، تخطيطاً وتنفيذاً، قيادات محلية، تنشط في البلدان المستهدفة، أو توجههم من الخارج، وتمدّهم بما يلزمهم لضرب هدف كبير في موقع محدد، أو أهداف عديدة في أماكن متفرقة، في وقت واحد، فلا يشبه ما يقومون به ما سبق للقاعدة أو غيرها من تنظيمات الإرهاب أن مارسته في أي وقت ضد أي بلد أو جهة، بل يعتبر تطوراً نوعياً لعمليات الإرهاب، سواء من حيث كثافة المشاركين فيه، أو في ما يتعلق بنوعية الأهداف التي تتم مهاجمتها، أو طريقة استهدافها التي يجب أن تنصبّ، في جميع العمليات، على إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بالمواطنين، لهز ثقتهم بحكوماتهم ونظمهم ومؤسساتهم السياسية والأمنية، وتسعير غرائزهم وردود أفعالهم المذهبية والدينية، وتقويض ما في مواقفهم من تسامح تجاه "الآخر" من مواطنيهم، ذوي الأصول المغايرة لأصلهم، أو الأديان المختلفة عن دينهم، مع ما يفضى إليه ذلك من إثارة شكوكٍ لدى كل جماعة بغيرها، ومن تطرفٍ وعنفٍ، يمكن استغلاله كإطار قيمي، يتحكم بتفكير كل الجميع وسلوكه حيال الجميع، ويسمّم الحياة العامة، ويدفع الأحزاب والحكومات إلى اعتماد نهج يقيد الحريات، ويقوّض النظام الديمقراطي، ويوجِد شروطاً ملائمة لفرز المواطنين، وزيادة قابليتهم للانخراط في الإرهاب.
"يقف العالم على مشارف حقبة مختلفة من التحديات والمخاطر، سيفشل حتماً في التصدي لها، إن أقنع نفسه بالتعاون مع نظم مستبدة وإرهابية"

هناك دلائل حول انتقالنا إلى حقبة جديدة من الإرهاب، تستند إلى تنظيم لم تعد تحمله "دولة". لذلك، لن يبقى علنياً، مثلما هو حاله، منذ أعلن عن إقامة ما أسمتها داعش "الدولة الإسلامية"، وسيتبنّى السرية في كل ما يتعلق بأعضائه ومهامه، وسيقلع عن إنجاز أعمال وواجباتٍ، كانت تلزمه بتركيز جهوده على مجال داخلي خاضع له، حيث كان عليه ضمان الاستقرار فيه، فضلا عن حدّ من الخدمات ضروري، لكسب ولاء رعاياه، بسبب مهامها "دولة"، كانت داعش مجبرة على إيلاء الخارج أهمية تالية، وربما محدودة في خططها وعملها. أما في حقبته المقبلة، فسينصب اهتمام التنظيم بمعظمه على الخارج. وبما أن مئات الإرهابيين أرسلوا أو تسللوا إلى البلدان العربية والأجنبية، فالمتوقع أن تتصاعد الأعمال الإرهابية تصاعداً غير مسبوق ضد بلدان عديدة، في ذهابٍ إلى زمن أشد كثافة ودموية وعنفاً من زمن القاعدة، فيما يتصل بعدد من سينخرطون فيه، أو الأهداف التي ستتم مهاجمتها، والبلدان التي سيستهدفها الإرهاب.
بهجومي بيروت وباريس اللذيْن أصابا تجمعات أبرياء من المدنيين، تدخل حرب الإرهاب ضد العالم وحرب العالم ضد الإرهاب طوراً جديداً خاص السمات، شروطه مغايرة لما سبق من إرهاب القاعدة. لن تنجح مواجهة هذا الطور المختلف، إلا بقدر ما يطوّر العالم تقنيات وأساليب لمواجهته، تتفق ونوعه وخطورته التي ستترتب على شنه حرباً كونية فريدة في حجمها ومداها ونتائجها، بما أن أتباعه وأعضاءه ينتمون لمختلف الأمم والشعوب، وأن قدرتهم على اختراق مجتمعاتهم ستكون كبيرة إلى درجةٍ، تتطلب تدابير استثنائية لمواجهتهم، منها تعزيز حرية المواطنين، ورفع سويّة التأهيل المهني للقضاء وأجهزة الأمن والشرطة، وابتكار طرق جديدة في إدارة الصراع ضد الإرهاب. أخيراً، أن تفترض مواجهة الوضع بناء تعاون دولي ومراكز قيادة وسيطرة عابرة للدول والحدود، لها طابع ثابت ومستقل، كما يفترض وضع مدونة قانونية دولية، لا تتوفر اليوم للعالم ولمنظماته الشرعية.
يقف العالم على مشارف حقبة مختلفة من التحديات والمخاطر، سيفشل حتماً في التصدي لها، إن أقنع نفسه بالتعاون مع نظم مستبدة وإرهابية، كالنظام الأسدي الذي لعب دوراً معروفاً في إيجاد الأجواء الضرورية لدخول داعش إلى سورية، وتعاون معها نيفاً وعاماً ونصف العام ضد الجيش الحر والمواطنين السوريين الذين طحنهم بعنفه وحلوله الأمنية، ودفع قطاعات واسعة منهم إلى الانفكاك عن رهانها الديمقراطي، والالتحاق بالإرهابيين وتنظيماته. لن تنجح محاربة الإرهاب بالسكوت عن إرهاب النظام الطائفي وإرهاب إيران المذهبي، ولن تنجح الحرب إن صار ضحيتها الناجين السوريين من إرهاب الأسد وحلفائه المحليين والدوليين، ما دام الإرهاب ليس حكراً على فئة أو مذهب بعينه، ولا مفر من اعتبار كل من يستخدم القوة ضد شعبه إرهابياً، كائناً ما كان اسمه، أو كانت صفته.

اقرأ المزيد
١٦ نوفمبر ٢٠١٥
المهاجرون والمسلمون الخاسرون بعد هجمات باريس

يتشاءم الفرنسيون من يوم الجمعة، إذا صادف تاريخ 13 من الشهر، ويسمونه سخرية "الجمعة 13"، وها قد جاءهم يوم تشاؤمهم وشعوذتهم على وقع تفجيرات مدوية وقتل، تعددت في باريس، فأصابت المخابرات الفرنسية والغربية في مقتل. قُتل رهائن في قاعة حفلات مسرح باتاكلان، وفجر انتحاريان نفسيهما قرب ملعب فرنسا، فكان هذا التفجير الأعنف سياسياً، وذا دلالة استخبارية قوية، فالرئيس فرانسوا هولاند، داخل الملعب يستمتع، ومن معه، بمباراة لكرة القدم بين فرنسا وألمانيا.
تعد حالة الطوارئ التي أعلنها هولاند تطوراً خطيراً في سياسة باريس، ففرنسا لم تعلن هذه الحالة منذ 1955 في مواجهة الثورة الجزائرية. خرج الرئيس الفرنسي على أهله مهتز المشاعر، فزِعا مما حدث، غير مصدّق. وفي الصورة من خلفه استقرت عينا رئيس وزرائه في رأسه، فهول ما حدث جعله شارد الذهن، وفي خلده ألف سؤال يطرح. لا فرق، إذن، بين باريس وبيروت وحلب وبغداد وصنعاء.
في التسعينيات من القرن الفائت، كان التشدق الفرنسي يملأ الإعلام صخباً، وكانت تفجيرات مدن الجزائر أو المدية أو جيجل، في مفهوم باريس حينئذ، "عجز سلطة". بماذا يجيب رئيس الوزراء، مانويل فالس، مواطنيه اليوم إذن، وهو الذي أنذرهم بشهب إرهاب قادمة، في تصريح له سبق أحداث الجمعة الباريسية بأيام؟ وكان قد سبقه إليها القاضي الفرنسي، تريفيديك، حين تنبّأ مسبقاً في حوار لمجلة باري ماتش، بقوله: "فرنسا هي العدوّ رقم 1 لتنظيم الدولة، والحرب الحقيقية لم تبدأ بعد وانتظروا الأسوأ"..، أهو عجز استخباراتي فرنسي، إذن، أم قلة حيلة أمام غول إرهابي، عابر للقارات وغير عابئ بقواعد الحرب والاشتباك.
"تحتل قضايا الهجرة واللجوء مكانة أساسية ضمن الأجندة السياسية للاتحاد الأوروبي. وستتعرض ألمانيا والسويد لضغط كبير. وستعمد الدول الأوروبية إلى غلق حدودها، وإلى إعادة النظر في العمل باتفاقية شنغن"

زاد عدد ضحايا هجومات باريس عن 120، صحيح أن المهاجمين، كما يقول شهود عيان، استعملوا أسلحة أوتوماتيكية، وأفرغوا ذخائر كثيرة، لكن سؤالاً آخر يطرح نفسه بإلحاح: ألم تساهم هجمة القوات الفرنسية غير الموفقة لتحرير الرهائن في رفع عدد القتلى؟ ثم ماذا لو أن أحد المهاجمين فجر نفسه في ملعب كرة القدم. كتب صديقي الصحافي المغربي، محمد واموسي، أنه كان، وابنه الذي يبلغ عمره التسع سنوات، يشاهدان مباراة فرنسا وألمانيا، حين حدث الانفجاران الأول والثاني. عاشا لحظات صعبة، وكان بينه وبين الموت خطوات، يتذكر لحظات الجحيم التي عاشها وابنه، وهو يتمنى لو لم يرافقه لمشاهدة مباراة، كادت تتحول إلى بركة من الدماء، لو تمكن الانتحاريان من الذوبان وسط الجمهور.
حدث هذا كله أياماً قليلة، بعد إعلان فرنسا رفع حالة التأهب في وسط قواتها الأمنية والعسكرية إلى أقصاها، وإعادة العمل بمراقبة الأفراد على حدودها البرية، تحضيراً للقمة العالمية للمناخ، والتي ستعقد في باريس نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. عاشت فرنسا جحيم الرعب والخوف، حدث هذا وفرنسا واقفة، أو هكذا هيئ لأولي الأمر فيها، فما الذي كان سيحدث، لو أن حالة التأهب لدى المصالح المعنية بحفظ الأمن كانت فاترة؟ ربما حدث شيء من ذلك في وسط قوات الأمن، ولعله ما دفع وزير الداخلية الفرنسي إلى إعلان قرار بلاده ضبط حدودها، بمساعدة استخبارات أجنبية.
أمر آخر جدير بالمتابعة، يذهب إليه مطلعون على شؤون اللاجئين في أوروبا، مفاده بأن مخاوف كبيرة اجتاحت ألمانيا وأوروبا من حدوث عمليات إرهابية دامية، وإلصاق هذه التهمة باللاجئين السوريين، خصوصاً وأن جهات كثيرة دست بين اللاجئين عملاء لها، وأن نسبة حاملي جوازات السفر السورية المزورة بين اللاجئين الذين يدّعون أنهم سوريون أكثر من 75% ، وهي نسبة تحتاج إلى تأكيد من جهات مختصة ومطلعة ومحايدة، على الرغم من قول السلطة الفرنسية إن جواز السفر السوري الذي وجد بجانب جثة أحد المهاجمين ملك أحد المهاجرين المسجلين في اليونان، في خضم موجة اللجوء الأخير. وفي حال ثبوت ذلك، يصبح حديث المؤامرة غير مستبعد. وكما قال أحدهم: دائماً في السياسة كل حدث كبير مقبل، يحتاج لحدث صادم يسبقه، ليكون مبرراً له، ويبدو أننا مقبلون على مرحلة جديدة، تكون منطقتنا ملعباً لها.
أجمعت تصريحات المحللين على اتهام جهات "إسلامية جهادية"، ومبررها أن لفرنسا يد طويلة في ضرب معاقل "داعش" في سورية والعراق. أما تصريحات هولاند فذهبت مباشرة إلى اتهام تنظيم الدولة الإسلامية بارتكاب ما أسماه "عملاً حربياً". ما يسترعي الانتباه استعماله مصطلح "عمل حربي"، وليس "عملاً إرهابياً"، ولعل هولاند يريد أن يقول إنه عمل يستوجب رد فعل "حربي"، ربما شبيه بما تقوم به روسيا في سورية، فهل ستكرر فرنسا ما فعلته في شمال مالي، حين أنزلت قواتها لمحاربة "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"؟. وهل سنشهد حضوراً للقوات الفرنسية على الأرض السورية، كما فعلت القوات الروسية في حملتها لنصرة بشار الأسد ونظامه؟ يبدو الوضع معقداً كثيراً في سورية عنه في الأراضي المالية، وتبدو تصريحات هولاند مجرد مقدمات مسار دولي طويل، تقدم عليه فرنسا، بعد الذي حدث في عاصمتها، كان أفصح عنه وزير الخارجية لوران فابيوس، في اجتماعات فيينا بشأن الأزمة السورية، بقوله: نظراً للظروف التي نعيشها، تحتم علينا، أكثر من أي وقت مضى، تنسيق الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب. .. وهي الدعوة التي لقيت صداها في موسكو، حيث أعلنت وزارة الداخلية الروسية حالة التأهب القصوى في صفوف قوات الأمن الروسية في عموم البلاد، حيث جاء القرار على خلفية الهجمات التي تعرضت لها باريس وتهديدات تنظيم الدولة الإسلامية السابقة لروسيا.
ما هو مقلق في كل الذي حدث، ناهيك عن الأسف على الأبرياء الذين ذهبوا ضحية صراعات بعيدة عنهم، أن محللين في شاشات تلفزيونية، فرنسية خصوصاً كانت لديهم مبرراتهم الجاهزة، بدأت في صب السهام والتهم وكل أنواع العنصرية على المسلمين والمهاجرين، فليس أخطر على المسلمين في العالم من الذين ينشرون الموت والرعب باسم الإسلام سوى ربما من يُستضافون لتحليل ما يحصل، بزعم احتكار فهم العقلية التي تحرك الإرهاب.
بعد الذي حصل في باريس، ستحتل قضايا الهجرة واللجوء مكانة أساسية ضمن الأجندة السياسية للاتحاد الأوروبي. وستتعرض ألمانيا والسويد لضغط كبير. وستعمد الدول الأوروبية إلى غلق حدودها، وإلى إعادة النظر في العمل باتفاقية شنغن، وسيكون الخاسر الأكبر في هذا كله المهاجرين والمسلمين.

اقرأ المزيد
١٦ نوفمبر ٢٠١٥
فرنسا هدف مشترك لـ «داعش» والأسد

إنها حرب مفتوحة بين تنظيم «داعش» الإرهابي والحكومات الغربية. حرب أصبحت تأخذ في طريقها كل من صادف وجوده على خط المواجهة، مدنياً كان أو مسلحاً. عدد من الدول الغربية، من بينها فرنسا، يقاتل التنظيم في أماكن تواجده، وفيما تقول هذه الدول أن أهدافها هي مقاتلو التنظيم، فمن غير المستبعد احتمال سقوط مدنيين أيضاً ضحايا غارات الطائرات التي تلقي قذائفها من مسافات بعيدة من الجو. في المقابل، ها هو «داعش» ينقل معركته إلى خارج حدود «دولته»، ليرد على الحرب المفتوحة عليه. غير أنه لا يستطيع استهداف من يعطون الأوامر لخوض الحرب أو من ينفذونها، فيختار أهدافه السهلة من المدنيين الأبرياء، كما شهدت العاصمة الفرنسية.

من الصعب وضع الإرهاب الذي تعرضت له باريس خارج سياق الجرائم الأخرى التي أعلن «داعش» مسؤوليته عنها، من تفجير الطائرة الروسية في شرم الشيخ، إلى التفجير المزدوج في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية من بيروت. إرهاب يبعث رسائل واضحة، أن «داعش» مستعد لفعل كل الفظائع، إذا شعر أن العمليات التي تنفذ ضده أصبحت تعرض «دولته» لخطر الزوال. في بيروت، كانت الرسالة تستهدف تدخل «حزب الله» في الحرب إلى جانب النظام السوري، وفي شرم الشيخ كانت تستهدف الدور الروسي، أما في باريس، فقد استهدفت الرسالة الدولة الغربية الوحيدة، إلى جانب الولايات المتحدة، التي تخوض عمليات مباشرة ضد التنظيم الإرهابي في سورية، بالإضافة إلى مشاركتها في المعارك ضد من يوالون التنظيم أو «يطيعونه» في منطقة الساحل الأفريقي.

«داعش» في مأزق، ومن هنا الطبيعة الانتحارية لعملياته الأخيرة، بعد أن اقتصرت فظائعه وبربريته حتى الآن على ذبح الأبرياء من الرهائن داخل «حدوده». لقد تعرض التنظيم الإرهابي في الآونة الأخيرة لعدد من الهزائم، لعل أهمها استعادة بلدة سنجار، وما يعنيه ذلك من قطع أوصال «الدولة» التي كانت تحلم بوصل مناطق نفوذها في سورية والعراق، بالإضافة إلى أن ما بعد سنجار يمكن أن يعني أيضاً سقوط الموصل، التي كانت منها إطلالة البغدادي الأولى على العالم، بعد إعلان «خلافته».

لا يمكن كذلك تجاهل معنى قتل محمد أموازي (الجهادي جون) فيما كان يتنقل بسيارة مع شخص آخر في الرقة، «عاصمة داعش». ليس بسبب أهمية هذا الشخص في وضع خطط «داعش» أو إدارة عملياته، ولكن لأن استهدافه بطائرة من دون طيار، تمكنت من تحديد تحركه بهذه الدقة، يبعث رسالة إلى الإرهابيين الآخرين، المنضمين إلى صفوف «داعش»، أو أولئك المستعدين للانضمام، بأن يد الاستخبارات الغربية طويلة، وتستطيع تعقبهم والقضاء عليهم.

«داعش» يستهدف فرنسا، آملاً في نشر حال من الرعب في الدول الغربية، ترغمها على التراجع عن حربها عليه. غير أن فرنسا ليست هدفاً لـ «داعش» وحده. ففي الجانب الآخر من الصورة، وفيما كانت بيانات الاستنكار والإدانة لجرائم باريس تخرج على أفواه الجميع، وجد الرئيس بشار الأسد أنها فرصة للشماتة ولانتقاد الحكومة الفرنسية التي كانت الأكثر تصلباً في مواقفها ضده. فقال إن «سياسات فرنسا الخاطئة هي المسؤولة عن تمدد الإرهاب»، ودعاها إلى الالتقاء معه على التصنيف الذي حدده للتنظيمات الإرهابية، فاعتبر أن «اعتداءات باريس لا يمكن فصلها عما يحدث في سورية منذ خمس سنوات»، وكأن الإرهابيين الذين فجروا المطاعم والمقاهي وصالة الحفلات في باريس يشبهون أطفال درعا وسواهم من شبان سورية الذين خرجوا يطالبون بإصلاح النظام في آذار (مارس) 2011.

أضف إلى ذلك، التوقيت المشبوه لتفجيرات باريس عشية اجتماع فيينا لبحث الأزمة السورية. لقد طغت هجمات باريس على نقاشات المجتمعين، وصارت الأولوية للحرب على الإرهاب، وهي شعار بشار الأسد منذ بدأ معركته مع معارضيه. ودفعت جرائم باريس حتى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي كان صوته الأعلى في المطالبة بالتغيير في سورية، إلى الدعوة إلى تعزيز التنسيق الدولي في قتال «داعش»، قبل البحث في أي أمر آخر.

«داعش» يحلم ان تؤدي جرائم باريس الى إرهاب فرنسا والغرب. لكنه ليس الجهة الوحيدة التي تجدها فرصة مناسبة لقطف ثمار هذه الجرائم.

اقرأ المزيد
١٦ نوفمبر ٢٠١٥
المعارضة وتحديات (فيينا 2)

تبدأ اليوم أعمال اجتماع «فيينا 2» وسط حالة من التناقض في أحاسيس المشاركين فيه والمعنيين به، نظرًا للتعقيدات المحيطة بالاجتماع، التي سعى المشاركون في اجتماع فيينا السابق إلى الإيحاء بها، وكأن التوافقات على الأبواب، وهو ما عكسه البيان الصادر عن الاجتماع السابق بنقاطه التسع، بالقول إن المشاركين في الاجتماع متفقون على نقاط أساسية، وسوف يتابعون توافقاتهم في الاجتماعات التالية، انطلاقًا من اجتماع «فيينا 2» الحالي بحضور ممثلين لعشرين دولة إضافة إلى الأمم المتحدة وفريق المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.

أبرز مشكلات الاجتماع، هو غياب المعارضة السورية عن الاجتماع، وهو خطأ مكرر عن الاجتماع السابق، تم تأكيده مجددًا. ومن غير الكافي القول إن أصدقاء الشعب السوري وداعمي المعارضة حاضرون في الاجتماع، إذ المطلوب حضور أصحاب الشأن مباشرة، لأنهم الحامل الأساسي المعوَّل عليه لأية نتائج أو توافقات، يمكن التوصل إليها في الموضوع السوري، بينما يتأكد حضور نظام الأسد من خلال حضور روسيا وإيران حليفي النظام الأساسيين اللذين يمنحانه كل أسباب البقاء والقوة بصورة سافرة وعلنية، ويؤكدان خياراته ومواقفه دون أن يحملاه أية مسؤولية أو التزامات مباشرة.

وباستثناء مشكلة غياب المعارضة عن الاجتماع، التي لا يخفف منها وجود شخصيات من تنظيمات معارضة سياسية وعسكرية على هامش الاجتماع، فإن ثلاثة من التحديات تقف في وجه نتائج إيجابية مرتقبة للاجتماع، تهدد بخروجه بلا نتائج غير بيان هش، يجري الاتفاق عليه في اللحظات الأخيرة حفظًا لماء وجه المشاركين.

أول التحديات يمثله الإطار الذي يتخذه مسار فيينا في معالجة القضية السورية، وهو مسار أشار إليه الاجتماع السابق باعتباره مستندًا إلى بيان جنيف لعام 2012 ونقاط فيينا التسع، وثمة تناقضات بين الاثنين في نقاط مفصلية؛ أبرزها أن بيان جنيف يمثل مرجعية دولية متوافقًا عليها، بينما لا تملك نقاط فيينا التسع ذات القوة، كما أن بيان جنيف وضع إطارًا لمسار الحل، انطلاقًا من التفاوض بين النظام والمعارضة وصولاً إلى تحديد الغاية، وهي إقامة نظام ديمقراطي في سوريا، وحدد آليات الانتقال عبر هيئة حكم انتقالية بكامل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، التي تحل بصورة غير مباشرة معضلة الأسد ومستقبله في سوريا، التي لا يمكن أن يكون فيها رئيس بلا مهمات أو صلاحيات، بينما عجزت نقاط فيينا التسع عن رسم مثل هذا المسار، وهو أمر جعل روسيا تطرح مبادرة ترسم مسار الحل، وتتراجع عنها سريعًا بفعل المعارضة والاحتجاج التي قوبلت بها.

التحدي الثاني أمام «فيينا 2» هو تحديد من هي المعارضة، وهو تحدٍ يضرب أساس إجماع دولي كبير، تشكل حول الائتلاف الوطني السوري بما يضمه من طيف واسع، يمثل تنظيمات سياسية ومدنية وعسكرية وشخصيات عامة، يمكنه أن يشكل غطاء سياسيًا وعسكريًا وشعبيًا للمعارضة السورية سواء بانضمام بقية التشكيلات إليه أو عبر العمل تحت مظلته دون أن تكون جزءًا من بنياته التنظيمية على نحو ما هو حال علاقة الائتلاف مع التشكيلات العسكرية المعارضة، لأن من الضرورة الكبرى أن يكون للمعارضة وعاء واحد يجمعها لتسهيل مشاركتها في العملية السياسية وصولاً إلى أفضل النتائج الممكنة، وكله بخلاف مساعي روسيا وإيران وخلفهما نظام الأسد الساعين نحو تكريس معارضات متناقضة متنافرة خارج السيطرة، الأمر الذي يضعف المعارضة، ويجعل من الصعب توافقها على الحل، والمضي على طريق تنفيذه بالتزامات مؤكدة، وكلها أمور ضرورية، إذا كان هدف «فيينا 2» وما يليه من جهود، معالجة جدية للقضية السورية.

والتحدي الثالث أمام «فيينا 2»، يمثله تحديد جماعات الإرهاب في سوريا. وثمة انقسام عميق بين موقفين أحدهما وهو الأوسع يحصر جماعات الإرهاب في تنظيمين أساسيين؛ «داعش» بما هو معروف عنه، و«جبهة النصرة» باعتباره جزءًا من تنظيم القاعدة، والثاني موقف نظام الأسد وتحالفه الروسي الإيراني الذي يصنف تشكيلات المعارضة العسكرية باعتبارها جماعات إرهابية ومتطرفة، ويضيف إليها بعض جماعات المعارضة السياسية، ودلالات موقفه لا تحتاج إلى تأكيد في الحرب المدمرة التي يخوضها النظام وإيران وميليشياتها على مدار السنوات الماضية، وهو السلوك ذاته الذي اتخذه التدخل الروسي العسكري عبر عمليات طائراته، التي لم تستهدف «داعش» إلا بنحو عشرة في المائة من غاراتها، بينما كان القسم الأكبر من العمليات موجه للتشكيلات المعتدلة حسب مفهوم الدول الغربية شديدة الحذر في موضوع الجماعات الإرهابية والمتطرفة.

والأكثر إشكالية في تحديد الجماعات الإرهابية، هو غياب الحديث عن ميليشيات طائفية مثل حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية والأفغانية والإيرانية، التي تقاتل إلى جانب النظام منذ سنوات، ولها أهداف لا تقل تطرفًا عن أهداف «داعش» وممارسات ليست أقل إجرامًا من ممارساته.

وإذا كانت التحديات السابقة تمثل الأهم، فيما يواجهه اجتماع «فيينا 2»، فثمة تحديات أخرى تقاربها منها مستقبل الأسد. لكن كل هذه التحديات يمكن اختصارها في تحدٍ كبير جوهره الدور الروسي في القضية السورية الذي انتقل بعد التدخل العسكري الروسي ليصير اللاعب الرئيسي، وهو يسعى عبر «فيينا 2» وما يليه إلى تكريس ذلك الدور في القضية السورية.

اقرأ المزيد
١٥ نوفمبر ٢٠١٥
الإرهاب والفشل السياسي

يوم الأربعاء الماضي وجه الإرهاب ضربة موجعة لبيروت. في أقل من ثمان وأربعين ساعة نفذ الإرهاب ضربة موجعة أخرى في باريس. حصلت الأولى في الشرق الأوسط، وتحديداً في بلاد الشام حيث تدور أعنف وأخطر حرب أهلية بجوار بيروت. أما الثانية فحصلت في أوروبا حيث لا حروب أهلية، ولا ربيع أوروبي، بل حضارة مستقرة ومتصالحة مع نفسها، وفي حالة تمدد مستمرة. جغرافياً وزمانياً، المسافة بين الشام وأوروبا شاسعة. حتى سياسياً تبدو المسافة مثل المتاهة. لماذا لم تحصن هذه المسافة أوروبا؟ لماذا بيروت وباريس؟ قبل ذلك: لماذا الرياض، أو نيويورك، أو الدار البيضاء، أو القطيف، أو بغداد، أو سيناء، أو الكويت؟ تكاد ظاهرة الإرهاب تغطي خريطة العالم، ومع ذلك بقي السؤال نفسه. هناك خطأ ما إما في السؤال، أو صيغة السؤال، أو محاولة الإجابة عن السؤال.

 دائماً ما ينطلق السؤال من فرضية أنه لا مبرر أخلاقياً للإرهاب. وهذا صحيح. لكن هذا سؤال أخلاقي، وليس سؤالاً علمياً. السؤال أكبر وأخطر من ذلك. لماذا يحصل هذا الانحراف الأخلاقي المدمر؟ هل يدرك الإرهابي ذلك؟ الإرهاب جريمة سياسية. ويتفق علماء الجريمة على أن تفشي هذه الظاهرة في المجتمع عرض مرضي ألمّ بهذا المجتمع. انطلاقاً من ذلك هناك فرضية أخرى، وهي أن الإرهاب، مهما كان الموقف منه هو نتيجة، وليس سبباً. وهي نتيجة قد تتحول مع الوقت إلى سبب لنتيجة أخرى لا تقل خطورة. لا يسعك في هذه الحالة الاكتفاء بهجاء الإرهاب. بمثل هذه المقاربة ستظل أسير حلقة مفرغة لا تنتهي حتى تبدأ من جديد.

هناك حقائق عن الإرهاب متفق عليها. أنه ينطلق من الشرق الأوسط، وأن هذا الشرق يموج بأزمات ومآسٍ نابعة منه أصلاً، لكن لا يمكن الغرب التنصل منها. وهو ما تثبته حقائق أخرى. مأساة فلسطين بدأت على صلة وثيقة بالغرب، وإن كان ليس المسؤول الوحيد عنها. كانت المقاومة الفلسطينية ولا تزال تصم أميركا بالإرهاب. بعد نهاية سبعينات القرن الماضي كانت البداية الحقيقية للإرهاب في موجته الأولى. انطلقت من أفغانستان بعد الغزو السوفياتي لهذا البلد عام 1979. ثم انطلق في موجته الثانية بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. في هذا الإطار حصل الربيع العربي ومواقف الخارج والداخل منه، وتداخلهما بشكل ضاعف من تعقيد صورة الأحداث وتشابكها. هل يمكن فصل هذه الأحداث وصورتها لدى كل طرف عنها؟

في هذا السياق تبرر الولايات المتحدة، على سبيل المثال، جرائم وانتهاكات إسرائيل في الأراضي المحتلة، وتوفر لها الغطاء السياسي، وتمدها بالدعم المالي والعسكري. تعترف واشنطن بأن إسرائيل تحتل الضفة الغربية، وأن الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال. ومع ذلك تعتبر أن أي شكل من أشكال المقاومة لهذا الاحتلال إرهاب يبرر لإسرائيل مواجهته دفاعاً عن نفسها. ما هو الإرهاب في هذه الحالة؟ أين يبدأ، وأين ينتهي؟ هذه حالة نموذجية للحلقة المفرغة. مثال آخر: موقف روسيا السياسي من الرئيس السوري مشابه للموقف الأميركي من إسرائيل. هي لا تبرر جرائم الأسد تماماً، لكنها ترفض إدانته أيضاً. تقول موسكو إن الشعب السوري انتخب الأسد، وبالتالي ليس من حق أحد المطالبة بتنحّيه. ليس مهماً كيف تم هذا الانتخاب؟ ومن شارك فيه؟ وتحت أي ظروف؟ وهل توافرت مثلاً حرية الإرادة والاختيار للشعب؟ كل هذا ليس مهماً. الأهم أن الانتخاب حصل. تتجاهل موسكو السؤال الذي لا يمكن تجاهله. إذا افترضنا أن الشعب لم يثر أصلاً، وأن الأسد في حقيقة الأمر منتخب من الشعب، فلماذا قتل الرئيس من هذا الشعب -الذي انتخبه- حتى الآن أكثر من ثلاثمائة ألف، وهجر أكثر من عشرة ملايين؟ ترى لو أن الشعب انتخب الرئيس بحرية إرادته وخياره، هل كان هناك مجال لكل هذه الميليشيات أن تدخل سورية، خصوصاً أن الرئيس نفسه استعان بالكثير من هذه الميليشيات؟ ما هو الإرهاب في هذه الحالة؟ أين يبدأ؟ وأين ينتهي؟

مثال ثالث لا يقل مأسوية: إيران تذهب أكثر من موسكو. هي تبرر للرئيس السوري جرائمه ضد شعبه بدعوى أنه رئيس مقاوم. ولا أحد يعرف مقاوم ضد من، خصوصاً أن ضحايا هذه المقاومة هم من السوريين فقط؟ هل يمكن أن هذا ما تقصده إيران؟ ومن حيث أن هذه المقاومة ليست أكثر من ادعاء سياسي كاذب، وبالتالي ليست مبرراً كافياً، تعتبر طهران أن الثورة على الأسد أصلاً إثم في صيغة إرهاب ينطلق من عقيدة تكفيرية. لذلك تمد إيران الرئيس الأسد بالمال والعتاد، وبالميليشيات. الموقف الإيراني هنا أسوأ وأخطر من الموقفين الأميركي والروسي. موقف كل من واشنطن وموسكو سياسي، ولهدف سياسي، أما الموقف الإيراني، فمع أنه يتجه لهدف سياسي، إلا أنه في أصله ومنطلقه موقف أيديولوجي- ديني، ومساهم كبير في إشعال وتأجيج الحرب الدينية في سورية. وذلك من خلال إرسال ميليشيات عقائدية ترى أنها في حرب مقدسة لاستعادة ثارات الحسين. مرة أخرى، ما هي حدود الإرهاب في هذه الحالة؟ أين يبدأ؟ وأين يمكن أن ينتهي؟

ما حصل لبيروت وباريس وما حصل قبلهما جريمة إرهابية بامتياز. والأبرياء الذين قضوا في هذه وغيرها من جرائم نكراء هم ضحايا عمل إرهابي يستند إلى فكر ديني متوحش. لكن ماذا عن الفكر السياسي المتوحش لنظام مثل النظام السوري؟ أو الفكر الطائفي للنظام الذي نشأ في العراق تحت الاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني؟ لا ينبغي أن تغطي بشاعة «داعش» حقيقة ما يحصل. للفكر أكثر من وجه، وأكثر من لون، وأكثر من أداة واحدة، وأكثر من حضور واحد. أيهما تسبب في ظهور الآخر: «داعش» أم النظام السوري؟ هل هي مصادفة أن «داعش» ظهر في العراق وفي سورية؟ ما حصل بكل بشاعته نتيجة متوقعة لبيئة سياسية تُركت تتعفن. وهذا التعفن نتيجة فشل سياسي من أكثر من طرف. وإذا كان الإرهاب نتيجة قبل أن يكون سبباً، فإن تراكم الفشل الدولي في فلسطين أولاً، ثم أفغانستان والعراق وسورية، من أهم الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة.

اقرأ المزيد
١٥ نوفمبر ٢٠١٥
العرب وروسيا.. مواجهة حتمية بسوريا

تنطلق أغلب التحليلات التي تحاول مقاربة الحركة الدبلوماسية الخاصة بسوريا، من فرضية أن روسيا تحاول النزول عن الشجرة ولا ترغب في تحول الساحة السورية إلى مستنقع يعيد إنتاج تجربة أفغانستان بطريقة أكثر مأساوية، وبالتالي فإن القيادة الروسية تحاول التوصل إلى تسويات مقبولة تضمن مصالح جميع الأطراف وتسهم بالفعل في صناعة ترتيبات تساعد على حل الأزمة السورية المستعصية.

    "الوجود الروسي في سوريا هدفه -بالدرجة الأولى- إعادة صياغة النظام الإقليمي العربي تحديدا، لاعتقادها بأنه أسهل المناطق التي يمكن من خلالها إظهار الوجود والتأثير، ولظنها أن المنطقة اليوم تمر بحالة فراغ بعد تضاؤل الوجود الأميركي بها "

وفي الواقع، يؤشر فحص المعادلات التي تسعى روسيا لإرسائها في سوريا على زيف مثل هذه الفرضيات وكمية الشحن الرغبوي التي تنطوي عليه، وهي تفرض أولا أن سلوكيات قادة الكرملين وتصرفاتهم تحكمها معايير عقلانية وحسابات الربح والخسارة، كما أنها تفترض ثانيا أن روسيا جاءت بهدف إحلال السلام في سوريا بعد أن عجز العالم عن هذا الأمر، وأنها -وبما لها من تأثير على رأس النظام السوري ومفاصله- ستتمكن من إنجاز هذه المهمة!

في الواقع العياني لم يثبت أن قادة الكرملين الذين أوصلوا دولا عديدة إلى حالة الفشل (أوكرانيا وجورجيا)، وقبلها وضعوا روسيا نفسها في مآزق سياسية واقتصادية، ليسوا حكماء بالدرجة التي يتصورها البعض، أو لديهم معايير مختلفة للتقييم، كما أنهم لم يأتوا إلى سوريا لحل أزمة شعبها التي ساهموا بدرجة كبيرة في استفحالها ووصولها إلى هذه المراحل.

المؤكد أن الوجود الروسي في سوريا هدفه -بالدرجة الأولى، وكما هو واضح من الإجراءات الروسية على الأرض- إعادة صياغة النظام الإقليمي العربي تحديدا، لاعتقادها بأنه أسهل المناطق التي يمكن من خلالها إظهار الوجود والتأثير، ولظنها أن المنطقة اليوم تمر بحالة فراغ بعد تضاؤل الوجود الأميركي بها، وتداعي أركان المنظومة العربية وانهيار بعض أنظمتها.

وبالتالي فهي تتعاطى مع الحدث بوصفه فرصة إستراتيجية مهمة لا بد من الاستفادة منها لتحقيق فائض من القوة والنفوذ يعوضها خسائرها في أوروبا، وذلك عبر التحكم في المجال العربي من سوريا شرقا إلى ليبيا غربا.

الإستراتيجية الروسية
تعمل روسيا في سبيل نجاح مخططها على تطبيق إستراتيجية مزدوجة: ميدانيا وسياسيا. ففي المجال الميداني تسعى إلى:

- تدمير جميع البدائل المحتملة للأسد وفرضه كخيار وحيد والممثل الشرعي البديل والوحيد القابل للدعم والحياة في سوريا. وهي في سبيل ذلك تصر على مقولة عدم وجود فارق بين إرهابيين معتدلين ومتطرفين، فهي تدخل الميدان السوري وتفرض سلفا تعريفها الخاص للإرهاب وتطالب الآخرين بالعمل تحت سقف تعريفها، وحتى دعوتها للحوار مع الجيش الحر وتأمين غطاء جوي له، لم تكن سوى نوع من الاستهزاء بهذا الجيش بعدما أرفقت دعوتها تلك بشرط "إن وجد هذا الجيش".

- توسيع هامش توسعها ليشمل كافة الأراضي السورية، وإنجاز ذلك على مراحل، ففي المرحلة الأولى تبدو العين مصوبة على حلب بهدف عزل البر السوري عن تركيا، بالإضافة إلى تأمين مناطق حمص وحماة. ونجاح هذه المهمة سيليه الانطلاق إلى مراحل جديدة، وفي كل هذه المراحل سيكون العمل الأهم إنهاء أي وجود لمعارضة سوريا.

- تقليص خيارات الدول الداعمة للثوار ودفعها لقبول الحل الذي تفرضه روسيا، وذلك من خلال تدمير الأذرع التي صنعتها والبنى التي شكلتها في مواجهة نظام الأسد وحلفائه. ذلك أن إضعافها على الأرض يجردها من أوراق القوة التي تمتلكها ويجعلها رهينة القبول الروسي بها سياسيا وتفاوضيا.

أما في المجال السياسي فتسعى روسيا إلى:
- الحصول على تنازلات قدر الإمكان وتقنينها وتثبيتها كمسلمات وحقوق روسية نهائية، فقد حصلت موسكو في بادئ الأمر على انتزاع اعتراف من الأطراف الإقليمية والدولية على حقها في النفوذ بسوريا، ولم يلاق هذا الأمر اعتراضات مهمة.

    "يجب عزل الدول العربية التي تؤيد صراحة التدخل الروسي واعتبارها شريكة في الإضرار بالأمن العربي، فمن غير المعقول أن تتسبب هذه البلدان في إضعاف الأمن العربي وضياع الموارد وتهديد حياة الشعوب العربية بذرائع غيرمتناسقة مع الخطر الكبير الذي تتسبب فيه"

وتعتبر المؤتمرات السياسية التي تعقدها روسيا من أجل سوريا من الآليات التشغيلية للحصول على هذه التنازلات، حيث يتضح أن موسكو لا تلتفت كثيرا إلى المخرجات السياسية لهذه المؤتمرات، بقدر اهتمامها بتحصيل أكبر قدر من التنازلات لتوظيفها في سياق صراعها السياسي حول السيطرة على سوريا والمنطقة.

- استنزاف الأطراف الإقليمية والدولية بالتفاوض عبر التركيز على إستراتيجية طرح أسوأ الخيارات والبقاء ضمن مربع هذه الخيارات، فمثلا استهلاك الأطراف بقضية دور بشار الأسد في مستقبل سوريا، بينما لا أحد يناقش رغبة روسيا وإصرارها على بقاء هياكل النظام السابق، بما يعني تفريغ الثورة السورية من أحد أهم أهدافها وهو تغيير النظام من رأسه حتى قاعدته وإنهاء آليات عمله التي كانت السبب في إنتاج الأزمة.

- استقطاب الأطراف الإقليمية والدولية إلى الحل الروسي تحت عناوين عديدة "التنسيق، الحياد، الدعم" بحيث تتحول الأطراف الرافضة إلى أقلية معزولة وغير مؤثرة. وتراهن روسيا على هذه النقطة بعد أن حصلت على تنازل مجاني من النظام المصري الحاقد على الثورات العربية لأسباب ذاتية، وبالتالي فإنها استطاعت اختراق الموقف العربي وإضعافه عبر إخراج مصر من خانة الرافضين لوجودها في سوريا.

مواجهة الخطة الروسية
تبدو الدول العربية محكومة بانتهاج إستراتيجية مواجهة ضد المخطط الروسي، ذلك أن إخراج سوريا من الإطار العربي وإدخالها في مجال النفوذ الروسي المدعوم إيرانيا سيشكل مدخلا خطيرا للضغط على أمن الدول العربية وتحديدا المشرقية منها، وسيرفع سقف الطموح الروسي في المنطقة إلى البحث عن توسيع مجال نفوذها، خاصة أنها تشتبك مع الدول العربية على أكثر من جبهة، يأتي في مقدمها النفط والغاز وخطوط إمدادهما وطرق نقلهما وأسواق تصديرهما، فضلا عن العداء البادي في السياسة الخارجية الروسية للأنظمة السنية وتحالفها اللصيق مع إيران.

ويجب أن تتضمن خطة المواجهة على المستوى الميداني:
- لا تمتلك روسيا الأصول العسكرية الكافية لفرض نفوذها في سوريا، كما أنها تواجه عقبات تقنية في موضوع نقل أعداد أكبر من المعدات والجنود، وهي تعتمد تكتيكات تقوم على ضرب الجبهات الواحدة تلو الأخرى لعدم قدرتها على العمل في كافة الجبهات دفعة واحدة. ومواجهة هذا التكتيك تتطلب دعم جميع جبهات الثوار وتحويلها من الموقف الدفاعي الانتظاري إلى الهجوم والإمساك بزمام المبادرة، وهذا الأمر يشكل إرهاقا لروسيا على الجبهات السورية ويدفعها إلى التراجع والبحث عن مخارج.

- عدم السماح لروسيا بإنجاز المراحل التي تتضمنها إستراتيجيتها وعدم تركها تنسق خطوط دفاع صلبة وتؤسس بنية عسكرية من المليشيات الطائفية في سوريا والعراق، وهذا الأمر يتحقق عبر عكس الهجوم على حلفاء سوريا وإيقاعهم في الفوضى وإشغالهم بالدفاع عن أنفسهم أكثر.

- استثمار عامل الزمن، وهذا العنصر يشكل كابوسا لقادة روسيا العسكريين، وكلما طال صمود الثوار أكثر أدركت موسكو أنها تدخل في عملية استنزاف لا طائل منها، وأن جهودها محكوم عليها بالفشل.

    "تشكل فصائل الثوار السورية مقدمة الدفاع عن الأمن العربي، في حين تقف الدبلوماسية العربية على خطوط المجابهة السياسية، وإذا لم يرتق الأداء في الجبهتين إلى مستوى التحدي، فإن العالم العربي سيجد نفسه قد تراجع للدفاع عن أشياء في صلب أمن دوله الداخلية"

وعلى المستوى السياسي:
- مواجهة إستراتيجية الاستنزاف التفاوضية الروسية برفع سقف المطالب تجاه روسيا، خاصة في العناصر المفتاحية للأزمة (مصير النظام وليس بشار الأسد، ودور إيران ومليشياتها)، ووقف أي شكل من أشكال التنازل أمام روسيا.

- التركيز على تعريف القضية وتعيين عناصرها الأساسية (إطار الحرب) من كونها ثورة شعب وعدم السماح لروسيا بإعادة صياغتها وتأطيرها كقضية إرهاب وحسب، وفي هذه الحالة يتوجب على الدبلوماسية العربية المطالبة بتضمين عنصرين مهمين لمرافعتها الدبلوماسية في المؤتمرات السياسية الخاصة بسوريا:

أ) وضع نظام الأسد ضمن قائمة الكيانات الإرهابية باعتباره المسؤول عن قتل العدد الأكبر من السوريين.
ب) وضع إيران ووكلائها ضمن هذه القائمة لمساهمتهم في ارتكاب مجازر وعمليات تطهير على أساس طائفي.

- عزل الدول العربية التي تؤيد صراحة التدخل الروسي واعتبارها شريكا في الإضرار بالأمن العربي، فمن غير المعقول أن تتسبب هذه البلدان في إضعاف الأمن العربي وضياع الموارد وتهديد حياة الشعوب العربية بذرائع لا تبدو متناسقة مع الخطر الكبير الذي تتسبب فيه.

- التركيز على الجانب الإعلامي، وخاصة الموجه إلى روسيا، حيث تستفيد قيادة الكرملين من عدم وجود منافس لها في هذا المجال، مما يجعلها تشكل الرواية التي تناسبها عن الحرب السورية.

تشكل فصائل الثوار السورية مقدمة الدفاع عن الأمن العربي، في حين تقف الدبلوماسية العربية على خطوط المجابهة السياسية، وإذا لم يرتق الأداء في الجبهتين إلى مستوى التحدي الذي تفرضه روسيا وأتباعها في المنطقة، فإن العالم العربي سيجد نفسه قد خسر خط الدفاع الأول -إن لم يكن ذلك قد حدث بالفعل- وتراجَعَ للدفاع عن أشياء في صلب أمن دوله الداخلية، وهذا ما يحتم جعل الساحة السورية مكسرا للأطماع الروسية والإيرانية في المنطقة.

اقرأ المزيد
١٥ نوفمبر ٢٠١٥
روسيا وإيران: كسب معركة وليس الحرب

كان الشهر الأول للتدخل العسكري الروسي في سوريا لمساندة نظام بشار الأسد مخيّبا لآمال الطرفين على حد سواء. فقد كثفت روسيا من ضرباتها الجوية لتسجل معدلات كبيرة وصلت إلى 70 ضربة في اليوم الواحد، وهو معدل يتطلب أسابيع من الطلعات الجوية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن الأيام الماضية أظهرت أن ذلك الجهد الحربي المكثف بدأ يقطف بعض الثمار، من دون أن يتبيّن في ما إذا كان الحصاد متواصلا أم أن العقم العسكري سيعود ليصيب جميع المتحاربين من جديد.

الضربات الجوية الروسية جاءت بحسب الدعاية الرسمية لمحاربة تنظيم داعش، ولكن الحقائق تكشّفت بعد أيام قليلة عن أنها تستهدف قوات المعارضة السورية بصورة رئيسية، وذلك لدعم الجبهات الضعيفة التي يسيطر عليها الأسد ولاستعادة السيطرة على جبهات أخرى.

الحقيقة الأولى هي أن روسيا تريد تدعيم قوات النظام في المواقع الحساسة بصرف النظر عن كون العدو المسيطر على تلك المواقع هو داعش أو الجيش الحر. أما الحقيقة الثانية فهي أنها تفضل أن يكون العدو الذي يتلقى ضرباتها هو الجيش الحر وليس داعش. حينها فقط سيكون لمجهودها الحربي مردود مضاعف: توسيع مناطق سيطرة النظام من جهة، وإضعاف القوة الرئيسية التي تهدده والتي يمكن أن تفاوضه في يوم ما على تقاسم السلطة من جهة أخرى.

هكذا انطلقت عمليات الأسد – روسيا – إيران على أربع جبهات رئيسية: ريف اللاذقية في جبل الأكراد، ريف حماة باتجاه بلدة كفرنبودة، ريف حلب على جبهتيْن باتجاه مطار كويرس العسكري ومدينة الحاضر. بدأ تقدم قوات النظام بسرعة في ريف حماة في ظل جمود على باقي الجبهات، واستطاعت قوات الأسد، في ظل مشاركة مروحيات روسيا والطيران الحربي واستخدام أسلحة جديدة منها قنابل عنقودية، التقدم والسيطرة على بلدة كفر نبودة. ولكن زيادة الدعم والعتاد للمعارضة السورية وخصوصا الصواريخ المضادة للدبابات قلبت الموازين وراحت المعارضة تستعيد السيطرة بسرعة على ما فقدته، بل وامتلكت زمام المبادرة فأعلنت شن هجوم على ريف حماة هدفه النهائي تحرير المدينة. وكذلك الحال في جبال الأكراد إذ اصطدمت قوات النظام بمقاومة شرسة ولم تنفع الغارات الجوية الروسية، وقد كان الفشل على هاتين الجبهتين هو الأول من نوعه الذي تواجهه روسيا في سوريا.

بالمقابل، كانت المعارك تسير ببطء ونجاح على جبهتي ريف حلب. ففضلا عن الدعم الجوي الروسي استقدم نظام الأسد قوات من الحرس الثوري الإيراني، قدّرت مصادر استخباراتية غربية أعدادها بأكثر من 2000 مقاتل. وإذ لطالما تمثلت مشكلة نظام الأسد على صعيد الهجوم العسكري في الخشية من خسارة أعداد كبيرة من المقاتلين، وهو ما يتطلبه كسب أي معركة برية. أما وقد توفر المئات من المقاتلين الذين قدمتهم إيران على مذبح التقدم الميداني، فها هو النظام يعود للتقدم. فقبل أيام نجح نظام الأسد في فك الحصار عن مطار كويرس العسكري الذي بقي محاصرا لنحو ثلاث سنوات، وبعدها بيومين فقط نجح في السيطرة على مدينة الحاضر في ريف حلب.

وكانت قوات الأسد وروسيا وإيران قد انطلقت في هجومين متزامنين وباتجاهين متعاكسين تقريبا، إذ انطلقت من نقاط تمركزها في السفيرة شرقا باتجاه مطار كويرس، وغربا باتجاه مدينة الحاضر. وعلى المستوى العسكري، يخدم فك الحصار عن المطار تثبيت وجود النظام في منطقة تتعرض قواته فيها إلى الاندحار طيلة الأشهر الماضية. كما أن للمطار موقعا حيويا ربما يمكّن النظام وحلفاءه من توسيع مساحات السيطرة في ريف حلب الشرقي ويقربهم من مدينة منبج التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش، وهو ما يجعلهم رأس الحربة في السيطرة عليها في حال حصول توافق دولي حول تركيز جهود المعارضة والنظام على محاربة داعش.

وعلى المستوى السياسي تخدم العملية روسيا التي لا تزال تصر على أن حربها في سوريا هي ضد داعش. هكذا، تحقق موسكو أول نصر ضد التنظيم بعد أن أسفرت عملياتها سابقا عن إضعاف المعارضة السورية وتقدم التنظيم الإرهابي في ريف حلب. أما بالنسبة إلى النظام فالعملية تخدم زيادة حشد مؤيديه من حوله ليواصلوا صمتهم عن إستراتيجيته العدمية وهي القتال دون أفق حتى النهاية، كما خدم فك الحصار عن المطار إظهار النظام بمظهر الحريص على جنوده والقادر على حمايتهم.

أما السيطرة على مدينة الحاضر فتضع قوات النظام في موقع قريب من مدينتيْ كفريا والفوعة اللتين تقطنهما غالبية شيعية. وقد كانت المدينتان قبل نحو شهر من الآن جزءا من هدنة عسكرية أبرمتها إيران مع المعارضة السورية وشملت بلدة الزبداني. ولكن، بعد الهدنة مباشرة، أرادت إيران الاستفادة من زخم التدخل الروسي والحماسة التي يبديها فلاديمير بوتين لتحقيق تقدم سريع يواجه به الإدانات الدولية والإقليمية، فأرسلت المئات من المقاتلين للمشاركة في معركة الحاضر والتقدم باتجاه كفريا والفوعة في معارك قادمة تهدف إلى فك الحصار عن البلدتين.

العامل الحاسم في تقدم قوات النظام على الأرض لم يتمثل بالضربات الجوية الروسية، بل بمشاركة قوات الحرس الثوري الإيراني لتعوض نقص أعداد جنود الجيش النظامي والإنهاك الشديد الذي لحق بهم بعد سنوات من القتال. ومع ذلك، يبدو أن الدرس الأهم في هذه الحرب هو أنها تتشكل من معارك كر وفر، يمكن كسب بعض تلك المعارك، ولكن لا يمكن لأي طرف أن يكسب الحرب.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٥ يونيو ٢٠٢٥
قراءة في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية
فضل عبد الغني مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان