الانفجار الروسي ـ الإيراني
بخلاف ما هو شائع ومعروف، فإن الدخول الروسي الواسع من بوابة القوة العسكرية إلى القضية السورية في أواخر عام 2015، لم يتم بموافقة نظام الأسد فقط، إنما أيضاً بموافقة إيرانية. ففي ذلك الوقت، كانت إيران قد أحكمت قبضتها على نظام الأسد، وصارت القوة المقررة في سياساتها وعلاقاته، وصاحبة النفوذ الأكبر في قصر المهاجرين وفي قلب المؤسستين الأمنية - العسكرية للنظام، وفي الواقع الميداني، كان الإيرانيون بقواتهم والميليشيات التابعة لهم، التي استقدموها من لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها، قوة السيطرة الرئيسية، وقوة الدفاع عن النظام، وخصوصاً في دمشق ومحيطها، حيث كان جيش النظام وأجهزته الأمنية منهكين بالانشقاقات والتشتت وضعف الموارد البشرية والمادية، وقد ترددت عشرات التصريحات الصادرة عن مسؤولين إيرانيين وقادة ميليشياتها، وخصوصاً من حزب الله، بأنهم منعوا سقوط نظام بشار الأسد في مواجهة الحراك الشعبي والقوة المسلحة، لكنهم ومع قرب نهاية عام 2015، وجدوا أنفسهم في حالة عجز عن الحفاظ على مناطق سيطرة النظام وحمايته من السقوط، فقرروا بالتفاهم مع النظام استدعاء الروس إلى سوريا، وبقية التفاصيل معروفة.
إن حاجة الإيرانيين لدخول روسيا العسكري إلى سوريا، كانت حاجة عاجلة وضرورية، وكلتاهما جعل طهران تتجاوز أخطار تمكن روسيا في سوريا من مصالحها، وربما كان ذلك جزءاً من رؤية إيرانية، خلاصتها أن موسكو لا تستطيع منافستها في ضوء الاشتغال الإيراني العميق والطويل النفس، والذي أنتج تسللاً إيرانياً إلى بنية الدولة والمجتمع في سوريا، وبناء وجود لها في الفضاءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكان من نتائجها موجة من التشييع ومؤسسات ثقافية وخدمية ذات طابع طائفي، وعلاقات مصلحية مع نخبة النظام في المؤسسات المختلفة.
غير أن تطورات القضية السورية في الجانبين السياسي والميداني، والوزن السياسي والعسكري لروسيا، دفع موسكو نحو تعميق حضورها في سوريا شعبياً ورسمياً وسط عوامل مساعدة بينها الإرث الإيجابي للعلاقات السوفياتية - السورية، ووجود روسيا خارج إطار الصراع الشيعي - السني الذي تذكيه طهران في البلاد وبين سكانها، وتجنب روسيا الدخول في التفاصيل اليومية لحياة السوريين سواء أكانوا من مؤيدي النظام أو المحسوبين على المعارضة إلى جانب استعداد الروس - ولو نظرياً - للانفتاح والتواصل مع المعارضة السورية.
لقد عكس حليفا نظام الأسد الروس والإيرانيون، رغم تقارب موقفهما في الدفاع عن الأسد ونظامه، نمطين مختلفين من التوجهات والسياسيات والممارسات في الواقع، وفي العلاقة مع السوريين، مما تسبب في حساسيات متبادلة، واحتكاكات أدّت في بعض الأحيان إلى تصادمات، سعى الطرفان ألا يذهبا إلى نهاياتها بحكم المصالح المباشرة والتحديات المشتركة القائمة.
وقد ساهمت المتغيرات السياسية والميدانية في العامين الأخيرين في زيادة الشق بين إيران وروسيا في سوريا، بالتزامن مع تنامي العداء الإقليمي والدولي للدور الإيراني في المنطقة، إذ كرست إيران تدخلات عنيفة ومعلنة ومباشرة كما في اليمن والعراق، إضافة إلى تدخلاتها عبر صنائعها من الميليشيات في لبنان والعراق وحلفائها من حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، مما أثار ردة عربية، ولا سيما في الخليج ضدها قبل أن تنضم الولايات المتحدة وإسرائيل إلى معارضة التمدد الإيراني وأدواته، وصار من الصعب على روسيا تغطية السياسات الإيرانية وحماية أدواتها، وخصوصاً وقواعدها في سوريا بمواجهة هجمات حليف روسيا الإسرائيلي وفي الحملة الإعلامية - الدعائية للولايات المتحدة، الدولة الأقوى في العالم ضد إيران وميليشياتها.
ومما زاد في أهمية متغيرات العامين الأخيرين في التباعد الروسي - الإيراني، رغبة موسكو في الوصول إلى حل في سوريا يحقق مصالحها، وهو أمر صار أكثر قرباً من وجهة النظر الروسية في ضوء جملة حقائق من بينها قبول أميركي بدور روسي محوري في الحل السوري، وسكوت أوروبي - إقليمي، وتفاهم تركي - روسي، وكله شجع الروس على إعلان ضرورة خروج كل القوى الأجنبية بما فيها إيران وميليشياتها، إذا كان ذلك يساعد في الحل السوري، مما استدعى إعلان إيران رفضها المغادرة بحجة وجودها بناء على موافقة نظام الأسد.
وكان من الممكن تجاوز هذا التطور في الخلافات الإيرانية - الروسية، واعتباره تطوراً عارضاً لولا ثلاثة أمور وثيقة الصلة، أولها رفع الحماية الروسية عن قواعد إيران ومعسكرات ميليشياتها، مما كان يحميها ولو نسبياً من الهجمات الأميركية - الإسرائيلية، والثاني استبعاد إيران وميليشياتها من المنطقة الجنوبية بناء على إصرار إسرائيلي في ألا يكونا في المنطقة ضمن اتفاق حولها، والثالث إجبار ميليشيات حزب الله على الانسحاب من منطقة القصير، حيث أكبر قواعد حزب الله في سوريا وأهمها، مما دفع حسن نصر الله زعيم حزب الله لإعلان رفض ميليشياته الخروج من سوريا، وهو بمثابة إعلان انفجار في علاقات إيران وروسيا.