في انتظار تبلور صورة واضحة لـ «المنطقة الآمنة» التي تسعى الولايات المتحدة لإقامتها في جنوب سورية، والدور الذي ستلعبه واشنطن لاحقاً في البلد المنكوب، تستغل روسيا وإيران الوقت الضائع لتحسين شروط كل منهما في المفاوضات على التسوية النهائية، في حال اتفاق اللاعبين الدوليين جميعهم على أن الوقت حان لإبرامها، وهو أمر مستبعد في المستقبل القريب.
ففيما تقول واشنطن إنها تحاول إقناع موسكو بالنأي بنفسها عن المشروع الإيراني في سورية والمنطقة، وتعدها بتنازلات في ما خص مصالحها، وحتى في ما يتعلق بوضع بشار الأسد، على رغم المواقف العلنية الداعية إلى رحيله، يربط الروس ببراعة بين حاجة الأميركيين إلى إرضائهم وبين ملفات أخرى عالقة بين الدولتين، ويبدون قلقهم من عدم حصول تقدم فيها.
ولا تترك موسكو فرصة للتذكير بتمسكها بالنظام السوري، ولإعادة المفاوضات غير المباشرة مع الأميركيين إلى نقطة الصفر. وهو ما يشير إليه دفاع بوتين المستجد عن الأسد قبل يومين، ونفيه القاطع أن يكون الجيش السوري استخدم سلاحاً كيماوياً في خان شيخون، متنصلاً من إيحاءات وتلميحات كانت على ما يبدو مجرد «طعم» ابتلعه الأميركيون.
وكلما ضغط الأميركيون في اتجاه توسيع «فالق» مفترض بين أهداف روسيا وإيران، الدولتين الحاميتين للنظام السوري، أعربت موسكو وطهران عن رغبتهما في تعزيز التعاون بينهما، خصوصاً في سورية، مستغلتين عدم وجود خطة ناظمة للتحركات الأميركية المنفصلة على المحاور السورية المتعددة، من «داعش» والأكراد والأتراك، إلى المعارضة وتنظيماتها، وصولاً إلى النظام وحلفائه.
كما لو أن واشنطن تتعامل بالتقسيط ويوماً بيوم مع المسألة السورية. فهي تمنح الأولوية لهزيمة «داعش» وتركز معظم جهودها لتحقيق هذا الهدف، لكنها تدخل من أجله في توتر مع تركيا التي تحتاجها، قد يتطور إلى حد القطيعة بسبب قرارها الاعتماد على الأكراد. وهي ترى أن الوجود الإيراني يعرقل التسوية السياسية، وتربط بشكل صحيح بينه وبين التدخلات الإيرانية الأخرى في المنطقة، من دون أن تفعل ما يوحي بالسير نحو مواجهة مع الإيرانيين على الأرض، باستثناء ما يحكى عن خطة قطع الطريق البرية من طهران إلى ضاحية بيروت، وهو ما تملك إيران بدائل متعددة منه، لا سيما إذا نجح حلفاؤها في «الحشد الشعبي» العراقي في الإطباق على الحدود العراقية– السورية الشاسعة.
أما بالنسبة إلى الأسد، فهي على رغم تجديد واشنطن الدعوة إلى رحيله وقصفها إحدى قواعده الجوية، إلا أنها تبدي مرونة في التعامل مع جيشه في منطقة مثلث الحدود بين العراق وسورية والأردن، وأكدت أنها ستقبل بوجود رمزي له هناك.
وفي ما خص معركة الرقة، تبدو الآمال الأميركية المعلقة على الأكراد مبالغاً فيها، ذلك أن «قوات سورية الديموقراطية» التي يغلبون عليها، عاجزة عن القيام بذلك وحدها، وأن الخبراء الأميركيين المشرفين على تدريبها وتوجيهها يدركون الحاجة إلى حشد المزيد من القوات والأسلحة، على رغم التلويح المستمر باقتراب موعد الحسم.
ويطرح هذا الواقع تساؤلات عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لزيادة تدخلها المباشر في معركة الرقة، ليشكل ذلك مقدمة لموازنة الانتشار الروسي في سورية. ويتوقع خبراء أميركيون أن يلجأ ترامب إلى «إحماء خارجي» ما هرباً من اشتداد الطوق الداخلي على إدارته، لكن دون ذلك عقبات كثيرة بينها خصوصاً شبح التورط في العراق والخسائر المادية والبشرية الفادحة التي نجمت عنه.
ومع أن غموض خطة التحرك الأميركية ينعكس ارتباكاً في مواقف جميع الأطراف الفاعلين على الساحة السورية، إلا أنه يترك لروسيا وإيران وقتاً وهامشاً للمناورة يتيحان لهما الالتفاف على محاولات تطويقهما.
على الرغم من التحذيرات الأميركية الجدية بتدخل عسكري أشد مما جرى يوم الجمعة الماضي، عندما قامت طائرات حربية تابعة للتحالف الدولي بضرب قافلة عسكرية يعتقد أنها تضم ميليشيات إيرانية، وأخرى موالية للأسد حاولت الاقتراب من المثلث الحدودي الأردني - السوري - العراقي في منطقة التنف جنوب سوريا، وعلى الرغم أيضًا مما يشاع عن ضبابية في الموقف الروسي الأقرب إلى الحياد الحذر في هذه الأزمة، حيث تحاول موسكو تفادي أي توتر عسكري مع الدول الغربية لقناعتها بأن واشنطن ولندن لن تسمحا لأي طرف بتغيير قواعد الاشتباك على جانبي الحدود، تصر طهران على المضي قدماً في تنفيذ مخططها الجيو - سياسي من خلال فرض واقع أمر ميداني جديد بين العراق وسوريا، يؤمن لها التواصل البري بين طهران وبغداد وسوريا وبيروت لما بات يعرف بطريق الحرير الإيرانية، التي تؤمن لها الوصول إلى مياه المتوسط. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، فإن القيادة الإيرانية ليست بوارد التراجع عن معركة السيطرة على منطقة التنف السورية ضمن مخطط يهدف إلى بسط نفوذها على جانبي الحدود بين سوريا والعراق، وقد حققت الجزء الأول من هذه الخطة بعد أن تمكنت ميليشيات الحشد الشعبي من الوصول إلى هذا المعبر الحدودي من جهة العراق، حيث صرح أحد قادتها بأنهم على استعداد للاستمرار في مطاردة من وصفوهم بإرهابيي «داعش» على الجانب السوري من الحدود بالتنسيق مع قوات الأسد، فبعد سيطرة هذه الميليشيات على مناطق غرب الموصل، وصولاً إلى البعاج تصبح الجهة العراقية من الحدود مع سوريا كاملة تحت النفوذ الإيراني، وبذلك تضع طهران مثلث التنف بين فكي كماشتها.
عملياً لا يمكن لطهران التراجع عن واقعة التنف، فهي قضية حياة أو موت، لذلك فهي مضطرة إلى خوض واحدة من أكثر المعارك تأثيراً على مستقبلها الجيو - استراتيجي في منطقة شرق المتوسط، التي تتخذ طابعاً مصيرياً كونها ستحدد حصتها من الكعكة السورية التي باتت في مقاساتها الحالية ضيقة عليها بعد التدخل الروسي، لكنها تراهن على إمكانية التفاهم مع موسكو من أجل تأمين التواصل الدائم بين بغداد ودمشق، فهي التي أتقنت الاستفادة من تناقضات حلفائها وأعدائها، وتعول على الاستثمار في عدم الثقة الروسية بالغرب وبواشنطن تحديداً، فموسكو المربكة من حجم الاندفاعة الأميركية نحو المنطقة تتعرض لاختبار دولي وإقليمي في سوريا يطالبها بالتخلي عن إيران وتحجيم نفوذها، من أجل كسب ثقة المجتمع الدولي وضمان حصة لها في الحل السوري، مما يجعل طهران تطمئن مرحلياً إلى أن هذا الحل يصعب على موسكو تنفيذه سياسياً وميدانياً، كما أن نتائجه السياسية والاستراتيجية بنظر صقور القيادة الروسية يؤدي إلى الاستفراد الغربي بروسيا في سوريا ويحولها من قوة لها النفوذ الأقوى إلى حاجب أميركي على سوريا، كما تلعب طهران على مخاوف الكرملين من أن مصير سوريا الروسية لن يكون أفضل من مصير سوريا الإيرانية، خصوصاً بعد أن أيقنت موسكو أن الغرب الذي رفض التعامل مع نظام الأسد الإيراني حسم أمره في رفض هذا النظام حتى لو كان برعايتها. لذلك تراهن طهران على أن تستمر موسكو في تأمين غطاء جوي لها في المعارك التي تخوضها في سوريا ولو بشكل محدود في معارك جنوب سوريا، وليس من الضروري أن يشمل الغطاء حالياً معركة التنف في حال وقوعها، حيث مبررات الكرملين حاضرة باعتبار أن الطيران الأميركي أمن غطاءً جوياً للميليشيات الشيعية العراقية في المعركة ضد «داعش» في الموصل، وفي المقابل يحق لموسكو تأمين هذا الغطاء للميليشيات نفسها في حربها ضد «داعش» في سوريا.
ما بين قمة الرياض وامتحان التنف تزداد الضغوط على موسكو، فالإدارة الأميركية الجديدة مستمرة في فرض العقوبات عليها والتصدي لها في أوروبا، وأما اجتماع الرئيس بوتين بنظيره الفرنسي الجديد ماكرون فلم يحرز أي تقدم على كل الملفات العالقة بين البلدين، وفي مقدمتها سوريا وأوكرانيا، فيما ستتحول زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو إلى الفرصة الإقليمية الأخيرة التي تقدم إلى موسكو من أجل التعاون في سوريا على قاعدة الابتعاد عن إيران والالتزام بمقررات «جنيف1» الذي حاز دعم قمة الرياض، وهو المخرج الذي ستضمن من خلاله بعض المكاسب السياسية في المنطقة، إضافة إلى حوافز اقتصادية عبر مشاريع استثمارية مشتركة موسكو في أمس الحاجة إليها، بعدما عادت أسعار النفط إلى التراجع، وإلا عادت من سوريا بخفي حنين.
بعد أقل من شهر على انتخابه رئيساً لفرنسا استطاع إيمانويل ماكرون رغم صغر عمره (٣٩ سنة) أن يرتدي الحلة الرئاسية بسرعة وهذا بكل معنى الكلمة. وبدا ذلك واضحاً مع ضيفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر فرساي. فقد ظهر ماكرون واثقاً في نفسه ملماً في تصريحاته وأجوبته، حازماً في بعض مواقفه وديبلوماسياً بامتياز مع قيصر روسيا الحديث فلاديمير بوتين. ماكرون تجنب الخوض في الخلاف الأساسي بين فرنسا وروسيا حول عملية الانتقال السياسي في سورية. فكيف يمكن أن يكون انتقالاً سياسياً ديموقراطياً مع رئيس ونظاماً قمعياً يقتل ويشرد ويهجر شعبه منذ ست سنوات؟
اكتفى ماكرون بالقول أن الحل السياسي للأزمة السورية هو في جمع جميع الأطراف بمن فيهم ممثلو النظام. وهذا هو فعلاً ما تنص عليه وثيقة مؤتمر جنيف التي تم التوافق عليها من الجميع ولو أن النظام السوري يرسل ممثليه إلى المؤتمرات لإضاعة الوقت وليس للتفاوض على شيء. وامتنع ماكرون مع ضيفه الروسي عن الإشارة أو عن عرض تصوره لمصير الأسد في إطار أي حل للصراع السوري. فماكرون يعرف تماماً أنه لا يمكن حل الصراع والانتقال السياسي في سورية مع بقاء الأسد. وهو اكتفى بالقول أن هناك خطاً أحمر هو استخدام السلاح الكيماوي وأن أي طرف يستخدمه ينبغي أن يعرف أن فرنسا سترد فوراً على ذلك. فماكرون قال أنه شكل مع بوتين مجموعة عمل لمكافحة إرهاب «داعش» الذي يضرب بلده وأوروبا وإيجاد حل سياسي للصراع السوري. كما أكد ماكرون أن أولويته حالياً ليست إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق. وأكد أنه يجب الحفاظ على الدولة في سورية لأن أمثلة نتائج انهيار الدول في المنطقة كارثية. وبوتين اكتفى بالقول أنهما سيتعاونان في مكافحة إرهاب «داعش»، وزعم أن الإرهاب يهدد الأنظمة الهشّة، مشيراً من دون ذكره إلى نظام حليفه السوري بشار الأسد.
إطلالة ماكرون مع بوتين كانت مناسبة لمعرفة جزء مما في ذهن الرئيس الفرنسي الشاب بالنسبة إلى الصراع السوري. لكن الأمل بأن يتذكر أنه في ٢٠١١ عندما بدأ بشار الأسد يقصف ويقتل المتظاهرين سلمياً، لم يكن هناك «داعش» ولا إرهاب في أوروبا ولا لجوء سوري في لبنان ولا في الأردن ولا في تركيا ولا إلى أوروبا. كما يجب أن يدرك أن بشار الأسد أدخل القوات الروسية والإيرانية و «حزب الله» لحماية نظامه وليس لحماية الدولة. والمعارضة السورية المعتدلة الديموقراطية حريصة على الحفاظ على مؤسسات الدولة التي خربها الأسد بميليشياته التي تتقاتل من أجل النفوذ والمكاسب المالية في جميع أنحاء سورية على حساب جيش ضعيف وفقير استعان بالخارج لمساندته في تنفيذ أمر رئيس وجماعته خربوا بلدهم والمنطقة.
إن بوتين يدرك أن قواته تحمي بشار الأسد ولا تحمي من الإرهاب الذي كان الأسد الأب والابن راعييه ولكن بشار أقل حنكة وذكاء من الأب. وبوتين مصر على بقاء الأسد لأنه أتاح له العودة بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط مثل أيام هيمنة الاتحاد السوفياتي في هذا البلد. ومن الواضح أن ماكرون يأمل بإقناع الروس بالتقدم بحل في سورية. لكنه سرعان ما سيعرف أن بوتين لن يتنازل ولن يحل الصراع السوري إلا ببقاء الأسد وهذا لن يمثل حلاً للشعب السوري. فكيف يعود الملايين من السنّة إلى بلدهم ويبقى الأسد على رأس البلد بعدما فتك بهم وقاتلهم؟
أن استقبال ماكرون لرياض حجاب أمس يعني أن فرنسا تريد الاستمرار في العمل مع القوى الديموقراطية المعتدلة في سورية. فحجاب شخصية معارضة تحظى باحترام كبير لدى أوساط عدة في العالم. ولكن ينبغي التنبه إلى ضرورة تكليف شخصيات فرنسية كفوءة وذات خبرة في الملف السوري في مجموعة العمل الروسية الفرنسية لأن مهمة التعامل مع الديبلوماسيين الروس صعبة بقدر ما تتلاعب الطبقة الروسية السياسية من رئيسها إلى وزير خارجيته مع الحقيقة.
توالى على منصب الرئاسة في سوريا منذ إعلان الدولة السورية الحديثة في عام 1936، نحو ثلاثين من رؤساء الجمهوريات، وتوزع هؤلاء ما بين رئيس منتخب، وآخر جاء بالاستفتاء، ورئيس في فترة انتقالية، لكن الأكثرية من الرؤساء السوريين، حملتهم الدبابات إلى موقع الرئاسة. ورغم تمايز طريق الوصول إلى المنصب، فإن كل الرؤساء السوريين (كحال غيرهم من الرؤساء والقادة في دول العالم الأخرى) قد واجهوا تحديات بعضها داخلي والبعض خارجي، واختلفت ردود أفعالهم على تلك التحديات.
شكري القوتلي رئيس منتخب، يصفه كثيرون بأنه أبرز آباء الاستقلال السوري، إذ تم في عهده جلاء الفرنسيين عن سوريا، وقد واجه حالتين من تحديات كبيرة: الأولى خروج سوريا مهزومة من حرب فلسطين 1948، فدخل بمواجهة مع قادة الجيش، انتهت بالانقلاب عليه في مارس (آذار) 1949 بقيادة العقيد حسني الزعيم، ثم جاء التحدي الآخر عشية قيام الوحدة السورية المصرية 1958، حيث رغبت مجموعة سياسية -عسكرية أكثرها من البعثيين في قيام اتحاد بين سوريا ومصر بقيادة عبد الناصر، فآثر عدم خوض المواجهة، وانسحب من الحياة السياسية مجنباً البلاد صراعاً داخلياً له أبعاد إقليمية ودولية.
جمال عبد الناصر الذي تولى رئاسة الجمهورية العربية المتحدة عبر استفتاء، كانت نتائجه شبه محسومة، وتسببت سياساته في استياء أوساط واسعة من السوريين، انتهت بانقلاب 28 سبتمبر (أيلول) 1961 الذي قادته عناصر انفصالية، رغب في رد مسلح ضدهم، لكنه ما لبث أن تراجع عن المضي في هذا الطريق راغباً في تجنب صراع دموي بين سوريين ومصريين، سوف يستنزف قدرات البلدين والشعبين، وقبل في النهاية العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 1958 بوجود سوريا ومصر بلدين، كل منهما مستقل عن الآخر.
بين الرئيسين القوتلي وعبد الناصر، ثمة تجربة ثالثة مختلفة، وهي تجربة أديب الشيشكلي الذي قاد حركة انقلابية مرتين في سوريا أولاهما في ديسمبر (كانون الأول) 1951، والثانية في (يوليو) تموز 1953.
تجربة الرؤساء الانتقاليين، كانت الأبسط في مسار الرئاسات السورية، وقد تكررت مرات كثيرة، ليس في أعقاب الانقلابات فقط، بل في الحالات، التي كان مناطاً بأشخاصها أن يرثوا الرئاسة عن رئيس مات، كما هو حال عبد الحليم خدام الذي خلف حافظ الأسد في (يونيو) حزيران عام 2000، وأدار مرحلة انتقال السلطة من الرئيس المتوفى إلى الرئيس المرشح، لكن ذلك لم يشفع له، وعندما أحس أنه على قائمة التصفية، خرج منشقاً عن النظام الذي طالما كان أحد أبرز أعمدته السياسية لثلاثين عاماً متواصلة.
بين كل تجارب الرئاسة في تاريخ سوريا الحديث، تبدو تجربة حافظ الأسد مختلفة، ومثلها تجربة بشار الأسد، التي وإن رغب صاحبها في أن تكون مقاربة لتجربة والده، إلا أن الأمر تمخض عن تأكيد مقولة معروفة، وهي أن الظاهرة عندما تتكرر، تكون في الأولى مأساة وفي الثانية مهزلة، وفي هذه الحدود كانت خلاصة تجربة رئاسة بشار الأسد.
جاء حافظ الأسد إلى الرئاسة بانقلاب 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، عندما استخدم الجيش والأمن اللذين كان يسيطر عليهما، واعتقل رفاقه وزجهم في السجن، ثم عين أحمد الخطيب رئيساً انتقالياً، قبل أن يقدم نفسه رئيساً باستفتاء محسوم النتائج، وسط عاصفة من التحديات الصعبة في المسارات الداخلية والخارجية، تعامل معها في المستوى الداخلي بالرشاوى لكسب المؤيدين، وبالقمع الشديد كما في تعامله مع خصومه ومعارضيه بمن فيهم رفاق الأمس، وبالانحناء للعواصف، وتوقيع الصفقات والتسويات في المستوى الخارجي، ومنها علاقاته مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، دون أن يمتنع عن خوض مواجهات سياسية وعسكرية، قدر أنه سوف يكسبها على نحو ما كانت سياسته في لبنان بين عامي 1976 و2000.
بشار الأسد، حاول أن يكرر تجربة أبيه، فجاء رئيساً بالاستفتاء، رافعاً شعار الإصلاح أداة لتجديد النظام، مستفيداً من زخم محلي وإقليمي ودولي راغب في الخروج من عصر الديكتاتورية الدموية والدولة المارقة والداعمة للإرهاب التي كرسها عهد الأب، غير أن الأمر كان مستحيلاً مع بنية النظام القائم، وتوحشها، فأخذت شعارات الإصلاح تتراجع وتضمحل، مما كرس عوامل الثورة وعززها في الواقع، وكان انطلاق الربيع العربي مناسبة متوقعة لثورة السوريين من أجل تغيير مصيرهم وخيارات بلدهم.
وباستثناء فشل بشار الأسد في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي واجهت عهده في السنوات العشر الأولى من حكمه، وفشل في مواجهتها، فقد صارت أمامه تحديات جديدة، طرحتها ساحات التظاهر وحواضنها الاجتماعية في معظم المدن والأرياف، وبذا تحولت التحديات إلى تحديات مركبة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية في المستويين الداخلي والخارجي، ولم يجد النظام سبيلاً لمواجهة الحالة إلا اللجوء إلى حالة القمع الدموية، والذهاب بالحل العسكري - الأمني إلى نهايته.
اليوم وبعد ست سنوات ونيف من الصراع في سوريا وحولها، لم يعد للأسد أي دور في مواجهة التحديات السورية، إذ لم يعد رئيساً في نظر الأغلبية السورية، التي قتل منها مليون شخص، ومئات آلاف المعتقلين والمختفين، وتشريد ملايين داخل سوريا، مع نحو ثلث السوريين في الخارج فيهم أكثر من ستة ملايين لاجئ في بلدان الجوار والأبعد منها، وتدمير البنى التحتية للمجتمع السوري ومعظم الملكيات الخاصة للسوريين، وتهميش دور الدولة إلى حدود الدور الأمني – العسكري. بل إن المؤسسة العسكرية - الأمنية، صارت عصابات مسلحة متنافسة، يستمر دورها بمعونة ووجود قوى خارجية، تتقدمها روسيا وإيران وتساعدها ميليشيات طائفية من جنسيات مختلفة أبرزها «حزب الله» اللبناني، ومؤيدو نظام الأسد المدنيون أسرى قوى خارجية، والنظام عاجز عن المضي في أي حل عسكري أو سياسي في القضية السورية.
لقد غدا بشار الأسد الأسوأ في كل تجارب الرئاسات التي مرت على سوريا، طوال أكثر من ثمانين عاماً مضت، بل هو الأسوأ في تاريخ العالم.
قد تتسامح سوريا وروسيا والولايات المتحدة حيال هذه الفكرة، لكن من الواضح أن لتركيا رأي آخر - بعيداً عن العناوين الكبرى، ثمة أمر لافت يجري داخل سوريا، ذلك أنه على ما يبدو قرر أخيراً الأكراد، الذين يسعون منذ أمد بعيد للسيطرة على منطقة تحظى بالحكم الذاتي، أن الرهان الأفضل أمامهم يتمثل في شراء هذه المنطقة من الرئيس السوري بشار الأسد. أما الولايات المتحدة، فتصدر إشارات ضمنية مفادها أنها قد توافق على ذلك، في انعكاس صادم لسياستها الصديقة تجاه روسيا، المعادية لتركيا.
تبدأ الأدلة التي تثبت صحة هذه القراءة للأحداث من المعركة الوشيكة حول الرقة، مقر تنظيم داعش. فقد أفادت تقارير أن ما يطلق عليه «قوات سوريا الديمقراطية»، جماعة مظلة لمقاتلين تهيمن عليها قوات من أكراد سوريا تعرف باسم «وحدات حماية الشعب»، حصلت على ضوء أخضر للمضي قدماً، ليس من جانب الولايات المتحدة فحسب، وإنما كذلك الأسد وروسيا. ويعد هذا تطوراً لافتاً بالنظر إلى الخطة المتعلقة بالرقة، حال نجاح القوات التي يقودها الأكراد في السيطرة عليها. والمتوقع أن يجري تحويل مسؤولية إدارة شؤون المدينة إلى مجلس محلي، سيعمل بدوره على التوافق مع الأسد، ويعيد إلى نظامه السيادة المفقودة.
و
التساؤل هنا: ما السر وراء هذا التحول في موقف الأكراد من أبناء سوريا، الذين شاركوا في المقاومة المسلحة ضد نظام الأسد؟
ت
تمثل الإجابة الأكثر احتمالاً في أن الأكراد السوريين يأملون في إبرام مقايضة مع الأسد. أما النتيجة المرغوبة من جانبهم، فبناء منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي، أو شبه الذاتي، داخل سوريا.
جدير بالذكر أن الترويج لفكرة حصول الأكراد على منطقة يتمتعون داخلها بالحكم الذاتي يعود إلى ديسمبر (كانون الأول) 2016، عندما وردت في مسودة روسية للدستور لسوريا ما بعد الحرب. وفي مارس (آذار)، أثارت جماعة يهيمن عليها الأكراد ضجة حول إعلان حكومة إقليمية لمنطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل واحدة من المناطق التي جرى الاستيلاء عليها من أيدي تنظيم داعش.
أما سابقة مثل هذا الترتيب، فوقعت بالعراق. هناك، استمرت منطقة تتمتع بالحكم الذاتي، كانت الولايات المتحدة قد أنشأتها من خلال فرض منطقة حظر جوي في عهد إدارة بيل كلينتون، في الوجود حتى انطلاق جهود بناء العراق الجديد، في أعقاب الغزو الذي شنته إدارة جورج دبليو. بوش. واليوم، أصبحت هذه المنطقة جزءاً من الدستور العراقي.
ولا بد أن أكراد سوريا يتطلعون نحو النموذج العراقي، ويأملون في أن يفعل الأسد المثل. أما الأسد من جانبه، فإنه بالتأكيد لن يرغب في التنازل عن السيادة عن أرض سوريا، تماماً مثلما كان الحال مع القيادات العراقية بالنسبة للمنطقة التي يسيطر عليها الآن الأكراد العراقيون. بيد أنه مثلما الحال مع العراقيين العرب، لا يملك الأسد خياراً آخر، خصوصاً أنه في حاجة ماسة إلى حلفاء يعاونونه على استعادة المناطق الواقعة خارج سيطرته. في الوقت ذاته، فإن الأكراد السوريين أنفسهم متلهفون للسيطرة على المناطق الخاصة بهم هم أيضًا.
وفي تحول مفاجئ لمسار الأحداث، لا يمكن وقوعه إلا في الشرق الأوسط، يبدو الأكراد السوريون مفيدين في الوقت ذاته بالنسبة للولايات المتحدة التي تسعى بدأب لإظهار أنه من الممكن إنزال الهزيمة بـ«داعش». ويعتبر الأكراد القوة البرية الوحيدة تقريباً التي تبدي استعدادها، وتملك القدرة لمواجهة «داعش» داخل سوريا. وعليه، يبدو أن إدارة دونالد ترمب، التي تتولى تسليح «وحدات حماية الشعب»، قررت بالفعل إقرار خطة تسليم السيطرة على الرقة إلى الأكراد.
ويشكل هذا تحولاً عن الموقف الأميركي عام 2016، عندما أشارت إدارة باراك أوباما إلى أنها لا تدعم نيل الأكراد السوريين للحكم الذاتي. وتضع هذه الظروف أكراد سوريا في موقف قوة يحظون في إطاره بدعم النظام السوري، وحليفته روسيا، وكذلك الولايات المتحدة. جدير بالذكر أن هذا يعني فعلياً أن الولايات المتحدة وروسيا تتعاونان لاستعادة سيطرة الأسد على مناطق داخل سوريا. أما تركيا، فتبقى القوة الإقليمية الكبرى الوحيدة المعارضة بقوة لطموحات أكراد سوريا.
من جانبها، تنظر تركيا إلى «وحدات حماية الشعب» باعتبارها وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني، الجماعة الكردية المسلحة (وتوصف بعض الأحيان بالإرهابية) التي حاربت لسنوات طويلة من أجل حقوق الأكراد، وربما الحكم الذاتي داخل تركيا ذاتها. وبالتأكيد ليس في مصلحة تركيا ظهور منطقة كردية تنعم بالحكم الذاتي داخل سوريا، بالتوازي مع أخرى في العراق، عارضها الأتراك بادئ الأمر. ومثلما هو واضح، فإن هذا الترتيب يشير ضمنياً بقوة إلى ضرورة ظهور منطقة كردية مشابهة تتمتع بالحكم الذاتي داخل تركيا هي الأخرى.
إلا أنه في المقابل، لا تتمتع تركيا بنفوذ يمكنها من التأثير على الأسد الذي عارضته منذ اشتعال المقاومة المسلحة ضده.
في الوقت ذاته، تفتقر تركيا حاليًا إلى القدرة على التأثير على الولايات المتحدة، حليفتها التقليدية داخل حلف «الناتو». ولا يتعلق ذلك بانزلاق رجب طيب إردوغان المستمر نحو الديكتاتورية، الأمر الذي لم يثر غضباً كبيراً من جانب إدارة ترمب، وإنما يرتبط باهتمام واشنطن المستمر بإلحاق الهزيمة بـ«داعش»، الأمر الذي دفعها على ما يبدو للتخلي عن هدف إسقاط الأسد، بغض النظر عن جميع التصريحات الصادرة عن الإدارة منذ قصفها أهدافاً سورية في أعقاب الهجوم بالغاز السام الذي شنه الأسد.
و
التساؤل الذي يفرض نفسه هنا: هل ستنجح مبادرة أكراد سوريا للحصول على موافقة الأسد على تمتعهم بالحكم الذاتي؟ المؤكد أن الخطة برمتها تقوم على سلسلة من المقامرات. والواضح أن جميع الأطراف المعنية بسوريا تعمد إلى استغلال الأكراد لمصلحتها، وهم من جانبهم يدركون ذلك جيداً. وفي ظل الظروف المثالية التي قد يحلم بها الأسد، فإن بمقدوره الانتظار حتى يستعيد السيطرة على مساحات واسعة من البلاد بمعاونة الأكراد، ثم ينكث بعهده بالموافقة على فكرة تمتعهم بالحكم الذاتي. وبالتأكيد يعي الأكراد ذلك جيداً. والآن، لا بد أنهم يراهنون على أن الأسد لن يصبح أبدًا ذات يوم بقدر من القوة تمكنه من سحب أي مستوى من الحكم الذاتي يمنحه إياهم، أو أن يصبح تمتعهم بالحكم الذاتي جزءاً من اتفاق نهائي بدعم من الولايات المتحدة وروسيا.
أ
ما الولايات المتحدة، فليس ثمة سبب محدد يدعوها لدعم أكراد سوريا بعد هزيمة «داعش»، لكن قد يرى الأكراد أن رغبة الولايات المتحدة في وجود أسد منهك ضعيف، في إطار أي صفقة نهائية، فكرة منطقية تماماً. وعليه، فإن تمتع الأكراد بالحكم الذاتي سيسهم في إضعاف الحكومة السورية. في المقابل، سترغب روسيا بالتأكيد في وجود سوريا قوية لذات الأسباب التي ترغب من أجلها الولايات المتحدة في وجود سوريا ضعيفة.
إل
ا أن الأمر الذي يكاد يكون في حكم المؤكد أنه لن ينبثق من كل هذه الظروف، كردستان موحدة عبر الحدود العراقية - السورية. في الواقع، لطالما شكلت الوحدة الكردية هدفاً صعب التحقيق. الملاحظ أن الأكراد العراقيين ازدادوا قرباً من تركيا على مدار العقد الماضي، وتخلوا عن حزب العمال الكردستاني مقابل بناء علاقات أقوى مع دولة جارة تتميز بقدر أكبر من الاستقرار عن حكومة بغداد، بل ربما لا يدعمون مسألة قيام منطقة تتمتع بالحكم الذاتي، بقيادة قوات «وحدات حماية الشعب»، ناهيك عن الانضمام إليها.
وإذا بدا كل ما سبق غامضاً على نحو يتعذر تصديقه، فذلك لأنه هكذا بالفعل. داخل الشرق الأوسط، يبدو الخط الفاصل بين الفانتازيا والواقع السياسي رفيعاً على نحو خطير. وأحيانا تتحول الفانتازيا إلى حقيقة - وإن كان هذا لا يكون دوماً أمراً جيداً.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
لم يكن بحسبان ذلك الشاب المتحمس لنقل قضيته الى الملأ وتصوير أوجاعه وأوجاع بني بلده الى العالم أنه سيخير يوماً بأن ينقل معاناته ضمن قوس قزح من الخطوط الملونة المحظورة التي يشترطها عليه الداعم أو أن يكون عنصراً في جوقة المسبحين بحمد "القائد الثوري" أو الفصيل الفلاني صباح مساء .
سبع سنوات عجافٍ حولت تلك العين الناقلة للحقيقة من راصدٍ لآلام محيطه الى ناشطٍ ثم هاوٍ ثم محترف ، وسط تقاذف بين الخطوط الحمراء والممنوع والمحظور والمحبوب والرائج ، فأصبح خلالها يتدرج حتى وصل الى قناعةٍ أن معاناته سلعةً موسمية ، يُرغب لها حيناً وترمى في سلة المهملات في الحين الآخر .
حيث لم يعد يخفى على القاصي والداني الكم الهائل من سلع الإرتزاق التي باتت تغزو شاشات الإعلام ومواقع التواصل ، وسعيدُ الحظ من يصل للنجومية بصرخة طفلٍ أو آهات ثكلى أو نحيب عجوز خارج من بين الركام يبكي مافقد من عائلته ويشكر الله على من أبقى .
ملايين الفيديوهات والمواد الصحفية المقروءة والمسموعة أنتجها إعلام الثورة ، وحين توضع على ميزان المهنية الثوري أو تقييم الوجع لم تخدم الثورة السورية بالقدر التي كانت عليه وبالاً ، وشخصيات برق نجمها وذاع صيتها على حساب الألم السوري ما أن تصل الى درجة الشهرة والنجومية حتى تسير وفق ضوابط وقيم وخطوط لطالما كانت لها تلك القيم مدعاة سخط وتذمر وسخرية في زمان الناشط والهاوي .
وتعج الساحة السورية بآلاف من إعلاميي المحطات والشبكات والمحطات الإذاعية والصحف الإلكترونية والورقية والفصائل العسكرية والمنظمات الإنسانية والحقوقية ، جميعها محدود بخطوط تسير فيه وفق خط ما أن يحيد عنه ويطلق لنفسه عنان الصدح بالحق حتى لو كان مؤلماً ، يُحرم من رحمة الإستمرار ويصبح أسمه نفاية على مزبلة الإعلام ، ويكون لمن خلفه عبرة .
ومع استمرار الألم السوري وتراكم الهموم على كاهل حامل الأمانة والتيه بين رصد موت يومي وتهجير ومعاناة وقطبية وصراعات وطوارئ وكوارث ، والأخطار التي قد تنجم عن التشخيص السليم وتوضيح الرؤى للعامة ، أصبح الناشط المتمسك بخطه الثوري و المقتنع بأن الإعلام سلطةً رابعة لا بوابة إرتزاق كالقابض على الجمر في ساحةً كل من فيها حوله ينفخون على جمرته القابض لها.
ليدخل فيها الإعلام الثوري عبر أشخاصه الى رهان التحول من سلطان يَفرض فيها رأيه الى بردعةٍ يلقى عليها اللوم عند كل فشلٍ و خيبة أو مطيةٍ لتمرير الرسائل والغايات وسط أوركيسترا من جوقة المطبلين للآخرين من " أبطال الثورة " أو سوق هالٍ يتلقى فيه الشتائم والمذمة ممن أزعجهم تشخيصه ، تلك هي العقوبة الأدنى مالم يُلقى في غياهب " مُغرِ الحرية ".
إن أحتفظ بشيء من ذكريات الطفولة البعيدة فإني احتفظ ببيتين من نشيد فخري البارودي
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
هذا النشيد الذي كنا نردده على مقاعد المدارس الأولى، ليغرس فينا حب الوطن الكبير، لم نكن نعرف أين هي بغدان «بغداد» أو تطوان، لكن رنة القافية الشعرية، وإيقاع الموسيقى جعلتها ترسخ في أذهاننا، وترسم في مخيلتنا حلما لمعرفة هذه المدن البعيدة.
وفي أول زيارة لي لتطوان عندما أقمت في المغرب، في مدينة طنجة، وجدت شعبا مغربيا طيب الأعراق، عالي الأخلاق، وتطوان كما تخيلتها صغيرا مدينة كالحلم تغط شعرها الجميل في شاطئ لازوردي بلون الفيروز. تذكرت ذاك النشيد ورددته في أعماقي بلذة علوية. ها هي تطوان الحلم، وها هو الشعب المغربي الطيب، وقد رحلت عن المغرب في باخرة من مرفأ طنجة وفي عينيّ دمعة.
نشيد ثان رددته مع أقراني يوميا في ساحة مدرستي، وكنت في الصف الأول الابتدائي في قريتي الجبلية النبك في القلمون ـ باتت اليوم شبه مدينةـ مع النشيد السوري
حماة الديار عليكم سلام
أبت أن تذل النفوس الكرام
أنشدنا نشيد الثورة الجزائرية الذي أحفظه عن ظهر قلب لكثرة ما رددناه، ورددنا عاشت الثورة الجزائرية.
قسما بالنازلات الماحقات
والدماء الزاكيات الطاهرات
ولا أنسى أن والدتي ـ فقيرة الحال ـ تبرعت بسوارها الذهبي، كما فعل الكثير من النساء السوريات لدعم الثورة الجزائرية. وعندما زرت الجزائر في مهمة إعلامية في تغطية إخبارية، وكانت خلال الحقبة العشرية السوداء، وجدت مدينة الجزائر البيضاء شامخة على هضبة تطل على خليج تملأه السفن، فيروزي اللون يخطف اللب لروعة المنظر، توجهت إلى نصب الشهيد، وهناك تذكرت النشيد الذي طالما رددته طفلا، وتحت نصب الشهيد رددت في خلدي،
قسما بالنازلات الماحقات، وذرفت عيناي دمعة ايضا، تجولت في باب الواد، وشارع ديدوش مراد، وساحة الشهداء.. وجدت في الشعب الجزائري شعبا شامخا، صلبا، مؤازرا ومحبا للسوريين، الذين استقبلوا البطل المناضل عبد القادر الجزائري، ورغم ان السلطات الجزائرية وضعتني في أول طائرة متوجهة إلى باريس، بعد أن قمت بزيارة القصبة «الممنوعة» التي كانت معقل الإسلاميين آنذاك، وأجريت تحقيقا صحافيا هناك، إلا أني أكن لهذا البلد وللجزائريين الذين لي منهم أصدقاء كثر كل تقدير ومحبة. اليوم وبعد سنين طويلة قضيتها في ربوع العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، وجدتها جميعا كما قال البارودي: بلاد العرب أوطاني.
ويدهشني اليوم ويؤلمني ويفتح في روحي جرحا عميقا، أن أرى على شاشات القنوات التلفزيونية خمسين سوريا عالقين في العراء الصحراوي على الحدود بين الجزائر والمغرب، النظام السوري الذي لم يتدخل، ولم ينظر في أمرهم، كما فعل بملايين السوريين الذين هجرهم في أركان المعمورة، والجزائر تعتبرهم غير شرعيين في اجتيازهم الحدود خلسة، والمغرب أعادهم من حيث أتوا. منذ شهرين تقريبا ما زالوا في العراء، قضوا الأسابيع الأولى دون أي مأوى ملتحفين السماء، وعندما طال عليهم الانتظار، وضاقت الأفق، ولعبت بمصيرهم اعتبارات ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، خاطوا خيما من ألبستهم وأغطيتهم ليؤوا إليها من قر الليل وحر النهار، وسم العقارب والأفاعي.
اليوم أدافع عن أبناء وطني، أنا الذي تبرعت أمه بسوارها لنصرة الثورة الجزائرية، وذرف دمعة على شاطئ طنجة، أدافع عن امرأة ولدت طفلها في هذا القفر وقطعت حبل سرته بحجر، لهؤلاء الأطفال الذين ربما رددوا كما رددت على مقاعد مدرستهم، بلاد العرب أوطاني.. إلى مصر فتطوان، لكنهم وجدوا أنفسهم في خيمة خيطت من ملابسهم في تيه بين الجزائر وتطوان.
تبدو فكرة تأسيس جيش للمعارضة السورية متأخرة سنوات عن موعدها، لكنها في الحقيقة أجد الفرصة مناسبة لطرحها اليوم أكثر من أي وقت مضى. كانت هناك مواقف متباينة حول وجود جيش معارضة بين كل الأطراف المعنية، بما فيها مجموعة الدول المؤيدة للثورة السورية، فيما يسمى سراً «الغرفة العسكرية» في الأردن.
الآن، الوضع يتطلب بناء جيش سوري جديد لأسباب كثيرة، أولها حتى يمثل السوريين، لا طائفة أو ديناً واحداً، أو الجماعات المتطرفة، ولا يكون تابعاً لدول المنطقة أو المرتزقة. تحتاج سوريا إلى جيش يمثل كل السوريين، يعيد تأسيس الدولة، ويفرض النظام، ويعمل تحت صك الشرعية الدولية.
إن أكبر تحدٍّ يهدد السوريين اليوم هو ظهور جيش إيراني على ترابهم، تحت قيادة الحرس الثوري، مكون من خليط ميليشيات من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، وبالطبع من فيلق القدس الإيراني. فهو تهديد مباشر لمشروع الدولة السورية، ويمكن أن يبقى الإيرانيون هناك سنوات طويلة. وقد بعث عضوان من الكونغرس رسالة إلى وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين يحذران فيها من أن إيران تنوي بناء قواعد عسكرية على البحر الأبيض المتوسط، مستخدمة وجودها في سوريا.
بالفعل لم يعد هناك جيش سوري حر معارض، كما كنا نعرفه. فقد تفكك، وصار جماعات صغيرة بسبب استهدافه من قبل الإيرانيين والروس وتنظيمات «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها.
لكن لماذا نتحدث عن بناء جيش سوري جديد؟ الدافع لذلك هو الحل السياسي المطروح، وكذلك رسم المناطق المحمية للاجئين، ورغبة بعض الدول في تكوين قوة تحارب الجماعات الإرهابية المتغلغلة في مناطق المعارضة. إضافة إلى هذا كله علينا ألا ننسى أن بناء قوة عسكرية من متطلبات الاعتراف بدور المعارضة في مشروع الحكم الجديد، فهي لا يمكن أن تعيش في ظل جيش الأسد.
جيش سوري جديد ينهي الفوضى الناجمة عن انتشار عشرات الميليشيات، ويوحد المعارضات المسلحة تحت علم وقيادة واحدة، بعد فرزها لتكون «مناسبة» آيديولوجياً، وطنية سورية لا دينية. وهناك آلاف من المنشقين العسكريين من الجيش العربي السوري خلعوا بذلاتهم العسكرية رفضاً لقتل مواطنيهم، يمكن أن يكونوا نواة الجيش السوري الجديد.
يحتاج إليه الجميع، وليس السوريون وحدهم. جيش يقوم بمحاربة التنظيمات الإرهابية التي تهدد سوريا والمنطقة والعالم. ويواجه الجيش الإيراني بميليشياته، إن رفض الخروج من سوريا، ويطهر أرض سوريا من الحركات الإقليمية المعادية للجوار، مثل الكردية التركية و«داعش» العراقية. وفي ظرف اتفاق سياسي قد يكون الجيش السوري الجديد مكملاً للجيش العربي السوري التابع للنظام، الذي أصبح مهلهلاً ومجرد بقايا.
لا قيمة لحل سياسي لا يسبقه مشروع كيانات أولها الجيش والأمن. فالمعارضة لا تثق بقوات النظام، وتريد وجود قوة عسكرية تمثلها داخل المنظومة المعتمدة في الحل السياسي، تقوم بحماية المناطق التابعة للمعارضة. وكذلك النظام السوري سيتمسك بميليشيات إيران إلا في حال ظهور جيش وطني يقوم بالمهمة، عندما تصر الدول الأخرى على إخلاء سوريا من كل المقاتلين الأجانب.
قد يطول الوقت قبل الاتفاق على حل سياسي نظراً لتباعد المواقف، وهذا لا يمنع من بناء جيش سوري خلال فترة التفاوض يحارب الإرهاب ويسقط حجة نظام بشار الأسد في حاجته إلى الإبقاء على ميليشيات إيران.
في كتابٍ من الضروري أن يقرأه كل مهتم عربي بالسياسات الدولية، وضعه قبل قرابة عقد مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي، الأستاذ البولوني الأصل، زبغنيو بريجنسكي، "لعبة الشطرنج الكبرى"، يوجد شرح وافر لخلفيات الأحداث التي تعيشها المنطقة العربية، كانقلاب أميركا على الحكم في العراق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وما تلاه من حربٍ أولى، فحصار، فحرب ثانية، فاحتلال، وهو انقلابٌ لم يكن مفهوما في حينه، ويبدو غامضا اليوم أيضا. لذلك، أثار تقديرات وتخمينات كثيرة حول سياسة أميركا في المنطقة العربية، جعلت كثيرين يصدّقون أن احتلال العراق سيكون قصيرا لا يتخطى الفترة اللازمة لإشاعة الديموقراطية فيه.
ماذا يقول الاستراتيجي الأميركي في كتابه الذي يدور حول ما يسميه الصراع على المجال الأوراسي (الأوروبي/ الآسيوي) الممتد: مركز وموضوع السياسات الدولية على مر التاريخ، الذي يخضع للمرة الأولى لقوة من خارجه، هي الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن تصارعت عليه وفيه خلال ثلاثة آلاف عام قوى من داخله، بعضها قاري، وبعضها الآخر بحري؟
يكتب المؤلف باختصار: ثمّة في الجزء الجنوبي من هذا المجال الذي يضم البلدان العربية منطقة غير هادئة، منطقة "ثقب أسود" مثيرة للقلق، يضعها موقعها الاستراتيجي في القلب من العالم، وتجعل ثرواتها الإمساك بها إمساكا بتوازنات الوضع الدولي، بيد أنها لم تخضع بعد للمعايير والنواظم والأوضاع التي تسيطر أميركا من خلالها على مفاصل العالم ومفاتيحه، على الرغم من خطورة أي حدثٍ يجري فيها، وما يتشكّل داخلها من تهديداتٍ تمس بنية النظام الدولي التالي لسقوط السوفييت، الأميركي المركز والقطب، فلا يمكن لواشنطن إبقاؤها خارج سيطرتها المباشرة عليها، ولا تستطيع أن تتجاهل طريقة حكامها في إدارتها التي أنجبت ظواهر شحنت منطقة هذا "الثقب الأسود" بمشكلاتٍ متفجرة، لا حل لها من دون قيام الولايات المتحدة بوضع يدها عليه بواسطة جيوشها، وإلا كانت سيطرتها العالمية قصيرة العمر، وتحولت من أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ إلى آخر إمبراطورياته. أما احتلال المنطقة، فيحتّمه وضع أميركا يدها على البلقان خلال العقد الأخير، وإخراج السوفييت من وسط أوروبا وشرقها، وأخيرا القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان، مناطق يتيح وجود أميركا ونفوذها فيها التحكّم بقوى أوراسيا الكبرى والوسيطة التي لطالما لعبت أدوارا مفصلية في السياسات الدولية، وسقطت بسقوط الاتحاد السوفييتي، إلى مراتب تمكّن أميركا من ضبط حركتها، والتحكّم بتطورها وعلاقاتها، وتعزيز خططها الاستراتيجية لمنع قيام قوة بديلة لها داخل هذا المجال، سواء كانت الصين أم روسيا أم الهند أم اليابان، فضلا عن منع إقامة أي تحالفٍ قد يفضي إلى بديلٍ كهذا، أكان روسيا/ صينيا، أم روسيا/ يابانيا، أم صينيا/ يابانيا، أم تحالفا يضم هذه القوى مجتمعة، بما أن إقامة تحالفٍ كهذا سيحوّل أميركا تدرجيا إلى دولةٍ طرفية، وسيخرجها من المجال الأوراسي بصفته مركز السياسة الدولية، وسينزلها عن عرشها قوة أولى، لا بد أن تتفرد بقيادة العالم. إلى هذا، يكتسب وجود أميركا العسكري المباشر في القسم العربي من الثقب الأوراسي الأسود الذي سيكون مجاورا لإيران وتركيا، يكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى تقرير مصيرهما الذي لم يحسم بعد. وإذن: لن يستقر إمساك أميركا بالمجال الأوراسي وضبط توازناته، واحتلال موقع حاسم فيه، من دون "سد الثقب الأسود" العربي عبر تموضع القوة الأميركية المباشر فيه، وخصوصا منه العراق، قلبه الاستراتيجي الذي يتميز باتساعه الجغرافي، وتضاريسه المتنوعة، وقربه من دول إقليمية تمر بحالٍ من التحول كتركيا وإيران، ومن آسيا الوسطى والبحر الأبيض المتوسط، ويشرف عن قرب على الخليج والمحيط الهندي، فهو قاعدةٌ لا غني عنها لأية سيطرة كونية أميركية، ولا يجوز السماح بسقوطه بين أيدٍ معادية. وكذلك بقاؤه مستقلا أو قويا، لكونه يقوم، فضلا عن كل ما تقدّم، بدور جسر فصل ووصل لمنطقتي حوض النفط والغاز العربي/ الآسيوي الوسيط، ويمكنه فصل الوجود الأميركي أو وصله في أقصى غرب المجال الأوراسي وأقصى شرقه، وخصوصا في أفغانستان: الإسفين المغروس الذي يفصل الصين عن روسيا، ويضع احتلاله أقدار المنطقة العربية في يد أميركا أمداً طويلاً، ويساعد على كسر طرفي الحاجز السياسي المتموضع داخل الثقب الأسود، الذي تجسّده إيران في الشرق وسورية في الغرب، ويبدل كسره دور إسرائيل، ويجعلها قادرةً على تخطي مكانيتها الجغرافية والدخول إلى آفاق المجال الأوراسي الرحبة، سواء في شرقه وشماله، أم تجاه أوروبا في غربه وجنوبه.
ومن الاستنتاجات هنا: أولا، تضمر استراتيجية السيطرة الأميركية على المجال الأوراسي تبدلا نوعيا في وضع الوطن العربي ودوله، والعلاقات الدولية، وموقع إسرائيل ودورها، تبدّل سيساعدها في تقليص صراعها الفلسطيني المباشر أو التخلص منه، بكسر مقاومة الشعب الفلسطيني وترتيب أوضاعها على أسس صهيونية: الخطوتان الضروريتان لدمج إسرائيل في سياق كوني، يحول جيشها إلى جزء تكويني وعضوي من قوة أميركا العسكرية في المجال الأوراسي الواسع، وخصوصا منه منطقة الثقب الأسود العربي، ويحولها إلى شريك حقيقي في سيطرة عالمية من نمط جديد، وبشروط جديدة. في ظرف تحوّلي كهذا، لا حاجة إلى حل سياسيٍّ أو سلميٍّ يعترف بحقوق شعب فلسطين الوطنية، أو يؤدى إلى انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من دولة فلسطين.
ثانيا، لا ينضوي احتلال العراق تحت أي هدف جزئي أو محدود، سواء تعلق بالديموقراطية أم بالإرهاب أم بالنفط، ولن يكون قضية عابرة أو مؤقتة. إنه هدفٌ قد تطول فترة تحقيقه، لكن واشنطن ستحققه مهما تكبدت من خسائر، فالصراع مع العراق لم يكن خلال العقد الأخير قضيةً محلية أو ثنائية، وإنما ارتبط بجوهر الصراع الدولي بين القطب الأوحد وخصومه ومنافسيه الحقيقيين والمحتملين داخل المجال الأوراسي وخارجه. لن تترك أميركا العراق بحاله، لمجرّد أن جنودها يسقطون هناك، بل ستقاتل من أجله، وستدفع الثمن مهما كان فادحا، وإذا قدّر لها أن تترك بغداد والبصرة ذات يوم، فهي لن تترك مناطقه الصحراوية وجباله المرتفعة وأقسامه الموالية لها.
ليست المسألة العراقية عابرةً أو عارضةً أو جزئية، وسيكون العراق مشكلةً عربيةً وإقليمية ودولية بامتياز، إلى إشعار آخر، بسبب أهميته الاستراتيجية وثرواته وموقعه. علما أن احتلاله أميركياً سيكون بداية تاريخ عربي لا يشبه كثيرا ما عرفه آباؤنا وأجدادنا في ظل الاستعمار الأوروبي التقليدي أو بعده، كما أن امتداد آثار الاحتلال أو وجوده المادي إلى إيران وسورية حتمي، فلا يغلطنّ أحد في فهم ما يحصل، ولا يعتقدنّ أن غفلته تحميه، وأن مقاومة العراقيين تكفي وحدها لرد الخطر عنه، وأن استراتيجية أميركية على هذا القدر من الأهمية يمكن أن تجابه بأغاليط إعلامية، أو بتدابير تكتيكية تخلو من أي سياق بنيوي.
ثالثا، باحتلال العراق، تبدأ صفحة جديدة من تاريخ عربي مأساوي، يريد الأميركيون له أن يخلو من حامل وطني أو قومي. لذلك، يبادرون إلى سد ما يسمونه الثقب الأسود العربي الذي كان سيستنزف جزءا كبيرا من قوتهم العالمية، لو أن المواطن العربي كان حرا، وكانت دوله متماسكةً ومتضامنة. فوّت نظام العراق على نفسه بناء مقومات صموده، فانكشف، وغدت إطاحته بيد أميركا مسألة وقت.
هل نقول: على نفسها جنت براقش، أو إلى... وبئس المصير، مع أننا نحن أيضا، في سورية، مستهدفون، وفي حال يرثى لها؟
_______________________________________________
كتب المقال عشية الغزو الأميركي للعراق في فبراير/ شباط 2003
مرة أخرى، يطل علينا رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، بسيناريو جديد حول عملية سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو/ حزيران من العام 2014، متهماً الولايات المتحدة، ورئيسها السابق باراك أوباما، أنهما من يقفان وراء مؤامرة سقوط المدينة بيد التنظيم، ومبرئاً نفسه من تلك التهمة، وهو الذي كان رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة العراقية.
يقول المالكي، في مقابلة تلفزيونية، إن أوباما هو من صمّم سقوط الموصل بيد التنظيم، من خلال اجتماعات في إقليم كردستان، حضرها ضباط أميركيون، وإن المتهم بمجزرة سبايكر التي قتل فيها عشرات من الجنود العراقيين هو قائد الفرقة الرابعة في الجيش العراقي، لأنه انسحب تنفيذاً لأوامر جهة سياسية ينتمي إليها.
يناقض هذا الكلام، جملة وتفصيلاً، محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، في قوله، إن نوري المالكي لا يمتلك أي أدلة حقيقية على هذه المؤامرة التي يدّعيها، وكان يعيش دائماً في وهم المؤامرة، ويبني قراراته بناء على ما يصدّق من أوهام المؤامرات من حوله.
واتهم النجيفي المالكي بالتساهل في تسليم الموصل لتنظيم الدولة الإسلامية، لتصوره أنه لا يستطيع إلا حماية بغداد وكربلاء وسامراء وديالى، وبالتالي عليه أن يضحّي بغيرها من المناطق. وقد رفض دخول البشمركة للمشاركة في الدفاع عن الموصل وتلعفر ومنع سقوطهما، كما أنه لم يتخذ أي إجراءٍ لمنع سقوط المدينة، ولم يتفاوض مثلاً مع أميركا أو مع الأكراد لتفادي ذلك السقوط.
ومثل هذا الكلام أو قريباً منه، صرح به نائب رئيس الجمهورية العراقي، أسامة النجيفي، والذي كان رئيساً للبرلمان العراقي آنذاك، حيث قال إن "إيران خيرتنا بين سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة أو القبول بنوري المالكي رئيساً للوزراء لدورة ثالثة".
لا يبدو أن الأمر بحاجةٍ إلى كثير شرح وكثير اتهامات، فيكفي أن نعلم أن التقرير الذي أصدرته لجنةٌ برلمانيةٌ، للتحقيق بسقوط الموصل وتسمية المتسببين عن ذلك، اختفى بين الأدراج، بعد أن اتهم بعض قادة الجيش العراقي، حيث تمت إحالة بعضهم إلى التحقيق، وبعضهم الآخر أحيل إلى التقاعد من دون أي عواقب، وتم حفظ التحقيق، ولم يعاقب المتهم الأول والمتسبب بسقوط المدينة، نوري المالكي، القائد العام للقوات المسلحة.
اليوم دخلت إيران في مرحلة الدفاع عن نفوذها في العراق، فهي تعلم جيداً أن التاجر ترامب، عفواً الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يريد العراق لحماً وعظماً، وإنه لا يريد معه شريكاً في هذه الغنيمة، وإن على إيران أن تعرف حجمها وحدها، وبالتالي، صار عليها أن تبدأ مرحلة الدفاع عن مكاسبها، ولعل أفضل من يدافع عن إيران في العراق هو نوري المالكي.
تعتبر أميركا اليوم رئيس الحكومة الحالي، حيدر العبادي، رجلها الأول، وقد طالبت حتى الدول العربية والخليجية بالانفتاح عليه ودعمه بمواجهة مرشّح إيران، نوري المالكي الذي يبدو أنه يستعد للعودة إلى الحكم، فهو شخص مرغوب به إيرانياً، وأيضاً بات اليوم يمتلك قوةً دعائيةً كبيرة، تتمثل بالحشد الشعبي الذي دخل، هو الآخر، خط الأزمة، كونه بات يرى تحرّكات العبادي مريبة تستهدفه وتستهدف وجوده.
تعيد إيران اليوم تلميع صورة المالكي، بمحاولة تبرئته من جريمة سقوط الموصل على يد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، كما أنها تسعى إلى أن يكون خط دفاعها الأول في العراق في المرحلة المقبلة، وبالتالي، فإن مرحلة كسر العظم بين العبادي والمالكي بدأت، وقد نشهد أياماً أشد سخونة من صيف بغداد الساخن.
وعلى الرغم من صعوبة أن تعيد إيران البريق لوجه واحدٍ مثل نوري المالكي، متهم ليس بسقوط الموصل وحسب، وإنما بقتل أكثر من 200 ألف عراقي، فإنها ستعوّل على أذرعها المسلحة المختلفة، وأيضاً ماكنتها الإعلامية الضخمة التي تتحكم بكل شيء في العراق، ناهيك عن كياناتها السياسية المختلفة والمنتشرة في عموم العراق، فهل ستنجح في مسعاها، ويكون المالكي على رأس الهرم في عراق 2018؟.
بدا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطابه في قمة الرياض الإسلامية الأميركية أخيرا، وقد اهتدى، فحصر الإرهاب بإيران، ودعا المجتمعين إلى "العمل معاً لعزلها، ومنْعِها من تمويل الإرهاب"، بعد أن كان هذا الإرهاب هيوليّاً وافتراضياً لا كيان له، صوَّره لنا الأميركيون، بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، أنه عابرٌ للقارات، من الواجب عليهم محاربته في كل أصقاع الدنيا، معلنين أن من ليس معهم في تلك الحرب، فهو ضدهم. غير أن تعامل الأميركيين مع الملف النووي الإيراني، أكثر من عقدين، يدّل على أنهم لم يكونوا مرة جدّييّن في مواجهة إيران، بل إنهم أمَّنوا لها عوامل القوة، مدعَّمةً باتفاقٍ بينها وبين المجموعة الدولية، صَبَغَ برنامجها النووي بصِبغةٍ قانونيةٍ، أزاحت فكرة ضربه من التداول.
ولكن، لماذا يريد الرئيس الأميركي التحشيد من أجل مواجهة إيران؟ لا يضيف ترامب شيئاً حين يتكلم عن دور إيران المتعاظم، أو يردَّدَ ما يقوله مسؤولو إدارته عن ضرورة تقطيع أذرعها في المنطقة، كي يقنع مستمعيه، قادة الدول العربية والإسلامية، بضرورة التحضير لمواجهتها، وهم الذين لم يكن يسيطر عليهم، خلال فترة سير أعمال قمتهم، سوى الهاجس الإيراني. لا بد أن ترامب كان في حاجةٍ إلى تأكيد معرفته بهواجسهم حيال إيران، ولا بد أنه اطلعَ على ما بذلوه من جهودٍ لحثِّ الإدارة الأميركية السابقة على الامتناع عن عقد الاتفاق النووي مع إيران، لكنها لم تفعل، فزادت من مخاوفهم من قوة هذا الجار الذي لم يأمنوه، منذ إعلان قادته انتصار ثورتهم الإسلامية سنة 1979.
وإن كان القول إن إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، كانت قاصرةً عن مواجهة الأخطار التي تحدق بحلفاء واشنطن، وكانت سبباً في تراجع دور أميركا في المنطقة، وما قابله من تمدّد "داعش" وتعاظم دور إيران، هو قول مسلّم به، تبعاً لسياساتها المتبعة وسجلِّ ممارساتها، فإن هذا الرأي يعد سديداً من الناحية النظرية. لكن النظر إليه من باب التشكيك يمكن أن يفيدنا أن تلك الإدارة ربما كانت تراقب الوضع عن بعد، وتتعمد الابتعاد كي تأخذ الحوادث مجراها الذي أخدته، فأوصلت المنطقة إلى ما وصلت إليه، وأجبرت سكانها على إطلاق صرخة استغاثة، لبَّتها إدارة ترامب من فورها. وهو في مجمله لا يعدو أن يكون سوى سياسةً أميركيةً جديدةً، تفترق، من حيث ترتيب الأولويات والاستجابة إلى التهديدات، عن سياساتها السابقة التي اتبعتها طوال القرن الماضي، إذا أخذنا الثمار التي قطفها ترامب بعد زيارته الرياض، الأسبوع الفائت، بالاعتبار.
ومن هنا، لا يمكن التصديق أن الولايات المتحدة تسعى إلى خفض التوتر، أو حل النزاعات التي تشهدها منطقة ما، فما بالك بمنطقةٍ تُعْتَبَر النزاعات فيها استثماراً أميركياً تؤتى ثماره بأقل التكاليف والجهود. علاوة على أن النزاعات هي سبيل أميركا إلى تجميع الحلفاء حولها، وزيادة ولائهم لها. لذلك، لا بد أن الإدارة الأميركية وجدت أنه لا يكفي الاستثمار في خطر تنظيم داعش، لكي تُثبت الحاجة إليها، فعمد قادتها إلى تناول إيران ووضعها على الطاولة التي نزلت عنها بعد توقيع الاتفاق النووي، بينها وبين مجموعة الدول الست، في يوليو/ تموز 2015، والعمل على تعظيم خطرها الذي لم يكن خافياً، من أجل العودة إلى المنطقة بقوة، وبأعلى نسبة من الفوائد، من باب مواجهة الخطر الإيراني الذي، لو أنهم كانوا فعلاً جديين في مواجهته، لفعلوا حين تبدّى عبر التمدُّد في العراق وسورية واليمن ولبنان، إذ من المعروف أنَّ هذا التمدُّد يعد خطاً أحمرَ في عرف السياسة الأميركية، يُحظَّر على أي كان تجاوزه.
فمن تجربة الولايات المتحدة مع مواجهة الخطر الإيراني الذي يسوِّقونه هذه الأيام، نستطيع تأكيد عدم جدية واشنطن في ما تدّعيه، فبالنسبة لخطر النووي الإيراني، دأبت وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ومنذ سنة 1995، على التنبؤ بأن إيران على وشك امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي، وردَّدت كثيراً أنه يجب منعها من ذلك بأي طريقة، غير أن الحصول على دليلٍ على هذه الفرضية كان متعذراً على الوكالة، ما جعل واشنطن، وعلى مدى سنوات عديدة، تعمد إلى تكرار التلويح بالعزم على توجيه ضربة عسكرية لبرنامجها في حال توفر الدليل، وتبادلت أدوار التهديد بتوجيه الضربة مع الكيان الإسرائيلي، مُغفلةً واقعة ضرب العراق واحتلاله، بناءً على شبهة امتلاكه برنامجاً كهذا، من دون أن يُطبِّق الأميركيون عليها مقولة وزير دفاعهم الأسبق، دونالد رامسفيلد، المأثورة، عندما تحدّث عن الدليل على حيازة العراق أسلحة نووية، وهي: "غياب الدليل ليس دليلاً على الغياب".
لم يضع ترامب، في خطابه، خطوطاً عريضةً للكيفية التي سوف يتبعها، هو ومن دعاهم إلى العمل معه، من أجل "عزل إيران"، أو تقطيع أذرعها، لوقف إرهابها وتمويلها الإرهاب. لكنه بكلامه ذاك وضع أجندةً للخطوات التي ستتبعها بلاده للعودة إلى المنطقة بقوة، من أجل إطفاء الحرائق التي يتعذّر إطفاؤها بسهولة، بعد أن استعرت نارها ولم يسلم أحد من لهيبها، إن صدّقنا أن أميركا يمكن أن تعمل فعلاً على إطفاء أي حريق.
قبل نحو عشرين عاماً، وكنا في نقاشٍ حادّ مع "دولة رئيسٍ" لبناني يُفاخِر ليل نهار بأن لحم أكتافه السياسية من خير النظام السوري، استمْهَلَنا ليخفّ الجمْع، وقال لنا هامساً: "ما بْتِفْهَمو شو بْتِحْكو، ما بْتَعِرْفو السوريين، والله حافظ الأسد وولاده قدّامهم قمّة التحضُّر والتطوُّر، ما حدا غيره بْيِكْمِشْهُم اذا فَلَتو، واذا صار لهالعيْلة شي رح تندمو على كل كلمة ضدهم".
قصة لا داعي لإكمالها... نعود إليها لاحقاً.
بعيداً من الوقوف عند تفاصيل جريمةٍ ضدّ سوري لاجىء في لبنان أو خصامٍ على الهواء بين لبناني وسوري يتعمّد كلٌّ منهما توثيق أبْشع ما لدى الآخر عبر وسائل التواصل.
وبعيداً من "تَصيُّد" الأخطاء، وهي كثيرة، والمُعايَرة واستحضار تواريخ المساعدة والاحتضان سابقاً.
وبعيداً من كل المعطيات والأرقام الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة من المنظّمات الدولية واستفادة المنظّمات الدولية من هذا الملف.
وبعيداً من الفوضى والتشتّت في تنظيم اللجوء قانونياً، والإدراك الاجتماعي الخاص بالتوالد والتكاثر في أصعبِ الظروف من دون أيّ اكتراثٍ لزمنِ الخيام وأكواخ الصفيح، ورفْض تسجيل المولودين وحتى المتوفّين.
وبعيداً من مطالبة اللبنانيين لدولتهم بتنظيمِ سوق عملِ العاملين السوريين أسوةً بما يحصل في مصر والأردن وتركيا.
بعيداً من ذلك كله، يبدو جلياً ان اللجوء السوري الى لبنان والظواهر العنصرية المصاحِبة والفوضى المنظَّمة المترافِقة ... صارتْ أسلحة الأسد لابتزاز لبنان رسمياً وشعبياً بورقةِ "الغدِ الداكن".
مَن يقود الحملة العنصرية ضدّ اللاجئين السوريين في لبنان هم حلفاء بشار الذين يفترض بموجب علاقتهم المميّزة بالممانعة ان يكونوا الأكثر تَسامُحاً بل في الخندق المُدافِع ... واللافت أكثر، أن نظام بشار أَدْلج مسألةَ اللجوء بالشكل الآتي:
"طرفٌ لبناني ضدّ سورية لَعِبَ دوراً في تسليح الإرهابيين استخدم ورقة اللجوء في إطار خطةٍ أمنية تجهيزية خصوصاً في طرابلس والشمال وهذه الخطة ستنقلب على لبنان مستقبلاً.
لا يوجد ما يستدعي اللجوء لأن الحياة في مناطق كثيرة طبيعية وهناك مِن اللاجئين مَن يمضي نهاية الأسبوع في سورية، وهناك مَن عاد وشارك في المواجهة ضد الإرهابيين.
المنظّمات الدولية تتجاوز السلطتيْن اللبنانية والسورية وتعقد صفقاتٍ مباشرة مع اللاجئين وحتى مع محلات السوبرماركت، وهذه المنظّمات جزءٌ من مؤامرة ضدّ النظام في سورية.
لا نعرف عدد اللاجئين ولا عدد مَواليدهم ولا عدد مَن يموتون ويُدفنون في لبنان وهؤلاء سنعتبرهم مفقودين لاحقاً وسيُدرجون في أزمة قانونية مع لبنان.
كلّ عملٍ غير منضبط من اللاجئين، مثل ارتكاب الجرائم على أنواعها او حالات التسوّل والدعارة او عدم تنظيم الوضع الاجتماعي بتوثيقِ حالاتِ الزواج والولادة والوفاة، يخدمنا ويُثْبِت للبنانيين ان الرئيس بشار الأسد الوحيد الذي بإمكانه ضبْط هؤلاء ويؤكد ان اهتزاز النظام في سورية سيَدفع ثمنه لبنان.
كل فعلٍ او ردّ فعلٍ عنصري من اللبنانيين تجاه السوريين مثل التعرّض لهم ومحاصرتهم وتحديد حركتهم والصراخ الدائم مِن سَرِقتهم عمل اللبنانيين او استهلاك الكهرباء ... يَخدمنا ويُثْبت للسوريين ان مَن انتفض طالباً الحرية وبحثاً عن كرامةٍ فَقَدَ كرامَته في بلدٍ حرّ مثل لبنان، وان التعبئة مطلوبة للحظةِ الانتقام من الذين أذلونا.
وأخيراً وليس آخراً، فإن حلّ هذه المسالة لن يتمّ إلا بانفتاحٍ لبناني رسمي على النظام السوري وتأسيسِ لجانٍ مشتركة تتولى بحْث ملف اللاجئين".
انتهتْ وجهة نظر النظام السوري، وخلاصتها في النقطة الأخيرة تسليم جميع المعارضين كالخراف ليتمّ ذبْحهم في المزة وحرْقهم في صيدنايا، وابتزاز النظام اللبناني لاحقاً وسجْنه في هذا الملف، وإبقاء سيف التوتّر فوق رقاب "شعبٍ واحد في دولتين".
هذا ما يريده النظام السوري تحديداً. فكلُّ قضيةٍ ورقة في خدمته. لم تَحصل مجازر، لم تُحاصَر مدن وقرى، لم تُفرض حرب التجويع، لم تُقذف صواريخ ولا براميل، لم يُذبح معارضون ولم تُحرق جثث ولم تصبح السجون مقابر... ما في شي بحمص ولا حلب ولا حماه ولا إدلب ولا ضواحي دمشق ولا درعا ومحيطها. هؤلاء أتوا فقط ليعرف اللبنانيون أهمية بقاء هذا النظام "الحضاري" حاكماً.
لم يكن السوريون مجتمعاً حياً قبل البعث، لم يكن لديهم انفتاحٌ وتسامحٌ وتعدديةٌ وحرية إعلام، لم يكن لديهم أوّل رئيسِ وزراءٍ مسيحي قبل اكثر من 60 عاما. لم تكن لديهم مؤسساتٌ صناعية ساهمتْ في تكوينِ طبقةٍ وسطى. لم يُذلّ السوريون في الداخل مع حكم الأسد، لم تُكمم أفواههم، لم يفتقدوا أبسط مقوّمات الحياة، لم يُحرموا من العدالة في المناصب، ومن الحرية وتَداوُل السلطة، لم يتم إشغالهم بالوضع المعيشي ليل نهار كي ينسوا السياسة ويَعتبروا كل مستشفى او مدرسة او مصرف او سيارة او وظيفة منّة من الأسد، ولم يتم ترييف المدن وتغيير المعادلات الديموغرافية وإعدام التوازن المطلوب بين المناطق. هؤلاء السوريون أتوا فقط ليَشْهَدَ اللبنانيون أنهم ركضوا وراء الدولارات السبعين التي تمنحهم إياها الأمم المتحدة مع علبة حليب وكرتونة جبنة.
عودٌ على بدء. المسؤول اللبناني الذي حَذَّرَنا "ما بْتَعِرْفو السوريين"، يَعرف النظام فقط ويَعرف تماماً كيف يُشخِّص مَصْلًحَتَه. لكن السوري الذي فضّل ان تبتلعه أمواج البحر هرباً من "تَحضُّر" الأسد يعرفه ويعرفك. هذا السوري القابع تحت خيمةٍ في الثلج يعرفه ويعرفك. هذا السوري المُسْتَسْلِم لرحمةِ الطقس والمعونات والعقارب السامة ولدغات "الشبيحة" من أبناء بلده المُنْدَسّين في المخيّم وعملاء النظام اللبنانيين يعرفه ويعرفك. هذا السوري لن يعود الى "سورية الأسد"، لأنه يريد أن يعود الى سورية فقط ... سورية التي لا تريد أن تعرفها.