سيعقبهن فرج ... "في ذكرى الثورة السورية"
سيعقبهن فرج ... "في ذكرى الثورة السورية"
● مقالات رأي ١٦ مارس ٢٠١٧

سيعقبهن فرج ... "في ذكرى الثورة السورية"

"في ذكرى الثورة السورية"
كان هناك رجل عربيّ أصيل..
شهمٌ كريمٌ وفارس مقدام ومغوار..
له في المعارك صولات وجولات..
ذو شأن عظيم..
كان وجيهاً في قومه..
كان أكبرهم سناً.. وأفضلهم حكمة وأكثرهم خبرة..
كان لا يردّ سائلاً ولا فقيراً ولا محتاجاً..
كان يقري الضيف ويكرم الغريب ويحسن معاملة الصغير قبل الكبير..
يحترم الجميع.. ويحب الجميع..
جاءت عصابة من خارج المدينة..
احتلت المدينة وأعدمت كل وجهائها..
أبقت على هذا الرجل..
ولكنها سجنته.. وعذبته..
دخلت بيته..
وعبثت بأشيائه الخاصة وبأوراقه..
لبست ثيابه وسرقت هويته..
غيرت كل شيء..
غيرت ملامح البيت وملامح المدينة..
لم ينكر على هذه العصابة أحدٌ شيئاً مما فعلته..
فأعجبها الحال فسكنت بيت الرجل..
واغتصبت زوجته وقتلت جميع ابناءه..
ومازلت تعذب الرجل كل حين..!
أنجبت الأم المغتصبة طفلاً صغيرا معتقلاً..
قاموا بتقييده إلى سرير أمه منذ ولادته..
ومنعوا الجميع من رؤيته أو الحديث معه..
يرمون له فتات طعامهم وبقايا فضلاتهم حتى يبقى على قيد الحياة لا أكثر!
ما أرادوا له خيراً وما أرادوا له حياة..
أبقوه فقط لكي يخبروا العالم أن لديهم طفل بحاجة إلى مساعدة..
وقاموا بجمع التبرعات والمساعدات على اسم هذا الصبي المعتقل!
بقي هذا الطفل مقيداً إلى سريره قرابة الخمسون عاماً..!!
أبوه ينازع..
ما يزال تحت التعذيب..
أمه باتت عجوزة..
لا تقوى على شيء..
ومغتصبوها يعيثون فساداً في البيت وفِي البلاد..
قرر هذا الطفل "الكهل" أن يفك وثاقه بيديه..
قرر أن يقوم..
قرر أن ينهض ليأخذ بثأر أبيه وأمه..
فك قيوده فجأة وقام..
قام.. ولكنه لم يكن قد تعلم المشي بعد!!
خمسون عاماً لم يجرب خلالها الحياة..
وفجأة انطلق إلى العالم الذي كان ينظر إلى عجوزٍ في الخمسين من العمر.. ولكنه لا يعرف المشي ولا يعرف حتى الكلام!
لم يستطع هذا الكهل أن يقف..
حاول أن يستند إلى شخص يقف بجانبه.. تعود أن يراه دائماً من الشباك.. إنه جاره..
فما كان من الجار إلا أن أدار ظهره لهذا العجوز فوقع على الأرض..
تمالك نفسه ووقف من جديد..
حاول المشي فتعثر..
حاول الكلام فتلعثم..
مد يده للجميع..
فأدار الجميع ظهورهم له..
وقع من جديد..
أراد أن يخبر العالم بما كان يفعله المجرمون به.. وما كان يفعله في أبيه وأمه من قبله.. فما استطاع الكلام..
وما وجد من يريد الاستماع أصلاً..
حاول أن يذكرهم من هو أبوه!
وكيف كان أبوه يكرمهم ويحميهم ويحل مشاكلهم في أوقات أزماتهم.. فوجدهم له منكرون!
قرر أن يعتمد على نفسه ويتعلم المشي والكلام..
أمه مقيدة هي الأخرى ولا تقوى على الحراك..
أبوه ينازع في المعتقل وقد يكون فارق الحياة!
لا بد أن ينهض..
لا بد أن يستجير بأحد..
لا بد أن يطلب المساعدة لأبيه وأمه..
قام..
وبكل إصرار وعزيمة..
مشي خطوته الأولى..
فالثانية..
فالثالثة..
بدأت الابتسامة ترتسم على شفتيه العجوزين.. ابتسامة نصرٍ لطفلٍ قد تعلم المشي لتوّه..
انتبه بعض الجيران..
قاموا بتنبيه المغتصب..
المنتبه أصلاً والذي كان يخشى هذه اللحظة..
فما كان من الجميع إلا أن تحلقوا حول هذا العجوز الطفل وانهالوا عليه ضرباً ورفساً بكل ما ملكوا من قوة ومن وسائل..
يقوم المسكين ويقع..
والجميع يضربه بلا هوادة وبلا شفقة وبلا رحمة..
لم يكتفوا بذلك..
لاحقاً.. اكتشف هذا الكهل الطفل أن الجميع كان يعرف بقصته..
والجميع كان يشاهد مأساته..
والجميع كان يبارك لمغتصبي أمه ويهنؤوهم على فحولتهم ورجولتهم!
والجميع كان لا يريده أن يقوم.. بل كان يتمنى له الموت..!!
نفس الأشخاص الذين ساعدهم أبوه من قبل..
نفس الجيران الذين أكرمهم أبوه من قبل..
هم من قاموا بطعن هذا الطفل ومساعدة مغتصبي أمه..!!
ستّ عجاف..
ستّ شداد..
ستّ ثقال..
سيعقبهن فرج من الله..
هي اليد التي ستمتد لتغيث هذا الطفل المظلوم أخيراً..
يوماً ما..
وقبل أن يأتي الطوفان ليقتلع الجميع..
سيطلب الجميع من هذا الطفل أن يسامحه..
وسيطلب من هذا الطفل أن يساعده..
وسيطلب من هذا الطفل أن يعينه..
حينها..
هو الوحيد الذي سيكون قوياً..
وهو الوحيد الذي سيكون خبيراً..
وهو الوحيد الذي سيمد يد العون لتلك الأيدي الغادرة التي لطالما غدرت به..
وهو الوحيد الذي سيبقى على خلق أبيه، فيساعدهم ويكرمهم..
وهو الوحيد الذي سيحافظ على شرف أمهاتهم، فينقذهن من براثن المعتدين المغتصبين الآثمين..
وهو الوحيد الذي سيبقى كهلاً بجسده.. طفلاً بروحه..
الأم: سوريا
الرجل: الشعب السوري
الطفل: الثورة السورية
الجيران: الدول العربية والإسلامية
المغتصب: *** يمكن ملأ هذا الفراغ بأي شيء تراه مناسباً: (النظام السوري.. المعارضة السورية.. الجماعات المتشددة.. العصابات الإرهابية.. داعش.. النصرة.. العالم.. إلخ) فالكل شريك في الجريمة الإنسانية البشعة التي تُمارس في حق الشعب السوري المسكين الأعزل..

المصدر: شبكة شام الاخبارية الكاتب: أسامة قهوجي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ