بين مطالب الإفراج عن المتورطين بالجرائم… وصرخة الضحايا: لن ننسى ما فعلوه بنا
يطالب أهالي جنود النظام البائد الذين اعتُقلوا بعد سقوط الأسد بالإفراج عن أبنائهم، رغم تورّط العديد منهم في انتهاكات موثّقة بحق السوريين خلال سنوات الثورة، وضلوعهم في جرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في السجون والبلدات والمدن التي ثار أهلها ضد النظام.
وخلال الأسابيع الماضية، ظهرت احتجاجات ومطالبات متكررة من عائلات هؤلاء الموقوفين، إلى جانب ظهور عدد من أقربائهم على منصات التواصل الاجتماعي في محاولات لاستدرار التعاطف، معتبرين أن أبناءهم اعتُقلوا بلا ذنب. إلا أن ملفات التحقيق والصور والفيديوهات وشهادات الضحايا تُظهر رواية مختلفة، وتؤكد ضلوعهم في جرائم موثّقة.
في المقابل، يتمسّك أهالي الضحايا والناجون من السجون بضرورة محاسبة جميع المتورطين، ويشدّدون على أن العدالة لا يمكن أن تتحقق ما لم يُحاسَب كل من شارك في التعذيب والقتل والقصف وترويع المدنيين. فهؤلاء العناصر كانوا جزءاً من آلة القمع التي دعمت الإرهابي الفار بشار الأسد، ومارست أبشع الانتهاكات ضد السوريين، ووثّق كثير منهم جرائمه بالفيديو، وتباهى بمشاركته في القتل والتنكيل ونبش القبور.
ويرى متابعو مواقع التواصل الاجتماعي أن المقارنة بين معاناة أهالي معتقلي النظام البائد وبين مأساة عائلات معتقلي الثورة غير منصفة. فأهالي عناصر النظام يعرفون أين يوجد أبناؤهم، ويستطيعون زيارتهم أو توكيل محامٍ للدفاع عنهم، كما أنهم غير مهددين أمنياً لأن أبناءهم يخضعون لإجراءات قضائية رسمية في الدولة الجديدة.
أما أهالي معتقلي الثورة، فقد عاشوا سنوات طويلة لا يعلمون فيها ما إذا كان أبناؤهم أحياء أم أمواتاً، ولم يكن يجرؤ أحد منهم على السؤال خوفاً من الاعتقال. آلاف العائلات دفعت مبالغ طائلة بحثاً عن معلومة واحدة حقيقية، ولم يصلها أي رد. كثير منهم لم يتسلم حتى الآن إلا صوراً لجثامين أحبّتهم، من بين آلاف الصور التي سربها “قيصر”، أو شهادات ناجين تحدثوا عن التعذيب، والتجويع، والإذلال، والاغتصاب، والحرمان من العلاج، وكلها انتهاكات موثّقة تُدين القتلة وتكشف فظاعة ما جرى داخل السجون.
إن الفارق بين الحالتين ــ كما يؤكد السوريون اليوم ــ يعكس حجم المأساة التي خلّفها نظام الأسد البائد، ويؤكد أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تبدأ إلا بالاعتراف بالجرائم ومحاسبة مرتكبيها، وصون كرامة الضحايا، وعدم خلط أوراق الجلاد بالضحية. فالمجتمع السوري الذي عانى طويلاً يدرك أن بناء المستقبل يتطلب إنصاف الذين ظُلموا، لا تبرئة من شارك في الظلم.