موجة انتقادات حول تعديلات تاريخية مثيرة في الكتب المدرسية بسوريا
مع افتتاح العام الدراسي الجديد، عاد ملف المناهج التعليمية إلى واجهة النقاش العام في سوريا، بعد رصد تغييرات جوهرية أثارت جدلاً واسعاً بين المختصين والمهتمين بالشأن الثقافي والتربوي.
وتأتي هذه التغييرات في سياق الانتقال من الحقبة السابقة إلى مرحلة جديدة يفترض أنها تعكس رؤية وطنية جامعة، إلا أن العديد من الأصوات حذرت من وقوع أخطاء تمس الهوية التاريخية والقومية للسوريين.
إشكالية تاريخية تثير الاستياء العام
قامت الجهات التعليمية في سوريا بتعديل محدود للمناهج الدراسية التي أعادت النظر في عدد من التسميات التاريخية التي نشأ عليها السوريون، ومنها قضية شهداء السادس من أيار ففي مادة التاريخ للصف الثاني الإعدادي تصف الفقرة الخاصة بشهداء السادس من أيار بأنهم "متآمرون مع الإنكليز والفرنسيين ضد الدولة العثمانية".
انتقادات من باحثين ومفكرين
أعرب الكاتب السوري "أحمد أبازيد" عن صدمة شديدة بعد اكتشاف أن ما اعتقده إشاعة حول محتوى كتاب التاريخ السوري هو في الحقيقة جزء من المنهاج الرسمي المنشور على موقع وزارة التربية.
وأكد أن الفقرة التي تصف شهداء السادس من أيار بالـ"متآمرين" تعكس تبنّي موقف جمال باشا السفاح نفسه، وليس حتى وجهة نظر الدولة العثمانية أو المؤرخين الأتراك المعاصرين، الذين يحمّلونه مسؤولية القطيعة مع العرب وإشعال الثورة ضد العثمانيين.
وشدد "أبازيد" على أن ما ورد في المنهاج لا يمثل نقاشاً تاريخياً موضوعياً، بل هو بروباغندا تُهين رموز النهضة العربية وتشوّه الحركة الوطنية السورية والعربية، إذ يتم تقديم التهمة كحقيقة مطلقة، دون عرض الرواية العربية أو سياق الإعدامات والمحاكمات كما أشار إلى أن تسمية الثورة العربية الكبرى بـ"التمرد" وحذف اسمها الحقيقي هو تشويه للتاريخ ومسخ للهوية.
وخلص إلى أن التعديل الذي حصل على المناهج لم يصحّح الانحياز التاريخي السابق، بل أضاف انحيازاً أخطر يُهين العرب والعثمانيين معاً، معبّراً عن قلقه من غياب الرقابة والمراجعة الجادة على محتوى المناهج التي من المفترض أن تبني وعي الجيل الجديد.
بدوره، أكد الشيخ "معاذ الخطيب" أن "تغيير المناهج لا يلغي الحقائق"، مشيراً إلى أن جمال باشا سيبقى رمزاً للاستبداد الدموي، وأن محاولات إعادة إنتاج صورته ضمن سياق سياسي جديد هي "تشويه للوعي الوطني يجب التصدي له" واعتبر أن ما يُزرع في عقول الطلاب من تشويه للتاريخ هو "تهديد مباشر للهوية السورية".
في المقابل، تؤكد وزارة التربية أن التعديلات التي تمت لا تزال في إطارها الأولي، وأن أي فقرة لم تخضع بعد للمراجعة سيتم تقييمها ضمن عمل اللجان المتخصصة.
وتشير الوزارة إلى أن الهدف هو بناء منهاج جديد يعكس الحقيقة التاريخية بصورة علمية موضوعية، ويجنب التوظيف السياسي لأي حدث تاريخي. كما تؤكد أن حذف مادة التربية الوطنية جاء استجابة لمطالب تربوية واسعة تتعلق بضرورة استبدال المواد التعبوية بمضامين علمية حقيقية.
غير أن التساؤلات تبقى معلقة حول الآلية التي يتم من خلالها اعتماد النصوص التاريخية، ومدى إشراك المؤرخين المتخصصين في صياغتها، في ظل مخاوف من أن يؤدي غياب الرؤية الوطنية المتماسكة إلى إدخال مضامين تفتقر إلى الإجماع الوطني أو تتعارض مع الذاكرة الجمعية للسوريين.
ويذكر الجدل لا يتعلق فقط بكتاب تاريخ أو صفحة مدرسية، بل بمستقبل الوعي الوطني والهوية الثقافية للأجيال الجديدة فالمناهج ليست مجرد سرد لأحداث الماضي، وإنما هي الأداة التي تصوغ فهم الطلاب لذاتهم، ولانتمائهم، ولموقع سوريا ضمن العالم العربي والإقليمي.
وبينما تؤكد الجهات الرسمية أن المشروع لا يزال في مرحلة المراجعة، تتعالى الأصوات المطالبة برقابة علمية صارمة تضمن أن تكون المناهج القادمة معبرة عن الحقيقة التاريخية، بعيداً عن أي إملاءات أيديولوجية أو سياسية.