فيلم دعائي لرديف الهيئة بـ "رواية هوليودية".. "شيطنة أبو ماريا" والتمجيد بصون الثورة وحمايتها
برواية تتبع أسلوب الخيال العلمي، وتقود المتابع لأفلام الأكشن في هوليود أو الأفلام الهندية، سرد الإعلام الرديف لـ "هيئة تحرير الشام" ضمن فيلم دعائي، قصة "عمالة أبو ماريا القحطاني"، القيادي البارز سابقاً ورفيق درب قائدها "أبو محمد الجولاني"، ليحوله الفيلم لـ "الشيطان والعميل الأكبر" في سياق سياسة الـ "شيطنة" دأب إعلام الهيئة على اتباعها في محاربة كل خصم.
وفي الفيلم الذي حمل عنوان "أخطر اختراق للثورة السورية منذ انطلاقها (مخطط العملاء والجواسيس)"، نشرته قناة "مراقب المحرر" التي أُسست قبل قرابة شهر من اليوم، وتندرج ضمن الإعلام الرديف لهيئة تحرير الشام، كانت تركز بشكل لافت على مهاجمة القياديين "أبو ماريا القحطاني وأبو أحمد زكور"، في سياق الحرب الإعلامية التي شنتها ضدهم عبر مواقع التواصل.
بدأ الفيلم الدعائي، بالتذكير تاريخياً بما واجهته "الثورة السورية" من تحديات - (حين لم يكن للهيئة أي وجود وكانت جبهة النصرة من القوى الدخيلة على الثورة بقيادة الجولاني)-، وتحدثت عن اختراق الفصائل واغتيال قادة الثورة منهم قادة أحرار الشام وعبد القادر الصالح وآخرون..، كما هاجمت منصات المعارضة السياسية، ومؤتمرات "أستانا وجنيف" التي اتهمتها بتسليم المناطق التي كانت تخضع أصلاً لإدارة وسيطرة الهيئة.
أبو محمد الجولاني (وسط) وابو ماريا القحطاني (يسار) و جهاد عيسى الشيخ المعروف بأبو احمد زكور (يمين)
وسرد الفيلم سريعاً مخططات التسوية والتهجير، دون أن يتطرق لأي دور للهيئة (جبهة النصرة آنذاك)، بأي منها أو أن يُحملها مسؤولية "حملات البغي" التي شنتها على الفصائل الأخرى وإضعاف دورها، أو أي دور لها في انهيار تلك المناطق التي تعرضت للتهجير، محملة (العملاء المرتبطين بدول خارجية) مسؤولية تنفيذ المخطط، رغم أن قيادات الهيئة أنفسهم الذين يُهاجمهم المقطع الدعائي كانوا من أبرز قيادات الهيئة، وخرجوا ضمن تلك القوافل مع باقي الفصائل الأخرى.
وانتقل الفيلم الدعائي للإشادة بإنجازات الهيئة، وتكتل بعض القوى ضمن "غرفة عمليات الفتح المبين"، مهملاً مرحلة مهمة في تاريخ الثورة، وهي التي شنت فيها الهيئة (جبهة النصرة آنذاك)، إضافة لمكونات حاربتها لاحقاً (جند الأقصى والتركستان وغيرهم ...)، حملات البغي على أكثر من 30 فصيلاً من مكونات الثورة بتهم العمالة للخارج، وكان حينها "القحطاني وزكور" وعشرات القيادات من الهيئة نفسها على رأس حملات البغي تلك.
وساق الفيلم في سرديته ما أسماه "التطور المؤسساتي والتنظيم العسكري" على اعتبار أنها بديل عن مؤسسات النظام في مناطق الشمال السوري، مع تركيز بسيط على مواجهة الهيئة لمشروع تسليم المناطق ضارباً المثال في مقاومتها "شرقي سكة الحديد"، مع استعراض سريع لسقوط عشرات القرى والبلدات ضمن حملة عسكرية عنيفة بدأت عام 2019، قال إنها جاءت رداً على ضرب "الهيئة" لخلايا المصالحات، معتبراً (أن العدو لم يحقق فيها كامل هدفه)!!.
تلك الحملة التي سردها الفلم الدعائي سريعاً، هي التي خسرت فيها الثورة السورية، أكبر المدن والقلاع والطرق الدولية من خان شيخون جنوباً إلى معرة النعمان وكفرنبل وسراقب وبلدات ريف حلب الجنوبي والغربي شمالاً، وهي ذاتها التي قال "الجولاني" حينها أنها حصينة وعصية على العدو، قبل سقوطها تباعاً لحين ترسيم حدود أستانا والتي كانت الهيئة جزء كبير من تطبيق تلك الاتفاقية على أرض الواقع ولاتزال.
وتابع الفيلم في سرديته الحديث عن إعداد القوى الخارجية (مخطط لإنهاء الثورة السورية والقضاء على ساحة الجهاد في الشام)، ليبدأ الهدف الذي بنيت له هذه السردية الطويلة، في اتهام "أبو ماريا القحطاني" القيادي البارز في الهيئة ورفيق درب قائدها منذ 2012 حتى 2023، بأنه منفذ ذلك المخطط والمكلف بتطبيقه، في إغفال كامل لدوره طيلة 11 عاماً ضمن الهيئة ومشروعها، وإن صح ما يروج عنه، فإن هذا يُدين الهيئة نفسها بأنها مخترقة على أعلى مستوى قيادي منذ تأسيسها "جبهة النصرة" حتى اليوم.
وحوّل الفيلم الدعائي "أبو ماريا القحطاني" لـ "شيطان أكبر"، وبات المشرف على خطة استخباراتية دولية لإنهاء الثورة (وكأن الثورة تختصر في هيئة تحرير الشام فقط)، مع إغرائه باستلام حكم المنطقة، وتوجيهه من قبل ضباط استخبارات وأفراد متخصصين في علم النفس، لتجنيد الجواسيس، وأنه عمل على تنفيذ المخطط مستغلاً نفوذه في الهيئة، لم يتطرق لحجم الخدمات التي قدمها "القحطاني" للهيئة في بسط نفوذها شمال حلب أو أدواره السابقة في ملفات كبيرة وحساسة كان يتولاها بحصانة مطلقة.
وساق الفيلم الهوليودي عدداً من التهم التي قال إن "أبو ماريا القحطاني" تورط بها، أبرزها (شق صف الثورة وإسقاط رموزها، وبث الفتن بين كيانات الثورة، وشق الصف الداخلي للهيئة، والإيقاع بالشباب الأغرار لرصد المعلومات، وتجنيد العملاء لدى القادة وضمن الجهاز الأمني بتوجيه من المخابرات الدولية، وتزويدهم بالمعلومات بشكل مستمر)، ليتطرق لجانب من الحقيقة وهو أن "أبو ماريا" كان يقود "مشروع انقلابي" ضمن الهيئة، معتبرة أنه واجهة لتجميل المخطط الدولي وضمان تنفيذه.
وفي محاولة لتبرير حجم الاختراق الأمني الذي أحدثه "القحطاني"، اعتبر الفيلم أن المستهدف الأكبر ضمن المخطط المزعوم كان "جهاز الأمن العام"، لدور الأخير في كشف خلايا العملاء، ليقر الفيلم بتجنيد شخصيات أمنية وعسكرية، مؤكداً التقارير الإعلامية السابقة التي تحدثت عن اعتقالات وحالة إرباك كبيرة ضمن صفوف الهيئة، جراء حجم الاختراق الذي كشف عنه، هذا بحد ذاته يُدين الهيئة.
جهاز الأمن العام في ادلب التابعة لهيئة تحرير الشام
ويسرد الفيلم أسماء شخصيات قيادية في الهيئة كان جرى اعتقالهم ضمن حملة العملاء أو هدم امبراطورية "القحطاني" منهم (أبو عمر تلحدية - أبو مسلم آفس - أبو صبجي تلحدية)، إلا أن هذا المخطط - وفق السردية - كشفت بعد اعتقال أحد العملاء الهامين، والذي اعترف على عدد من العملاء وصولاً لـ "أبو ماريا القحطاني"، ليشكل "الجولاني" خلية أزمة لمتابعة القضية ويواجه بها "القحطاني" بعد اعتقاله، وتبدأ مرحلة اعتقال المتورطين بتجنيدهم وفق ما روى.
ولم يقف الفيلم الدعائي عند هذا الحد، بل ساق رواية عن "مخطط خفي" لم يكن العملاء أنفسهم حتى "القحطاني" يعلمون به، وهو - وفق سرديتهم - عملية تصفية لقادة الانقلاب بعد تنفيذه على رأسهم "أبو ماريا" من قبل المخابرات الدولية، على أن يتم التحضير لتسليم "مناف طلاس" المنطقة، وبدء التمهيد لتشكيل فيالق عسكرية بإشراف دولي، والتمهيد لدمجها في جيش النظام وإدخاله للمنطقة، بعد قتل وتحييد كل من يرفض المشروع.
واعتبر الفيلم، أن العقبة الأكبر أمام تنفيذ المخطط الهوليودي هو "هيئة تحرير الشام"، معتبراً أن "الهيئة" نجحت في إنقاذ الثورة السورية وساحة الجهاد في الشام من مهلكة خطيرة، لتوجه الاتهام المباشر لـ "المجلس العسكري السوري" وتذكر أسماء شخصيات بعينها منهم "أحمد خالد القناطري وأحمد السعود"، بالتنسيق مع مناف طلاس، وربط المجلس بمنصات القاهرة وموسكو، وبناء سردية لمشروع المجلس ومؤتمرة الذي عقده في عفرين العام الفائت، لاستقطاب الضباط وتمكين تحقيق المشروع بعد إنهاء الهيئة وفق تعبيره.
وختم الفيلم بالتأكيد على أن الهيئة نجحت في قطع المشروع الذي فشل في إنهاء من أسمته (أكبر كيان يحمي الثورة وساحة الجهاد الشامي) في إشارة لـ "هيئة تحرير الشام"، مع توجيه الاتهام للضباط المنشقين المتواجدين في ريف حلب الشمالي، بأنهم مستمرون في المشروع، في حين أن المجلس الذي تحدثت عنه الهيئة لم يكن له أي دور في المناطق التي جرى تسليمها وخسارتها أو تطبيق اتفاقيات أستانا وحماية الدوريات الروسية وكل التطورات التي شهدتها المنطقة وكانت الهيئة فعلاً أكبر فصيل نفذ وطبق تلك المشاريع الدولية ولاتزال.
وتعتمد الآلة الإعلامية لدى "هيئة تحرير الشام"، التي يقودها "أبو محمد الجولاني"، عبر السنوات الماضية على أذرع وقنوات وصفحات وحسابات عديدة بصفة إعلامية وحتى تجارية عرفت محلياً بـ"الإعلام الرديف"، الذي تحول فيما بعد إلى سلاح مهمته تصفية الخصوم إعلامياً وكذلك كان له دور حاسم في تمرير روايات الهيئة الرسمية، وترويجها بشكل كبير.
ومع تجدد الانقسامات والاعتقالات بين صفوف "هيئة تحرير الشام"، على خلفية الكشف عن تورط عدة شخصيات بالعمالة لصالح جهات معادية للثورة الأمر الذي أقر به "جهاز الأمن العام" بإدلب في تمّوز/ يوليو من العام الحالي، انحاز بعض مدراء هذه القنوات إلى صفوف قادتهم ما تسبب بنشوب حرب إعلامية من شأنها أن تفضح الكثير من الملفات، وفق مراقبين.
وكانت شنت قنوات تابعة للإعلام الرديف للهيئة خلال الشهر الفائت، هجوماً عنيفاً مدعوماً بسيل من التسريبات والاتهامات الكثيرة لكل من القياديين "أبو ماريا القحطاني وأبو أحمد زكور"، بعد أن تفرقت أهداف قيادات الهيئة، والكشف عن مخطط لـ "القحطاني" للانقلاب على "الجولاني" فكانت تهمة "العمالة" هي السهم الذي استخدمه "الجولاني" كما اعتاد، لإنهاء خصمه الجديد، وتوريطه بقضايا وملفات إن صحت فهو بالتأكيد شريك بها، ضمن مسيرة لهذه الشخصيات القيادية ضمن الهيئة لأكثر من عقد من الزمن.
ويندرج "الفيلم الدعائي" هذا ضمن ذات النهج القديم الحديث إن صح التعبير عنه، في عملية "شيطنة" متعبة قديماً منذ بدء الهيئة أول بغي ضد فصائل الثورة وخصومها، حيث تلجأ لترويج الاتهامات بالعمالة والجاسوسية والتخاذل ..، لتكون بداية إنهاء فصيل والانتقال لاحقاً لآخر، وصل الأمر للحلفاء الذين ساندوا "الجولاني" في حملاته ثم انقلب عليهم، ليصل الأمر اليوم لرؤوس الهيئة ذاتها والتي عمل على تحييد الكثير من قياداتها للتفرد في السلطة وتحييد شركائه في كسر إرادة الثورة، ومن ثم ادعاء تمثيلها.