سيناريوهات الجنوب السوري
كما كان متوقّعاً، فإنّ الجنوب السوري أصبح محور اهتمام النظام السوري وحلفائه، بعدما تمّ تأمين دمشق وريفها، فبدأ النظام يحشد ويعدّ بكثافةٍ لعمليةٍ كبرى في محافظة درعا، بينما تتضارب الأنباء بشأن حقيقة الموقف الأميركي مما يحدث، بين تحذير شديد من جهة وتسريباتٍ عن اتفاق جديد من جهةٍ أخرى!
الوضع الراهن للجنوب السوري، خصوصا درعا، أنّها خاضعةٌ لاتفاق "خفض التصعيد" بين الولايات المتحدة وروسيا، وبدور أردني فاعل في هذا الاتفاق، والاتفاقيات اللاحقة عليها التي تضمنت آليات تنفيذه ومراقبة وقف إطلاق النار، ومنها إبعاد المليشيات غير السورية مسافة تصل إلى 25 كم عن الحدود السورية - الأردنية، ووقف دعم المعارضة المسلحة في درعا بالسلاح (الجبهة الجنوبية التي يقدّر عددها بـ35 ألف مقاتل)، والتخلص من نفوذ جبهة النصرة وجيش خالد بن الوليد (التابع لتنظيم داعش).
يؤكد المسؤولون الأردنيون على استمرار تعهّد المسؤولين الروس والأميركيين بالالتزام بالاتفاق، بمعنى وقف إطلاق النار، وتجنيب المحافظة (التي حصلت على هدوء قرابة عام ونصف) أي تبعات لعمل عسكري شبيه بما حصل في الغوطة الشرقية وريف دمشق.
لكن هذه "الضمانات" الأميركية - الروسية لا يبدو أنّها تنسجم كثيراً مع الواقع، ومع بعض التسريبات عن توجهات أميركية تذهب نحو إعادة صوغ الاتفاق، ولا حتى مع ارتفاع وتيرة الخلافات الأميركية الروسية، ولا مع التباين في الأجندتين الإيرانية - الروسية في سورية، بما يحمل، في طيّاته، احتمالات لسيناريوهات أخرى.
ما هي الخطوط العريضة للسيناريوهات المتوقعة؟ السيناريو الأول، بالفعل بقاء الاتفاق الروسي - الأميركي، خصوصا أنّ هنالك "العامل الإسرائيلي" موجود بقوة في هذه المعادلة، وتنفيذ الوعيد الأميركي برد فعل عنيف على أي هجوم متوقع على درعا، من الجيش النظامي والمليشيات المؤيدة له.
السيناريو الثاني، انهيار "المعادلة" كاملة، وتفكّك الاتفاق الروسي - الأميركي، مع تصاعد حجم الخلافات، وانتهاء عمل غرفة المراقبة المشتركة في عمّان، وبالتالي الدخول في مسار حرب داخلية - إقليمية في هذه المنطقة. وهذا يعني تحدياتٍ جديدة على كل من الأميركيين والأردنيين والإسرائيليين، في كيفية التعامل مع الهجوم المتوقع، بعدما توقف دعم المعارضة المسلّحة منذ قرابة نصف عام.
السيناريو الثالث، إعادة تصميم اتفاقٍ جديد على أساس أفكار نائب وزير الخارجية الأميركي، ديفيد ساترفيلد، وتقتضي إعادة تسليم درعا إلى النظام، مع ترحيل المعارضة المسلّحة المتشددة إلى إدلب، وضمانات دولية بتجنب سيناريوهات ما حصل في مناطق أخرى، مع وصول قوات الجيش النظامي إلى الحدود، وعودة مؤسسات الدولة إلى درعا، وتسليم المعارضة السلاح الثقيل، والوصول إلى صيغةٍ تعتبر آلاف المقاتلين جزءاً من الشرطة المحلية.
قد لا يكتب لمثل هذه الأفكار الاستمرار مع وجود خط متشدد في الإدارة (بومبيو - بولتن) يرفض هذه الصيغة، وهنالك احتمال مغادرة ساترفيلد نفسه موقعه قريباً.
الموقف الأردني مرتبط جوهرياً بالموقف الأميركي، وإن كان في دوائر القرار الأردنية أكثر من رأي أيضاً. يتبنّى الأول الموقف الذي يؤكد على ضرورة الحفاظ على الاتفاق الحالي، وعدم وجود أي ضماناتٍ حقيقية مستقبلاً بألا يجد الأردن على حدوده قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، ويرى في الاتفاق الراهن الصيغة الفضلى. ويميل الرأي الثاني إلى فتح القنوات مع النظام السوري بصورة أفضل، وتسهيل عودته إلى الحدود، وفتح معبر نصيب الحدودي، وإعادة تشغيل خط التجارة بين عمّان ودمشق.
تبدو المسألة أكثر تعقيداً من التفضيلات الأردنية، لأنّها أصبحت مرتبطةً بمعادلة دولية - إقليمية. وفيها رأي إسرائيلي أيضاً، وخطوط حمراء بعدم القبول باقتراب قوات إيرانية من المناطق المحاذية للجولان، وهو الأمر الذي يفسّر إلى الآن بقاء جيش خالد بن الوليد (الموالي لداعش، والموجود في حوض اليرموك الموازي للجولان) خارج دائرة الاستهداف الدولي والإسرائيلي، إذ تحوّل إلى ما يشبه "المنطقة العازلة" للقوات الإيرانية عن مرتفعات الجولان المحتلة.
على أيّ حال، هنالك تحرّكات عسكرية كبيرة وطبخات سياسية بالتزامن والتوازي، لكن على الأغلب فإنّ الاتفاق الراهن يواجه تحدّياً حقيقياً في الاستمرار والصمود.