مع سورية ضد الصهاينة ومع السوريين ضد بشار
كان محمد حسنين هيكل يقول إنه في السياسة الدولية، تمارس إسرائيل لعبة الشطرنج، فيما يلعب العرب"الطاولة"، تلك اللعبة التي تعتمد على الحظ، أكثر من اعتمادها على مهارات التفكير والتخطيط.
الآن، العرب لا يلعبون، لا طاولة ولا شطرنج، بل يكتفي معظمهم بالفرجة والتشجيع، فيما ينشط كبارهم في جمع ما يسقط من "زهر الطاولة" أو قطع الشطرنج تحت موائد اللاعبين الكبار.. ولن تعدم بعضاً منهم يقوم بدور"الجرسون" الذي يزود اللاعبين باحتياجاتهم من الماء والعصائر.
يداهمنا تصاعد الأحداث بشكل مجنون على الأراضي السورية العربية، فتجد بعض العرب منقسمين بين مشجع للكيان الصهيوني أو مؤيد لإيران، في لحظةٍ حالكة الظلام، تضيع فيها البوصلة، فتذوب الفواصل القيمية والأخلاقية بين العدو الصريح والجار المتعب، ويصبح مفروضاً عليك، وفق هذا المنطق المعوج، أن تفاضل بين العدو الصهيوني وطغيان النظام السوري، المدعوم إيرانياً، هذا إذا افترضنا أن ثمّة مواجهة عسكرية واقعة بين الطرفين.
يقول لنا التاريخ إن العرب عاشوا هذه اللحظة الكارثية من قبل، مع الغزو الأميركي للعراق، فكان التشظّي بين مدافع عن الغزو والاحتلال، بإطلاق، ومدافع عن الاستبداد والطغيان، من دون تحفظات أو حدود.
وكأنه ليس بالإمكان أن تكون ضد الغزو الأجنبي، وضد الطغيان المحلي، في الوقت ذاته، من دون أدنى محاولةٍ جادة لإيجاد مساحةٍ لدور عربي فاعل وعاقل ومسؤول يمنع كارثة تسليم كل شيء لإرادة المحتل، يعيد رسم خرائط الجغرافيا والإنسان، ثم يبدأ في تغيير معالم الحضارة والثقافة والمعتقد، ويشعل النار في العقل، قبل النفط العربي.
الآن، أنت أمام لحظة أشدَّ وطأةً وعتامة، إذ يتسابق العرب الرسميون على جائزة الأكثر ولاءً وتبعية للكيان الصهيوني الذي احتفل في القاهرة، عاصمة الإقليم الجنوبي، فيما عرف بدولة الوحدة، بالذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين واحتلالها، تحت حراسة ورعاية النظام الحاكم في مصر.
كان الاحتفال قبل ساعات من توجيه الضربات العسكرية إلى دمشق، عاصمة الإقليم الشمالي، من دولة الوحدة، كما يردّد الناصريون والقوميون، المستغرقون في الدفاع عن نظام، هو صناعة إسرائيلية بامتياز، في القاهرة، ونظام، هو صناعة إيرانية خالصة، في دمشق، لينفتح المشهد على لحظةٍ شديدة البؤس، يصاب فيها النظام وتابعوه بالخرس.
في نهاية العام الماضي، كانت لحظة مشابهة، حين وقعت مناوشاتٌ في الملعب السوري، أنتجت سؤلاً عبثياً على موائد الثرثرة العربية: لو حاربت السعودية، مدعومة أو متحالفة مع إسرائيل، حزب الله وإيران الآن، فمع من تقف؟
قلت في ذلك الوقت إن مجرد طرح السؤال يعبر عن حريقٍ هائل في الوعي، وخراب شامل في الوجدان العربي، وانهيار لقواعد المنطق والأخلاق ومرتكزات الهوية الحضارية والثقافية، إذ يعيش العرب حالةً من الدونية الحضارية، غير مسبوقة في التاريخ، فخارجياً منبطحون في استجداء مخزٍ للمواقف الدولية، ضد بعضهم بعضا، حتى باتت تل أبيب تجد حرجاً في قبول طلبات المتطوعين لخدمة احتلالها وتمويله، وتعاني تخمةً تطبيعيةً تجعلها تأنف فتح الأبواب لمزيد من الخدم.. وفي الداخل، يحاربون ربيعهم ويقتلون أنبل ما فيهم، ويهدرون مقدّراتهم في مقاومة تيارات التغيير الديمقراطي، بمساعدة العدو الأول والأساس، الذي وقف سفيره في القاهرة يحيي قتلة الربيع العربي، ويسخر من ثورات الشعوب العربية، ويصنفها، كما مقاومة المحتل، إرهاباً، ويثني على ولي العهد السعودي الذي يصل الليل بالنهار، لكي يجعل العداء لإيران، الإسلامية الشيعية، قضية العرب المحورية، ويضغط على الفلسطينيين، لكي لا يزعجوا المحتل بمقاومتهم، ورفضهم تهويد القدس.
على الجهة المقابلة، ليس هناك ما يؤكد أن إسرائيل تريد إزاحة بشار الأسد، عدوها اللطيف المطيع، وحتى إذا افترضنا أن هناك حرباً إسرائيلية سورية، فإن حاكم سورية يدخلها وقد قدّم دعمه اللا محدود للعدو الصهيوني، قبل أن تبدأ، حيث، إن حصلت، سيدخل الحرب منقوصاً نحو نصف مليون مواطن سوري، قتلهم بيده، ونحو ستة ملايين آخرين، هجرهم، وهو يسحق الربيع الذي تكرهه وتحاربه إسرائيل، وتتمنى القضاء عليه قضاء مبرماً.
على أن ذلك كله لا يجعلك، إن وقعت الحرب، أن تقف على الحياد، أو تقول إن كليهما عدو، فالموقف الأخلاقي والحضاري أن تكون في الحرب مع سورية وإيران، إن هاجمتهما إسرائيل، وفي الثورة تكون مع الشعب السوري ضد بشار الأسد وطهران وتل أبيب، معاً.