
منظمات حقوقية تدعو لنشر تقرير "مجازر الساحل" كاملاً وتطالب بمحاسبة شاملة لكل المتورطين
دعت مجموعة من المنظمات المدنية والحقوقية، في بيان مشترك، الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، السيد أحمد الشرع، إلى نشر التقرير الكامل للجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، باستثناء الملاحق السرية، مع عرض الخطوات العملية التي ستتخذها الحكومة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات من مختلف الأطراف، باعتبار ذلك أساسًا لتحقيق العدالة والإنصاف للضحايا، وترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وشدد البيان على أن إتاحة التقرير للعلن يمثل خطوة مفصلية في إعادة بناء الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، كما يكرّس الاعتراف الرسمي بالانتهاكات المرتكبة، ويسهم في ترسيخ الحق في الوصول إلى الحقيقة لجميع السوريين، لا سيما المتضررين من النزاع، بوصفه أحد الحقوق الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي.
وأكدت المنظمات أن الشفافية في تقديم المعلومات حول الانتهاكات، وتفاصيل السياقات التي سمحت بوقوعها أو سهّلت استمرارها، هو السبيل الأول لتفكيك إرث العنف، وبداية حقيقية لمحاسبة الجناة وضمان عدم تكرار المآسي. كما دعت الحكومة إلى المضي قدماً في إجراءات المساءلة المؤسسية، والاعتراف الصريح بنتائج التقرير، والالتزام العلني بتنفيذ التوصيات كافة.
وطالب البيان الحكومة الانتقالية باتخاذ جملة من الخطوات العاجلة، أبرزها إرفاق نشر التقرير باعتراف رسمي بنتائجه، وتحديد خطة مفصلة وواضحة لكيفية التعاطي مع الانتهاكات الموثّقة فيه، والمباشرة فورًا بتطبيق التوصيات الواردة في التقرير، ووضع خطة إحالة شاملة للجناة إلى القضاء، دون استثناء أو تمييز، مع إطلاق إصلاحات مؤسساتية تُنهي حالة الإفلات من العقاب، مع ضمان محاكمات عادلة وشفافة لجميع المتورطين، ضمن إطار قضائي مستقل ومحايد، ينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ولفتت المنظمات إلى أن ما جرى في الساحل يُعدّ من اللحظات الحرجة في مسار التحول الديمقراطي الهش في سوريا، حيث أدى إلى تصدع مجتمعي خطير، مشيرة إلى أن الأوضاع الراهنة في السويداء تنذر بتكرار السيناريو الدموي ما لم تُتخذ خطوات حاسمة في الكشف عن الحقيقة وإنفاذ العدالة.
وأكد البيان أن التعامل الجاد مع ملف "مجازر الساحل" سيساهم في ترسيخ سيادة القانون وبناء مؤسسات دولة قادرة على حماية مواطنيها دون تمييز، مشددًا على أن استمرار مظاهر التسلح العشوائي وغياب المحاسبة يعوق تحقيق أي تسوية سياسية حقيقية أو استقرار دائم.
وقد وقّعت على البيان مجموعة واسعة من المنظمات الحقوقية والضحايا، من بينها: البرنامج السوري للتطوير القانوني، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، النساء الآن للتنمية، اليوم التالي، المركز السوري للعدالة والمساءلة، حملة من أجل سوريا، دولتي، دار عدالة، منصة تأكد، محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان، مجموعة السلم الأهلي (سين)، ميثاق حقيقة وعدالة، مبادرة تعافي، رابطة تآزر للضحايا، ائتلاف أهالي المختطفين على يد داعش (مسار)، عائلات من أجل الحرية، رابطة عائلات قيصر، ورابطة عائلات للحقيقة والعدالة.
وسبق أن كشف المتحدث باسم اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق الخاصة بأحداث الساحل السوري، ياسر الفرحان، أن قرار عدم الإعلان عن أسماء المشتبه بتورطهم جاء عقب مشاورات طويلة داخل اللجنة، مؤكدًا أن نشر الأسماء علنًا قد يخرق حقوق المتهمين، وقد يسيء لمن قد يثبت لاحقًا أنه بريء، أو يدفع المشتبه بهم إلى التواري عن الأنظار، أو يعرضهم وعائلاتهم لأعمال انتقامية.
أوضح الفرحان خلال لقاء مع تلفزيون سوريا أن كل التجارب المقارنة والنصائح الحقوقية تشير إلى عدم إعلان أسماء المشتبه بهم قبل استكمال الإجراءات القضائية، مبيّنًا أن صون السمعة والضمانات القانونية للمتهمين أولوية في عمل اللجنة، وأن أي كشف متعجل قد يُستغل سياسيًا أو اجتماعيًا على نحو يعرّض العدالة للخطر.
وكانت أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، نتائج عملها بعد أربعة أشهر من التحقيقات، مشيرة إلى أن الأحداث بدأت في السادس من آذار الماضي بهجمات واسعة نفذتها مجموعات مسلحة مرتبطة بنظام الأسد السابق، تُعرف إعلاميًا بـ”الفلول”، وأسفرت عن مقتل 238 عنصرًا من الجيش والأمن، إضافة إلى سقوط مئات الضحايا من المدنيين.
وأكد التقرير أن بعض الانتهاكات ارتُكبت خارج نطاق الأوامر الرسمية، وشملت تشكيل عصابات للنهب وانتحال صفات أمنية، بدوافع ثأرية غير أيديولوجية. كما أشار إلى وجود ارتياح نسبي من الأهالي تجاه سلوك عناصر الأمن العام، مقابل انتقادات لسلوك بعض الفصائل والمجموعات غير المنضبطة.
وأكدت اللجنة أن الدولة بذلت جهودًا حثيثة للحد من الانتهاكات، وأن درجة عالية من الانضباط لوحظت في سلوك عناصر الأمن العام، غير أن سيطرة الدولة الفعلية كانت جزئية أو منعدمة خلال الأحداث، بسبب حالة الفراغ الأمني الناتجة عن حل جيش النظام السابق، مشيرة إلى أن اندماج الفصائل ضمن هيكلية وزارة الدفاع لا يزال جزئيًا وشكليًا في بعض الحالات.
ودعت اللجنة في ختام تقريرها إلى استكمال بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية، ومواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، وتسريع إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، وإطلاق برامج جبر الضرر وتعويض الضحايا، إضافة إلى مراجعة قرارات التعيين والتسريح السابقة.