"قسـد" من الألف للياء .. منذ بداية الوهم والعمالة وصولاً لبداية النهاية للمشروع الانفصالي
صدمت أطماع "حزب الاتحاد الديمقراطي" الذي يعتبر الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، والذي تبنى تطلعات المكون الكردي في الحرية كباقي مكونات الشعب السوري، لتحقيق مشروعه الانفصالي عن الوطن الأم سوريا وبناء كيان انفصالي باسم " الأكراد"، من خلال استغلال الحراك الثوري والسيطرة مناطق واسعة من التراب السوري، بدعم من التحالف الدولي وباسم محاربة الإرهاب.
استغلال القضية
بدأت الحكاية مع استغل "حزب الاتحاد الديمقراطي" قضية الأقليات " الأكراد" واضطهادهم من قبل نظام الأسد، للحصول على دعم غربي على أنه مكون عسكري مناهض لحكم الأسد، مظهراً نفسه في صف الثورة السورية، مع العمل على استمالة المكونات العربية منها والسريانية والتركمانية لصفه ليبعد عن نفسه النزعة الانفصالية.
بداية المؤامرة
أعلن "حزب الاتحاد الديمقراطي" ممثلا بوحدات الحماية الشعبية في كانون الثاني من عام 2014 مدينة عين العرب "كوباني" بريف حلب الشرقي على الحدود التركية إدارة ذاتية للأكراد تتبع لمقاطعة الجزيرة بالحسكة، لتطفوا قضية المدينة على السطح مع بدء تنظيم الدولة بالتوسع على حساب فصائل الثوار في الرقة وريف حلب الشمالي والشرقي، حيث تمدد التنظيم في أيلول عام 2014 باتجاه المنطقة وسيطر على كامل المدينة التي غدت قضية دولية تحظى باهتمام التحالف الغربي بشكل كبير.
واتخذت وحدات الحماية الشعبية من سيطرة التنظيم على مدينة عين العرب بداية الانطلاقة العسكرية لتوسعها في بناء مشروعها الانفصالي، حيث تمكنت من الحصول على دعم أمريكي كبير سياسياً وعسكريا باسم "محاربة الإرهاب"، اتبعته في أيلول 2014 بالإعلان عن تشكيل "غرفة عمليات بركان الفرات" والتي ضمن فصائل من المكونات العربية والكردية والسريانية والتركمانية (لواء التوحيد القطاع الشرقي، ووحدات حماية الشعب الكردي، ولواء ثوار الرقة، وكتائب شمس الشمال التابعة لألوية فجر الحرية، وسرايا جرابلس، ولواء جبهة الأكراد، وحدات حماية المرأة)، هدفها استعادة السيطرة على مدينة عين العرب "كوباني".
عين عرب المدخل
شكلت معارك عين العرب التي استمرت قرابة 3 أشهر من المعارك الضارية، مع ضربات جوية عنيفة من التحالف الدولي وإمداد كبير لوحدات الحماية الشعبية بالسلاح موضع تجاذبات دولية كبيرة بين تركيا والدول الغربية، التي ألزمت تركيا بالسماح لمقاتلين أكراد بالدخول عبر أراضيها باتجاه عين العرب للمشاركة في القتال في شهر تشرين الأول عام 2014، حيث أبدت تركيا تخوفها في تلك الأثناء من تنامي قوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي باسم محاربة الأرهاب.
ومع السيطرة على مدينة عين العرب "كوباني" في كانون الثاني من عام 2015 فرض حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه كرقم صعب في المنطقة، مدعوماً من التحالف الدولي، وبرز كقوة قادرة على محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة، وهذا ماساعده بشكل كبير على البدء بمشروعه التوسعي في المنطقة الممتدة بين عين العرب" كوباني" ومنطقة الجزيرة، حيث كانت أولى أطماعه التوجه باتجاه مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي.
بركان الفرات
ومع بدء وحدات حماية الشعب التي باتت تتحكم بشكل رئيسي في "غرفة عمليات بركان الفرات" بمشروعها التوسعي كان لابد من خوض معارك عنيفة مع تنظيم الدولة والتوسع في المناطق المحيطة بمدينة عين العرب "كوباني" لضمان عدم عودة تنظيم الدولة إليها، حيث تمكنت من السيطرة على عشرات المناطق وصولاً لجسر قرقوزاق، والتوسع باتجاه الرقة وصولاً لمدينة تل أبيض التي سيطرت عليها في 15 حزيران من عام 2015، ولاحقاً مدينة الرقة ودير الزور وصولاً للباغوز
بداية التهجير
ومع سيطرة الوحدات الشعبية الكردية على تل أبيض الاستراتيجية مع تركيا وتوسعها شرقاً ووصل مناطقها في مقاطعة الجزيرة بعين العرب، بدأت الوحدات الشعبية بالتضييق على المكونات العربية في مناطقها، بعد سلسلة من عمليات التهجير في مناطق الاشتباك بحجة محاربة التنظيم، لتبدأ مرحلة جديدة من المجاهرة بالتهجير والتضييق على المكونات العربية في غرفة عمليات بركان الفرات منها لواء ثوار الرقة، بعد إخلال الوحدات الشعبية بوعودها بتسليم المدينة لأهلها، والتي بادرت لإعلانها إدارة ذاتية تتبع لمقاطعة الجزيرة لتكون رابع إدارة كردية في سوريا بعد إدارات عين العرب والقامشلي وعفرين في آب 2015.
الرفض الشعبي
وأعلن لواء ثوار الرقة وحملة الرقة تذبح بصمت وعدد من الفعاليات المدنية والثورة في محافظة الرقة عن رفضهم القاطع لإعلان تل أبيض إدارة ذاتية كردية، لاسيما بعد سلسلة التهجير القسري لآلاف العائلات العربية باتجاه الحدود التركية والمناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، والتي باتت كواقع فرضته بالقوة وحدات الحماية الشعبية، وسط عجز المكونات العربية عن التصدي لهذه التصرفات ما خلق حالة من الصراع الداخلي بين مكونات بركان الفرات وعجل في انهاء الغرفة.
ولادة “قسد”
ومع تنامي الخلاف مع لواء ثوار الرقة والعشائر العربية في ريف الرقة، عملت وحدات الحماية الشعبية على دعم مكونات جديدة من العرب بينهم "جيش الثوار" الذي تشكل من عدة فصائل من الحر حاربتها جبهة النصرة في إدلب، لتتخذها كواجهة لعمليات التهجير والمعارك، وإظهار المكون العربي كطرف أساسي في الصراع تديره من الخلف الوحدات الشعبية في محاولة للالتفاف على المعارضين لعمليات التوسع، ولإظهار توسعها على أنه في خضم محاربة الإرهاب وأنه ليس ضمن مشروعها الانفصالي والدليل مشاركة قوى غير كردية في تلك العمليات، حيث بادرت في تشرين الأول 2015 للإعلان عن تشكيل عسكري جديد تقوده وحدات الحماية الشعبية باسم "قوات سوريا الديمقراطية" يتكون بشكل أساسي من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، والمجلس العسكري السرياني، وجيش الثوار مدعومة بشكل كبير من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باسم "محاربة الإرهاب".
امتداد”قسد”
وفي تشرين الثاني من عام 2015 بدأت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بالتوسع في ريف الحسكة حيث أعلنت عن بدء عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة، بعد إمدادها بعدة دفعات من السلاح جواً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، تمكنت من السيطرة على كامل منطقة البحيرة الخاتونية الواقعة شمال بلدة الهول بريف الحسكة بعد اشتباكات مع عناصر تنظيم الدولة، والتي اعطتها دعماً قويا من التحالف الدولي وساعدتها على الظهور بمظهر الفصيل الأقوى المحارب للإرهاب في سوريا.
الاتجاه نحو حلب
تزامناً مع المعارك التي يخوضها الثوار في حلب وريفها ضد قوات الأسد والحليف الروسي الذي بدأ بالمساندة الجوية لنظام الأسد، بدأت مطامع قوات قسد تظهر بريف حلب الشمالي بعد تمكين سيطرتها على المناطق الواقعة بين مقاطعة الجزيرة ومنطقة عين العرب "كوباني"، لتبدأ بمرحلة التفكير بوصل عين العرب بمقاطعتها في عفرين من خلال السيطرة على بلدات ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة الثوار، والتي بدأت فعليا من خلال زج جيش الثوار التابع لها والموجود في عفرين بمعارك ضد الثوار في قرية الشواغرة ومحاولة الوصول لقرى كشتعار وتنبت والصوامع، في الوقت الذي بدأت فيه بعملية عسكرية للسيطرة على سد تشرين بريف حلب الشرقي في كانون الأول من عام 2015.
التنسيق مع روسيا
وفي الأثناء بدأ يطفوا على سطح الأحداث بشكل واضح التنسيق بين قوات قسد والاحتلال الروسي الذي بدأ عملياً باستهداف مواقع الثوار على جبهات التماس مع قوات قسد في عفرين، مكنت الأخير من التقدم والسيطرة على المالكية ثم بلدة تنب، اتبعت ذلك التوسع في شباط 2016 باتجاه منغ والسيطرة على مطارها العسكري ومدينة تل رفعت وعدة قرى وبلدات، مستغلة انشغال الثوار في المعارك التي شهدها الريف الشمالي مع قوات الأسد التي حظيت بدعم جوي روسي كبيرة ودعم عسكري من الميليشيات الإيرانية التي وصلت لفك الحصار عن بلدات نبل والزهراء، ومكنت جيش الثوار من السيطرة على العديد من القرى والبلدات وفصل مناطق سيطرة قوات الأسد عن مناطق سيطرة الثوار بشكل كامل، وتهجير جميع المدنيين في المناطق التي سيطرت عليها باتجاه الحدود التركية في منطقة إعزاز، مع استمرار التحرشات العسكرية في المنطقة وسعيها للوصول لمشفى إغزاز الاستراتيجي، كما عملت قسد وبتنسيق مع قوات الأسد وبدعم جوي روسي على محاولة التوسع بريف حلب الغربي ومهاجمة بلدة قبتان الجبل وقرية الشيخ عقيل بريف حلب الغربي.
تهجير ممنهج
وفي خضم الصراع بين قسد والمكونات العربية التي عملت على التكتل في جيش العشائر وجبهة ثوار الرقة لمواجهة المشروع الانفصالي لقسد، مارست قوات قسد عمليات تهجير ممنهجة للمكونات العربية من المناطق التي سيطرت عليها، كما قامت بحملات اعتقال واسعة للشباب العربي وزجهم في معسكرات التدريب التابعة لها، إضافة لمصادرة الممتلكات العامة والخاصة وعمليات النهب والسلب وتدمير القرى العربية بشكل كامل ومنع أهلها من العودة إليها، إلا أن خطوات قسد وعدم وجود ملاذ آخر للمكونات العربية أجبرها على الرضوخ بعد الحصار والتضييق والاعتقالات التي طالت قيادتها لتعلن جبهة ثوار الرقة في شباط 2016 عن دخولها ضمن قوات سوريا الديمقراطية بشكل رسمي، في سياق الحرب الإعلامية التي تتبناها قوات سوريا الديمقراطية ومحاولة إظهار التنوع الذي تضمه في صفوفها ولا سيما إثبات وجود المكون العربي على أنهم قوة أساسية وكبيرة متحالفة معها لإعطاء حربها وتقدمها للمناطق العربي شرعية أكبر أمام الإعلام والدول الغربية الداعمة.
الشيخ مقصود مرحلة جديدة
في آذار 2016 بدأ التنسيق العسكري بين قوات قسد المتمركزة في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب وقوات الأسد والاحتلال الروسي بشكل واضح، مع بدء قسد عمليات عسكرية للتوسع على حساب الثوار في منطقة السكن الشبابي والسعي للسيطرة على طريق الكاستيلوا المنفذ الوحيد للأحياء الشرقية المحررة بمدينة حلب، حيث شهدت المنطقة معارك ضارية مع الثوار، لا ذلك محاولة قسد التوسع باتجاه حي سليمان الحلبي والتنسيق الكبير مع قوات الأسد التي امدتها بالسلاح والعتاد والاحتلال الروسي الذي قدم الدعم الجوي بشكل كبير لقسد في معاركها ضد الثوار، خلف القصف عشرات المجازر بحق المدنيين العزل، وساهمت قوات قسد بدور فاعل في تمكين نظام الأسد وروسيا من السيطرة على مدينة حلب، مقابل دعمها الكبير في التوسع بريف حلب الشمالي، وعمليات التضييق الكبيرة التي موست ضد المدنيين، من اعتقال وخطف، إضافة لمنع قوافل الوقود من العبور باتجاه إدلب من عفرين.
رفض المعارضة السياسية
مع التقدم العسكري الذي تحرزه قوات قسد ضد تنظيم الدولة والثوار على الأرض، بدعم من التحالف الدولي وروسيا والأسد، بدأت تتطلع قسد لتكون ممثلاً فاعلاً في الحراك السياسي، مع تطلعها للمشاركة في مؤتمر جنيف واحد الذي عقد في شهر آذار 2016، إلا أنها اصطدمت بمعارضة كبيرة من فصائل المعارضة السورية وتركيا وعدد من الدول، في الوقت الذي أعلنت قسد عن الفيدرالية في شمال سوريا، جاء بعد الاجتماع الموسع لمكونات غرب كردستان وشمال سورية ( الادارة الذاتية وب ي د وحميدي دهام الجربا والمنشقين عن المجلس الوطني الكردي ) يتضمن الإعلان عن كانتونات الجزيرة وعفرين وكوباني اقليما موحدا في إطار فيدرالية سورية، تلاها بدء وحدات الحماية الذاتية بتشكيل نواة لجيش كردي مهمته حماية الإقليم الفدرالي الذي أعلنته قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي تسيطر عليها في الحسكة والرقة وريف حلب شمال سوريا.
التمدد شرق حلب
وفي نيسان من عام 2016 وبعد تمكن قوات قسد من السيطرة على سد تشرين والتوسع شراقاً بريف حلب الشمالي، وتمهيداً لمعركة السيطرة على مدينة منبج أعلنت قوات قسد عن تشكيل مجلس عسكري موحد لمدينة منبج يضم 13 عضواً، جميعها تتبع عسكرياً لقوات سوريا الديمقراطية، الأمر الذي لاقى رفض كبير من قبل الفصائل الثورة من مدينة منبج والفعاليات المدنية والثورية والتي أصدرت بيانات رفض للمجلس واتهام قسد بالعمل على تسويغ احتلالها للمدينة باسم فصائل منبج.
حملة بثلاث أجنحة
وفي أيار 2016 أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة جديدة ضد تنظيم الدولة باسم " حملة تحرير شمال الرقة" عبر ثلاث أجنحة ، الأول من بلدة عين عيسى ، والثاني يبدأ من مطعم النخيل ، والثالث من اللواء "93" ، بدعم جوي كبير من طيران التحالف الدولي الذي امد قسد بكميات كبيرة من العتاد والسلاح، في الوقت الذي انتشرت فيه صوراً لمقاتلين أمريكيين يقاتلون بجانب قوات سوريا الديمقراطية في المعارك الدائرة شمالي الرقة، حيث شهدت المنطقة مواجهات عنيفة وقصف جوي مكثف للتحالف الدولي مكن قسد من التوسع في المنطقة وتهجير غالبية سكانها هرباً من المعارك والقصف والمجازر التي لحق بالمدنيين على أيدي قوات قسد والتحالف الدولي، قبل أن تعد قسد عن الاستمرار في المعركة وتتجه قواتها باتجاه مدينة منبج بريف حلب الشرقي التي كانت الهدف الحقيقي للمعركة، والتي بدأت بحملة جوية لطيران التحالف الدولي تستهدف الجسور الرئيسة على نهر الفرات لإعاقة تحرك تنظيم الدولة في المنطقة، الامر الذي ألقى بثقله على المدنيين العزل، حيث أعاق عمليات هروبهم من المنطقة مع تصاعد المواجهات والقصف الجوي الأمريكي.
منبج و مجازرها
وشهدت منطقة منبج مجازر مروعة بحق المدنيين العزل ارتكبتها قوات التحالف الدولي وقوات قسد التي قدمت الإحداثيات للتحالف لقصفها، فكانت مجزرة قرية الهدهد ومجزرة التوخار والغندورة وعدة مناطق أخرى، إضافة لعشرات المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين العزل داخل الأحياء السكنية في مدينة منبج منها حي الحزاونة، وتشريد آلاف المدنيين في البراري والبوادي دون تقديم أي عون لهم أو السماح لهم بالتوجه للمناطق التي تسيطر عليها قسد، كما ألقى حصار قسد لمدينة منبج بثقله على المدنيين العزل، حيث منعت الخروج من المدينة وسط قصف جوي مكثف استهدفها بشكل يومي، قبل أن تبسط سيطرتها الكاملة على المدينة في شهر آب 2016.
جرابلس المفصلية
ومع سيطرة قسد على مدينة منبج واقترابها من السيطرة على المناطق التي تفصل منطقة عين العرب بتل أبيض في سعيها لتحقيق مشروعها الانفصالي، باتت تتطلع للسيطرة على مدينة جرابلس الاستراتيجية، حيث بدأت قواتها بالزحف شمالاً لتسيطر على عدة قرى بعد انسحاب تنظيم الدولة منها، والتي اصطدمت برفض تركي للتحرك باتجاه جرابلس، تزامن مع إنطلاق غرفة عمليات درع الفرات، ما دفعها لتغيير وجهتها والإعلان عن تشكيل مجلس الباب العسكري لمنطقة الباب وريفها، في مشهد مشابه لما حدث في منبج التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية بمشاركة مجلس عسكري حمل اسم “منبج”، في محاولة للسيطرة على مدينة الباب والتوسع باتجاه مارع ووصل مناطق سيطرتها مع عفرين، حسب ماتخطط قسد بمشروعها الانفصالي.
دور “درع الفرات”
وتمكنت غرفة عمليات "درع الفرات" المشكلة من العديد من فصائل الجيش الحر مدعومة تركياً في 24 آب 2016 من تحرير مدينة جرابلس والتوسع جنوباً وغرباً على طول الشريط الحدودي حررت خلالها أكثر من 90 قربة وبلدة، ثم انطلقت مرحلتها الثانية في 29 أيلول باتجاه فك الحصار عن مدينة مارع مع محاولات قسد التقدم غرباً باتجاه الباب، لتبدأ مرحلة تحرير الباب بقيادة قوات درع الفرات في مرحلتها الثالثة في 18 تشرين الأول، حيث شكلت عملية درع الفرات التي حررت مساحات شاسعة من المناطق حول جرابلس وإعزاز ومارع وصولا لمدينة الباب ضربة كبيرة للمشروع الانفصالي الكردي، والذي قطع الطريق على قوات قسد في التوسع شمال وغربي منبج، وجعل منبج هدف لقوات درع الفرات، مع طلب تركيا بخروج قوات قسد من جميع المناطق غربي نهر الفرات.
المراوغة في منبج
وفي أواخر آب 2016 وبعد الإصرار التركي على خروج قسد من منبج، أعلنت قوات حماية الشعب الكردية انسحابها من منبج و ريفها، وفق بيان صادر عنها، في حين أكد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية أن المهمة القادمة للقوات المنسحبة من منبج هي التوجه إلى “الرقة”، إلا أن قسد حاولت المراوغة في قضية الانسحاب بحجة تسليم منبج للمجلس العسكري التابع لها أصلا والتي بقيت موضع تجاذبات دولية بين الحلفاء حتى وصلت لمرحلة التعاون مع قوات الأسد التي اصطدمت بدرع الفرات في الباب وحولت طريقها باتجاه منبج مع قوات روسية وأمريكية وصلت للمنطقة للفصل بين مناطق درع الفرات التي توسعت لشرقي الباب وبين قوات قسد التي ماتزال تسيطر على مدينة منبج.
وجود الجيش الحر
مع دخول الجيش الحر للمنطقة بدأت الحركات المناهضة لقسد ومشروعها الانفصالي من المكونات العربية والكردية تعود للواجهة من جديد حيث أعلنت عدة مكونات عسكرية في مدينة جرابلس بريف حلب، عن تشكيل عسكري جديد باسم " ثوار الجزيرة السورية" يضم مكونات عربية وكردية وتركمانية، هدفها محاربة تنظيم الدولة وقوات قسد التي تسيطر على قراهم وتهجر سكانها، كما أعلن عدد من أبناء العشائر من المكونَين العربي والتركماني بريف الرقة، عن تشكيل عسكري جديد في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بمحافظة الرقة، هدفه محاربة القوات الكردية وكل من قام بانتهاكات بحق المكونين العربي والتركماني في المحافظة، حيث ينتشر التشكيل على شكل مجموعات صغيرة توعدت بتنفيذ عمليات عسكرية نوعية باستخدام عبوات ناسفة وأسلحة مزودة بكواتم للصوت، تستهدف عناصر وقيادات الوحدات الشعبية في المنطقة، في الوقت الذي بدأ التململ داخل مكونات قسد حيث شهدت حركة انشقاقات لعدة مكونات والتوجه لمناطق درع الفرات على شكل مجموعات، كما اندلعت اشتباكات مع لواء التحرير الذي اعلن رفضه لما تقوم به قسد من عمليات تهجير وتغيير ديمغرافي.
الرفض المشدد من تركيا
وفي تشرين الأول من عام 2016 جددت تركيا رفضها أي تواجد لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي "بي واي دي" في المعارك التي يخطط لها من أجل التوجه إلى مدينة الرقة، كاشفة عن عدم انسحاب العناصر الكردية الانفصالية من منبج ، وفق ما نقلت وكالة “الأناضول” عن مسؤول تركي رفيع المستوى، الذي نقل عن رغبة بلاده بتشكيل إدارة مشتركة في منبج شرقي حلب، بين الجيش السوري الحر والعناصر العربية في قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، تلا ذلك إعلان الجيش التركي إن مقاتلات تركية نفذت 26 ضربة جوية على 18 هدفا للفصائل الكردية الانفصالية في شمال سوريا، ضربات خلفت ما بين 160 إلى 200 من العناصر في صدام مباشر بين تركيا وقسد الانفصالية.
الهروب باتجاه “الرقة”
وفي تشرين الثاني 2016 وبعد اصطدام قسد بدرع الفرات والرفض التركي لتوسعها في ريف حلب الشرقي، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن بدء معركة السيطرة على مدينة الرقة وريفها تحت عنوان معركة "غضب الفرات"، حيث نشرت "قسد" بيانات قالت فيه أن القيادة العامة لقوتها "تزف" بشرى بدء حملتها العسكرية الكبيرة من أجل "تحرير" مدينة الرقة وريفها،
حظيت العملية بمشاركة عشرات المستشارين الأمريكيين و الفرنسيين دعماً لـ”قسد” بغطاء و دعم جوي و لوجستي و استشاري من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم الدولة.
تلا ذلك الإعلان عن انطلاقة المرحلة الثانية من معركة "غضب الفرات" بريف مدينة الرقة الغربي، تمكنت خلالها قوات قسد من التوسع على حساب تنظيم الدولة حتى قلعة جعبر، وبدء مرحلة للسيطرة على سد الفرات بعد قصف جوي عنيف ومركز استهدف المنطقة لأسابيع عدة، تخللها عمليات إنزال جوي ومعارك للتوسع باتجاه مطار الطبقة العسكري وصولاً للسيطرة على مدينة الرقة وبدء التوسع شرقاً باتجاه دير الزور.
الخلافات الداخلية
وفي كانون الأول من عام 2016 عادت لتطفوا الخلافات بين قسد والمكونات العربية ضمنها، حيث اندلعت مواجهات مسلحة بين قوات "قسد" وعناصر لواء ثوار الرقة، على خلفية اعتقالات نفذتها عناصر "قسد" بحق عناصر من اللواء، تطورت لاشتباكات مسلحة بين الطرفين في قرية الجرن بريف الرقة الشمالي، لرفض "أبو عيسى" المشاركة بشكل فاعل مع قوات "قسد" في معركة "غضب الفرات"، ورفضه دخول قوات "قسد" لمدينة الرقة، والانتهاكات التي تقوم بها "قسد" بحق المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها لاسيما عمليات التهجير والاعتقال وسرقة الممتلكات، وصلت لمرحلة إجبار قيادات من لواء ثوار الرقة لإعلان انشقاقهم تحت تهديد القتل وبعد اعتقالهم،
ولم تقتصر أعمال قسد على المكون العربي فقد عانت المكونات والتيارات السياسية والأحزاب المعارضة لتصرفها من عمليات الملاحقة والاعتقال، واستمرت لما بعد السيطرة على مدينة الرقة وبدء مراحل إنهاء الفصيل العربي الأبرز ممثلاً بلواء ثوار الرقة، من خلال اعتقال قياداته وإجبارهم على تفكيك اللواء واعتقال عناصره وحصارهم في مقراتهم.
غصن الزيتون وتبديد مشروع الانفصال
أعلنت رئاسة الأركان التركية في العشرين من شهر كانون الثاني 2018، بدء عملية عسكرية شبيهة بعملة "درع الفرات" تستهدف مواقع وحدات حماية الشعب YPG، في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي، حملت العملية اسم عملية "غصن الزيتون"، بهدف إرساء الأمن والاستقرار على الحدود الجنوبية لتركيا، في إطار القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب، مع احترام وحدة الأراضي السورية، وبمشاركة فعالية لفصائل الجيش السوري الحر.
وبددت معركة "غصن الزيتون" أحلام المشروع الانفصالي في بناء دولة انفصالية في الشمال السوري تقودها ميليشيات الوحدات الشعبية على حساب عذابات ومعاناة الشعب السوري وسعياً لتقسيم سوريا وضرب وحدة أراضيها مستغلة الحراك الشعبي في الثورة السورية، والدعم الأمريكي بحجة قتال تنظيم الدولة.
وطالما كانت منطقة عفرين التي تعتبر أهم بقعة بشرية واقتصادية للميليشيات الانفصالية والمقاطعة الثالثة الخاضعة لحكم الإدارة الذاتية في سوريا بعد "الجزيرة وعين العرب"، كانت تبني أمال كبيرة على وصل عفرين بالبر المتوسط بعد نجاحها بدعم التحالف الدولي في السيطرة على الرقة ومنبج وسعيها لربط عفرين بمنبج، حتى جاءت عملية "درع الفرات" وقطعت أول أمل لها، وكانت "غصن الزيتون" بمثابة النهاية للمشروع الانفصالي بخسارتها أكبر تجمع بشري ومنطقة اقتصادية هامة في مشروعها.
عاصفة الجزيرة وصولاً للباغوز
بدأت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بداية شهر أيار 2018، بهجوم بري مدعوم بغطاء جوي مكثف للتحالف، ضد المساحات والمواقع الاستراتيجية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة على الحدود السورية- العراقية، تحت اسم معركة «عاصفة الجزيرة».
المعارك الأخيرة، والتي وصفت بـ «العنيفة والمصيرية»، شهدت تطوراً استراتيجياً هاماً في المنطقة، وهو بروز التحالف الكردي السوري والشيعي العراقي، ولعل الحدث الأكثر أهمية، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، دعمت الحشد الشيعي في العراق، ودعمت القوات الكردية في سوريا، وعندما باتت عملية اتصال ذراعي واشنطن ممكناً، سمح التحالف الدولي للحشد الشعبي بالتوغل داخل الأراضي السورية، بهدف مساندة الأمريكان في سوريا ضد تنظيم الدولة.
ود معارك عنيفة والسيطرة على مساحات كبيرة كان التنظيم يتحصن فيها، سيطرت قوات سوريا الديمقراطية بمساندة الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي العراقي على قرية الباغوز بريف ديرالزور الشرقي في أيار 2018، بعد استسلام الألاف من عناصر داعش ونقلهم لسجون سرية لاحقاً باتت تستخدمهم كورقة قوية لابتزاز المجتمع الدولي والدول الغربية التي تلمك مقاتلين من مواطنيها في صفوف داعش وباتوا في الأسر.
المنطقة الآمنة والمماطلة الأمريكية
مع تصاعد الضغط التركي على الولايات المتحدة الأمريكية، وإبداء تخوفها المتواصل من تنافي قوة التنظيمات الإرهابية على حدودها الشمالية، وبعد سجال سياسي طويل، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تفاهمه مع الرئيس الأمريكي في كانون الثاني 2019، على إنشاء منطقة أمنة شمال سوريا، وأن تركيا هي التي ستدير هذه المنطقة وتنفذها، في الوقت الذي لم تجد فيها "قسد" أي حليف يحملها من التهديدات التركية بعد مفاوضات مع النظام ولقاءات في روسيا وباريس ودول أخرى.
نبع السلام والكلمة الفصل
مع استمرار المماطلة الأمريكية في تنفيذ بنود المنطقة الآمنة، على غرار مافعلت باتفاق منبج، كان لابد للسلطات التركية من تصعيد حدة الخطابات العسكرية ضد "قسد" والبدء بترتيبات العملية العسكرية التي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إطلاقها في التاسع من شهر تشرين الأول 2019، بمشاركة فاعلة للجيش الوطني السوري، والتي تركزت على محاور تل أبيض ورأس العين.
وخلال الفترة الماضية، حاولت "قسد" المناورة ما أمكن، لتفادي العملية العسكرية التركية، من خلال إعلانها وقف عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش في دير الزور، في محاولة للضغط على الولايات المتحدة أو توجيه رسالة على أقل تقدير بأنها لن تقف صامتة وستترك الجبهات تنهار أمام تنظيم الدولة شرق دير الزور وهذا لم ينفعها، لتعاود التهديد مجدداً بأنها ستترك عناصر داعش المحتجزين لديها.
ترسم عملية "نبع السلام" معالم مرحلة جديدة في المنطقة الواقعة شرقي الفرات، والتي قد تكون العملية التركية بداية النهاية لمشروع "قسد" الانفصالي شمال شرق سوريا، والذي من شأنه أن يكون ضربة قوية أخرى توجه لـ "قسد" بعد خسارتها عفرين، وبداية مرحلة النهاية بعد أن استثمرها التحالف لسنوات في قتال تنظيم الدولة بدعوى محاربة الإرهاب.