ضربة على رأس إيران
أخذ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خمساً وعشرين دقيقة ليلقي خطابه عن إيران، لكنني استغرقت قرابة الساعة وأنا أقرأه وأعيد القراءة.
الآن أرى أنني لست بحاجة لوقت إضافي للاستغراق فيه، فقد وصلت إلى نتيجة وهي أن الولايات المتحدة وجّهت ضربة على رأس إيران.
بذل خبراء الأمن القومي الأميركي الكثير من الوقت لاقتراح استراتيجيات جديدة على إدارة ترمب، وبعضها اقترح احتواء التمدّد الإيراني فقط، وبعضها الآخر اقترح صدّ التصرفات الإيرانية في الخارج، وبعضهم تحدث عن احتواء إيران فيما تصوّر بعضهم الآخر تغيير النظام.
ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي مختلف ويقوم على ضرب الرأس الإيراني وليس اللهو مع الأطراف مع حزب الله والحوثيين وغيرهم.
فهمت إدارة ترمب منذ حين أن إيران تستنزف العالم العربي وتشنّ حروباً بالواسطة، لا تخوض مواجهة على الإطلاق، لا تخسر محاربين، ولا تنخرط في مواجهة مباشرة بين دولة ودولة، بل تحرّك وتسلّح وتثير مجموعات محلية ضد الحكومات العربية وتقول إن المشكلة بين هذه الحكومات وأبناء شعبها.
أخذ الأمر سنوات من عهد الرئيس السابق باراك أوباما وأعضاء إدارته وهم يقولون إن الحوثيين يمنيون لديهم مطالب وليسوا عملاء لإيران. في آخر العام 2016 بدؤوا يقولون بخجل إن الحوثيين يتلقون دعماً من إيران.
إدارة ترمب تقول الآن على لسان بومبيو "في اليمن، دعم إيران ميليشيا الحوثي يضرم الصراع ويجوّع اليمنيين ويحتجزهم تحت تهديد الإرهاب".
كيف وصلت إدارة ترمب إلى هذه السياسة الشرسة ضد إيران؟
يعدّد بومبيو سلسلة من الحروب بالواسطة التي تشنّها إيران في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، بالإضافة إلى تشكيلها تهديداً لأمن دول الجوار من خلال برنامج الصواريخ الباليستية ورعايتها للإرهاب. وهنا اسمحوا لي بالعودة إلى استراتيجية الأمن القومي الأميركي الصادرة في 18 ديسمبر 2017. تعتبر الوثيقة أن التجربة تشير إلى أن الدول المناوئة تتخلّى عن تهديداتها عندما ترى قوة الولايات المتحدة وقوة تحالفاتها.
في حالة إيران بشكل خاص فهمت إدارة ترمب أن عليها القول لإيران إن أميركا قوّية ولديها الإرادة وأن اللهو مع الأطراف هو لعبة إيرانية وأن واشنطن تنظر إلى راس الأخطبوط.
هذه هي المرّة الأولى منذ سنوات طويلة يسمع العالم العربي موقفاً أميركياً لا يلوم الضحية بل ينظر في عين الغول، لا يلوّح بهراوة، بل يلقي بالهراوة بضربة على الرأس.
ما سمعناه من إدارة دونالد ترمب عن سياستها تجاه إيران يفتح صفحة جديدة للتعاطي مع تهديدات إيران للأمن الإقليمي، وأيضاً يفتح صفحة الباب أمام سلام مع إيران جديدة لو كان لدى المرشد الإيراني الشجاعة للتخلّي عن عباءة الرعب ويقرّر أن تصبح إيران بلداً طبيعياً يعيش بسلام ويتركنا نعيش بسلام.