فرنسا تكسر “درع الحصانة”: كيف وصلت قضية الأسد إلى أخطر مرحلة قضائية منذ سقوطه؟
فرنسا تكسر “درع الحصانة”: كيف وصلت قضية الأسد إلى أخطر مرحلة قضائية منذ سقوطه؟
● أخبار سورية ١٠ ديسمبر ٢٠٢٥

فرنسا تكسر “درع الحصانة”: كيف وصلت قضية الأسد إلى أخطر مرحلة قضائية منذ سقوطه؟

قال فضل عبد الغني، مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في مقال نُشر عبر موقع الجزيرة نت، إن مسار السعي إلى تحقيق المساءلة عن الفظائع الواسعة التي ارتُكبت خلال الحرب في سوريا ظلّ طوال سنوات يصطدم بعقبات قانونية عميقة في بنية النظام الدولي، خصوصاً عندما يكون المتهم رئيس دولة يتمتع بحصانة سيادية. وفي هذا الإطار، برزت الحملة القضائية الفرنسية الممتدة ضد الإرهابي الفار بشار الأسد بوصفها تطوراً نوعياً غير مسبوق في هذا المجال.

وأوضح عبد الغني أن هذه الحملة بدأت كتحقيقات أولية رفعتها منظمات حقوقية وناجون من الهجمات الكيميائية، ثم تطورت تدريجياً لتصل إلى إجراءات مباشرة، انتهت بإصدار مذكرات توقيف دولية تخترق عملياً ونظرياً المبادئ التقليدية للحصانة السيادية. 


وفق "عبد الغني" شكّل انهيار نظام الأسد في نهاية عام 2024 نقطة تحوّل حاسمة؛ إذ أدى فقدانه حصانته الشخصية بعد الإطاحة به وهروبه إلى روسيا، بالإضافة إلى التطورات الفقهية التي رسّخها القضاء الفرنسي، إلى خلق بيئة قانونية غير مسبوقة لإمكانية محاكمة رئيس دولة سابق عن جرائم ضد الإنسانية.

وأشار عبد الغني إلى أن تفعيل الإنتربول للمذكرات الصادرة بحق الأسد يجعلها نافذة في 191 دولة، ما يخلق - نظرياً - آلية عالمية قد تؤدي إلى توقيفه وتسليمه في حال غادر الأراضي الروسية. لكنها في الوقت ذاته تفرض عليه عزلة دولية صارمة، أشبه بـ"القفص الذهبي".

من الشكاوى التحقيقية إلى الملاحقة المباشرة
يشير عبد الغني إلى أن المسار القضائي ضد الأسد شهد صعوداً وهبوطاً متتاليين. فقد بدأت الإجراءات بشكاوى حقوقية تتعلق بهجمات كيميائية، لكن مبدأ الحصانة الشخصية حال دون تقدم تلك الملفات. وفي عام 2023، حاول القضاء الفرنسي إصدار مذكرة توقيف رغم بقاء الأسد في السلطة، إلّا أن محكمة النقض ألغتها التزاماً بالقانون الدولي الذي يمنع ملاحقة رئيس دولة أثناء ولايته مهما كانت فظاعة الجرائم.

ومع سقوط النظام البائد في ديسمبر 2024، تغيرت المعادلة جذرياً. فقد اختفى الغطاء القانوني الذي وفرته الحصانة الشخصية، ما سمح بإصدار "مذكرة أكتوبر 2025" الأكثر قوة وإمكاناً للتنفيذ، وهي خطوة نقلت الملف من الإدانة الرمزية إلى المقاضاة الجوهرية الفعالة.

الحصانة الشخصية والحصانة الوظيفية: تفكيك آخر دفاعات الأسد
يوضح عبد الغني أن التطور الأبرز في الفقه القضائي الفرنسي تمثّل في التمييز الواضح بين نوعين من الحصانة: الحصانة الشخصية: تحمي الرؤساء أثناء توليهم المنصب من أي ملاحقة خارجية، وتسقط تلقائياً بخروجهم من السلطة، وهو ما حدث مع الأسد، والحصانة الوظيفية: تمنح المسؤولين السابقين حماية عن الأعمال التي نفذوها بوصفهم ممثلين للدولة.

لكن - وفق كاتب المقال - أسست سابقة أديب ميالة التي صدرت في تموز 2025  لمبدأ مفصلي: الجرائم الدولية الكبرى، مثل الهجمات الكيميائية، لا تُعدّ أفعالاً رسمية للدولة ولا يجوز حمايتها بالحصانة الوظيفية، وبناءً على ذلك، يصبح الأسد قابلاً للملاحقة القضائية على أفعاله رغم خروجه من السلطة، لأنه لا يمكن توصيف جرائم الإبادة والقصف الكيميائي بأنها "وظائف دولة مشروعة".

إطار قضائي مزدوج: الاختصاص العالمي والشخصية السلبية
تعتمد الإجراءات الفرنسية على ركيزتين قانونيتين: اختصاص الشخصية السلبية: وجود ضحايا سوريين يحملون الجنسية الفرنسية، والولاية القضائية العالمية: التي تسمح لفرنسا بملاحقة الجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية مرتكبيها.

ويضاف إلى ذلك ميزة مهمة في النظام القضائي الفرنسي: إمكانية المحاكمة الغيابية حتى دون حضور المتهم، ما يجعل محاكمة عام 2027 محطة محورية في توثيق الجرائم وتثبيت المسؤوليات.

إستراتيجية تتجاوز رأس النظام: رسم خريطة سلسلة الأوامر
يشير عبد الغني إلى أن فرنسا لا تلاحق الأسد وحده، بل تعتمد أيضاً نهجاً يعرف بـ"التحقيق الهيكلي"، يهدف إلى تفكيك شبكة القيادة التي أدارت الجرائم، من ضباط الفرقة الرابعة إلى مسؤولي مركز الدراسات والبحوث العلمية المرتبط بتطوير البرنامج الكيميائي. وهذا يتيح إنشاء ملفات قابلة للمحاسبة بحق شخصيات أقل حصانة وأكثر عرضة للتوقيف.

خاتمة: سابقة عالمية تعيد تعريف العدالة الدولية
يؤكد عبد الغني أن الحملة القضائية ضد الأسد تمثل قطيعة مع عقود من "فجوة الحصانة" التي حالت دون مساءلة قادة متورطين في الفظائع. فبفضل تلاقي سقوط النظام والتطور القانوني الفرنسي، أصبح الطريق مفتوحاً نحو أول محاكمة شاملة لرئيس سوري سابق عن الجرائم الكبرى التي ارتكبت بحق الشعب السوري.

ويرى أن محاكمة عام 2027 لن تكون مجرد إجراء جنائي، بل اختباراً لمدى قدرة القضاء الوطني على أداء دور بديل عن المحاكم الدولية المشلولة سياسياً. كما أنها ستشكّل وثيقة تاريخية كبرى تساهم في تثبيت الحقيقة وتعزيز مبدأ العدالة الذي ناضل السوريون من أجله طويلاً.

وختَم عبد الغني مقاله بالتأكيد أن هذه السابقة القضائية الفرنسية قد تُعيد صياغة قواعد العدالة الدولية، وأنها خطوة مركزية على طريق مساءلة مرتكبي الجرائم الفظيعة في العالم—not just في سوريا.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ