
إجلاء مئات المدنيين من السويداء إلى درعا وسط تصاعد التحذيرات من التهجير القسري وتدهور الأوضاع الإنسانية
انطلقت مساء يوم الأربعاء قافلة مؤلفة من ست حافلات من محافظة السويداء باتجاه محافظة درعا، وعلى متنها أكثر من 500 مدني تم إجلاؤهم في إطار الاتفاق الذي توصلت إليه وزارة الداخلية السورية، وذلك بعد تصاعد التوترات الأمنية في المحافظة.
وذكرت وكالة سانا في السويداء أن عملية الإجلاء جاءت بعد جهود متواصلة لإخراج المدنيين الراغبين في مغادرة المدينة مؤقتًا، لحين تأمين أوضاعهم وتهيئة ظروف العودة الآمنة إلى منازلهم.
تحذيرات حقوقية من غموض الاتفاق
وكان عبّر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، عن قلقه حيال الغموض المحيط باتفاق الإجلاء، مطالبًا بعقد مؤتمر صحفي رسمي للكشف عن تفاصيله، وأكد أن غياب الشفافية يثير مخاوف من احتمال وقوع حالات تهجير قسري بحق العائلات العشائرية.
وأوضح عبد الغني، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، أن شرعية الإجلاء تعتمد على طبيعته القانونية، مشددًا على أنه إذا تم من دون ضمانات للعودة، يُعد تهجيرًا قسريًا مخالفًا للقانون الدولي، أما إذا جرى بموافقة العائلات المتضررة، وكان مؤقتًا وهادفًا إلى حمايتها، فإنه يكون قانونيًا بشرط إتاحة العودة لاحقًا.
عائلات الجذور العميقة.. وحقوق مهددة
لفت عبد الغني إلى أن عائلات العشائر التي شملها الإجلاء ليست مجرد رحّل أو نازحين، بل هم أصحاب بيوت وعلاقات اجتماعية عميقة في المنطقة، مما يستوجب تقديم ضمانات واضحة بشأن مستقبلهم، ومنع انتهاك حقوقهم الأساسية.
وشدّد على ضرورة أن تتحمل الحكومة السورية وكافة الأطراف المعنية مسؤولياتها تجاه هذه العائلات، من خلال توفير الأمن، وتأمين احتياجاتهم الأساسية، وتقديم الدعم الإنساني الكامل، داعيًا إلى نشر نص الاتفاق للرأي العام لتقييمه قانونيًا وضمان الشفافية.
حصيلة دامية للأحداث في السويداء
وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 558 شخصًا في محافظة السويداء خلال الفترة من 13 تموز/يوليو 2025 وحتى تاريخ صدور بيانها، من بينهم 17 سيدة (إحداهن تُوفيت بأزمة قلبية بعد سماع نبأ مقتل حفيدها)، و11 طفلًا، إلى جانب 6 من أفراد الطواقم الطبية، بينهم ثلاث سيدات، واثنين من العاملين في المجال الإعلامي.
كما سُجلت إصابة أكثر من 783 شخصًا بجروح متفاوتة، على خلفية اشتباكات عنيفة بين فصائل محلية ومجموعات عشائرية، ترافقها قصف متبادل وغارات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع في المحافظة، ما فاقم من تعقيد المشهد الأمني والإنساني.
ضحايا من جميع الأطراف والتحقيقات مستمرة
وأوضحت الشبكة أن الحصيلة تشمل مدنيين ومقاتلين من المجموعات البدوية والفصائل المحلية الخارجة عن سيطرة الدولة، إضافة إلى عناصر من قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع التابعة للحكومة الانتقالية السورية، مع استمرار التحقيقات لتحديد الجهة المسؤولة عن كل حالة.
كما بيّنت الشبكة أنها لا توثّق مقتل المسلحين في سياق الاشتباكات المسلحة، وإنما تركز على ضحايا القتل خارج نطاق القانون، مثل الإعدامات الميدانية أو تصفية المعتقلين، كونها تمثل انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان.
دعوات لضبط استخدام القوة وفتح الممرات الإنسانية
دعت الشبكة الحكومة السورية إلى الالتزام بالمعايير الدولية في استخدام القوة والامتناع عن القصف العشوائي في المناطق السكنية، مشددة على ضرورة فتح ممرات إنسانية عاجلة، وتسهيل إيصال المساعدات والإغاثة الطبية، وتأمين دعم نفسي خاص للأطفال والنساء.
كما طالبت بفتح تحقيقات شفافة في الانتهاكات الحاصلة، مع ضرورة تحييد المنشآت المدنية الحيوية، كالمدارس والمستشفيات ودور العبادة، ومنع استخدامها لأغراض عسكرية، ودعم مبادرات التهدئة المحلية بمشاركة الزعامات المجتمعية والدينية.
التحذير من الخطاب الطائفي ودعوة للتهدئة
أشارت الشبكة إلى خطورة تصاعد الخطاب الطائفي والتحريضي على وسائل الإعلام ومنصات التواصل، داعية إلى ترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وضمان الشفافية في الإجراءات الأمنية، مع إشعار السكان مسبقًا بأي تدابير قد تمس حياتهم اليومية.
الإعلام والدعم المجتمعي مسؤولية جماعية
أكدت الشبكة أهمية دور الإعلام المحلي في تغطية الوقائع بمهنية وتوازن، ودعت إلى تقديم الدعم الكامل لعائلات الضحايا، عبر تعويضات عادلة، وبرامج للعدالة الانتقالية، وتكثيف حملات التوعية في حقوق الإنسان والتسامح، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
دعوة لوقف النار واعتماد الحوار
في ختام بيانها، ناشدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان جميع الأطراف المنخرطة في الصراع بمحافظة السويداء الالتزام الكامل بالقانون الدولي الإنساني، ووقف الأعمال الانتقامية، واحترام أرواح المدنيين، واعتماد الحوار كسبيل وحيد لتسوية الخلافات.
وشدّدت على ضرورة التعاون مع جهود الوساطة الرسمية والمجتمعية، وتسهيل وصول المساعدات، واحترام دور القيادات المحلية في احتواء التصعيد، ووقف نشر خطابات الكراهية، مؤكدة أن استمرار العنف يهدد بفتح جراح جديدة تتطلب تحركًا فوريًا وجادًا.