ملابس عيد في درعا
بمعجزة ما استطاع الأب والأم في درعا تدبير ملابس العيد لطفلهما فالحياة تصر على أن تستمر رغم أن المدينة تحولت إلى انقاض بعد 7 سنوات من القصف. تلك الأنقاض وبقايا الأبنية الحجرية التي حولتها طائرات نظام بشار إلى ركام تتحول من وقت لآخر إلى مناطق لعب للأطفال ولكنها سرعان ما تعود لطبيعتها كأنقاض. محمد عزام القواريط طفل تشي ملامحه بأنه وليد الثورة، عمره لا يزيد عن خمس سنوات. ملامح طفولية جميلة تطل من الصورة التي وقف فيها مواجها الكاميرا وهو يرتدي ملابس العيد. ملامحه لا تخلو من لمسة نضج ظهرت على وجهه الطفولي ربما من تأثير التعود على أصوات القذائف والعيش في أجواء ثورة، ولا أحد على وجه التحديد يعرف ما عساه أن تحدثه تلك الظروف في نفوس الأطفال، لكن هذا يظهر على تلك الملامح التي جمعت مع براءة الطفولة إصراراً وصلابة ربما خلفتها أجواء الثورة. هذه نظرات طفل انضجه غبار المنازل المتهدمة وأصوات القذائف وصرخات الثكلى، طفل وُلد من 5 أو 6 سنوات لكن نفسه نضجت قبل أوانها. هذه ملامح طفل جرب أهوالاً تفوق ما يمكن ان يتحمله أترابه، لا ريب أنه جرب رحيل أطفال كان يلعب معهم. بعض رفاقه رحلوا ولن يعودوا. ذاك الطفل الذي كان يركض خلفه رحل، كانت طائرة عبرت قريباً منهم والقت شيئاً ما، فجأة سمع صوتاً هادراً وهبطت كميات مهولة من الغبار وانهارت بناية ما وتوقف رفيقه عن الركض وتوقف كل شيء من حوله ولم يعد بمقدوره أن يرى أو يسمع شيئاً، وحين عادت قدرته على السمع وهو بعده متسمر في مكانه علم ان رفيقه رحل، كانوا يرفعون حجارة من فوقه، وهناك من كان يبكي ثم حملوه إلى مكان ما. إلى حيث مكان ما. ذلك المكان الذي يحملون إليه رفاقه حيث لا يعودون.
لقد تعود على هذه المشاهد ومع الوقت فهم أن صوت هذه الطائرات يعني رحيل أحد رفاقه أو بعضهم أو يعني بناية مهدمة ما على احسن تقدير. هذه خبرات مروعة تتكون لدى الأطفال في سن مبكرة في سوريا. لكن مع كل ذلك لا ريب أن الطفل كان يمني نفسه بيوم حافل باللعب يقضيه مع أترابه فرحاً بملابسه الجديدة كأي طفل في العيد.
كان يعرف هذه التكبيرات ويحبها، اليوم سيلعب مع رفاقه وهذه الطائرات السيئة التي تخطف رفاقه لن تأتي. لن تجرؤ على المجيء في أول أيام العيد، اليوم سيلعب مع رفاقه دون أن يتوقف كل عدة دقائق ليتسمع صوت طائرة آتية من بعيد، اليوم لن يختبيء وسيظل يلعب حتى يصيبه التعب.
لم يكن يعرف أن هناك من قرر أن يمنحه ما هو اكثر من ملابس العيد. على الجانب الآخر، كان هناك من يجهز شيئاً ما سيسقط قريباً من محمد، قريباً من وقت صلاة العيد لم تكن طائرة هذه المرة، فالطائرة تمنحه على الأقل وقتاً ليركض، لم يكن لدى محمد متسع من الوقت ليتسمع صوت أزيز الطائرة ويركض هذه المرة. لم يكن هناك طيار ما يبتسم وهو يضغط زراً في طائرته ليهبط منها شيء ما.
لم يستطع محمد الركض هذه المرة. صوت هادر اصمّ أذنيه الصغيرتين في نفس اللحظة التي لحق فيها برفاقه الذين سبقوه ولن يعودوا.