مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٠ نوفمبر ٢٠١٥
روسيا والفخ السوري

خمسة أسابيع على العدوان الروسي على سوريا، والأرض لا تتغير بل إن ريف حماة يشهد تقدما لفصائل المعارضة على حساب قوات بشار الأسد التي لم تستطع التقاط فرصة دخول روسيا على خط الصراع الميداني مباشرة لتحقيق تقدم ملموس على الأرض. حتى إن الإيرانيين يعانون في مختلف الجبهات ولا سيما في مناطق حلب مع "جبهة النصرة". أما ميليشيا "حزب الله" فقد توقفت عند "إنجازات" محدودة جدا، لا بل إنها بخسائرها الفادحة التي تجاوزت ألفاً وخمسمئة قتيل، وخمسة آلاف جريح بالكاد قادرة على الاحتفاظ بالمواقع التي احتلتها في القلمون وفي محيط العاصمة دمشق.

والواضح أن روسيا التي تقصف بكثافة مختلف المناطق المحررة من سوريا منذ أكثر من شهر غير قادرة على أحداث تغيير دراماتيكي على الأرض، ومن هنا فإنها تقف اليوم عند مفترق طرق مهم: أما أن تكتفي بالعدوان بشكله الحالي، وإما أن تتورط أكثر عبر إرسال قوات على الأرض للاشتراك في القتال مباشرة تعويضاً عن ضعف قوات بشار الفاضح، وعجز ميليشيات إيران المتنوعة. فهل تقدم موسكو على الخطوة الكبيرة، أي توسيع العدوان ليشمل إنزال آلاف الجنود الروس على الأرض، وتعريض الجيش الروسي لتجربة تستعيد مأساة احتلال أفغانستان قبل ربع قرن؟.

المشكلة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الساعي إلى استعادة مجد غابر من خلال إعادة إنتاج سياسة توسعية في الخارج تقوم على استخدام القوة على الأرض، مثلما فعل في جورجيا، وأوكرانيا والآن في سوريا، غير قادر على التعويل على قدرة بشار على الاستمرار طويلاً. فالنظام مهترئ، وما تبقى من الجيش والميليشيات التي أسسها على هامش الجيش وصل إلى أدنى مستوياته القتالية منذ انطلاق الثورة في آذار 2011. هذا الواقع قد يدفع الروس إلى التورط أكثر من أجل حجز مقعد متقدم لبشار على طاولة المفاوضات المنتظرة! فلا يكفي أن يحارب الروس والإيرانيون مكان النظام لكي يثبتوا انه قابل للحياة وجزء من مستقبل سوريا. الحقيقة أن سوريا تغيرت وكل جيوش العالم لا يمكنها أن تعيدها إلى ما قبل آذار 2011. أكثر من ذلك نحن نزعم أن بشار انتهى منذ وقت طويل. وأنه يستحيل على إيران وروسيا أن تبقياه جزءا من مستقبل سوريا، وعلى الرغم من تراجع الأوروبيين والأميركيين عن موقفهم الحاسم من بشار وبطانته منذ بدء العدوان الروسي.

بناء على ما تقدم، لا يرجح أن يعقد مؤتمر دولي في فيينا قريباً، فموسكو غير متحمسة له الآن بعد أن لمست حدود قدراتها في الصراع على الأرض في سوريا. وهي مضطرة لأن تعمل جاهدة لتغيير المعادلة على الأرض قبل الانتقال إلى طاولة المفاوضات، ما "يبشر" بشتاء دموي.

قصارى القول، إن روسيا وصلت اليوم في سوريا إلى حافة الوقوع نهائياً في الفخ السوري. والمعيار هو تورطها في الحرب البرية من عدمه.

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٥
هل تنتصر "داعش"؟

هل يمكن أن نتصور سيناريو تنتصر فيه "داعش" وتصبح حقيقة أول دولة إرهابية تنشر الرعب والخراب في المنطقة والعالم؟ هذه الخاطرة تمر بعد أحداث سقوط طائرة السياح الروسية في سيناء وما رافقها من تطورات دبلوماسية، والاشتباك الذي حدث بين الأطراف المعنية.

من دون الدخول في تفاصيل ما إذا كانت هناك قنبلة وضعت على متن الطائرة وأدت إلى مقتل هذا العدد من السياح العائدين إلى بلدهم بعد تمضية إجازتهم، فإن محصلة ما حدث منذ سقوط الطائرة والإعلان في بريطانيا والولايات المتحدة عن معلومات استخباراتية بأن قنبلة وضعت مع الأمتعة، المحصلة تصب لمصلحة هذه الجماعة الإرهابية.

كيف؟ أولا وجهت الجماعة، التي مقرها الرقة في سوريا، رسالة إلى روسيا التي يشن طيرانها غارات في سوريا، بينما ضربت السياحة في مصر التي توفر عملة صعبة للبلاد في فترة صعبة، وكذلك صعدت حالة القلق العالمية على أمن الرحلات الجوية، وحتى لو كانت "داعش" تكذب في ادعاءاتها، فإن الأهداف تحققت على أي حال.

المعالجة كانت سيئة من جميع الأطراف بعد الحادث، فالأطراف المعنية تبادلت الاتهامات بالتقصير لتبدأ بريطانيا في سحب سياحها في شرم الشيخ، وهو يبدو قرارا غير محسوب بدقة لأن استعادة 20 ألف سائح في 24 ساعة غير ممكنة، وتبعهم الروس الذين لديهم أضعاف هذا الرقم، لكنهم كانوا أكثر تحفظًا في تحديد وقت معين لعودة السياح.

أوقفت دول أوروبية أخرى رحلات أو أصدرت تحذيرات لرعاياها. وبحسبة بسيطة فإن الازدهار النسبي الذي كانت شرم الشيخ بدأت تشهده، قضي عليه لفترة قد تتجاوز الموسم الحالي، وبدت القرارات المتخذة بوقف الطيران والرحلات أشبه بحصار يتعين التفكير فيه مليًا في إطار الموقف السياسي، خصوصا أن هناك تصريحات بأن هذه الإجراءات ستستمر طويلاً.

إذا كان إسقاط الطائرة الروسية له هدف، هو وقف التدخل العسكري الروسي في سوريا، فإن هذا يبدو هدفًا بعيد المنال؛ لأن التدخل الروسي له أهدافه الجيوسياسية، وكما أن روسيا لم تغير سياستها في الشيشان رغم الهجمات الانتحارية قبل سنوات فلا يعتقد أنها ستفعل ذلك الآن قبل تأمين مصالحها.

بالطبع فإن أكبر خسارة هي لعائلات الضحايا الروس الذين فقدوا ذويهم بلا أي ذنب، لكن سياسيًا واقتصاديًا الخسارة الأكبر هي لمصر التي تلقت ضربة موجعة للنشاط السياحي المهم للاقتصاد، لكنها لم تعالج الأزمة بروية بعيدًا عن السياسة الدفاعية كلما نشبت أزمة.

الآن ينبغي معالجة التداعيات وتنسيق النشاط الدولي ضد "داعش"، فأحد الأشياء غير المفهومة هو عشرات الغارات التي تعلنها روسيا والتحالف الغربي يوميًا، ومع ذلك لا نرى تقدمًا على الأرض. ويتمدد تنظيم داعش الذي نجح في توحيد الإرهاب في جبهة واحدة تنشط في عدة بلدان عربية.

لا يمكن أن تنتصر "داعش" لأنها ضد المنطق والإنسانية، ومن الصعب أن يقبلها أي مجتمع سوي. لكن المجتمع الدولي يحتاج أن يكون أكثر جدية وتنسيقًا مع دول المنطقة لدحر هذه الظاهرة الكئيبة، فذلك أفضل من التناحر والسعي لتحقيق مكاسب سياسية آنية.

اقرأ المزيد
١٠ نوفمبر ٢٠١٥
الليرة السورية وفوبيا الدولار

في سورية، وفي حمّى استعار الأسعار، تمشياً مع الحرائق المستعرة على أرضها، لا يمكن للمواطن أن يلحق الارتفاع الصاروخي لثمن السلع الحياتية، حتى لو كان حائزاً على ميداليات في سباق النهب والفساد، وصار الدولار نجم الأحاديث، وهو المارد المحبوس في زجاجة، كما مارد الحكايات. غالبية أفراد الشعب السوري لم يتداولوا بالدولار فيما مضى، ولم يكن لديهم فائض دخل يشترون بواسطته "الأخضر" في انتظار أن يثمر، فكيف اليوم وقد باتت الغالبية العظمى ممن بقي من الشعب السوري في البلاد، وعلى قيد الحياة، تعيش تحت خط الفقر؟
لكن، على الرغم من الوضع المأساوي هذا، وعلى الرغم من الأمية المستشرية بين أفراد المجتمع وانخفاض مستوى التفكير، إلاّ في الانشغال بالأزمات الحياتية وملاحقة المياه والكهرباء ورغيف الخبز، إلاّ أن كل الباعة عندما يستغرب المواطن ارتفاع السعر يكون ردّهم جاهزاً وممزوجاً بمرارة ما: الدولار ارتفع ثمنه. حتى باعة البسطات العامرة بمواد يستحيل معرفة مصدرها ومكوناتها وتاريخ صنعها يقيّمون بضاعتهم قياساً بالدولار. سألت واحدة من الفلاحات اللواتي ينزلن الأسواق الشعبية، يفترشن الأرصفة، ويعرضن البضاعة التي تجود بها الطبيعة، أو منتجات زراعية منزلية، سألتها عن الأعشاب التي تعرضها أمامها، والتي تجود بها الأرض بعد موسم الإمطار، من الهندباء والخبيزة وحشائش أخرى، قالت لي: غلي الدولار.
صارت هذه اللازمة مثل ترنيمة ندبٍ يرددها الشعب السوري. لا يعرف المواطن السوري المهدد بأمنه ورمقه المعادلات المالية، ولا يفهم في قوانين النقد، ولا تعنيه الخطط والاستراتيجيات والتكتيكات التي تقوم بها الحكومة. لا يعرف من العملات غير ليرته السورية التي تعامل معها على مدى التاريخ، على أساس أنها جزء من هويته الوطنية وكرامته. في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، كانت هناك الليرة الفضية التي جرى سحبها من الأسواق، واستبدالها بليرة أخرى أقل كلفة في التصنيع، أخذ المواطنون يخزنون منها، بعضهم كوثيقة على تاريخ معين، وتحت ضغط نوستالجيا مرتبطة بالماضي، وبعضهم كمعدن ثمين، وكانت الصبايا تأخذها إلى الصائغ ليلحم بها حلقة يمر منها سلسال فضي، تزدان الصدور به. لم تصبح الليرة السورية، بحد ذاتها، إشكالية وموضوعاً يختلف عليه السوريون، إلاّ في السنوات الأربع الأخيرة. سورية اليوم مقطّعة الأوصال مقسّمة، مجزّأة، وأحد عناصر واقعها المجزّأ هو الليرة التي تحمل حمولات سياسية متنوعة، ففي المناطق الشمالية، صدرت قرارات باستبدالها بالليرة التركية، وهذه مثل باقي العملات، تدخل في ميزان الصرف، قياساً بالدولار الذي هو ربما العملة الوحيدة عالمياً التي يمكن اعتبارها سلعة بحد ذاتها، تنتجها الولايات المتحدة، وتحدد سعرها عالمياً وتبيعها.
"عندما يصل المواطن إلى مستوى الرعب من فقدانه رغيف الخبز بسبب الدولار، سوف تنسيه الحياة وبقاؤه وأولاده على قيدها أن الليرة مرتبطة بالكرامة الوطنية"

وفي المناطق التي هي تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، هناك الدينار الذهبي الذي سوف يفرض حضوره القوي مع الوقت في تداول أسواقها. وفي المناطق التي تديرها حكومة النظام، وما زالت هي الوحيدة المعترف بها عالمياً، فإن المشكلة الكبرى هناك، حيث يلعب الدولار مع الليرة مثل توم وجيري، لكنها ألعاب قاتلة، يدفع الشعب ثمنها من قوته وحقوقه الحياتية. لا يفهم المواطن لماذا كان البنك المركزي يطرح كل حين كمية كبيرة من الدولارات، لحماية الليرة ولجم الارتفاع الجنوني بسعر الصرف، أو الانحدار الخطير بقيمة الليرة، ثم يتراجع فجأة الآن بعدما قارب سعر الدولار الأربعمئة ليرة، تاركاً السوق الحرة تحدد القيمة الفعلية للصرف في الأيام المقبلة، حتى إن هذا المواطن لا يعرف شيئاً عن الاحتياطي النقدي في بلاده، وماذا بقي في خزينته منه، مثلما هو يجهل أبسط قواعد الإدارة الحكومية وسياساتها. لا يعرف المواطن ماذا يعني تعويم العملة، حتى لو كان موجّهاً أو مُداراً، يعني تحت رقابة الحكومة وإمساكها بدفّة التعويم. لا يدرك المواطن ما معنى أن يكون في السياسة النقدية سلّة عملات تديرها الحكومة، ولا يفهم ما جدوى الانتقادات التي توجّه إلى الدول الحليفة للنظام التي في وسعها، لو أرادت، أن تدعم الليرة بتوريدها سلعاً إلى الشعب السوري، بعملتها وليس بالدولار، مثلما تدعم العمليات الحربية.
المواطن السوري البسيط المغيّب عن القرار، أو عن فهم الأداء الحكومي، يصدّق "فيسبوك" أكثر من أي نشرة رسمية أخرى، "فيسبوك" والمنابر الإعلامية المشابهة تقدّم له نشرات مبسّطة ملخّصة عن الواقع، مثلما يمكن أن يلعب في الواقع ويقلب السوق في لحظة.
الليرة السورية المنزلقة في سقوط حرّ، بقيت أوراقها النقدية في التداول، بل غرقت الأسواق بقطع مطبوعة حديثاً، وفق معايير جودة أعلى من الموجودة دليلاً صارخاً على الفساد في أبشع صوره. الأوراق النقدية المطبوعة في العقدين الأخيرين بآلية الغش التي بواسطتها يُسرق الجزء الأكبر من كلفة الصكّ النقدي، مهترئة لا تحتمل التداول وملامسة الأيدي، بينما ورقة الألف التي طبعت حديثاً طرحت للتداول، في وقت وصل فيه انقسام الشارع إلى ذروته، فأُمطرت صفحات التواصل الاجتماعي بالآراء والمواقف العدائية، قسم يهلل، لأنها خالية من صورة الرئيس، وقسم غاضب لأنها محرومة منها. والتهى الطرفان بالصورة، بينما الليرة تستغيث، مثلما تتعرقل كل محاولات التفاهم حول نقطة خلافية في الواقع، من جنيف إلى فيينا بعداد الأرقام التابع لهما، بينما البلد أو ما بقي منه يتهاوى.
ما زال هذا الشعب المغرّر به يجهل أبسط قواعد الاقتصاد، ولا يعرف معنى الناتج القومي، ولا احتياطي المركزي، ولا الإنتاج، ولا الصادرات أو الواردات، ولا التعويم، ولا تأثير الاضطرابات وظروف عدم الاستقرار على قيمة العملة. يعرف فقط أن جرزة الهندباء والسلق والخبيزة والبقدونس كلها صارت تحت رحمة الدولار، وأن الدولار هو المارد الذي يخرج، كل حين، ليبتلع الأخضر واليابس، ثم يعود إلى زجاجته يضحك، وهو يتأمل المشهد. لكنه بدأ يتساءل أيضاًّ: إلى متى؟ ولماذا ندفع الفواتير الباهظة؟ لماذا ندفع للمجهود الحربي ولإعادة الإعمار وطوابع الشهيد؟ لماذا حلفاؤنا الذين جاءوا ليدحروا "الإرهاب"، ويبرمون صفقات السلاح معهم بالدولار، لا يدعمون ليرتنا ويحموننا من إرهاب الدولار، على الرغم من كل خطابات الأخوة، وعلى الرغم من اكتشاف هذا الشعب أشقاء له كان غافلاً عنهم، فإيران شقيقة، وروسيا شقيقة، وأظن الصين أيضاً ستنادى بالشقيقة في البيانات الرسمية، وبحسب مزاج السياسة والسياسيين.
عندما يصل المواطن إلى مستوى الرعب من فقدانه رغيف الخبز بسبب الدولار، سوف تنسيه الحياة وبقاؤه وأولاده على قيدها أن الليرة مرتبطة بالكرامة الوطنية، وسوف ينسى كثيرين من رموز هذه الكرامة، لأن البطون الخاوية لها ترتيبات أخرى، وأولويات غير أولويات الارتقاء الإنساني.

اقرأ المزيد
٩ نوفمبر ٢٠١٥
درعا التحرير.. أم درعا الاغتيالات!!!

تعيش محافظة درعا منذ ما بقارب الـ6 شهور حالة جمود في أغلب الجبهات وعدم إحراز أي تقدم يذكر لمصلحة الثوار على الأرض، وإذا ما أخذنا بالحسبان معركة عاصفة الجنوب التي فشلت فشلا ذريعا في تحرير أي نقطة في معركة تحرير مدينة درعا، بينما تقدمت قوات الأسد على عدة جبهات في حي المنشية بمدينة درعا ومحاولة الثوار المستميتة لإستعادة السيطرة على ما خسروه في الحي دون إحراز تقدم سوا تحرير 5 أبنية، وفي مدينة الشيخ مسكين سيطرة النظام على مؤخرة اللواء 82 بعد اشتباكات بينه وبين الثوار.


 حالة من عدم الاستقرار في المناطق التي يسطر عليها الثوار ومفهوم "الرباط على الجبهات" مفقود عند بعض الكتائب فالمهم التحرير وعد الغنائم والعودة الى المقرات فقط، وعلى ما يبدو أن النظام مرتاح لهذا الأمر فهو يقصف المدنيين جوا وبرا وجبهاته هادئة!!.. وليس هذا فقط بل نقتل بعضنا البعض!!!.


شهدت محافظة درعا منذ بدء الثورة حالات اغتيال كثيرة لقادة الجيش الحر والفصائل الإسلامية ولكنها زادت خلال هذه السنة وازدادت بشكل كبير جدا خلال الـ5 شهور الماضية، محاولات الاغتيال التي فشلت والتي نجحت كثيرة جدا لا مكان لعدها جميعا وإحصائها، بالأمس (9-11-2015) تم إغتيال أحد القادة الميدانيين للواء توحيد الجنوب ابراهيم المسالمة ابو العنتر قائد كتيبة شهداء العمري وفشلت محاولة إغتيال قائد لواء التوحيد خالد ابازيد، أما حادثة اغتيال الشيخ كساب المسالمة وأبو حفص مسالمة قبل سنة فكانت فاتحة بدء الاغتيالات بشكل كبير فما يمر أسبوع الا وتسجل حالة او محاولة اغتيال بحق أحد القادة والأفراد والإعلاميين.


دور دار العدل فيما يحدث من حالة الفلتان الأمني في جميع المدن والبلدات المحررة لا يسمن ولا يغني من جوع، فقد تم اغتيال نائب دار العدل الشيخ بشار الكامل، ولم تستطع حل أي لغز من ألغاز الاغتيالات الواضح وضوح الشمس من يقف ورائها ولم تستطع تقديم أي طرف للمحاكمة أو المسائلة في أي عملية إغتيال، طبعا الدار ليست الملامة في ذلك، فليس معها قوة عسكرية تنفيذية ولا يوجد أحد من الكتائب والفصائل الثورية والإسلامية مستعدة لتنفيذ قرارتها وإحضار المطلوبين للمسائلة، وفي حال نطق الحكم لا يوجد أحد يستطيع تنفيذ القرار إذا ما كان من يقف في وجهه أحد الكتائب خوفا من إسالة الدماء، حالة الفلتان الأمني لن تستطيع دار العدل وحدها الوقوف في وجهه ما دام هناك من يسعى لإفشالها.. وما دام هناك من لا يعمل شيء لإيقاف هذا الأمر.. وهو في إنتظار أن تأتي المفخخة الى باب مقره.


من يقف وراء هذه الإغتيالات؟؟ هو سؤال المليون دولار!!، هل هو النظام؟ أم أذرع المخابرات الخارجية، أم الجيش الحر؟؟ أم الكتائب الإسلامية؟؟، صراحة لا أحد يعرف من وراء هذه الإغتيالات وإن كانت تشعر البعض بالراحة أن تقول ان النظام والأذرع الخارجية وراءها، ولكن الحقيقة مفجعة أكثر من ذلك.. في الحقيقة أن أغلب الإغتيالات كانت بتخطيط من بعض الكتائب والفصائل الثورية والإسلامية، فالشيخ كساب وأبو حفص والإعلامي احمد المسالمة المتهم الرئيسي بقتلهم هي أحد الفصائل الإسلامية المعروفة، وكذلك بعض حالات الإغتيال كشف أنها من فعل بعض الكتائب الثورية، لم يعد الشرع والدين مكان لحل الخلاف بل أصبحت العبوات والمفخخات تحل محلها، ولم يعد للعقل مكان.. بل السلاح!!.


وضع الحلول لحالة الفلتان الأمني ليست محصورة في جهة واحد فقط، لا بد من تكاتف جميع الكتائب والفصائل وتشكيل شرطة عسكرية مهمتها حفظ الأمن تعود قيادتها لدار العدل، تكون أحد مهامها الكشف عن الغرف السوداء التي تقف وراء هذه الإغتيالات، وإحضار المطلوبين إليها للمحاكمة والمسائلة، ولا أحد فوق القانون كان من كان وفضح جميع المتآمرين، ومن يرفض هذا الأمر يكون هو أحد أصحاب هذه الغرف السوداء ويجب محاربته، فمن يقف وراء هذه الإغتيالات هي خلايا نائمة عن الجبهات فاعلة في الاغتيالات يجب استئصالها.


هل تحقيق هذا الأمر ممكن؟؟.. نعم ممكن ولكنه يحتاج الى نبي من الأنبياء أو وحي من السماء.. أو نية صادقة صافية همها الشعب الذي يباد!!

اقرأ المزيد
٩ نوفمبر ٢٠١٥
اذا أردت متابعة أخبار "داعش" فيجب عليك أن ....

تعتبر متابعة الأخبار العائدة لـ"داعش" من أصعب الأمور و أكثرها إثارة ، و بحاجة إلى نوع من العناد الصحفي و التفرغ العقلي و الجسدي ، حتى تتمكن من الإرتباط بهذه المنظومة الإعلامية التي لاتعرف من يقودها ، و إنما تجرك خلفها من مكانٍ ، لآخر في متوالية معقدة للغاية .

وتستهوي منظومة "داعش " الإعلامية أي عامل في مجال الإعلام ، للدخول في تفاصيلها و قراءة ما بينا سطورها ومعرفة نقاط الإرتكاز و آلية العمل ، سيما أنها (للحقيقة) لديها قوتها وقوة ترابطها و نجاحها في التغلب على المعوقات و الإختراقات ، و بقيت تنبض ، وترسل الرسائل التي ترغب بها و في التوقيت المناسب و المطلوب من قبل راسمي الخط الإعلامي ، و تحقق النتائج الأكثر من ناجحة ، بحيث استطاع تنظيم مثل هذا ، حديث العهد زمانياً و لنقل فكرياً لتفرده عن كل سابقيه ، و تمرده على القواعد التي ألفناها أو درسناها ، إستطاع البقاء و الإستمرار في عمله على الساحة الإعلامية ، وبات مركزاً و مصدراً للخبر في مناطق السيطرة "الداعشية" مع وأد أي وجود مهما صغر لأي طرف إعلامي محايد أو معارض .

ويعتبر موقع التواصل الإجتماعي "توتير" هو المضمار الأصيل و الأساسي للتحركات "الداعشية" الإعلامية ، فالتنقل بين التغريدات "التويتات" يجعلك تدور في فلك الرتم الموسيقي الذي تعزفه جوقة ، يديرها قائد أو اثنين ، بشكل غير ظاهر ، قد يستحيل الوصل إليه ، فكأن أوامره بالنشر و التركيز تصبح شيء من المقدسات التي لا ترفض أو تجد إعتراض .

وما إن يعطي "الآمر" البذرة ، فما هي إلا دقائق لتجد هناك غابة غير معروفة الحدود الإتجاهات تبدأ بالنمو هنا و هناك ، و تجد الفكرة مطروحة في كل نقطة أمامك على الشاشة .

ومتابعة حسابات المتوالية الإعلامية ، هو بحد ذاته تحدٍ كبير يقف أمامك ، إذا ما كنت من المتابعين لهذا التنظيم ، فعمليات إلغاء الحسابات حالة تشبه "النار بالهشيم" ففي لحظ وحدة يختفي الجميع من بين "المتابعين" عندك ، وكمعلومة إعتراضية يصل عدد الحسابات المحذوفة على توتير و المناصرة لـ"داعش" أو المروجة للعنف إلى قرابة 50 ألف حساب يومياً ، وبعد الحذف الجماعي المفاجئ تتحول إلى أعمى ، لتعاود من جديد البحث عن رأس الخيط ، وما إن تجده من خلال هاشتاغ "#الدولة_الإسلامية" أو "#الخلافة" ، ليأتيك الحسابات على شكل أمواج تتراطم أمامك و لست بحاجة إلا للإسراع في كبس زر "متابعة" ، لتدخل الجو من جديد ، الجو الذي لايطول بقائك بداخله وقتاً مديداً ، فقد يكون بضع ساعات في أحس الأحوال ، أو ساعة أوأقل في أسوء الحالات ، وتحديد مدة هذا الوقت ، يعود لمدى أهمية الحدث الذي تسببت به داعش أو صنعته ، فإن كان جلل فيعني أن الوقت يكون قصير و تكون عملية الإلغاء كعملية انتحارية داخل مجمع سكني ، أما إن كان الحدث المتوافر على الساحة ليس لـ"داعش" يد فيه ، فيعني أنك ستنعم بوقت قد يكون ليومين أو ثلاثة من حالة البحث الهستيري المتواصل .

يتمتع مناصروا "داعش" الإلكترونيين بشيء غريب من حيث الإصرار على العودة بعد كل حذف يطال حسابه ، و قد يصل عدد مرات الحذف في يوم واحد إلى أكثر من عشر حسابات، ورغم ذلك يعود للتغريد بعد فترة قصيرة ، وكأن هناك فريق متخصص بخلق الحسابات و توزيعها و إعمارها بالأخبار و التغريدات التي تناصر "داعش" ، مظالمة كانت أم ظالمة .

و لعل هذا النشاط يحيطه الشكوك من جهات ، من حيث من يمهد لهؤلاء الطريق و يفتح الفضاء أمامهم ، و يجعلهم يغزون العقول بشكل منظم ، وحتماً لن تصل لشيء ، لا "Ip" يساعد ولا أي اي شيء يمكن الإستناد عليه .

وفي متابعة منظومة "داعش" ليس عليك سوء المتابعة ، دون أن يكون لك الحق في الدخول في عوالمهم السرية ، أو خرق منظومتهم التي تحرس بشكل متين .

داعش ليست وحش يقبع في الداخل ، و إنما يمتد ليشمل كل من يحاول الإقتراب منها ،و هاجس فهمها ، معرفة آلية العمل شيء من الضروب المستحيلة ، التي يسعى كل العالم لفك طلاسمها ...

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٥
التدخل الروسي في سوريا، عراقيا

إن أهم ما ينبغي الحديث عنه من تطورات القفزة (الطيرانية) البوتينية في سوريا هو موقف المعسكر العراقي الإيراني الذي أثبت في هذا الموضوع، كما في مواضيع عديدة أخرى، مدى تورطه في التبعية لنظام الولي الفقيه وغوغائيته وسطحيته في تقدير الظروف واختيار المواقف.

فزعماء هذا المعسكر ما زالوا إلى الآن يكابرون ويتجاهلون حقيقة أن التدخل الروسي هو إعلان رسمي مجلجل عن الفشل العسكري الإيراني في سوريا، ومحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل فوات الأوان، بعد أن عجز قاسم سليماني، بكل ما حشده من حرسه الثوري ومن قوات رديفة لبنانية وعراقية وأفغانية ويمنية عن وقف انتصارات المقاومة السورية وتقدمها المتلاحق، وتساقط المدن والقرى، واقتراب النار من حيطان القصر الجمهوري.

من أول دخول الطيران الروسي إلى ميدان المعركة ومباشرته بقصف المعارضة السورية في حلب وحماة ودرعا والغوطة، بذريعة محاربة داعش، خرج فرسان المعسكر العراقي الإيراني إلى الشوارع مهللين على شاشات فضائياتهم للمارد الروسي العظيم الذي جزموا بأنه سيقلب الدنيا في أيام. حتى أن هادي العامري وأبو مهدي المهندس وواثق البطاط تشفوْا علنا بهزيمة أوباما والسعودية وتركيا، وطالبوا حيدر العبادي بترك الحليف القديم والاستدارة نحو الحليف الجديد على أساس أن حبيب حبيبي حبيب. وقد لخص النائب عن منظمة بدر حسن الساعدي، في تصريح لقناة الغدير التابعة للمنظمة، موقف الميليشيات الشيعية العراقية مجتمعة من التدخل الروسي، فوصف بوتين بأنه “الحليف القوي الثابت الذي لم يخن حلفاءه، ولم يغير التزامه بالدفاع عنهم، رافضا مقايضة مواقفه الشريفة بأيّ ثمن”.

واعتبر تدخله في سوريا ردا على تفرد أميركا في محاربة داعش، والتي ثبت فشلها، وفقا لرأيه، على الرغم من مرور نحو عام كامل على الإعلان الأميركي عن الحرب ضد داعش في العراق.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي رحب كثيرون منهم بهذا “الفارس البطل” المعادي لأميركا. وذكرت وكالة (فرانس برس) أن البقالين في الأسواق الشعبية العراقية أعلنوا عن أنواع من الأطعمة قالوا إن بوتين يستخدمها في غذائه، وهي التي مكنته من الوصول إلى هذه الحنكة العسكرية.

وحين كتبتُ هنا، في الأسبوع الماضي، مقالا عن قفزة بوتين (الطيَرانية) السورية التي فاجأ بها العالم، وشبّهتها بدخول صدام الكويت، وقلت إنها مقامرة غير محسوبة النتائج، لأنها ترى الربح فقط ولا ترى الخسارة المحتملة، انتقدني كثير منهم.

ويومها توقعتُ أن يعيد بوتين، بسرعة، حساباته وأن يدرك أن الخروج العاجل من سوريا بأقل خسارة ممكنة وبأيّ ربح ممكن، أسلم له وأنفع وأضمن للكرامة. وقلت إنه سيبدأ الافتراق عن الإصرار الإيراني على الحل العسكري، على مضض، وينفرد بالمداولة حول الملف السوري مع الولايات المتحدة وحلفائها، ويقبل، أخيرا، بالحل الذي يبغضه الوليّ الفقيه وحسن نصر الله وبشار الأسد والمعسكر العراقي الإيراني. ولم يطل الزمن، حتى تخلى وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، عن عناده ومكابرته وإنكاره لوجود معارضة سورية معتدلة، وراح يُكثر من مكالماته ومداولاته مع وزير الخارجية الأميركي من أجل التوافق على حل وسط يسمح ببقاء الأسد فترة (معينة)، حفظا لماء الوجه وترضية لإيران.

ليس هذا وحسب، بل إن الكرملين سارع إلى دعوة عناصر من المعارضة السورية والنظام السوري إلى اللقاء في موسكو للبحث عن صيغة الحل المنشود، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية تسخر من تخبط الروس وتستهجن تسرعهم غير المبرر في الدعوة لهذا اللقاء، وتعتبره بداية فشل تدخلهم في سوريا.

وبحسب تصريحات لخبراء أمنيين في واشنطن وتقرير صادر عن فريق من جهاز الاستخبارات الأميركية يعمل في المنطقة فإن روسيا فشلت في تحقيق مكاسب ميدانية ذات قيمة لمصلحة بشار الأسد، على الرغم من حملتها العسكرية المكثفة على مدى أكثر من شهر. وقال التقرير إنه “كلما طال زمن التدخل العسكري الروسي في سوريا زاد الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيجاد خيارات بديلة”.

إلى هنا والمسألة تبقى مجرد توقعات وتكهنات قد تكون مصيبة في تقدير الورطة الروسية في سوريا، وقد لا تكون.

ولكن الذي فضح إدراك النظام الإيراني لورطة (الرفيق الشمالي) في سوريا وخيانته لحلفائه هو القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري الذي هاجم الموقف الروسي بشأن مستقبل بشار الأسد، متهما روسيا التي وصفها بـ(الرفيق الشمالي)، بالبحث عن مصالحها في سوريا، حسب وكالة فارس القريبة من الحرس الثوري الإيراني.

وقال جعفري إن أغلبية الشعب السوري موالية لبشار الأسد، إلا أن “الرفيق الشمالي الذي جاء مؤخرا إلى سوريا للدعم العسكري يبحث عن مصالحه، وقد لا يهمه بقاء الأسد، كما نفعل نحن”.

وقال إن إيران لا ترى أيّ بديل للأسد، مؤكدا أن هذا الموقف هو موقف المرشد الأعلى والحرس الثوري، مؤكدا أن “(البعض) لا يفهم هذا، لذلك يتحدث عن بديل للأسد”.

وسؤالي المهم في ختام هذا المقال هو هل سيستمر فرسان المعسكر العراقي الإيراني برؤية الحليف فلاديمير بوتين بطلا وحليفا لا يخون حلفاءه ولا يقايضهم بمصالحه؟ وهل سيواصلون الترويج لأصناف الطعام الذي يتناوله والذي جعل منه بطلا لا يشق له غبار؟

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٥
ماذا يمنع روسيا من دور إيجابي في سورية؟

بعد أن لعبت موسكو دوراً رئيسيا في السنوات الأربع الماضية من عمر الثورة السورية، ثم الأزمة في منع التوصل إلى تسوية سياسية، دفعها وصول وضع نظام الأسد في سبتمبر/أيلول الماضي إلى شفا الانهيار إلى تدخل عسكري مفاجئ. وعلى الرغم من أن هذا التدخل لا يزال بعيداً عن أن يعطي لموسكو زمام المبادرة العسكرية من قوى المعارضة السورية، إلا أنه مكّنها، من دون شك، من أن تنتزع زمام المبادرة السياسية، وأن تفتح تحت قيادتها وإشرافها باب المفاوضات الدولية التي لم تعد تقتصر على التداول في مصير الأزمة السورية، وإنهاء الحرب، وإنما أصبحت تشمل، كما هو واضح، مصير سورية نفسها، ومستقبل شعبها.

أوراق القوة الروسية
وعلى الرغم من الاختلاف العميق الذي ظهر في وجهات النظر تجاه الثورة السورية والأحداث التي أعقبتها بين الغربيين عموماً، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وروسيا في السنوات الماضية، بل وروح العداء التي لم تكفّ موسكو عن التعبير عنها تجاه أي خطوة يخطوها الغرب في اتجاه دعم المعارضة السورية، استمر الغرب في موقفه المعتدل، ورفض الانجرار إلى أي مواجهة مع موسكو، وقبل، في النهاية، بألا يتجاوز خطوطها الحمراء. وهو يكاد يقبل، اليوم، من دون أي نقاش، بتفويضها في الإشراف على الملف السوري، ولعب الدور الأول في التوصل إلى تسوية سياسية. وكما راهن الغرب في هدفه احتواء الثورة السورية، وتعطيل حركتها في السنوات الأربع الماضية، على روسيا، فهو يراهن عليها في الخروج من الأزمة التي نجمت عن هذه السياسة، ومعالجة نتائجها الكارثية على المستويات السياسية والجيوسياسية والإنسانية، التي جعلت من إعادة لم شمل سورية وتوحيدها من التحديات الكبرى. وفي اعتقادي، لن يتردّد الغرب، والمجتمع الدولي عموماً، في دعم أي مبادرة روسية، تحظى ببعض النصيب من النجاح، بعد إخفاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتفاقم الأزمة الإنسانية وتحول النزاع إلى عملية تدمير متبادل بين الأطراف. وهذا ما تدل عليه إشارات التراجع التي تبديها عواصم غربية عديدة، بل وعربية، عن مواقف سابقة متشددة تجاه الأسد.
وفي المقابل، تكاد موسكو تجمع بين يديها بالفعل مفاتيح الحل، وتبدو في موقع القوة الدولية الوحيدة المؤهلة للعب دور أساسي في إنهاء الأزمة السورية، فهي الوحيدة التي تملك قوة عسكرية تمكّنها، بالتنسيق مع حلفائها الإيرانيين والعراقيين والسوريين، من التحكم والعمل على أرض الميدان، بحسب خطة متسقة ومتابعة قريبة. وهي الوحيدة التي تملك القدرة على التواصل مع جميع الأطراف السورية والإقليمية والدولية، ولديها علاقات متميزة مع الخصوم الإقليميين الرئيسيين، إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا، وكذلك مع أطراف المعارضة السورية المعتدلة وغير المعتدلة، وتطمح إلى إقامة علاقة مع الجيش الحر.
وهي الوحيدة التي تملك إمكانية التأثير على الموقف الإيراني من منطلق التحالف والصداقة،
"روسيا تستطيع أن تطمئن أكثر من طهران، العلويين الذين وضعتهم سياسة الأسد العدوانية في موقف انتحاري"
ومن دون أن تستفز عنجهية السلطة الخامنئية، وبالتالي، أن تطمئن إيران التي ترفض أي حل في سورية، لا يضمن وجود الأسد الذي يشكل الضامن الوحيد لمشروع توسعها على مصالحها في سورية ما بعد الأسد، وخصوصاً عدم حلول نظام معادٍ لها في سورية، بعد زوال النظام القائم.
وهي الوحيدة التي تستطيع أن تساهم في تخفيف التوترات الطائفية التي جعلت منها طهران استراتيجيتها الرئيسية، لتعبئة القوى المضادة للثورة السورية، وذلك بإعادة الصراع إلى مستواه السياسي والجيوسياسي، وعزله، ولو إلى حد، عن الصراعات المذهبية والطائفية السنية الشيعية. وهذا العزل أو التحييد مفتاح أساسي من مفاتيح الحل، بمقدار ما يخفف من الرهانات الوجودية والنزاعات حول الهوية المذهبية التي تهدد بتوسيع نطاق الحرب، لتشمل الإقليم كله، والتي لا حل سياسيا لها.
وهي، أخيراً، الدولة التي تستطيع أن تطمئن أكثر بكثير من حكومة طهران، ومليشياتها الشيعية المتعصبة، العلويين الذين وضعتهم سياسة الأسد العدوانية في موقف انتحاري، وتضمن مصالحهم في التسوية وتجرّهم إليها، سواء على مستوى النخب العسكرية والأمنية أو الجمهور الواسع الخائف على وجوده من انقلاب التوازنات السياسية.

روسيا الخصم والحكم
ما يحول دون روسيا واستخدام هذه الأوراق التي تملكها للدفع في اتجاه حل سياسي حتى الآن عوامل عديدة:
أولاً، تصور الروس طبيعة الوضع في سورية، ومعارضتهم العميقة فكرة الثورة نفسها، ونزوعهم إلى الربط بين الديمقراطية والهيمنة الغربية، وتمسكهم بالنظام القائم، مهما كانت جرائمه، بوصفه ممثلا للشرعية القانونية، وعداؤهم الشديد الحركات الجهادية الإسلامية التي يخشون تجدد عملها في روسيا نفسها، وربطهم بين ذلك ونشوء سلطة أكثرية سنية في سورية. وذلك كله يجعلهم يميلون إلى حل يثبت دعائم نظام الأسد، بدل تغييره، حتى لو قبلوا تغيير الأسد نفسه في وقت من الأوقات.
ثانياً، تحالفهم مع طهران الخامنئية والانتقامية معاً، فكما أن من الصعب على روسيا أن تواجه، من دون التهديد بكسر هذا التحالف، مشروع إيران الهادف إلى فرض ما يشبه الوصاية على سورية، في سبيل متابعة مشروعها لتغيير بنيتها السكانية والمذهبية، وترى في بقاء الأسد إلى الأبد الضمانة الوحيدة لتحقيق رهاناتها، فإنها، أعني موسكو، غير قادرة، مهما فعلت، على تسويق دور رئيسي لإيران في تقرير مصير سورية. ومعركة روسيا للتقدم على طريق تسوية مقبولة من الأطراف الأخرى، السورية أو الحليفة للمعارضة السورية، ينبغي أن تمر حتماً بمعركة روسية ضد خيارات طهران، وإلا ستجد روسيا نفسها ومساعيها في طريق مسدود.
ثالثاً، استمرار موسكو في النظر إلى المأساة السورية من زاوية صراع روسيا مع الغرب واستخدام حربها وسيلة لكسب هذا الصراع فحسب، من دون أي اعتبار يُذكر لمصير الشعب السوري ومعاناته. وإذا استمرت موسكو في تجاهل تطلعات السوريين، ولم تفكر إلا في استغلال المأساة السورية، من أجل تسجيل نقاط انتصار على الغرب، أو تكريس فوز محور موسكو طهران الأسد على محور العرب والغرب، لن ترى في المعارضة السورية وتطلعات الشعب السوري إلا عدواً لها. ولن يكون هناك أي أمل في التقدم نحو رؤية متوازنة للحل، وسوف تخسر الأوراق الكثيرة التي تملكها بالفعل، للعب دور كبير في التسوية السورية والشرق أوسطية.
رابعاً، استقالة الغرب الذي لم يعد يشعر أن له أي مصلحة في الاستمرار في دعم تطلعات
"تعمل روسيا للتوصل إلى حل يثبت دعائم نظام الأسد، بدل تغييره، حتى لو قبلوا تغيير الأسد نفسه في وقت من الأوقات"
الشعب السوري، أو أن ثمن هذا الدعم، مع تطور التطرف والإرهاب، أصبح أغلى مما يستطيع تقديمه، واستعداده للتراجع أمام اقتراحات موسكو والتفاوض معها. والواقع أن هذه الاستقالة التاريخية هي التي أدت إلى وصول الوضع إلى ما وصل إليه، لأن الغرب أظهر أنه مستعد لتقديم شيء من الدعم لشعب قرّر التحرر والتخلص من الاستعمار الداخلي والانتحار البطيء، لكنه لم يكن في وارد الدخول في نزاع مع إسرائيل أو إيران أو نظام الأسد من أجل حرية السوريين، وهم لم يكونوا يوماً من أتباعه أو مناصريه.

الرد على التحدّي الروسي
من هنا، التحدي الأكبر الذي يواجه المعارضة السورية، والسوريين عموماً، سواء في ما يتعلق بالرد على التقاعس الغربي والعدوان الروسي. ولا أعني بالتحدي منع حصول تسوية على حساب السوريين، وفي اتجاه إعادة ترميم سلطة نظام الأسد بوجوده، أو من دونه، وإنما الاستفادة من فرصة وضع الحرب السورية على طاولة المفاوضات الدولية، من أجل الدفع في اتجاه تحقيق تسوية متوازنة، ترضي على الأقل جزءا من تطلعات السوريين، وتبقي على إمكانية التقدم نحو آفاق جديدة. وهذا ما يستحق اليوم التفكير، بعد الانتهاء من بيانات الشجب والإدانة والرد. وفي نظري، يستدعي الدفاع عن حل وطني وديمقراطي، يجنب سورية الحرب الطويلة، وفي الوقت نفسه، يدفع الروس إلى تغيير مواقفهم المناهضة لأهداف المعارضة، وتشجيعهم على استخدام المفاتيح القوية التي في أيديهم لفتح باب الحلول السياسية، بدل استخدامها لدعم النظام وإرضاء حلفائهم السياسيين والأيديولوجيين، واستمالة من يسمونهم الأقليات الذين يريدون استتباعهم بتمييزهم وفصلهم عن بقية شعبهم، وعلى حسابه، على حساب الحفاظ على وحدته والمساواة بين أبنائه. وبالتالي، على أساس العدالة وحكم القانون واحترام الكرامة الإنسانية، أقول يستدعي ذلك كله من المعارضة السورية الخروج من صراعاتها وأزمتها، وتحقيق أهداف ضرورية وعاجلة، من أهمها:
أولاً، المساعدة على إبراز قيادة وطنية سورية، تضم تحت جناحها جميع الفصائل المسلحة وغير المسلحة، وتمثلها وتتكلم باسمها، ومن ورائها باسم الشعب السوري، لا جماعاته المذهبية، أو القومية أو الدينية.
ثانياً، إشراك هذه القيادة طرفاً رئيساً في كل المشاورات والنقاشات والمحادثات المتعلقة بإطلاق مفاوضات التسوية، واعتبارها طرفاً أساسياً في أي مفاوضات جدية، على الأقل كما يحصل مع ممثلي النظام الذي هو الطرف المسبب للحرب، والذي خرج مهزوماً فيها.
ثالثاً، العمل على ضمان وقوف الدول العربية بقوة وراء المعارضة، وعدم التسليم لنيات موسكو، أو الثقة بها، والاستمرار في الضغط على القيادة الروسية، وتعبئة الحلفاء والأصدقاء، وبالتعاون مع المجتمع الدولي، للدفع في اتجاه تسوية عادلة، تنهي، فعلاً، أسباب النزاع، ولا تكون منطلقاً لإعادة إطلاق حروب جديدة، عامة أو محلية. وهذا يتطلب تحذير الروس من أي تصور للحل، يستهين بحقوق الأطراف، خصوصاً الشعب الذي ثار على النظام، ويستسهل تقسيم البلاد، أو توزيع المصالح بما يتفق والتحالفات الروسية التقليدية الإقليمية والدولية.
رابعاً، إدخال جمهور العرب والسوريين في المواجهة، والعمل على تنظيم التظاهرات الشعبية
"أي حل لا يخرج بانتقال سياسي حقيقي، ينهي عهد الديكتاتورية الدموية، ويقطع مع منطق التمييز الطائفي والأقوامي،  سيكون مصيره الفشل"
من جميع الأنواع، من احتجاجات ومسيرات ومهرجانات، لتأييد حقوق الشعب السوري وإعلان التضامن مع القضية السورية، وشجب مواقف الدول التي تسعى إلى إعادة شرعنة نظام القتل والعنف والاحتلال، وتجنيب المسؤولين عن الجرائم ضد الشعب السوري العقاب.
وفي الأخير، ينبغي أن نعرف جميعا، مؤيدين وموالين، متحمسين لمساعي روسيا أو معادين لها، أن أي حل لا يخرج بانتقال سياسي حقيقي، ينهي عهد الديكتاتورية الدموية، ويقطع مع منطق التمييز الطائفي والأقوامي، ويضع حداً نهائيا للعسف، ويعزّز حكم القانون، ويسمح للشعب السوري أن يعبر بحرية عن إرادته، ويشعر بكرامته، سيكون مصيره الفشل، لتعود الحرب أشد عنفا ووحشية مما كانت عليه من قبل.
وعلى روسيا التي تلعب، اليوم، دور الخصم والحكم في الوقت نفسه، وتريد أن تنهي الحرب السورية لصالحها وصالح حلفائها بأي ثمن، أن تدرك أيضا أنها أمام فرصة تاريخية، لتعريف دورها وقيادتها على الساحة الدولية، وفي مستقبل النظام الدولي: هل تكون قوة سياسية كبرى صانعة للسلام، وفاعلاً جيواستراتيجياً قادراً على لعب دور إيجابي، وإعادة التوازن إلى النظام الدولي، أو تكون قوة عسكرية همجية، قادرة على شن الحرب والانتقام لنفسها والاعتراض، لكنها عاجزة عن مواكبة مسيرة الشعوب وقيم العصر. وروسيا وحدها التي تستطيع أن تختار بين أن يكون تدخلها في سورية الصاعق الذي يفجر آخر ما تبقى من النظام الإقليمي الهش، ومن ورائه النظام العالمي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفاتحة لحقبة من الحروب الغروزنية ومن البربرية العدمية، أو أن ترتقي، بدورها، إلى مستوى الحكم والوسيط العاقل، إنْ لم يكن العادل، وأن تعمل من أجل تسويةٍ متوازنة، لا تقصي أحداً، لكنها تحترم الحقوق الأساسية للشعوب، وفي مقدمها المساواة بين الجميع، بصرف النظر عن الانتماء الديني والإثني. وفي هذه الحالة، ستخرج روسيا منتصرة سياسياً، وستفرض نفسها قوة دولية إيجابية، لا تستمد شرعية دورها الدولي من معارضتها سياسات الغرب، وإنما من مساهمتها في حل النزاعات الدولية وعملها الفعال على حفظ السلام الإقليمي والعالمي.

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٥
ماذا وراء فيينا؟

ثمة سر وراء ذهاب الدول إلى فيينا، يرتبط باستحالة بدء عملية السلام في سورية، انطلاقا من تشكيل "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، كاملة الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بتراضي الطرفين، كما تقول وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي حدد آلية تنفيذها.
المشكلة أن الروس تخلوا عن جنيف، والنظام يرفض رفضا مطلقاً هدفه، نقل سورية إلى الديمقراطية الذي سينجز بتعاون أطراف منه مع المعارضة لتشكيل "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، التي ستنجز الحل، وأنه تمسك ببشار الأسد، أو أجبر على التمسك به بمعونة روسية / إيرانية، حتى بعد الهزائم التي نزلت بجيشه، وزلزلت نظامه، وأوشكت أن تسقطه، علما أن رحيله يعتبر شرطاً لا بد منه للتراضي بين أهل الثورة وأهل النظام أولاً، ولقيام "الهيئة الحاكمة" ثانياً، وللانتقال الديمقراطي الموعود في نهاية الأمر. لم يحدُث التراضي المطلوب، وبقي بشار مؤيداً من أجهزته، فلم تؤسس "الهيئة" التي يعتبر تشكيلها بداية الحل الذي بدا، وما زال يبدو، مستحيلاً.
لا مبالغة في القول إن كل ما يفعله الأميركان يندرج في إطار الالتفاف على هذه الاستحالة، وكل ما يفعله الروس والإيرانيون يقتصر على تثبيتها وترسيخها. لم تتخلَّ عصابات الجيش والأمن الأسدية عن بشار، فلعب الأميركيون، وبعض الأوروبيين، بفكرة إبقائه رئيساً خلال مرحلة انتقالية، تتراوح بين ستة أشهر وعام ونصف العام، تشكل خلالها "الهيئة" في صورة "حكومة وحدة وطنية" (مقترح روسي) تكون بقيادته وليس ضده، كما يقول قرار تفسيري صدر عن مجلس الأمن، يقول إن صلاحيات الهيئة التنفيذية تعني صلاحيات رئيسي الجمهورية والوزراء اللذين ستنتفي الحاجة لهما حتى خلال مرحلة الانتقال. وبدورها، تمثل لجان دي ميستورا محاولة أخرى للالتفاف على معضلة "الهيئة الحاكمة" التي أدرجها في بند خاص من البنود التي ستتحاور اللجنة القانونية والسياسية حولها، وتخلى بذلك عن تشكيلها باعتبارها بداية الحل. وقد رفض "الائتلاف" مقترحه لهذا السبب، وطالبه بفصل "الهيئة" عن سواها من بنود "الحوار"، وتكريس لجنة خاصة لها، ما دامت مهام بقية اللجان ستحل بقرارات ستصدر عنها، لا تحتاج إلى تفاوض أو حوار.
هذا الالتفاف محكوم بالبحث عن أداة غير "الهيئة"، تكون مدخلا إلى جنيف معدل هنا وهناك، انتهى، أخيراً، إلى مقترح لا ينتمي نهائياً إلى وثيقته، يتحدث عن "جسم حكم وحوكمة"، خالطاً بين الاثنين، ومتجاهلا الفارق بين الحوكمة أسلوباً في الإدارة و"الهيئة الحاكمة"، أو الجسم الحاكم، كياناً سياسياً/ مؤسسياً، وظيفته نقل سورية إلى الديمقراطية، وليس الحوكمة التي أرجح أن أحداً لن يمارسها قبل الانتقال، لافتقار سورية الحالية إلى جميع متطلبات ممارستها من بيروقراطية رشيدة إلى قضاء مستقل وصحافة حرة إلى رقابة برلمانية لمؤسسات الدولة. في المقابل، يتمسك الروس بتصورهم للحل، الخارج بنسبة ألف بالمائة عن جنيف، والذي يقتصر على تشكيل بشار الأسد، بصفته رئيس سورية المنتخب، وبالتالي الشرعي، حكومة وحدة وطنية، وبضم "جيش الدفاع الوطني" إلى جيش السلطة، قبل ضم الجيش الحر إليهما، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية برقابة دولية. يحق طبعاً لبشار ترشيح نفسه فيها، بعد انتهاء ولايته الحالية، أي بعد خمسة أعوام، كما يقال مرة، أو بعد تشكيله الحكومة وهيكلته الجيش، كما يقال مرة أخرى. ينبني المشروع الروسي بكامله على التمسك باستمرار النظام وبشار، بينما مشروع جنيف الذي وافقت روسيا عليه نهاية يونيو/حزيران 2012، قائم من ألفه إلى يائه، على فكرة الانتقال الديمقراطي، وبالتالي، على رحيل بشار وتغيير النظام.
في هذه الأثناء، يقوم الروس بجهد عسكري كبير جداً، هدفه شطب الجيش الحر و"الائتلاف" من معادلات الحل، تحقيقاً لهدف بشار القديم: الوصول إلى وضع يكون بديله فيه "داعش" و"النصرة" ولا أحد سواهما، يخير العالم بينه وبينهما، فيختاره هو. هذا ما يعمل عليه الروس، فإن سمح "أصدقاء الشعب السوري" لهم بإنجاحه عسكرياً، تعاظمت فرص حلهم السياسي، الذي سيتم عندئذ بين النظام و"معارضتهم" التي يعملون، منذ ستة أشهر، لفبركتها.

اقرأ المزيد
٨ نوفمبر ٢٠١٥
وجهان لعملة واحدة... التطرف والاستبداد

تتوالى التصريحات الروسية بخصوص القوى المسلحة المعتدلة، والمعتدلة نسبياً، على الساحة السورية. ويظهر التخبط المنظّم الذي بدأ قبل التدخل الروسي العسكري المباشر في سبتمبر/أيلول الماضي. فمن جهة، كرّر الدبلوماسيون الروس، على أسماع القوى الغربية التي حاوروها، إنه لا توجد فصائل معارضة معتدلة في سورية. ووصل بهم حد الاستهزاء بهذه النظرية إلى أن يطلب وزير الخارجية، سيرغي لافروف، رقم هاتفٍ يوصله بهذه الفصائل، إن كان صحيحاً الادعاء بوجودها وبإمكانية الاعتماد عليها في المحافظة على مؤسسات الدولة، في حالة الانتقال السياسي التدريجي الذي يستند إلى مبادئ جنيف، والذي يستلزم نقل السلطات من قيادة سياسية وأمنية وعسكرية، بدأت الحرب ضد المدنيين، واستمرت في تسعير التطرف والقتال المسلح، من خلال إدارة أمنية لحركة احتجاجات سياسية.
من جهة أخرى، يُحاول الروس، اليوم، وبعد أكثر من شهر على بدء عملياتهم التدميرية وغاراتهم العنقودية، وغيرها من أشكال التخريب الشامل، على أهدافٍ يدّعون أنها تتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية، وتؤكد الجهات المحايدة والوقائع أنها تستهدف، أولاً وأساساً، الفصائل المعتدلة والمعتدلة نسبياً، يحاولون التواصل مع من يعتبرونهم غير موجودين. وتتوالى التصريحات الدقيقة وغير الدقيقة، عن نيات روسية بالاجتماع مع ممثلين عن هذه الفصائل في أبوظبي، أو في القاهرة، حتى إن الميلودراما الروسية، التي ساعدتها خيالات سورية متقدمة في اختراع الأساطير، فتحدثت عن دعوة عبر "سكايب" للحوار مع ممثلي فصائل المعارضة.
إن صحّت هذه النيّة أم لم تتأكد، يبدو أنه من المهم التوقف عند دلالاتها، فمجرد الحديث عنها يُعتبر مؤشّراً واضحاً على وصول الروس، مبكراً نسبياً، إلى قناعة عسكرية وسياسية بضرورة الخروج من منطق "غروزني هي الحل"، كما سبق أن أكد عليه أكثر من مستشار ومسؤول عالي المستوى من محيط الكرملين. فالسيناريو الشيشاني الذي يتطلب تدميراً شاملاً، وفرض الحل بالقوة، يبدو أنه غير قابل للتحقّق في سورية، على الرغم من قناعة أولية بإمكانية تحققه.
في المقابل، في السيناريو الشيشاني تفاصيل غابت، بعض الشيء، عن الملاحظين، وهي تتعلّق
"الادعاء الروسي المتكرر بالسعي إلى تعزيز العلمانية التي لم توجد أصلاً في سورية، يصبح نوعاً من العبث"
أيضاً، بالإضافة إلى الحل العسكري الشامل، بحل سياسي جزئي، فقد جرت مفاوضات مكوكية بين المخابرات الروسية وفصائل متشددة في غروزني ومحيطها، للوقوف مع المحتل الروسي في مقابل تقديمات عينية ومالية مناسبة، وقد نجحت تلك الخطة بتشتيت القوى المسلحة التي كانت تواجه القوات الروسية. وبالتالي، حصلت هذه الفصائل، وخصوصاً المتشدد منها، على حصة في الغنيمة الجديدة، وشاركت في أجهزة الحكم المحلية التي نصّبتها موسكو، إضافة إلى مساهمتها الفاعلة وذات الخبرة المديدة في أجهزة النهب والسلب الاقتصادية المعزّزة بشبكة مافيا ترعاها العيون الساهرة للحكم المركزي في موسكو، فالتوجه الدائم لقوى الاحتلال، مهما تنوعت، ومها اختلفت مسمياتها، هو القضاء على القوى المعتدلة، والتي يمكن أن تشكّل خطراً سياسياً واقعياً في نظرتها للأمور وتحليلاتها الواعية للمصلحة الوطنية. في المقابل، يسعى الغازي، تحت أي مسمى، إلى التواصل، بل والتحالف مع من هم الأكثر تشدداً وتطرّفاً، لأنه يعرف الأرضية التي قامت عليها أسسهم. وهو يعرف، بالتالي، أنه من خلالها سيتمكن من إحكام السيطرة على المجتمع، تحت مسميات عدة. حليف المحتل المحلي أو الخارجي هو المتطرف دينياً، مهما ادعى الطرفان عكس ذلك. مصالحهما تتقاطع، بعد فراق لا يطول.
يبدأ تعزيز التطرف من الصغر كالنقش في الحجر، فمن مؤسسات تربوية وتعليمية فاشلة إلى حركة فكرية محبطة في أحسن الحالات، أو هي مقموعة في مجمل الحالات، إلى الرغبة الواضحة والشديدة بتعزيز دور رجال الدين الرسميين المُراقبين والموجّهين لغسل أدمغة الشباب، ودفعهم إلى الاهتمام المحدود في مجال العبادات والممارسات الدينية اليومية والرمزية، بعيداً عن تطوير الفكر النقدي الذي يكاد يُهدد كل مستبد. ولا يبدو أن مواجهة هذا التطرف تزعج كثيراً الروس في الشيشان اليوم.
وتتحدث الأخبار عن مدرسة دينية شيشانية، برعاية دمية الروس، رمضان قاديروف، والي موسكو المعين على هذه الجمهورية الصغيرة وذات البأس الكبير، وتتفاخر موسكو بوجود مثل هذه المدرسة، وتعتبرها وسيلتها الدينية للانتشار وللتوسع في البلاد المسلمة. هذه المدرسة، إنْ صحّ اعتبارها كذلك، أداة جديدة ترعاها الإمبريالية الروسية الصاعدة في إطار سعيها إلى استخدام كل الطرائق لتعزيز هيمنتها المحلية، وفي الإطارات الحيوية لسياساتها، وسورية منها.
الادعاء الروسي المتكرر بالسعي إلى تعزيز العلمانية التي لم توجد أصلاً في سورية، يصبح نوعاً من العبث. ومسرح العبث الروسي الذي يُقدّم بإخراج ضعيف، وبتمثيل رديء، يحلو لبعضهم، ويمكن له أن يجذب بعض المشاهدين، وحتى الممثلين الغربيين.
يبقى، إذن، المعتدلون وحيدين على الساحة، وأمامهم أعداء متعددو المشارب والتوجهات. ينفي الروس وجودهم، والغربيون لم يبرحوا يتساءلون، منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية، عن عنوانهم الذي ساهم تشتت المعارضة السورية في إضاعته. وهم في النهاية إن استطاعوا تجاوز كل هذه المحن السياسية والعسكرية، يقعون فريسة المتطرفين، استقطاباً أو محاربة.

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٥
سياسة أوباما.. حالة أميركية دائمة؟

من يزور واشنطن دي. سي هذه الأيّام يجد نفسه مجبرا على طرح سؤال يفرض نفسه بقوّة. هل سياسة أميركا الجديدة في الشرق الأوسط مرتبطة بباراك أوباما وعهده، أم أن هذه السياسة القائمة على التفرج من بعد على ما يدور في المنطقة صارت سياسة دائمة، بل حالة أميركية دائمة؟

لا يقتصر التغيير الجذري في السياسة الأميركية على كيفية التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط. هناك عمليا تغيير شمل أيضا طريقة اتخاذ القرار في الدوائر العليا. لذلك يبدو إرسال عدد من الجنود الأميركيين من القوات الخاصة إلى سوريا، أقرب إلى نكتة من أي شيء آخر، وذلك في وقت هناك وجود إيراني كبير مباشر وغير مباشر على الأرض السورية، وهناك قوات روسية تقاتل بكلّ الوسائل من أجل إنقاذ نظام بشّار الأسد الذي لا مجال لإنقاذه.

انعكس الانقلاب الذي شهدته واشنطن دي. سي على الأمم المتحدة التي باتت عاجزة أكثر من أي وقت عن اتخاذ أي قرار ملزم في شأن أي أزمة من الأزمات العالمية، خصوصا في الشرق الأوسط. لم يعد من قرار آخر خارج الدوائر العليا في العاصمة الأميركية.

ربّما بات من الخطأ استخدام عبارة الدوائر العليا في واشنطن. لم تعد هناك في الواقع سوى دائرة عليا واحدة هي الدائرة الصغيرة المحيطة مباشرة بباراك أوباما. وزير الخارجية جون كيري لم يعد سوى رجل مهمّش يتظاهر بالقدرة على التعاطي مع أزمات العالم، فيما هو في الواقع يتفرّج عليها بصفة مراقب لا أكثر.

هذه الدائرة الصغيرة في البيت الأبيض، التي لا تعرف الكثير عن الشرق الأوسط، جعلت الأولويات الأميركية مختلفة تماما، خصوصا بعدما استطاعت الولايات المتحدة التقليل من اعتمادها على نفط الخليج. هناك اتجاه أميركي إلى التركيز على منطقة المحيط الهادئ وعلى علاقات من نوع جديد مع أوروبا التي أصبحت واشنطن تتعاطى معها من منطلق أنها القارة العجوز التي عليها أن تتدبّر أمورها بنفسها، بما في ذلك المشكلة الناجمة عن تدفّق اللاجئين السوريين بالآلاف على دولها.

على سبيل المثال وليس الحصر، يعتبر بلد مثل اليمن في غاية الأهمّية بالنسبة إلى الأمن الخليجي. اليمن ليس على لائحة الأولويات الأميركية في أي شكل. هناك سعي عربي لمنع سقوط اليمن وتحوّله إلى مستعمرة إيرانية. في المقابل، ليس ما يشير إلى أنّ الإدارة الأميركية تعي هذا الواقع. هناك بالكاد، في واشنطن، حديث خافت عن اليمن وعن ضرورة عدم تحوّله إلى بؤرة للإرهاب مستقبلا. ليس هناك وعي أميركي من أي نوع، أقلّه في دائرة القرار، لمعنى انهيار السلطة المركزية في صنعاء ولإفلات الجنوب من أي ضوابط ومن قدرة “القاعدة” و”داعش” على ملء الفراغ الناجم عن ذلك. الأخطر من ذلك كلّه، أن لا وجود في واشنطن لأيّ تقدير لخطورة الظاهرة الحوثية ومدى ارتباطها العميق بإيران وميليشياتها المذهبية في المنطقة. فوق ذلك، لا اهتمام يذكر في الدوائر الأميركية بظاهرة الميليشيات المذهبية التي ترعاها إيران، من لبنان إلى سوريا، إلى العراق، إلى اليمن، والتي تعتبر مكملة لداعش والقاعدة، خصوصا أنّ كل ما تفعله هذه الميليشيات هو إيجاد حاضنة شعبية ينمو فيها الإرهاب والتطرّف السنّيين، خصوصا في سوريا والعراق واليمن.

لعلّ أكثر ما يلفت النظر في واشنطن وجود مراكز أبحاث تضمّ عددا كبيرا من المختصين والخبراء الذين يعرفون الكثير عن المنطقة. هناك شبه إجماع لدى هؤلاء على أنّ لا تأثير يذكر لمراكز الأبحاث وحتّى لوزارة الخارجية على الدائرة الضيقة التي يتّخذ فيها القرار. السفير الأميركي المهمّ هو ذلك الذي لديه علاقة مباشرة بالبيت الأبيض. في ما عدا ذلك، لا قيمة لسفراء الدولة العظمى الذين باتوا مجرّد موظّفين في إدارة كبيرة تتحكّم بها الإجراءات البيروقراطية.

نعم، هناك أميركا جديدة. أميركا باراك أوباما التي لا يمكن الرهان عليها في سوريا أو العراق أو اليمن… أو لبنان. أميركا هذه معجبة بإيران، وبحيوية المجتمع الإيراني الذي تحرّك في العام 2009، لكنّه لم يجد دعما أميركيا له.

لا تطرح هذه الإدارة سؤالا في غاية البساطة. هذا السؤال مرتبط بما ستفعله إيران في حال رفع العقوبات الدولية عنها والإفراج عن مليارات من الدولارات العائدة لها في ضوء توقيعها الاتفاق في شأن ملفّها النووي؟ أين ستوظف هذه المليارات؟ هل توظفها في دعم الميليشيات المذهبية التي تعمل على تدمير المجتمعات والبنى التحتية في لبنان وسوريا والعراق واليمن بعدما سعت قبل فترة قصيرة، لكنّها فشلت، في تحويل البحرين إلى محافظة إيرانية؟

مثل هذا النوع من الأسئلة لم يعد مطروحا في واشنطن. لذلك، لم يعد أمام معظم العرب سوى تحمّل مسؤولياتهم. فعلوا ذلك في مصر حيث ساعدوا الشعب المصري في التخلّص من نظام الإخوان المسلمين. وفعلوا ذلك في اليمن حيث لم يكن من مجال سوى للتصدّي لـ”أنصار الله” الذين ذهبوا إلى طهران لتوقيع اتفاقات عسكرية واقتصادية من منطلق أن الحوثيين قاموا بثورة وسيطروا على البلد كلّه وباتوا يمثّلون “الشرعية الثورية”. من يتذكّر الخطاب المشهور لعبدالملك الحوثي الذي تحدّث فيه “ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر” وذلك في اليوم الذي سيطر فيه الحوثيون على صنعاء بالكامل؟ كان ذلك في العام 2014، أي في تاريخ لم يمرّ بعد عليه الزمن!

تغيّرت أميركا. انعكس ذلك على الأمم المتحدة التي تبدو، حاليا، عاجزة عن الإقدام على أي خطوة في أي اتجاه كان. لعلّ الدليل الأوضح على ذلك تحوّل المنظمة الدولية إلى شاهد زور على المأساة السورية. لم يشهد العالم مأساة من هذا المستوى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. قامت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بغية تفادي تكرار المآسي التي رافقت تلك الحرب. للمرّة الأولى هناك تهجير لما يزيد على عشرة ملايين شخص، فيما الأمم المتحدة لا تحرّك ساكنا. هل من مأساة أكبر من هذه المأساة؟ هل من عجز أكبر من هذا العجز؟

إلى أيّ حدّ سيذهب باراك أوباما في تغيير أميركا؟ الثابت أنّه غيرّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة على نحو جذري. نفّذ انقلابا بكلّ معنى الكلمة. السؤال الآن هل يستمر الانقلاب وتصمد مفاعيله وتترسّخ، أم تنتهي هذه المفاعيل مع نهاية ولاية أوّل رئيس أسود للدولة العظمى الوحيدة في العالم؟

الجواب صعب ومعقّد. كلّ ما يستطيع قوله المتابعون للشأن الأميركي إن أي رئيس مقبل لا يمكن أن يكون على صورة أوباما الذي يتبيّن كلّ يوم أن لديه أيديولوجية قريبة جدا من الأيديولوجية اليسارية، عرف كيف يخفيها خلال ولايته الأولى، لكنّها ظهرت جليّة في ولايته الثانية.

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٥
الهرولة إلى الثقب السوري

انتهى زمن البروتوكولات السياسية والتصاريح المنمّقة في العالم، بما يتعلق بالملف السوري. الزمن الآن هو زمن السياسة المقترنة بالحراك العسكري. لم يعد كافياً الاكتفاء بالوجود الإقليمي في سورية، من إيراني وعراقي ولبناني وغيره. لم يعد وجود مقاتلين من جنسيات مختلفة في العالم، مرتزقةً كانوا أم مدفوعين بروحية أيديولوجية، قادراً على صياغة واقع جيوبوليتيكي جديد، في الداخل السوري. تحوّلت الأمور إلى "هرولة" أممية سريعة. سباقٍ حتى. قَدَمَ الروس، ليُسيطروا على السماء السورية والبحر السوري وأجزاءٍ من البرّ السوري. لم ينسوا التفاهم مع الإسرائيلي في هذا الصدد، ولم يفوّتوا التدريب المشترك مع الأميركيين حتى.
الأميركيون يقرعون أبواب سورية، بـ50 مستشاراً، في استعادة لمشهد جنود المارينز، العائدين إلى العراق، في يوليو/تموز 2014، بعد توسّع مناطق نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). عديد "المستشارين" سيزداد مستقبلاً "لأسبابٍ متعلقة بالحاجات الأمنية الأميركية"، هكذا ستُعلن بيانات الإدارة الأميركية والبنتاغون لاحقاً، أو شيء من هذا القبيل.
لم يشأ الفرنسيون البقاء بعيداً. يُعيدون رمز الاستقلال عن ألمانيا النازية في 1944، شارل ديغول إلى بلاد الشام، بحاملة طائرات هذه المرّة، لا بشخصه. كولونيالية تذكرت جذورها، بفعل تمدّد كولونيالية أخرى. الأتراك مستنفرون. أساساً عادوا إلى "العمل" مطلع الصيف الماضي، بفعل عودة "العمال" الكردستاني إلى ساحة القتال.
بدأ الجميع ينساق إلى الثقب السوري، والثقب سيبتلع الجميع. قوانين الطبيعة واضحة في هذا المجال. كل من يستولد ثقباً سيغرق هو، وغيره فيه. دول الجوار قريبون بما فيه الكفاية للغرق، واحداً تلو الآخر. ليست أوروبا بعيدة بعد وصول جحافل اللاجئين إليها، وتحوّل منطقة البلقان، بفعل تداعيات الهجرة، إلى بركان خامد، ينتظر أن يرمي حممه في الجوار الأوروبي. للبلقان حكايات دموية تاريخياً.
مسببات كثيرة جعلت من "الثقب" أمراً واقعاً، تراوحت بين تراخي المجتمع الدولي في التعامل والتفاعل مع سورية من جهة، وتغييب محاولات فرض حالة تغييرية تلائم إرادة الشعب السوري، مع تجنّب السيناريوهات العراقية والليبية، في الوقت عينه، من جهة أخرى. بدا وكأن ترك الأمور على غاربها كفيل بمعالجة الأمور "بهدوء"، بعيداً عن السواحل الأوروبية والشواطئ الأميركية. ربما يُترجم هذا الفكر مدى النقص في فهم الجغرافيا السياسية، لدى مهرولين أمميين كثيرين في الوقت الحالي. نقص فهم الجغرافيا السياسية، جعل أكثرية هؤلاء يتجاهلون الإرادة الشعبية، التي حرّكت كل شيء قبل أكثر من أربعة أعوام، قبل بدء محاولات سلبها كل شيء.
وبعد هذا، يتجاهل العالم حقائق متعلقة بحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، فقط لأن مصلحته تطغى على أي محاولة للمحاسبة، لو كان فعلاً ينوي المحاسبة. حسناً، رمى بعض هؤلاء قنابل نووية، في أوقات سابقة من التاريخ، وتفاخر آخرون ببناء "قيصريته" خلف ستارٍ حديدي، على شلال من الدماء. بالتالي، لن يكون صعباً فهم كيف يفكرون.
حالياً، لا تعبر سورية والشرق الأوسط من حال عسكرية إلى أخرى سياسية. الأفق العسكري لا يزال يتّسع، ولا مؤشرات على نهايته، ولو وصلنا إلى "فيينا مليون". لا أحد يرغب في أداء دور "شرطي السلام". الجميع يفكر بالحصص المُمكن كسبها في سورية، وفي الحيّز الاقتصادي لاحقاً. ووفقاً لهذا، يعمد المهرولون إلى سورية إلى محاولة التصرّف بشكل سريع ميدانياً قبل إتمام المحاصصة. لا اتفاقية وستفاليا جديدة قريباً، بل "سايكس بيكو" متجدد بصورة أكثر دموية، وبعدد لاعبين أكثر، وبغياب أي وعدٍ "بلفوري" جديد.
هنا، وحده الشعب السوري في هذا الثقب يدفع الثمن. يموت في صراع القوى، من دون أن يدري أنه يموت، لأن كثيرين من "كبار" هذا العالم لم يروا فيه سوى أرقام فحسب، لا مجموعة بشر يستحقون الحياة.

اقرأ المزيد
٧ نوفمبر ٢٠١٥
حكومة جلالة الملكة والفاجعة السورية

نشرت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية، قبل أيام، تقريراً حسّاساً أثار لغطاً سياسياً كثيراً في المملكة المتحدة، بعنوان "أساقفة الكنيسة الإنجليزية في توبيخ لاذع لرئيس الوزراء البريطاني حول أزمة اللاجئين السوريين"، شرحت فيه الصحيفة ازدراء ديفيد كاميرون الرسالة التي أرسلها 84 من أساقفة الكنيسة الإنجليزية، في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، يعرضون فيها مواجهة أزمة اللاجئين السوريين بتحريك إمكانات الكنيسة الإنجليزية على مستوى "الكنائس، والأديرة، وكل الكوادر البشرية فيها"، لأجل تحريك "الأمة البريطانية" لتأمين "المسكن، والمأكل، والعناية، والدعم" لما لا يقل عن 50,000 لاجئ سوري، خصوصاً الأطفال منهم الذين تشكل معاناتهم "أزمة أخلاقية" خانقة لضمير المجتمع المدني في بريطانيا، كما عبر عن ذلك أسقف مدينة درهام البريطانية، بول بتلر، أحد الموقعين على الرسالة، والتي أفصح كاميرون عن ازدرائه مطالبات أساقفة الكنيسة البريطانية فيها بتجاهل الرسالة أصلاً، وعدم تقديم أي رد فعلي يتناسب مع الوزن النوعي الرفيع للموقعين عليها في المجتمع المدني البريطاني.
وتقوم خطة رئيس الوزراء البريطاني، الفعلية والمعلنة، للتعامل مع الفاجعة السورية على مثلث من النقاط، أولها بتصوير أن حلّ الأزمة السورية يبدأ حتماً بقصف مسلحي تنظيم داعش في سورية جواً، وتجاهل أن السبب الجوهري للمأساة السورية المتمثل بنظام الدولة الأمنية السورية، وممارسات الإبادة الجماعية، والأرض المحروقة التي مثلّت الحالة اليومية لسلوكه، منذ نهاية العام 2011. وثانيها بالعمل تدريجياً على تجريع الشعب البريطاني، والحكومات الأوروبية الشريكة للمملكة المتحدة في الاتحاد الأوربي، بضرورة القبول بحل سياسي مجتزأ للأزمة السورية، يتضمن إقامة حكومة مؤقتة، يرأسها بشار الأسد ستة أشهر، أو لأمد غير محدود، كما أدلى بذلك وزير الخارجية البريطاني، في لفلفة للأزمة السورية، وكأنّ شيئاً لم يكن، ولم يفعل الحدّاد ما فعله بالشعب السوري، ولسنوات أربع من الموت المقيم. وثالث تلك النقاط يتمثل في تسكين أزمة ضمير الشعب والمجتمع البريطاني بالرياء الذي لا ينقطع لرئيس الوزراء البريطاني بالمساعدات المالية التي قدّمها لمساعدة اللاجئين السوريين، ولا تتماشى، في مجملها، مع هول الفاجعة السورية، والوزن السياسي والاقتصادي الكوني للمملكة المتحدة، إذ أنها عاجزة عن أي حلّ جزئي لمأساة أي من السوريين، لكونها لا تقترب من جوهر المأساة، المتمثل في النظام الفاشي الذي انتفض الشعب لتغييره في مارس/ آذار 2011، وتم تحويل انتفاضته إلى حرب بالوكالة لكلّ اللاعبين الدوليين والإقليميين، وقودها وضحاياها من أولياء الدم السوري، في الغالبية الساحقة من تفاصيل جلجلة الشعب السوري.
أما خطة رئيس الوزراء البريطاني بقبول عشرين ألف لاجئ سوري في خمس سنوات، فيبدو
"يريد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، تهشيم تنظيم داعش عسكرياً الآن، بدل المساهمة في استئصال الأسباب الطبيعية التي أفرزته، بالمساعدة الحقيقية في تحقيق طموح كل عربي مقهور بالحرية، والعدالة"
أنها كانت دعائية موجهة لامتصاص غضب الشعب والمجتمع المدني البريطاني، عقب انتشار صورة الطفل السوري الغريق على الشواطئ التركية، والتي لخّص تقدمها بنفسه رئيس الوزراء البريطاني بأنه ليس لديه أي أسماء أو أرقام لمن تم قبولهم فعلياً، بناءً على ما تعهد به، لكنه سوف يعمل على قبول ألف لاجئ سوري في المملكة المتحدة، قبل عطلة عيد الميلاد المقبلة، وكأنّ اللاجئين السوريين يحتاجون للانتظار شهوراً أخرى، حتى يكتمل نصاب معاناتهم ويصبحوا مؤهلين للنظر إلى معاناتهم بشراً يحتضرون إنسانياً، وروحياً، واجتماعياً بين مهاوي الهجرة من الوطن وأهوال اللجوء الكارثية.
في الأشهر الأولى من عُمْرِ الثورة السورية، حذّر رهط من العقلاء السوريين المقيمين في بريطانيا، وفي اجتماعات متعددة مع وزارة الخارجية البريطانية، من أنّ تجاهل الأزمة السورية سوف يقود، بشكل طبيعي، إلى أن تصبح مشكلة ضاغطة على المجتمعات الأوربية، نظراً إلى القُرب الجغرافي بين الحياضين السوري والأوروبي، واتعاظاً من التجربة المهولة التي قادت مئات آلاف اللاجئين الأفغان والصوماليين إلى أعتاب دول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا تحديداً. وتم اقتراح عشرات الأفكار، لمساعدة الشعب السوري في الانعتاق من نظامه الحاكم إلى أفق نظام ديموقراطي تعددي، كان أبسطها مطالبة السوريين المقيمين في بريطانيا بأن تبادر حكومة المملكة المتحدة بإحالة الأسد وأركان نظامه إلى محكمة الجنايات الدولية، خطوة أولى على طريق تقويض بنيان النظام الفاشي في سورية على المستوى الدولي، وإرغام القوى الدولية والإقليمية للبحث عن بديل أكثر ملاءمة من الذي انتهت صلاحيته بقوة القانون الدولي. وكان الرد السلبي على الاقتراح، المبسط والمتاح تنفيذه، كما نفذته بلجيكا بجلاد تشاد حسين حبري، بالشكل السلبي الذي تم الرد به على كل الاقتراحات الأخرى لدعم الشعب السوري المظلوم بشكل فعلي يتجاوز الحالة الدعائية، والالتزام بشرط المحافظة على توازن اللاغالب واللامغلوب في سورية. وتم تبرير ذلك بأن إحالة نظام بشار الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية سوف تحشره في الزاوية، وتقوده إلى تدمير سورية على طريقة "عليّ وعلى أعدائي". وبعد أن دمّر نظام بشار الأسد سورية أرضاً، وشعباً، ومجتمعاً، ظلَّ الموقف البريطاني الرسمي كما هو عليه، رافضاً اتخاذ وقفة قيادية على المستوى الدولي، لإحالة نظام الأسد وأركانه إلى المحكمة الجنائية الدولية، في تناقض مزمن وعميق مع الواجب الأخلاقي الضاغط الذي يشعر به المجتمع المدني ومؤسساته في بريطانيا، وعبّر عنه أساقفة الكنيسة الإنجليزية بجلاء منقطع النظير.
وعلى المقلب الآخر، قد يحق لبعض السوريين والعرب تذكير الحكومة البريطانية بواجبها الأخلاقي الذي لا يسقط بالتقادم بالتكفير عن ذنبها التاريخي في المنطقة العربية، ابتداءً من النكوث باتفاقاتها مع من والاها من العرب، في حربها ضد السلطة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، والتنصل الأفعوي من اتفاقاتها مع الشريف حسين وأبنائه، مروراً بكارثة الانتداب وتقسيم الأرض العربية إلى دول لم تتمكن، حتى اللحظة، من التعرف على هويتها الوطنية الطبيعية، لكونها اجترحت قسراً بما يتناقض بنيوياً مع قوانين تاريخ نشوء الأمم، ومأساة وعد بلفور وإقامة الكيان الصهيوني، وترك الجرح الفلسطيني متقيحاً مقيماً، وصولاً إلى كارثة احتلال الدولة والمجتمع العراقيين وتهشيمهما في العام 2003، بحجة حماية المملكة المتحدة من خطر أسلحة التدمير الشامل لدى صدام حسين، والتي زعمت حكومة جلالة الملكة أنه يحتاج لما لا يزيد عن 45 دقيقة فقط لإطلاقها، للنيل من أهداف استراتيجية تتبع للمملكة المتحدة، والتي فند الباحث البريطاني المجتهد، مارك كورتيس، في كتابه المهم (اللابشر، الانتهاكات السرية البريطانية لحقوق الإنسان) استناداً إلى الوثائق السرية البريطانية المفرج عنها، كل تلك الأكاذيب، والتي كانت تهدف فقط إلى تهيئة الرأي العام البريطاني، ليقبل جريمة احتلال العراق وتدميره. وقد كتب كورتيس أنها كانت استعادة لنموذج الاستعمار الكولونيالي المباشر، بغرض السيطرة على موارد الطاقة في العراق، وخصوصاً في منطقة البصرة حسب الاتفاق الضمني لتقاسم ثروات العراق مع الساسة الأميركان، ولتعويض خطر نضوب نفط بحر الشمال البريطاني في العام 2005. وهو احتلال العراق وتدميره، ما ولّد بواكير الغول الداعشي، واشتقاقاته، وتلاوينه، والتي يريد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، تهشيمه عسكرياً الآن، بدل المساهمة في استئصال الأسباب الطبيعية التي أفرزته، بالمساعدة الحقيقية في تحقيق طموح كل عربي مقهور بالحرية، والعدالة، والكرامة، ورغيف الخبز، لا البندقية التي تبيعها له مصانع السلاح البريطاني.
ولأن التاريخ السياسي يؤكد الدور الدعائي المحض لشعارات الالتزام بحقوق الإنسان، حينما تدلي بها أي من الحكومات البريطانية، وعدم اكتراث الأخيرة بالتكفير عن ذنوبها التاريخية الكثيرة في كل أصقاع المعمورة، وفي المنطقة العربية خصوصاً، فمن الحري برئيس الوزراء البريطاني الإنصات لصوت أساقفة الكنيسة الإنجليزية، ومؤسسات المجتمع المدني البريطاني، والتي لا بد لكل العرب المقيمين في المملكة المتحدة من العمل، كُلّ حسب استطاعته، في دعم جهودها في كشف خزي حكومة جلالة المملكة المتحدة، بدل القعود وانتظار أن يصحو ضميرها الأخلاقي الذي تفيد كل كتب التاريخ السياسي بأنه لم يبارح أبداً سباته العميق.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان