
فريق الجيش.. ليش؟
روى لي الصديق هادي الدمشقي حكاية طريفة عن فريق الجيش السوري لكرة القدم. قبل أن أنقل لكم الحكاية، سأحدّثكم عن مادة صحافية عنوانها "فريق الجيش ليش؟" كُتِبَتْ، على ما أذكر، بإشراف الصديق لقمان ديركي في العدد الأول من صحيفة الدومري (26 فبراير/ شباط 2001)، واعتبرناها آنذاك جريئةً، لأن فريق الجيش كان مصنفاً بين الخطوط الحمراء للسُّلْطة، إذ لم يكن ممكناً آنذاك تناول الوريث بشار الأسد، وأبيه، وعائلته، ووزارة الدفاع، وضباط الأمن، والفرقة الرابعة، والحركة التصحيحية، والحرس الجمهوري، والقيادة القُطرية، ووزارة الدفاع، ووزارة الإعلام، وقوى الأمن الداخلي، وفريق الجيش، وفريق الشرطة.. ولكن الرقباء، على ما يبدو، تساهلوا مع بعض مواد "الدومري" إكراماً للفنان الكبير علي فرزات، باعتبار أنه سيُصدر أول جريدة غير حكومية منذ ما قبل عصر الوحدة التي جعلت "الواقفَ فوق الأهرام يرى أمامَه بساتين الشام"، فهل يُعقل أن يُجبروه، منذ البداية، على جعل صحيفته شبيهة بـ "البعث" و"الثورة" و"تشرين" من حيث تقييدها بالخطوط الحمراء كلها؟
كانت الفرق الرياضية السورية تعاني من الفقر، والعوز، وينطبق عليها القول الشعبي "تشحد المنخول"، يعني أنها لا تطلب من المحسنين إعطاءها كميةً من الطحين الأصلي نمرة زيرو الذي يَصلح لصناعة الكعك، والمعمول، والغريبة، والبيتزا، وإنما تقبل بـ "المنخول" الذي ينزل تحت المنخل وعمادُه الشوائب، والغبرة، والهرارة.. وأعضاء إدارة النادي في كل مدينة كبيرة، أو صغيرة، أو متوسطة، يذهبون إلى المحافظ، ويرجونه أن يجمع التجار والصناعيين والملاكين الزراعيين، ويفرض عليهم التبرّع لناديهم، أو أن يعطيهم تعميماً يقضي بإجبار كل مَنْ يشتري كمية من الخشب، أو الشمينتو، أو الدواليب، أو السمنة النباتية، على التبرع بمبلغ ما لهذا النادي المسكين، أو أن يشتري بطاقة دخولٍ إلى الملعب، لحضور مباراةٍ لا يعرف متى موعدها. وفي الوقت نفسه، غير مستعد أن يذهب لحضورها مهما كلف الأمر.. وأما فريق الجيش، فقد وُضِعَتْ تحت تصرفه ميزانية الجيش العربي السوري التي كان نبّيحةُ النظام يقنعوننا بأنها تَلتهم 75% من ميزانية هذا القطر العربي الصامد، ثم يصلون، أعني النبّيحة، إلى نتيجةٍ مرعبة، هي أن سورية، لولا وجودُ الكيان الصهيوني الذي زرعه الاستعمار في قلب الوطن العربي، ولو لم يكن قَدَرُ سورية قد جعلها من دول المواجهة، لكانت ميزانيتنا كافيةً لجعل المواطن السويسري يحسد المواطن السوري على عيشته، حيث الخضرةُ، والماءُ، والوجهُ الحَسَن، والقادةُ التاريخيون.
لم يكتفِ هذا الجيشُ العقائدي الباسل، خلال مسيرته التاريخية، بأنه تَخَلَّى لإسرائيل عن مرتفعات الجولان، وانسحب كيفياً من القنيطرة، ودخل لبنان ليضرب قواها الوطنية، ويعفّش خيراتها، وابتكر سرايا الدفاع وأفلتَ كلابها على المدنيين، بل إنه أوجد فريق الجيش، وأعطاه صفةً رسمية شبه قانونية؛ إذ أصبح الفتى الذي يلمع نجمُه في كرة القدم في أية مدينةٍ سورية، يُساق إلى خدمة العَلَم، ويفرز، أتوماتيكياً، للخدمة في فريق الجيش. والفتيان، بدورهم، يسرّهم هذا الفرز، لأنهم يعيشون، خلال الخدمة، حياةً تستحق الحسد، ففي حين تحترقُ قلوب أقرانهم في الخدمة الميدانية، حيثُ الركض والغبرة وقلة القيمة، يمضون خدمتهم معزّزين، مكرمين، يأكلون أطايب الطعام، ويزورون مختلف الدول، ويقبضون الرواتب والمكافآت العالية.. هذا الوضع المخملي جعل المسؤولين، سواء أكان أبناؤهم مساقين إلى خدمة العلم أو لا، يسعون إلى إدخالهم في صفوف فريق الجيش..
ما سبق يقودنا إلى الحكاية الطريفة التي رواها هادي الدمشقي، وهي أن قيادة الجيش استقدمت، ذات يوم، فريقاً طبياً بلغارياً، للاطمئنان على لياقة لاعبي فريق الجيش، وجاهزيّتهم من الناحية البدنية، وبعد فحص العناصر البالغ عددهم ثلاثين لاعباً، ذهل الفريق الطبي، إذ وجدوا أن لاعباً واحداً يستطيع الجري خلال الشوطين من دون توقف، بينما الـ 29 الآخرون يستطيع واحدهم الجري من 10 إلى 15 دقيقة فقط!