"بين الألم والأمل.. سطور من حياة السوريين" ( 3 )|| .. فرحة أول راتب تكللت بخطف أخي ومشاكل أمنية في القرية
"بين الألم والأمل.. سطور من حياة السوريين" ( 3 )|| .. فرحة أول راتب تكللت بخطف أخي ومشاكل أمنية في القرية
● تقارير إنسانية ١٠ أبريل ٢٠٢٥

"بين الألم والأمل.. سطور من حياة السوريين" ( 3 )|| .. فرحة أول راتب تكللت بخطف أخي ومشاكل أمنية في القرية

دائماً الأمور في أولها يكون لها جمال خاص ورونق مميز ومكانة خاصة في القلب، الحب الأول، العمل الأول، اللقاء الأول، الراتب الأول، التجربة الأولى. لما تحملُ من تفاصيل تبقى محفورة في الذاكرة وقريبة من القلب. كلُ الناس يفرحون براتبهم الأول ولهم قصة جميلة معه، إلا أنا يرتبط بأكثر ذكرى مرعبة عاشتها أسرتي.

أولُ عمل زاولته خلال مسيرتي المهنية كان مع منظمة إنسانية، فحصلت على عقد منشطة دعم نفسي ضمن فريق جوال يزور المدارس في قريتنا والقرى التي حولها. كنت سعيدة جداً بهذه الفرصة لاسيما أنها الأولى لي، إضافة إلى ذلك أنه سنحت لي الفرصة للعمل بسن صغير وأنا لم أتخرج بعد. عدا عن كوني بحاجة ماسّة إلى العمل خاصة في ظل ظروف الحرب التي كنا نعاني منها. لم يستوعب عقلي من الفرحة عندما الموارد البشرية أرسلت لي رسالة القبول، فطرت من فرط سروري.

أذكر أن عقدي بدأ حينها بأواخر ثلاثة أيام من شهر آب عام 2016، وبعد نهاية شهر أيلول الذي تلاه اقترب موعد أول راتب لي في مسيرتي المهنية. كنت متحمسة جداً لهذه اللحظة التي أحصدُ فيها نتيجة دراستي، وأتحولُ من شخص مستهلك إلى شخص منتج، من طالبة تأخذ مصروفها من عائلتها، إلى أخرى تعطيهم. فصرتُ أخطط ماذا سوف أشتري هدايا لأفراد عائلتي والأشخاص الذين دعموني مادياً خلال رحلتي الدراسية. لتصبح قائمة الأشياء التي نويت شرائها طويلة وتحتاج رواتب ثلاثة شهور معاً. 

لكن الشخص الذي نشأَ في ظروف الحرب، ومرّتْ أهم مراحل حياته فيها، من الطبيعي أن تفسد فرحته بأهم المواقف والمناسبات بحياته. فتزامن قدوم راتبي مع اختطاف شقيقي من قبل فصيل عسكري، لأنه كان يعمل مع فصيل آخر دخل معه بخلاف مما أدى إلى وقوع معركة بينهما، وكل فريق أسر أشخاص من الآخر، وكان من بينهم شقيقي.

عشتُ أسبوعاً كاملاً مع عائلتي على أعصابنا، ننتظر إيجاد حلّ بين الطرفين، ونخافُ من وقوع مكروه للأسرى. حينها أتى راتبي الأول، ذهب لاستلامه بخطوات مترددة، لم أعدّه ولم اهتم له، تركته داخل الظرف ولم أفتحه، فأعطيته لأمي فور وصولي إلى المنزل، ودخلت غرفتي أبكي وحيدة على شقيقي الذي من الممكن أن يقتل بأي لحظة. 

نمت فرأيت في حلمي مجموعة من العساكر الذين يرتدون زي عسكري أخضر قادمين إلى حارتنا، فوقفوا بجانب المنزل وأنزلوا أخي وهو ملفوف بالقماش الأبيض فذعرتُ في آخر المنام من المشهد الذي رأيته. فاستيقظت من الحلم خائفة جداً. لكنني صرتُ أقنع نفسي أن تفسيره جيداً، لما فيه من دلالات جيدة. فيما بعد تم حلّ الخلاف بين الفصيلين وأُطلق سراح الأسرى، وعاد أخي إلى المنزل سالماً.

مع أن تلك المشكلة انتهت، ومرَّ عليها تقريبا تسع سنوات، لم أشفى من فوبيا أول راتب، في أي مكان جديد أعمل فيه أخاف عند استلام أول راتب من حصول مشكلة أو مكروه.

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ