
العلاقات العاطفية في العصر الرقمي ومخاطر الوقوع في فخ الاستغلال والابتزاز
مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والأجهزة الذكية، وتطبيقات المراسلة والتعارف، ظهر ما يُعرف بـ"الحب الإلكتروني"، حيث عاش آلاف الأشخاص علاقات حب من خلال هذه المنصات، تختلف في مدتها ونهاياتها؛ فبعض القصص كانت قصيرة، وأخرى طويلة، منها ما تُوّج بالزواج، ومنها ما انتهى بنهايات صعبة أو مؤلمة إلى حدٍّ ما.
انتشر هذا النوع من العلاقات في معظم المجتمعات، بما في ذلك المجتمع السوري، وقد اختلفت الآراء حوله؛ فبينما رأى البعض فيه سلبيات واضحة، وجد آخرون فيه إيجابيات بناءً على تجاربهم الشخصية. وفي هذا المقال، سنستعرض بعضاً من هذه الإيجابيات والسلبيات، استناداً إلى قصص قمنا برصدها خلال عملنا على هذا الموضوع.
وأكد أشخاص تحدثنا معهم أن الحب الإلكتروني يتمتع بعدة مميزات، أبرزها أنه يمنح الأفراد خصوصية في علاقاتهم، بعيداُ عن أعين الآخرين. وقد وجد الأشخاص الخجولون والانطوائيون في هذا النوع من الحب مساحة آمنة ومريحة، خاصة أولئك الذين يواجهون صعوبة في بدء علاقات في الواقع.
كما رأى البعض أن تطبيقات التواصل والمراسلة توفر سهولة كبيرة في التعارف والتواصل، إذ تتيح الفرصة للتعرف على أشخاص من ثقافات ومناطق مختلفة، بسرعة ودون الحاجة للتواجد الفيزيائي، إلى جانب عدم الشعور بالخجل عند تعرض أحد الطرفين للرفض.
بينما يشدد آخرون أنه، وعلى الرغم من وجود بعض الإيجابيات في الحب الإلكتروني، فإن السلبيات تفوقها، وقد تصل أحياناً إلى درجة الخطورة. فالشكوك حول المصداقية تشكّل أحد أبرز المخاطر، إذ إن الشخص لا يعرف بالضرورة هوية الطرف الآخر الذي يتحدث معه؛ هل هو ذكر أم أنثى؟ من أي خلفية ثقافية أو دينية؟ وغيرها، هذا الغموض يخلق حالة من عدم الأمان، ويجعل العلاقة هشّة وغير مستقرة.
وقد تعرّض بعض الأشخاص بالفعل للاحتيال العاطفي والمادي، حيث خُدعوا من قبل أطراف استغلوا مشاعرهم إما بغرض التسلية أو بهدف الابتزاز المالي والنفسي، وقد سُجّلت مثل هذه القصص بين شباب سوريين، سواء داخل سوريا أو في المهجر، ما يعكس خطورة هذا النوع من العلاقات عندما يُبنى على الثقة العمياء.
إضافة إلى ذلك، تواجه كثير من العلاقات الإلكترونية صعوبة حقيقية عند الانتقال إلى أرض الواقع؛ فليس كل ما يبدو جميلاً في العالم الافتراضي ينجح بالضرورة في الحياة الواقعية، وقد تتضارب الشخصيات عند اللقاء الفعلي، وتظهر اختلافات لم تكن واضحة أثناء التواصل الرقمي.
كما أن التواصل مع أشخاص من ثقافات مختلفة قد يكشف فجوات كبيرة في طريقة التفكير أو القيم، ما يؤدي إلى صدامات يصعب تجاوزها في بعض الحالات، مما يفرض على الشخص أن يكون حذراً ويفكر ملياً قبل الدخول في علاقة بشكل جدي.
ويحذّر مختصّون اجتماعيّون مستخدمي منصّات التواصل الاجتماعي من مشاركة المعلومات الشخصية الحساسة، مثل العنوان، الوضع المالي، وأي تفاصيل دقيقة عن حياتهم، خاصة في مراحل العلاقة الأولى. كما يشدّدون على ضرورة التحقق تدريجياً من هوية الطرف الآخر قبل الانتقال إلى علاقات أعمق أو لقاءات واقعية.
وينصح المختصّون أيضاً بأهمية التريث وعدم الانجرار بسرعة وراء المشاعر أو الوعد بعلاقة دائمة، مع تخصيص الوقت الكافي للتعرف على الطرف الآخر بشكل آمن. كما أكّدوا على ضرورة الحفاظ على العلاقات الواقعية بعيداً عن الاعتماد الكامل على الحب الإلكتروني، ووضع حدود واضحة للعلاقة، خاصة فيما يتعلّق بالتواصل، وتبادل الصور والمعلومات، لتجنّب الوقوع ضحية الاستغلال.
الحب الإلكتروني، سواء في سوريا أو في أي مجتمع آخر، لم يعد ظاهرة جديدة أو أمراً يمكن للمرء أن يتفاجأ عند حدوثه، بل أصبح نوعاً معتمداً من طرق التعارف وبناء العلاقات. ومع ذلك، يحمل هذا النوع من العلاقات بعض السلبيات التي يجب الحذر منها بشكل جيد تجنباً للتعرض للاستغلال والابتزاز وغيرها من المخاطر.