عن إعمار سورية
دمار كبير أصاب سورية خلال السنوات الخمس الأخيرة نتيجة وحشية الحرب. الآن، وبعد أن اعتبر الروس أن الحرب تحطّ أوزارها، بات همّهم "إعادة الإعمار"، بعد أن تحصلوا من النظام على الحق الكامل بها. مَنْ يدقق في الأمر يلاحظ أن الشّره الذي يظهره هؤلاء يوازي الوحشية التي مارسوها وهم يقومون بتدمير الأسواق والمدارس والمشافي والمؤسسات وغيرها. لكن مَنْ سيموّل إعادة الإعمار؟
تطرح روسيا مسألة إعادة اللاجئين بشكل مستعجل، وملحّ، وكأنها غير التي قتلت ودمّرت. فـ "الحرص" كبير على هؤلاء اللاجئين، والاهتمام بهم يفوق التصوّر من دولةٍ على مستوىً عالٍ من "الإنسانية". ولا شكّ في أن طرح مسألة عودة اللاجئين وثيقة الصلة بإعادة الإعمار، حيث إنه لكي تتحقّق العودة لا بدّ من إعادة بناء البنية التحتية والبيوت والمؤسسات والمشافي. وهنا تُطرح مسألة التمويل: من عليه أن يموّل إعادة إعمار قدّرت اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا (الإسكوا) أنها تكلف 400 مليار دولار؟ على الرغم من أن هذا المبلغ يمكن أن يكون "سخيفاً" أمام هول التدمير الذي أصاب سورية.
ما تسعى إليه روسيا هو دفع "الدول الغربية" ودول الخليج إلى تمويل إعادة الإعمار هذه. وتبذل دبلوماسيتها مجهوداتٍ كبيرةً لترتيب الأمور مع أوروبا وأميركا ودول الخليج. وهي تعتقد أن نجاح إعادة الإعمار يعتمد على موافقة هذه الدول التي يساوم بعضها، مثل أميركا وأوروبا، على الأمر بحيث يكون جزءاً من الحلّ النهائي لـ "الأزمة السورية". والنقطة الوحيدة المطروحة "عدم بقاء بشار الأسد في السلطة". في هذه المسألة، نحن إزاء جملة إشكاليات، حيث تحاول روسيا، من خلال القبض على إعادة الإعمار، ودفع الدول الغربية والخليج كلفته، أن تعيد توزيع الثروة عالمياً بما يحقق لها حصةً أكبر، وهي تجهد من أجل ذلك، لكي تحسّن موقعها الاقتصادي العالمي. لكن ليست "الدول الغربية" بهذا الغباء الذي يجعلها تدفع لكي تعزّز من القوة الاقتصادية لروسيا. لهذا، هي تضع الشرط الذي يُربك العملية كلها. وهي بالأساس، كما دول الخليج، لم تعد قادرةً على "تبذير" الأموال بلا مقابل كبير. ومن ثم هي أصلاً ليست معنيةً بإعادة الإعمار، بل هي معنيةٌ بالنهب، وروسيا هي التي استولت على مفتاح إعادة الإعمار. لقد طرحت الأمر في العراق، ولا يزال العراق بلا إعادة إعمار، على الرغم من نهب مئات مليارات الدولارات. وسورية أضعف في هذا المجال، لأنها ليست بلداً نفطياً، بالتالي لتتورّط روسيا التي لن تستطيع تقديم نتائج لتدخلها واحتلالها سورية، من دون أن يتحوّل ذلك إلى سيولة نقدية بيد الشركات الروسية. وفي الواقع، الشعب السوري غير قادر على دفع أي ثمن، بعد كل المآسي التي عاشها.
ولا شك في أن صراعاً يدور بين كل من إيران وروسيا بشأن الاستفادة من إعادة الإعمار، على الرغم من أن روسيا حسمت الأمر بسيطرتها التامة عليها. وكذلك، فإن مافيا النظام تنتظر حصّتها، ولقد دفعت لتدمير مناطق، لكي تسيطر عليها، وتقيم مشاريعها عليها. لكن ما يمكن قوله إن كل هذا الشره بلا أساس، نتيجة غياب الممول. بالتالي، سوف تنهب روسيا الثروة الموجودة في سورية (النفط والغاز والفوسفات، والقمح والقطن، وغيرها) من دون أن تتقدم في إعادة الإعمار. .. لكن، يبقى السؤال: مَنْ سيموّل إعادة الإعمار؟
ما يجب أن يكون واضحاً أن كلا من إيران وروسيا، ودولا خليجية، هي التي يجب أن تموّل، نتيجة أنها التي دمّرت أو أسهمت في التدمير. قام النظام بتدميرٍ محدودٍ إلى نهاية سنة 2012، لكن دخول حزب الله وإيران، وكل المليشيات التابعة لها، وسّع من آليات تدمير النظام، بعد أن منعت هي سقوطه (وهذا ما صرّح به أكثر من مسؤول إيراني). وبات التدمير بالتالي تتحمّل كلفته إيران. ثم جاء دور الروس الذين أسهموا في التدمير المباشر من أحدث الأسلحة، وبالتالي يجب أن تدفع روسيا كلفة إعادة الإعمار. طبعاً إضافة إلى مافيات النظام التي يجب أن تجرّد من كل أموالها. ولا شك في أن كلفة تدمير الرّقة، وبعض مناطق الجزيرة السورية يجب أن تتحملها أميركا (مع قوات سورية الديمقراطية)، فهي التي قامت بعملية تدمير ممنهجة.
يجب أن يسجّل الشعب السوري مدينا، لكي يسعى إلى أن يفرض على هذه الدول السداد.