
فضل عبد الغني: آن أوان المحاسبة في ملف الساحل… والدروس العاجلة يجب أن تُطبَّق في السويداء
دعا مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات فورية لملاحقة ومحاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات التي وثّقها تقرير اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري.
وأكد أن التحرك القضائي الجاد سيحمل رسالة حاسمة إلى الضحايا وإلى السوريين الذين يراقبون ما يجري حالياً في السويداء. وقال في مقابلة مع موقع "تلفزيون سوريا" إن استقلال القضاء وتعويض الضحايا شرطان أساسيان لبناء الثقة الوطنية، ولمنع تكرار الانتهاكات في مناطق أخرى.
تقييم أولي للجنة الساحل
أعرب عبد الغني عن تقديره لعمل اللجنة، واصفاً جهودها بأنها "مشكورة" وتمثل "أول تجربة وطنية حقيقية" في التحقيق الحقوقي الشامل ضمن السياق السوري الجديد، وأوضح أنه استند في تقييمه إلى متابعة المؤتمر الصحفي ومخرجات اللجنة (وليس إلى نسخة خطية بعد)، ورأى أن معايير العمل كانت "معقولة وجيدة" قياساً ببيئة معقدة أمنياً وسياسياً.
مع ذلك، أكد أن النتائج العامة للتقرير لا تُعد مفاجِئة، إذ تتوافق إلى حد كبير مع ما سبق للشبكة السورية لحقوق الإنسان أن وثقته أثناء الأحداث، وكذلك مع خلاصات لوكالات إعلامية دولية من بينها رويترز.
وأشار إلى أن الشبكة أحصت في اليوم الأول مقتل 125 شخصاً—رقم أثار حينها جدلاً واسعاً—ثم ارتفع العدد إلى نحو 823 بعد خمسة أيام. ووفق قراءته المقارنة، فإن أرقام اللجنة (نحو 500 قتيل في الساحل، وقرابة 400 من الأمن والمدنيين قُتلوا على يد “الفلول”) تشير إلى حصيلة إجمالية تتراوح تقريباً بين 1,800 و1,900 ضحية.
وحذّر عبد الغني من أرقام "مُضخَّمة" تداولتها جهات إعلامية بلا منهجية، تحدثت عن 5 آلاف أو 10 آلاف قتيل، واعتبرها مغالطات تُربك الرأي العام وقد تُستخدم لتأجيج الفوضى أو خدمة أجندات سياسية، لافتاً إلى أن هذا النمط من المبالغة يُعاد إنتاجه حالياً في تغطية ما يجري في السويداء.
ملاحظات منهجية على نطاق التفويض الزمني
انتقد عبد الغني الإطار الزمني الذي تبنته اللجنة (7–9 آذار)، مؤكداً أن الانتهاكات بدأت في 6 آذار واستمرت عملياً حتى 10 آذار على الأقل، بل تواصلت لاحقاً عبر حوادث قتل متفرقة ونهب وسلب. وذكّر بأن الانتهاكات واسعة النطاق لا تتوقف "بين ليلة وضحاها"، ما يستدعي تفويضاً مرناً يغطي المراحل اللاحقة للعمليات العسكرية. كما أقر بأن اللجنة عملت تحت "تحديات أمنية كبيرة"، وهو ما يجب أخذه بالحسبان دون أن يكون مبرراً لحذف أيام من نطاق التوثيق.
المسؤولية تنتقل الآن إلى عاتق السلطات
قال عبد الغني إن اللجنة أدّت ما عليها بإصدار التقرير، "والكرة الآن في ملعب السلطات السورية". وحدّد ثلاث أولويات عاجلة، منها الاعتقال والملاحقة القضائية، إذ حثّ النائب العام على إصدار مذكرات توقيف بحق جميع الأسماء الواردة في التقرير—سواء من “الفلول” أو الفصائل المسلحة أو المدنيين المسلّحين أو عناصر يتبعون للأمن أو الجيش—مشدداً على أن التستّر على الانتهاكات يضعف الدولة بدل أن يحميها.
دعا إلى إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى ليصبح مستقلاً عن السلطة التنفيذية ويضم قضاة مهنيين وخبراء وممثلين عن المجتمع المدني وفق المعايير العالمية. كما طالب بتعديل أحكام الإعلان الدستوري بحيث لا تُعيِّن السلطة التنفيذية قضاة المحكمة الدستورية العليا منفردة، بما يعزز النزاهة القضائية.
جبر الضرر وتعويض الضحايا
شدد على إطلاق برنامج تعويضات عاجل يشمل جميع الضحايا، مع اعتراف رسمي بمعاناتهم، وإجراءات تعافٍ مادي ومعنوي تشمل مختلف الأطراف المتضررة. وقال إن الاستجابة العادلة في ملف الساحل ستشكّل نموذجاً يُحتذى في معالجة ملف السويداء.
دعوة لتكرار التجربة في السويداء
انطلاقاً من الدروس المستفادة من تحقيق الساحل، دعا عبد الغني إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لأحداث السويداء، تُشرك منظمات مجتمع مدني سورية مستقلة وتستفيد من الخبرة الإجرائية التي طوّرتها لجنة الساحل. ورأى أن ذلك سيبعث برسالة ثقة إلى السكان المحليين، ويمهّد لمسار مصالحة أوسع على المستوى الوطني.
ويرى فضل عبد الغني أن تقرير لجنة الساحل—برغم ثغراته—يمثل فرصة تأسيسية لمسار وطني للمحاسبة والإنصاف، وأن نجاح السلطات في ترجمة التوصيات إلى اعتقالات، محاكمات عادلة، وتعويضات حقيقية سيحدد ما إذا كانت سوريا قادرة على قطع الطريق أمام دورات جديدة من العنف، سواء في الساحل أو في السويداء، وأشار إلى أن بناء قضاء مستقل، وشفافية في إعلان النتائج، واحترام الضحايا جميعاً دون اصطفافات، هو الطريق الأقصر نحو مصالحة مجتمعية مستدامة.