بعد "الاحتفاظ بحق الرد"... جيش الأسد يتبع تكتيكات جديدة بـ "إعادة الانتشار والتموضع"
بدأ نظام الأسد عبر "وزارة الدفاع والقيادة العامة للجيش" باتباع سياسة جديدة في تسويق هزائمه عبر نهج "إعادة التموضع والانتشار"، لتبرير الهزائم التي أمني بها أمام تقدم الثوار في عموم مناطق سوريا، بعد أن انتهج لعشرات السنين سياسة "الاحتفاظ بحق الرد" على انتهاك سيادتهم من كل القوى الدولية دون استثناء.
وخلال المعارك الدائرة في عموم مناطق سوريا، وفي سياق تبرير حالة الهزيمة والانسحاب تحت ضربات الثوار من كل القوى والمكونات العسكرية شمال وجنوبي سوريا، بدأ نظام الأسد يتبع سياسة إعلامية جديدة عبر بياناته الصادرة عن وزارة الدفاع والقيادة العامة للجيش، لتكون عبارة "إعادة التموضع" بديلاً مجملاً للهزيمة النكراء التي أمني بها.
ولم يعد يجد "جيش النظام" المنهار أمام تقدم الثوار في حلب وإدلب وحماة وحمص ودرعا والسويداء، أي خيار إلا المراوغة أمام مواليه، من خلال إصدار بيانات خجولة، تتحدث عن "إعادة التموضع والانتشار" بدأ في حلب ومن ثم إدلب، ولاحقاً في حماة، وليس أخيراً في درعا والسويداء، مبرراً هذا الانتشار الجديد في سياق حماية المدنيين كما يزعم.
وفي الوقت الذي يدعي فيه نظام الأسد خروجه من المدن الرئيسية التي كان وقع هزيمته فيها كبيراً، يروج لـ "إعادة الانتشار والتموضع" وأنه خرج من المناطق السكنية لحماية السكان، لكن سرعان مايكذب نفسه بأخبار القصف ونشر الموت عبر الطائرات والقذائف في استهداف المناطق التي زعم خروجه منها لحماية أهلها.
وارتكب نظام الأسد خلال الأسابيع التي تلت بدء معركة "ردع العدوان" وسابقاً، عشرات المجازر في المناطق التي كان يسيطر عليها قبل "إعادة التموضع والانتشار" ولانتطرق للمناطق الخارجة عن سيطرته سابقاً والتي لم يوقف قصفه عنها طيلة السنوات الماضية.
ونستذكر مجازر عدة راح ضحيتها مئات المدنيين بقصف مناطق أعلن النظام الخروج منها و"إعادة التموضع" لحماية أهلها لكنه قصفهم بالطيران الحربي، منها مجزرتي دوار الباسل ومشفى الجامعة بمدينة حلب والتي راح ضحيتهما أكثر من 100 شهيد، ومجازر السفيرة التي قدمت أكثر من 20 شهيداً، ومجازر في أحياء مدينة حماة، علاوة عن المناطق التي خرج منها في ريف حمص أبرزها تلبيسة، ولم يتوانى جيش الأسد عن قصف جسر الرستن الاستراتيجي بعد انسحابه وإعادة تموضعه خارج المنطقة.
وكانت أعلنت "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة" التابعة لنظام الأسد، إعادة الانتشار والتموضع لقواتها العسكرية في جيش النظام، في محافظتي "درعا والسويداء"، معلنة بذلك خروج المحافظتين عن سيطرة النظام بالكامل، على غرار حلب وإدلب وأجزاء كبيرة من محافظة حمص.
وطيلة عقود طويلة من حكم عائلة الأسد في سوريا، ومنذ سقوط "الجولان" السوري بيد قوى الاحتلال الإسرائيلي، يتغنى نظام الأسد بـ "محور المقاومة والممانعة" ورغم الانتهاكات التي باتت يومية لسيادته في دمشق وكل مناطق سوريا من قبل الطيران الإسرائيلي، يعلن الأسد مراراً أنه "سيعيد الجولان" لكنه يتلزم في تصريحاته بـ "الاحتفاظ بحق الرد" والتي باتت سنة بارزة لرد النظام على إسرائيل، بيما يوجه آلته الحربية منذ 14 عاماً لقتل الشعب السوري وتدمير مدنه.
وكانت أعلنت فصائل "جيش سوريا الحرة" في منطقة التنف، اليوم السبت 7 كانون الأول 2024، بدء تحركها العسكري في منطقة البادية السورية شرقي حمص، وشن هجمات ضد مواقع النظام، بالتوازي مع المعارك الدائرة على مشارف مدينة حمص الشمالية، وخروج محافظتي درعا والسويداء عن سيطرة النظام، في مشهد يبدو أنه سيفضي إلى تضييق الخناق وفرض حصار شامل على مركز العاصمة دمشق.
ويبدو أن المشهد بات يتوضح تباعاً مع توسع رقعة العمليات العسكرية على حدود العاصمة دمشق، بعد وصول فصائل "إدارة العمليات العسكرية" إلى محافظة حمص، وتمكن فصائل الجنوب والسويداء من السيطرة على محافظتي درعا والسويداء، وبتحرك فصائل التنف المدعومة أمريكياً، يبدو أن العاصمة دمشق على أبواب حصار شامل من كل الاتجاهات.
ويُشكل سيطرة الفصائل الثورية على محافظة حلب ومن ثم إدلب وحماة ودرعا والسويداء، مرحلة جديدة في سياق الحرب الدائرة في سوريا على مدار سنوات، بعد أن كانت قوات الأسد وميليشيات إيران قد سيطرت عليها بعد معارك استمرت لأشهر طويلة، وبقيت حصينة وبعيدة عن مرمى قوى الثورة لسنوات، فجاءت معركة “ردع العدوان” لترسم خارطة جديدة في عموم سوريا، وتعطي الأمل لقوى الثورة في إمكانية استعادة الحقوق وإعادة روح الثورة.
ولايبدو الموقف الدولي في صف الأسد بالمطلق، حتى أن حلفائه روسيا وإيران باتوا في موقف المتفرج نسبياً، إذ لم تقدم روسيا ذلك الدعم والموقف الحقيقي سياسياً وعسكرياً، رغم مشاركة طائراتها في القصف، كما أن ميليشيات إيران شهدت انهياراً كلياً وغابت عن المشهد الفاعل لها، ولم تتحرك أي من الدول الصديقة للأسد لتحقيق أي ضغوطات أو التفاوض حتى لوقف العملية العسكرية التي يبدو أنها ستقترب من حدود دمشق وتهدد الأسد في العاصمة.