أطفال بلا هوية في سوريا: مأساة "مجهولي النسب" بين الإهمال والنبذ الاجتماعي
أطفال بلا هوية في سوريا: مأساة "مجهولي النسب" بين الإهمال والنبذ الاجتماعي
● أخبار سورية ١ يوليو ٢٠٢٥

أطفال بلا هوية في سوريا: مأساة "مجهولي النسب" بين الإهمال والنبذ الاجتماعي

أدت الحرب في سوريا إلى ازدياد في انتشار حالات العثور على أطفال مجهولي النسب في مناطق متفرقة من البلاد، دون التمكن من معرفة أي معلومات عن عائلاتهم أو الأسباب التي دفعت إلى التخلي عنهم، رغم ما يحيط بهم من مخاطر وتحديات في بيئة شديدة القسوة.

ورغم غياب بيانات دقيقة أو إحصاءات رسمية ترصد حجم هذه الظاهرة، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي تنشر بشكل متكرر قصص مؤلمة لأطفال يُعثر عليهم أمام المساجد، أو في الحدائق العامة، أو حتى على قارعة الطريق، وتكرار هذه المشاهد يشير إلى أن الظاهرة باتت حاضرة بشكل واضح.

وجود هؤلاء الأطفال يعكس واقعاً مأساوياً يعيشه المجتمع السوري، ويطرح أمامه مسؤولية إنسانية ملحة تتطلب استجابة فورية وتكاملاً في الجهود من أجل حمايتهم وضمان الحد الأدنى من حقوقهم الأساسية. فحياة مجهول النسب تبدأ بسلسلة من المخاطر والتحديات، تمتد منذ لحظة ولادته وحتى وفاته، في غياب أي سند أو حماية.

غالباً ما يكون هؤلاء الأطفال في ساعاتهم الأولى بعد الولادة، مما يجعلهم عُرضة للخطر؛ فبعضهم يُلقى في حاويات القمامة، ما يعرّضهم للإصابة بأمراض جلدية وتنفسية خطيرة، فيما يُترك آخرون في أراضٍ زراعية نائية، بعيداً عن أعين الناس، ليواجهوا مصيراً مجهولاً. وهناك من لا يُكتب له النجاة، فيموت جوعاً، أو تنهش جسده الحيوانات، دون أن ينتبه إليه أحد.

تشير دراسات طبية إلى أن الساعات الأولى بعد الولادة تُعد من أدق مراحل حياة الطفل، حيث يكون في وضع صحي حساس يتطلب مراقبة مستمرة ورعاية طبية دقيقة. ففي هذه الفترة يواجه حديثو الولادة تحديات تتعلق بالتنفس، وتنظيم الحرارة، ومستويات السكر في الدم، ما يجعل التخلي عنهم أو رميهم خارج بيئة آمنة يُعرضهم لخطر مباشر قد يؤدي إلى الوفاة أو مضاعفات صحية دائمة.

ولا تنتهي معاناة مجهولي النسب عند التخلي عنهم في ظروف يكتنفها الغموض والخطر، بل تمتد تداعياتها لتلاحقهم في مراحل حياتهم اللاحقة، خصوصاً إذا لم يحظوا بأسرة تتكفل برعايتهم وتمنحهم الحد الأدنى من الحب والحنان الذي افتقدوه بغياب الأبوين. وغالباً ما يكون البديل عن الأسرة هو الإقامة في دور الرعاية أو المياتم، التي رغم محاولاتها تقديم الرعاية الأساسية، تبقى عاجزة عن تعويض الطفل نفسياً وعاطفياً عمّا خسره في بداياته.

يعيش الطفل مجهول النسب أسير سؤال يتكرر يومياً في ذهنه عن هوية عائلته، ويغمره شعور بالحسرة والعجز عند مواجهته لأبسط المشاكل، إذ يفتقد من يسانده ويقف إلى جانبه. يتعايش مع أعباء الضعف المستمر والقلق والتوتر والخوف، إضافة إلى الشعور بالرفض والنبذ من المجتمع. وعندما ينضج ويبدأ في إدراك حقيقة وضعه، يغمره شعور بالخزي والعار لمجرد كونه مجهول الهوية، مما يثقل كاهله بمآسي نفسية عميقة.

استنادًا إلى قصص رصدناها، يخسر الأطفال اللقطاء فرصهم في التعليم، ما يجعلهم أكثر عرضة للتسول أو الانزلاق نحو عالم الجريمة مع تقدمهم في العمر. وحتى إذا تمكنوا من الحصول على أعلى الشهادات العلمية ومارسوا أرقى المهن، يبقى لقب "اللقيط" ملازماً لهم، يرافق اسمهم كوصمة اجتماعية.

 ويرجع ذلك إلى طبيعة المجتمع السوري المحافظ، حيث يربط كثير من الأهالي بين موضوع اللقطاء والعلاقات غير الشرعية التي تقع خارج إطار الزواج، مما قد يدفع بعض العائلات إلى الامتناع عن تزويج بناتهم منهم.

يحتاج الأطفال مجهولي النسب إلى دعم وحماية حقيقية من المجتمع المحيط بهم، ليتمكنوا من العيش بكرامة ومساواة بعيدًا عن دائرة النبذ والوصم الاجتماعي. ويتطلب ذلك جهودًا مكثفة في توعية المجتمع حول كيفية التعامل معهم بمسؤولية وإنسانية، إلى جانب تعزيز دعم دور الرعاية التي تؤويهم، والعمل على سرعة الإبلاغ عن أي حالات العثور عليهم لضمان تقديم العناية والرعاية اللازمة التي تقيهم مخاطر الهجر والإهمال.

الكاتب: فريق العمل - سيرين المصطفى
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ