سرير بروكريست: حين تُفرَض الآراء بالقوة ويُقصّ الإنسان ليلائم الفكرة
سرير بروكريست: حين تُفرَض الآراء بالقوة ويُقصّ الإنسان ليلائم الفكرة
● أخبار سورية ١١ سبتمبر ٢٠٢٥

سرير بروكريست: حين تُفرَض الآراء بالقوة ويُقصّ الإنسان ليلائم الفكرة

في الأساطير اليونانية القديمة، عاش قاطع طريق يُدعى بروكريست، كان يملك سريراً حديدياً ثابت المقاس، كل من يمر به، يُجبر على الاستلقاء عليه. فإن كان الجسد أطول من السرير، قطعه بروكريست أجزاءاً منه حتى "يتناسب"، وإن كان أقصر، مدّه بالقوة حتى "يبلغ القياس".

 كان الهدف من ذلك تطويع الجسد، ولم يكن السرير أداة نوم وراحة، بل وسيلة سيطرة وتعذيب. مع مرور الزمن، خرج "سرير بروكريست" من حدود الأسطورة، ليصبح رمزاً لكل محاولة لفرض القوالب الجاهزة على الأشخاص، على الحقيقة، على الفكر، وعلى الواقع.

 وكل من يرفض الاختلاف، أو يخاف منه، أو يعجز عن استيعابه، ينصب سريره الخاص ويبدأ بتشويه ما حوله حتى يُشبهه. ورغم أننا اليوم لا نرى الأسرة الحديدية، إلا أن بروكريست لا يزال حاضراً،  في الإعلام، في العقول، وفي المواقف اليومية، كثيرون يتبعون طريقته، ولكن بأساليب أكثر نُعومة، وأحياناً أكثر وحشية.

في الواقع السوري، لم يكن سرير بروكريست مجرد استعارة أدبية، بل تحوّل إلى سياسة يومية، ممنهجة ومدمرة. خاصة خلال سنوات الثورة السورية، حيث أخضع النظام البائد الأهالي بالقوة، وسعى إلى قولبة الوعي الجماعي، وإجبار الجميع على نمط واحد من التفكير والانتماء.

وكل من خرج عن هذا النمط، أو حاول الابتعاد عنه، لحق به الأذى بأقسى الطرق، منهم من رُمي في المعتقلات، والبعض تم نفيه خارج البلاد، ومنهم من قتل، إلى جانب قصف المنازل وتدمير قرى ومدن بأكملها. لقد واجه السوريون عقاباً جماعياً على أي انحراف عن “المقياس الرسمي”، حتى لو كان هذا الانحراف إنسانياً، أخلاقياً، وصاحب حق.

حتى أعوان النظام تبنّوا نفس أسلوب بروكريست، فخوّنوا كل من تحدّى سلطة النظام المخلوع، وكذّبوا القصص والمعاناة التي رواها الأهالي عن ظلمه، ووالوا الأسد ولاءً أعمى، مهاجمين بطريقة بروكريستية كل من حاول الوقوف ضد هذا القهر.


حتى بعد انتصار الثورة وسقوط النظام، ما يزال هناك من يحاول اتباع نفس أسلوب بروكريست في التكذيب، التخوين، ومحاربة أي رأي لا يتوافق مع آرائهم ومبادئهم، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين، أو على حساب مصلحة البلاد.

هؤلاء الأشخاص الذين يتبعون نفس أسلوب بروكريست يخونون، يهاجمون، يستغلون الثغرات ويضخمونها، يوجّهون التهم، ويحاولون زعزعة الأمن والاستقرار. يقفون خلف الشاشات، خلف الصفحات والأسماء المستعارة، محاولين مهاجمة البلاد، مستخدمين نفس الطريقة القسرية في فرض رؤيتهم على الآخرين، حتى لو كانت على حساب الحقيقة والمصلحة العامة.

كما في الأسطورة، لم ينجُ بروكريست من سيف ما صنعه بغيره؛ فممارسته للقسوة والإجبار انقلبت عليه في النهاية. وفي الواقع السوري، سقط النظام البائد وسقط أعوانه، لكن الأفكار والأساليب البروكريستية لم تختفِ تماماً. هناك من يواصل التخوين، والتشويه، واتهام الآخرين بتهم لا أساس لها، محاولين فرض قياساتهم على الناس بالقوة أو بالإعلام أو بالضغط الاجتماعي.

إنما الحقيقة واحدة: أي قوة تسعى لتطويع الآخرين بالقسر والإكراه، وأي عقلية لا تحتمل الاختلاف، ستجد نهايتها عاجلاً أم آجلاً. وكما انتهى بروكريست، ستنهار كل محاولة لفرض القوالب الجاهزة على البشر، فالحياة والحرية لا يُقيدان بسيرٍ حديدي، ولا يقصّها أحد وفق مقاييسه الخاصة.

الكاتب: فريق العمل - سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ