
بين الألم والعزلة: متضررو الحروق في سوريا يبحثون عن التعافي والقبول
يُعاني الآلاف من المصابين بالحروق خلال فترة الحرب في سوريا، من ندوب لاتزال مستمرة، باتت جزءاً من واقعهم الصحي، تتطلب جهود حكومية جادة لمعاينة واقع هؤلاء والنظر في مشكلاتهم التي يواجهون، وطبيعة علاقتهم بالمجتمع المحيط، بسبب التشوهات التي تعرضوا لها والآثار النفسية والجسدية التي خلفتها.
ويُشكل عامل الفقر والظروف الاقتصادية القاسية، عائقاً أمام تلق الرعاية الطبية لكثير من هؤلاء المصابين، إذ لم يتمكنوا من تلقي العلاج أو الخضوع لعمليات الترميم، فبقيت آثار الحروق ندوباً دائمة ترافقهم في تفاصيل حياتهم اليومية.
لم تقتصر معاناة هؤلاء على الألم الجسدي، بل امتدت إلى نظرات الآخرين التي تحمل نفوراً، وإلى المرايا التي تُعيد إليهم لحظة الاحتراق كلما نظروا إليها، وبالرغم أن الحروق ليست ظاهرة جديدة، إذ ارتبطت منذ القدم بظروف طارئة وحوادث مختلفة، فإن الحرب أوجدت أسباباً جديدة لتفاقمها، وجعلت الوصول إلى علاجها تحدياً شبه مستحيل.
ومن أبرز تلك الأسباب القصف الذي انتهجه نظام الأسد وحلفائه، لاسيما باستخدام الأسلحة الحارقة، علاوة عن حوادث احتراق خيم النازحين، لأسباب متنوعة، منها جراء انفجار البطاريات الموصولة بألواح الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى وسائل التدفئة والطهي البدائية التي تم الاعتماد عليها في المخيمات بسبب الفقر وعدم وجود بدائل أرخص.
ومن أقسى القصص التي سجلها النزوح، قصة الطفلة دلال، التي تعرّضت لحروق مروّعة قبل سنوات في أحد مخيمات إدلب، وغطّت تفاصيلها صحيفة سكاي نيوز البريطانية، كانت حينها في عمر 18 شهراً فقط، ونُقلت إلى مستشفى على الحدود التركية وهي في حالة ميؤوس منها.
وأشارت الطبيبة كاغاتي ديميرسي، التي أشرفت على حالتها، بحسب ما ذكرت الصحيفة، إلى أن الطفلة كانت محروقة بالكامل، وأصابعها فكانت سوداء، وكذلك أنفها وأذناها، لقد كانت مثل الفحم. كما فقدت شعر رأسها بالكامل، وامتدت النيران حتى البصيلات، ما يعني أن شعرها لن ينمو مجدداً بشكل طبيعي، حتى وإن تجاوزت هذه المحنة وتماثلت للشفاء.
وبحسب دراسات طبية فإن علاج الحروق التي تسبّبت بتشوّهات دائمة يتطلب خطة شاملة تشمل الجراحة الترميمية، مثل زرع الجلد أو إزالة الندوب، إلى جانب العلاج الفيزيائي للحفاظ على حركة المفاصل ومنع الانكماشات. كما يُستخدم اللباس الضاغط للحد من تشكّل الندوب البارزة، ويُرافق ذلك دعم نفسي لمساعدة المريض على التكيّف مع أثر الحرق اجتماعياً ونفسياً. ويُعدّ التغذية الجيدة والرعاية المستمرة من العوامل الأساسية في تسريع الشفاء وتحسين جودة الحياة.
لطالما شعر الأهالي بالعجز وهم يرون أبناءهم في مثل هذه الحالات، غير قادرين على مواصلة طريق العلاج الذي يتطلّب تكاليف باهظة، من مراجعات دورية لدى طبيب الجلدية، إلى جلسات الليزر، وغيرها من الإجراءات التجميلية التي تُحدَّد بحسب طبيعة الحرق ودرجته.
وذكر عدد من الأشخاص الذين قابلناهم أنهم حاولوا طلب المساعدة لعلاج أبنائهم المصابين، من خلال المنظمات العاملة في منطقتهم، لكنهم تلقّوا إجابات تفيد بأن الخدمات المطلوبة خارج نطاق أنشطة تلك الجهات. بعضهم لجأ إلى منصات التواصل الاجتماعي لإطلاق نداءات استغاثة، في محاولة للتخفيف قدر الإمكان من أثر الحروق.
يُعدّ الأشخاص الذين أصيبوا بحروق في مناطق من أجسادهم يمكن إخفاؤها، أكثر حظًا مقارنةً بمن كانت إصابتهم في وجوههم، حيث لا مجال لتجاهل تلك الآثار أو الهروب من نظرات الآخرين، خاصة أنهم كان لهم نصيب الأكبر بالتنمر من قبل البعض في الوسط المحيط.
تفاوتت الآثار السلبية التي عانى منها المصابون بالحروق تبعاً للفئة العمرية التي ينتمون إليها؛ فقد واجه الأطفال صدمة مبكرة نتيجة خوف أقرانهم منهم ورفضهم اللعب معهم بسبب مظهر الحرق غير المألوف، ما ترك أثراً موجعاً في نفوسهم وشعوراً بالنبذ والعزلة. أما الشباب والشابات، فواجهوا تحديات مختلفة، أبرزها صعوبة إيجاد شريك حياة يقبل بوضعهم، خاصة من كان حرقهم بارزاً لا يمكن إخفائه.
يبقى المصابون بالحروق في مواجهة قاسية لا تقتصر على آلام الجسد، بل تمتد إلى نظرات الاشمئزاز والخوف التي تعمّق جراحهم النفسية، وتدفعهم نحو العزلة والانطواء. ومع عجز الكثير من الأهالي عن تأمين العلاج المناسب لأبنائهم، يصبح الاحتواء والدعم المجتمعي ضرورة لا بد منها، لا مجرّد خيار. فهؤلاء بحاجة ماسّة إلى من يمدّ إليهم يد التفهّم والرحمة، كي يتمكنوا من تجاوز محنتهم، واستعادة حياتهم بعيدًا عن النبذ أو الإقصاء.