مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٩ نوفمبر ٢٠١٧
هـل أخطأ سعد الحريري؟

يوم وجد رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري نفسه محاصراً بجو سياسي داخل حكومته، مناقض لخطه وللمبادئ التي ورثها من والده الشهيد رفيق الحريري، غادر بيروت إلى المملكة العربية السعودية، ومن هناك، من العاصمة الرياض، أعلن استقالته عبر الشاشة التلفزيونية.

كانت تلك الاستقالة بموقعها، وبمضمونها، حدثاً استثنائياً في تاريخ لبنان. وكانت أسبابها واضحة ومحددة من دون شرح مطوّل: الحكم بات صعباً بالضغوط على الحريري من داخل ومن خارج.

وجاءت تلك الاستقالة بعد ساعات من زيارة وفد إيراني رسمي على مستوى عال برئاسة مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الدكتور علي أكبر ولايتي في اليوم الثالث من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. ولم تكن لتلك الزيارة غاية سوى وضع علامة على أن إيران حاضرة في مركز القرار اللبناني، وكان لا بدّ للزائر من إطلاق «صاروخ» سياسي من ردهة ديوان رئيس الحكومة اللبنانية على إسرائيل.

لم يكن رئيس الحكومة اللبنانية، ولا لبنان، بحاجة إلى ذلك «الدعم» الإيراني، ففي الخطب والكتابات والتصريحات اللبنانية والعربية ما يكفي ويزيد من تلك «الصواريخ» الإيرانية وسواها. لذلك اختار الحريري اللجوء إلى المملكة العربية السعودية لمراجعة حساباته الحكومية والسياسية قبل اتخاذ قراره. أي أنه لجأ إلى جدار يحميه. وهو إذ عاد بعد 19 يوماً إلى بيروت فاجأ اللبنانيين والأوساط الخارجية بقبوله تمني رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون الاحتفاظ بالاستقالة، وقد قبل التمني، وبات «رئيس الحكومة اللبنانية المعلق على الاستقالة المعلقة».

هل كانت خطوة الحريري موفقة؟.. يُرجى أن يكون الجواب أنه عاد من أجل سلامة لبنان والحفاظ على مصالح اللبنانيين، ولهذه الأسباب وافق على الاحتفاظ بالاستقالة.

وسؤال آخر: هل نال سعد الحريري وعوداً من رئيس الجمهورية، ومن رئيس مجلس النواب، بأنه سيتمكن مع حكومته، وفيها وزراء العهد ووزراء «حزب الله»، من تنفيذ برنامج الحكومة الإصلاحي، الإنمائي، الاقتصادي، الاجتماعي، والمالي؟

وهل سيتمكن من ضبط سياسة وزير الخارجية لتتلاءم مع سياسة لبنان التقليدية بالحفاظ على سلامة العلاقات مع الدول العربية على قاعدة احترام سيادة واستقلال كل دولة، وعدم التدخل في شؤونها، مع التزام بنود ميثاق الدفاع العربي المشترك في مواجهة إسرائيل؟

إن هذه القاعدة التي استقرّ عليها لبنان لا تحول دون تصديه منفرداً لأي عدوان إسرائيلي عليه، خصوصاً أن جيشه وقد بات محصناً ومدرباً ومتمكناً من خبرته، وعتاده وعديده، واستعداده لحماية وطنه وشعبه، كما لا يحول دون انخراط مقاومته الشعبية المنظمة والشجاعة المدربة والمجربة في التصدي لإسرائيل؟

ثمّة تساؤلات مطروحة على رئيس الحكومة العائد إلى ديوانه لاستئناف مهماته ومسؤولياته. فاستقالته كانت خطوة كبيرة وخطيرة، والاحتفاظ بها مبادرة كبيرة وخطيرة، والمهم سلامة لبنان واستقراره وسلامة علاقاته مع الدول العربية، وضمان صموده، وتنفيذ ما أمكن من بنود برنامج الحكومة، وأهمها: الإصلاح، وأول الإصلاح تأمين الماء والكهرباء والصحة العامة، وسلامة الليرة، والعمل للفقراء ومتوسطي الحال، وقد باتوا الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني.

وكم ستطــول فــترة الاحتفاظ باستقالة الحكومة؟ قسم كبير من اللبــنانيين يتــنى على الحــريري اختصار المهل لكي يمتلك السلطة والقدرة على تنــفيذ وعوده، ثم إن المطلوب ليس «النأي بالنفس» إنما «النأي بلبنان» عن سياسة التهور والارتجال، وعن تعمد الشهرة على حساب حريات اللبنانيين ومصالحهم ومتطلبات عيشهم وأمنهم واستقرارهم.

المطلوب «النأي بلبنان» لتفادي أخطار التهوّر في الداخل، وفي المحيط العربي المتفجر، وإذا كان لا بد من «النأي بالنفس» فليكن النأي عن التخاذل والفساد، والإفساد في الدولة وبين الناس.

تعب اللبنانيون من الوصايات. بل ضعف إيمانهم بموطنهم. ففي مراحل سابقة كان الأخ العربي الجار قد فرض نفســه وصياً عليهم، إلى درجة أن هذا الوطن العليل فقد قراره الــحرّ منــذ أن أطبق النظام السوري قبضته على بيروت، وصادر مفاتيح إدارتها السياسية والعسكرية وشؤونها المـــحلية بكل تفاصيلها، بدءاً بالمختار، وصولاً إلى السرايا ومجلس النواب، فالقصر الجمهوري. حدث ذلك في الربع الأخير من القرن الماضي، وتحديداً في السنة الخامسة من ولاية الرئيس الأسبق سليمان فرنجية (1970–1976).

لم يبق من أقطاب تلك المرحلة سوى عدد قليل. لكن الذين عايشوا زمن الردع ومـــعاهدة «الأخــوة والتــعاون والتنـــسيق» لا يزال منهم مئات الألوف الذين يتابعون تطوّر أوضاع وطنهم عبر الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، ومن نكبة إلى نكبة، ومن شــهيد إلى شهيد، وصولاً إلى يوم رحيل الحاكم العسكري السوري الملقّب بـ «رئيس جهاز الأمن والاستطلاع»، وقد غادر بيروت في ذلك اليوم من شهر آذار (مارس) 2005، حاملاً بندقية المقاومة تذكاراً مهدى إليه من جبهة المقاومة اللبنانية. وبرحيله انتهى زمن الوصي السوري على لبنان.

ولأن الزمن لا يفصل بين وصي وآخر، إلا بالتاريخ، لم يشعر اللبنانيون بأنهم استردوا حرية قرارهم بالكامل، لأن ثلاثين سنة من الوصاية الـــثقيلة علـــيهم كانت قد أخذت قسطاً طويلاً من أعمار أجيالهم الشـــعبية والسياسية والأمنية والثقافية، خصوصاً أن الوصي كان قد ترك بينهم مصطلحات ثقيلة للوطنية والقومية والعروبة، وحتى الديموقراطية، والحرية، والمدنية، ولا تزال قيد التداول والالتزام.

ويتذكر اللبنانيون وسواهم من العرب والفرنسيين وسائر الأوروبيين تلك الحملة التي رافقت سعد الحريري من بيروت إلى الرياض، وما رافقها من معلومات وعناوين: الحريري سجين، ومعزول، ومحبط، وممنوع من السفر، ومن استقبال أفراد عائلته، ومن الاتصال بهم، أو الاستعلام عنهم، حتى أنه لا يعرف شيئاً عن أحوالهم... إلى أن ظهر في باريس، وفي باحة قصر الإليزيه، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في استقباله بمراسم الرؤساء للضيف الآتي من عاصمة المملكة العربية السعودية في طريقه إلى مدينته وعاصمته بيروت.

ما فعله الرئيس ماكرون كان تعبيراً عن مضمون ميثاق مدني حضاري بين فرنسا ولبنان عبر التاريخ القديم، حتى في زمن الانتداب، أو الاستعمار.

ولعلّ ماكرون عثر في أرشيف «الإليزيه» على وثيقة فرنسية- لبنانية يعود تاريخها إلى زمن الانتداب، وهذا مقطع منها مترجماً إلى العربية:

«التــكرّس للــخير الــعام ضرورة لكم، يا شباب لبنان، وأنتم اليوم في مرحلة إعادة البناء. وهذا الواجب العظيم يتخذ معنى مباشراً، وملحاً، لأن أمامكم وطناً عليكم أن تبنوه على هذه الأرض الرائعــة المــجبولة بالتاريخ، إذ يجدر بكم أن تبنوا دولة، لا لتتقاســموا وظائفها فقط، وتمارسوا رموزها، بل لتعطوها خصــوصية حـــياتية وقــوة داخـــلية، فمــن دونها لن تكون إلا مجموعة مؤسسات فارغة. لذا يجب أن تعمــلوا لتخــلقوا وتنــمّوا شــعوراً عــاماً هو الانصياع الإرادي من كل واحد منــكم للمــــصلحة العامة. هذا هو الــشرط الموجب لسلطة الحكام وللعدالة الحقيقية في المحاكم. وللنظام العام في الشارع، وللضمير المهني للموظفين. فلا دولة من دون تضحيات، ومن التضحيات خرجت دولة لبنان».

هذا الكلام ليس لبنانياً. إنه مقطع من خطاب للجنرال شارل ديغول وجهه إلى شباب لبنان زمن كان في بيروت ممثلاً لسلطة الانتداب الفرنسي، وكانت المناسبة رعاية حفل تخرّج دفعة من طلبة الجامعة اليسوعية في بيروت. وقد جاء ذلك الخطاب في زمن كانت عبارات الحرية والديموقراطية والعدالة تغيب عن خطب المسؤولين الفرنسيين واللبنانيين. والواقع أن نخباً من القيادات السياسية اللبنانية الوطنية كانت قد درست وتخرّجت في زمن الانتداب الفرنسي ثم ثارت عليه، وكرّست شطراً كبيراً من حياتها لقضايا لبنان والعروبة.

اللبنانيون يناضلون ويصمدون كي لا يكون حظ وطنهم من سوء حظ فلـــسطين وقضيتها الحية منذ نحو سبعة عقود، كانت ولا تزال، ذخيرة حية للسياسة وللجهاد وبناء الزعامات والقيادات والاستثمار في بعض الدول والأنظمة والأحزاب، حتى صارت مثل «مسمار جحا» يحق لحامله أن يدخل به البيوت التي تستهويه فيغرز مسماره في صدور جدرانها ويعلق عليه «القضية»، ومعها السلاح والخطاب الثوري.

بذلك المسمار، دخل الوصي الإيراني لبنان، وصار من أهل البيت. بل رفع ما يسمى «الكلفة» بينه وبينهم.

لكن الإيراني يدرك أن ذلك النوع من التصريحات لا يفيد لبنان، ولا يفيد إيران، بل يبني جدراناً من الشك والبغضاء بينها وبين اللبنانيين الذين، بمعظمهم، ينشدون الصداقة والتعاون مع من يتفهم قضيتهم ويحترم وطنهم وشعبهم، ودولتهم، حتى وإن كان بعضهم ضد سياستها في الداخل والخارج.

فاللبنانيون اليوم لا يحتاجون إلى صواريخ حربية، ولا إلى صواريخ سياسية تأتيهم من إيران، أو من أي جهة أخرى. كل ما يحتاجون من إيران حسن العلاقات والاحترام المتبادل.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٧
قراءة في مقال إبراهيم كالين حول سوريا

كتب إبراهيم كالين، الناطق باسم رئاسة الجمهورية التركية، مقالا خلال الأسبوع الماضي تحت عنوان: "ما هي الخطوة التالية في سوريا؟"، وذلك قبل أيام فقط من القمّة الثلاثية التي جمعت كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني.

المقال على درجة عالية من الأهمية، وقد قصد منه توجيه الرسائل للمعنيين فيما يتعلق بتشخيص تركيا لما وصلت إليه الأمور في سوريا وموقفها كذلك من الوضع الحالي وتطلعاتها المستقبلية.

في المقال المذكور، يحمّل كالين مسؤولية ما آل إليه الوضع في سوريا إلى الولايات المتّحدة الأمريكية وإلى إدارة أوباما تحديدا، حيث قال إنها "أخفقت في اتخاذ أي إجراء جدي ضد النظام السوري، حتى بعد استخدام الأسلحة الكيميائية، التي كانت توصف بالخط الأحمر"، وأنّ هذا الأمر أدى إلى اتساع نطاق الحرب، وصعود الإرهاب، ودخول روسيا وإيران بقوة إلى جانب النظام.

يحدد كالين في مقاله هذا ستة أهداف تركية في سوريا هي:

1) وجوب الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

2) تطهير الأراضي السورية من جميع عناصر الإرهاب.
 
3) وجوب مغادرة جميع المقاتلين الأجانب (سواء كانوا يقاتلون إلى جانب النظام أو حزب الاتحاد الديمقراطي وغيرهم) من سوريا.

4) تشكيل حكومة انتقالية تشمل جميع السوريين المعنيين.

5) تمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

6) صياغة دستور جديد يعكس إرادة جميع السوريين وآمالهم نحو الديمقراطية والحرية وسيادة القانون والمساواة للجميع.

من الواضح أن الأهداف لم توضع بترتيب معيّن، لكن هناك إشكاليتان فيها على الأقل بالنسبة لتركيا. الأولى تتعلق بموضوع مغادرة "جميع المقاتلين الأجانب"، وهي نقطة تتطرّق أيضا بشكل غير مباشر إلى المليشيات الشيعية الإيرانية التي تقاتل إلى جانب الأسد. والثانية هي موضوع إجراء انتخابات حرّة ونزيهة.

من المبكّر ربما مناقشة الإشكالية الثانية، لكن من السذاجة بمكان أن نعتقد أنه سيكون هناك انتخابات نزيهة وشفافة في أي مرحلة من مراحل التسوية في سوريا، في ظل وجود نظام الأسد.

وسبق أن تطرقنا إلى هذا الأمر مرات عدة منذ وقت طويل. أمّا في موضوع المليشيات الشيعية، فلا شك أن تركيا والولايات المتحدة وربما روسيا أيضا لا تحبّذ تواجدها، لكن من سيقنع إيران بوجوب قبول هذا الأمر أو يجبرها على ذلك؟

إذا لم تحصل أي صفقة بهذا الخصوص، فإن الجواب سيكون "لا أحد"، وهذا يعني أن هذه المليشيات ستبقى في سوريا بشكل أو بآخر حتى تثبيت الأسد على أقل تقدير.

أشار كالين في مقاله إلى أن موضوع (بي واي دي) خط أحمر بالنسبة إلى تركيا، وأنّه لا يمكن القبول بمشاركة المليشيات الكردية في العملية السياسية.

الإشكالية في هذا الطرح، أن روسيا لا تصنف هذه المليشيات الكردية على أنها مليشيات إرهابية.

من الممكن أن تنجح تركيا في إقناع روسيا وإيران بعدم إشراك هذه العناصر الكردية كتنظيم، لكن سيبقى هناك مصلحة لموسكو دوما في أن يشارك ممثلون عن هذه المليشيات بطريقة أو بأخرى وإن ليس باسم (بي واي دي).

في المقال ذاته، لفت كالين إلى أن "مصير بشار الأسد محل خلاف"، مضيفا: "لكن من الواضح أنه ليس الشخص الذي سيقود سوريا إلى حكم ديمقراطي وشامل. وبالنظر إلى جرائمه بحق الشعب السوري، لا يمكن أن يُعهد إليه بمهمة لم شمل السوريين. يجب ألا يكون للأسد مكان في مستقبل سوريا، ويجب على الروس والإيرانيين أن يدركوا أن إبقاء الأسد في السلطة ليس هو السبيل لحماية مصالحهم في سوريا".

لا شك أنّ هذا كلام جيد ويعبر عن الموقف التركي الثابت، لكن المشكلة أن رأي أو موقف تركيا في هذا الموضوع بالتحديد لم يعد يهم من زمن بعيد، فأنقرة لا تمتلك أي أداة للضغط باتجاهه أو الدفع لتنفيذه لا سيما مع تراجع واشنطن عن مطلبها برحيل الأسد منذ سنوات، وانضمام السعودية مؤخرا إلى نفس المسار.

وبهذا المعنى، فإن الكلمة الأولى والأخيرة في موضوع بقاء الأسد هي لروسيا وإيران.

وفي الوقت التي تلتزم فيه إيران ببقاء الأسد، لم يصدر أي تعبير حقيقي من موسكو عن نيتها تغييره، بالرغم مما يقال عن إنه لا مشكلة لديها في ذلك.

وفي هذا السياق، لا أستطيع أن أرى أن هناك شيئا يمنع الأسد فعليا من التواجد في بداية المرحلة الانتقالية وخلالها، وفي نهايتها أيضا، لا بل على الأرجح أن يشارك في الانتخابات المزمعة إذا بقي المسار على حاله كما تمت الإشارة إليه سابقا.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٧
قطار بوتين والعربة التركية - الإيرانية

للمرة الأولى منذ اندلاع حروب التدمير الشامل على خريطة سايكس - بيكو العربية، يتبلور توافق روسي - أميركي - غربي على تقاسم أعباء التسويات.

تسويات لن تكون بحجم تطلعات كل أطراف الصراعات الإقليمية والدولية، بل ستُجرّع بعضهم كأس حلولٍ مُرّة... بعد مآسي الجحيم التي كادت أن تبتلع دولاً عربية أو تمحوها.

وإن بدا مفارقة إعلان روسيا وإيران الانتصار على «داعش» في سورية والعراق، تتجمع خيوط كثيرة حول إطلاق قطار التسويات المُرّة. تقاسم الأعباء والأدوار يطلق يد القيصر الروسي الرئيس فلاديمير بوتين ليحرّك قطار الحل «السوري»، ويمنح الرئيس دونالد ترامب شِيكاً على بياض لينجز «صفقة القرن» الإسرائيلية - الفلسطينية، فيما يكلّف الأوروبيين تبريد المواجهة مع إيران، واحتواء تداعيات الأزمة اللبنانية.

ولأن الاتحاد الأوروبي تتبدل أحواله بأزمات كبرى («طلاق» بريطانيا وانكفاء ألمانيا - مركل، واستيعاب المهاجرين)، تتقدم فرنسا لتجميد معضلة الاتفاق النووي الإيراني لدى إدارة ترامب، وإخماد شرارات مواجهة بين واشنطن وطهران. يفوّض الغرب والإدارة الرئيس إيمانويل ماكرون تجميد أزمة استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، لأن اضطراب لبنان يخلّ بالأولويات الأميركية - الروسية.

«حان وقت التسوية» لإخماد البركان السوري. يدشن بوتين «المرحلة الجديدة» باستدعاء الرئيس بشار الأسد عشية القمة الروسية - الإيرانية - التركية في سوتشي، ليبلغه أن سلة «التنازلات» الملحّة لا تستثني نظامه الذي مدّدت عمره القاذفات الروسية.

يطلب القيصر تفويضاً أميركياً كاملاً لتمرير الحل في سورية، بعد هزيمة «داعش» الإرهابي. يطلب سيد البيت الأبيض تدخل الكرملين لكبح جموح كوريا الشمالية وضبط إيقاعها النووي، بعدما هددت المبارزة الساخنة بين ترامب وكيم جونغ أون بحرب ذرية. وفيما يندفع بوتين لاستثمار «الانتصار على الإرهاب» في سورية، مبرراً النهاية الوشيكة للعمليات العسكرية الروسية هناك بنضوج ملامح التسوية، يختار ترامب «الصفقة» الشرق الأوسطية، بنسخة إسرائيلية.

فصائل المعارضة السورية منهكة، وغبار معارك «داعش» وغازات السلاح الكيماوي أجهزت على ما بقي من الثورة. يختار القيصر لحظةً لخنق الحلم السوري بمحاكمة النظام، ويقايضه بـ «تنازلات» وإصلاحات، لا بد أن ينصاع لها مسرح الضعفاء. أما ترامب الذي قفز عن سنة في البيت الأبيض من دون كشف مبادرته «السرية» لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فيختار أيضاً الضغط على الضحية، لتمرير صفقة لن ترضي سوى الجلّاد. صحيح أن السلطة الفلسطينية ليست في موقع القادر على مقاومة الضغوط الأميركية، لكن الصحيح أيضاً أن لا الرئيس محمود عباس ولا أي زعيم فلسطيني يمكنه التنازل في ملفي القدس واللاجئين، في مقابل حدود موقتة لدولة لا تداني حكماً ذاتياً.

لا الحلم السوري في متناول المعارضة، ولا الحلم الفلسطيني على أبواب الفصل الأخير في المعركة مع العنصرية الإسرائيلية ورعاتها الأميركيين في الكونغرس وإدارة ترامب. لا سيد البيت الأبيض قادراً وحده على جرّ الفلسطيني إلى فخ «صفقة القرن»، ولا القيصر يستطيع إرغام كل فصائل المعارضة السورية على التعايش مع بقاء الأسد على رأس النظام ولو لسنة، قبل تنظيم انتخابات.

ولكن، على مسرح الضعفاء، وحين يراهن الأقوياء على شراء غطاء من الأمم المتحدة للتسويات المرّة، تتضخم هواجس الخوف من ارتدادات التخوين والمبارزات الغبية بين الضحايا. إذّاك تصبح المصالحة بين «فتح» و «حماس» مرشحة لانهيار سريع قبل أن تكتمل، ويتحول قطاع غزة مجدداً إلى مسرحٍ لفصل آخر دموي، باقتتال الفلسطينيين.

... ويتضخم القلق من ميل بعض المعارضين السوريين إلى الالتحاق بقطار القيصر بأي ثمن، ولو في عربة تركية - إيرانية، قد تميل إلى الانحراف وفق أهواء أنقرة وطهران ومصالحهما.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٧
أكراد سوريا هدية جديدة لطهران

الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان يوحي بأن الأمريكيين بدأوا التخلي عن دعمهم لأكراد سوريا. قالت أنقرة بعد الاتصال إن ترامب تعهد بذلك، وقالت واشنطن إنها قررت أن تعدل دعمها على الأرض لحلفائها في سوريا. إنها واشنطن نفسها التي سبق أن انكفأت عن حلفائها الأكراد في العراق، وعن أي دعم للتشكيلات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية بعد أن كانت وضعت «خطوطا حمرا للأسد» تحولت خضرا بعد أيام قليلة. وهي واشنطن أيضا التي لم تبد اكتراثا بمسيحيي لبنان ووضعتهم بين يدي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وهي فعلت مع الفلسطينيين في مفاوضاتها كل صنوف التخلي مجتمعة.

واشنطن تؤسس لانعدام ثقة كبير في موقعها، على رغم أنها تطرح نفسها مرجعا أخيرا في أي قرار يتعلق بالمنطقة، فاليوم إذا أضفنا الاتصال الهاتفي بين أردوغان وترامب إلى سلسلة التحركات التركية، فسنخرج بنتيجة سبق أن اختبرناها في مواقع سابقة، وتتمثل في أن طهران هي من سيتقاضى ثمن تخلي الأمريكيين عن أكراد سوريا، والغريب أن ذلك يجري في سياق مواجهة كبرى بين الأمريكيين والإيرانيين. أردوغان ذهب إلى سوتشي وفاوض حسن روحاني وفلاديمير بوتين على سوريا كلها في مقابل ضمانات في الموضوع الكردي. وعاد إلى أنقرة وتوّج ذلك باتصالٍ مع ترامب. طهران ستأخذ في سوريا وتعطي في روج آفا، وفي المقابل تولى أردوغان تأمين غطاء أمريكي لهذه المبادلة، في ظل انسداد قنوات التواصل بين واشنطن وطهران.

السياسة الأمريكية تشتغل على خطوط منفصلة تماما عن خطوط خطاب واشنطن. في العراق حققت طهران انتصارات ميدانية هائلة لم تكن واشنطن بعيدة عنها. خاضت طهران معركة الموصل بغطاء جوي أمريكي. تم هزم «داعش» هناك، وفي هذه الحرب كان ثمة مهزومون كثر ومنتصر واحد هو طهران.

صحيح أن القضاء على «داعش» كان هدف الجميع، لكن الجهة الوحيدة التي استثمرت في هذا النصر كانت طهران. وبعد ذلك جاء دور الأكراد في العراق. فما جرى أن الاستفتاء أثار في طهران حفيظة مختلفة عن تلك التي أثارها في واشنطن. الاستفتاء بالنسبة إلى طهران كان إعلان انفصال عن إقليمها العراقي، وبالنسبة إلى واشنطن كان تصديعا لجبهة الحرب على «داعش». تم القضاء على الاستفتاء، ودفع الأكراد أثمانا باهظة عن خطأ التوقيت، منها كركوك والمناطق المتنازع عليها. طهران وحدها من تقاضى هذه الأثمان، وما فعلته واشنطن كان مجرد دفع للأكراد إلى أحضان طهران.

يبدو أن التجربة ستتكرر في سوريا، أو في روج آفا تحديدا، ذاك أن شعور الأكراد هناك بسحب الغطاء الأمريكي عنهم، سيدفعهم إلى البحث عن بديل يقيهم وطأة الغضب والانتقام التركي. أمامهم موسكو وطهران، وإذا كانت للأخيرة حساسية حيال التعاطي مع ظاهرة انفصالية كردية تمت بعلاقة بحزب العمال الكردستاني، فإن خبراتها المستجدة على هذا الصعيد تساعدها على التخفف من أثقال الخبرة الداخلية. العلاقة مع «بي كي كي» التركي والسوري اختبرت في سوريا وفي العراق أخيرا، وجرى تعميدها في الحرب على مسعود بارزاني تارة، وخلال احتقان العلاقة وتنظيمها بين النظام السوري ووحدات حماية الشعب الكردي في مناطق شمال سوريا.

لا ينتظم الحضور الأمريكي في المنطقة مع المهمة الرئيسة التي تطرحها واشنطن على نفسها في إقليمنا. المواجهة مع طهران تحصل في ظل إفساح هائل في المجال للأخيرة لكي تتحصن بشبكة نفوذ عسكري وأمني وسياسي. اليوم ثمة حلف دولي مثلث الأضلاع يضم طهران إلى أنقرة وموسكو، فيما هي منخرطة في حلف آخر يضمها إلى موسكو مع النظام في سوريا، والصين أيضا ليست بعيدة، ناهيك عن الجماعات السياسية والأهلية التي تستمر واشنطن في قذفها إلى أحضان طهران، بدءا من الأكراد ووصولا إلى المسيحيين في لبنان، ومرورا بمرارات الجماعات السنية في علاقتها مع الدولة العظمى.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٧
الصراع في "فتح الشام" وصولاً لـ "هيئة تحرير الشام" بين مؤيد ورافض لفكر القاعدة يفتح باب مواجهة معلنة

كانت بداية إعلان "أبو محمد الجولاني" أمير "جبهة النصرة" آنذاك في الثامن والعشرين من شهر تموز من عام 2016، فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة وتغيير اسمها لـ"جبهة فتح الشام" تلبية لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي حسب قوله، بداية التوتر والخلاف بين مكونات الجبهة بين مؤيد لفكرة فك الارتباط لما فيها من مصلحة استمرار مشروع الجبهة، وبين رافض ومصر على الاستمرار في الارتباط برأس القاعدة في أفغانستان.

سبب فك الارتباط انشقاقات داخلية كبيرة لدى "جبهة فتح الشام" وعزوف العديد من القادة العسكريين والشرعيين والعناصر عن العمل ضمن مكوناتها، منهم من انتقل لمناطق سيطرة تنظيم الدولة ومنهم من فضل البقاء في مناطق سيطرة الجبهة، مع بعض الفصائل الأخرى كان منها لواء الأقصى الذي بايع التنظيم وأيضاَ شخصيات عدة كانت تعمل على مشروع بناء كيان مقابل للجبهة يعيد الارتباط بالقاعدة.

تجدد الحديث عن مشروع الارتباط بالقاعدة والذي قادته شخصيات عدة منهم شرعيين كبار، لهم تأثير في الوسط الجهادي لاسيما لدى المهاجرين في سوريا، بعد تشكيل هيئة تحرير الشام وبدأ الانشقاقات عنها، ليتم الحديث عن بداية ظهور مكون جديد في الشمال السوري ينضوي فيه المنشقين عن الهيئة من المهاجرين والشرعيين وقادة عسكريين، وفعلياً بدأ الحديث عنه بعد أن وجه "الظواهري" رسالة جديدة للجولاني يطالبه فيها بإعلان البيعة للقاعدة من جديد.

المصادر تحدثت في تلك الأثناء عن رفض "الجولاني" تجديد البيعة وتوعده بإنهاء أي مكون جديد تحت أي مسمى كان في الشمال، وهنا جاءت ما عرف بـ "مبادرة أهل العلم للصلح بين المجاهدين" في تشرين الأول 2017، وشملت الدعوة بحسب البيان آنذاك جميع الأطراف للرجوع لأهل العلم وتسليمهم الزمام لحل المعضلات والفصل في قضايا الخلاف وعلى رأسهم هيئة تحرير الشام وجيش الأحرار والمبايعين لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام، وجميع الفصائل والجماعات التي عزمت أمرها على تحكيم الشريعة وسيادة سلطانها.

وقع على البيان كلاً من " الشيخ أبو قتادة الفلسطيني - الشيخ أبو الفضل الحدوشي - الشيخ أبو محمد المقدسي - الشيخ أبو عبد الرحمن المكي - الشيخ أبو عبد الله الهاشمي - الشيخ أبو ماهر ملحم - الشيخ أبو حذيفة السوداني - الشيخ أبو محمود نائل مصران".

بقيت قضية الصلح والحل ضمن غرف مغلقة تم الحديث فيها مطولاً دون التوصل لحل بين قيادة تحرير الشام وأصحاب الفكر القاعدي الذين عملوا خلال هذه الفترة على استقطاب المزيد من المناصرين لهم من فلول جند الأقصى والمنشقين المهاجرين عن تحرير الشام، وشخصيات مهاجرة عديدة وعناصر، بعد التحول الذي لمسوه في سياسة تحرير الشام، وكان مركز نشاطهم في الريف الغربي لإدلب ومنطقة الساحل، يهدفون للإعلان عن كيان عسكري جديد يتبع لتنظيم القاعدة مباشرة.

حسب بعض المصادر اتم المشرعين للتشكيل الجديد منهم "العريدي وأبو جليبيب" مشروع الكيان وبات الإعلان عنه قريباً، ذكرت المصادر أن أمير هذا التنظيم كان أبو همام الشامي "سمير حجازي" هو أمير تنظيم القاعدة الغير معلن عنه في سوريا، يسانده شرعيون كبار في الداخل والخارج تمهيداً للإعلان، يعتبرون خط هيئة تحرير الشام قد خرج عن المسار وبالتالي كان الكيان الجديد نداً لها.

العملية الأمنية التي بدأت فيها هيئة تحرير الشام بالأمس استهدفت رأس هذا الكيان من المشرعين وقامت باعتقالهم منهم "د. سامي العريدي "الشرعي العام السابق لجبهة النصرة"، و أبو جليبيب الأردني "والي درعا السابق لدى جبهة النصرة"، و أبو همام العسكري "العسكري العام السابق لجبهة النصرة" و الشيخ أبو عبد الكريم المصري، إضافة لعدد من قيادات الصف الثاني والثالث من المهاجرين.

واتهمت هيئة تحرير الشام في بيان لها، شخصيات لم تسمها بتقويض بنيان الكيان السني الذي سعت الهيئة على تشكيله في الشام وزعزعته وبث الفتن والأراجيف فيه تحت ذرائع شتى ووسائل مختلفة وصلت لدرجة الافتراء والبهتان، وأن جلسات الحوار والنقاش لم تنفع لاحتواء الموقف ورفضهم الجلوس للصلح، لتحيل الأمر للقضاء حيث قدمت لائحة ادعاء تجاه من أسمتهم رؤوس الفتنة لمحاكم شرعية.

خلقت عمليات الاعتقال والبيان الصادر عن تحرير الشام واتهام من كان مؤسساً في بداياتها إبان "جبهة النصرة" بأنهم رؤوس الفتنة، موجة استياء كبيرة في أوساط المشرعين وأصحاب الفكر الجهادي، دفع الكثير من الشخصيات العسكرية والإدارية والشرعية لإصدار بيانات بموقفها الرافض لأي اعتقال، والمطالبة بالإفراج عنهم مايفتح الباب أمام مواجهة جديدة وتفكك جديد تستهدف بنية تحرير الشام وربما سيؤول لصدام كبير بينهم.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٧
ما بعد سوتشي.. طريق طويل حافل بالمصاعب

ستكون قمة سوتشي، التي انعقدت بمشاركة زعماء تركيا وروسيا وإيران، نقطة تحول في صياغة مستقبل سوريا. فمن خلال هذا الاجتماع بدأت أخيرًا الخطوات الأولى للانتقال إلى "عملية حل سياسي" بعد حرب شعواء مستمرة منذ سبع سنوات في سوريا.

القرار المبدئي للزعماء الثلاثة في هذا الخصوص يتضمن بعض العناصر الرئيسية منها حماية وحدة التراب السوري والوحدة الوطنية، وإعداد دستور جديد، وإجراء انتخابات نزيهة...

عنصر هام آخر يتضمنه الاتفاق في سوتشي، وهو اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2245 أساسًا، وينص على مشاركة كافة المجموعات الإثنية والدينية للمجتمع السوري في المفاوضات المزمع إجراؤها في المرحلة الجديدة.

لا شك أن المهم الآن هو كيفية تطبيق عملية الحل السياسي عمليًّا بعد الاتفاق المبدئي، الذي توصل إليه الزعماء في سوتشي.

من المحتمل جدًّا ظهور مصاعب جدية، وحتى عقبات ناجمة عن الخلافات الفكرية بين الأطراف، خلال الإقدام على خطوات في هذه العملية.

والتجربة الأولى ستكون خلال أعمال التحضير في بداية العملية. حيث يبدو من الآن أن هناك قضية خلافية خطيرة، وهي كيف سيتشكل مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي اقترحه بوتين، ومن سيُدعى (أو لن يُدعى) إليه.

تم الاتفاق من حيث المبدأ على مشاركة النظام والمعارضة في هذا المؤتمر، وفي مفاوضات جنيف المزمعة أواخر الشهر الحالي بمشاركة أوسع.

لكن من هي المعارضة المدعوة؟ وكيف سيتم فصل الإرهابيين عنها؟ وماذا عن المعارضة الرافضة للجلوس على طاولة المفاوضات نفسها مع نظام الأسد؟

هذه واحدة فقط من المشاكل التي ستظهر في بدايات عملية الحل السياسي، لكنها أهمها، على الأقل من وجهة نظر تركيا...

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كرر قوله بصراحة في المؤتمر الصحفي بسوتشي: "تركيا لن تجلس إلى الطاولة نفسها مع (بي واي دي)، التنظيم الإرهابي الملطخة يداه بالدماء".

ويتضح من ذلك أن الزعماء لم يتوصلوا لاتفاق حول هذه القضية في قمة سوتشي. وبعبارة أوضح فإن أردوغان لم يتمكن من إقناع بوتين وروحاني باتخاذ موقف مشترك بشأن عدم شمل حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه المسلح وحدات حماية الشعب في العملية السياسية.

وفي الواقع، يعلم بوتين بحساسية تركيا في هذا الخصوص، ويضع في اعتباره تحفظاتها، لكنه يريد الإقدام على بعض الخطوات في هذه المسألة والعثور على صيغة توافقية.

قضية أخرى خطيرة بالنسبة لتركيا، فرئيسها يقول إن مدينة عفرين الاستراتيجية سوف تُطهر حتمًا من وحدات حماية الشعب. أما بوتين فلا يُعرف بعد كيف سيكون موقفه من هذه القضية.

غير أننا حين نأخذ وجود المدينة تحت سيطرة القوات الروسية، فإن أول تساؤل يخطر على البال هو مدى إمكانية القيام بعملية ضد عفرين من جانب واحد في هذه الظروف...

باختصار، يبدو أن ما بعد قمة سوتشي طريق طويل وحافل بالمطبات...

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٧
حصة تركيا في التوتر العربي الايراني

العلاقات داخل المثلث العربي الايراني التركي واحدة من اهم الحالات التي تستحق المتابعة خصوصا امام النقلات والتغيرات اليومية في المواقف والسياسات حيال التطورات الاقليمية المتلاحقة .

القوى الثلاث هذه فرقتها المصالح حينا  وقربتها حينا اخر . مسار العلاقات وتوجهها كان ايضا تحت رحمة مصالح الاطراف الاخرى وطبيعة التحالفات والاصطفافات الاقليمية والدولية لناحية العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية واوروبا وروسيا مثلا .

انقرة التي كانت تحمل طهران مسؤولية عرقلة عملية درع الفرات في الباب وحماية النظام السوري ودعمها المكشوف للقوات الكردية في شمال وشرق سوريا وتمويلها لحزب العمال الكردستاني في سنجار باتجاه تعطيل التقارب بين أربيل وأنقرة، والتي كانت تعتبر ان تمسك إيران بتحقيق هدفها النووي هو بين أهم الاسباب التي أدت للتقارب التركي العربي بهدف تحقيق التوازن الإقليمي، وزادت من حجم التقارب التركي الخليجي، نحو التعاون المشترك للتصدى لتوسع النفوذ الإيراني ، نجدها اليوم تقف في جبهة واحدة مع ايران في موضوع الاستفتاء على الانفصال الكردي في شمال العراق وتجلس جنبا الى جنب معها في لقاءات طهران وانطاليا وسوتشي الثلاثية مع روسيا .

قبل أشهر كنا نقول ان أي تحول استراتيجي إقليمي تركي نحو موسكو قد يعترض عليه الغرب، لكن أي تحول تركي استراتيجي نحو طهران وسط هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، لن يقلق شركاء أنقرة الغربيين فقط، بل الدول العربية والإسلامية التي نسّقت معها تحت سقف منظمة العالم الإسلامي في اتخاذ مواقف صارمة حيال طهران في الأعوام الأخيرة. وان أي تحول في سياسة تركيا الاقليمية نحو ايران وموسكو سينسف علاقات انقرة بالغرب والكثير من الدول العربية والاسلامية التي نسّقت مع انقرة تحت سقف منظمة العالم الإسلامي في اتخاذ مواقف صارمة حيال طهران وسياساتها الاقليمية. لكننا اليوم نردد أن انقرة التي كانت تعطي الاولوية للمجموعة العربية في التعاون والتنسيق الاقليمي باتت تتلفت نحو ايران اكثر فأكثر .

اما الذي دفع تركيا وايران لمراجعة مواقفهما والتخلي عن اسلوب التصعيد في الاشهر الاخيرة ؟

هو حتما شعورهما بالتواجد وسط مستنقع الرمال المتحركة التي تستهدفهما وتهددهما مباشرة بقرار اميركي واضح خصوصا مع ادارة ترامب الجديدة  والعروض الروسية المغرية المقدمة لهما في المنطقة في اطار تفاهمات ثلاثية استراتيجية البعد . اندلاع الازمة الخليجية ادى الى قلب الحسابات والمعادلات رأسا على عقب وكانت بداية تنسيق جديد تركي ايراني  للرد على استهداف قطر بهذا الشكل كون طهران وانقرة رات فيه استهدافاً لنفوذهما ومصالحهما الخليجية اولا ومحاولة اميركية واضحة لاضعافهما واخراجهما من المشهد الخليجي ثانيا .

زيارة رئيس الاركان الايراني محمد باقري في منتصف اب / اغسطس المنصرم لتركيا هي أيضا كانت مفصلا اساسيا في التحول التركي نحو ايران حيث إتضحت الصورة لناحية أن أنقرة لم تعد تريد توتير علاقاتها بإيران أكثر من ذلك وهي تريد مراجعة سياستها الإيرانية تماما بعيدا عن المواقف السابقة التي كانت القيادات السياسية التركية تتحدث فيها دائما عن تطابق وجهات النظر التركية مع العواصم الإسلامية والغربية في موضوع إيران و" التصدي لسياساتها التصعيدية في المنطقة " .

معادلة لعب ورقة التوتر الإيراني العربي بدأت تتراجع وتفقد مفعولها لصالح تركيا كما رأينا في الأزمة الخليجية مؤخرا حيث كانت القيادة السياسية التركية تردد أن أمن الخليج  هو امتداد لأمن تركيا الإقليمي، فرأينا وزير الخارجية الإيراني في العاصمة التركية بعد ساعات على اندلاع الأزمة مع قطر .

بين السيناريوهات التي يعطيها الاتراك الاولوية في سياساتهم الاقليمية اليوم احتمال تزايد التوتر العربي الايراني وتحوله الى مواجهات امنية وعسكرية مباشرة وتحديد الموقف التركي الواجب تبنيه حيال تدهور من هذا النوع . لكن ما يتجنب الاتراك والعرب الاقتراب منه كسيناريو محتمل هو تراجع العلاقات التركية العربية نفسها وكيف ستكون ردود الفعل في انقرة اذا ما قررت مجموعة من الدول العربية التحرك الاقليمي ضد تركيا ومعاملتها بالمثل كما تفعل مع ايران في هذه الاونة ؟

ما الذي ستفعله تركيا اذا ما قيل لنا أن مجموعة من العواصم العربية وبسبب " التدخلات والاستفزازات التركية " في المنطقة قررت التوجه إلى مجلس الأمن الدولي كخيار بديل " لاحتواء نزعة تركية " لتخطي خطوط حمراء استراتيجية ثابتة منذ عقود ؟

يقول وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة على هامش اجتماعات القمة العربية الاخيرة على مستوى وزراء الخارجية " نحن لا نملك أي آلية أخرى للدفاع عن أمننا إلا آلية العمل العربي المشترك، لكن هذه الآلية يبدو أنها غير قادرة على تحقيق ذلك " المعني هنا هو ايران طبعا لكن التعريفات والمواصفات قد تنطبق على تركيا اذا ما اخذنا بالاعتبار حجم تراجع العلاقات التركية المصرية والتركية مع مجموعة حصار قطر وتحركها على الأرض لتضييق الخناق على تركيا بقدر ما تبذل الجهود ضد ايران أيضا .

السعودية هي التي طلبت عقد الاجتماع العربي احتجاجاً على " ما تقوم به ايران في المنطقة العربية من أعمال تقوض الامن والسلم "، والدبلوماسي المصري أبوالغيط هو من اعرب عن أمله في أن "يتغير النهج الإيراني وأن تصل الرسالة إلى الأخوة في إيران والتي مفادها أن هناك غضباً وضيقاً عربياً " . فما الذي ستفعله انقرة اذا ما قيل لها كلام مشابه بسبب مواقفها وسياساتها العربية والخليجية تحديدا وقررت رفع مستوى التنسيق مع ايران كما يجري اليوم في سوريا والعراق والازمة الخليجية ؟

فقط عملية تغيير الاسماء والتواريخ  تدفعنا لقراءة النص المنشور اليوم في الاعلام العربي حيال ايران وكانه نفسه هو الذي سيقال لتركيا بعد اشهر مثلا  : يكفي أن يفتح وزراء الخارجية العرب خريطة العالم الذي ينتمون إليه ليتأكدوا أن اجتماعهم الطارئ في القاهرة ، كان مبرراً وضرورياً. فالحديث عن «التدخلات التركية » ليس تهمة عابرة تفتقر إلى الأدلة. والإصرار على مناقشتها لا يدخل أبداً في باب التحرش أو التصعيد.

ما يقال لنا اليوم هو ان " تحالف مصر واليونان وقبرص اليونانية سيحاصر النفوذ التركي في شرق المتوسط " وأن القاهرة " ستسعى لاستكشاف العناصر اليونانية المقلقة لتركيا في الملف القبرصي، وأردوغان وضع نفسه في خلاف مع دول مركزية في المنطقة، و" منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في تموز / يوليو 2013، وإصرار أنقرة على دعم التنظيم، أخذت مصر على عاتقها تقليص النفوذ التركي في المنطقة وتقييد تحركات تركيا الاستراتيجية والاقتصادية " .

كنا نقول قبل اشهر ان وصول العلاقات التركية-الإيرانية الى طريق مسدود سيدفع السعودية لمطالبة تركيا بتبني الموقف السعودي باعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية وان أنقرة تقف علناً إلى جانب السعودية في أزمتها الحالية مع إيران، وهي تشعر أن حلفاءها في الغرب تركوها وحيدة في مسألة المنطقة الآمنة في سوريا والحرب على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي هناك ، أما اليوم فنحن نقول أن انقرة لم تفهم بعد اسباب تواجد وزير الدولة السعودي ثامر السبهان في الرقة لتهنئة الاكراد هناك على انتصاراتهم ؟

هل ستقبل بعض العواصم العربية اليوم مطلب وضع إيران وتركيا في سلة واحدة، لناحية مسألة العلاقات العربية مع الدولتين ؟ نعم بكل بساطة .

من غير المستبعد ان نرى في الفترة المقبلة موقفاً عربياً مشابهاً يعتمد حيال تركيا على النحو المعلن ضد ايران في هذه الاونة . التصعيد واحتمال تحوله الى مواجهة مباشرة بين تركيا والعديد من العواصم الخليجية مسألة وقت فقط  فالاطراف ما زالت تحشد وتجيش قواها وتعد الاوراق التي ستستخدمها في الاحتراب .

بعض العرب خسر قوة التوازن التركي مع ايران بسبب مواقفهم من انقرة فمن سيعوضها لهم ؟

كشف وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس أن تل أبيب تقيم علاقات مع دول عربية إسلامية "معتدلة" تساعد على كبح جماح ايران . بعض العرب مع الأسف يراهن أيضا على القوة الاميركية الجديدة الممثلة بجاريد كوشنر صهر ترامب والمفوض الاميركي في الحرب على داعش ماكغورك ولا يعبأ بخسارة تركيا . هذا ما يعد له بعض العواصم العربية في علاقاتهم مع انقرة للمرحلة المقبلة بعد الاطاحة بايران طبعا .

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٧
مدّعو الثقافة وفقدان الهوية الوطنية

عرّت الثورة السورية -كمساحة للتعبير العفوي- هشاشة الهوية الوطنية السورية، ولم تستثنِ تلك التعرية أي فئة أو شريحة من “المجتمع” السوري، سواء أكانوا من العوام أم من “المثقفين والنخب”.

خلال التعرية؛ برزت الهويات المنفعلة الخالية من أي تأصيل معرفي، هويات معزولة عن سياقها التاريخي، يكتنفها -في أفضل حالاتها- تمويه أيديولوجي، وهي تكشف -في ما تكشف- عن معطيات عفنة مختزنة، قوامها الجهل والعصابية. هذه الهويات المنفعلة دون غيرها، هي من تتحكم -اليوم- بانتماءاتنا، وبأفعالنا وردّات أفعالنا، وباصطفافاتنا ومواقفنا.

وعلى اعتبار أن مفهوم الهوية هو مفهوم “إرادي”، يعود إلى ساحة المعرفة والانتماء والتجدد؛ فهو -بالتالي- ليس إرثًا، بل حالة وعي تعكس فكرًا وجوهرًا وسلوكًا، لا “ديكورًا” يُزيّن به المرء قبح ورداءة عصبياته الهوياتية التقليدية الموروثة (عشائرية، دينية، طائفية، إثنية.. إلخ). ولطالما فشل هذا “الديكور” في إخفاء هشاشته، ولطالما كان انهياره سريعًا، إلى درجة أنه يتلاشى كليًا، عند أول وأتفه امتحان له. فأي انتقاد يطال ساحة المعتقدات الموروثة لهذا الشخص؛ سيُقابل بانفجار لفطريته وبهيميته، وسيتحول هذا “المتحذلق”، خلال لحظة، إلى وحش جاهلي، بلا “ديكورات” ولا رتوش.

قد تكون ظاهرة “الهوية التقليدية” مفهومة، أو مبررة -على أقل تقدير- عند عوام الناس، فهي عندهم صادقة، وغير مترافقة مع ارتداء “بدلة رسمية”، ولا تزينها مفردات “ثقيلة”، يرددونها كالببغاء، كما اعتاد أولئك المدّعون فعله، كلما دعت الحاجة، أو كلما شعروا بأن “ثقلهم الثقافي” يوغل في الوهن، فأولئك “العامة” لا يتقنون فن التواري والتجميل الذي يتقنه المدّعون. هذه الظاهرة المفهومة، أو المبررة عندهم، تتحول إلى ظاهرة “قرف وقلق”، عند المدّعين؛ فهي ظاهرة “قرف”، لما تنطوي عليه من فصام ودجل وعهر فكري، ولما يعتريها من درجة عالية من التشوه. وهي ظاهرة “قلق”، لما تحتاج إليه من وقت وجهد، حتى تدرك الذات المدّعية ذاتها المهزومة، أولًا. وتتغلب عليها من أجل تجاوزها، ثانيًا. وما يناط بتوافر النية لفعل ذلك، ثالثًا.

إن الادّعاء، في هذا المقام بالذات، لهو أكبر وأعقد الإعاقات، حين تكون الوجهة شطر التقدم الحقيقي لا الشكلاني؛ لأننا سنكون أمام أشخاص تجمعهم صفة الكسل -أيضًا- فالادّعاء هو الطريق الأسهل، ولأن الهويات التقليدية “دون وطنية” لا جهد فيها، بينما الهوية الوطنية، ببعدها الحداثي، هي ما يحتاج إلى جهد في البحث والتفكير والتأمل، ثم إلى الانتماء إليها. وهذا ما لا طاقة للمدّعين به، لذلك تراهم يتلفظون بمفردات جوفاء كحالهم، مفردات لا يفقهون معانيها ولا دلالاتها، فهويتهم التي يدّعون مدفوعة بالرغبة والزركشة، لا هوية متأصلة ومتعمقة، وهذا ما يثبته انهيارها السريع.

روى لي أحد الأصدقاء مفارقةً حدثت معه، خلال زيارته لقصر العظم في العاصمة دمشق، تعود تلك الزيارة إلى منتصف التسعينيات من القرن المنصرم، فبعد انتهاء تجوله في قاعة التراث السوري (وهي لا تحوي تراثًا سوريًا، بل تراثًا لمناطق جغرافيّة سورية)؛ همّ بالخروج منها، فلمحت عيناه سائحين يتغامزان ويضحكان، وعند متابعته لمعرفة السبب؛ وجد رجلًا وامرأة سوريين يتجولان في المكان، ويرتديان مثل الثياب المعروضة في القاعة. يتطابق مضمون ذاك المشهد مع واقع الحال المضحك والمأسوي للمدّعين؛ فهم ما يزالون داخل المتحف، وسيبقون خارج التاريخ، مهما جهدوا في تجميل وتنميق مظهرهم وأحاديثهم، فذلك لن ينتج، ولن يبلور، هويةً وطنيةً حديثةً، بل عطالةً حضاريةً وإيغالًا في التأخر والفوات.

اقرأ المزيد
٢٦ نوفمبر ٢٠١٧
أنقرة ودمشق.. هل تتقدم المصالح على الريبة والتوجس؟

منذ مدة طويلة يقف وجود حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا وراء تأزم العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وروسيا. وهذه هي القضية الرئيسية التي بحثها أردوغان مع نظيريه الروسي والإيراني في سوتشي.

لكن ماذا يعني حزب الاتحاد الديمقراطي لكل هؤلاء الفاعلين، وما مدى أهميته؟

الحزب اليوم بالنسبة للولايات المتحدة هو العين التي ترى والأذن التي تسمع في سوريا. فهي تستخدمه جيشًا لها ضد داعش من جهة، وتسيطر عن طريقه على حقول النفط من جهة أخرى. وبذلك يمكنها ممارسة ضغوط أكبر على الأسد.

أما الأسد فهو يدرك هذه الحقيقة، ويسعى لاستعادة سيادته في سوريا، أي منع الحكم الذاتي الكردي واسترجاع السيطرة على حقول النفط. وهذا ما يشير إليه الاتفاق بين الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي في يوليو/ تموز الماضي في الحسكة.

وينص الاتفاق على حصول الأسد على 65% من عوائد النفط في شمال شرق سوريا، والحزب على 15%، وما تبقى للقبائل العربية في المنطقة.

ولهذا لا يريد الأسد أن يفقد النفط لصالح الأكراد، ويسعى لإبرام اتفاق شبيه بذلك الذي عقدته بغداد مع أربيل، مع طرح الولايات المتحدة خارج هذه المعادلة.

ولعل ما أثار حفيظة نظام دمشق عقد وحدات حماية الشعب التابعة للحزب اتفاقًا مع تنظيم داعش بخصوص الرقة. كما تذكرون خرج المئات مع عناصر التنظيم من الرقة بسلام، وحتى تحت مراقبة المقاتلات الأمريكية.

يقول جوشوا لانديس، وهو رئيس مركز بحوث الشرق الأوسط، ومن أكثر المتابعين للملف السوري: "يعلم الأسد أن الاتفاق أُبرم من أجل سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على حقول النفط في الشرق عوضًا عن القتال في الرقة".

ولهذا يتوقع لانديس حدوث تصعيد خطير بين واشنطن ودمشق خلال الفترة القادمة.

ومن جهة أخرى، يرى الأسد أنه أصبح أقوى حاليًّا، لأن أنقرة وطهران وبغداد تعارض قيام حكم كردي مستقل في سوريا. وهذا ما يضم دمشق بشكل أوتوماتيكي إلى معادلة العواصم الثلاث المذكورة.

أما بالنسبة لروسيا، فإن موسكو تسعى للمحافظة على ورقة حزب الاتحاد الديمقراطي في يدها لكي لا تفقد الأكراد في سوريا لصالح الولايات المتحدة. غير أن علاقاتها حاليًّا مع تركيا وإيران أهم بكثير.

فمباحثات أستانة، التي تجريها روسيا بالاشتراك مع البلدين المذكورين، تنافس مؤتمر جنيف، الذي ترعاه الولايات المتحدة. ولهذا فإن موسكو بحاجة إلى التعاون الثلاثي، حتى لا تترك الميدان خاليًا لواشنطن.

وعلاوة على ذلك، فقد سئمت موسكو من ضخ الأموال للأسد منذ سنوات، ولهذا تريد منه التفاوض مع الأكراد من أجل تقاسم عوائد النفط، وبالتالي اعتماده على نفسه. هذه الأسباب مجتمعة تدفع روسيا إلى إقامة حوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي.

في مواجهة هذا المشهد، أصبحت بغداد وطهران ودمشق بحاجة إلى بعضها البعض أكثر من أي وقت مضى. وبحسب مصادري في سوريا، فإن العنصر الناقص في هذه المعادلة، وهو رغبة نظام دمشق في التوصل إلى اتفاق مع أنقرة.

مما لا شك فيه أن لدى الجانبين شعور متبادل وعميق بعدم الثقة، لكن في المقابل مصالحهما الهامة لها القدرة على وضع مشاعر الريبة والتوجس بينهما.

اقرأ المزيد
٢٦ نوفمبر ٢٠١٧
المفاوضات طبخة الدم

في عام 2012 بدأ النظام ينهار مؤسساته وجيشه، سيطر الثوار على أكثر مناطق سوريا، حرر الثوار نصف أحياء دمشق وأصبحت محاصرة بطوق يبدأ من داريا مرورا بالغوطة والقلمون. وكان دخول الثواردمشق وشيكا، باعتراف الأعداء أنفسهم.

اتجه حلفاء النظام إلى خدعة المفاوضات، فصدر بيان جنيف لعام 2012، وخطة كوفي عنان ببنودها الستة، خمسة منها يجب أن ينفذها النظام أولا وبعدها يتم تشكيل هيئة حكم بصلاحيات كاملة واستُثنِي وضع رأس النظام، وصدر قرارمجلس الأمن 2118 باعتماد الخطة، ومع ذلك ترك عنان للثوار بنودا يستطيعون البناء عليها إذا توفر للثورة قيادة سياسية كفؤة وصلبة ومؤتمنة تدير المفاوضات. رفض الثوار إعلان جنيف لعدم النص صراحة على تغيير رأس النظام أساس المشكلة.

في منتصف عام 2014 قررت المعارضة الذهاب إلى جنيف اثنين - بدون شروط - يومها جادلنا رئيس الائتلاف طويلا كي لا يذهب إلى جنيف دون شروط، وقبل تنفيذ بنود خطة عنان  كما أقرها مجلس الأمن، والتي تلزم النظام بتنفيذ خمسة بنود تشمل وقف إطلاق النارفي سوريا وإطلاق سراح كل المعتقلين وإدخال المساعدات الانسانية إلى كل سوريا والسماح بالتظاهر السلمي ودخول وكالات الاعلام الدولية، وعندما يتحقق ذلك تذهب المعارضة إلى جنيف لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي مناصفة مع النظام نفسه، وهو تنازل كبير من الثورة السورية. أصر رئيس الائتلاف ومن معه على الذهاب إلى جنيف دون شروط، وقال إن لديه وعودا بتنفيذ خطة عنان بناء على اجتماع  لوزراء خارجية الدول الشقيقة الست عقد يومها في باريس.

كان واضحا أن حضور مؤتمر جنيف قبل تنفيذ خطة عنان بتسلسل دقيق سوف يضيع كل شيء، على طريقة مؤتمر الصلح في باريس بعد الحرب العالمية الأولى، ومؤتمر أوسلو القريب منا، وليس أقل.

عقد المؤتمر وطرح وفد النظام موضوع الإرهاب فقط وطرح وفد المعارضة الحل السياسي، وبعد الجلسة الأولى شكل وفد المعارضة برئاسة كبيرالمفاوضين واستمرت الاجتماعات  على مدى عامين دون تحقيق شيء. وبينما يرددون أن الحل في سوريا سياسي حصرا، تنهارالبراميل والصواريخ وقنابل النابالم والغازات السامة من أربع أركان الأرض والسماء على مدن ومناطق سوريا المحررة كلها.

في منتصف عام 2015 شكلت مجموعة فصائل جيش الفتح وتحالفت كل الفصائل في إدلب وحماه، وخلال شهرين حررت إدلب كاملة من وادي الضيف إلى جسر الشغور وريف حلب  ودخل جيش الفتح وفصائل ريف حماه إلى سهل الغاب وأصبح على بعد ثلاثين كيلومترا من القرداحة، ورأى العالم قوات النظام مهزومة في سهل الغاب. تكاتفت فصائل درعا والغوطة والجنوب وتقدمت فصائل الساحل وتوالت الانتصارات.

هرع قاسم سليماني إلى موسكو. وفي خريف عام 2015، دخلت روسيا إلى سوريا بجيشها وأساطيلها. وفي أول معركتين هزمت روسيا وحلفاؤها في ريف حماه وإدلب، ثم خسرت أمام ثوار حلب في معارك جنوب حلب وخان طومان، رأى الروس أن الثوار السوريون وبدون حماية جوية يموتون ولا يغادرون أرضهم.

عادت روسيا وحلفاؤها إلى خدعة المفاوضات وانتقلوا من جنيف إلى فيينا ولذلك دلالة واضحة، ودعيت إيران والقاهرة حليفتا النظام في مجلس الأمن وفي الحرب ضد الثورة السورية.  

وصدر القرار 2254 الذي ألغى عمليا خطة عنان والقرار 2118  وتم تكليف السعودية بعقد مؤتمر الرياض وتكليف الأردن بتصنيف المنظمات الإرهابية في سوريا، تفكك جيش الفتح وتحالف الفصائل واستمرت المليشيات الشيعية تقاتل مع النظام بغطاء روسي وقبول أمريكي وصمت من دول إعلان فيينا.

عقد مؤتمر الرياض وشكلت هيئة خاصة للمفاوضات وشكل الوفد المفاوض مع عشرات المستشارين والناطقين، كان الاعتقاد جازما أن وفد الهيئة لن يذهب إلى جنيف قبل أن تنفذ البنود الخمسة من خطة عنان المعتمدة بالقرار 2118 كاملة، وإنه لن يكرر كارثة جنيف (2). ولكن ذهب الوفد بدون شروط وعاد بدون شيء، ولم تبدأ المفاوضات حتى الآن. أعلنت الهيئة أن لديهم كتابا من نائب الأمين العام للامم المتحدة يتعهد بتطبيق قرارات مجلس الأمن. تجاهل الأمين بان كيمون هيئة المفاوضات وأناط المهمة بنائبه لعلمه أن وفد الهيئة سيذهب إلى جنيف في كل الأحوال.

قال أعضاء هيئة المفاوضات إنهم ذهبوا بطلب من السعودية، وإن جون كيري هددهم إما أن تذهبوا وإما أن يسحقكم الروس، قالوا ذلك بعد أن غادر جون كيري منصبه.

مات جنيف (3) في جلسته الأولى، وما حدث بعدها اجتماعات مع ميستورا وسفراء الدول ودخلنا في لعبة تغيير رئيس الوفد المفاوض، ولاحقا عدم الرضا عن رئيس الوفد الجديد، وأصبح لدينا ثلاثة من كبار المفاوضين. قبلت الهيئة أن يدعو ميستورا كل الذين أرادهم  كمستشارين، وقد ظهر تأثيرهم في سير عملية جنيف كلها.

في جنيف (4) تم ابتكار السلال الثلاث وليس فيها هيئة الحكم الانتقالي وطلب إضافة سلة الارهاب. لم يوافق ميستورا لأن هذا  سوف يفتح أبواب جهنم كما قال. وافقت هيئة المفاوضات على سلة الإرهاب، ورئيس وفد النظام يصرح علنا أن وفود المعارضة هم عملاء وإرهابيون.

لم يتحقق شيء فلا أفرج عن المعتقلين ولا دخلت المساعدات ولم تبدأ مناقشة الحل السياسي، وفي جنيف (7) فوجئ الثوار باجتماع وفد الهيئة مع منصتي موسكو والقاهرة في لوزان، ثم وجهت الدعوة للمنصتين للاجتماع في الرياض. وكل ذلك تمهيدا لعقد اجتماع الرياض بشكله الحالي.

كانت أهم بنود القرار 2118 وحتى القرار2254 وقف إطلاق النار ومحافظة كل طرف على مواقعه في الأرض مع بدء المفاوضات، إضافة لبندي الإفراج عن المعتقلين وإدخال المساعدات وهي بنود غير تفاوضية. ولكن وفي ظل اجتماعات جنيف تم حصار الزبداني ومضايا حتى الموت، وتم خنق داريا والمعضمية وحي الوعر ووادي بردى والقلمون وتم تفريغها من كل أهلها بعد قصف وحرق وجوع حتى الموت. تم اقتلاع سكانها من بيوتهم ونقلهم إلى ادلب في حالة قهر تنوء بحملها الجبال وإحلال سكان آخرين مكانهم، وسقطت حلب. واستمرت الوفود تذهب وتعود إلى جنيف وعواصم أخرى. ولم تعد الدول الصديقة والشقيقة تعير اهتماما للهيئة والمعارضة كلها وبعد كل اجتماع معها يصرح القادة الأوروبيون والأمريكان بأنه لا يوجد بديل  لبشار الأسد. إلى درجة أن بان كيمون يكرم المجرم بشار الجعفري وهو يغادر منصبه.

عندما كانت الهيئة في الرياض تحضر للقاء منصتي موسكو والقاهرة كان ماغورك ممثل الولايات المتحده يجتمع مع عشائر الرقة على الأرض السورية ولثلاثة أيام تمهيدا لما بعد داعش، ولم يتذكر أن يدعو أحدا من المعارضة. وعندما كانت الهيئة تجتمع مع منصتي موسكو والقاهرة – للتحضير للحل السياسي - كانت قوات النظام وروسيا وحزب الشيطان تجتاح البادية السورية بدباباتها وطائراتها وتستولي على دير الزور وتقترب من مليشيات إيران في البوكمال التي دخلتها أخيرا، وعلى الطرف الآخر كانت ميليشيا قسد الإرهابية بغطاء وحماية أمريكية تجتاح الرقة والحسكة وتستولي على ثروة سوريا من النفط والغاز والفوسفات وكل زراعة سوريا وأنهارها الثلاثة الفرات والخابور ودجلة. هذه المناطق التي طالما أوهموا أنها غير مفيدة، وتركوها وديعة عند إرهابيي داعش ليستلموها الآن. وقد منعت الولايات المتحدة وروسيا فصائل الجيش الحر الموجودة على تخوم البوكمال من المشاركة في تحرير مدنهم من داعش وحتى لواء الشهيد العقيد بكور السليم وعضو هيئة المفاوضات الذي اغتالته داعش هو وشقيقه لم يسمح لهم أيضا.

لو تمسكت الهيئة بالقرار 2118 وخطة عنان كما يفهمها كل خبراء ومفاوضوا العالم، لركض ممثلو الدول وراءها ولما ضاع الزمن وقتلت الفرص.

تصدت تركيا وحيدة للتدخل الروسي منذ البداية وأسقطت روسيا الطائرة التركية خارج الأراضي السورية وردت تركيا بإسقاط الطائرة الروسية في الأجواء التركية، ودعمت الثوار في الساحل والشمال السوري معتمدة على وجودها في الخندق الأول لحلف الناتو منذ نصف قرن.

غدرت الولايات المتحدة وأوروبا بتركيا وتخلى عنها الجميع، وكانت مؤامرة الانقلاب الفاشل ومعركة كوباني الوهمية لخلق مليشيا قسد الإرهابية المتحالفة مع النظام السوري. تبدلت الأوضاع والتفتت تركيا للحفاظ على أمنها القومي الذي تحيط به أخطار كبيرة. وتحولت أولوية السعودية إلى الحرب الطاحنة على حدودها في اليمن، ولاحقا انشغلت قطر بالحصار ومعالجة الأزمه مع أشقائها من دول الخليج العربي. ومع وجود الهيئة بدأت مفاوضات أستانة في ظل إشراف غير متوازن فالروس وإيران في وجه تركيا وحدها، وبدأت الوفود تتغير كحال الهيئة، مقابل وفد المجرم بشار الجعفري في جنيف وأستانة، وظهرت اتفاقيات خفض التصعيد، التي التزمت بها الفصائل، وحولته روسيا والنظام وإيران إلى مذابح في إدلب وريف حماه الشمالي والأتارب ودرعا وحصارالغوطة حتى الموت جوعا وتدمير ما بقي منها، وتكتشف الأغذية التي اؤتمنت الأمم المتحدة لإيصالها إلى الغوطة مكدسة في مستودعات جيش النظام، ولا يتحرك ضمير لصناع اتفاق القاهرة، ولا تفعل هيئة المفاوضات شيئا. وتحول خفض التصعيد إلى تصعيد خطير.

أمام هذه الأوضاع المأساوية يجب أن يتمخض مؤتمر الرياض عن تشكيل منصة للثورة، وهي ليست مسؤولية الدول الشقيقة والصديقة بل هي مسؤولية المعارضة، مسؤوليتكم وحدكم في هيئة المفاوضات، وكيف يمكن لمن يقدم نفسه باسم منصة موسكو التي تذبح الشعب السوري، والقاهرة التي تقف مع النظام ضد الثورة في السياسة والحرب. كيف يمكن أن يمثل الثورة السورية.

كيف يمكن أن يشكل أعداء الثورة وفدها، مع أنه كان الأولى أن تحدث التغييرات في وفد النظام لأنه لم يوافق مرة واحدة على مناقشة الحل السياسي ولا هيئة الحكم الانتقالي، وكان الأولى أن يفرضوا أشخاصا في وفد النظام يقبلون الحل السياسي الذي تعلن أمريكا وروسيا وكل العالم أنه لا بديل عنه. يجب أن يكون التزامكم ببيان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن 2118 وأنكم لن تذهبوا إلى أي جلسة مفاوضات قبل تنفيذ البنود الخمسة من خطة كوفي عنان التي أقرها مجلس الأمن بالقرار 2118، وبعدها تشكل هيئة الحكم بصلاحيات كاملة ولا قبول بوجود المجرم  بشار الأسد يوما واحدا في أي مرحلة.

إننا نجد أنفسنا ملزمين بأن نذكر المؤتمرين في الرياض أنهم يتحدثون نيابة عن مليون شهيد ومليون مصاب وأكثر من مليون يتيم ونصف مليون أرملة ومليون أم ثكلى وستمائة ألف معتقل ومفقود وأربعة عشر مليون نازح ولاجئ يعيشون في الخيام وأكثر من أربع ملايين طفل سوري حرموا من التعليم وآلاف المغتصبات من أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم، والأرض التي تحتلها روسيا وإيران وأنكم تمثلون أعظم ثورة في العالم حاربتها وطعنتها أكبرقوى العالم.

وفي حال تعذر ذلك تعالوا إلى عقد مؤتمر وطني طالما دعاكم إليه الثوار لتوحيد الهدف وتشكيل قيادة واحدة لفصائل الثورة، نعمل معها مجتمعين في الداخل والخارج. وأن تسير المفاوضات وتعزز وحدة وقوة فصائل الجيش الحر جنبا إلى جنب.

الدول التي تحتل سوريا إيران وموسكو تريد تشكيل وفد يتحدث باسم الثورة وهو ليس منها، ويقبل ببقاء المجرم بشار الأسد ليحفظ مصالحها، وبعدها تسير الأمور باتجاه المصالحة مع النظام وتبرئته من كل الجرائم، وهذا ما نحذر منه.

لقد أخذ النظام كل ما أخذه في ظل المفاوضات التي اؤتمنتم على إدارتها.

ولكنكم ضيعتم الأمانة.

اقرأ المزيد
٢٦ نوفمبر ٢٠١٧
ثلاثية سوتشي وشرعنة احتلال سوريا

تستعد موسكو لفرض إرادتها على الشعب السوري وتخييره ما بين القبول برؤيتها للحل، أو استمرار استخدام العمل العسكري ضد مَن تبقى من فصائل «الجيش الحر»، كما يحدث الآن في الغوطة الشرقية والأتارب، وكأن الروس يُطبقون في هجماتهم الأخيرة الشعار الذي أطلقه شبيحة النظام وميليشياته الطائفية بداية الثورة (الأسد أو نحرق البلد) بهدف إركاع الشعب السوري ومن تبقى من معارضة سياسية وعسكرية تحاول مقاومة الإرادة الروسية.

يحتاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى خروج سريع من المستنقع السوري، وهو يرى أمامه فرصة تاريخية لا تتكرر تحققت، نتيجة ضبابية الموقف الأميركي العالق بين التردد والتلكؤ، يضاف إليه غياب أوروبي وعربي وصل لدرجة الاستسلام في سوريا، مواقف سمحت للروس بطرح رؤيتهم للحل، وفقاً لمصلحتهم ومصلحة حلفائهم وفي مقدمتهم إيران، فقد استطاعت طهران بفضل موسكو تكريس وجودها السياسي والعسكري وحتى الاقتصادي في سوريا، وتمكنت نتيجة العنف المفرط ضد المدنيين السوريين، من إفراغ المدن الكبرى من سكانها، ما ساعدها على القيام بأكبر عملية إفراغ ديموغرافي منذ الحرب العالمية الثانية، فقد شهدت سوريا في السنوات الأخيرة عملية إفراغ ممنهج حولت 11 مليون سوري إلى نازح أو لاجئ، وهي عملية باركها رأس النظام، ووصفها بأنها أوجدت مجتمعاً سورياً متجانساً.

ففي الطريق إلى سوتشي، يستعد الأطراف الثلاثة روسيا وإيران وتركيا إلى تثبيت الوقائع التي نشأت على الأرض، جرّاء الأعمال العسكرية، والتي تم التأكيد عليها خلال جولات آستانة التفاوضية، والتي سمحت للأتراك بالتوغل داخل الأراضي السورية، بهدف إبعاد الخطر الكردي المتصاعد على حدودها مع سوريا، الذي يشكل خطراً فعلياً على أمنها القوي، حيث ظهرت حاجة أنقرة لموسكو وطهران في تحجيم دور الفصائل الكردية المسلحة التي تقاتل بغطاء أميركي، ما تسبب في انقلاب أنقرة على ثوابتها الجيوسياسية التقليدية، وأدى فعلياً إلى أن تُقدم أنقرة لجوءً سياسياً في موسكو، وجعل موقفها ضعيفاً في التسوية الثلاثية، وبرز ذلك أكثر بعد موافقتها على إرسال مراقبين من روسيا وإيران إلى منطقة خفض التصعيد في إدلب، وإلى عدم التطرق لشكل المرحلة الانتقالية، وهو ليس دليلاً فقط على تماهيها مع الرؤية الروسية، بل إنها أسقطت تحفظاتها السابقة على الوجود الإيراني في شمال سوريا، وخصوصاً في منطقة إدلب، حيث يوجد أغلب الفصائل العسكرية السورية الموالية لها.

في المقلب الآخر يمكن القول إن روسيا سمحت لإيران أن تتصرف كدولة محاذية لسوريا، واعتبار الحدود اللبنانية السورية بداية، والسورية العراقية لاحقاً، حدوداً طبيعية لها مع سوريا، فتمكنت من خلال ميليشياتها التي لعبت دور رأس الحربة في قتال الشعب السوري من جعل سوريا ضمن مجالها الحيوي، بحيث تقود طهران اليوم أغلب العمليات الميدانية في كافة الأراضي السورية، وتساعد نظام الأسد على بسط سيطرته على مزيد من الأراضي، وتوجت عملياتها العسكرية الأخيرة في دخول البوكمال على الحدود مع العراق، التي ظهر فيها قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني يقود العمليات العسكرية فيها، وهي تُعتبر رسالة روسية إيرانية مزدوجة لكل المطالبين بتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، بأن مطالبكم غير واقعية وتجاوزتها الأحداث، حيث يصبح كلام وزير الخارجية الروسي الأخير سيرغي لافروف عن الدور الإيراني في سوريا، وحتى على حدودها الجنوبية مع الأردن وإسرائيل، الثابت الأكثر وضوحاً في المشهد السوري، الذي تحاول موسكو شرعنته في قمة سوتشي الثلاثية.

نجحت موسكو في تحويل خصوم الأمس إلى شركاء اليوم، واستفادت من تقاطع المصالح بينها وبين أنقرة وطهران في سوريا، وحولت العداء التاريخي بينها إلى علاقة مستقرة تحكمها المنافع المتبادلة، لكن هذه المنافع تبقى محدودة المكان والصلاحية، لذلك لن يتمكنوا من تجاوز خمسة قرون من التنافس الجاهز للتشكل، في أي لحظة يدخل فيها عامل إضافي على الخريطة السياسية أو العسكرية السورية يربك التحالف المُركب المبني على معادلة 2+1 أي (إيران وروسيا) إضافة إلى تركيا، التي تجمعها المصلحة وتفرقها النوايا.

في سوتشي قمة ثلاثية الأبعاد، تتوافق على قاسم مشترك واحد هو شرعنة تدخلهم في سوريا، ولكنهم يختلفون على كثير من التفاصيل التي تسكنها الشياطين، حيث المناعة التركية ضعيفة في تجنب شياطين طهران، بينما خيارات موسكو بعيدة حتى الآن عن فكرة احتوائها، لذلك من الممكن أن تحصل طهران في سوتشي على ما عجزت لقرون عن تحقيقه.

اقرأ المزيد
٢٦ نوفمبر ٢٠١٧
ديموخراطية روسية لسوريا!

هل تعلمون أن كل دول أوروبا الشرقية التي كانت تنضوي تحت لواء الاتحاد السوفياتي انتقلت فعلياً من المرحلة الشيوعية إلى المرحلة الديمقراطية، باستثناء روسيا نفسها التي لم يتغير فيها سوى الاقتصاد من الاشتراكي إلى الرأسمالي المتوحش، بينما ظل النظام السياسي ديكتاتورياً؟ بعبارة أخرى، فإن وكر الشيوعية الأصلي الذي كان يتمثل بالاتحاد السوفياتي لم يفارق عهد الطغيان إلا شكلياً.

على عكس كل الدول الأوربية الشرقية التي كانت تدور في الفلك الروسي، انتقلت روسيا بعد ثورتها، أو لنقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، انتقلت من الديكتاتورية الشيوعية إلى عصر المافيا، حيث حكمت المافيا هناك لفترة من الزمن ريثما يتشكل نظام جديد يحكم البلاد بعد سقوط النظام الشيوعي. وبعد طول انتظار، لم يحظ الشعب الروسي بحكم ديمقراطي على غرار بقية دول أوروبا الشرقية التي انتقلت فعلياً إلى النظام الديمقراطي الحقيقي. لا شك أن النظام الروسي الجديد راح ينافس الرأسمالية المتوحشة اقتصادياً، حيث تحولت موسكو إلى واحدة من أغلى العواصم في العالم، لكن النظام السياسي الجديد ظل نظاماً سوفياتياً بواجهة ديمقراطية زائفة. صحيح أن الدولة الروسية الجديدة تظاهرت باتباع النظام الديمقراطي والانتخابات والتعددية الحزبية وغيرها من مظاهر الديمقراطية، إلا أنها في الواقع كانت وما زالت بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية بعد الأرض عن الشمس.

انظروا فقط إلى لعبة التداول على السلطة المزعومة في روسيا منذ سنوات طوال. لقد تحولت روسيا إلى لعبة في أيدي الثنائي الشهير ميدفيديف-بوتين. مرة يكون ميدفيديف رئيساً للجمهورية وبوتين رئيساً للوزراء، ومرة يكون العكس، مع الانتباه طبعاً إلى أن الحاكم الحقيقي الوحيد في روسيا هو بوتين، بينما يلعب مدفيديف دور الكومبارس الديمقراطي. ولسنا بحاجة أبداً لأي برهان كي نرى كيف أصبحت روسيا العظمى كلها مرتبطة باسم بوتين، بينما ينظر حتى الروس أنفسهم إلى ميدفيديف شريك بوتين في السلطة على أنه مجرد ديكور ديمقراطي، بينما السلطة الحقيقية للقيصر بوتين، وهو الاسم الذي تطلقه عليه وسائل الإعلام الغربية، لأنه الحاكم بأمره بقوة الجيش وأجهزة الأمن الروسية الشهيرة التي ورثت أساليب الكي جي بي من ألفها إلى يائها.

وبما أن روسيا أصبحت صاحبة الكلمة العليا في سوريا بعد احتلالها المباشر للبلاد بغطاء شرعي زائف اسمه بشار الأسد، فهي لا شك ستنقل للسوريين تجربتها "الديموخراطية" الكوميدية، بحيث ستعمل على إجراء انتخابات يفوز فيها عميلها في دمشق سواء كان بشار أم عميل آخر من نفس الطينة. ويجب أن ننوه هنا إلى أن روسيا تغلغلت عميقاً داخل المؤسستين العسكرية والأمنية السورية، وتعرف أيضاً كيف تتلاعب بأتباعها داخل المؤسستين. وبالتالي، فيما لو حصل تغيير في سوريا، فلا شك أنه سيكون على الطريقة الروسية، بحيث سيبقى الأمن والعسكر مسيطرين على البلاد بنفس الطريقة التي يدير بها بوتين روسيا "الجديدة". بعبارة أخرى، فإن الثورة السورية ستفرز واقعاً مشابهاً للواقع الذي أفرزته الثورة الروسية المسكينة التي انتقلت ظاهرياً من العهد السوفياتي الشيوعي إلى العهد الديمقراطي الزائف، بينما ظلت اليد العليا فيها عملياً للجيش والاستخبارات. ولا ننسى طبعاً أن الرئيس الروسي بوتين نفسه هو أحد رجالات المخابرات الروسية "الأشاوس". وهذا يؤكد أن روسيا شذت عن باقي ثورات أوروبا الشرقية.

وفي أحسن الأحوال، إذا ظلت روسيا ممسكة، بزمام الأمور في سوريا، فلن يحصل السوريون إلا على نسخة مشوهة من "الديموخراطية" الروسية، بحيث سيكون لدينا رئيس من فصيلة المخابرات والعسكر حاكم بأمره يتناوب على السلطة مع شخصية أخرى من وزن "الطرطور" كي يقنع العالم بأن سوريا تغيرت وأصبحت ديمقراطية، بينما هي في الواقع انتقلت من سيء إلى أسوأ. ولا شك أن "الديموخراطية" السورية ذات النكهة الروسية ستكون مناسبة جداً لإسرائيل، لأنها تطمئنها بأن الشعب السوري سيبقى تحت ربقة العسكر والمخابرات الذين حموا إسرائيل من الشعب السوري على مدى نصف قرن من الزمان.

ولعل أكثر ما يثير الضحك في التصريحات الروسية حيال الوضع السوري أن الكرملين يكرر باستمرار أن السوريين وحدهم سيقررون مصير النظام والرئيس، مع العلم أن من يقرر كل شيء في سوريا الآن هم الروس بآلتهم العسكرية الجبارة. لا أدري لماذا "يستحمر" الروس السوريين وبقية العالم بهذه التصريحات الهزلية القميئة. قال شو قال: مصير الأسد بيد السوريين. طيب، ألا تقدم روسيا كل أنواع الدعم للنظام السوري؟ ألا تستخدم كل أنواع أسلحتها الجديدة للقضاء على معارضي النظام بالحديد والنار؟ هل تركت فصيلاً معارضاً على الأرض إلا واستهدفته طائراتها؟ ألم تتدخل في سوريا بحجة محاربة داعش ثم اكتشفنا أنها جاءت حصراً لمحاربة كل من يعارض النظام؟ ألم تستخدم الفيتو في مجلس الأمن إحدى عشرة مرة لحماية النظام؟ ثم يخرج علينا الكرملين بكل صفاقة ليقول إن الشعب السوري سيقرر مصير النظام؟ وماذا كان جيشكم الروسي وطائراتكم وقواتكم تفعل في سوريا على مدى سنتين؟ هل كنتم توزعون الأزهار والحلوى على أطفال سوريا، أم كنتم تقتلون وتشردون الأكثرية في سوريا، بينما تعملون على إعادة تأهيل النظام والطوائف المتحالفة معه لتفرضوه على ما تبقى من السوريين المكلومين وعلى العالم مرة أخرى ككلاب حراسة لمصالحكم واستثماراتكم وقواعدكم الجديدة في سوريا؟ حتى الدستور السوري وضعته موسكو!

قال شو قال: مصير الأسد يقرره الشعب السوري....

ليش خليتو دور لحدا منشان يقرر أي شي في سوريا؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو