سوريا.. العصف المأكول
بعد سبع سنوات من بداية الثورة استطاع النظام وحلفاؤه (روسيا وإيران) استعادة السيطرة على غالبية المناطق التي خسرها لحساب المعارضة، ولا شك أن الجديّة التي تدخلت بها روسيا وإيران كانت السبب الرئيس لحسم المعركة وحشر المعارضة إلى آخر معاقلها بمحافظتي إدلب ودرعا التي ربما تنتظر مصيرا مشابها للغوطة وحلب وغيرهما من المدن التي شهدت التهجير، وكما هي سنة الحروب فإن المنتصر هو الذي يفرض شروطه، ولأن الثورة لا تزال صامدة في نفوس أهلها سنبتعد عن وصف المنتصر ونستبدله بالطرف المسيطر أو الذي يملكك الأوراق الأقوى في هذه المرحلة وهنا نقصد النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيين، ولكن يجب الاعتراف بهذه الحقيقة، واعترافنا بها يترتب عليه الإقرار بقوانين وسنة الحروب في المزايا التي يحصل عليها الطرف الأقوى من مكاسب وسلطة القرار في شكل المرحلة القادمة.
هل هناك خلاف روسي إيراني؟
في الوقت الذي تنعي فيه الثورة المناطق والمدن التي حجبت عنها الشمس طائرات الروس، وضاق الهواء بأهلها عندما تحول إلى كلور يتسلل إلى صدور الأطفال والشيوخ مثلما تسللت الصراعات الداخلية إلى فصائل الثورة، يتفاخر النظام وحلفاؤه بانتصاراتهم التي حققوها ويتجهزون لرسم الصورة التي ستكون عليها حالة الدولة والنظام المتجانس بين الحلفاء، فالنظام اليوم ليس هو النظام قبل سبع سنوات رغم بقاء مؤسساته العسكرية والأمنية إلا أن هذه المؤسسات أصبحت مرهونة لأوامر أفراد موالين إما لروسيا أو لإيران، ورغم اختلاف الأهواء والطموحات لدى هذين الحليفين إلا أنهما متفقان على تماسك الحلف لإبعاد النفوذ الغربي من المنطقة، ويبقى الحديث المتناقل لدى المعارضة عن خلافات داخل هذه الحلف في تقاسم السيطرة والنفوذ والتكهن بنزاع قادم بينهما هو مجرد أوهام ممزوجة بالرغبة لأن مقومات التماسك أقوى بكثير من مقومات التنازع حتى لو ظهرت بعض الخلافات بين الحين والآخر بسبب فوضى الحرب وتعدد أصناف وأشكال الميليشيات التي ولدت بدوافع طائفية وعرقية لتواجه الثورة، فمقومات التماسك لدى هذا الحلف كبيرة جدا وكلاهما لديه عناصر قوة لا تكتمل إلا بوجود الطرف الآخر.
فإيران القوة الإقليمية الصاعدة في المنطقة تحتاج إلى حليف دولي قوي يملك العضوية في مجلس الأمن يستطيع ملأ الفراغ الأمريكي ويمتلك سلاح الجو الذي يتحاشى الجميع المساس به، وظهر هذا جليا في تجربة الأتراك بإسقاط الطائرة الروسية التي كلفتهم الاعتذار والتراجع عن عدة مواقف، وأما روسيا فهي الأخرى بحاجة إلى حليف قوي على الأرض وعدو لأمريكا والغرب وهذه الصفات موجودة في إيران التي تملك النفوذ على ميليشيات تتوزع في العراق وسوريا ولبنان واليمن وتقاتل بعقيدة تمكنها من الثبات في المعارك، ومع كل هذه الأسباب المتينة لتماسك هذه الحلف.. ما الذي ستؤثر به بعض الخلافات السطحية وغير الجوهرية التي نسمع عنها وتحاول المعارضة وبعض وسائل الإعلام تضخيمها وتقديم صورة تضلل بها جمهور الثورة؟!
عمق الصراع الحقيقي والمشاريع الصاعدة في المنطقة
لتكون الصورة أوضح لا بد من إدراك وفهم المشاريع الثلاثة الصاعدة في المنطقة، وهي المشروع الإيراني والتركي والإسرائيلي، فهذه المشاريع دخلت الصراع المنفجر بعد الربيع العربي إما مضطرة مثل تركيا أو راغبة مثل إيران أو مراقبة مثل اسرائيل، إلا أن الأخيرة لن تبقى كذلك بعد أن شارفت الحرب على نهايتها في سوريا واقتراب المشروع الإيراني من حدودها، فهذا الصدام المتوقع بين المشروعين قد يتحول إلى نزاع بارد وطويل الأمد لكنه على الأغلب لن يتطور إلى حرب كلاسيكية لأن نتائجه ستكون كارثية على كلا المشروعين خصوصا مع إدراكهم أن المستفيد هو مشروع عربي سني إسلامي قد يظهر في حالة ضعف أي منهما أو مشروع تركي جاهز لملأ الفراغ في أية لحظة.
وهذا المشروع أي التركي فتبدلت أولوياته في النزاع مع المشروع الإيراني داخل سوريا وتراجعت طموحاته من مزاحمة إيران في العمق السوري إلى تأمين حدود مشروعهم بعد ظهور كيانات جديدة تهدد أمنهم القومي وهنا نتحدث عن المشروع الكردي المدعوم من أمريكا والذي اضطر تركيا للرجوع خطوة إلى الوراء وخلط الأوراق بدخولها حلف الخصوم بعد أن ساءت علاقاتها مع الحلف الأمريكي الذي سعى لدعم أعدائها على الحدود.
وبالعودة إلى المشروع السني غير المكتمل وهنا لا يمكن الفصل بين سوريا والعراق بصرف النظر عن شكل هذا المشروع الذي انقسم بين مشاريع مدنية وحركات إسلامية وفصائل عسكرية أخذت عدة أشكال منها الجيش الحر والفصائل الإسلامية والتنظيمات الجهادية والتي فشلت جميعها في الانصهار ضمن مشروع واحد يواجه المشاريع الإقليمية لتكون النتيجة فناء الجميع وانحسار من تبقى إلى إدلب محتمين بتركيا أضعف هذه المشاريع نفوذا في سوريا.
الاستراتيجية الأمريكية ودورها الجديد في سوريا
"لا يمكننا أن نكرر أخطاء عام 2011 حيث غادرنا العراق قبل الأوان" هذا ما قاله ريكس تليرسون وزير الخارجية الأمريكي قبل فترة في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية، ومن هذا الكلام نستخلص أنه وبعد أن وضعت أمريكا يدها على النفط السوري وصنعت حليفا لها شرق الفرات " القوات الكردية " تكون قد استوفت أولوياتها في هذه المرحلة، فالنفط لتساوم به روسيا والحليف الكردي لتساوم به تركيا وقواعدها العسكرية لمواجهة النفوذ الإيراني بمنع طهران من إقامة ممرها البري الذي يربط إيران بالبحر المتوسط مرورا بسوريا والعراق ولبنان، وبهذا سيكون الدور الأمريكي لاعبا أساسيا ربما في شكل التسوية السياسية التي ستضمن مصالحها أولا في المنطقة.
من سيفرض شروطه في المرحلة القادمة؟
بعد سيطرة النظام وحلفائه على دمشق وتأمين محيطها بإجبار الفصائل على الخروج من الغوطة وجنوب العاصمة وتهجير المعارضين مع عائلاتهم إلى الشمال كما هو حال باقي المدن، والوهن الذي لحق بالثورة بسبب الصراعات الداخلية على النفوذ وظهور المشاريع غير المرغوب بها دوليا أدت إلى تراجع حلفاء الثورة عن دعمها، بعد هذه السيطرة تكون الثورة قد وصلت إلى مرحلة "خارج الحسابات" أي أنها خارج كل التفاهمات القادمة، فحلف النظام بات يسيطر على المساحة الأكبر والمدن الأهم، يقاسمه بها الغرب وأمريكا في مناطق النفط، وتركيا على حدودها في الشمال، وهؤلاء هم من يفرضون الشروط على شكل الدولة القادمة كل منهم حسب حجم النفوذ الذي يمتلكه من القوة والانتشار على الأرض إلى الذي يسيطر على النفط.
هل انتصر النظام وحلفاؤه أم فشلت الثورة؟
سؤال قد يصعب على الخاسر في هذه المرحلة الإجابة عنه، كما يصعب على النظام الإقرار بنصرٍ كلفه الإطاحة بهيبة رمزه الأول "بشار الأسد" بعد إذلال الحلفاء له في شخصه وفي قراره وقرار نظامه المُصادر من قبل حلفائه، ولأن هذا النصر على حساب شعب بأكمله فهو نصر لمرحلة قد تطول لكنها لن تستمر.