متى تتوقّف الضربات "الإسرائيليّة"على سوريا؟!
يتجدّد ضرب "العدوّ الصهيونيّ" للنظام الذي يحتفظ بحقّ الردّ في كلّ مرّة، ويهدّد إعلاميّوه بأنّهم يريدون الإطاحة بالدولة الصهيونيّة المدعومة من الإمبرياليّة العالمية، وقوى الاستكبار في الأرض! لكنّهم ينتظرون الوقت المناسب! قراءة الحدث هذه المرّة ينبغي أن تكون في سياق التداعيات السياسية الحاصلة مؤخّرًا، والمتضمّنة سعي الدول إلى إيجاد مخرج يحفظ لها ماء وجهها أمام شعوبها ومبادئها المزعومة، مخرجٍ من الأزمة التي ورّطت نفسها بها في سوريا حين دعمت النظام القاتل، وتركته يقتل نحو مليون ويشرّد نحو نصف السكان في هذا البلد.
في السابق كانت كلّ مرّة يأتي الإعلان فيها عن ضربةٍ إسرائيليّة تكون في سياق تلميع النظام السوريّ، وغالبًا ما يكون ذلك عقب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو خوفًا من وصول أسلحة نوعيّة يملكها النظام -ويرى الصهاينة بلادهم في مأمن ما دامت هذه الأسلحة النوعيّة في يد النظام المجرم خوفًا من وصولها إلى الثوّار، لكنّ هذه المرّة تختلف قليلاً عن مثيلاتها، فبعد الاتفاقات الدوليّة على الحل السياسيّ باتت المشكلة في التوّغل الإيراني على الأراضي السوريّة، والنظام الذي استجلب هذا الاحتلال والاحتلالات الأخرى ليس له سطوة على تلك التنظيمات الموالية لإيران، والتي تدور في فلك النظام، فوجود النظام بات شكليًّا أمام قوّة هذه المليشيات المحتلّة والتشكيلات المسلّحة على الأرض، لذا بات من الضروريّ المساهمة في إزاحتها من خلال تهديدها وجوديًّا وتركيز الجهود على تحديد مهامّها في الحفاظ على المشروع العالمي في سوريا، لئلا يكون لها دور في المشروع الإيرانيّ إلا بقدر مساهمته في المشروع الدولي.
لقد اختارت إسرائيل أمريكا لإيصال رسالة إلى النظام السوريّ، وإلى الميليشيات الموالية له، وإلى المجتمع الدوليّ برمّته، للدلالة على التماهي الكامل بين السياسة الأمريكية والإسرائيليّة في المنطقة، ولئلاّ تزجّ إسرائيل نفسها في المواجهة، وقد كان ذلك بعد تصريح مسؤول أمريكيّ بأنّ الضربة لم تُنفّذ من قبل طائرات التحالف. بل إنّ هذه الرسالة تشمل روسيا، لتقول أمريكا إنّ إسرائيل معي، ومشاركتها عن طريقي، والتنسيق بين أمريكا وإسرائيل أكبر وأهمّ من التنسيق مع روسيا، كما أنّها رسالة لوقوف إسرائيل في صفّ المشروع السياسيّ الأمريكي في سوريا دون المشروع الروسيّ.
إنّ التصريحات المتسارعة في هذه الضربة تشي بالتنسيق المسبق بين الإسرائيليّ والأمريكيّ، وهو تنسيق لا يحتاج إلى مؤشّرات، لكن لعلّ من المعقول جدًّا أن نتساءل: إذا كانت أمريكا تقود تحالفًا دوليًّا (ضدّ الإرهاب!) في كلٍّ من سوريا والعراق، فلماذا لا تقوم هي بتنفيذ تلك الضربات؟ ولماذا لا توكّل إحدى الدول المشاركة في هذا التحالف بتنفيذ تلك الضربات؟ ولماذا تتولّى الإعلان عنها أمام وسائل الإعلام العالميّة وأنّها من تنفيذ إسرائيل؟
بل إنّ من حقّ كلّ متابع أن يتساءل عن سبب ترك الإرهابيين يرتعون في سوريا وينقلون أسلحتهم الثقيلة وتتحرّك آليّاتهم على الأرض دون أيّ متابعة من التحالف الدولي؟ وللإنصاف فإنّ الإرهاب لا يقتصر على نظام العصابات الإجراميّة في دمشق، بل يمتدّ ليشمل فئات كبيرة من معاونيه وشبّيحته والدول التي تسانده، فالإرهاب الإيراني والإرهاب الروسيّ الرسميّ لا يقلّ إجرامًا عن إرهاب النظام المجرم.
للإجابة على تلك التساؤلات لا بدّ من النظر في طبيعة عمل هذا التحالف المزعوم وأنّ أمريكا هي التي تقوده وهي وحدها صاحبة القرار فيه، بل هي وحدها المسيطرة على نحو 90 بالمائة من عمليّاته على الأرض! وهي وحدها التي تقيّم التكاليف الماليّة للعمليّات وتستوفيها من (الدول الداعمة) ويبدو أنّها تريد توزيع شيء من الكعكة على إسرائيل، كما يبدو أنّ بقاء إسرائيل خارج التحالف يترك لها حريّة التصرّف دون الحاجة إلى مرجعيّة عليا، ودون بيروقراطيّة في اتّخاذ القرارات، ودون تحميل مسؤوليّات للآخرين عن أعمالها باعتبارها ليست شريكًا، بل تقوم بتلك الأعمال على مسؤوليّتها الشخصيّة وبدافع حماية أراضيها المجاورة للإرهابيين الموجودين في سوريا، وهذه الحجّة لا تنطلي على أحد، لكنّ الأتراك التقطوا هذه الحجة فصوّروا أنفسهم كالمقتنعين بتلك الفكرة لاستنساخها في مناطق الشمال، وحماية أمن تركيا بعمليّات منفردة دون تحميل المسؤوليّة لآخرين.
ختامًا:
هل هذه الضربات هي لمصلحة النظام، وإن كان بشكل غير مباشر، فتصبّ في المصلحة الاستراتيجيّة للمشروع الذي يعيد إنتاج النظام، أم هي فعلاً تؤذي النظام، وتقلّل من وجوده في العملية السياسية بقدر ما تقلل من هيبته في نفوس أبناء شعبه؟ أيًّا كان الجواب على هذا السؤال فإنّ ممّا لا يخفى أنّ غرض إيذاء النظام إلى درجة إقصائه عن المشهد ليس مقبولا لا للتحالف الدُّوَلي ولا للصهاينة الذين يقصفونه.
لذلك يمكننا القول بكلّ ثقة إنّ هذه الضربات تأديبيّة استباقيّة وهي تأتي في سياقات متكرّرة دوريًّا بحسب الحاجة، كما أنّها محسوبة بدقّة لا تسمح للثوّار باستغلالها، ولا تؤدّي إلى انهيار مفاجئ للنظام تحت أيّ ظرف، إلا في حالة وجود خطأ من قبل العدوّ الصهيونيّ الذي يقوم بالقصف أو عند وجود شرفاء من داخل صفوف النظام وهو أمرٌ مستبعدٌ جدًّا بعد موجات من التصفيات والانشقاقات، وحتى هذه الأخيرة لن يسمح النظام الدولي باستغلالها بالصورة التي تعرقل مشروعه في سوريا.
وحتى الآن لا يوجد أيّ مؤشّر على توقّف تلك الضربات وإن بدأ الحلّ السياسيّ، فإسرائيل تريد فرض نفسها لاعبًا في الساحة السوريّة لا من خلال أمريكا فحسب بل من خلال طائراتها وصواريخها.