الاتفاق التركي-الأمريكي في منبج ومستقبل الملف السوري
وأخيراً تم الوصول إلى اتفاق مع أمريكا في خصوص منبج، وقد أُصدر بيان يشير إلى أن هذا الحل يتشكّل من ثلاثة خطوات رئيسة، وبناء على ذلك ستكون الخطوة الأولى هي انسحاب بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية من منبج، والثانية هي عودة الشعب المهجّر إلى دياره، ونهايةً سيتم تشكيل إدارة إقليمية وتسليمها لأهل المنطقة.
استمرت تركيا في تقديم هذه الأطروحة لحكومة ترامب لمدة سنة كاملة، كما أشارت خلال هذه المدة إلى التعاون من أجل إعادة الشعب المهجّر على أيدي التنظيمات الإرهابية إلى ديارهم، واستغرقت أمريكا فترةً طويلةً للاقتناع بهذه الأطروحة، لكن في نهاية المطاف تمكّنت الدولتين التركية-الأمريكية من الاتفاق في نقطة مشتركة.
إن الاتفاق الذي تم الوصول إليه بين أنقرة وواشنطن يحتوي على مادّتين رئيستين، الأولى هي أن هذا الاتفاق كامل الرسمية وليس مجرّد عهود مقدّمة بين الأطراف، أي إن نتائج وتفاصيل هذا الاتفاق قابلة للتدقيق والإثبات في المستقبل، وكذلك تم الاتفاق في خصوص العمل المشترك بين الحكومتين التركية-الأمريكية في الساحة خلال جميع مراحل هذا الاتفاق، وذلك يشير إلى أننا سنرى خطوات مشتركة بين الجهات العسكرية والمدنية التابعة لتركيا وأمريكا في الأراضي السورية خلال الفترات المقبلة.
أما المادّة الثانية فتتعلّق بالقاعدة العسكرية الأمريكية الموجودة في منبج، إذ تُشتهر هذه القاعدة بتقديم الدعم اللوجستي لوحدات الحماية الشعبية بشكل مباشر، وبالتالي تشير تفاصيل الاتفاق إلى أن أمريكا ستقطع الدعم عن بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي في الساحة السورية وخصوصاً في منبج.
كانت مسألة دعم واشنطن للتنظيمات الإرهابية التي تهدّد أمن الحدود التركية تمثّل الخلاف الأكبر بين تركيا وأمريكا، وكذلك تشكّل خطراً كبيراً على مسار العلاقات السياسية الموجودة بين الحكومتين، وبالتالي يبدو أن أمريكا تعود للتحالف مع تركيا مرةً أخرى.
من الواضح أن أطراف هذا الاتفاق تسعى إلى بداية جديدة على الصعيد السياسي من خلال هذا الاتفاق، وفي هذا السياق فإن تركيا ستتولّى مهمة إدارة التنظيمات الإسلامية المتطرفة ومنع تمركزها في الجوار التركي، وبذلك تبقى مهمّة إدارة التنظيمات الكردية المسلّحة على عاتق أمريكا.
يبدو أن الاتفاق المذكور أشبه بنموذج جديد يحمل تأثيراً مباشراً تجاه مستقبل القضية السورية، قد يكون هذا الاتفاق خطوة بسيطة كبداية، لكن من الممكن أن يفتح باباً جديداً لتوسيع نطاق التحالف التركي-الأمريكي في الأيام المقبلة، وإن النجاح في توسيع نطاق التحالف المذكور يعني تحديد تصميم جديد للمستقبل السوري.
إن الأمر الأهم في تصميم المستقبل السوري الجديد يتعلّق باتفاق موسكو وواشنطن في البداية، وفي هذا السياق تشير التطورات الأخيرة إلى اتفاق الدولتين الروسية-الأمريكية على ضرورة ضبط العوامل الغير حكومية كخطوة أولى، وكذلك قد تم الاتفاق في خصوص استمرار الأطراف في إدارة علاقاتها الشخصية مع نظام الأسد في المناطق التي تقع تحت تأثيرها.
وبناء على ذلك يمكن القول إن روسيا وأمريكا قد وصلت لنقطة مشتركة في خصوص الوجود الإيراني في الساحة السورية أيضاً، إذ اتفقت روسيا وإسرائيل مؤخراً في المسألة ذاتها، وينص مضمون هذا الاتفاق على دفع الميليشيات الإيرانية للانسحاب إلى الحدود الجنوبية السورية، إلى نحو الحدود الإسرائيلية القريبة من مدينة الجولان المحتلّة، كما لا تعارض إسرائيل على إدارة نظام الأسد للمناطق المتفرّغة نتيجة انسحاب القوى الإيرانية.
يشير وصول أمريكا وتركيا، وروسيا وإسرائيل إلى اتفاق في خصوص أمن حدودهم إلى اتفاقهم في خصوص مستقبل القضية السورية أيضاً، إذ سيتم الحد من التأثير الإيراني في الساحة السورية، وسيكون نظام الأسد مرتبطاً بروسيا بشكل مباشر، وستتم حماية حقوق الشعب السوري المضطهدة على أيدي نظام الأسد من قبل أمريكا.