
عمال سوريون في شركة برقة الليبية يناشدون لإغاثتهم: وعود زائفة ومعاملة لا إنسانية
أطلق مئات العمال السوريين والعرب العاملين في شركة "برقة" للمقاولات في مدينة بنغازي شرق ليبيا، صرخة احتجاج بسبب تأخر رواتبهم لأكثر من أربعة أشهر، وسط ظروف معيشية صعبة وتقييد حريتهم في التنقل داخل مواقع العمل.
الشركة الممولة من صندوق إعمار درنة، باتت في صلب أزمة إنسانية، حيث تشير شهادات العمال إلى انتهاكات جسيمة تشمل تخفيض الرواتب، سكن غير إنساني، وتهديدات بغرامات مالية كبيرة، فيما يتم احتجاز جوازات سفرهم لمنعهم من العودة إلى بلادهم، بحسب ما كشفه تحقيق موسّع أجرته منصة "السويداء 24".
عملية احتيال ممنهجة
وكان كشف موقع "السويداء 24" في وثائق نشرها ضمن تحقيق العام الفائت، عن تورط شركة سورية تُدعى "الأيادي الذهبية" في نقل العمال من سوريا إلى ليبيا، بموجب عقود ووعود كاذبة. يتضح أن الشركة يترأسها رجل الأعمال محمود عبد الإله الدج، الذي صدرت بحقه أحكام إعدام من السلطات الليبية في قضايا تهريب مخدرات، وهو أيضاً مدرج على قوائم العقوبات الأمريكية والأوروبية.
كان العمال قد تعرّفوا على "الأيادي الذهبية" عبر إعلانات وهمية نُشرت على وسائل التواصل، تتحدث عن فرص عمل نظامية برواتب تصل إلى 600 دولار شهرياً، وسكن لائق، وتأمين صحي، لكن الواقع جاء مخالفاً تماماً.
ظروف أقرب لمعسكرات الاعتقال
في شهاداتهم، وصف العمال مساكنهم بـ"المهاجع الجماعية القذرة"، مؤكدين أن الطعام المقدم لهم غير صالح للاستهلاك، وفي بعض الحالات ظهر فيه ديدان. كما تحدثوا عن تقييد حركتهم، وفرض رقابة مشددة عليهم، إلى جانب رفض السماح لهم بالعودة إلى بلادهم أو التقدم باستقالاتهم تحت طائلة دفع غرامات تصل إلى 40 مليون ليرة سورية.
ورغم توقيع العقود في سوريا بإشراف السفارة الليبية في دمشق، إلا أن شركة "برقة" أنكرت لاحقاً مسؤوليتها عنهم، واعتبرت أن مكتب التوظيف السوري هو المسؤول الوحيد، الأمر الذي أدى إلى انهيار اتفاق العمل.
احتجاجات وقمع
نظم العمال السوريون مظاهرات احتجاجية داخل مقرات الشركة، طالبوا خلالها بصرف مستحقاتهم وتحسين ظروفهم. لكن الرد جاء بالقمع، إذ أفاد شهود عيان بأن الشرطة الليبية وأفراد أمن اقتحموا سكنهم ليلاً، واعتدوا عليهم بالضرب والشتائم، وأُصيب عدد منهم بجروح وكسور. كما جرى اعتقال بعضهم بشكل تعسفي.
شبكة توظيف غير شرعية
تُظهر التحقيقات أن العاملين دفعوا مبالغ تصل إلى 250 دولاراً في سوريا، مقابل "تأمين فرصة العمل"، بالإضافة إلى توقيعهم على عقود تحوي بنوداً جزائية مجحفة تُجبرهم على الاستمرار بالعمل تحت التهديد.
شركة "برقة"، بحسب مصادر مطلعة، تتولى تنفيذ مشروع لإعادة بناء 2000 وحدة سكنية في مدينة القبة بتمويل من صندوق إعمار درنة التابع للاستثمار العسكري الليبي. ومع عزوف العمالة المحلية عن العمل في ظل الظروف الصعبة، تم التعاقد مع عمال من الجزائر والمغرب وسوريا، دون مراعاة أدنى شروط العمل الإنساني.
انتهاك يصل إلى مستوى "الاتجار بالبشر"
توثّق هذه الوقائع، حسب منظمات حقوقية، مؤشرات على جريمة "الاتجار بالبشر"، بما في ذلك الاحتيال، الاحتجاز، التهديد، وسلب الحقوق، في انتهاك واضح للمعايير الدولية.
ويناشد العمال السوريون الجهات الحقوقية والمنظمات الدولية التدخل العاجل لوقف هذه الممارسات، وتأمين عودتهم الآمنة إلى بلادهم، في حين يتجه عدد منهم إلى رفع دعاوى جماعية ضد شركة التوظيف في دمشق، محمّلين السلطات السورية والليبية المسؤولية الكاملة عمّا آلت إليه أوضاعهم.