«لا لإيران في سوريا» ذريعة لبقاء إسرائيل فيها
طاف بنيامين نتنياهو على عواصم دول أوروبا رافعاً شعار «لا لإيران في سوريا»، مهدداً بشار الاسد بأنه «لم يعد في مأمن، ونظامه أيضاً ليس في مأمن، وسندمر قواته في حال إقدامه على فتح النار علينا».
يشعر نتنياهو بفائض قوة سياسية يدفعه إلى رفع شعارات ومطالب لا جمهور ولا آذان صاغية لها في عواصم حلفائه القدامى في أوروبا. هؤلاء ليسوا منشغلين بوجود إيران في سوريا، بقدر انشغالهم وحرصهم على استمرار وجودها في الاتفاق النووي الذي أحرجهم، بل خذلهم حليفهم الأكبر دونالد ترامب بخروجه منه. لذا، ليس من تفسير لطرح نتنياهو شعاره ذاك إلا لتبرير بقاء إسرائيل في سوريا.
حتى داخل إسرائيل ثمة من يأخذ على نتنياهو انشغاله بإيران، عمّا يجري في قطاع غزة، والمستعمرات الصهيونية في غلافها. صحيفة «يديعوت أحرونوت» (2018/6/6) كشفت «أن سلطة الطبيعة والحدائق (في الكيان الصهيوني) أكدت أن اطلاق مئات الطائرات الورقية وبالونات الهيليوم المحملة بزجاجات حارقة إلى داخل إسرائيل، تسببت في القضاء على اكثر من 10000 دونم، وأن النيران قضت على اكثر من 17500 دونم من المحميات الطبيعية والحدائق».
في الصحيفة نفسها (2018/6/5) دعا كاتب اسرائيلي مرموق، شمعون شيفر، رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى أن «يحذو حذو سلفه أرييل شارون الذي اعتاد أن يقول «إنه عندما تواجه مشكلتين في الوقت عينه، فليس امامك سوى أن تعمل اولاً على مواجهة المشكلة الاكثر إلحاحاً التي تتطلب حلاً فورياً « (اي مشكلة غزة).
نائب رئيس جامعة تل أبيب أيال زيسر جادل نتنياهو في صحيفة «يسرائيل هيوم» (2018/6/5) قائلاً: «إيران لم تستثمر في سوريا مئات الملايين، وربما مليارات الدولارات، ولم تخسر في المعارك على أرضها آلاف المقاتلين من الحرس الثوري ومن الجيش الإيراني النظامي، ولم تنشر فيها عشرات آلاف المجنّدين الشيعة في ميليشيات تابعة لها تدربها وتمولها، فقط كي تغادر فجأة سوريا، لأن بوتين أو الاسد يطلبان منها ذلك بتهذيب».
هذا إذا كانا بصدد أن يطلبا ذلك اصلاً. وكيف يُعقل أن يطلب بوتين والأسد من إيران إخراج قواتها من سوريا، وقد شاهدا على التلفزيون ملايين الإيرانيين يتظاهرون في 900 مدينة وبلدة، ومئات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين يفعلون مثلهم أو يصلّون في مناسبة «يوم القدس» (الجمعة الماضي)؟
إذا كان الشعور بفائض القوة السياسية هو ما يدفع نتنياهو إلى التصلّب، وإطلاق مواقف وشعارات مغالية ومتطرفة، فإن الشعور بفائض القوة الشعبية هو بالضبط ما يدفع القادة الفلسطينيين إلى التمسّك بقضيتهم، بما هي قضية تحرير وطن وعودة شعب إلى دياره، ويدفع القادة الإيرانيين إلى رفض المسّ بالاتفاق النووي والتهديد باتخاذ قرارات سياسية و»نووية» وعسكرية قاسية، اذا ما فكّر ترامب باعتداء على البلاد أو مصالحها الحيوية.
من الواضح أن نتنياهو يركّز جهوده وضغوطه على إيران لظنّه أن إضعافها بإخراجها من سوريا، ينعكس إيجاباً على موقفه المتصلب من منظمة التحرير الفلسطينية عموماً، ومن «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في غزة خصوصاً. ولعله يراهن ايضاً على أن حملة ترامب السياسية، وعقوباته على إيران، ستحمل دول اوروبا وغيرها على مجاراته في هذا السبيل، الأمر الذي يُضعف إيران اقتصادياً ويفاقم ازمتها الداخلية، ويضطرها إلى تقليص التزاماتها الخارجية وفي مقدمها دعمها لسوريا ولقوى المقاومة العربية.
الى ذلك، ضاعف نتنياهو من تهديداته لسوريا وللاسد شخصياً، ظنّاً منه أن موسكو ستحسب حساباً لـِ»جنونه» وتنفيذه لتهديداته، فتضغط على إيران من أجل سحب قواتها من سوريا، وبذلك تحمي روسيا مصالحها واستثماراتها طويلة الأمد فيها.
لكن، من المفترض أن يدرك نتنياهو أيضاً أن إيران ليست مستهدَفة من روسيا، لأن موسكو لا ترى فيها، حاليا، خصماً أو حتى منافساً لها. بالعكس، إيران حليف مفيد لروسيا في المرحلة الراهنة، لأنهما يواجهان التحدي نفسه، الولايات المتحدة وسياسة ترامب العدوانية وقد أكد ذلك بوتين وروحاني في قمة شنغهاي الأخيرة،. لذا من المستبعد أن تتجاوب موسكو مع أي ضغوط امريكية أو اوروبية لحمل إيران على إنهاء وجودها في سوريا.
لنفترض جدلاً أن تهديدات نتنياهو للأسد ونظامه، وإعلانه عن اعتزامه «تدمير قواته في حال إقدامه على فتح النار علينا» جديّة وقابلة للتنفيذ، فماذا تراه يكون موقف إيران وروسيا؟
ارى أن هذه التهديدات، حتى لو كانت جدّية، ستؤدي إلى نتائج عكسية:
*الأسد سيضطر، ازاء انهماكه بتحرير ما تبقّى من مناطق في بلاده ما زالت تحتلها «داعش» و»النصرة»، إلى مطالبة إيران بزيادة دعمها المالي والعسكري لبلاده، حتى ،لو اقتضى ذلك إقامة قواعد عسكرية اضافية لمواجهة العدوان الإسرائيلي.
*ايران نفسها، حتى قبل أن يطالبها الاسد، ستجد نفسها مضطرة إلى حماية وجودها ونفوذها في سوريا، بمضاعفة دعمها لها. وهي تدرك ايضا أن صون أمنها القومي يستوجب دعم سوريا بما هي خط الدفاع الأول عن كيانها الوطني ومصالحها الحيوية.
*روسيا الملتزمة الدفاع عن وحدة سوريا وسيادتها ستجد نفسها هي الأخرى محرجة جداً بتهديدات نتنياهو، وبالتالي مضطرة إلى تزويد سوريا منظومةَ دفاعٍ جوي من طراز S-300 وربما S-400 بغية إحباط اي مغامرة قد تُقدم عليها إسرائيل ضد سوريا أو ضد إيران في سوريا.
يتحصّل من هذه الواقعات والاحتمالات، أن تهديدات نتنياهو لن تجديه نفعاً ولن تثني سوريا وإيران عن المضي في تحالفهما والوفاء بمتطلبات هذا التحالف، بما في ذلك إقامة قواعد عسكرية ايرانية في سوريا اذا ما اقتضت الحاجة.
اكثر من ذلك، صمود سوريا، ومن ورائها إيران وروسيا، سيعزز صمود الفلسطينيين عموماً ولاسيما صمودهم في جبهة قطاع غزة.