جبران باسيل
لا شك في أن جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني وصهر رئيس الجمهورية ميشال عون، ظاهرة تتعدى السياسة. فالرجل يحرص على أن يستيقظ اللبنانيون في معظم أيامهم على ما يذهلهم من خطواته. هذا دأبه منذ سنوات. وهذا الأسبوع قرر، بصفته وزيراً للخارجية، وقف تجديد إقامات موظفي المفوضية العليا للاجئين في لبنان، الهيئة التابعة للأمم المتحدة، والتي تتولى رعاية وتمويل إقامة اللاجئين السوريين في لبنان.
سبق أن فجر الوزير قنبلة الشريط الذي يظهر فيه شاتماً رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وسبق له أيضاً أن أطلق تصريحات مشحونة بالكراهية حيال اللاجئين. ولا يمر أسبوع من دون مفاجآت تحفّ بهذه الظاهرة التي اسمها جبران باسيل. وهو بهذا المعنى ظاهرة تتعدى السياسة، ذاك أنه حل في وجدانات اللبنانيين في مكان شعوري ينطوي على قدر من الانفعالات الشخصية. قرر اليوم، وهو الوزير في حكومة تصريف الأعمال، أن على لبنان أن يصطدم بأعلى هيئة دولية في العالم. قرر ذلك وحده ومن دون أن يستشير رئيس الحكومة سعد الحريري! قال إن الهيئة تعيق قرار الدولة اللبنانية بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم! ولا يبعث على الذهول فقط أن الوزير قرر عدم تجديد إقامات الموظفين، بل أيضاً ادعاؤه بأن الدولة اللبنانية «قررت» إعادة اللاجئين إلى بلادهم.
إنها ضربة الوزير الأخيرة. سبقتها ضربات لا تقل عنها في بعثها للذهول، فالوزير يرغب في تعويض الفراغ الكبير الناجم عن العجز المطلق عبر صدمات يعتقد أنها ستملأ الفراغ الكبير الذي خلفه تصدره المشهد العام في لبنان. يريد أن يقول لجمهوره «المسيحي» أنه قوي إلى حد يمكنه من مواجهة الأمم المتحدة. هذه هي السياسة في عرف الوزير. السياسة هي قفزات صوتية في الفراغ. صوت مرتفع يطلقه عاجز غير كفء. ولبنان المنتهكة سيادته، والمُهدد اقتصاده، والغارق بفساد طبقته السياسية، والعاجز عن ضبط مسلحين يعبثون في مدنه وأريافه، والمختنق بفضيحة التجنيس المافيوية، لبنان هذا قرر أن يخوض مواجهة مع الأمم المتحدة! مواجهة وظيفتها الوحيدة أن يعرض الوزير أمام جمهوره «المسيحي» كم هو قوي وكم هو مُستجابٌ له.
المسألة طبعاً لن تتعدى مفعولها الصوتي. الوزير سيمنح موظفي الهيئة الدولية إقاماتهم في الأسبوع المقبل. سيبقى منها ارتداداتها السلبية على سمعة الديبلوماسية اللبنانية. لكن ذلك لا يهم، ولا يهم أيضاً ما إذا كان الوزير مقتنعاً فعلاً بأن عودة اللاجئين متوقفة على قراره بعودتهم، لا على تسوية كبرى لم تنعقد بعد في دمشق. الوزير جزء من تحالف «الأقليات» الذي قرر أن تفريغ ريف دمشق من نحو ثلاثة ملايين سني هو ضرورة، ويعرف أن لا حول له ولا قوة تمكنانه من تغيير القرار، لكن لا بأس بأداء رقصة على ضفاف هذا العجز. الكلفة سيتوزعها الجميع، ووحده الوزير سيكون نجمها.
إنها «السيادة» على ما يقول، وهي سيادة شديدة الحساسية حيال الفقراء السوريين وضعيفتها حيال أغنيائهم. وهذه المعادلة لا تعني الحرص على الاقتصاد اللبناني، فهذا آخر هم لدى أطراف هذه المعادلة. فالأغنياء المجنسون، أصدقاء الوزراء والرؤساء، وليسوا أصدقاء الاقتصاد اللبناني، بينما الفقراء اللاجئون تُمول الأمم المتحدة، التي أوقف الوزير تجديد إقامات موظفيها، إقامتهم البائسة في ربوع وطننا.
تنتظرنا في لبنان حقبة اسمها جبران باسيل. فالرجل صهر الرئيس، والمسيحي «القوي» الذي سيكون ثابتاً في كل الحكومات. شاب في مقتبل العمر، وطامح لملء الفراغ الهائل، بفراغ موازٍ مشحونٍ بالضجيج، والرجل غير عابئ بالصداع الذي يخلفه.