على وقع العملية العسكرية التركية في إدلب لا تتوقف التهديدات التركية بعملية عسكرية ضد عفرين بحجة انتزاعها من سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، ومع ان عفرين خارج منطقة خفض التصعيد التي جرى الاتفاق عليها في آستانة إلا أن الإصرار التركي على القيام بهذه العملية لا يتوقف وهو يطرح السؤال التالي: لماذا عفرين؟
في الواقع، على رغم أن عفرين معزولة جغرافياً عن بقية الكانتونات الكردية في سورية الا أنها تحتل أهمية استراتيجية كبيرة في المشروعين الكردي والتركي معاً، فكردياً تشكل عفرين الجسر الجغرافي الذي يصل المناطق الكردية بعضها ببعض على شكل إقليم متواصل جغرافياً، فضلاً عن وصل حدود هذا الإقليم بالبحر إذا أتيحت ظروف التقدم للمشروع الكردي، وفي الوقت نفسه فإن جوهر المشروع التركي يهدف إلى منع تحقيق هذا المشروع، نظراً إلى أن من شأن تحقيقه، خروج الأمور عن السيطرة وتشكيل مقومات الكيان الكردي، وربما تصبح الفيديرالية على طاولة تسوية الأزمة السورية، وعليه فإن مصير عفرين يقع في صلب الصراع الجاري في الشمال السوري.
تركيا التي خرجت من حلب خالية الوفاض لمصلحة النظام وحلفائه الروس والإيرانيين و «حزب الله»، ترى في مسار التقارب مع روسيا وإيران مجالاً للتفاهم على عملية في عفرين، على غرار تكرار لعملية درع الفرات، بل ترى أن عملية درع الفرات لم تستكمل أهدافها طالما ان منبج ومعها مثلث الشيخ عيسى وتل رفعت واقعة تحت سيطرة قوات سورية الديموقراطية، إذ إن هذا الوضع الجغرافي قد يتيح في ظروف مرحلة ما بعد تحرير الرقة من «داعش» تحرك هذه القوات باتجاه عفرين لوصلها بالكانتونات الكردية، وتركيا التي أبعدت عن معركة تحرير الرقة بقرار أميركي، تشعر بقلق شديد من عدم وقف واشنطن دعمها العسكري إلى الأكراد بخاصة ان الوعود الأميركية بهذا الخصوص تأخذ طابع الغموض ومحاولة خلق حالة توازن في علاقاتها بين الحليفين الكردي والتركي في وقت لا يتوقف أردوغان عن مطالبة الإدارة الأميركية بالاختيار بينهما، وعليه ربما ترى أنقرة ان كلفة الانتظار باتت أكبر من كلفة عملية عسكرية استباقية تقطع الطريق أمام المشروع الكردي نهائياً. وعليه، فإن الحديث في تركيا ليس عن العملية بل عن عمقها ومداها ومراحلها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يؤخر قيام تركيا بعملية عسكرية في عفرين؟ في الواقع، ثمة اعتقاد بأن الذي يؤخر مثل هذه العملية هو انتظار أنقرة موافقة أو تفاهمات مع روسيا وإيران غير متوافرة إلى الآن، وإذا كانت تركيا على مسار إيران انقلبت على حليفها الكردي مسعود بارزاني وتراجعت عن سياستها السابقة في العراق لمصلحة القوى الموالية لإيران، فإنها على مسار موسكو تبدي حماسة للتفاهم معها على خطواتها في شأن الأزمة السورية، بل وتغامر بعلاقاتها مع الغرب في عقد صفقات أسلحة ضخمة مع موسكو من نوع المنظومة الصاروخية الدفاعية اس 400، كل ذلك على أمل دور مؤثر في شمال سورية، وهي تنطلق من هذه القناعة بأن عملية إدلب قد تكون مدخلاً لها للوصول إلى عفرين.
في الواقع، ملامح العملية التركية في إدلب تشير إلى ان عفرين هي الهدف الأهم لتركيا، فعملية إدلب لم تسجل حتى الآن اي اشتباكات بين القوات التركية والجماعات المسلحة المنضوية في «هيئة تحرير الشام»، وفي كثير من الأحيان تجري خطوات هذه العملية بالتنسيق بين القوات التركية و «جبهة النصرة»، كما ان عمليات التصفية داخل قيادات الجبهة توحي بتأثير استخباراتي تركي قوي في قرارات قادة التنظيم والتحرك وفقاً للمساعي التركية. وعليه من الواضح أن التحرك التركي تجاه إدلب في إطار تفاهمات آستانة يتجاوز هذه التفاهمات وحدود إدلب، إذ إن الهدف هو عفرين لكن القيام بأي عملية ضد الأخيرة يخضع لحسابات دقيقة ومتداخلة لها علاقة بالموقف الروسي بالدرجة الأولى. يبقى القول إن تركيا في مقاربتها لعفرين لا تترك أمام الأكراد إلا تكرار تجربة عين العرب (كوباني) حتى لو تعرضت لدمار كبير.
هذه هي الحلقة الثامنة من مسلسل جنيف السوري.. الحدث ذو الأهمية المفترضة لم يأخذه أحدٌ بجدية، لا المعارضة ولا النظام، ولا حتى الأطراف التي ترعاهما، على الرغم من أنه صيغة دولية تعتمد الحل الوسط وترتكز على قرارات مُتفق عليها. يمكن أن يكون الخروج بنتيجة من هذا المؤتمر أمراً جيداً، ولكن كل طرف ما زال يرى أنه يستطيع الانتصار النهائي، متكئاً على دعم حلفائه.
تعمل موسكو بجد للالتفاف على جنيف، والاستعاضة عنه بأستانة أو سوتشي، والمعارضة لا تحضر إلا بعد مؤتمر توافقي، تتفق فيه على الحد الأدنى الذي لا يرضي أحداً، فيشعر كل مَنْ يجلس على كراسي مؤتمر جنيف بعدم جدوى وجوده.
شهدت أطوار الحرب المستمرة منذ سبع سنوات في سورية حالات مد وجزر، تقدّمت المعارضة وتراجعت، وكذلك فعل النظام، وعُقدت جولات جنيف في أثناء حالات ميدانية متباينة. وفي كل الظروف، كان جنيف يبدأ بأقل قدر من التوقعات تحت ذرائع مختلفة، وكانت الوفود تلتقي بالمبعوث الأممي شكلياً قبل أن تغادر على موعد بلقاء ثان، وعينها على أرض المعارك، أو على العواصم الداعمة التي تشتم منها رائحة انتصار ما.. وما بين جنيف وآخر كان يمضي مزيد من الوقت، وهو العامل الذي يرغب النظام بتوظيفه لصالحه ضمن لعبةٍ يجيدها، ونتيجةُ آخر حلقة لجنيف تؤكد هذه النظرية، وبدأ وفد المعارضة يحترف أيضاً لعبة إضاعة الوقت، بعد أن أصبح بحاجة لكثير منه قبل أن يحدث متغيرٌ دوليٌّ ما لصالحه.
قبيل انعقاد مؤتمر الرياض 2 استقالت بعضُ رموز المفاوضات السابقة، أو جرى استبعادها مراعاةً لما ترغب به موسكو تحت يافطة "استثناء المتشدّدين"، وأُعيد تشكيل وفدٍ يستوعب أفراداً جددا، ويؤهل نفسه لخوض "منافسات جنيف". وظهر في البيان النهائي لمؤتمر الرياض أن الوفد لن يقبل فترة انتقالية يكون للأسد دورٌ فيها، وهو البند الذي استفزّ رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، واعتبره شرطاً مسبقاً دفعه إلى مغادرة المفاوضات مبكراً، لكن الحدث الأبرز كان تقديم مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، ورقة معدلة عما قدمه في السابق، وطلب من وفدي النظام والمعارضة دراستها والبناء حولها. وتتبنى الورقة سورية موحدة تجمعها فيدرالية فضفاضة، وهذا يعني، بشكل ما، إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، مع تثبيت حالة عدم الاقتتال، لكن الخلاف الحقيقي هو بشأن مكان بشار الأسد.
قبل أن يبدأ جنيف، التقى رئيس النظام بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، ثم جرت قمة مهمة جمعت بوتين مع كل من رئيسي إيران حسن روحاني وتركيا رجب طيب أردوغان، كما التقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع بوتين في فيتنام، وخلاصة كل اللقاءات كان إحداثَ تغيير في ورقة دي ميستورا وتأجيلَ ملتقى سوتشي، وليس إلغاءه، بالإضافة إلى شبه تخلٍّ أميركي عن الأكراد. وتجعل كل هذه الملابسات من لقاء جنيف لقاء شرفياً فقط، وكل ما يمكن أن يجري سيكون خارجه وقد يقتصر اللقاء في جنيف على حشر الجميع للتوقيع على ما سبق التوافق عليه. وحتى هذه اللحظة، لم يتم الحسم بين العواصم، وخصوصا الجانبين، الأميركي والإسرائيلي، ولدى هذين شرط خاص وحاسم، هو استبعاد إيران.
يملك النظام وقتا كثيرا، حتى أن وسائل إعلامه تتغنى بترف إعادة الإعمار ومحاربة الفساد، ولدى مسؤوله في المفاوضات كل الجرأة ليتأخر عن موعد الاجتماعات، ولديه جرأة أخرى ليرفض الدعوة إلى تمديد الاجتماع، ولدى وفود المعارضة وقت أيضاً لإجراء مفاوضات داخلية، وعقد لقاءات فرعية لضم شخصيات جديدة وإغناء الوفد. ويمكن لجنيف أن ينتظر موعد نضوج آخر في عواصم أخرى، ويمكن الآن أن يراقب الجميع ما سيسفر عنه اتهام المسؤول السابق في حملة ترامب لترامب نفسه بالاستفادة من تدخلات روسية في الانتخابات الأميركية، وهذه تطورات قد لا تقلب الطاولة، بل يمكنها أن تغير الطاولة نفسها.
في سورية حرب أهلية، وفي تونس حالة من التوافق لمعالجة تداعيات ثورة هادئة. لكن على الرغم من اختلاف الأوضاع والسياقات، إلا أن البلدين يشتركان حاليا في تقاسمٍ خطر ماحق، يتمثل في هجرة الأدمغة نحو بلدان الشمال، أو الدول الأكثر ثراء. وقد تابع العالم على المباشر، ولا يزال، تهافت دول غربية عديدة للحصول على حصتها من النخبة السورية المهاجرة قسرا من بلادها المحترقة. وكان لكل من هذه الدول نصيب. أما في تونس، فقد تلقى الجميع، في الأيام الماضية، رقما مزلزلا أكدته منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، حين ذكرت أن حوالي 94.000 كفاءة تونسية غادرت البلاد خلال السنوات الست الأخيرة. وكانت جهتهم الرئيسية أوروبا التي استقطبت 84٪ منهم. ويذكر المصدر نفسه أن أغلب هؤلاء "باحثون ورجال أعمال وأطباء وأكاديميون"، وأيضا إداريون ومعلمون وأساتذة.
جعلت هذه الأرقام من تونس الدولة الثانية عربيا بعد سورية في هجرة الأدمغة. لماذا حصل هذا ؟ هل هي عقوبة للبلدين، بسبب محاولتهما التمرّد على نمط الهيمنة الداخلية والدولية؟ هل من المنطقي أن يقع ابتزاز كل شعب يثور داخل هذه الدائرة الضيقة من العالم، وتمتد أيادي الأقوياء لمصادرة مخزونه الاستراتيجي الذي يعد أهم بكثير من ثرواته الطبيعية. الغاز والبترول والفوسفات ثروات زائلة، لكن رأس المال البشري قوةٌ لا تعوّض، لأنها رصيد الشعوب لحماية مستقبلها، وضمانة للإبقاء على وجودها في المستقبل، فكلفة الطالب التونسي في اختصاص الطب تتجاوز مائة ألف دينار، وذلك قبل أن تشهد العملة التونسية الانهيار الحالي المريع.
حدّثني، أخيرا، طبيب تونسي عن هجرة بعض زملائه، وأكد لي أن أطباء كثيرين هاجروا سابقا كان كثيرون منهم مبتدئين في مزاولة المهنة، لكن الجديد هذه الأيام أن الذين غادروا البلاد أو يفكّرون حاليا في مغادرتها يعتبرون من بين أفضل الأطباء التونسيين، حيث بعضهم عمداء ومديرو مستشفيات عمومية ورؤساء أقسام، ومختصون من طراز رفيع. وأضاف محدّثي أن الجزائر اليوم تواجه صعوبةً حقيقيةً في تأثيث مصحة عالية الجودة، ويعود السبب، حسب اعتقاده، إلى أن نتائج الحرب الأهلية التي مرّت بها الجزائر والمعروفة بالعشرية السوداء هجرة الآلاف من أفضل أطبائها وكوادرها في القطاع الصحي.
ذكر لي أحد هؤلاء الأطباء أنه يتلقى أسبوعيا عشرات العروض من جهات فرنسية وأوروبية تغريه بأجر يتجاوز خمسة أو حتى عشرة أضعاف ما يتقاضاه في تونس. إنه النهم الأوروبي والرغبة في صيد ثمين بسعر زهيد. فهذه الجهات الباحثة عن الكفاءات تعلم جيدا أن في تونس نخبة متعلمة، وذات خبرات عالية، راهنت على تنشئتها وتكوينها دولة الاستقلال منذ تأسيسها. لهذا، ما أن اختلّت أوضاع البلاد نتيجة الانتقال السياسي الصعب، وأيضا بسبب عجز السياسيين عن قيادة المرحلة وحماية الأمل الذي شاع بين الناس، بعد إطاحة الدكتاتورية، حتى أشارت هذه الدول المهيمنة إلى رغبتها الشديدة في الاستحواذ على زبدة النخبة التونسية بالإغراءات المالية والوظيفية.
وبالعودة إلى الأرقام المفزعة، يلاحظ أيضا هجرة 8000 إداري، و1200 رجل أعمال، و1464 بين معلمين وأساتذة. وهؤلاء غادروا تونس فقط بين 2014 و2015. إنه نزيف حاد وغير مسبوق. أصبح الأمر يحتاج إلى تحرّك سريع من أجل إنقاذ البلاد، قبل أن تجفّ الشرايين، وتصاب الدولة بالسكتة القلبية. ونظرا إلى خطورة الأوضاع، تعالت الأصوات المحذّرة من غرق السفينة، وتعدّدت المبادرات الرسمية وغيرها، وكان آخرها مؤتمر تفعيل إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي الذي انعقد أخيرا في تونس. وهو المؤتمر الذي قاطعه الاتحاد العام التونسي للشغل، وكذلك اتحاد الأساتذة الجامعيين والباحثين التونسيين الذي اعتبر، في بيان له، أن الجامعة التونسية "تمر بمرحلة عصيبة، فلا إمكانات، ولا بنية تحتية، ولا موارد بشرية، ولا بحث علمي، ولا رؤى، ولا استراتيجيات"، حكاية طويلة ومعقدة لقصة نجاح مهدّدة بالانهيار.
الرجل الأول في الطغمة العسكرية التي تدير أمريكا، وزير الدفاع جيمس ماتيس (الملقب بالكلب المسعور) ادعى وجود احتمال استعادة عناصر تنظيم داعش الأراضي السورية التي استولت عليها وحدات حماية الشعب الكردية منهم، وقال إنهم سيواصلون التعاون مع إرهابيي حزب العمال الكردستاني للحيلولة دون ذلك.
وبينما كان من المنتظر إنهاء الفوضى الحالية كما طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإيقاف تسليح وحدات حماية الشعب واستعادة الأسلحة الممنوحة لها، تخترع وزارة الدفاع الأمريكية الحجج من أجل عدم تنفيذ الطلب.
وخلال حديثة للصحفيين في الطائرة أثناء توجهه إلى العاصمة المصرية في نهاية الأسبوع الماضي لم يذكر ماتيس شيئًا عن وقف شحنات الأسلحة.
بل إن المتحدث باسم وزارة الدفاع، وليس الوزير، هو من أصدر بيانًا نفى فيه ما قاله ترامب لأردوغان عن وقف تسليح وحدات حماية الشعب.
يقول الباحث ستيفن كينزر إن هذا الوزير عضو في الطغمة العسكرية التي تسيطر على الإدارة الأمريكية.
وللحيلولة دون حدوث سوء فهم، يوضح كينزر أن الطغم العسكرية لا تستولي على الحكم في ليلة واحدة عبر انقلاب على الحكومة، وإن الأمر ممكن في الولايات المتحدة عبر تعيين رئيس أو رئيس للوزراء.
وبحسب تصنيف كينزر فإن الكادر المركزي للطغمة العسكرية مكون من وزير الدفاع الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، وكبير موظفي البيت الأبيض (يمكنكم أن تعتبروه رئيس الوزراء) الجنرال المتقاعد جون كيلي، ومستشار الأمن القومي الجنرال هربرت مكماستر.
ومن المعروف أن أعضاء هذا الكادر، الذي يسميه ترامب "جنرالاتي"، عينوا عسكريين سابقين وحاليين في مناصب مساعديهم، التي كانت تتشكل في السابق من المدنيين.
وحاليًّا يدور الحديث عن احتمال سحب حقيبة الخارجية من ريكس تيلرسون، وتسليمها إلى مدير سي آي إيه، مايك بومبيو، وهو خريج الأكاديمية العسكرية في وست بوينت. وبذلك ستكون الطغمة العسكرية قد سيطرت على وزارتين هامتين.
الأعضاء الثلاثة لهذه الطغمة كانوا جنرالات عاملين في العراق عندما رفضت تركيا مذكرة الأول من مارس (رفض البرلمان مشروع قرار يسمح بنشر قوات أميركية في تركيا وإرسال قوات تركية إلى العراق).
ماتيس كان مهندس برنامج تدريب وتسليح البيشمركة، الذي جعل منها جيشًا نظاميًّا، ووضع إقليم شمال العراق في دستور البلاد، أما كيلي ومكماستر فعملا أولًا في أفغانستان، ثم انتقلا إلى العراق.
ومن الواضح أن محبة الثلاثة لتركيا تعود إلى تلك الأيام!!
تمر المنطقة العربية عامة والشرق الأوسط بشكل خاص بمنعطف تاريخي كبير منذ سنوات بات اليوم أمام مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة بعد ثمان سنوات من بدء الربيع العربي في العالم العربي وسبع سنوات مرت من عمر الثورة السورية التي تعتبر الثورة المفصلية المؤثرة في الخريطة القادمة التي سترسم في الشرق الأوسط والتي تتصارع فيها الدول الكبرى والمؤثرة في العالم سواء بشكل مباشر كروسيا وأمريكا أو عبر وكلائها على الأرض أو في قاعات المحافل الدولية.
إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ليس بالحدث العابر بل هو صفقة سياسية وتحالفات سياسية وعسكرية تبنى في الشرق الأوسط من جديد بعد ما آلت إليه الأوضاع العسكرية في سوريا من سيطرة لروسيا وإيران وتراجع الدول الأمريكي والذي لم يكن جاداً في دعم أبناء الشعب السوري والثورة، بل ساهم بشكل كبير في تقويضها وتشتيت كلمتها.
ولعل سلسلة البيانات والاستنكارات وردود الأفعال الدولية والعربية والإسلامية تجاه إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل لايمكن اعتباره إلا ضمن السياسات الإعلامية لا أكثر، فإعلان ترامب رتب ودبر ومهد له تحت الطاولة وفي ما وراء الأضواء، واختير الزمان المناسب للإعلان، فالبيانات والمظاهرات لن تغير شيء لاتعدو جرعات مسكن إضافية اعتاد الشعب العربي والإسلامي عليها منذ عقود طويلة.
إعلان ترامب في وقت عصيب من عمر الثورة السورية وتقدم لحلفاء النظام وتميكن لقبضة إيران وشيعاها في سوريا واحتلالهم دمشق و البوكمال وحلب، وتقسيم دول الخليج وزرع الشقاق بينها واصطياد السعودية بحلفاء إيران الحوثيين في اليمن وتهديدهم أمن الخليج عامة، وترويض مصر، والتضييق الممارس على تركيا من قبل أمريكا والاتحاد الأوربي ولو كان ظاهره تأشيرات دخول وتحالفات إلا أن باطنه أكبر وأوسع هدفه تفكيك هذه القوة الصاعدة عالمياً، كل هذه الأحداث ترسم خريطة شرق أوسط كبيرة تمتد من إسطنبول حتى صنعاء مرواً بدمشق والقدس ومكة وصولاً حتى صنعاء ولن تكون الدوحة وأبو ظبي وعمان بمعزل عن هذه المتغيرات.
لم يمنع أي من الرؤساء السابقين لترامب من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وهل خافوا من حكام العرب مثلاً، وليس ترامب بأشجع ممن دمر العراق وبعدها سوريا "بوش وأوباما"، بل إن التوقيت في الإعلان كان في وقت حكم ترامب وفي وقت باتت تكتمل فيه الخريطة الجديدة لتوزع السيطرة والوكلاء في الشرق الأوسط الجديد، سيكون لإسرائيل من خلف ستار دور بارز في تمكين السيطرة.
شعار "طريق القدس يمر من الزبداني" والذي اتخذه نصر الله رجل إيران لتجييش الشيعية لاحتلال سوريا والسيطرة على مقدراتها ونشر التشيع في دمشق ودير الزور وشراء العقارات وتمكين النفوذ بالولاءات، كذلك كلمة مفتي الأسد حسون بكلامة أن طريق القدس يصل العاصمة الإيرانية طهران بالموصل العراقية وحلب السورية وبيروت اللبنانية سالكة نحو مدينة القدس"، لم يكن عبثياً فهم يدكون دور دمشق وأهميتها الاستراتيجية في قلب الشرق الأوسط ويعون جيداً أن من يحكمها ويسيطر عليها يملك مفاتيح القرار في الشرق الكبير.
تحرير القدس اليوم لا يكون بالشعارات والاستنكارات والبيانات الإعلامية بل بنهضة إسلامية عربية في مواجهة التمدد الشيعي في سوريا وتحرير دمشق التي ستكون مفتاح تحرير القدس وحصر كيان الاحتلال الإسرائيلي ورسم خريطة الشرق الأوسط، لن يتحقق إلا بدعم أبناء الثورة السورية وإمدادهم بالسلاح والعتاد لإعادة ما فقدوه من مناطق خلال السنوات الماضية وكبح جماح التمدد الإيراني الروسي والوصول لدمشق وتحريرها قبل إتمام الهلال الشيعي من إيران حتى المتوسط.
دعم ثوار سوريا واجب على كل الدول العربية وأولها دول الخليج والدول الإسلامية وأولها تركيا دعماً حقيقياً بالسلاح والعتاد دون الرضوخ للدول الغربية التي تحدد عدد الطلقات وأنواعها والتي يجب أن تدخل للثوار، قبل أن يفوت الأوان وتتمكن إيران من دمشق ويتمكن أتباعها من اليمن ويصلون لمكة يستبيحون قبلة المسلمين وليس بغريب أو مستبعد فهذا ما يطمحون لهم وينادون به منذ عقود، والعرب نيام عما يدبر ويحاك، فلن تنفع استنكارات وبيانات وشجب وتنديد بل قطع المشروع المدبر لسوريا وعاصمة الأمويين لتفتح أبواب القدس من دمشق وتعود حرة لأهلها.
ثمة اكثر من مؤشر على احتمال وصول محادثات جنيف 8 الى طريق مسدود بينها ما يقوله رئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري أنهم يغادرون جنيف بعدما انتهت المباحثات بالنسبة لهم ، خصوصا وأن دي ميستورا تعهد لهم بأن لا تتضمن هذه الجولة أي لقاء مباشر مع المعارضة وعدم التطرق بأي شكل من الأشكال إلى بيان الرياض هي وحدها التي دفعتهم لقبول المشاركة في المحادثات .
ثم هناك السجال السياسي المتزايد بين موسكو التي تتهم واشنطن بصب الزيت فوق النار في سوريا لتأجيج الخلافات والاخيرة التي ترد محملة القيادة الروسية نفسها مسؤولية ايصال الامور الى ما هي عليه اليوم من توتر بسبب دورها في سوريا وتخليها عن وعود اخراج الميليشيات الإيرانية من المشهد السوري. وما يردده وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن محادثات جنيف " تشكل القاعدة الوحيدة الممكنة لاعادة بناء البلاد وبدء تطبيق حل سياسي لا يتضمن اي دور لنظام الاسد او لعائلته في الحكومة السورية ".
الا أن هناك ما يقول العكس ويدفع نحو سيناريو معاكس حول الحلحلة والانفراج الاقرب في ملف الازمة وهي أمور تتعارض كليا مع احتمالات تصلب النظام وتغريده خارج السرب او تجاهل المعارضة لعروض وخيارات جديدة نحو التسوية الكبرى مثل :
كلام الجعفري حول ان النظام لا يسعى الى مواجهة مع دي ميستورا وانه سيصغي الى ما يقول .
وتاكيدات دي ميستورا انه متمسك بقناعة أن المباحثات تتم وسط " أجواء مهنية وجدية من الجانبين إلى أقصى مدى وخاصة مقارنة بالماضي ".
ومواصلة روسيا الاستعدادات لفتح الطريق امام " مؤتمر الحوار الوطني السوري " الذي بدأت موسكو توجه الدعوات لانعقاده في منتجع سوتشي في شياط / فبراير 2018 المقبل .
من دون ان نهمل موضوع نجاح المعارضة السورية في دخول جنيف 8 بوفد موحد وبسقف سياسي معقول.
والتوافق الاميركي الروسي حول تقديم آلية الحل السياسي وتفاهمات يسبقها مساومات وتنازلات ثنائية في اطار تقاسم الغنائم .
حقائق أخرى تبرز الى العلن وهي أنه رغم أن سقف مناورات الحوار بين وفدي المعارضة والنظام مرتفع جدا وأن كل طرف يتصلب في طرح مطالب وشروط يعرف أنها ستقود في النهاية الى الاصغاء لما سيقوله الاخرون .وفد النظام برفض التطرق إلى موضوع الانتقال السياسي الذي تصر المعارضة على إنجازه قبل الانتقال إلى مواضيع أخرى كالدستور والانتخابات . وهو يريد المراوغة واطالة عمر المفاوضات لاحراج المعارضة من خلال طرح أولوية جديدة هي مناقشة مكافحة الإرهاب. والمعارضة ترى أن لديها سلاحاً مهماً وهو القرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية وحددت أسس الحل في سورية وتراهن على ضغط روسي يجبر النظام على تقديم التنازلات التي تقبل بالانتقال السياسي وتشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، وإعلان دستوري مؤقت يحرك المرحلة الانتقالية التي يوضع خلالها دستور دائم، وقانون للأحزاب والانتخابات، لكن الذي يتقدم على الارض بدعم وموافقة اقليمية ودولية وكما يرى الكثير من المتابعين هو خارطة الطريق التي يقترحها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بشأن التسورية السورية على النحو التالي :
الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف ستستأنف في 5 كانون الأول/ ديسمبر الحالي : المبعوث الدولي يقول أن أطراف المفاوضات ناقشت المبادئ الـ12 التي طرحها هو وتتعلق بدائرة واسعة من القضايا وتؤثر على كل شيء في الدستور المستقبلي، " وقد بدأنا ببحث كيفية التعامل من هذه المسألة".
الجميع يدرك ان المرحلة المقبلة تحت سقف جنيف لن تكون سهلة وان المطلوب في النهاية هو :
فتح الطريق اكثر فاكثر امام بدائل مثل الاستانة وسوشي ومؤتمر الحوار الوطني السوري .
التطورات التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة في أستانة تفرض نفسها على جدول أعمال جنيف، ولا يمكن لهذا الاجتماع أن يتقدّم، من دون أن يأخذ بالنتائج التي تحققت على صعيد تفاهمات الدول الضامنة الثلاث .
موسكو في اسوا الاحوال متمسكة بطاولة سوتشي تحت شعار " مساعدة السوريين في إعادة وحدة البلاد وتحقيق التسوية السياسية للأزمة من خلال عملية شاملة وحرّة وعادلة وشفافة يقودها السوريون وينفذونها بأنفسهم " ولكن في اطار مفاوضات جنيف وتفاهماتها الى جانب القرار 2254 .
خياران يتقدمان على الارض اولهما ذهاب الجميع الى طاولة حوار بديلة تريدها موسكو في سوتشي او خيار أن تقبل الاطراف بتوسيع مهام اجتماعات الاستانة الثلاثية وتفعيل دورها وتبني القرارات التي ستتخذها .
ثم هناك احتمال أن تكون عملية تركيا على خط ادلب – عفرين تتقدم على خط سياسي موازٍ مرتبطٍ بتذويب " هيئة تحرير الشام " وتحويلها الى طرف وازن في المعارضة السورية المعتدلة .
حقيقة اخرى غير معلنة ان يكون دي ميستورا نفسه " متواطئا " مع المخطط الروسي باتجاه فتح الطريق امام تقدمه بدعم اميركي اقليمي واعتماد صيغ الحل التي تطرحها موسكو لاختصار الطريق وتقصير المسافات في موضوع التسويات .
يبدو أن الولايات المتحدة، التي استخفت حتى الآن بقوة عملية أستانا، قد أدركت حدود امكاناتها في نهاية المطاف .
ما الذي يعنيه أن تقترح موسكو بشكل مفاجىء ارسال قوات حفظ سلام دولي الى سوريا في اطار تفاهمات محلية اقليمية ؟
هل موسكو هنا تعرض خطة الانتقال من مناطق خفض التوتر الى عملية حفظ سلام دولية ؟
هل كانت قرارات الرياض 2 هي تحضيرية لجنيف 8 وما بعده أم للدعوة الروسية لعقد اجتماع حوار وطني سوري في شباط المقبل ؟
الانتصار الاهم الذي سجلته قوى المعارضة كان دخولها قاعة الاجتماعات هذه المرة اكثر انسجاما ووحدة وقوة بعد اجتماعات الرياض 2 التي وحدت قوى المعارضة في جسم واحد يتحرك سياسيا ودبلوماسيا .
الاتراك يتابعون عن قرب المرحلة الثانية من انتخابات تنظمها الإدارة الذاتية الكردية على ثلاث مراحل في مناطق سيطرتها في شمال سورية، لاختيار مجالس محلية للنواحي والمقاطعات التي يتألف منها كل إقليم من أصل ثلاثة هي عفرين والفرات والجزيرة.
واميركا تحاصر انقرة بقرار التمسك بحليفها الكردي في سوريا وتصر على مشاركة " قوات سوريا الديمقراطية " في المفاوضات التي لا تضمهم نتيجة الاعتراضات التركية . والحكومة السورية لا تعترف بالفيديرالية الديموقراطية التي أسسها الأكراد شمال سورية بدعم من الولايات المتحدة، كما أنها لا تعترف بالانتخابات في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وربما قد تكون مؤشراً على مفاجات جديدة وتليين مواقف وارجاء مواجهات بين لاعبين ومؤثرين في الملف السوري .
التمدد الميداني الاخير الذي نفذته مجموعة داعش في ريف شمال حلب سيعطي انقرة الفرصة التي كانت تبحث عنها للتقدم الاسرع والاوسع في ادلب وجوارها نحو عفرين تحديدا . وترك " هيئة تحرير الشام " امام 3 سيناريوهات: الهيئة بحلة جديدة او التدخل العسكري التركي او اطلاق يد النظام لمساعدة تركيا على الخروج من ورطة عفرين وهو اقتراح روسي يبحث لنفسه عن مكان في مناطق الحدود التركية السورية .
عندما يتحدّث وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في مؤتمر انعقد أخيرا في روما، يتبيّن أن إيران تعتبر نفسها القوّة العظمى الأخرى في العالم وأنها حلت مكان الاتحاد السوفياتي، السعيد الذكر. ما يتبيّن أيضا بالملموس هو أن لا وجود لجناح معتدل وآخر متطرّف في النظام الإيراني.
هناك بكل بساطة نمط واحد لتعاطي المسؤولين الإيرانيين مع بقية دول المنطقة. هذا النمط هو نمط الاستعلاء واعتبار كلّ دولة من دول المنطقة، خصوصا الدول العربية، مجالا حيويا لإيران. من حقّ إيران، من وجهة المسؤولين فيها، أن تمارس نفوذها حيثما تشاء وبالطريقة التي تشاء من دون حسيب أو رقيب.
يوجد داخل النظام الإيراني جناح واحد فقط يعمل بإمرة “المرشد” علي خامنئي الذي يؤمن بأنّ إيران دولة عظمى يحقّ لها ما لا يحقّ لغيرها. لو لم يكن الأمر كذلك لما كان وزير الخارجية الإيراني يستطيع أن يسمح لنفسه في المؤتمر المتوسطي الذي استضافته روما بتجاهل العملية السياسية المتعلقة بسوريا والتي كان مؤتمر جنيف بنسخته الثامنة فصلا من فصولها.
بالنسبة إلى ظريف، الذي أتى على ذكر مؤتمر أستانة ثلاث مرات في كلمته، لا وجود لجنيف الذي يستند البحث فيه إلى القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هناك مؤتمر أستانة فقط، وهو مؤتمر يحصر الموضوع السوري بين روسيا وإيران وتركيا.
من الواضح، أنّ هناك تصميما إيرانيا يتّسم بالوقاحة على البقاء في سوريا. عندما سئل ظريف متى ستخرجون من المنطقة العربية، خصوصا من الجنوب السوري أجاب “لن نخرج أبدا” مستخدما كلمة never الإنكليزية. أكّد أيضا أن إيران “لا تأخذ أوامر من روسيا”، وأنها لن تخرج من العراق أو غيره. قال بالحرف الواحد “لن نغادر المنطقة. نحن من المنطقة”.
هل صحيح أن إيران من المنطقة وأنّها قادرة على التعايش مع أهل المنطقة… أم أنّها قوّة استعمارية لا أكثر؟
الجواب، بكل بساطة، أن إيران تتصرّف كقوّة استعمارية. ما تغيّر منذ “ثورة” الخميني في العام 1979 أن التصرّف الإيراني تطوّر نحو الأسوأ، وذلك مقارنة مع ما كان عليه أيّام الشاه. كان هناك حدّ أدنى من العقلانية في عهد الشاه الذي كان يعتبر نفسه “شرطي الخليج”.
احتل الجزر الإماراتية الثلاث (أبوموسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) في العام 1971 بعدما أكّد الشعب البحريني في الاستفتاء الذي جرى بإشراف الأمم المتحدة تمسّكه بالاستقلال. بالنسبة إلى الشاه، كانت الجزر الثلاث تعويضا عن رفض البحرين أن تكون محافظة إيرانية. المؤسف أن شيئا لم يتغيّر منذ 1971. تتمسّك “الجمهورية الإسلامية” بسياسة الشاه، وما زالت تحتلّ الجزر الإماراتية الثلاث رافضة أيّ تفاوض في شأنها.
في مرحلة ما بعد “الثورة”، لم تعد هناك حدود للطموحات الإيرانية. قد يكون ذلك ناجما إلى حاجة النظام إلى متابعة عملية هروبه إلى الأمام في غياب القدرة على حلّ أي مشكلة داخلية يواجهها. كان الشعار الذي رفعته “الثورة الإسلامية” الاستغناء عن مداخيل النفط. مع مرور الأيّام، صارت إيران تعتمد على النفط أكثر فأكثر، وذلك بدل توظيف إمكاناتها من أجل رفاه شعبها وتحسين مستوى المعيشة والعمل على تطوير قطاعات اقتصادية أخرى.
ينمّ كلام وزير الخارجية الإيراني عن وقاحة ليس بعدها وقاحة واستخفاف بالعرب عموما والشعبين السوري والعراقي على وجه التحديد. استند ظريف لتبرير الوجود العسكري الإيراني في سوريا إلى “دعوة” من “حكومة شرعية”. منذ متى هناك حكومة شرعية في سوريا. هل يمتلك النظام السوري القائم على أجهزة أمنية مهمّتها قمع الشعب، شرعية من أيّ نوع؟
في سياق إلقاء ظريف لكلمته في روما، اعترض عدد من الحضور على استخدامه عبارة “الخليج الفارسي”. ردّ على المعترضين بأن طلب منهم “قراءة التاريخ”. لعل أفضل ردّ على تمسّك ظريف بالوجود العسكري الإيراني في سوريا دعوته إلى قراءة التاريخ أيضا. يقول التاريخ أن لا مكان لإيران في سوريا ولا في أيّ دولة عربية، بما في ذلك العراق ولبنان. استطاعت إيران تغيير طبيعة قسم لا بأس به من المجتمع الشيعي في لبنان. لكنهّا لن تستطيع تغيير طبيعة المجتمع اللبناني، حتّى لو بدر عن بعض المسيحيين ما يشير إلى جهلهم بإيران ومشروعها التوسّعي.
ليس هذا الكلام نابعا من شعور ذي طابع شوفيني، بمقدار ما أنه يستند إلى واقع يتمثّل في أن الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية لا يمكن أن يبني علاقة بين إيران وأيّ شعب عربي. كلّ ما هناك أنّ إيران لن تكون قادرة على تحقيق اختراق في العمق في أيّ بلد عربي ما دامت تتصرّف كقوّة استعمارية من منطلق أنّها مرجعية للميليشيات المذهبية التي أسستها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتّى في البحرين.
إذا كانت إيران تريد أن يكون لها بالفعل وجود في هذه الدولة العربية أو تلك، يفترض بها التخلي عن الذهنية التي تحكّمت بالنظام منذ العام 1979. هناك للمرّة الأولى إرادة عربية واضحة في التصدي للأطماع الإيرانية، خصوصا بين دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية.
صحيح أنّه لا يمكن تجاهل الحرب العراقية – الإيرانية بين 1980 و1988 واضطرار الخميني إلى “تجرّع كأس السمّ في نهايتها”، لكن الصحيح أيضا أن صدّام حسين أضاع كلّ ما كان يمكن تحقيقه من مكاسب في تلك المرحلة بعدما ارتكب جريمة احتلال الكويت من جهة، وبسبب عجزه عن فهم المعادلات العربية والإقليمية من جهة أخرى.
هناك حاليا وعي عربي شامل بخطورة المشروع التوسّعي الإيراني. هناك استيعاب لدى الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي، لمعنى أن يتصرّف خامنئي مثل هتلر. من يسعى إلى أن يكون في سوريا والعراق بحجة “إننا من داخل المنطقة وليس من خارجها”، إنّما يتصرّف كما تصرّف هتلر في مرحلة ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية إنْ تجاه النمسا أو تجاه بولندا.
من المفيد ملاحظة أنّ المجتمع الدولي بدأ يعي أبعاد إطلاق إيران صواريخ باليستية من اليمن في اتجاه الأراضي السعودية. لم يعد الأوروبيون والأميركيون أسرى عقدة الملفّ النووي الإيراني. صاروا يميّزون بين أهمية المحافظة على الاتفاق في شأن الملفّ النووي الموقّع صيف العام 2015 من جهة، وبين ملف الصواريخ الإيرانية ونشاطاتها التخريبية في المنطقة من جهة أخرى.
يمكن أن يكون هذا التمييز الأوروبي والأميركي بين الملف النووي والصواريخ الإيرانية ما دفع وزير الخارجية الإيرانية إلى كشف حقيقة السياسة الإيرانية ومدى خطورتها. حقيقة هذه السياسة أن الإيرانيين موجودون عسكريا في العراق وسوريا ولبنان، ويعتقدون أن لا شيء يمكن أن يخرجهم من البلدان الثلاثة.
هل هذا رهان إيراني في محلّه؟ من يقرأ التاريخ ومن يتمعّن بإمكانات إيران، لا بدّ أن يكتشف أن ليس في استطاعة أي دولة لعب دور أكبر من حجمها. روسيا نفسها التي استعانت بها إيران كي يبقى بشّار الأسد في دمشق، بدأت تستوعب أن ليس في استطاعتها فرض حل في هذا البلد من دون تفاهم ما مع الإدارة الأميركية… هذه الإدارة التي يبدو أنّها تتّجه إلى سياسة أكثر تصلّبا تجاه إيران وما تمثّله وما تطمح إليه في المنطقة.
لو استمعت إلى التلفزيون السويسري أو السويدي أو الألماني ذات يوم، وهي بلاد معروفة على مستوى العالم بأنها رموز للتقدم والتحضر، لأخذت الانطباع أن تلك البلاد في حالة يُرثى لها. لماذا؟ لأن وسائل الإعلام الحرة لا تترك مشكلة مهما كانت صغيرة إلا وتضخمها وتركز عليها حتى يتم إصلاحها، بينما في بلادنا التعيسة لا تسمع في وسائل إعلامنا المهترئة إلا عن الإنجازات والانتصارات التاريخية، مع العلم أن كل المؤسسات معطلة في بلادنا باستثناء مؤسسة المخابرات التخريبية، وأن الخراب يعم كل المجالات.
بالأمس القريب حرقت إسرائيل في عدوانها على لبنان الحرث والنسل والبشر والحجر، لكن مع ذلك خرج بتوع «المقاومة» ليحتفلوا بالنصر الإلهي العظيم على إسرائيل. ولا ننسى أنه عندما سقط الجولان قال قيادي بعثي كبير وقتها، لا مشكلة في سقوط الجولان طالما أن القيادة بخير، فهم لا شيء يهمهم في الوطن سوى الكراسي، وليذهب الوطن والشعب أدراج الرياح. واليوم بعد تدمير ثلاثة أرباع سوريا وتهجير نصف الشعب السوري وتحويل سوريا إلى بلد متعدد الاحتلالات، لا هم للنظام وحلفائه إلا الحديث عن الانتصارات التاريخية.
قال تاريخية قال. لا أدري، هل نضحك أم نبكي عندما نسمع وسائل إعلام «المماتعة والمقاولة» وهي تتشدق بصمود نظام الأسد والانتصار على «المؤامرة الكونية» وإفشالها. فإذا كانت المؤامرة قد فشلت، وأدت إلى دمار سوريا وتهجير شعبها، فكيف لو نجحت، لا سمح الله؟ كيف سيكون وضع سوريا؟ ربما انتصار آخر ويختفي بلدنا عن الخارطة!
يا من تتفاخرون بصمود النظام وانتصار الدولة السورية: لو عرفتم الحقيقة، لبكيتم دماً على «صموده» المزعوم حتى الآن، فلو سقط رئيسكم، كما سقط حسني مبارك وزين العابدين بن علي، لما وصلت سوريا إلى هنا. بشار الأسد، أيها المغفلون، لم يصمد، بل أراده أعداء سوريا أن يبقى كل هذا الوقت كي يدمروا بلدنا من خلاله وبواسطته. ونجحوا. لاحظوا أن سقوط مبارك وزين العابدين بن علي في مصر وتونس خلال أسابيع انقذ مصر وتونس من الخراب والدمار الذي حل بسوريا بسبب عدم سقوط الأسد. ولو بقي مبارك وبن علي في الحكم، لكانت مصر وتونس الآن في وضع مشابه لسوريا، لا سمح الله. لكن سقوطهما أنقذا تونس ومصر، وكان نعمة عليهما، بينما كان «صمود» بشار المزعوم نقمة على سوريا والسوريين.
لقد عمل أعداء سوريا، بمن فيهم روسيا وإيران، على تطويل أمد المحنة السورية ودعم النظام ورفض أي محاولة لتنحي رئيسه عن السلطة منذ اللحظات الأولى. لقد تمثلت المؤامرة الكونية الحقيقية على سوريا في الإبقاء على الأسد، لأن بقاءه يضمن المزيد من الدمار والانهيار خدمة للأعداء. بشار الأسد كنز استراتيجي لإسرائيل وأمريكا من الناحية العملية، فقد نفذ كل ما تريدانه، وربما أكثر بكثير. هو المغناطيس العظيم الذي جذب إلى سوريا كل أنواع الأشرار ليحولوها إلى أنقاض.
ماذا يريد أعداء سوريا أجمل من ذلك؟ المنطقة بأكملها على كف عفريت بفضل خدمات النظام. إنه القائد لمشروع الفوضى «الهلاكة». ولو تخلوا عنه في بداية الأزمة السورية، لما استطاع ضباع العالم إيصال الشرق الاوسط إلى ما هو عليه الآن من فوضى واضطرابات وكوارث وقلاقل؟ ولو أرادت أمريكا وإسرائيل لتكافئانه، لشيدتا لبشار تماثيل من ذهب. ومما يؤكد ذلك أن إحدى العواصم شهدت مؤتمراً هاماً مغلقاً حول سوريا قبل مدة، حضره كبار الاستراتيجيين والمسؤولين الغربيين والدوليين: فسأل أحد الحضور مسؤولاً كبيراً: «لماذا لا تتدخلون في سوريا»، فأجاب المسؤول: «الوضع في سوريا مثالي جداً بالنسبة لنا، فكل السيئين الذين نكرههم يخسرون، ويهلكون في سوريا. كان بإمكاننا أن ننهي بشار الأسد بسهولة، لكن لو أنهيناه، لتوقف الدمار المطلوب. نحن نريد بقاءه مرحلياً، لأنه أشبه بالمغناطيس الذي يجتذب السيئين إلى المحرقة السورية، فيحرقهم، ويحترق معهم».
أيها المتشدقون بصمود نظامكم: لا تتفاخروا إذاً، بل ابكوا على وطن تمزق، وانهار، وشعب تشرد بسبب «صمود» أسدكم. وهو ما يريده أعداء سوريا بالضبط. أمريكا تدعو إلى تنحي بشار، وروسيا ترفض. لعبة مفضوحة منذ سنوات هدفها تمديد فترة الدمار. يوماً ما ستندمون على التصفيق للصمود «المسموم» الذي كلفنا وطناً، وجعل شعبنا طعاماً للأسماك في عرض البحار.
صمود النظام حتى الآن أشبه بالشجرة التي تحجب الغابة، يستخدمونه ستاراً وذريعة مكشوفة للإجهاز على ما تبقى من وطن كان اسمه سوريا. والأنكى من ذلك، أن الرئيس الروسي جمع كبار الضباط الروس عندما استدعى الرئيس السوري إلى موسكو قبل أيام وقال لبشار الأسد أمام الضباط: «هؤلاء هم من أنقذوك، أي أن ما آلت إليه الأحداث في سوريا كانت بالدرجة الأولى بفضل التدخل الروسي، ولا فضل للنظام وحلفائه في شيء. ولا ننسى أن إيران تنافس الروس في تجيير «الانتصار» في سوريا إلى نفسها، لكن مع ذلك فالنظام يحتفل بشيء صنعه غيره لمصلحة استعمارية خاصة، تماماً كالصلعاء التي تتفاخر بشعر جارتها.
مبروك للسوريين الذين خسروا وطناً وربحوا طرطوراً.
كان لبدء موجة الثورات الشعبية ضد قامات الاستبداد في العالم العربي أواخر 2010 فيما عرف بثورات "الربيع العربي"، كانت البداية في تونس ضد حكم بن علي ومن ثم انتقلت إلى مصر واليمن وسوريا، بداية لنهاية عصور الاستبداد الطويلة التي مارستها طغمة من رؤوس السلطة السياسية والعسكرية والأمنية في بلاد العرب.
منذ صدح صوت الجماهير الأول في تونس وانتقل لباقي البلدان العربية تحسست كل رؤوس الاستبداد مقاعدها وباتت تعد العدة لمواجهة أي ثورة شعبية ضدها، من خلال تمكين قبضتها العسكرية والأمنية وتسليطها على رقاب الشعب، معلنة الحرب على شعبها، حرباً أعادت في البلاد العربية لعقود طويلة للوراء وسلمت البلاد للمستعرين والطامعين في ثروات وخيرات البلاد العربية مقابل البقاء في السلطة ولو فوق ركام ما دمرته أيديهم وعلى جثث وأشلاء من قتلوا بأيديهم.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير لها عن مآلات خمسة من الحكام العرب بعد 7 سنوات من اندلاع ثورات الربيع العربي، كان أخر هؤلاء الزعماء هو الرئيس اليمني "علي عبد الله صالح" الذي لم تكن الأنباء التي انتشرت حول مقتله، الإثنين 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لحظةً اعتياديةً في بلدٍ يشهد أسوأ أزمة إنسانية بعد أن دمَّرَته الحرب الأهلية ومزَّقه صراعٌ طائفي بالوكالة بين السعودية وإيران، بحسب ما ذكرت الصحيفة الأميركية.
وقد تباينت مصائر قادة خمس دول عربية تقع في قلب الثورات السياسية التي بدأت في عام 2011، في مصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن. ولم يشهد سوى بلدٍ واحدٍ وهو تونس بعض مظاهر الديمقراطية التعددية.
أولى الديكتاتوريات التي أطاحت بها الجماهير الشعبية هو الرئيس التونسي زين العابدين بن على "81 عاما" هو أول ديكتاتور عربي تسقط سلطته، كان يتمتع بحياة باذخة على مرأى الجميع تقابلها معاناة على مكابدة مصاعب الحياة من قبل سواد التونسيين اليائسين الذين أصبح بائع الخضر محمد البوعزيزي الذي حرق نفسه، رمزا لهم، فرَّ بن علي من تونس مع عائلته في يناير/كانون الثاني 2011 إلى السعودية، حيث سمحت الحكومة لهم بالعيش بهدوءٍ ورفضت الطلبات التونسية بتسليمه.
ثاني الديكتاتوريات هو الرئيس المصري حسني مبارك "عاما 89" أطيح به في فبراير/شباط 2011 بعد ثلاثين عاماً في الحكم، وقد كان يمثل الرئيس العربي القوي الراسخ في السلطة، ولذلك كانت الإطاحة به تشير إلى تغيير سياسي كبير، وتعرض مبارك للسجن والمحاكمة بتهم شملت التآمر لقتل متظاهرين والفساد الواسع وكانت جلسات محاكمته تتخللها صوره اللافتة للانتباه وهو داخل قفص الاتهام، ومع أن محاكمته غير عادلة ويتمتع بنفوذ قوي إلا أن مصيره قد انتهى سياسياً.
معمر القذافي أحد كبار الديكتاتوريات في العالم الغريب الأطوار والعنيف، والذي يعتبر نفسه ملك أفريقيا ويرتدي زي البدو وحكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً تمت الإطاحة به في أغسطس/آب 2011 بعد ثورة شعبية دعمتها مقاتلات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقتل القذافي على يد ثوار أخرجوه من مسقط رأسه، مدينة سرت وأنهت حكم الدكتاتورية وقوانينه التعسفية.
آخر من قتل من زعماء الديكتاتورية في العالم العربي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والذي يعتبر أكثر الديكتاتوريين العرب دهاء ومكرا، فقد عُزل من السلطة أوائل 2012 بعد ثلاثة عقود في قيادة اليمن، أفقر دول الشرق الأوسط، وظل شخصية سياسية نافذة حتى بعد عزله من الرئاسة، وتحالف لاحقا مع الحوثيين الذين ظلوا يحاربون تحالفا تقوده السعودية طوال ثلاث سنوات، كانت نهايته بالأمس عن عمر يناهز (75 عاما) عقب انفجار معارك بالعاصمة اليمنية صنعاء بعد أن تردد أنه بدل تحالفه مع الحوثيين الذين تدعمهم إيران.
بعد أن قتل اثنين من كبار الديكتاتوريات في العالم العربي "القذافي وعبد الله صالح" ويعيش بن علي في المنفى ومبارك في المعتقل بات مصير بشار الأسد ديكتاتور سوريا مرهوناً بنجاح الحراك الشعبي السوري في استعادة زمام المبادرة، ومدى تمسك الدول الكبيرة في بقاء الأسد والذي بنى لنفسه تحالفات كبيرة ضد الشعب السوري ورفض الاستجابة لمطالبهم في الحرية والخلاص و واجههم بالدبابات والطائرات، استقدم عشرات الميليشيات والمرتزقة لسوريا وسلمهم زمام الأمور وبات وجوده مجرد واجهة لنظام متهالك، رغم تمكنه وحلفائه من استعادة العديد من المناطق في الآونة الأخيرة إلا أن إصرار الثوار والحراك الشعبي على إسقاطه بعد سبع سنوات من الثورة وبذل الدماء والتضحيات يجعل مصيره قريباً من مصير سلفه الذين سبقوه وكانوا أشد منه في الاستبداد إلا أن نهايتهم كانت قتل أو نفي أو في المعتقلات، فلن تكون نهاية الديكتاتور الأسد بأقل من ذلك وهذا ما ستحدده الأيام القادمة لا محال طالما أن هناك شعب يأبي الضيم ويرفض بقاء الديكتاتور في الحكم ولن يقبل إلا بإسقاطه ونظامه وتقديمه لمحاكمة عادلة لينال جزائه.
احتضنت تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين الفارين من ويلات الدمار والموت ضمن الحملة البربرية الهمجية للنظام الأسدي ضد الشعب السوري الثائر عليه وعلى تسلطه وفساده، اكتمل المشهد بعمليات فرار لاحقة من إفرازات النظام الأسدي المتمثلة بظهور داعش و ما تلاها من موجات نزوحٍ كبيرة، ومن ثم عمليات التهجير القسري التي قامت بها ميليشيات العمال الكردستاني الإرهابية المتسترة خلف اسم "PYD" في سورية، حيث هجرت هذه العصابات الإرهابية الأكراد قبل سواهم من العرب والتركمان والآشوريين والسريان.
فقد فر عدد كبير من الأكراد هروباً من التجنيد الإجباري والتسلط الذي تمارسه هذه العصابات عليهم، بالإضافة لنزوح أعداد هائلة من العرب والتركمان والآشوريين والسريان جراء عمليات التطهير العرقي التي قامت بها تلك العصابات في المدن التي احتلتها تحت ذريعة الحرب على داعش.
الوضع القانوني للسوريين في تركيا
بالعودة إلى تركيا، وعلى مدار 6 سنوات من الثورة السورية لم تكن هناك رؤية واضحة لمستقبل السوريين المقيمين بصفة لاجئ في تركيا، فقد استصدرت القوانين لتكون مرحلية، فتطور الوضع القانوني للاجئ السوري في تركيا من ضيف إلى أجنبي إلى لاجئ تحت الحماية المؤقتة.
عملية التجنيس للسوريين في تركيا
قبل عام بدأت الحكومة التركية بعملية تجنيس للسوريين المقيمين على أراضيها وكانت آلية التجنيس لشريحة دون سواها.
بدأت عملية التجنيس بتوجيه رسائل عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني لشريحة تضم "العاملين في سلكي الصحة والتعليم بالإضافة للتجار أصحاب الشركات ورؤوس الأموال المستثمرين في تركيا"، وبالفعل، وخلال مدة لم تتجاوز 9 أشهر حصلت تلك الفئة على الجنسية التركية.
المرحلة الثانية، انطلقت لتشمل الطلاب السوريين في تركيا؛ فتلقوا رسائل ممائلة للتي تلقاها من سبقهم من السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية بذات الطريقة.
إن عملية تجنيس السوريين من وجهة نظري غير كافية لحل عادل لجميع السوريين، وهي تفتح الباب على احتجاج داخلي على مستوى الشارع التركي رأينا أصداءها على لسان أعلى المستويات في المعارضة الداخلية التركية، كما تم استخدام ملف التجنيس للسوريين ضد الحكومة التركية لتأليب الشارع التركي ضدها.
بالعودة لوجهة نظري التي أرى من خلالها أن عملية التجنيس غير كافية:
إن أكبر مأساة عاشتها وتعيشها المنطقة هي القضية الفلسطينية العادلة المغيبة في المحافل الدولية، وهي تجربة كان بالإمكان أن تحذو تركيا فيها حذو الدول العربية التي استقبلت الأخوة الفلسطينيين، فقد منحتهم ثبوتيات تتيح لهم الحياة بكل أريحية في تلك البلدان دون حقيّ الترشح والانتخاب، أي أن الفلسطيني في سورية - على سبيل المثال - يستطيع الحياة بكل المجالات لا فرق بينه و بين السوري، مع فارق وحيدٍ يكمن في عدم أحقية الفلسطيني للترشح أو الانتخاب ضمن مجالس البلديات أو مجلس الشعب، وبما يضمن له البقاء فلسطينياً مطالباً بحقه في أرضه والعودة إليها.
بالعودة للمسألة السورية:
بعد اجتماع فيما يسمى "مجلس الشعب" في سورية، أثيرت مسألة تجنيس السوريين في تركيا، و الدستور السوري الحالي يخول حكومة نظام الأسد المجرم إسقاط الجنسية السورية عن كل من حصل على الجنسية التركية، و ذلك بموجب مادتين في الدستور:
- لا يحق للمواطن السوري اكتساب جنسية دولة تعتبر سورية في حالة عداء معها، ولا يخفى على الجميع أن نظام الأسد المجرم يعتبر تركيا دولة معادية له.
- لا يحق للمواطن السوري اكتساب جنسية أخرى دون إبلاغ وزارة الداخلية السورية للحصول على التصريح بالموافقة على حصوله على جنسية بلد آخر.
كان بالإمكان الاستعاضة عن عملية التجنيس التي ابتدأتها الحكومة التركية - مشكورةً - بمنح إقامة لجوء إنساني للسوريين في تركيا مع منحهم وثائق سفر كتلك التي يحملها الإخوة الفلسطينيون المقيمون في سورية، بحيث تمكنهم من السفر من وإلى تركيا دون قيود.
كما أن لمنح السوريين إقامات إنسانية لمدة سنة قابلة للتّجديد تلقائيّاً وفقاً لما تفضي إليه الحال في سورية، أن يحل مشكلة الإقامة في تركيا للسوريين، فقسم كبير منهم لا يحمل سوى بطاقة الحماية المؤقتة ولا يستطيع الحصول على الإقامة السياحية بسبب القوانين التركية التي تشترط وجود ختم دخول على جواز السفر بحيث لا يكون قد مرّ عليه أكثر من 90 يوما، مما يعني عدم قدرة شريحة كبيرة جدا من السوريين على الحصول على الإقامة السياحية بسبب القوانين التركية، خاصة بعد فرض الفيزا على السوريين للدخول إلى تركيا، كما أن شريحة واسعة من السوريين لا يمكنها الحصول على تلك الإقامة حتى في حال رفع شرط وجود ختم جديد على جواز السفر، إما لعدم لامتلاكهم لجواز سفر ولصعوبة الحصول عليه حاليا، أو لعدم قدرتهم المادية على دفع تكاليف تلك الإقامات فهم - في أغلبيتهم - أيادٍ عاملة بالكاد تملك قوت يومها.
شكراً تركيا... ولكن!:
شكراً تركيا، ولكن كان بالإمكان أن يحل الأمر بطريقة أفضل والمساواة بين جميع شرائح السوريين؛ فالسوريون أصحاب التحصيل العلمي الجامعي الذين فروا من بطش نظام الأسد ليسوا أفضل من المواطن السوري العادي المزارع أو العامل، وفي القوانين الإنسانية جميعهم سواسية.
أفرزت عملية تجنيس شريحة من السوريين دون سواهم امتعاضاً واسعاً لدى فئات أخرى غير مشمولة بالعملية، مما ولد شرخاً بين بعض السوريين أنفسهم، وصل إلى حدّ الضغينة والبغضاء من جهة، والاستعلاء من جهة أخرى، مع اختلاف الأسباب والأهداف والتعليل.
كنت قد كتبت - غير مرة - مناشداً الحكومة التركية بتخفيف العبء عن السوريين في تركيا، بتسهيل أوضاعهم خاصة تلك المتعلقة بالإقامات فقد بات السوري يشعر أنه في سجن كبير، فهو غير قادر على زيارة أهله في الدول الأخرى التي تسمح للسوريين بزيارتها وتمنحهم تأشيرات دخول إليها، ولا أهله قادرون على زيارته في ظل الشروط الصعبة التي فرضت للحصول على الفيزا التركية.
أتمنى أن تعيد الحكومة التركية النظر في مسألة التجنيس، وأن يصار لتخيير المواطن السوري في تركيا بين التجنيس، أو منحه ثبوتيات كتلك التي يحملها الإخوة الفلسطينيون في سورية، بما يضمن له الحياة والعمل والسفر بلا قيود مع بقائه سورياً.
كل الشكر لتركيا على هذه الخطوة الجريئة، والتي كلفتها على الصعيد الداخلي تجاذبات عديدة واستغلها البعض من المعارضة التركية الداخلية للعب على وتر الطعن بأداء الحكومة التركية.
أكتب من دافع البحث عن الحلول التي تفيد السوريين - كل السوريين - في تركيا، بما يضمن عدم المساس بسيادة تركيا كدولة جارة مستضيفة ويمنع التجاذبات الداخلية فيها، ويقطع دابر أي محاولة لاستغلال المسألة السورية من قبل أطراف لا تخفي ودها لنظام الأسد وتعمل "ليل - نهار" على إذكاء نار العداء تجاه السوريين في تركيا، ناهيكم عن وجود عناصر سورية مخربة مدسوسة في صفوف السوريين في تركيا تساهم بين الفينة والأخرى في إعادة إشعال هذه النار كلما أخمدتها الحكومة التركية بحكمتها المعتادة وبفضل وعي المجتمع التركي الشقيق ودعمه لجيرانه السوريين.
هناك مطلبان عربيان حاضران على الطاولة الإقليمية والدولية ويتعلقان بسوريا ولبنان. المطلب الأول: وقف القتل والتهجير والتدمير في سوريا، والاتجاه نحو السلم الأهلي والسياسي. والمطلب الثاني المتعلق بلبنان: أن لا يظلَّ «حزب الله» المستولي على الدولة فيه يستخدمه منصةً لزعزعة الاستقرار في الدول العربية.
وفي المطلب الأول تحضر روسيا بقوة، وبسبب اقتراحها خفض التوتر في أربع مناطق، مع ترتيبات خاصة لجنوب سوريا، أمكن ارتفاع الحديث عن الاتجاه نحو الحل السياسي. وبخاصة أنّ موسكو وواشنطن اتفقتا على هامش مؤتمر في فيتنام على استبعاد الحل العسكري في سوريا. لكنّ موسكو تشعبت اتجاهاتها بعد فيتنام. فبينما اتفقت مع الولايات المتحدة على الذهاب إلى جنيف، دعا الرئيس بوتين لمؤتمر للشعوب السورية في منتجع سوتشي الروسي، أراد أن يحضره ألف سوري من سائر الأعراق والمناطق(!). بل وأراد أن تكون مهمة الاجتماع اشتراع الدستور السوري المستقبلي. وما تردد النظام (وأيد لاحقاً!)، بل تردد أيضاً الإيرانيون والأتراك، فدعا بوتين الرئيسين التركي والإيراني إلى سوتشي وحظي بموافقتهما. الأتراك ليس همهم الأول إنهاء الحرب، بل الاستيلاء على منبج وعفرين قبل بداية المسار السلمي، الذي يمكن أن يفوت عليهم هذه الفرصة لإجهاض المشروع الكردي في سوريا. أما الإيرانيون، والذين حصلوا أخيراً على الكوريدور الذي يريدونه، فلا يرون حاجة لجنيف، ويأملون الاستيلاء على كل سوريا قريباً، تحت ستار دعم النظام الممانع(!). لذلك اشتد القصف على الغوطة الشرقية المحاصرة، وتشاركوا مع الروس و«داعش» في محاولات الاستيلاء على إدلب وقرى شرق حماة، لدعم امتداداتهم وحماية الكوريدور، وحتى لا تظل المناطق العلوية مهدَّدة ولو من بعيد، باعتبارها جزءاً من «سوريا المفيدة». المهم أنّ الأطراف الأربعة توافقوا على مؤتمر سوتشي للشعوب السورية، ما دام المقصود الصرف عن جنيف. إنما بالتدخل الأميركي، وإقبال المملكة العربية السعودية على جمع المعارضة بالرياض استعداداً لجنيف، عاد الروس فأخروا اجتماع سوتشي إلى فبراير، لكي يذهب الجميع إلى جنيف ولمفاوضات مباشرة. لكن الآمال ليست كبيرة، بالنظر لمعارضة إيران والنظام، ومحاولات الروس للجمع بين المتناقضات!
ولنذهب إلى لبنان؛ فأصل الأزمة التي أدت إلى استقالة الرئيس الحريري ثم تريثه، هو استخدام لبنان من خلال «حزب الله» منصّةً لإطلاق الصواريخ على المملكة، ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في عدة دول خليجية، إضافة لتدخلات الاستيلاء بسوريا ولبنان والعراق! واستناداً لذلك اجتمع مجلس وزراء الخارجية العرب، وأدانوا ذلك وسموا «حزب الله» بالاسم وقالوا إنه مشارك في الحكومة اللبنانية، لذلك فلبنان يتحمل أيضاً المسؤولية!
وخلال الأسبوعين الأخيرين، جرت وتجري مشاورات لتجديد إعلان النأي بالنفس الذي أُقرّ عام 2011، وقال الحزب وهو ماضٍ للقتال في سوريا، إنه لا يساوي الحبر الذي كتب به! الأمر صعب صعب، وحتى لو قيل لفظياً في جلسة لمجلس الوزراء، فإنه لا ضمانات لتطبيقه، وبخاصة أنّ خطط التدخل إيرانية، ولا يستطيع نصر الله (إن أراد!) مخالفتها. ومن روحاني إلى جعفري إلى ولايتي قيلت أمور كثيرة خلال الأيام الماضية لا تدعو للتفاؤل بكف الإيذاء. لكن هناك أمر آخر شديد الأهمية: فحتى لو حصلت الموافقة والضمانات، فإنّ لبنان لن يستفيد منها. بمعنى أنّ الاستيلاء بالسلاح على الدولة اللبنانية مستمر.
لكنّ تصريحات المتفائلين من الساسة تقول إنّ تغييراً سيحصل بالإيجاب. ودائماً باتجاه إقناع الحريري بالعودة عن الاستقالة، والباقي في علم الغيب. هناك قناعةٌ عميقة حتى لدى المعارضين لسلاح الحزب بأنّ الدولة اللبنانية لا تستطيع فعل شيء، وبأن مشكلة سلاح الحزب إقليمية ودولية. وقد بدت هذه المقولة حتى لدى جعجع المعارض لسلاح الحزب بشدة. إذ ذهب بعد مقابلته لرئيس الجمهورية إلى أنّ المطلوب الآن ليس نزع سلاح الحزب غير الشرعي، بل إن يكون القرار للدولة على الأرض اللبنانية(!)، مع علمه بأنّ قرار الحزب في عهد الرئيس الحالي هو فوق كل القرارات. فالموقف لهذه الناحية أيضاً لا يدعو للتفاؤل.
ايدافع حزب الله عن حقه في امتلاك سلاح غير شرعي باعتباره حركة مقاومة. سلاح حزب الله هو سلاح المقاومة. المقصود بالمقاومة هنا مقاومة العدو الصهيوني.
لذلك فإن ما يهم حزب الله هو أن تشن إسرائيل عدوانا على لبنان بين حين وآخر ليعتبر الرد على ذلك العدوان مسوّغا لوجوده.
هذا ما فعلته إسرائيل في مرات سابقة ولكنها لن تفعله هذه المرة حتى لو لجأ حزب الله إلى إطلاق صواريخه التي لا تضر بأحد كما كانت تفعل حركة حماس في الماضي.
اليوم لا يملك حزب الله فرصة لتجديد الاعتراف به حركة مقاومة إلا إذا وقّعت إسرائيل تلك الوثيقة وهو ما يبدو عصيا على التحقق.
فالدولة العبرية ليست في حاجة اليوم إلى حرب.
كل المعادلات الإقليمية تجري لصالحها. العرب يقتل بعضهم البعض الآخر. لم يعد الأمن القومي العربي قاسما مشتركا بين الجميع. عبر أربعة عقود من التمدد الإخواني صارت هناك حاضنة شعبية للجماعات الإرهابية. وهناك أيضا جماعات دينية من بينها حزب الله تتوجه إلى طهران باعتبارها قبلتها الجديدة.
ما تعرفه إسرائيل عن العالم العربي يجعلها في غنى عن أن تشن حربا عليه. وهو ما يفقد حزب الله مسوّغ وجوده على مستوى لبناني وعربي.
فالعالم العربي بضمنه لبنان لا يشكل تهديدا للدولة العبرية. لذلك صار حزب الله يجاهر باعتباره قوة إيرانية ضاربة.
ما يُسمّى اليوم بتيار الممانعة وهو يضم حزب الله في لبنان وحزب الدعوة في العراق على سبيل المثال يخضع بطريقة امتثالية للأجندة الإيرانية التي تتناقض كليا مع سلامة العالم العربي وأمنه القومي.
حزب الله لا يقاوم إسرائيل مجازا باعتباره حركة نضالية عربية بل هو جماعة مسلحة تتحكم بها إيران كليا وتحركها في سياق مشروعها الذي يهدف في الأساس إلى الهيمنة على العالم العربي.
الدليل على ذلك أن حزب الله صار بمثابة مشكلة بالنسبة إلى الكويت والبحرين والسعودية واليمن والعراق بسبب تدخلاته من خلال عملائه في شؤون تلك الدول وليست له مشكلة واحدة مع إسرائيل.
في حقيقته فإن حزب الله لم يعد سوى جزء من المشكلة الإيرانية في العالم العربي. لذلك فإن مقاومته هي تجسيد لوجود تلك المشكلة ولا يمكن إحالتها بأيّ شكل من الأشكال إلى الصراع العربي-الإسرائيلي.
لندع الشعارات جانبا ولنذهب إلى الواقع مباشرة. ذلك الواقع يقول “حزب الله يهدد الأمن القومي العربي ولا يهدد أمن إسرائيل”.
الأدهى من ذلك أن سلاح حزب الله صار يشكّل خطرا على حياة اللبنانيين. وهو أمر طبيعي. هناك كميات هائلة من السلاح النوعي مكدسة في مخازن طرف من أطراف الحكم يمكن أن تُستعمل بهدف إسكات الأطراف السياسية الأخرى واستضعافها ومن ثم التحكم بمصائر اللبنانيين، كل اللبنانيين من غير استثناء. وهو ما صار واقع حال بعد تجربة 2008 المأساوية.
في مواجهة سلاح حزب الله انتهى اللبنانيون إلى خيارين لا ثالث لهما. إما أن يطالبوا بنزع ذلك السلاح أو أن تلجأ الأطراف كلها إلى التسلح دفاعا عن نفسها وهو ما يعيد لبنان إلى أجواء الحرب الأهلية القذرة.
ومن الطبيعي أن يميل شعب يحبّ الحياة مثل الشعب اللبناني إلى ترجيح الخيار الأول. فلبنان من غير سلاح فالت هو بلد يستحق مكانته التي سبق لها أن جعلت منه بلد الحياد والحرية والانفتاح على العالم.
ما أثبتته الوقائع أن بقاء سلاح حزب الله معناه انفتاح لبنان على إيران بمشاريعها التدميرية التي لا تحمل إلا أنباء الحرب والهلاك. وهو ما يضع لبنان وسواه من البلدان التي تصل إليها يد إيران في متاهة تكريس مجانيّ لفعل الموت الذي لا طائل منه.
لذلك فإن مقاومة سلاح حزب الله من خلال الإصرار على المطالبة بنزعه هي المقاومة الحقيقية التي تعيد الأمور إلى نصابها بعد أن افتضحت كذبة مقاومة تلك الجماعة الإيرانية.