السوري في المهجر: قوة ونجاح!
الهجرة بالنسبة للسوري ليست بالأمر الجديد، فهناك أعداد كبيرة منهم موجودة في أعداد غير محدودة من دول العالم في كافة القارات منذ زمن غير بسيط؛ يعملون في مجالات التجارة والصناعة بنجاح واضح. ولكن ما حصل في آخر ثماني سنوات منذ اندلاع أحداث الثورة السورية بوجه نظام الأسد الطاغية، ومئات الآلاف من الشعب السوري خرجوا إلى بلاد العالم ما بين مهاجر ولاجئ، كل الدول التي استقبلتهم وصل إليها السوري الذي فر بحياته لينجو من الهلاك والموت على أيدي أسوأ نظام عرفته البشرية في الزمن الحالي.
ما حصل بعد ذلك كان تحولاً لافتاً ومهماً؛ فبالإضافة إلى قصص المآسي والكوارث الإنسانية التي تدمع العين، وينفطر لها القلب، هناك قصص نجاح أقل ما يقال عنها إنها مبهرة وباعثة للأمل لآلاف السوريين حول العالم، الذين تمكنوا من تحويل الحزن واليأس إلى أمل، والتغلب على ظروف القهر بالجدية والعمل، لينسجوا قصصاً رائعة من التفوق والتميز في كل المجالات من الصناعة للفنون، ومن الطهي إلى الأدب، ومن التجارة إلى الغناء، وكافة أشكال التميز.
لقد أصبح السوري اليوم في دول مثل مصر والسودان والأردن وألمانيا والسويد وتركيا وكندا واليونان وغيرها من الدول، مضرباً للمثل في الأمانة والجودة والخدمة والالتزام، دون أن يكون «عالة» على المجتمع الموجود فيه. إنه الضعف الذي يُولد القوة، والحياة التي تخرج من رحم الموت، والأمل الذي يأتي بعد اليأس.
هناك جيل سوري جديد يتكون في المهجر، يكوِّن قيماً ومعاني وأهدافاً فيها اعتماد على النفس نتاج تجربة قاسية ومريرة وصعبة، وهذا الجيل تحرر من قيود الخوف والذعر والقلق والتخوين التي كانت تهيمن على أفكاره تحت مظلة حكم الأسد المرعب... هذا الجيل الذي يتسلح بالعلم والمعلومات والاطلاع، واتساع الآفاق، وزيادة الاحتكاك والتجربة، لم يعد هو نفسه الذي خرج من سوريا وهو في حالة رعب وخوف غير عادي. هذا الجيل الكبير عدداً وحجماً وروحاً قادر على التغيير في سوريا، وهو تماماً مثل الذي حصل مع الصينيين والهنود والأرمن في المهجر؛ إذ تمكن جميعهم من تغيير أنظمة وقوانين وأساليب الحياة في بلادهم، وكشف الممارسات المريبة والخاطئة التي كانت تتم في السابق.
الوجود العددي الكثيف للهجرة السورية تحوَّل في الكثير من الحالات إلى عامل ذي قيمة مضافة اقتصادية، لا يمكن الإقلال منها، ولا الاستخفاف بها، وبالتالي بالتدريج تحول إلى قوة «ناعمة» مؤثرة (الأردن، والسودان، ومصر، وتركيا كنماذج) تحتسب على الاقتصاد الكلي وتكملة في هذه الدول وغيرها.
قد يكون ضرباً من الخيال وحتى الجنون أن نرى في القبح جمالاً، وبالتالي نرى الإيجابية التي من الممكن أن تنتج من وضع السوريين في المهجر، ولكن دورات التاريخ والعبر المستنتجة منه تعلمنا ذلك، ولا بد من الاتعاظ بها ومنها.
الجينات السورية قوية، وهي مبرمجة سلفاً على البقاء والنجاح في وجه كافة أنواع المخاطر مهما صعبت، ولذلك رهاني على السوري في المهجر ليكون أهم وسائل التغيير في بلاده.