بزخ ومتاجرة.. "يوتيوبرز" في إدلب واجهة إعلانية لتبييض ملايين الدولارات لصالح أمراء الحرب 
بزخ ومتاجرة.. "يوتيوبرز" في إدلب واجهة إعلانية لتبييض ملايين الدولارات لصالح أمراء الحرب 
● أخبار سورية ٢٥ يوليو ٢٠٢٤

بزخ ومتاجرة.. "يوتيوبرز" في إدلب واجهة إعلانية لتبييض ملايين الدولارات لصالح أمراء الحرب 

شُغلت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأشهر القليلة الماضية، بهالة كبيرة من التسويق الإعلامي لاستثمارات ضخمة طفت بشكل سريع في مناطق ريف إدلب، وكانت موضع انتقاد كبير، بعد تصدر شخصيات "يوتيوبرز" مُرحلة من تركيا، كواجهة لتلك الاستثمارات، رغم أن حجمها يوحي أن ورائها جهات أخرى، تتمتع بالسطوة والمال.

ويعتبر التسويق الإعلاني أحد أبرز الأدوات التي شاع انتشارها بشكل واسع على مواقع التواصل خلال الأعوام الأخيرة لاسيما بعد جائحة كورونا، وبات تصدر شخصيات معروفة في الفضاء المفتوح، لتلك الإعلانات موضع جذب للزبائن والعملاء، لكن الأمر تعدى لتملك تلك الشخصيات المشاريع وتبنيها على أنها ملكية خاصة بها.

يتساءل مواطن يعيش في خيمة قماشية، مهجراً منذ أعوام، عن مصدر تلك الأموال الضخمة التي تُصرف على مشاريع كبيرة في حجمها، ربما تحتاج سنوات طويلة لجمع مصاريف التأسيس التي تعدت مئات آلاف الدولارات بل وتصل أحياناً لأكثر من مليون ومليوني دولار، كون المجتمع في المنطقة لا يتمتع في غالبيته بقدرة شرائية تستطيع تحقيق الربح لتلك المشاريع.

وبالنظر إلى ما وراء الكواليس، أو خلف تلك المشاريع، تظهر جلياً أن ورائها شخصيات قيادية في فصائل منها "الجيش الوطني أو هيئة تحرير الشام" تكون نافذة، وتهيمن على مقدرات مالية ضخمة، تقوم بالاستثمار عبر تلك الواجهات الإعلامية، ليس هدفها تحقيق الربح، بل "تبييض أموالها" التي تجنيها بوسائل غير شرعية بالمطلق.

وأثارت طبيعة التسويق الإعلامي التي واكبت افتتاح تلك المشاريع من "مولات ومطاعم وكافيهات ... إلخ"، حفيظة الكثير من أبناء الحراك الثوري، وإظهار حجم البزخ في المنطقة، بأسلوب تسويقي مبتذل، يعني صورة مغايرة تماماً للواقع، وهذا أيضاً أحد الجوانب التي يتم العمل عليها في الخفاء، لإعطاء القوى المسيطرة بعداً إعلامياً بأن المنطقة تزدهر اقتصادياً، في وقت يتم التعتيم كلياً من قبل تلك الشخصيات على واقع المخيمات وحالة البؤس التي تعيشها على مسافة أمتار قليلة من تلك المولات والمطاعم.

ولم يقف الأمر عند حد تصدير شخصيات معروفة إعلامياً - رغم سيرتها السيئة أخلاقياً والتي لاتناسب طبيعة المجتمع السوري في المنطقة - بل تعدى ذلك لاستثمار وصولهم عبر مواقع التواصل، للترويج للإيجابيات في المنطقة، والدعوة لأصحاب رؤوس الأموال للنزول وإقامة المشاريع فيها، والتفاخر بالسيارات والمولات وأماكن الاصطياف، في مخالفة كاملة للواقع المأساوي و المناشدات اليومية عبر المنظمات والنشطاء لزيادة المشاريع والمساعدات وعدم تقليص الدعم عن المنطقة التي تعيش حالة مأساوية من الفقر وتردي الخدمات الأساسية منها التعليم والصحة وغيرها.

وبالعودة إلى عملية "تبييض الأموال"، فإنه الأمر ليس بجديد في المنطقة، فقد سبق أن نشرت شبكة "شام" العديد من التقارير التي تتحدث عن هيمنة "أمراء الحرب" وتحدثت عن أن مناطق شمال غرب سوريا، لاسيما المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام وحكومتها الإنقاذ، تشهد حالة غليان شعبية كبيرة، جراء الارتفاع الغير مبرر للأسعار والاحتكار من قبل تجار الحرب، وصل لقوت المدنيين في الخبز وتخفيض وزن الربطة وزيادة سعرها، في ظل تغاضي كامل عن حال المدنيين والتباهي ببعض الأعمال الخدمية هنا وهناك لإظهار عمل تلك الحكومة.

وكثيراً ما اشتكى التجار والصناعيين في مناطق شمال غربي سوريا من اتباع القوى المسيطرة سياسية ممنهجة تقوم على إرهاق التجار والصناعيين والفعاليات الاقتصادية بهدف إحكام قبضتها على القطاع الاقتصادي، بعد أن عملت على تعزيز نفوذها ومشاريعها الاستثمارية عن طريقة سياسة متبعة لإرهاق التجار وأصحاب رؤوس الأموال، عبر فرض رسوم وضرائب ضخمة، وسط انتقادات لهذه السياسية التي تزيد من احتكار سلطات الأمر الواقع لكل ما يمكن احتكاره.

وفي رصد تعليقات شريحة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر حالة من الاستياء من تصوير مشاهد البذخ التي وصلت إلى استعراض السيارات الفارهة، وموائد الأطعمة التي يستحيل على غالبية النازحين الحصول عليها، ويطالب كثير من أصحاب هذه التعليقات الكف عن استفزاز السكان.

وفي سياق موازٍ نشر "همام الضاهر"، أحد صنّاع المحتوى بإدلب، مقطع مصور رداً على "ترندات" تستخدم مشاهد البذخ في ترويج عبارات من قبيل "إنها ليست أوروبا بل إدلب"، وأن مدينة إدلب باتت تشبه إمارة دبي من حيث الرفاهية، وفند هذه الادعاءات حيث أكد عدم واقعيتها.

وانتقد تسليط الضوء على الجانب المضيء ونسيان الجانب المظلم، حيث يتم تصوير مراكز التسوق الضخمة "المولات" وعقد المواصلات مثل الدوارات الجديدة، في وقت يتم تجهل تخفيض الدعم على المستوى الطبي والإغاثي والمعيشي، وكذلك الخدمات بما فيها مياه الشرب.

ودعا إلى أنه بحال تصوير افتتاح مكان جديد "مول، دوار، صالة، وغيره، أن يتم التصوير بأسلوب بعيد أن الاستفزاز، بحيث عندما يشاهده أحد القاطنين في مخيمات النزوح، لا تكون دافعا له للانتحار، مؤكدا أن كميات التناقض بين الواقع وبين ما يصور من رفاهية على مواقع التواصل الاجتماعي بات مثيرا للاشمئزاز.

وضرب أمثلة على هذه التناقضات الكبيرة منها "افتتاح مول للذهب" يقابله خيمة، وافتتاح دوار قرب مخيم للنازحين، ووجه دعوات إلى استثمار هذه الأموال التي تضخ على الكماليات في إنشاء مصانع ومعامل ممكن أن تستوعب أعداد من العمال في ظل ارتفاع نسب البطالة بين صفوف الشباب.

وتشير أرقام موثقة صادرة عن "فريق منسقو استجابة سوريا"، إلى زيادة حد الفقر في الشمال السوري، إلى مستويات جديدة بنسبة 0.17 % مما يرفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 91.1% ارتفع عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى أكثر من 4.4 مليون نسمة.

إضافة إلى ارتفاع مستمر في أسعار المواد والسلع الأساسية، في حين وصلت نسب البطالة إلى 88.82% في المنطقة منذ مطلع العام الحالي 2024، وذلك وسط تفاوت لنسب الاستجابة الإنسانية في مختلف القطاعات مثل التعليم 33%، وقطاع الأمن الغذائي وسبل العيش بنسبة 56 بالمئة.

ويستمر مسلسل احتكار أمراء الحرب لكل شيء يجلب المال دون النظر للعوائق أو الصعوبات التي ستلحق بالمدنيين أو العاملين في المجال الذي سيتم احتكاره، فمن مقالع الحجر للمطاعم والدواجن والتجارة الداخلية والمعابر والمولات الضخمة وغيرها الكثير على حساب قوت الشعب والمتاجرة بدمائه.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ